المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه عليه الصلاة والسلام] - شرح الشفا - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأوّل

- ‌[المقدمة]

- ‌ترجمة القاضي عياض

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌القسم الأول [في تعظيم العلي الأعلى جل وعلا]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ [فِيمَا جَاءَ من ذلك مجيء المدح والثناء]

- ‌الفصل الثّاني [في وصفه تعالى بالشهادة وما تعلق به من الثناء والكرامة]

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ [فيما ورد من خطابه تعالى إياه مورد الملاطفة والمبرة]

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُ [فِي قَسَمِهِ تَعَالَى بِعَظِيمِ قَدْرِهِ صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الفصل الخامس في قسمه

- ‌الْفَصْلُ السَّادِسُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى في جهته عليه الصلاة والسلام مورد الشفقة والإكرام]

- ‌الفصل السّابع [فيما أخبره الله بِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ عَظِيمِ قَدْرِهِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّامِنُ [فِي إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقَهُ بصلاته عليه وولايته له]

- ‌الْفَصْلُ التَّاسِعُ [فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْفَتْحِ مِنْ كراماته عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْعَاشِرُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كتابه العزيز من كراماته عليه ومكانته عنده]

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي تَكْمِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ المحاسن خلقا وخلقا]

- ‌فصل [قال القاضي رحمه الله تعالى إذا كانت خصال الكمال والجلال]

- ‌فصل [إن قلت أكرمك الله تعالى لا خفاء على القطع بالجملة]

- ‌فصل [وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُفُورُ عَقْلِهِ وَذَكَاءُ لُبِّهِ وَقُوَّةُ حَوَاسِّهِ وفصاحة لسانه واعتدال حركاته وحسن شمائله]

- ‌فصل [وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول]

- ‌فصل [وأما شرف نسبه وكرم بلده ومنشأه]

- ‌فصل [وأما تَدْعُو ضَرُورَةُ الْحَيَاةِ إِلَيْهِ مِمَّا فَصَّلْنَاهُ فَعَلَى ثلاثة ضروب الضرب الأول]

- ‌فصل [وأما الضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته والفخر بوفوره]

- ‌فصل [وأما الضرب الثالث فهو ما تختلف فيه الحالات]

- ‌فصل [وأما الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [وأما أَصْلُ فُرُوعِهَا وَعُنْصُرُ يَنَابِيعِهَا وَنُقْطَةُ دَائِرَتِهَا فَالْعَقْلُ]

- ‌فصل [وأما الحلم]

- ‌فصل [وأما الجود]

- ‌فصل [وأما الشجاعة والنجدة]

- ‌فصل [وأما الحياء والإغضاء]

- ‌فصل [وأما حسن عشرته وآدابه]

- ‌فصل [وأما الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق]

- ‌فصل [وأما خلقه صلى الله تعالى عليه وسلم في الوفاء]

- ‌فصل [وأما تواضعه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما عدله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته]

- ‌فصل [وأما وقاره صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما زهده صلى الله تعالى عليه وسلم في الدنيا]

- ‌فصل [وأما خوفه صلى الله تعالى عليه وسلم من ربه عز وجل]

- ‌فصل [اعلم وفقنا الله تعالى وإياك أن صفات جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قد آتيناك أكرمك الله سبحانه من ذكر الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [في تفسير غريب هذا الحديث ومشكله]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ ومشهورها بتعظيم قدره عند ربه عز وجل]

- ‌الفصل الأول [فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ مَكَانَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عز وجل]

- ‌فصل [في تفضيله صلى الله تعالى عليه وسلم بما تضمنته كَرَامَةُ الْإِسْرَاءِ]

- ‌فصل [ثم اختلف السلف والعلماء هل كان إسراء بروحه أو جسده]

- ‌فصل [إبطال حجج من قال أنها نوم]

- ‌فصل [وأما رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم لربه عز وجل]

- ‌فصل [في فوائد متفرقة]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَظَاهِرُ الآية من الدنو والقرب]

- ‌فصل [في ذكر تفضيله في القيامة بخصوص الكرامة]

- ‌فصل [في تفضيله بالمحبة والخلة]

- ‌فصل [في تفضيله بالشفاعة والمقام المحمود]

- ‌فصل [في تفضيله فِي الْجَنَّةِ بِالْوَسِيلَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ وَالْكَوْثَرِ وَالْفَضِيلَةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ إِذَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلِيلِ الْقُرْآنِ وصحيح الأثر]

- ‌فصل [في أسمائه صلى الله تعالى عليه وسلم وما تضمنته من فضيلته]

- ‌فصل [في تشريف الله تعالى له بما سماه به من أسمائه الحسنى]

- ‌فصل [قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وها أنا أذكر نكتة]

- ‌الْبَابُ الرَّابِعُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَشَرَّفَهُ بِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ والكرامات]

- ‌فصل [اعلم أن الله عز وجل قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْمَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ]

- ‌فصل [اعلم أن معنى تسميتنا ما جاءت به الأنبياء معجزة]

- ‌فصل [في إعجاز القرآن العظيم الوجه الأول]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ إِعْجَازِهِ صُورَةُ نَظْمِهِ الْعَجِيبِ والأسلوب الغريب]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْإِعْجَازِ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ من الأخبار]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الرَّابِعُ مَا أَنْبَأَ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ القرون السالفة]

- ‌فصل [هَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ إِعْجَازِهِ بَيِّنَةٌ لَا نزاع فيها ولا مرية]

- ‌فصل [ومنها الروعة]

- ‌فصل [وَمِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْدُودَةِ كَوْنُهُ آيَةً بَاقِيَةً لا تعدم ما دامت الدنيا]

- ‌فصل [وَقَدْ عَدَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمُقَلِّدِي الْأُمَّةِ في إعجازه وجوها كثيرة]

- ‌فصل [في انشقاق القمر وحبس الشمس]

- ‌فصل [في نبع الماء من بين أصابعه الشريفة وتكثيره ببركته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ تَفْجِيرُ الْمَاءِ ببركته وانبعاثه]

- ‌فصل [ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته]

- ‌فصل [في قصة حنين الجذع له صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [ومثل هذا وقع في سائر الجمادات بمسه ودعوته]

