المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثامن [في إعلام الله تعالى خلقه بصلاته عليه وولايته له] - شرح الشفا - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأوّل

- ‌[المقدمة]

- ‌ترجمة القاضي عياض

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌القسم الأول [في تعظيم العلي الأعلى جل وعلا]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ [فِيمَا جَاءَ من ذلك مجيء المدح والثناء]

- ‌الفصل الثّاني [في وصفه تعالى بالشهادة وما تعلق به من الثناء والكرامة]

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ [فيما ورد من خطابه تعالى إياه مورد الملاطفة والمبرة]

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُ [فِي قَسَمِهِ تَعَالَى بِعَظِيمِ قَدْرِهِ صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الفصل الخامس في قسمه

- ‌الْفَصْلُ السَّادِسُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى في جهته عليه الصلاة والسلام مورد الشفقة والإكرام]

- ‌الفصل السّابع [فيما أخبره الله بِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ عَظِيمِ قَدْرِهِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّامِنُ [فِي إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقَهُ بصلاته عليه وولايته له]

- ‌الْفَصْلُ التَّاسِعُ [فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْفَتْحِ مِنْ كراماته عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْعَاشِرُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كتابه العزيز من كراماته عليه ومكانته عنده]

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي تَكْمِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ المحاسن خلقا وخلقا]

- ‌فصل [قال القاضي رحمه الله تعالى إذا كانت خصال الكمال والجلال]

- ‌فصل [إن قلت أكرمك الله تعالى لا خفاء على القطع بالجملة]

- ‌فصل [وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُفُورُ عَقْلِهِ وَذَكَاءُ لُبِّهِ وَقُوَّةُ حَوَاسِّهِ وفصاحة لسانه واعتدال حركاته وحسن شمائله]

- ‌فصل [وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول]

- ‌فصل [وأما شرف نسبه وكرم بلده ومنشأه]

- ‌فصل [وأما تَدْعُو ضَرُورَةُ الْحَيَاةِ إِلَيْهِ مِمَّا فَصَّلْنَاهُ فَعَلَى ثلاثة ضروب الضرب الأول]

- ‌فصل [وأما الضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته والفخر بوفوره]

- ‌فصل [وأما الضرب الثالث فهو ما تختلف فيه الحالات]

- ‌فصل [وأما الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [وأما أَصْلُ فُرُوعِهَا وَعُنْصُرُ يَنَابِيعِهَا وَنُقْطَةُ دَائِرَتِهَا فَالْعَقْلُ]

- ‌فصل [وأما الحلم]

- ‌فصل [وأما الجود]

- ‌فصل [وأما الشجاعة والنجدة]

- ‌فصل [وأما الحياء والإغضاء]

- ‌فصل [وأما حسن عشرته وآدابه]

- ‌فصل [وأما الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق]

- ‌فصل [وأما خلقه صلى الله تعالى عليه وسلم في الوفاء]

- ‌فصل [وأما تواضعه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما عدله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته]

- ‌فصل [وأما وقاره صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما زهده صلى الله تعالى عليه وسلم في الدنيا]

- ‌فصل [وأما خوفه صلى الله تعالى عليه وسلم من ربه عز وجل]

- ‌فصل [اعلم وفقنا الله تعالى وإياك أن صفات جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قد آتيناك أكرمك الله سبحانه من ذكر الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [في تفسير غريب هذا الحديث ومشكله]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ ومشهورها بتعظيم قدره عند ربه عز وجل]

- ‌الفصل الأول [فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ مَكَانَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عز وجل]

- ‌فصل [في تفضيله صلى الله تعالى عليه وسلم بما تضمنته كَرَامَةُ الْإِسْرَاءِ]

- ‌فصل [ثم اختلف السلف والعلماء هل كان إسراء بروحه أو جسده]

- ‌فصل [إبطال حجج من قال أنها نوم]

- ‌فصل [وأما رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم لربه عز وجل]

- ‌فصل [في فوائد متفرقة]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَظَاهِرُ الآية من الدنو والقرب]

- ‌فصل [في ذكر تفضيله في القيامة بخصوص الكرامة]

- ‌فصل [في تفضيله بالمحبة والخلة]

- ‌فصل [في تفضيله بالشفاعة والمقام المحمود]

- ‌فصل [في تفضيله فِي الْجَنَّةِ بِالْوَسِيلَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ وَالْكَوْثَرِ وَالْفَضِيلَةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ إِذَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلِيلِ الْقُرْآنِ وصحيح الأثر]

- ‌فصل [في أسمائه صلى الله تعالى عليه وسلم وما تضمنته من فضيلته]

- ‌فصل [في تشريف الله تعالى له بما سماه به من أسمائه الحسنى]

- ‌فصل [قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وها أنا أذكر نكتة]

- ‌الْبَابُ الرَّابِعُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَشَرَّفَهُ بِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ والكرامات]

