المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [وأما ما ورد في حديث الإسراء وظاهر الآية من الدنو والقرب] - شرح الشفا - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأوّل

- ‌[المقدمة]

- ‌ترجمة القاضي عياض

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌القسم الأول [في تعظيم العلي الأعلى جل وعلا]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ [فِيمَا جَاءَ من ذلك مجيء المدح والثناء]

- ‌الفصل الثّاني [في وصفه تعالى بالشهادة وما تعلق به من الثناء والكرامة]

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ [فيما ورد من خطابه تعالى إياه مورد الملاطفة والمبرة]

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُ [فِي قَسَمِهِ تَعَالَى بِعَظِيمِ قَدْرِهِ صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الفصل الخامس في قسمه

- ‌الْفَصْلُ السَّادِسُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى في جهته عليه الصلاة والسلام مورد الشفقة والإكرام]

- ‌الفصل السّابع [فيما أخبره الله بِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ عَظِيمِ قَدْرِهِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّامِنُ [فِي إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقَهُ بصلاته عليه وولايته له]

- ‌الْفَصْلُ التَّاسِعُ [فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْفَتْحِ مِنْ كراماته عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْعَاشِرُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كتابه العزيز من كراماته عليه ومكانته عنده]

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي تَكْمِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ المحاسن خلقا وخلقا]

- ‌فصل [قال القاضي رحمه الله تعالى إذا كانت خصال الكمال والجلال]

- ‌فصل [إن قلت أكرمك الله تعالى لا خفاء على القطع بالجملة]

- ‌فصل [وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُفُورُ عَقْلِهِ وَذَكَاءُ لُبِّهِ وَقُوَّةُ حَوَاسِّهِ وفصاحة لسانه واعتدال حركاته وحسن شمائله]

- ‌فصل [وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول]

- ‌فصل [وأما شرف نسبه وكرم بلده ومنشأه]

- ‌فصل [وأما تَدْعُو ضَرُورَةُ الْحَيَاةِ إِلَيْهِ مِمَّا فَصَّلْنَاهُ فَعَلَى ثلاثة ضروب الضرب الأول]

- ‌فصل [وأما الضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته والفخر بوفوره]

- ‌فصل [وأما الضرب الثالث فهو ما تختلف فيه الحالات]

- ‌فصل [وأما الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [وأما أَصْلُ فُرُوعِهَا وَعُنْصُرُ يَنَابِيعِهَا وَنُقْطَةُ دَائِرَتِهَا فَالْعَقْلُ]

- ‌فصل [وأما الحلم]

- ‌فصل [وأما الجود]

- ‌فصل [وأما الشجاعة والنجدة]

- ‌فصل [وأما الحياء والإغضاء]

- ‌فصل [وأما حسن عشرته وآدابه]

- ‌فصل [وأما الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق]

- ‌فصل [وأما خلقه صلى الله تعالى عليه وسلم في الوفاء]

- ‌فصل [وأما تواضعه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما عدله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته]

- ‌فصل [وأما وقاره صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما زهده صلى الله تعالى عليه وسلم في الدنيا]

- ‌فصل [وأما خوفه صلى الله تعالى عليه وسلم من ربه عز وجل]

- ‌فصل [اعلم وفقنا الله تعالى وإياك أن صفات جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قد آتيناك أكرمك الله سبحانه من ذكر الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [في تفسير غريب هذا الحديث ومشكله]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ ومشهورها بتعظيم قدره عند ربه عز وجل]

- ‌الفصل الأول [فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ مَكَانَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عز وجل]

- ‌فصل [في تفضيله صلى الله تعالى عليه وسلم بما تضمنته كَرَامَةُ الْإِسْرَاءِ]

- ‌فصل [ثم اختلف السلف والعلماء هل كان إسراء بروحه أو جسده]

- ‌فصل [إبطال حجج من قال أنها نوم]