- ‌فصل [في الآيات في ضروب الحيوانات]

- ‌فصل [في إحياء الموتى وكلامهم]

- ‌فصل [في إبراء المرضى وذوي العاهات]

- ‌فصل [في إجابة دعائه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في كراماته صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْغُيُوبِ]

- ‌فصل [في عصمة الله تعالى له صلى الله تعالى عليه وسلم من الناس وكفايته من آذاه]

- ‌فصل [ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم]

- ‌فصل [ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام وكراماته وباهر آياته أنباؤه مع الملائكة]

- ‌فصل [وَمِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ وَعَلَامَاتِ رِسَالَتِهِ مَا تَرَادَفَتْ]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ عِنْدَ مولده عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى قد أتينا في هذا الباب]

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌فصل [ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه عليه الصلاة والسلام]

(بذي المجاز) بفتح الميم والجيم وزاء في آخره سوق عند عرفات من أسواق أهل الجاهلية (عطشت) بكسر الطاء قال الحلبي وهذا الحديث الذي ذكره القاضي هنا معضل ولا أعلمه في الكتب الستة والرواية عن أبي طالب معلوم ما فيها انتهى وذكر الدلجي عن ابن سعد أنا إسحاق بن يوسف الأزرق ثنا عبد الله بن عون عن عمرو وهو ابن دينار أن أبا طالب قال كنت بذي المجاز ومعي ابن أخي يعني نبي الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقلت له عطشت (وليس عندي ماء) وروي عنده وروي معي وعند مثلث العين ذكره التلمساني (فنزل النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي عن البعير (وَضَرَبَ بِقَدَمِهِ الْأَرْضَ فَخَرَجَ الْمَاءُ فَقَالَ اشْرَبْ) قال الدلجي الظاهر أن هذا كان قبل البعثة يعني فيكون من الارهاصات ولا يبعد أن يكون بعد النبوة فهو من المعجزات ولعل فيه إيماء إلى أنه سيظهر نتيجة هذه الكرامات من بركة قدم سيد الكائنات في أواخر الزمان قريب الألف من السنوات عين في عرفات تصل إلى مكة وحواليها من آثار تلك البركات هذا وأبو طالب لم يصح اسلامه وأما اسلام أبويه ففيه أقوال والأصح اسلامهما على ما انقق عليه الأجلة من الأمة كما بينه السيوطي في رسائله الثلاث المؤلفة (والحديث) اللام للجنس أي والأحاديث (في هذا الباب كثير) أي غير ما ذكر في هذا الكتاب (ومنه الإجابة بدعاء الاستسقاء. وما جانسه) أي من أنواع استجابة الدعاء.

‌فصل [ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه عليه الصلاة والسلام]

(ومن معجزاته تكثير الطعام) أي كمية أو كيفية (ببركته) أي بركة حصول وجوده أو وصول يده (ودعائه) أي لربه مقرونا بثنائه (قال) أي المصنف (نا القاضي الشّهيد أبو عليّ رحمه الله تعالى) هو الحافظ ابن سكرة (حدّثنا العذريّ) بضم مهملة فسكون معجمة (ثنا الرّازيّ حدّثنا الجلوديّ) بضم الجيم وتفتح (ثنا ابن سفيان حدّثنا مسلم بن الحجاج) يعني صاحب الصحيح (ثنا سلمة بن شبيب) بفتح الشين المعجمة وكسر الموحدة الأولى بعدها تحتية ساكنة وهو أبو عبد الرحمن النيسابوري حجة أخرى له مسلم والأربعة مات سنة ست وأربعين وماءتين بمكة (ثنا الحسن بن أعين) بفتح فسكون ففتحتين ثقة أخرج له الشيخان وأبو داود والنسائي (ثنا معقل) بفتح الميم وكسر القاف صدوق تردد فيه ابن معين أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي (عن أبي الزّبير) بالتصغير حافظ ثقة روى عنه مالك والسفيانان وأخرج له مسلم والأربعة وأخرج له البخاري مقرونا بقوله كان مدلسا واسع العلم (عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم يستطعمه) أي يطلب طعاما منه لأهله (فأطعمه شطر وسق شعير) الوسق بفتح الواو وتكسر ستون صاعا وشطر الشيء نصفه وهو بفتح أوله ولا يصح كسره قال النووي والشطر هنا معناه شيء كذا فسره الترمذي (فما زال) أي ذلك الرجل السائل المستطعم منه عليه الصلاة والسلام (يأكل منه) أي من ذلك الطعام (وامرأته وضيفه) أي كذلك فهما مرفوعان أو معهما فهما منصوبان ويروى وصيفه بواو فمهملة (حتّى

