الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للوجوب أو الندب وعليه الأكثر، (والأمر بالسّواك) أي وكذا أمره به من جملة مروءته كما في حديث لا مرية في صحته ومن فوائد السواك إزالة تغير الفم وتنظيف الأسنان وتطييب النفس وغيرها مما بلغ أربعين آخرها أنه يذكر الشهادة عند الخاتمة على ضد أكل الأفيون وشرب الدخان نسأل الله العافية (وإنقاء البراجم) بالجر عطفا على بالسواك وفي نسخة بالرفع على أن التقدير ومن مروءته تنظيف البراجم (والرّواجب) وهما جمع برجمة بالضم وراجبة والمراد بهما مفاصل الأصابع من ظهر الكف وباطنها (واستعمال خصال الفطرة) بالاحتمالين وهي فيما رواه الشيخان خمس الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الاظفار ونتف الابط زاد مسلم المضمضة وقص الشارب وإعفاء اللحية والاستنجاء وأبو داود من حديث عمار الانتضاح ومن حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فرق الرأس والاستنشاق في معنى المضمضة وقد سبق في معانيها ما يغني عن إعادتها هنا.
فصل [وأما زهده صلى الله تعالى عليه وسلم في الدنيا]
(وأمّا زهده في الدّنيا) أي عدم ميله إليها وقلة المبالاة بوجودها وفقدها اعتمادا على خالقها (فقد تقدّم من الأخبار) أي الأحاديث الواردة عن الثقات الأخبار (أثناء هذه السّيرة) أي سيرة سيد الأبرار (ما يكفي) أي يغني عن الإعادة والتكرار، (وحسبك من تقلّله منها) أي كافيك من منفعتها (وإعراضه عن زهرتها) بفتح الزاء أي زينتها وبهجتها؛ (وقد سيقت إليه) أي والحال إنها جلبت لديه وعرضت عليه (بحذافيرها) جمع حذفار وقيل حذفور أي بأسرها من أولها وآخرها (وترادفت) أي تتابعت (عليه فتوحها) والجملتان معترضتان بين المبتدأ وخبره وهو قوله (أن توفّي) بصيغة المجهول بعد أن المصدرية والمعنى كافيك مما ذكر حال حصول ما ذكر وفاته (صلى الله تعالى عليه وسلم) وفي نسخة إلى أن توفي على أنها متعلقة بتقلله إيماء إلى اختيار زهده في الدنيا باعتبار الحالة الأولى والأخرى دفعا لما توهم بعضهم من أنه صلى الله تعالى عليه وسلم في آخر عمره اختار الغنى ومما يأبى هذا المعنى قوله (ودرعه) أي والحال أنها (مرهونة عند يهوديّ في نفقة عياله) كما سبق تفصيل أحواله، (وهو يدعو) أي والحال أنه مع ذلك يطلب من ربه كفاية أمره وأمر من يتعلق به من أهله وآله (ويقول) كما رواه الشيخان (اللهمّ اجعل رزق آل محمّد قوتا) أي بلغة تسد رمقهم ليقوموا بعبادة من خلقهم وفي رواية لمسلم والترمذي وابن ماجة اللهم اجعل رزق آل محمد في الدنيا قوتا وفسر القوت بما يمسك رمق الإنسان لئلا يموت والظاهر أن المراد به هنا قدر الكفاية لما في رواية كفانا. (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ الْعَاصِي وَالْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الحافظ) هو ابن سكرة وليس بالغساني كما حرره الحلبي (والقاضي أبو عبد الله التّميميّ قالوا) أي كلهم (ثنا) أي حَدَّثَنَا (أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الرَّازِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْجُلُودِيُّ) بضم الجيم (ثنا أبو سفيان) وفي نسخة صحيحة ابن سفيان (ثنا أبو الحسين مسلم بن الحجّاج) أي