- ‌فصل [وأما رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم لربه عز وجل]

- ‌فصل [في فوائد متفرقة]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَظَاهِرُ الآية من الدنو والقرب]

- ‌فصل [في ذكر تفضيله في القيامة بخصوص الكرامة]

- ‌فصل [في تفضيله بالمحبة والخلة]

- ‌فصل [في تفضيله بالشفاعة والمقام المحمود]

- ‌فصل [في تفضيله فِي الْجَنَّةِ بِالْوَسِيلَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ وَالْكَوْثَرِ وَالْفَضِيلَةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ إِذَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلِيلِ الْقُرْآنِ وصحيح الأثر]

- ‌فصل [في أسمائه صلى الله تعالى عليه وسلم وما تضمنته من فضيلته]

- ‌فصل [في تشريف الله تعالى له بما سماه به من أسمائه الحسنى]

- ‌فصل [قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وها أنا أذكر نكتة]

- ‌الْبَابُ الرَّابِعُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَشَرَّفَهُ بِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ والكرامات]

- ‌فصل [اعلم أن الله عز وجل قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْمَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ]

- ‌فصل [اعلم أن معنى تسميتنا ما جاءت به الأنبياء معجزة]

- ‌فصل [في إعجاز القرآن العظيم الوجه الأول]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ إِعْجَازِهِ صُورَةُ نَظْمِهِ الْعَجِيبِ والأسلوب الغريب]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْإِعْجَازِ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ من الأخبار]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الرَّابِعُ مَا أَنْبَأَ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ القرون السالفة]

- ‌فصل [هَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ إِعْجَازِهِ بَيِّنَةٌ لَا نزاع فيها ولا مرية]

- ‌فصل [ومنها الروعة]

- ‌فصل [وَمِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْدُودَةِ كَوْنُهُ آيَةً بَاقِيَةً لا تعدم ما دامت الدنيا]

- ‌فصل [وَقَدْ عَدَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمُقَلِّدِي الْأُمَّةِ في إعجازه وجوها كثيرة]

- ‌فصل [في انشقاق القمر وحبس الشمس]

- ‌فصل [في نبع الماء من بين أصابعه الشريفة وتكثيره ببركته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ تَفْجِيرُ الْمَاءِ ببركته وانبعاثه]

- ‌فصل [ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته]

- ‌فصل [في قصة حنين الجذع له صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [ومثل هذا وقع في سائر الجمادات بمسه ودعوته]

- ‌فصل [في الآيات في ضروب الحيوانات]

- ‌فصل [في إحياء الموتى وكلامهم]

- ‌فصل [في إبراء المرضى وذوي العاهات]

- ‌فصل [في إجابة دعائه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في كراماته صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْغُيُوبِ]

- ‌فصل [في عصمة الله تعالى له صلى الله تعالى عليه وسلم من الناس وكفايته من آذاه]

- ‌فصل [ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم]

- ‌فصل [ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام وكراماته وباهر آياته أنباؤه مع الملائكة]

- ‌فصل [وَمِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ وَعَلَامَاتِ رِسَالَتِهِ مَا تَرَادَفَتْ]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ عِنْدَ مولده عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى قد أتينا في هذا الباب]

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌فصل [وأما ما ورد في حديث الإسراء وظاهر الآية من الدنو والقرب]

