الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي سأله: " متى الساعة؟ ": " فإِذا ضيعت الأمانة؛ فانتظر الساعة "، قال:" كيف إضاعتها؟ " قال: " إِذا وُسِّد الأمر إِلى غير أهله، فانتظر الساعة "(1).
وتأمل موقف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أراد أن يتحدث في موسم الحج عن يوم السقيفة، قال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه:" لا تفعل! فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، فإنهم هم الذين يغلبون على قُربك حين تقومُ في الناس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالةً يُطيرُها عنك كل مُطير، وألا يعوها وألا يضعوها على موضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة؛ فإنها دار الهجرة والسنة، فتخلُص بأهل الفقه وأشراف الناس، فتقول ما قلتَ متمكنًا فيعي أهلُ العلم مقالتك، ويضعونها على موضعها "(2).
يقول الأستاذ محمد الراشد حفظه الله: " إن الغوغائية التي صنعتها الديمقراطية الحديثة في الشعوب يمكن أن تظهر بصورة أخرى في أوساط دعاة الإسلام إذا أسرفنا في الشورى، ونحن -قبل الداعية المشاكس- نعيب الاستبداد والفردية، ولكن الشيء إذا تجاوز حده آذى "(3).
السبب الثامن: التعصب الحزبي، والبغي، وعقد الولاء على غير الكتاب والسنة:
فبعض الناس يربون أتباعهم على الولاء لأشخاصهم والانتماء لذواتهم، أو جماعاتهم، ويوالون في ذلك ويعادون، دون اعتبار لمبدإ الحب في الله، والبغض في الله، وفي هؤلاء يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
(1) رواه البخاري (1/ 142 - فتح).
(2)
رواه البخاري في " صحيحه "(8/ 209) ط. الشعب.
(3)
" فضائح الفتن " ص (18).
" وليس لأحد أن ينتسب إلى شيخ يوالي على متابعته، ويعادي على ذلك، بل عليه أن يوالي كل من كان من أهل الإيمان، ومن عرف منه التقوى من جميع الشيوخ وغيرهم، ولا يخص أحدًا بمزيد موالاة إلا إذا ظهر له مزيد إيمانه وتقواه، فيقدم من قدَّم الله ورسوله عليه، ويفضل من فضَّله الله ورسوله "(1) اهـ.
وقال أيضًا رحمه الله تعالى:
(ومن نصب شخصًا كائنًا من كان؛ فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل فهو {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الروم: 32]، وإذا تفقه الرجل، وتأدب بطريقة قوم من المؤمنين مثل أتباع الأئمة والمشايخ؛ فليس له أن يجعل قدوته وأصحابه هم العيار، فيوالي من وافقهم، ويعادي من خالفهم " (2) اهـ.
وقال أيضا رحمه الله تعالى:
" وليس للمعلمين أن يُحزبوا الناس ويفعلوا ما يُلقي بينهم العداوة والبغضاء، بل يكونون مثل الإخوة المتعاونين على البر والتقوى .. وإذا وقع بين معلِّم ومعلم، أو تلميذ وتلميذ، أو معلم وتلميذ خصومة ومشاجرة؛ لم يجز لأحد أن يُعين أحدهما حتى يعلم الحق، فلا يعاونه بجهل ولا بهوى، بل ينظر في الأمر؛ فإذا تبين له الحق أعان المحق منهما على المبطل، سواء كان المحق من أصحابه أو أصحاب غيره، وسواء كان المبطل من أصحابه أو أصحاب غيره، فيكون المقصود عبادة الله وحده وطاعة رسوله، واتباع الحق والقيام بالقسط، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ
(1)" مجموع الفتاوى "(11/ 512).
(2)
" السابق "(20/ 8 - 9).