صاحب الصحيح (ثنا أبو بكر بن أبي شيبة) تقدم ذكرهم، (ثنا أبو معاوية) وهو محمد بن خازم بالخاء المعجمة والزاء أحد الأعلام وحفاظ الإسلام روى عن الأعمش وهشام وعنه أحمد وإسحاق وابن معين وكان مرجئا أخرج له الأئمة الستة (عن الأعمش) تابعي جليل روى عن ابن أبي أوفى ورزين وأبي وائل وعنه شعبة ووكيع وخلق له ألف وثلاثمائة حديث (عن إبراهيم) هو النخعي أبو عمران الكوفي الفقيه رأى عائشة رضي الله تعالى عنها وروى عن خاله الأسود وعلقمة وجماعة وكان عجبا في الورع رأسا في العلم (عن الأسود) أي ابن يزيد النخعي عن عمر وعلي ومعاذ حج ثمانين مرة كل مرة بعمرة وكان يصوم حتى يحتضر ويختم في ليلتين (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ مَا شبع) بكسر الموحدة أي ما أكل حتى شبع (رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ثلاثة أيّام) أي بلياليها (تباعا) بكسر التاء الفوقية مصدر تابع أي متابعة وموالاة (من خبز) أي مطلقا ووقع في أصل الدلجي من خبز بر وليس من البر (حتّى مضى سبيله) أي إلى أن توفاه الله تعالى بحسب ما قدره وقضاه والحديث في أواخر مسلم وقد أخرجه البخاري وغيره أيضا. (وفي رواية أخرى) أي له أو لغيره أو للشيخين كما قاله الدلجي (مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ وَلَوْ شَاءَ) أي الله كما في نسخة صحيحة ويدل عليه قوله (لأعطاه) إذ لو كان التقدير لو شاء رسول الله لكان المناسب أن يقول لأعطاه الله أو لأعطى أي متمناه (ما لا يخطر) بكسر طاء ويضم أي ما لم يمر (ببال) أي لا يحدث في خلال خيال، (وفي رواية أخرى) أي لهما (مَا شَبِعَ آلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم من خبز برّ) لقلة وجوده أو لكثرة زهده (حتّى لقي الله) وفي نسخة زيادة عز أي تعالى شأنه وجل أي أعظم برهانه (وقالت عائشة رضي الله عنها كما رواه مسلم (ما ترك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي بعد وفاته، (دينارا) أي من الذهب (ولا درهما) أي من الفضة وهو بكسر الدال وفتح الهاء وتكسر ولله در القائل:
النار آخر دينار نطقت به
…
والهم آخر هذا الدرهم الجاري
والمرء بينهما إن لم يكن ورعا
…
معذب القلب بين الهم والنار
(ولا شاة ولا بعيرا) أي وإنما ترك ما في التمسك به نجاة الثقلين والفوز بسعادة الكونين وهو الكتاب والسنة فمن أخذ بهما ظفر بكنوز الجنة، (وفي حديث عمرو بن الحارث) أخو جويرية من أمهات المؤمنين له ولأبيه صحبة كما رواه البخاري عنه (ما ترك) أي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كما في نسخة (إلا سلاحه) بكسر أوله والمراد سيوفه ورماحه وقسيه ودروعه ومغافره وغيره ذلك مما علقه الحلبي على البخاري (وبغلته) أي البيضاء وهي دلدل (وأرضا جعلها صدقة) الأقرب أن الضمير إلى الأرض وجعلها صدقة لا ينفي كونها مخلفة عنه بطريق تكلمه عليها لكونه ناظرا لها والأنسب عوده إلى الجميع والمعنى جعلها بعد موته صدقة كما حقق في حديث نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة ثم