- ‌فصل [اعلم أن الله عز وجل قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْمَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ]

- ‌فصل [اعلم أن معنى تسميتنا ما جاءت به الأنبياء معجزة]

- ‌فصل [في إعجاز القرآن العظيم الوجه الأول]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ إِعْجَازِهِ صُورَةُ نَظْمِهِ الْعَجِيبِ والأسلوب الغريب]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْإِعْجَازِ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ من الأخبار]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الرَّابِعُ مَا أَنْبَأَ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ القرون السالفة]

- ‌فصل [هَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ إِعْجَازِهِ بَيِّنَةٌ لَا نزاع فيها ولا مرية]

- ‌فصل [ومنها الروعة]

- ‌فصل [وَمِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْدُودَةِ كَوْنُهُ آيَةً بَاقِيَةً لا تعدم ما دامت الدنيا]

- ‌فصل [وَقَدْ عَدَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمُقَلِّدِي الْأُمَّةِ في إعجازه وجوها كثيرة]

- ‌فصل [في انشقاق القمر وحبس الشمس]

- ‌فصل [في نبع الماء من بين أصابعه الشريفة وتكثيره ببركته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ تَفْجِيرُ الْمَاءِ ببركته وانبعاثه]

- ‌فصل [ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته]

- ‌فصل [في قصة حنين الجذع له صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [ومثل هذا وقع في سائر الجمادات بمسه ودعوته]

- ‌فصل [في الآيات في ضروب الحيوانات]

- ‌فصل [في إحياء الموتى وكلامهم]

- ‌فصل [في إبراء المرضى وذوي العاهات]

- ‌فصل [في إجابة دعائه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في كراماته صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْغُيُوبِ]

- ‌فصل [في عصمة الله تعالى له صلى الله تعالى عليه وسلم من الناس وكفايته من آذاه]

- ‌فصل [ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم]

- ‌فصل [ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام وكراماته وباهر آياته أنباؤه مع الملائكة]

- ‌فصل [وَمِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ وَعَلَامَاتِ رِسَالَتِهِ مَا تَرَادَفَتْ]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ عِنْدَ مولده عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى قد أتينا في هذا الباب]

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌الفصل الثامن [في إعلام الله تعالى خلقه بصلاته عليه وولايته له]

وهي سنة أربع وثمانين ومائة كذا ذكره التلمساني (فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: * وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (83)[الصافات: 83] ) أي أتباعه (إِنَّ الْهَاءَ عَائِدَةٌ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ إِنَّ مِنْ شِيعَةِ مُحَمَّدٍ لإبراهيم أي على دينه. ومنهاجه) أي طريقه الواضح، (وأجازه الفرّاء) يروى وأجازه الفراء، (وحكاه عنه مكّيّ) ونسبه بعضهم إلى الكسائي أيضا فكان الله أخبر إبراهيم بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم فآمن به وشايعه في دينه وعود الضمير على غير متقدم لفظا شائع سائغ كقوله تعالى حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ وإنما جعل منها لتقدمه عليه خلقا ونبوة كما يدل عليه حديث أنه حيث سئل مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّةُ قَالَ وَآدَمُ بَيْنَ الروح والجسد وفي رواية وآدم منجدل في طينته وهذا أولى مما قيل في جواب الإشكال الوارد من أن المتعارف هو أن المتأخر في الزمان هو الذي يكون من شيعة المتقدم لكن قد جاء عن العرب عكس ذلك:

وما لي الا آل أحمد شيعة والسبب في هذا أن من كنت على منهاجه ودينه فقد كان على منهاجك سواء تقدم أو تقدمت، (وقيل المراد نوح) ويروى على نوح عليه السلام وهو قول أكثر المفسرين كما هو الظاهر المتبادر من حيث تقدم مرجعه فإبراهيم ممن شائع في دينه لاتفاق شرعهما في الفروع غالبا وإن كان بينهما ألفان وستمائة وأربعون سنة ونبيان هود وصالح عليهما الصلاة والسلام كذا ذكره الدلجي.

‌الْفَصْلُ الثَّامِنُ [فِي إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقَهُ بصلاته عليه وولايته له]

(في إعلام الله تعالى خلقه) أي مخلوقه (بصلاته عليه وولايته له) بكسر الواو وقد يفتح وبهما قرئ قوله تعالى ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ من شيء والكسر قراءة حمزة من السبعة فتلحين الأصمعي قراءة الأعمش في هذه الآية بكسر الواو خطأ ظاهر وقوله إن الولاية بالكسر إنما هي في الإمارة والسلطان ونحوهما بصيغة الحصر مدفوع ولو سلم فالكسر مشترك في المعنيين والله أعلم وقيل بالفتح بمعنى النصرة وبالكسر تولى الأمر أي موالاته ونصرته له (ودفعه) مصدر مضاف إلى فاعله أي ودفع الله (العذاب بسببه) أي من أجله وجهته وفي نسخة رفعه بالراء واختاره الحلبي وهو تصحيف في مبناه وتحريف في معناه إذ الرفع لا يستعمل إلا بعد الوقوع ولذا قيل الدفع أهون من الرفع (قال تعالى) أي حين قال الكفار مبالغة في الإنكار اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الْأَنْفَالِ: 33] ) بيان لما كان موجبا لإمهالهم مع علم الله سبحانه وتعالى بأقوالهم وأفعالهم (أي ما كنت بمكّة) أي مدة كونك فيها إذ جرت سنته تعالى أن لا يعذب قوما عذاب استئصال ما دام نبيهم بين اظهرهم ومن ثمة كان العذاب إذا نزل بقوم أمر نبيهم بالخروج بمن آمن وفيه تلويح بأنهم مرصدون بالعذاب إذا هاجر (فلمّا

