الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
" حسبك إِذا ذكرت أخاك بما فيه "(1).
ومن ثم قال الراغب: " الغيبة: هي أن يذكر الإنسان عيب غيره من غير مُحْوِجٍ إلى ذكر ذلك "(2).
وقال ابن الأثير في " النهاية ": " الغيبة أن تذكر الإنسان في غيبته بسوء، وإن كان فيه "(3).
وقال النووي في " الأذكار " تبعًا للغزالي: " الغيبة ذكر المرء بما يكرهه سواء كان ذلك في بدن الشخص، أو دينه، أو دنياه، أو نفسه، أو خَلقه، أو خُلُقه، أو ماله، أو ولده، أو زوجه، أو خادمه، أو ثوبه، أو حركته، أو طلاقته، أو عبوسته، أو غير ذلك مما يتعلق به، سواء ذكرته باللفظ أو بالإشارة والرمز "(4) اهـ.
حكم الغيبة، والتحذير منها:
قال الإمام القرطبي رحمه الله: " لا خلاف أن الغيبة من الكبائر، وأن من اغتاب أحدًا عليه أن يتوب إلى الله عز وجل "(5) اهـ.
وقال الفقيه الشافعي ابن حجر الهيتمي رحمه الله: (كل منهما -أي الغيبة
(1) رواه أبو الشيخ في " التوبيخ والتنبيه " برقمي (188، 189)، وابن أبي الدنيا في " الصمت " رقم (205)، وفيه المثنى بن الصباح، ضعيف، والحديث حسنه المنذري في " الترغيب "(506/ 3).
(2)
" الذريعة " ص (142).
(3)
" النهاية في غريب الحديث "(3/ 399).
(4)
" الأذكار النووية " ص (288) بتصرف.
(5)
" الجامع لأحكام القرآن "(16/ 337).
والنميمة- حرام بالإجماع، وإنما الخلاف في الغيبة: هل هي كبيرة أو صغيرة؟، ونُقِل الإجماع على أنها كبيرة، وقال أخرون:" محله إن كانت في طلبة العلم، وحملة القرآن، وإلا كانت صغيرة ") (1) اهـ.
وعن جابر رضي الله عنه قال: (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فهبَّت ريح مُنْتنَة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتدرون ما هذه الريح؟ هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين ")(2).
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت:(قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: " حسبك من صفية كذا وكذا "، قال بعض الرواة: تعني أنها قصيرة، فقال: " لقد قلتِ كلمة لو مُزِجت بماء البحر لمزجته ")(3).
(1) تطهير العيبة من دنس الغيبة " ص (45)، وانظر: " مغني المحتاج " (4/ 427).
(2)
أخرجه الإمام أحمد (3/ 351)، والبخاري في " الأدب المفرد "(732)، وابن حبان في " الثقات "(2/ 72)، وقال الهيثمي في " المجمع ":" رواته ثقات "(8/ 91)، وحسنه الحافظ في " الفتح "(10/ 470)، وحسنه الألباني في " غاية المرام " رقم (429)، وللحديث طريق أخرى عند البخاري في " الأدب المفرد " بسنده عن جابر بلفظ:(هاجت ريح منتنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إِن ناسًا من المنافقين اغتابوا أناسًا من المسلمين، فبعثت هذه الريح لذلك ") قال الألباني: " إسناده جيد على شرط الصحيح " اهـ.
فائدة: قيل لبعضهم: " ما الحكمة في أن ريح الغيبة ونتنها كانت تتبين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تتبين في يومنا هذا؟ ".
قال: " لأن الغيبة كثرت في يومنا، فامتلأت الأنوف منها، فلم تتبين الرائحة، وهي النتن، ويكون مثال هذا، مثال رجل دخل دار الدباغين، لا يقدر على القرار فيها من شدة الرائحة، وأهل تلك الدار يأكلون فيها الطعام، ويشربون الشراب، ولا تتبين لهم الرائحة، لأنه قد امتلأت أنوفهم منها، كذلك أمر الغيبة في يومنا هذا " اهـ. من " تنبيه الغافلين "(1/ 175) للسمرقندي.