الاستثناء مفرغ أي ما ترك شيئا يعتد به إلا ما ذكر ونحوه إن ثبت أنه ترك غيره. (قالت عائشة رضي الله عنها كما رواه الشيخان (ولقد مات وما في بيتي) اللام ابتدائية أو قسمية والواو حالية أي لهو قد أو والله لقد مات والحال أنه ليس في بيتي (شيء يأكله ذو كبد) بفتح فكسر ويجوز سكونه مع كسر وفتح أي ذو حياة وخص الكبد لأنه منبع الدم (إلّا شطر شعير) لعله نصف صاع وقال الترمذي أي شيء من شعير ثم المختار رفعه على البدلية ويجوز نصبه على الاستثناء (في رفّ لي) بفتح راء وتشديد فاء خشب يرفع عن الأرض في جدار البيت يرقى عليه ما يراد حفظه وهو الرفرف أيضا وفي الصحاح الرف شبه الطاق وتمام الحديث فأكلت منه حتى طال علي فكلته ففني وهو متفق عليه ثم قالت. (وقال لي) أي تسلية لحالي (إنّي عرض عليّ) بني للمفعول وحذف فاعله إجلالا (أن يجعل لي) بالتذكير أو التأنيث أي يصير ويقلب لأجلي (بطحاء مكّة) أي حصاها أو مسيلها (ذهبا فقلت لا) أي لا اختاره (يا ربّ) فاختر لي (أجوع يوما) أو معناه لا أريد بل أريد أن أجوع يوما أي وقتا (فأصبر) وقدمه لأنه مذكر للافتقار إليه وباعث للاتكال عليه ومبالغة في احتقار عرض عروض الدنيا لديه (وأشبع يوما) أي وقتا آخر (فأشكر) لأكون مؤمنا كاملا فإن الإيمان نصفان نصفه صبر ونصفه شكر كما في الحديث وإليه يشير قوله تعالى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ وهذا مقام الأنبياء والأولياء من أرباب الكمال وهو التربية بنعتي الجلال والجمال ثم بين ما يترتب على كل منهما من حسن الحال بقوله (فَأَمَّا الْيَوْمُ الَّذِي أَجُوعُ فِيهِ فَأَتَضَرَّعُ إِلَيْكَ) أي اتذلل وألتجئ (وأدعوك) بما أؤمل لديك (وأمّا اليوم الذي أشبع فيه فأحمدك) أي فأشكرك (وأثني عليك) وصنيعنا في تفسير الحمد بالشكر أولى من قول الدلجي إن العطف تفسيري فإن التأسيس أولى من التأكيد لا سيما ومقام النعمة يقتضي الشكر الموجب للمزيد ومما يؤيده أيضا ما رواه الترمذي بلفظ فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك وإذا شبعت شكرتك وحمدتك (وفي حديث آخر) قال الدلجي لا أدري من رواه بهذا اللفظ قلت فكان ينبغي أن يذكر من رواه بهذا المعنى ليكون مؤيدا له في المبنى والحاصل من كلامه ونقل غيره (أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ إِنَّ الله تعالى يقرئك السّلام) أي يسلم عليك وفي القاموس اقرأ عليه السلام أبلغه كاقرأه ولا يقال أقرأه إلا إذا كان السلام مكتوبا وفي الاكمال اقرأته السلام وهو يقرئك السلام بضم الياء رباعيا فإذا قلت يقرأ عليك السلام فبفتح الياء وقيل هما لغتان وبهذا يندفع ما تكلف الدلجي بقوله يقال اقرأ فلانا السلام كأنه حين يبلغه سلامه يحمله على أن يقرأ السلام ويرده (ويقول) أي الله سبحانه وتعالى (لك) أي اعتبارا أو اختيارا (أتحبّ أن أجعل هذه الجبال) من الصفا وأبي قبيس وغيرهما مما حوالى مكة وأطرافها أو جنس هذه الجبال بأنواعها وأصنافها (ذهبا وتكون) أي جبال الذهب (معك حيثما كنت) أي من جهة الشرق والغرب وما بينهما وما مزيدة للتأكيد (فأطرق ساعة) أي خفض رأسه تأدبا وتفكرا مع سكوته انتظارا لما يلهمه ربه من الخيرة كما ورد في دعائه اللهم خر لي واختر لي ولا تكلني إلى اختياري (ثُمَّ قَالَ يَا