ص: 605

كاله) أي ليعرف نقصانه وكماله ويوجب اكتياله ما يبين حاله وماله ففني بهذه الحركة وزالت عنه البركة (فأتى) أي الرجل (النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم فأخبره) أي بأنه كاله وجرب حاله (فقال لو لم تكله) أي وما جربتيه (لأكلتم منه) أي كلكم طول عمركم (ولقام بكم) أي بأودكم مدة بقائكم وفي هذا الحديث أن البركة أكثر ما تكون في المجهولات والمبهمات وكان الصوفية من هنا قالوا المعلوم شوم قيل والحكمة في ذلك أن الكائل يكون متكلا على مقداره لضعف قلبه وفي تركه يكون متكلا على ربه والاتكال عليه سبحانه وتعالى مجلبة للبركة وأما الحديث الآخر كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه فقالوا المراد أن يكيله عند إخراج النفقة منه لئلا يخرج أكثر من الحاجة أو أقل بشرط أن يبقى الباقي مجهولا ثم هذا الرجل هو جد سعيد بن الحارث وذلك أنه استعان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في نكاحه امرأة فالتمس النبي عليه الصلاة والسلام ما سأله فلم يجد له فبعث أبا رافع الأنصاري وأبا أيوب بدرعه فرهناها عند يهودي في شرط وسق من شعير فدفعه عليه الصلاة والسلام إليه قال فأطعمنا منه ثم أكلنا منه سنة وبعض سنة ثم كلناه فوجدناه كما أدخلناه كذا ذكره التلمساني وهو خلاف ظاهر ما حرره القاضي ويمكن الجمع بينهما. (ومن ذلك) أي مما يدل على ما هنالك من تكثير الطعام ببركته ودعائه عليه الصلاة والسلام (حديث أبي طلحة المشهور) بالرفع صفة لحديث وهو المروي في الصحيحين عن أنس في قصته وأبو طلحة هذا هو عم أنس بن مالك زوج أم سليم أنصاري نجاري خزرجي بدري أحد الفقهاء قال صلى الله تعالى عليه وسلم صوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة ذكر أنه قتل يوم حنين عشرين رجلا وأخذ سلبهم روى عنه ابنه عبد الله وابن زوجته أنس بن مالك (وإطعامه) بالرفع (صلى الله تعالى عليه وسلم ثمانين أو سبعين رجلا) وجزم مسلم في روايته بثمانين رجلا (من أقراص) أي قليلة (من شعير جاء) وفي نسخة أتى (بها) أي بتلك الأقراص وفي نسخة به أي بما ذكر (أنس تحت يده أي إبطه) يعني حال كون أنس واضعا لها تحت إبطه من كمال قلتها (فأمر بها) أي بالأقراص أو بفتها (ففتّت) بضم الفاء وتشديد الفوقية الأولى مفتوحة أي فجعلت فتاتا والمعنى كسرها بأصابعه وثردها وفي حديث إذا قل طعامكم فأثردوه (وقال فيها) أي في حق الأقراص (ما شاء الله أن يقول) أي من ثناء ودعاء وأسماء وأمر بمجيء عشرة عشرة حتى أكل القوم كلهم الحديث بطوله قال النووي وإنما أذن صلى الله تعالى عليه وسلم لعشرة عشرة ليكون ارفق بهم فإن القصعة التي فت فيها تلك الأقراص لا يتحلق عليها أكثر من عشرة إلا بضرر يلحقهم لبعدها عنهم وقيل لئلا يقع نظر الكثير على الطعام اليسير فيزداد حرصهم ويظنون أنه لا يكفيهم فتذهب بركته ويحتمل أن يكون لضيق المنزل وهو أقرب؛ (وحديث جابر) أي ومن ذلك حديث جابر كما رواه البخاري عنه (في إطعامه صلى الله تعالى عليه وسلم يوم الخندق) أي زمن حفره وهو يوم الأحزاب (ألف رجل من صاع شعير وعناق) بفتح أوله وهي الأنثى من أولاد المعز ما لم يتم لها سنة (وقال جابر فأقسم بالله لأكلوا) أي منه (حتّى تركوه) أي على

ص: 606

حاله وفي أصل الدلجي لأكلوا حتى شبعوا للأكل حتى تركوه غاية للشبع (وانحرفوا) أي مالوا إلى حرف أي جانب وطرف والمعنى وانصرفوا (وإنّ برمتنا) بكسر الهمزة حيالة والبرمة بضم الموحدة هي القدر من حجر أو مدر (لتغطّ) بفتح التاء وكسر الغين المعجمة وتشديد المهملة أي تغلي من حرارة النار تحتها حق يسمع غطيطها وهو صوت غليانها (كما هي) أي على هيئتها الأولى وماهيتها بكمالها كأنه لم يؤخذ منها شيء وما كافة مصححة لدخول الكاف على الجملة وهي مبتدأ والخبر محذوف أي مثل ما هي قبل ذلك (وإنّ عجيننا ليخبز) أي كما هو وكل ذلك بعد أن شبعوا أو تركوا وانصرفوا (وكان) أي وقد كان (رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بصق) أي بزق (في العجين والبرمة وبارك) أي ودعا لهما بالبركة؛ (رواه عن جابر سعيد بن ميناء) بكسر الميم ممدودا ويقصر ويجر ولا يجر بناء على أنه مفعال أو فعلاء وحديث سعيد هذا عن جابر في الصحيحين (وأيمن) بفتح الميم عطف على سعيد وهو أيمن الحبشي المكي وأمه أم أيمن حاضنة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ومولاته أخو أسامة بن زيد لأمه استشهد يوم حنين وحديثه عن جابر في الخندق أخرجه البخاري في المغازي وزيد في بعض النسخ الصحيحة ههنا بعد قوله أيمن (وَعَنْ ثَابِتٍ مِثْلُهُ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وامرأته ولم يسمّهما) أي الراوي عنهما لكن جهالتهما لا تضر لكونهما صحابيين (قال) أي ثابت أو كل من الرجل والمرأة (وجيء بمثل الكفّ) أي من العجينة (فجعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يبسطها) أي يدلكها ويوسعها (في الإناء ويقول ما شاء الله) أي من الدعاء والثناء (فأكل منه من في البيت والحجرة) بضم الحاء وتفتح ناحية قريبة من الدار (والدّار) أي وما حولها من الفناء (وكان ذلك) أي المقام (قَدِ امْتَلَأَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم لذلك) أي المرام (وبقي) أي ذلك الطعام (بَعْدَ مَا شَبِعُوا مِثْلُ مَا كَانَ فِي الإناء) أي سابقا ببركته عليه الصلاة والسلام. (وحديث أبي أيّوب) أي ومن ذلك حديث أبي أيوب بدري مشهور وهو خالد بن زيد أنصاري نجاري عقبي بدري نزل عنده رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في خروجه من بني عمرو بن عوف حين قدم المدينة فلم يزل عنده حتى بنى مسجده ومساكنه شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وفد على ابن عباس البصرة فقال إني أخرج لك عن مسكني كما خرجت لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن مسكنك وأعطاه ما أغلق عليه ولما قفل اعطاه عشرين ألفا وأربعين عبدا مرض في غزوة القسطنطينية فقال إذا مت فاحملوني فإذا صففتم العدو فادفنوني تحت ارجلكم فدفن عند باب القسطنطينية فقبره في قرب سورها فقال مجاهد فكانوا إذا محلوا كشفوا عن قبره فيمطرون وحديثه هذا رواه الطبراني والبيهقي عنه (أنّه صنع لرسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَبِي بَكْرٍ مِنَ الطَّعَامِ زُهَاءَ ما يكفيهما) بضم الزاي أي مقدار ما يشبعهما وفيه إشعار بكمال اختصاصهما (فقال له النّبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادْعُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَشْرَافِ الْأَنْصَارِ) خصهم بالدعوة كي يسلموا بالألفة ومشاهدة المعجزة إذ كان ذلك أول الهجرة وسماهم