(3)
أخرجه الامام أحمد (6/ 186، 206)، وأبو داود (4875)، والترمذي (2502)، وابن أبي الدنيا في " الصمت " رقم (206)، وقال الترمذي:" حديث حسن صحيح ".
وعن أبي برزة الأسلمي والبراء بن عازب رضي الله عنهما قالا: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإِيمان قلبه! لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإِنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، يفضحه ولو في جوف بيته ")(1).
وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: (بينما أنا أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو آخذ بيدي، ورجل على يساره، فإذا نحن بقبرين أمامنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إِنَّهما ليُعذبان، وما يعُذبان في كبير (2) وبلى! (3) فأيكم يأتيني بجريدة؟ "، فاستبقنا فسبقتُه، فأتيته بجريدة، فكسرها نصفين، فألقى على ذا القبر قطعة، وعلى ذا القبر قطعة، قال: " إِنه يهوَّن عليهما ما كانتا رطْبَتَيْن، وما يعذبان إِلا في الغيبة والبول ") (4).
(1) رواه من حديث أبي برزة رضي الله عنه الإمام أحمد (4/ 420)، وأبو داود (4880)، والبيهقي (10/ 247)، ورواه من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أبو يعلى في " مسنده "(1675)، والبيهقي في " الدلائل "(6/ 256)، وقال الهيثمي في " المجمع ":" رجاله ثقات "(8/ 53)، وحسنه المنذري في " الترغيب "(3/ 240)، وفي الباب عن ابن عمر، وابن عباس، وبريدة بن الحصيب رضي الله عنهم.
(2)
نقل الأبي عن المازَري: " أي شاق تركه؛ لأن المنهي عنه: منه ما يشق تركه كالمستلذات، ومنه ما ينفر الطبع كالمسمومات، ومنه ما لا يشق تركه كهذا "، وقال عياض:(وقيل: المعنى " في كبير " عندكم، وهو عند الله كبير) اهـ.
(3)
أي حقًّا إنه كبير يعاقب الله عليه، وقد عاقبهما سبحانه في القبر بعد موتهما.
(4)
رواه الامام أحمد (5/ 39)، وابن ماجه (349)، والطيالسي (867)، وابن أبي شيبة (1/ 122)، والبيهقي في " عذاب القبر "(137)، وقال المنذري:" رواته ثقات " كما في " الترغيب "(3/ 512)، وقال الحافظ في " الفتح " (4/ 384):(إن رواية أبي بكرة عند أحمد والطبراني إسنادها صحيح) اهـ، وللحديث شواهد من حديث أبي هريرة، وجابر بن عبد الله، وأبي موسى، وعبد الرحمن بن حسنة وغيرهم، انظرها مفصلة في " بذل الإحسان " للحوينى رقم (31).
وعن جابر رضي الله عنه مرفوعًا: " أما أحدهما فكان يغتاب الناس، وأما الآخر فكان لا يتأذى من البول "(1).
وصَحَّ عن قتادة رضي الله عنه قال: " ذكر لنا أن عذاب القبر ثلاثة أثلاث: ثلث من الغيبة، وثلث من البول، وثلث من النميمة "(2).
وعن أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما عُرِج بِي مَررت بقومٍ لهم أظفار من نحاس يَخْمِشُونَ (3) وجوههم وصدورهم، فقلت: مَن هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم "(4).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقام رجل (5)، فوقع فيه رجل من بعده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" تخلل "(6)، فقال:" وممَّ أتخلل؟ وما أكلت لحمًا! "، قال:" إِنك أكلت لحم أخيك ") (7).
(1) البخاري في " الأدب المفرد " وصححه لغيره الألباني في " صحيح الأدب المفرد " رقم (564).
(2)
رواه ابن أبي الدنيا في " الصمت " ، (رقم189) ص (129).
(3)
يخمشون: يخدشون ويقطعون.
(4)
أخرجه الإمام أحمد (224/ 3)، وأبو داود رقما (4878)، (4879)، وابن أبي الدنيا في " الصمت " رقم (165)، وأبو الشيخ في " التوبيخ والتنبيه " رقم (201)، وصححه الألباني على شرط مسلم، كما في " الصحيحة " رقم (533).
(5)
أي غاب عن المجلس.