جِبْرِيلُ إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لَا دَارَ له ومال من لا مال له) أي في المآل (قد) للتقليل (يجمعها) أي يريد جمعها (من لا عقل له) أي لقلة معرفته بحقيقة الدنيا من سرعة فنائها وكثرة عنائها وقلة غنائها وخسة شركائها ولمنافاتها للآخرة باعتبار درجاتها (فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ ثَبَّتَكَ اللَّهُ يَا مُحَمَّدُ بالقول الثّابت) الجملة دعائية أو خبرية والمراد ههنا بالقول الثابت هو الحق المطلق المحقق وإن ورد في التنزيل في جواب المؤمن للملكين في القبر حيث قال تعالى يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ مع أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فقول الدلجي في هذا المقام أي أدامك على قول لا إله إلا الله لا يناسب المرام كما لا يخفى على الكرام ثم في الحديث على إمكان قلب الأعيان هذا وقد رواه أحمد الدنيا دار من لا دار له قد يجمعهما من لا عقل له والبيهقي ولفظه أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال لجبريل يوما ما أمسي لآل محمد كفة سويق ولا سفة دقيق فاتاه إسرافيل فقال إن الله تعالى سمع ما ذكرت فبعثني إليك بمفاتيح الأرض وأمرني أن أعرض عليك إن أحببت أن أسير معك جبال تهامة زمردا وياقوتا وذهبا وفضة فعلت وفي رواية لأحمد والله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة ولابن سعد وكذا لابن عساكر لو شئت لسارت معي جبال الذهب وللطبراني لو سألت أن يجعل لي تهامة كلها ذهبا لفعل (وعن عائشة رضي الله عنها كما رواه الشيخان (قالت إنّ) قال الأنطاكي إن كلمة تأكيد بمعنى قد واللام للتأكيد أيضا وقيل إن نفي واللام استناد والأظهر الأشهران أن مخففة من المثقلة وقد روي أنا (كنّا آل محمّد) يجوز رفعه على البدل من المضمر ونصبه على الاختصاص والثاني أظهر (لنمكث شهرا) أي قدره (ما نستوقد نارا إن هو) أي ما قوتنا (إلّا التّمر والماء) وفي رواية إلا الأسودان. (وعن عبد الرّحمن بن عوف) على ما رواه الترمذي والبزار بسند جيد (هلك) واعترض بأن الصواب نحو توفي وقبض لأن الهلاك أكثره في العذاب وفي موت الكفار ويمكن دفعه بأنه قال تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ ونسخة قال هلك أي مات (رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَشْبَعْ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ من خبز الشّعير) أي فضلا عن خبز البر فلا عبرة بما يتوهم من قيده باعتبار مفهومه من حصول شبعه من غيره (وَعَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُهُ) أي بمعناه مع اختلاف مبناه (قال ابن عبّاس) كما روى ابن ماجه والترمذي وصححه (كان رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبِيتُ هُوَ وَأَهْلُهُ اللَّيَالِيَ الْمُتَتَابِعَةَ) أي فيها بأيامها (طاويا) حال منه لأنه الأصل والأعلى أو من أهله فهو بالأولى (لا يجدون) أي أهله أو هو وأهله (عشاء) وهو تأكيد لما قبله ولعل الاقتصار على العشاء للإيماء بأنه الأهم من الغداء. (وعن أنس رضي الله عنه برواية البخاري (قال ما أكل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على خوان) بكسر أوله ويضم أي مائدة أو هو ما يؤكل عليه من نحو كرسي على عادة المترفهين لئلا يفتقروا إلى الانحناء حال أكلهم وسئل قتادة على ما كانوا يأكلون يعني الصحابة قال على