ص: 607

انصارا لعلمه بأنهم يسلمون على يديه وينصرون دينه (فدعاهم فأكلوا حتّى تركوا) وفي نسخة تزكوه أي الأكل أو الطعام والثاني أظهر في المرام لقرينة المقام ولقوله (ثُمَّ قَالَ ادْعُ سِتِّينَ فَكَانَ مِثْلُ ذَلِكَ) أي فدعاهم فأكلوا حتى تركوه (ثمّ قال ادع سبعين فأكلوا حتّى تركوه وما خرج منهم أحد حتّى أسلم) أي أظهر الإسلام أو ثبت على ذلك المرام قال التلمساني في الأصل هكذا إلا حتى أسلم وصوابه حتى أسلم (وبايع) أي على الجهاد ونصرته عليه الصلاة والسلام لما شاهد المعجزة في بركة ذلك الطعام (قَالَ أَبُو أَيُّوبَ فَأَكَلَ مِنْ طَعَامِي مِائَةٌ وثمانون رجلا) وكأن عشرين أكلوا بعد المائة والستين؛ (وعن سمرة بن جندب) بضم الجيم والدال وتفتح وحكي بكسرهما وكان الأظهر أن يقول وحديث سمرة بن جندب وهو ما رواه الترمذي والبيهقي وصححاه والنسائي عنه ولفظه (أتي النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي جيء (بقصعة) بفتح القاف لا بكسر (فيها لحم فتعاقبوها) أي تناوبها في تناولها الصحابة جماعة بعد جماعة (من غدوة) بضم فسكون ففتحتين لأنها معرفة (حتّى اللّيل) أي إلى آخر نهار تلك الغدوة مع أخذ بعض الوقت من العشية (يقوم قوم ويقعد آخرون) جملة مستأنفة مبينة للتعاقب والمناوبة فلا ينافي ما قال التلمساني هكذا في الأصل والمعروف من حديث سمرة من غدوة إلى الظهر وقال فقيل لسمرة هل كان يمد قال فمن أي شيء تعجب ما كان يمد إلا من ههنا وأشار إلى السماء؛ (وَمِنْ ذَلِكَ، حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بكر) على ما في الصحيحين عنه (كنّا مع النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم ثلاثين) أي رجلا (ومائة) أي رجلا وهو لغة في مائة وثلاثين (وذكر) أي عبد الرحمن (في الحديث) أي في حديثه هذا (أنّه عجن صاع) من طعام بصيغة المفعول وفي نسخة عجن صاعا (من طعام وصنعت شاة) بصيغة التأنيث للمجهول ويحتمل المتكلم على بناء الفاعل وفي أصل الدلجي وصنع شاة أي فرغ من شأنها وهذا إيجاز بليغ إذ بسطه يقول وذبحت وسلخت وقطعت وهذا من كمال صانعه إذ العادة أن يعجز واحد عن القيام بأمورها كلها فقد روي أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان في بعض اسفاره يأمر بإصلاح شاة فقال رجل يا رسول الله على ذبحها وقال آخر على سلخها وقال آخر على طبخها فقال عليه الصلاة والسلام وعلى جمع الحطب فقالوا إنا نكفيك فقال قد علمت أنكم تكفونني ولكني أكره أن أتميز عنكم لأن الله يكره من عبده أن يراه متميزا بين أصحابه وقام عليه الصلاة والسلام وجمع الحطب في ذلك المقام (فشوي سواد بطنها) على بناء المفعول ويحتمل الفاعل والمراد بسواد بطنها كبدها خاصة أو معاليقها مما في جوفها واختاره الهروي والنووي الأول وخص الكبد لأنه أصل الحياة وقيل القلب (قال) وفي نسخة ثم قال أي عبد الرحمن (وايم الله) بهمزة وصل أو قطع وضم الميم ويكسر وهو من الفاظ القسم كعمر الله وعهد الله وأصله وأيمن الله كما في نسخة وهو جمع يمين والمعنى أقسم ببركة الله وقدرته وقوته (ما من الثّلاثين ومائة) أي أحد (إلّا وقد حزّ له) بفتح الحاء وتشديد الزاء (حزّة) بفتح الحاء وتضم أي قطع له قطعة (من سواد بطنها) قال الحلبي قوله حزة بفتح