بعض طرق الحديث الصحيح بأنه (في السّماء السّابعة) أي على ما رواه البخاري في التوحيد أن موسى في السماء السابعة وإبراهيم في السادسة ثم قال بتفضيله لكلام الله تعالى وهو موافق لما في الأصل وقيل صوابه السادسة لأن موسى فيها وإبراهيم في السابعة فالسابعة لموسى غلط ويؤيده أنه قال الحاكم تواترت الأحاديث أنه في السادسة ثم هذه الرفعة في المقام (بسبب كلامه) أي تكليم الله تعالى إياه عليه السلام (ورفع محمّدا فوق هذا كلّه) كما أشار إليه قوله سبحانه وتعالى وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ (حتّى بلغ مستوى) أي مكانا مستويا لا ترى فيه عوجا ولا أمتا (وسمع صريف الأقلام) أي صوت جريانها بما تكتبه من الأقضية والأحكام (فكيف يستحيل في حقّ هذا) أي النبي عليه الصلاة والسلام (أو يبعد) أي يستغرب ويستبعد منه (سماع الكلام؟ فسبحان من اختصّ) وفي نسخة من خص (من شاء بما شاء) أي من جزيل كرمه وجميل نعمه (وجعل بعضهم فوق بعض درجات) أي في المقامات العاليات.

‌فصل [وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَظَاهِرُ الآية من الدنو والقرب]

أي في متممات هذه القصة ومكملات هذه القضية (وأمّا ما ورد في حديث الإسراء) أي أحاديث سيره إلى السماء (وَظَاهِرُ الْآيَةِ مِنَ الدُّنُوِّ وَالْقُرْبِ مِنْ قَوْلِهِ: دَنا فَتَدَلَّى) أي حيث ظواهر الضمائر إليه صلى الله تعالى عليه وسلم لا إلى جبريل كما قيل (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ) أي قدرهما (أَوْ أَدْنى [النجم: 8] ) أي بل أقرب وكون أو للتنويع أنسب (فَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الدُّنُوَّ وَالتَّدَلِّيَ مُنْقَسِمٌ مَا بين محمّد وجبريل عليهما السلام إذ قد دنا كل منهما من الآخر (أو مختصّ بأحدهما) أي بأن محمدا أو جبريل دنا (من الآخر) وفيه أنه لم يكن بينهما بعد حتى يقال دنا فتدلى فتدبر قال النووي المراد بالقاب في الآية عند جميع المفسرين هو المقدار ثم اعلم أن من ذهب إلى أن الدنو والتدلي ما بين محمد وجبريل يقول المعنى دنا جبريل من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فتدلى أي نزل عليه وذلك أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سأله أن يراه على صورته التي جبل عليها فقال لن نقوى على ذلك قال بلى قال فأين تشاء أن أتخيل لك قال بالأبطح قال لا يسعني قال فبمنى قال لا يسعني قال فبعرفات قال ذلك بالحرى أن يسعني فواعده فخرج النبي صلى الله عليه وسلم للوقت فإذا جبريل قد استوى له أي قام في صورته التي خلقه الله تعالى عليها له ستمائة جناح وهو بالأفق الأعلى أي في جانب المشرق في اقصى الدنيا عند مطلع الشمس فسد الأفق من المغرب فلما رآه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كبر وخر مغشيا فتدلى جبريل عليه السلام فنزل عليه حتى إذا دنا منه قدر قوسين أفاق فرآه في صورة الآدميين كما في سائر الأوقات فضمه إلى نفسه وقال لا تخف يا محمد فقال صلى الله تعالى عليه وسلم ما ظننت أن أحدا من خلق الله هكذا قال كيف لو رأيت إسرافيل عليه السلام أن العرش لعلى كاهله وأن رجليه قد خرقنا تخوم