ص: 120

خرج النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم من مكّة) أي مهاجرا إلى المدينة، (وبقي فيها من بقي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ نَزَلَ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال: 33] ) وهو إما بمعنى وما كان الله معذبهم وفيهم من يستغفر من المؤمنين ممن تخلف عن رسول الله من المستطيعين أو بمعنى نفي الاستغفار أي ولو كانوا ممن يؤمن ويستغفر من الكفر لما عذبهم وعن الحسن أن الآية منسوخة بقوله تعالى وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ والظاهر أن لا تنافي بينهما إذ النفي منصب على عذاب الاستئصال والإثبات محمول على غيره من الاسر والقتل وأنواع الخزي والنكال قال المنجاني وهذا التأويل قال به جماعة من المفسرين منهم ابن عباس والضحاك ومقتضاه أن الضمير في قوله سبحانه وتعالى معذبهم عائد على كفار مكة والضمير في قوله تعالى وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ عائد على المؤمنين الباقين بمكة بعد رسول صلى الله تعالى عليه وسلم أي وما كان الله ليعذب الكافرين والمؤمنون يستغفرون بينهم فتكون الآية على هذا نحوا من قوله تعالى وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ الآية وقوله تعالى لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا الآية أيضا وعلى هذا التأويل فالمؤمنون مفهومون من سياق الكلام وإلا فلم يتقدم لهم ذكر في الآية وأما التأويل الثاني الذي ذكر القاضي في هذه الآية بقوله. (وَهَذَا مِثْلَ قَوْلِهِ: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا [الْفَتْحِ: 25] الآية) أي وما ذكر مما دل على إمهالهم وتأخير العذاب في آجالهم لأجل من فيها من المؤمنين وتحسين أفعالهم وأقوالهم مثل قوله سبحانه وتعالى لَوْ تَزَيَّلُوا أي لو تفرقوا وتميز المؤمنون من الكافرين لعذبنا الذين كفروا منهم أي من أهل مكة عذابا أليما بالقتل والأسر. (وقوله) أي ومثل قوله تعالى (وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ [الفتح: 25] الآية) أي ونساء مؤمنات بمكة لم تعلموهم أي بأعيانهم لاختلاطهم بأهل كفرهم وطغيانهم أن تطؤوهم بدل اشتمال من رجال ونساء أو من ضمير هم في تعلموهم أي أن تدوسوهم فتهلكوهم ومنه الحديث آخر وطأة وطأها الله بعرج واد بالطائف فتصيبكم منهم معرة من عره إذا غشيه بمكروه أي فيغشاكم من جهتهم مكروه كوجوب الدية والكفارة بقتلهم والتأسف عليهم وتعيير الكفار لكم به والإثم بتقصيركم في البحث عنهم بغير علم حال أي أن تطؤهم غير عالمين بهم وجواب لولا محذوف لدلالة الكلام عليه والمعنى لولا كراهة أن تهلكوا مؤمنين ومؤمنات بين أظهر الكفار جاهلين به فيصيبهم مكروه بإهلاكهم لما كف أيديكم عنهم وقوله تعالى لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ علة لما دل عليه كف الأيدي عنهم صونا لمن فيها من المؤمنين أي كان ذلك لأجل أن يدخل الله في رحمته من يشاء من مؤمنيهم أو مشركيهم أو منهما بتوفيقه للإسلام أو لزيادة الخير والإنعام (فلمّا هاجر المؤمنون) أي من مكة (نَزَلَتْ وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ [الْأَنْفَالِ: 34] ) أي وما يمنع من تعذيبهم بعد أن فارقتهم والمؤمنون وكيف لا يعذبون وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن اولياءة إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون (وهذا) أي ما ذكر في دلالة الآية على تأخير العذاب عنهم وهو فيهم (من أبين ما يظهر