(6)
بالخاء: من التخلل، وهو استعمال الخلال لإخراج ما بين الأسنان من الطعام، وأصله: من إدخال الشيء في خلال الشيء وهو وسطه، ومنه تخليل الأصابع في الوضوء، وانظر:" النهاية "(2/ 73)، (1/ 430).
(7)
قال الهيثمي في " المجمع "(8/ 94): (رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح)، وزاد المنذري عزوه إلى ابن أبي شيبة، وقال في " الترغيب ":(رواته رواة الصحيح) اهـ (3/ 506)، وانظر:" غاية المرام " رقم (428).
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه مَرَّ على بغل ميت، فقال لبعض أصحابه:" لأن يأكل الرجل من هذا حتى يملأ بطنه خير من أن يأكل لحم رجل مسلم "(1).
" والغيبة ضيافة الفساق " كما قال بعض السلف.
وعن إبراهيم بن أدهم: (أنه أضاف ناسًا، فلما قعدوا على الطعام جعلوا يتناولون رجلاً، فقال إبراهيم: إن الذين كانوا قبلنا، كانوا يأكلون الخبر قبل اللحم، وأنتم بدأتم باللحم قبل الخبز). (2)
وعن ابن سيرين: ذكر الغيبة فقال: (ألم تر إلى جيفة خضراء منتنة؟). (3)
وعن محمد بن عبيد الطنافسي، قال:(كنا عند " سفيان الثوري "، فأتاه رجل، فقال: يا أبا عبد الله أرأيت هذا الحديث الذي جاء " إِن الله ليبغض أهل البيت اللحميين " (4) الذين يكثرون أكل اللحم؟ قال سفيان: " لا، هم الذين يكثرون أكل لحوم الناس ") (5).
(1) رواه البخاري في " الأدب المفرد "(256)، ووكيع في " الزهد "(433)، وابن أبي شيبة (8/ 387)، وابن أبي الدنيا في " الصمت " رقم (177)، (187)، وأبو الشيخ رقم (208)، وقال محقق " الزهد " لوكيع:" إسناده صحيح على شرط الشيخين "(3/ 748).
(2)
" تنبيه الغافلين " للسمرقندي (1/ 176).
(3)
رواه وكيع في " الزهد "(432)، وهناد في " الزهد "(2/ 564)، وفي " النهاية " (1/ 325): الجيفة: جثة الميت إذا أنتن.
(4)
رواه البيهقي في " الشعب "(5/ 307) رقم (6743) من حديث سمرة بن جندب مرفوعًا بلفظ: " إِن الله يبغض البيتَ اللحِمَ "، وانظر:" الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة " للسيوطي (58).
(5)
رواه البيهقي في " شعب الايمان "(5/ 299)، وأبو نعيم في " الحلية "(6/ 75)، وابن أبي الدنيا بنحوه في " الصمت " رقم (739).
وليس فيه التصريح برفع الحديث، وقال محققه الحويني:" رجاله ثقات " اهـ. ص (309)، وانظر:" النهاية " لابن الأثير (4/ 239).
وسمع علي بن الحسين رجلاً يغتاب آخر، فقال:" إياك والغيبة، فإنها إدام كلاب الناس "(1).
وعن عبد العزيز بن أبان أن سفيان الثوري رحمه الله قال: " إياك والغيبةَ، إياك والوقوعَ في الناس، فيهلِك دينُك "(2).
وسئل بشر بن الحارث عمن يغتاب الناس يكون عدلاً؟ قال: " لا، إذا كان مشهورًا بذلك فهو الوضيع "(3).
وقال الفضيل: سمعت سفيان يقول: " لأن أرمي رجلاً بسهم أحب إليّ من أن أرميه بلساني "(4).
وقال الحسن: " والله! لَلغيبة أسرع في دين المؤمن من الأكَلةِ في جسده "(5).
* * *
(1)" تفسير القرطبي "(16/ 336).
(2)
رواه ابن أبي الدنيا في " الصمت " ص (206) رقم (171).
(3)
" حلية الأولياء "(8/ 344).
(4)
رواه البيهقي في " الشعب "(5/ 316).
(5)
" الصمت " لابن أبي الدنيا رقم (191) ص (129).