ص: 439

الأرضين السفلى وأنه ليتصاغر من عظمة الله حتى يصير كالوصع يعني كالعصفور الصغير قيل ولم ير جبريل عليه السلام أحد من الأنبياء في صورته الحقيقية غير محمد فإنه رآه فيها مرة في الأرض ومرة في السماء ليلة المعراج عند سدرة المنتهى ذكره الأنطاكي (أو من السّدرة المنتهى) وهذا في غاية من البعد على ما لا يخفى (قال الرّازيّ وقال ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما) أي كما رواه ابن أبي حاتم (هُوَ مُحَمَّدٌ دَنَا فَتَدَلَّى مِنْ رَبِّهِ وَقِيلَ معنى دنا قرب) بضم الراء (وتدلّى زاد في القرب) أظن لا معنى له غيره (وقيل هما بمعنى واحد) أي جمع بينهما للتأكيد (أي قرب) غاية القرب والأول أظهر لأن التأسيس هو الأكثر ولأن زيادة المبنى تفيد زيادة المعنى وقال ابن الأعرابي تدلى إذا قرب بعد علو (وحكى مكّيّ والماوردي عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما) أي كما رواه ابن جرير (هو الرّبّ دنا من محمّد) أي تجلى بوصف القرب له وأما قول الدلجي دنو علم فليس في محله إذ لا خصوصية له ولا بمقامه ثم لا معارضة بين قولي ابن عباس إذ نسبة القرب بينهما متلازمة بل إضافته إلى الرب هو الحقيقة فإنه لو لاقربه لما تصور تقربه كما حقق في قوله سبحانه وتعالى يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ (فتدلّى إليه) أي نزل إليه صلى الله تعالى عليه وسلم (أي أمره وحكمه) يعني على حذف مضاف أو ارتكاب مجاز والأنسب في معناه قرب الرب منه فتقرب إليه والأول يسمى قرب الفرائض والثاني قرب النوافل هكذا قرره بعض أرباب الفضائل. (وحكى النّقّاش عن الحسن) أي البصري (قال دنا) أي الرب الأمجد (من عبده محمّد صلى الله تعالى عليه وسلم فتدلّى فقرب منه) أي قرب مكانه لا قرب مسافة وقرب انعام لأقرب أقدام وقرب عناية لا قرب غاية (فَأَرَاهُ مَا شَاءَ أَنْ يُرِيَهُ مِنْ قُدْرَتِهِ وعظمته) أي مما لا إطلاع لأحد على تفصيل جملته وفيه إيماء إلى تفسير قَوْلِهِ لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (قال) أي الحسن أو النقاش وهو الأقرب والأنسب (وقال ابن عبّاس هو) أي مجموع قوله دَنا فَتَدَلَّى (مقدّم ومؤخّر) أي فيه تقديم وتأخير كما بينه بقوله (تدلّى الرّفرف) وهو بساط خضر من نحو الديباج وقيل ما تدلى من الأسرة من غالى الثياب والبسط وقيل هي المرافق وقيل النمارق والطنافس وقيل كل ثوب عريض وقيل هو البساط مطلقا (لمحمّد صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ فَجَلَسَ عَلَيْهِ ثُمَّ) وفي نسخة حتى (رفع) أي بصيغة المجهول أي لربه (فدنا من ربّه) أي دنوا بالنسبة إليه (قال) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كما سبق عنه (فارقني جبريل) أي في مقام قرب الجليل وقال لو دنوت انملة لاحترقت (وانقطعت عنّي الأصوات) أي أصوات الملائكة وسائر المخلوقات (وسمعت كلام ربّي عز وجل أي بجميع الحواس من جميع الجهات وهذا في المعنى هو تجلي الذات بجميع الصفات (وعن أنس في الصّحيح) أي على ما رواه شريك بن أبي نمير (عَرَجَ بِي جِبْرِيلُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَدَنَا الجبّار) أي القاهر لعباده على وفق مراده (ربّ العزّة) أي الغلبة والقوة في القدرة (فتدلّى) أي الجبار (حتّى كان منه) أي من سيد الأبرار (قاب قوسين) أي قدره وهو غاية القرب في