ص: 121

مكانته) أي من أظهر دليل يبين علو مرتبته ورفعة شأنه وعظمته (صلى الله تعالى عليه وسلم) لكل أحد عند ربه، (ودرأته) وقع بخط بعض الأكابر هنا درأ به على أنه فعل ماض وجار ومجرور أي دفع به والظاهر أنه تصحيف والصواب أنه بكسر الدال المهملة وسكون الراء وهمز وتاء أي ومن أبين ما يظهرها دفعه سبحانه (العذاب عن أهل مكّة بسبب كونه) أي وجوده المتضمن لكرمه وجوده فيهم لأنه بعث رحمة للعالمين (ثمّ كون أصحابه) بجر الكون عطفا على ما تقدم (بعده بين أظهرهم) أي بينهم وفي جوارهم فلفظ أظهرهم مقحم للمبالغة (فلمّا خلت مكّة منهم، عذّبهم) أي الله كما في نسخة (بتسليط المؤمنين عليهم) أي بتسليط رسوله إياهم وأبعد التلمساني حيث فسر التسليط بالقهر (وغلبتهم إيّاهم، وحكّم فيهم سيوفهم) بتشديد الكاف المفتوحة أي جعلها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حكما فيهم حدا وصفحا قتلا وقطعا وأسرا (وأورثهم أرضهم) أي مزارعهم (وديارهم) أي بيوتهم وحصونهم ومعاقلهم، (وأموالهم) أي نقدهم وأثاثهم ومواشيهم روي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم جعل عقارهم للمهاجرين فتكلم فيه الأنصار فقال لهم إن لكم منازلهم وروي أنه قال لهم أما ترضون أن الناس يرجعون بالأموال إلى بلادهم وأنتم ترجعون برسول الله إلى أهليكم وقال عمر رضي الله تعالى عنه أما تخمس كما خمست يوم بدر فقال صلى الله تعالى عليه وسلم لا إنما جعلت هذه لي طعمة وهذا صريح بأن مكة فتحت عنوة وعليه الإمام أبو حنيفة والأكثرون من أهل العلم وعن الإمام الشافعي أنها فتحت صلحا ومن ثمة كان يجيز إجارة دورها وبيعها بدليل حديث وهل ترك لنا عقيل من رباع لكن لا يخفى بعد وجه الاستدلال به وأبعد من قال فتح أعلاها صلحا وأسفلها عنوة، (وفي الآية) أي آية وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (أيضا تأويل آخر) وهو أن الضميرين راجعان إلى الكفار فيحتمل أن يكون وهم يستغفرون في موضع الحال بتقدير أن لو كان أي وما كان الله معذبهم وهم بحال توبة واستغفار من كفرهم لو وقع منهم واختاره الطبري وأن يكون إشارة إلى من سبق في علم الله أنه يؤمن منهم أو من ذريتهم أي وما كان الله معذبهم ومنهم من يخرج فيستغفر الله ويؤمن به واختاره الزجاج وأن يكون إشارة إلى قولهم في دعائهم غفرانك اللهم فجعله الله كما قال ابن عطية أمانا لهم من عذاب الدنيا كما قرره الدلجي والأظهر ما حرره المنجاني من أن التأويل الآخر الذي ذكره القاضي في هذه الآية مبني على أن الضميرين معا عائدان على المؤمنين لما أسنده القاضي من الحديث ليبينه به وهو قوله.

(حَدَّثَنَا الْقَاضِي الشَّهِيدُ أَبُو عَلِيٍّ رحمه الله بقراءتي عليه) وهو الحافظ ابن سكرة كما سبق (قال حدّثنا أبو الفضل بن خيرون) بالصرف وعدمه فعلون من الخير ضد الشر قد تقدم ذكره، (وأبو الحسين) بالتصغير على الصحيح، (والصّيرفيّ) وهو المبارك بن عبد الجبار وتقدم ترجمته، (قالا) أي أبو الفضل وأبو الحسين كلاهما، (حدّثنا أبو يعلى ابن زوج الحرّة) بضم حاء مهملة وتشديد راء وقد سبق، (حدّثنا أبو عليّ السّنجيّ) تقدم أنه بكسر