السفر (ولا في سكرّجة) بضم الثلاثة وتشديد الراء وجوز فيها الفتحة إناء صغير يؤكل فيه القليل من الأدم فارسي معرب وأكثر ما يوضع فيه وأمثاله ما يعتاده المترفهون من إحضار المخللات ونحوها من المهضمات والمرغبات في أطراف المأكولات (ولا خبز له) بصيغة المجهول الماضي (مرقّق) بصيغة المفعول أي أرغفة واسعة رقيقة وتسمى الرقاق كطويل وطوال وقيل اللين الأبيض المسمى بالحواري (ولا رأى شاة سميطا قطّ) فعيل بمعنى مفعول أي مسموطا بمعنى مشويا بجلده فإن الغالب سمطها بأن ينزع صوفها بالماء الحار بعد تنظيفها من القاذورات وإخراج ما في بطنها من النجاسات وإلا فحرام في أصح الروايات وكذا حكم الرؤوس والدجاجات والسمط لا يحسن إلا في صغار الغنم. (وعن عائشة رضي الله عنها برواية الصحيحين (إنّما كان فراشه صلى الله تعالى عليه وسلم) أي الخاص كما بينته بقولها (الذي ينام عليه أدما) بفتحتين أي جلدا مدبوغا وقيل الأحمر منه وقال الدلجي جلدا أسود (حشوه ليف) بكسر اللام أصول سعف النخل، (وعن حفصة رضي الله عنها أي ابنة عمر أم المؤمنين كما في الشمائل للترمذي (قَالَتْ كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم في بيتي) أي مكاني المنسوب إلي ووقع في أصل الدلجي بلفظ في بيته وتصح الإضافة بأدنى الملابسة وإنما الكلام في ثبوت الرواية (مسحا) بكسر الميم بلاسا من شعر أبيض وقيل من شعر أسود (نثنيه) بكسر النون المخففة أي نطويه (ثنتين) بكسر المثلثة أي عطفتين وفي نسخة ثنيين بالتذكير على المصدر وفي أخرى ثنتين أي مرتين (فينام عليه) وهذا من دأبه وعادته في كل وقته (فثنيناه له ليلة بأربع) أي أربع طاقات والباء من باب الزيادات وبات عليه من غير شعوره ابتداء به لاستغراقه في شهود نوره ووجود حضوره (فلمّا أصبح قال ما فرشتم لي اللّيلة) استفهام انكاري أو استعلام (فذكرنا ذلك له) أي ثنيه أربعا ليوجب له راحة ونفعا (فقال ردّوه بحاله) أي على وفق عادتي (فإنّ وطأته منعتني اللّيلة صلاتي) أي لينته منعتني كمال حضوري في طاعتي أو شغلتني عن القيام لصلاتي وقراءتي (وكان) كما رواه الشيخان والترمذي وابن ماجة (ينام أحيانا) أي في بعض الأوقات (على سرير مرمول بشريط) أي منسوج بحبل مفتول من سعف (حتّى يؤثر) أي يظهر أثر خشونة الشريط (في جنبه) لكونه يرقد عليه من غير حائل بينه وبينه قيل حتى ابتدائية والصيغة المضارعية حكاية الحال الماضية وقيل مرادقة لكي التعليلية والأولى أظهر فتدبر. (وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ لَمْ يمتلىء) بهمز هو الصحيح وفي نسخة بلام مفردة ولعل وجهها التخفيف المسهل ثم معاملته معاملة المعتل فتأمل أي ما امتلأ (جوف النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم شبعا) بكسر ففتح وقد يسكن وقيل الأول نقيض الجوع والثاني ما شبع من الشيء فالمعول هو الأول إذ نصبه على التمييز فتأمل (قطّ) أي أبدا ولعل مرادها غالب أحواله أو شبعا مفرطا غير مناسب لكماله (ولم يبث) بضم موحدة وتشديد مثلثة أو بضم أوله وكسر ثانيه أي لم ينشر ولم يظهر (شكوى) أي شكايته ولا بطريق حكايته في جميع حالاته (إلى أحد) من أصحابه وزوجاته لقوله تعالى في