ص: 608

الحاء في النسخة التي وقفت عليها ولا أعرفها وأحفظها إلا بالضم وهي القطعة المحزوزة وأما بالفتح فالمرة من الحز وليست المراد هنا إنما المراد القطعة انتهى ولا يخفى أن الظاهر أن المرة من الحز هو المراد في هذا المقام والله تعالى أعلم بالمرام ثم رأيت الشمني جوز الوجهين فتم النظام (ثمّ جعل) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (منها) أي من لحم الشاة وما معه من الطعام (قصعتين) أي جفنتين كبيرتين (فأكلنا أجمعون وفضل) بفتح الضاد في الماضي وضمها في المستقبل وبكسرها في الماضي وفتحها في المضارع أي وزاد (في القصعتين) وقيل الأول من الفضل في السودد والثاني من الفضلة وهي بقية الشيء وقد سوى بينهما الجوهري حيث قال فضل منه شيء مثل دخل يدخل وفيه لغة أخرى مثل حذر يحذر (فحملته) أي ذلك الزائد (عَلَى الْبَعِيرِ، وَمِنْ ذَلِكَ، حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أبي عمرة الأنصاريّ عن أبيه) أي أبي عمرة وهو أنصاري بدري له حديث في بركة الطعام في بعض غزواته عليه الصلاة والسلام رواه عنه ابنه عبد الرحمن قال ابن المنذر قتل ابو عمرة مع علي رضي الله تعالى عنه بصفين أخرج له النسائي فقط كذا قرره الحلبي وقال الدلجي حديثه هذا رواه ابن سعد والبيهقي عنه انتهى وليس بينهما تناف إذ حصر الأول بالنسبة إلى صحاح الستة وهما خارجان عنهم البتة (ومثله) أي مثل مروي عبد الرحمن (لسلمة بن الأكوع وأبي هريرة) كما رواه البخاري عنهما (وعمر بن الخطّاب) كما رواه أبو يعلى بسند جيد عنه (فذكروا) أي هؤلاء الثلاثة (مخمصة) بفتح الميمين أي مجاعة شديدة (أصابت النّاس مع النّبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَدَعَا بِبَقِيَّةِ الأزواد) جمع زاد والباء زائدة كما في نسخة أي فطلبها ليبرك فيها فتكثر كميتها أو كيفيتها (فجاء الرّجل بالحثية من الطّعام) بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة فتحتية أي باليسير منه ويكون قدر الغرفة وفي نسخة بضم الحاء المعجمة وسكون الباء الموحدة فنون فتاء وهي ما يحمل في الحضن (وفوق ذلك) أي في الكثرة أو القلة (وأعلاهم) أي في الزيادة (الَّذِي أَتَى بِالصَّاعِ مِنَ التَّمْرِ فَجَمَعَهُ عَلَى نطع) بكسر النون وفتحها مع سكون الطاء وبفتحتين وكعنب بساط من الأديم كذا في القاموس وقال الحلبي تلميذه أفصحهن كسر النون وفتح الطاء انتهى وتبعه الشمني وهو خلاف ما يتبادر من عبارة القاموس وكذا هو على خلاف ما هو المشهور على ألسنة العامة من فتح النون وسكون الطاء مع أنه أخف أنواع هذه اللغة هذا وقد وقع في اصل الدلجي فجعله باللام بدل فجمعه بالميم فاحتاج لقوله أي ما جمع من الأزواد والظاهر أنه تصحيف والله تعالى أعلم بالمراد (قال سلمة فحزرته) بفتح الحاء المهملة والزاء فسكون الراء أي خمنته وقدرته (كربضة العنز) بفتح الراء وسكون الموحدة فمعجمة وقيل بكسر الراء وصوب لأنه للهيئة والفتح للمرة أي مثل جثتها إذا بركت والعنز هي الأنثى من المعز واشار سلمة بهذا إلى قلة التمر (ثمّ دعا النّاس) أي طلبهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (بأوعيتهم) الأوعية والأزودة واحد وقوله في نص الحديث حتى ملأ القوم ازودتهم قال القاضي في الإكمال كذا الرواية فيه في جميع أصول

ص: 609

شيوخنا والأزودة هي الأوعية كما قال في الحديث الآخر أوعيتهم (فما بقي في الجيش وعاء) بكسر الواو أي ظرف وإناء (إلّا ملؤوه وبقي منه) أي قدر ما جعل كما في نسخة أي جمع أولا (وأكثر) وقد يقال أكثر (ولو ورده أهل الأرض لكفاهم) أي لما فيه من خير كثير ولعل هذا معنى قوله تعالى بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ (وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه) كما روى ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط بسند جيد أنه قال (أمرني النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم أن أدعو له) أي أطلب أنا لأجله (أهل الصّفّة) بالضم والتشديد أي من فقراء المهاجرين وكانوا كثيرين من لم يكن له منزل فأووا موضعا مظللا من مسجده صلى الله تعالى عليه وسلم فعن ابن سعد بسنده إلى أبي هريرة قال رأيت ثلاثين رجلا من أهل الصفة يصلون خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أردية ثم قال أبو الفتح اليعمري منهم أبو هريرة وأبو ذر وواثلة بن الأسقع وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة لقد رأيت سبعين من أهل الصفة وقد عد من أهل الصفة أبو نعيم في الحلية مائة ونيفا فيهم أبو هريرة وابن الأسقع وأصحاب بئر معونة وفي عوارف المعارف للسهروردي أنهم كانوا نحو أربعمائة والله تعالى أعلم وعد منهم سعد ابن أبي وقاص وعمار بن ياسر وعقبة بن عامر وسلمان وبلال وصهيب وحذيفة وغيرهم قال في نظم الدرر وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد إذا أتت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا وإذا أتته هديه أرسلها إليهم واشركهم فيها وقال صاحب الكشاف أصحاب الصفة كانوا نحو أربعمائة رجل من مهاجري قريش لم يكن لهم مسكن في المدينة ولا عشيرة كانوا في صفة المسجد يتعلمون القرآن بالليل ويرضخون النوى بالنهار وكانوا يخرجون في كل سرية بعثها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ومن كان عنده فضل طعام بهم إذا أمسى (فتتبّعتهم) بتشديد الموحدة أي فتفحصتهم (حتّى جمعتهم فوضعت بين أيدينا صحفة) أي قصعة مبسوطة (فَأَكَلْنَا مَا شِئْنَا وَفَرَغْنَا وَهِيَ مِثْلُهَا حِينَ وضعت) يعني أنها ما زادت ولا نقصت (إلّا أنّ فيها أثر الأصابع) أي أصابع الآكلين فإنها زادت، (وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه كما رواه أحمد والبيهقي بسند جيد أنه (قال جمع رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبَ وَكَانُوا أَرْبَعِينَ) أي رجلا (منهم قوم) أي بعض (يأكلون الجذعة) أي الشاة الجذعة وهي بفتح الجيم وسكون الذال المعجمة الداخلة في السنة الثانية إذا كانت من المعز وما أتى عليه ثمانية أشهر من الضأن قيل والمراد بها هنا الإبل كما ورد مفسرا في بعض الأحاديث وهو منها ما يدخل في الخامسة أو الرابعة (ويشربون الفرق) بفتح الفاء والراء وتسكن مكيال يسع اثني ثلاثة آصع بكيل الحجاز وقيل إناء يسع صاعا بصاع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وذلك ستة عشر رطلا (فصنع لهم مدّا من طعام) أي قدر مد وهو بضم الميم مكيال وهو رطلان أو رطل وثلاث أو ملء كفي الإنسان والمعتدل إذا ملأهما ومد يده بهما وبه سمي مدا قال صاحب القاموس وقد جربت ذلك فوجدته صحيحا (فأكلوا) أي منه