ص: 122

السين المهملة وسكون النون فجيم فياء نسبة، (حدّثنا محمّد بن أحمد بن محبوب المروزيّ) بفتح الميم والواو نسبة إلى مرو وهو أبو العباس راوي جامع الترمذي كما سبق (حدّثنا أبو عيسى الحافظ) أي الترمذي صاحب السنن، (حدّثنا سفيان بن وكيع) أي ابن الجراح يروي عن أبيه ومطلب بن زياد وعنه الترمذي وابن ماجه شيخ صدوق إلا أنه ابتلي بوراق سوء كان يدخل عليه فكلم في ذلك فلم يرجع مات سنة سبع وتسعين ومائة، (حدّثنا ابن نمير) بضم نون وفتح ميم وسكون ياء فراء يكنى أبو عبد الرحمن الهمداني الكوفي واسمه عبد الله يروي عن هشام بن عروة والأعمش وعنه ابنه وأحمد وابن معين حجة أخرج له الجماعة مات سنة أربع وثلاثين ومائتين (عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر) بكسر الجيم وهو أبو بشر الاسدي مولاهم البصري يروي عن أبيه وعدة وعنه أبو نعيم وطلق بن غنام ضغيف أخرج له الترمذي وابن ماجه (عن عبّاد بن يوسف) بفتح عين مهملة وتشديد موحدة وهو أبو عثمان الكندي ثقة وقيل ابن سعيد وقيل هو عبادة بن يوسف والأول أصح بصري ثقة روى عن أبي بردة وروى عنه إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر كذا ذكره التلمساني واضطرب كلام الحلبي فيه (عن أبي بردة) بضم الموحدة والصحيح أن اسمه عامر وهو قاضي الكوفة (ابن أبي موسى) يروي عن أبيه وعن علي والزبير وعنه بنوه عبد الله ويوسف وسعيد وبلال وحفيده بريد بن عبد الله وكان من النبلاء توفي سنة أربع ومائة أخرج له الجماعة (عن أبيه) وهو أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس بن سليم بضم ففتح أمير زبيد وعدن للنبي صلى الله عليه وسلم وأمير البصرة والكوفة لعمر رضي الله تعالى عنهما روى عنه بنوه أبو بردة وأبو بكر وإبراهيم وموسى مناقبه جمة توفي سنة أربع وأربعين أخرج له الجماعة والحديث الذي أخرجه المؤلف هنا انفرد الترمذي بإخراجه من بين الستة ذكره في التفسير وقال غريب وإسماعيل يضعف في الحديث انتهى ويقويه أنه رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفا وأبو الشيخ نحوه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه موقوفا أيضا، (قال قال رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ أَمَانَيْنِ لِأُمَّتِي» ) يحتمل أمة الإجابة وهو ظاهر الآية ويحتمل أمة الدعوة وهو الملائم لعموم الرحمة بالأمنة (وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) وهذه الأمنة ظاهرة في عمومهم (وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الْأَنْفَالِ: 33] ) وهذه الأمنة لائحة لخصوصهم ويؤيده قوله. (فإذا مضيت) أي انتقلت من دار الإكدار إلى دار القرار (تركت فيكم الاستغفار) أي فعليكم بالإكثار منه في الليل والنهار ولا يبعد أن يكون الاستغفار من الإبرار سببا وباعثا لدفع عذاب الاستئصال عن الكفار ويؤيده قوله، (ونحو منه) أي من هذا الحديث في المعنى، (قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (107)[الأنبياء: 107] ) لأن ما بعث به سبب لإسعادهم وموجب لصلاح معاشهم ومعادهم وكونه رحمة للكفار وأهل فسادهم أمنهم به من الخسف والمسخ وعذاب الاستئصال في بلادهم. (قال صلى الله تعالى عليه وسلم: أنا أمان لأصحابي) وفي

ص: 123

لفظ أنا أمنة لأصحابي وهو حديث صحيح رواه مسلم عن سعيد بن بردة عن أبيه عن أبي موسى قال صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء فخرج علينا فقال: ما زلتم هنا قلنا: نعم فقال: أجدتم أو أحسنتم قال فرفع رأسه إلى السماء وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلى السماء فقال النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي وأمتي ما يوعدون قال المنجاني وفي لفظ هذا الحديث أمنة وفي الحديث الذي ذكره القاضي أمان ولعلهما روايتان في الحديث أقول أو نقل القاضي بالمعنى مع قرب المبنى إذ الأمنة بضم الهمزة والميم والأمن والأمان بمعنى واحد على ما ذكره المنجاني والظاهر أنه بفتحهما على ما في القاموس هذا ولعله صلى الله تعالى عليه وسلم أراد بذهاب النجوم انتثارها لقوله تعالى وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ وبإتيان السماء ما توعد انفطارها وتبديلها كما قال تعالى يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وبإتيان أصحابه ما يوعدون ما أنذرهم به من الفتن والارتداد وبإتيان أمته ما يوعدون ما أخبرهم به من ظهور البدع واختلاف الآراء والهرج وغلبة الروم وتخريب الكعبة وغير ذلك مما وقع أكثره وبقي ما لا بد من وقوعه وبكونه أمانا لأصحابه: (قيل من البدع) فلم يكن منهم من ارتكب بدعة بشهادة حديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، (وقيل من الاختلاف، والفتن) قال الدلجي وفيه ما فيه لكن يلزمنا الكف عما جرى بينهم بصدوره منهم اجتهادا بتأويلات صحيحة للمصيب أجران على اجتهاده وإصابته وللمخطئ أجر على اجتهاده بشهادة حديث الشيخين أن الحاكم إذا اجتهد فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد انتهى وفيه ما فيه لأن ما جرى بينهم ما جرى منهم إلا بعد غيبته صلى الله تعالى عليه وسلم عنهم وارتفاع الأمان منهم وليس معنى قوله أمان لأصحابي أنهم في أمن من الفتنة إلى آخر أعمارهم بل مقيد بمدة كونه فيهم ولذا قال وإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون. (قال بعضهم: الرّسول صلى الله تعالى عليه وسلم هو الأمان الأعظم) أي لا غيره وإن كان أصحابه أيضا أمانا (ما عاش وما دامت سنّته) أي المستمرة المعتادة له (باقية) أي ثابتة موجودة وهي بالنصب خبر دام وما شرطية جزاؤها قوله (فهو باق) أي فهو صلى الله تعالى عليه وسلم باق حكما لبقاء حكمه في أمته (فإذا أميتت سنّته) أي عدمت وفنيت وتركت ولم يعمل بها أو عمل بخلافها (فانتظروا البلاء والفتن) الخطاب عام لما في نسخة فانتظروا البلاء وكان الأولى أن يقال فينتظر البلاء والفتن أي المحن الدنيوية والفتن الدينية وقيل المعنى فإذا أميتت سنته بموت أهلها فانتظروا البلاء والفتن بدليل حديث أن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبضه بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم أو لم يبق عامل اتخذ الناس رؤساء جهالا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا (وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب: 56] الآية) تقدم بعض الكلام عليها؛ (أبان الله تعالى) أي أظهر وبين (فضل نبيّه