ضمن آياته حكاية عن يعقوب في شدة ما ابتلاه قال نَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ
(وكانت الفاقة) أي الحاجة الملازمة من الفقر المقتضي للصبر (أحبّ إليه من الغنى) المقتضي للشكر وهذا صريح في تفضيل الصبر على الشكر كما ذهب إليه أجلاء الصوفية وأكثر علماء الفقهية هذا وقد ورد لو تعلمون ما لكم عند الله لأحببتم أن تزدادوا فاقة وحاجة على ما رواه الترمذي عن فضالة بن عبيد (وإن) مخففة من المثقلة أي وأنه (كان ليظلّ) بفتح الظاء المعجمة وتشديد اللام أي يكون في طول النهار (جائعا) بهمزة مكسورة (يلتوي) أي حال كونه يتقلب ويضطرب (طول ليلته من الجوع) أي من استمرار جوعته أو من أجل حرارة لذعته ولذا ورد اللهم أني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع كما رواه الحاكم في مستدركه عن ابن مسعود مرفوعا وهذا كله لكمال زهده في الدنيا وإقبال قلبه على الأخرى بناء على رضى المولى (فلا يمنعه) أي جوعه (صيام يومه) أي الذي فيه ولو كان نفلا أو صيام يوم عادته في مستقبله وهذا بيان بعض شدة حاله (ولو شاء) أي الغني وما يترتب عليه من التنعم وحصول المنى ووصول الهدى (سأل ربّه جميع كنوز الأرض) أي استدعاه لا سيما وقد عرضها عليه مولاه (وثمارها) يجوز نصبها وهو الأشهر في المبنى وجرها وهو الأظهر في المعنى أي جميع ثمار اشجارها أو جميع فوائدها وعوائد فرائدها (ورغد) والرغد بفتحتين ويسكن على ما في القاموس (عيشها) أي سعة معيشتها وطيب منفعتها (وَلَقَدْ كُنْتُ أَبْكِي لَهُ رَحْمَةً مِمَّا أَرَى بِهِ وَأَمْسَحُ بِيَدِي عَلَى بَطْنِهِ مِمَّا بِهِ من الجوع) أي من أثر جوعه المختص به وهذا يدل على أنه كان يطعم أهله ويؤثرهم على نفسه (وأقول) أي والحال أني اقول حينئذ (نفسي لك الفداء) بالمد تفاديا به من ألم الجوع وشدته ومرارة حرارته (لو تبلّغت من الدّنيا بما يقوتك) بضم قاف أي لو توسعت من البلغة وتوصلت إلى المتعة بقدر ما يقويك على قيام الطاعة ويعينك على زيادة العبادة لكان أولى من هذه الحالة فجواب لو مقدر وما قدرناه أحسن من التقدير المشهور وهو لكان أحسن ويجوز أن يكون لو للتمني ويشير إلى ما اخترناه ما صدر عنه صلى الله تعالى عليه وسلم من الجواب الدال على أن اختاره هو الصواب.
(فيقول يا عائشة ما لي وللدّنيا) استفهامية انكارية أي لا حاجة لي إليها ولا إقبال لي عليها قال التلمساني قيل يجوز أن يكون ما استفهامية وتقديره أي الفة ومحبة لي معها حتى أرغب فيها وقيل يجوز أن يكون ما نافية أي ليس لي الفة إلى آخرة انتهى ثم بين إعراضه عنها بقوله (إخواني من أولي العزم من الرّسل) أي كلهم وأجلهم (صبروا على ما هو) أي على أمر عظيم هو (أشدّ من هذا) أي مما أنا صابر عليه لما روي أن بعضهم مات من الجوع وبعضهم من شدة اذى القمل وبعضهم من كثرة الجراحات وشدة الأمراض والعاهات وقد خصني الله تعالى فيما حثني وحضني على الاقتداء بهم بقوله سبحانه وتعالى فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ وفيه إيماء إلى أن العبرة في الكتاب والسنة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (فمضوا على حالهم) أي التي كانوا عليها مما يقتضي الصبر ولم يطلبوا