ص: 610

(حتّى شبعوا وبقي كما هو) أي كأن لم يؤكل شيء منه (ثمّ دعا بعس) بضم عين وتشديد سين مهملتين قدح كبير من خشب يروي الثلاثة والأربعة من لبن (فشربوا حتّى رووا) بضم الواو (وبقي كأنّه لم يشرب منه) أي شيء (وقال أنس) أي على ما رواه الشيخان واللفظ لمسلم (إنّ النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم حين ابتنى) أي تزوج ودخل (بزينب) أي بنت جحش قال الحلبي المعروف أن مثل هذه القصة اتفقت في بنائه بصفية وفي شرح مسلم للمصنف أن الراوي أدخل قصة في قصة وقال بعضهم في حديث الصحيح يحتمل أنه اتفق الشيئآن يعني الشاة والحيس (أمره) أي أنسا (أن يدعو له قوما سمّاهم) أي جمعا عينهم بأسمائهم وخصهم ثم عمهم بعطف غيرهم حيث قال (وكلّ من لقيت) أي فدعوتهم (حتّى امتلأ البيت والحجرة) وهي موضع منفرد عنه وقيل يريد بالبيت الصفة وهكذا جاء مفسرا في حديث أنس الآتي في آخر هذا الفصل وهو قوله تزوج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وصنعت أم سليم حيسا إلى قوله حتى ملأوا الصفة والحجرة الحديث وكانت لكل واحد من نسائه صلى الله تعالى عليه وسلم حجرة هي بيتها (فقدّم) وفي نسخة وقدم (إليهم تورا) الفوقية إناء من صفر أو حجارة كالإجانة وهي التي تسمى مركنا طستا أو سطلا وقيل كان (فِيهِ قَدْرُ مُدٍّ مِنْ تَمْرٍ جَعَلَ حَيْسًا) أي بضم سمن وأقط إليه وربما يجعل عوضا عن الأقط دقيق أو فتيت أو سويق (فوضعه) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (قدّامه) أي بين يديه (وغمس ثلاث أصابعه) أي فيه (وجعل القوم) أي شرعوا (يتغدّون) بتشديد الدال المهملة المفتوحة من الغداء وهو خلاف العشاء وفي نسخة بالذال المعجمة وهو ما يؤكل أعم من العشاء والغداء قال الحلبي في نسخة التي وقفت عليها بالذال المعجمة وهو غير مناسب لأن الغذاء بكسر الغين وبالذال المعجمتين أعم من الغداء بفتح الغين وبالدال المهملة وفي صحيح مسلم فدعا الناس بعد ارتفاع النهار فذكر القصة وفيه أيضا من حديث اطعمنا الخبز واللحم حين امتد النهار أي ارتفع وهذا صريح في أن ذلك كان في صدر النهار يعني فيناسب الدال المهملة لكن فيه أن المعنى الأخص مندرج في المعنى الأعم والله تعالى أعلم (ويخرجون) أي حتى خرج آخرهم (وبقي التّور) أي بما فيه (نحوا ممّا كان) وهو تمييز لنسبة بقي أو حال من التور (وكانوا) وفي نسخة وَكَانَ الْقَوْمُ (أَحَدًا أَوِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ) وَفِي أصل الدلجي أحد وثلاثين أَوِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ (وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي هذه القصّة) أي قصة وليمة زينب (أو مثلها) أي أو في مثل هذه القصة وهي قصة وليمة صفية (إنّ القوم كانوا زهاء ثلاثمائة) بضم الزاء أي قدرها (وإنّهم أكلوا حتّى شبعوا) بكسر الباء (وقال لي) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بعد أن شبعوا (ارفع) أي التور وفي أصل التلمساني لترفع بلام الأمر وتاء المخاطب وهو قليل ومنه قوله تعالى فبذلك فلتفرحوا في قراءة شاذة ومنه قوله عليه الصلاة والسلام لتأخذوا مصافكم هذا وعن ابن عمر مرفوعا إذا وضعت القصعة فليأكل أحدكم مما يليه ولا يتناول من ذروة القصعة فإن البركة تأتيها من أعلاها ولا يقوم الرجل حتى ترفع المائدة ولا يرفع يده وإن شبع حتى يرفع

ص: 611

القوم ليعذر فإن ذلك يخجل جليسه ولعله يكون له بالطعام حاجة رواه يحيى بن أبي كثير عن عروة عن ابن عمر فرفعته (فلا أدري) وفي أصل الدلجي فَمَا أَدْرِي (حِينَ وُضِعَتْ كَانَتْ أَكْثَرَ أَمْ حين رفعت) بصيغة التأنيث على بناء المجهول فيهما ولعله التأنيث باعتبار معنى التور من الإجانة ونحوها ولا يبعد أن يكون بصيغتي الفاعل للمتكلم على أن المفعول محذوف والتقدير وضعته ورفعته وأقول بل حين رفعت لحصول البركة وتعلق المعجزة حين رفعها بخلاف حال وضعها (وفي حديث جعفر) أي الصادق (بن محمّد) أي الباقر (عن أبيه) أي أبي جعفر محمد (عن عليّ) أي ابن أبي طالب جد والد محمد وهو زين العابدين علي بن الحسين بن علي كذا رواه ابن سعد منقطعا لأن محمدا ووالده لم يدركا عليا فقول الحلبي رواية الباقر عن علي مرسلة فيه نوع مسامحة (أنّ فاطمة طبخت قدرا) أي طعام قدر أو ذكرت المحل وأرادت الحال (لغذائهما) بفتح الغين المعجمة والدال المهملة (ووجّهت عليّا) أي أرسلته (إلى النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) وفي أصل التلمساني في النبي أي في طلبه والتوجه إليه أو في بمعنى إلى (ليتغذى معهما) أي فجاءها (فأمرها فغرفت منها لجميع نسائه صحفة صحفة) وهن كن تسعا عائشة وحفصة وزينب وأم حبيبة وأم سلمة وسودة وميمونة قرشيات وصفية قرظية وجويرية مصطلقية (ثمّ له عليه الصلاة والسلام ثم لعليّ ولها) أي ولأولادها أو ولمن كان معها (ثمّ رفعت القدر وإنّها لتفيض) بفتح الفوقية أي لتفور وتسيل من جوانبها (قالت) أي فاطمة (فأكلنا) وفي نسخة وأكلنا (منها ما شاء الله) أي أن نأكل منها.