ص: 440

الكونين (أو أدنى) أي بل أقرب مما يوصف بالقرب للمزيد فإنه في مقام المزيد أقرب من حبل الوريد (فأوحى إليه بما شاء) أي من غير واسطة أحد من العبيد ثم التقدير في الآية مكان مسافة قربه مثل قدر قوسين عربيين وفي أنوار التنزيل والمقصود من الآية تحقيق استماعه لما يوحى إليه بنفي العبد الملبس على الخلق (وأوحى إليه خمسين صلاة) أي بأن يصلي هو والأمة في كل يوم وليلة. (ثم خففت حتى قال يا محمد هي خمس وهي خمسون) أي خمسون حقيقة أو حكما (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ) في أنها خمسون في الجملة وفي رواية أنهن خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ عشر فتلك خمسون صلاة هذا الحديث في الصحيح من رواية شريك عن أنس وقد استغرب الذهبي في الميزان هذا اللفظ فقال بعد أن ذكر حديث الإسراء إلى أن قال ثم علا به فوق ذلك ما لا يعلمه إلا الله حتى جاء سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَدَنَا الْجَبَّارُ رَبُّ الْعِزَّةِ فَتَدَلَّى حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى وهذا من غرائب الصحيح كذا ذكره الحلبي (وعن محمّد بن كعب) أي القرظي كما في نسخة (هو) أي المراد بمن في الآية (محمّد دنا من ربّه فكان قاب قوسين) أي في مقام قربه لكمال حبه ووقع في أصل الدلجي هو محمد دنا محمد فتكلف له بأن وضع الظاهر موضع المضمر لكمال العناية بذكره إلا أنه مخالف لما في الأصول. (وقال جعفر بن محمّد) أي الصادق (أدناه ربّه منه) أي غاية الدنو وهو يحتمل جعل فاعل دنا الرب أو محمدا والأول أقرب (حتّى كان منه كقاب قوسين) ما أحسن هذه العبارة من زيادة الكاف المفيدة بحسب الإشارة إلى أنه ليس مقدار قوسين في المسافة في مقام القرب المعنوي بل يشبه به باعتبار القرب الحسي كما يستفاد هذا المعنى من قوله الآتي. (وقال جعفر بن محمد) أي الصادق ولم يطلقه لئلا يشتبه بجعفر الطيار، (والدّنوّ من الله لا حدّ له) أي لا يدخل تحت حدود العبارة ولا في ضمن وجود الإشارة على وفق سائر حقائق صفاته فضلا عن حقيقة ذاته (ومن العباد بالحدود) أي والدنو من العباد لا يتصور إلا بالحدود الغائية المنتهية إلى غاية ونهاية في الشهود. (وقال) أي جعفر (أيضا) أي حال كونه معاودا منتقلا إلى معنى الكلام في الدنو ومقام المرام (انقطعت الكيفيّة عن الدّنوّ) أي عن معرفة كنهه وحقيقته (ألا ترى كيف حجب جبريل عليه السلام بفتح الحاء أي الرب الجليل (عن دنوّه) أي دنو الخليل فكيف يطعمع غيره إلى معرفة سواء السبيل مع اختلاف القال والقيل (ودنا محمّد إلى ما أودع قلبه) بصيغة المفعول أو الفاعل (من المعرفة والإيمان) أي من كمال المعرفة وزيادة الإيمان المنتجة إلى مقام الإحسان وشهود العرفان (فتدلّى بسكون قلبه إلى ما أدناه) أي قربه إليه وأشرق بأنوار المعارف وأسرار العوارف لديه (وزال عن قلبه الشّكّ والارتياب) أي عن توهم حلول الشك حول ذلك الجناب في حصول فتح هذا الباب والله تعالى أعلم بالصواب وهذا معنى خاص في الآية على طريق الإشارة القريب إلى معنى العبارة. (قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى) أي المصنف (اعْلَمْ أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ إِضَافَةِ الدُّنُوِّ والقرب هنا من الله) أي لعبده (أو إلى