ص: 124

صلى الله تعالى عليه وسلم بصلاته عليه) أي أولا تعظيما (ثمّ بصلاة ملائكته) أي ثانيا تكريما (وأمر عباده بالصّلاة والتّسليم عليه) أي بقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً وفي نسخة وأمر عباده بالجر والإضافة عطفا على صلاته أي وبأمر عباده بهما عليه ثالثا بأن يقولوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ الخ على ما ورد في حديث الصلاة أو بأن يقولوا السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ كما في حديث التشهد وذلك يدل على وجوب الصلاة والسلام عليه في الجملة كلما ذكر لحديث رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ علي فدخل النار فأبعده الله وجوز الصلاة على غير ملك ونبي تبعا ويكره استقلالا لكونها في العرف شعارا لذكر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومن ثمة كره أن يقول محمد عز وجل وإن كان عزيزا جليلا وقيل المراد بالتسليم هو الانقياد لأوامره (فالصلاة) أي مطلقا (من الملائكة ومنا) أي بني آدم (له دعاء) لحديث إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب وإن كان صائما فليصل أي فليدع ووقع في شرح الدلجي من الملائكة استغفار وهو الملائم لقوله وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا والظاهر أن الاستغفار على ظاهره وقوله تعالى وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ عام اريد به خصوص المؤمنين إذ لا يجوز الاستغفار للكافرين إلا بقصد طلب إيمانهم المستلزم استحقاق المغفرة في شأنهم وقال الدلجي أي بسعيهم فيما يستدعي المغفرة من شفاعة وإلهام وإعداد الأسباب المقربة إلى الطاعة وذلك في الجملة يعم المؤمن والكافر وحيث خص به صلى الله تعالى عليه وسلم فالمراد به السعي فيما يليق بجنابه (ومن الله تعالى رحمة) أي رحمة عظيمة أو رحمة خاصة جسيمة والمراد من الرحمة الإحسان وإرادة الانعام لاستحالة معناها الذي هو رقة القلب في حق الرب سبحانه وتعالى (وقيل يصلون) أي معناه (يباركون) من البركة وهي كثرة الخير أي يكاثرونه ويزايدونه عليه ذكره الدلجي والظاهر أن معنى يباركون يدعون له بالبركة في ذاته وصفاته وأهل بيته واتباعه من أمته وحيث كانت المغايرة ظاهرة بين الصلاة والبركة قال المصنف (وقد فرق النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حين علم) أي أصحابه (الصلاة عليه بين لفظ الصلاة والبركة) في حديث قد أمرنا أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك فقال قولوا اللهم صلى عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ على إبراهيم وعلى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبراهيم إنك حميد مجيد والأظهر أن يراد بقوله يصلون يعظمون ويثنون عليه ليشمل جميع الألفاظ الواردة التي من جملتها الترحم ونحوه (وسنذكر حكم الصلاة عليه) أي هل هو فرض أو سنة وهل هو فرض عين أو كفاية وما يتعلق بالمسألة من الفروع والأدلة (وقد حكى أبو بكر بن فورك) بضم الفاء وفتح الراء وهو غير منصرف للعلمية والعجمة وقيل منصرف هو إمام جليل فقها وأصولا وكلاما ونحوا ووعظا مع جلالة وورع زائد ومهابة وهو أصبهاني ومات شهيدا بالسم في سنة ست وأربعمائة ونقل إلى نيسابور ودفن بها قال ابن عبد الغفار يستجاب الدعاء عنده (أنّ بعض العلماء تأوّل) أي