(وأمر) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (عمر بن الخطاب أن يزوّد) بتشديد الواو المكسورة أي يعطي الزاد (أربعمائة راكب من أحمس) بفتح الهمزة والميم اسم رجل نسب إليه قبيلة معروفة والحماسة الشجاعة والشدة في الديانة ولذا سميت قريش الحمس لشدتهم في دينهم وذلك أنهم كانوا ايام منى لا يستظلون ولا يدخلون البيوت من أبوابها وفي رواية أربعمائة راكب من مزينة وهي قبيلة من مضر (فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هِيَ إِلَّا أصوع) بضم الواو جمع صاع قال الجوهري وإن شئت أبدلت من الواو المضمومة همزة وفي نسخة آصع بهمزة ممدودة وصاد مضمومة قال ابن قرقول وجاء في كثير من الروايات آصع والصواب أصوع (قال اذهب) أي فزودهم منه (فذهب فزوّدهم منه وكان) أي الذي أعطاهم (قدر الفصيل) أي ولد الناقة إذا فصل عن أمه أي فطم (الرّابض) بكسر الموحدة أي الحقير أو البارك (من التّمر وبقي) أي التمر بعد تزويدهم منه (بحاله) أي كان لم يؤخذ منه شيء (من) أي هذا الحديث من (رواية دكين) بالتصغير وأوله دال وقيل راء (الأحمسيّ) رواها أبو داود في الأدب إلا أنه قال عن دكين بن سعيد المزني قال أتينا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فسألناه الطعام أي الزاد فقال يا عمر اذهب فأعطهم فارتقى بنا إلى علية بضم العين وتشديد اللام المكسورة فتحتية مشددة أي غرفة فأخذ المفتاح من حجزته بالزاي ففتح أي فأعطانا ما أعطانا قال الحلبي يقال له الأحمسي والمزني والخثعمي له صحبة وليس له في الكتب إلا في سنن أبي

ص: 612

داود وليس له فيه إلا هذا الحديث وهو مختصر منه (ومن رواية جرير) يعني أيضا (ومثله من رواية النّعمان) بضم النون (ابن مقرّن) بتشديد الراء المكسورة وقيل بالسكون والتخفيف أحمسي أيضا اسلم مع إخوته الستة وقال السهيلي بنو مقرن المزني هم البكاءن الذين نزل فيهم قوله سبحانه وتعالى وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ الآية (الخبر) بالرفع أي الحديث هذا (بعينه) أي من غير زيادة ونقصان فيه على ما رواه أحمد والبيهقي بسند صحيح عنه (إلّا أنّه قال) أي النعمان (أربعمائة راكب من مزينة) أي كما مر عن أبي داود هذا والخبر مرفوع على أنه خبر ومثله مبتدأ وأبعد الدلجي بقوله منصوب بأعني (ومن ذلك) أي من قبيل تكثير الشيء ببركة دعائه وعظمة ثنائه (حَدِيثُ جَابِرٍ فِي دَيْنِ أَبِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ) كما رواه البخاري عنه (وقد كان) أي جابر (بذل لغرماء أبيه أصل ماله) أي أراد أن يبذل لهم أو عرض عليهم ورضي لهم أن يأخذوا جميع ماله وبذل بالمعجمة أي أعطى وأما بالمهملة فبمعنى العوض (فلم يقبلوه) أي استحقارا لأصل ماله لعدم الوفاء بكماله كما بينه بقوله (ولم يكن في ثمرها سنتين) أي ثمر البساتين المعبر عنها بأصل ماله أو ثمر نخيل جابر أو أبيه بكماله (كفاف دينهم) بفتح الكاف أي وفاء لأدائه قال الدلجي ومنه قول الحسن ابدأ بمن تعول ولا تلام على كفاف أي إذا لم يكن عندك كفاف فلا تلام على عدم اعطائه انتهى والكفاف قوت الرزق والأظهر أن المعنى فلا تلام على تحصيل ما يكفيك من المال عن السؤال وتشتت البال ثم صدر الكلام وهو قوله ابدأ بمن تعول من حديثه عليه الصلاة والسلام كما رواه الطبراني عن حكيم بن حزام (فجاءه النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم بعد أن أمره) أي جابرا (بجدّها) بفتح الجيم وتشديد الدال المهملة أي بقطع ثمرها (وجعلها بيادر في أصولها) بفتح الموحدة وكسر الدال المهملة جمع بيدر أي جعلها كومات تحت نخيلها (فمشى فيها) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (ودعا) أي بالبركة فيه (فأوفى) أي أعطى (منه جابر غرماء أبيه وفضل) تقدم الكلام عليه وقال التلمساني تثلث ضاده والكسر أعلى أي زاد (مثل ما كانوا يجدّون) بضم الجيم وكسرها وتشديد الدال المهملة أي يقطعون (كُلَّ سَنَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ مِثْلُ مَا أَعْطَاهُمْ) أي فضل (قال) أي جابر (وكان الغرماء يهود) خبر كان غير منصرف علم طائفة من اليهود (فعجبوا) بكسر الجيم أي فتعجبوا (من ذلك) أي لما عظم موقعه عندهم مع خفاء سببه إذ هو شأن العجب وسبب تعجبهم هو وفاء دينهم الكثير من الشيء اليسير مع زيادته بدعائه وبركته فإن هذا وأمثاله مما ذكر سابقا ولا حقا من أعلى المعجزات وأعظم الكرامات. (وقال أبو هريرة) على ما رواه البيهقي عنه (أصاب النّاس مخمصة) أي مجاعة شديدة (فقال لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هل من شيء) أي أهل عندك بعض شيء فمن تبعيضية لا زائدة كما قاله الدلجي ثم تنكير شيء للتقليل فيفيد المبالغة في المطالبة ولو بشيء يسير أو قدر حقير (قلت نعم) أي عندي (شيء) أي قليل (من التّمر في المزود) بكسر الميم وفتح الواو وعاء من جلد يجعل فيه الزاد (قال فأتني به) أي فأتيته به (فأدخل يده. فأخرج قبضة) بفتح