ص: 441

الله) أي من عبده (فليس بدنوّ مكان) أي مسافة بل دنو عناية ومكانة (ولا قرب مدى) بفتح الميم والدال منونا أي ولا قرب غاية ونهاية تعالى الله عن الاتصال والانفصال والحلول والاتحاد وما يقوله أرباب الضلال والإضلال (بل كما ذكرنا عن جعفر بن محمّد الصّادق ليس بدنوّ حدّ) أي يحس ببصر أو يدرك بنظر (وإنّما دنوّ النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم من ربّه. وقربه منه) عطف تفسير (إبانة عظيم منزلته) أي إظهار عظمته ومرتبته (وتشريف رتبته) أي وإظهار شرف رتبة قربته الناشئة من نهاية محبته وغاية طاعته (وإشراق أنوار معرفته) أي بذاته وصفاته. (ومشاهدة أسرار غيبه) أي مغيباته في ملكوت أرضه وسمواته (وقدرته) أي على ما تعلقت به مشيئته من وجود مخلوقاته (ومن الله تعالى) أي من جهته سبحانه وتعالى وهو متعلق بإبانة ووقع في أصل الدلجي زيادة الواو العاطفة وهو مخالف لما في الأصول المعتبرة (له) أي سبحانه وتعالى في حق نبيه أو لنبيه في مقام قربه (مبرّة) بفتح الميم والباء وتشديد الراء بمعنى البر أي مزيد جزيل فوائده إليه وجميل عوائده عليه (وتأنيس) أي وزيادة أنس (وبسط) أي غاية انبساط (وإكرام) أي وظهور إحسان وإنعام (ويتأوّل) بصيغة المجهول (فيه) أي في دنوه سبحانه وتعالى من نبيه (ما يتأوّل في قوله) أي على ما ورد في الكتب الستة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا (ينزل ربّنا إلى سماء الدّنيا كل ليلة) أي يؤول دنوه تعالى منه بما يؤول به نزوله سبحانه وتعالى. (على أحد الوجوه) أي من أن نزوله إنما هو يكون (نزول إفضال وإجمال وقبول وإحسان) والمعنى أنه تعالى يتجلى ذلك الزمان بهذه الصفات من إفاضة الفضل وإفادة الكرم ورعاية القبول ونهاية الإحسان (قال الواسطيّ من توهّم) أي من المريدين (أنّه بنفسه) أي بحوله وقوته (دنا) أي قرب من ربه (جعل ثمه) بفتح المثلثة وتشديد الميم أي في ذلك المقام (مسافة) أي ولا مسافة في قربه للاستحالة (بل كلّ ما دنا بنفسه من الحقّ) أي بزعمه (تدلّى بعدا) أي في حقيقة أمره ونتيجة حكمه (يعني) تفسير من المصنف أو غيره أي يريد (عن درك حقيقته) بسكون الراء وفتحها أي بعد عن إدراك حقيقته وتصور حقيته إذ هو منزه عن شمول إحاطته (إذ لا دنوّ للحقّ ولا بعد) أي دنو مسافة ولا بعد مساحة وأما قوله تعالى فَإِنِّي قَرِيبٌ فتمثيل لكمال علمه وتمام فيضه وإجابته، (وقوله قاب قوسين أو أدنى) يحتمل احتمالين في المعنى (فمن جعل الضّمير) أي في دنا ويروى فإن جعل الضمير (عائدا إلى الله تعالى لا إلى جبريل على هذا) أي يحتاج إلى تأويل وهو أنه (كان) أي الدنو (عبارة عن نهاية القرب) أي المعنوي (ولطف المحلّ) أي المقام الأنسي (وإيضاح المعرفة) من باب الافعال أو الافتعال أي وضوح المعرفة في مقام المشاهدة ويروى المنزلة بدل المعرفة (والإشراف) وفي نسخة بالقاف أي الاطلاع (على الحقيقة) أي المنزهة عن المسافة (من محمّد صلى الله تعالى عليه وسلم) أي من جهته ورعايته، (وعبارة) بالنصب عطف على عبارة السابقة (عن إجابة لرغبة) أي مرغوباته (وقضاء المطالب) بأداء مطلوباته (وإظهار التّحفّي) بفتح المثناة الفوقية والحاء المهملة وتشديد الفاء

ص: 442