ص: 125

فسر (قوله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ على هذا) أي على هذا المعنى. (أَيْ فِي صَلَاةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيَّ وَمَلَائِكَتِهِ وأمره الأمّة بذلك) أي بالصلاة عليه كما في نسخة (إلى يوم القيامة) واعلم أن قوله وقد حكي إلى هنا لم يثبت في الأصل الذي هو خط المؤلف القاضي وثبت في الأصل المروي عن أبي العباس الغرقي ثم اعلم أن القرة بمعنى السرور والفرحة وأصلها من القر بمعنى البرد يقال أقر الله عينه أي ابرد الله دمعته لأن دمعة الفرح باردة ودمعة الحزن حارة ثم أكثرا لأقوال وأظهرها أنها الصلاة الشرعية لما فيها من المناجاة وكشف المعارف وشرح الصدر وسيأتي الكلام بعد إن شاء الله تعالى. (وذكر بعض المتكلّمين) أي من المفسرين (في تفسير حروف كهيعص (1)[مريم: 1] أنها مأخوذة من كفاية الله وهدايته وتأييده وعصمته وصلاته عليه فزعم (أنّ الكاف من كاف) اسم فاعل من كفى يكفي (أي كفاية الله لنبيّه عليه الصلاة والسلام قال) أي الله سبحانه وتعالى (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ [الزمر: 36] ) واستفهامه لإنكار النفي مبالغة في اثبات كفايته له والمراد بعبده عبده الخاص وهو محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فالإضافة شخصية والمراد به الفرد الأكمل والإضافة للجنس أو المراد جميع عباده أو خواصهم من انبيائه وأوليائه وينصره قراءة حمزة والكسائي عباده بلفظ الجمع وهو صلى الله تعالى عليه وسلم يدخل فيهم دخولا أوليا وقيل في الكاف إشارة إلى أنه الكافي في الإنعام والانتقام لعموم الأنام وقيل الكاف إشارة إلى أنه الكاتب على نفسه الرحمة (والهاء) بالنصب ويجوز رفعه (هدايته له) أي هداية الله لنبيه صلى الله تعالى عليه وسلم وكان الأنسب أن يقال والهاء من هادي أي هِدَايَتُهُ لَهُ (قَالَ: وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً [الْفَتْحِ: 2] ) أي يدلك بلطفه إلى طريق دينه أو إلى تبليغ الرسالة وإقامة مراسم الرياسة (والياء تأييده له قال أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ [الأنفال: 62] ) أي قواك بنصرته على اعدائك والأولى أن يقال الياء إشارة إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ أو إيماء إلى يسر المنحة بعد المنحة أو إلى يده المبسوطة بالرحمة على نبي هذه الأمة أصالة وعلى أتباعه تبعية لئلا يرد عليه ما ذكره المنجاني من أن صاحب هذا القول إن أراد أن هذه حروف أخذت من أوائل هذه المصادر على ما تقدم من اقتصار العرب على أول حرف من الكلمة فإن لفظ التأييد ينقض عليه لأن فاءه همزة لا ياء وإنما الياء عينها وإن أراد أنها أحرف أخذت من هذه المصادر سواء كان كل حرف منها فاء الكلمة أو عينها فهو قول خارج عن القياس الصناعي (والعين عصمته له قال تعالى وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: 67] ) أو إشارة إلى علمه بحاله في سره وجهره قال عز وعلا وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (والصّاد صلاته عليه قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب: 56] ) أي يثنون شأنه ويعظمون برهانه أو إيماء إلى اسمه الصادق في وعده والصبور في وعيده ثم اعلم أن أوائل الصور على القول المعتبر من المتشابه الذي لا يعلم حقيقته والمراد به إلا الله سبحانه وتعالى وقيل إشارة للإعجاز بالقرآن وقيل إشارة لأسماء الله وقيل

ص: 126

لاسماء رسوله وقيل بيان لمدة الأمة المحمدية وجملة ذلك ثلاثون سنة ومائتان وأربعة آلاف وإن أسقط المكرر فتسعمائة وثلاثة وهو الأقرب لأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بعث في الألف السابعة وروى جعفر بن عبد الواحد القاضي حديثا يرفعه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال إن أحسنت أمتي فبقاؤها يوم من أيام الآخرة وإن أساءت فنصف يوم وذلك خمسمائة وروي أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال الدنيا سبعة آلاف سنة بعث في آخرها الفا وهو ضعيف وروي موقوفا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الدنيا سبعة أيام كل يوم منها ألف سنة وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم منها ويدل عليه قوله صلى الله تعالى عليه وسلم بعثت أنا والساعة كهاتين يعني الوسطى والسبابة وقد ورد عن علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه أنه كان يقول في دعائه اغفر لي يا كهيعص فيحتمل أن يكون كهيعص عند علي رضي الله تعالى عنه اسما لله تعالى بجملتها ويحتمل أن يريد نداء الله سبحانه وتعالى بجميع اسمائه التي تضمنتها كهيعص من كاف وهاء ونحو ذلك (وقال تعالى: وَإِنْ تَظاهَرا) وقرأ الكوفيون بالتخفيف والخطاب لعائشة وحفصة رضي الله تعالى عنهما أي وإن تتعاونا (عَلَيْهِ أي على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بالمكر والحيلة في قضية مارية والغل لديه وبسائر مما يسوؤه فإنه لن يضره ولن يعدم من ينصره (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ الآية مولاه أي وليّه) يعني ناصره ومتوليه فيما أولاه (وجبريل) هو رسول الحق إليه يعينه فيما هو عليه (وصالح المؤمنين قيل الأنبياء) يعني والمرسلون (وقيل الملائكة) أي المقربون فيكون تعميما بعد تخصيص لكن فيه أنه يتكرر مع قوله تعالى والملائكة بعد ذلك ظهير أي متظاهرون عليه (وقيل أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما) أي وأمثالهما من أكابر الصحابة لما ذكر الماوردي أنهم أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (وقيل عليّ رضي الله عنه أي ونحوه من أهل البيت وأقاربه (وقيل المؤمنين) أي جميعهم (على ظاهره) بناء على أن كل مؤمن بظاهره صالح والأظهر أن يقال المراد وصالح المؤمنين من الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين والخلفاء الراشدين وسائر الصحابة من السابقين واللاحقين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وصالح بغير واو وهو مفرد أو جمع حذف منه الواو لفظا فحذف رسما وأما تعليل التلمساني بقوله وسره دلالة السرعة في النصرة لأن مدة الواو تفيد مدا وبعدا ولا كذلك حذفها فهو في غاية البعد هذا وإن صح حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال هم أبو بكر وعمر وكان بينة صدق لكونهما المراد به في القول الصدق أو ذكرهما مثلا والمراد به أمثالهما والله تعالى أعلم بكتابه ورسوله ببيان خطابه وقد ورد عن علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه أنه كان يقول في دعائه اغفر لي يا كهيعص كما سبق ثم اعلم أنه ورد في صحيح البخاري أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال مكثت أريد أن اسأل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عن آية سنة فما استطيع أن اسأله هيبة له حتى خرج حاجا فخرجت معه فلما رجعنا وكنا ببعض الطريق عدل

ص: 127

إلى الاراك لحاجة له فوقفت له حتى فرغ ثم سرت معه فقلت له يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من أزواجه قال تلك حفصة وعائشة رضي الله تعالى عنهما قال فقلت والله إني كنت لاريد أن أسألك عن هذا منذ سنة فما استطيع هيبة لك قال فلا تفعل ما ظننت أن عندي منه علما فاسألني فإن كان لي علم أخبرتك به هذا وذهبت طائفة من العلماء إلى أن ذلك كان في قضية مارية القبطية وذلك أن المقوقس أهداها إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سرية فلما كان بعض الأيام وهو يوم حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما جاء رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مارية فواقعها فجاءت حفصة فوجدتهما فأقامت خارج البيت حتى أخرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مارية وذهبت فدخلت خفصة غير متغيرة فقالت يا رسول الله أما كان في نسائك أهون عليك مني أفي بيتي وفراشي فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مرضيا لها أيرضيك أن أحرمها فقالت: نعم قال: فإني قد حرمتها ثم قال لا تخبري بهذا أحدا وخرج عنها فقرعت الجدار الذي بينها وبين عائشة وأخبرتها بذلك لتسرها ولم تر في افشائه لها حرجا واستكتمتها ذلك فنزلت الآية وهي قوله تعالى وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً إلى قوله تَعَالَى وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ واختلفوا هل حرمها بيمين أو لا على قولين فقال قتادة والحسن والشعبي حرمها بيمين وقال غيرهم لم يحرمها بيمين ويروى ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وذهبت طائفة إلى أن تظاهرهما عليه إنما كان في قصة شربه صلى الله تعالى عليه وسلم العسل في بيت زينب بنت جحش وذلك أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان يمكث عندها فتسقيه عسلا قالت عائشة رضي الله عنها فتواطأت أو قالت فتواصيت أنا وحفصة على أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فلتقل إني أجد منك ريح مغافير أو أكلت مغافير وهو شجر كريه الرائحة فدخل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على إحديهما فقالت له ذلك فقال بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود له واستكتمتها ذلك فأخبرت به عائشة فنزلت يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ يعني العسل لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم ولن أعود له إلى قوله سبحانه وتعالى إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ الآية والوجه الأول هو قول أكثر العلماء وروي مرسلا عن زيد بن أسلم من طرق صحاح رواه ابن وهب عن مالك رضي الله تعالى عنه قال حرم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أم إبراهيم رضي الله عنهما فقال هي حرام فأنزل الله في ذلك سورة التحريم وأما الوجه الثاني فبه تواردت الأحاديث الصحيحة وأخرجه البخاري عن عبيد بن عمير عن عائشة رضي الله تعالى عنها بنحو ما سبق وقال فيه إنه شرب عند زينب عسلا كما تقدم وجاء في صحيح مسلم أنه شرب عند حفصة وأن اللتين تظاهرتا عليه هما عائشة وسودة رضي الله تعالى عنهما وأكثر المحدثين على ما في البخاري والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 128