ص: 613

القاف أي مرة من القبض بمعنى مقبوضة كالغرفة بمعنى المغروفة وهي مأخوذة من القبض وهو الأخذ بجميع الكف وبالضم اسم للشيء المقبوض كالغرفة بالضم بمعنى المغروف والرواية بالفتح كما ذكر الحجازي وهو ملء الكف قال الحلبي ويفتح أيضا ويؤيده ما في القاموس القبضة وضمه أكثر ما قبضت عليه من شيء هذا وفي نسخة بالصاد المهملة ففي القاموس قبصه تناوله بأطراف أصابعه وذلك المتناول القبضة بالفتح والضم والقبضة من الطعام ما حملت كفاك ويضم انتهى ولا يخفى أن هذا المبنى أبلغ في المعنى (فبسطها) أي يده (ودعا بالبركة) أي لما فيها، (ثمّ قال ادع عشرة) أي فدعوتهم (فأكلوا حتّى شبعوا ثمّ عشرة) بالنصب أي دعوتهم (كذلك) على ما في نسخة أي فأكلوا حتى شبعوا وهكذا بقية من هنالك (حتّى أطعم الجيش كلّهم وشبعوا) أي وتركوا فضلهم وقد سبقت الحكمة في الاقتصار على العشرة في الجفنة وقيل خصت العشرة لأن لها فضلا حيث إن الله تعالى أقسم بها وفي العشر ليلة القدر وفيها ليلة النحر وفيها يوم عاشوراء وقال تعالى وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ وقال تلك عشرة كاملة (وقال) وفي نسخة قال وفي نسخة ثم قال أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (خذ ما جئت به) أي مع الزيادة الحاصلة من البركة (وأدخل يدك) أي فيه (واقبض منه) بكسر الموحدة (ولا تكبّه) بفتح التاء وضم الكاف وتشديد الموحدة المفتوحة وقد تضم أي لا تقلبه (فقبضت) أي فأخذت (عَلَى أَكْثَرِ مِمَّا جِئْتُ بِهِ فَأَكَلْتُ مِنْهُ وأطعمت) أي غيري أيضا (حياة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي مدة حياته (وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِلَى أَنْ قُتِلَ عُثْمَانُ) وهو عام خمس وثلاثين (فانتهب منّي) بصيغة المجهول أي سلب (فذهب) أي فاستمر غائبا عني في المكان ولعل فقده حينئذ لفساد الزمان (وفي رواية) أي حسنة للترمذي (لقد) وفي نسخة فَقَدْ (حَمَلْتُ مِنْ ذَلِكَ التَّمْرِ كَذَا وَكَذَا) كناية عن عدد مقدار ما حمله (مِنْ وَسْقٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَذُكِرَتْ مِثْلُ هذه الحكاية في غزوة تبوك) أي من الرواية (وأنّ التّمر) بكسر الهمزة والجملة حالية (كان بضع عشرة تمرة) وروي بضعة عشر والأول أولى (ومنه) أي ومن تكثير الطعام ببركة دعائه عليه الصلاة والسلام (أيضا) كما في نسخة أي كما وقع مكررا في مقام المرام (حديث أبي هريرة) كما رواه البخاري (حين أصابه الجوع) يعني أبا هريرة (فاستتبعه النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي فأمره أن يتبعه فتبعه (فوجد) أي النبي أو أبو هريرة (لبنا) أي قليلا (في قدح) أي صغير (قد أهدي إليه) أي إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (وأمره) أي أبا هريرة (أن يدعو أهل الصّفّة) أي بقيتهم إليه (قال) أبو هريرة رضي الله تعالى عنه (فقلت) أي في نفسي (ما هذا اللّبن) أي ما تأثيره (فيهم) والاستفهام بمعنى النفي أي لا يغني من شبعهم شيئا (كنت) أي أنا وحدي (أحقّ أن أصيب منه شربة) أي مرة واحدة وأغرب التلمساني في قوله بضم الشين (أتقوّى بها) يعني ولعلها تكفيني أم لا ومع هذا امتثلت الأمر (فدعوتهم) أي فحضروا (وذكر) أي أبو هريرة (أمر النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم له أن يسقيهم) بفتح الياء الأولى وضمها ولفظ الدلجي وأمرني أن أسقيهم ولعله نقل بالمعنى وتغيير

ص: 614

في المبنى (فجعلت) أي شرعت (أعطي الرّجل فيشرب حتّى يروى) بفتح الياء والواو (ثمّ يأخذه الآخر) أي فيشرب (حتّى) يروى وهكذا حتى (روي جميعهم) بكسر الواو ولفظ الدلجي حتى رووا جميعهم بضم الواو على صيغة الجمع، (قال) أي أبو هريرة (فأخذ النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم القدح) أي قدح اللبن (وقال بقيت، أنا) تأكيد لضمير بقيت ليصح عليه عطف قوله (وأنت) نحو قوله تعالى اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (اقعد) أمر أدب (فاشرب فشربت، ثم قال اشرب) أي فشربت كما في أصل الدلجي (وما زال يقولها) أي كلمة أشرب (وأشرب حتّى قلت لا) أي لا أشرب أو لا أقدر على زيادة الشرب (والذي بعثك بالحقّ) أي إلى كافة الخلق (ما أجد) وفي نسخة صحيحة لا أجد (له مسلكا) أي مساغا وهو يحتمل أن يكون جوابا للقسم أو مستأنفا مبينا لامتناعه كأنه علة له (فأخذ) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (القدح فحمد الله) أي على ما منحه من البركة (وسمّى وشرب الفضلة) أي البقية وفيه إيذان بأن أفضل القوم يكون آخرهم شربا ذكره الدلجي وفي الحديث ساقي القوم آخرهم شربا رواه الترمذي وابن ماجة عن أبي قتادة وغيرهما عن غيره وفيه تنبيه أيضا على وجه حكمة تأخير أبي هريرة عن القوم مع الإيماء إلى وجه اختيار الإيثار لا سيما حال المخمصة والاضطرار والله تعالى أعلم بهذه الأسرار وعن عبد الله بن الحارث عن أبيه عن أبي عبد الرحمن السلمي قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم اتخذوا عند الفقراء أيادي فإن لهم دولة قيل يا رسول الله وما دولتهم قال ينادى يوم القيامة يا معشر الفقراء قوموا فلا يبقى فقيرا إلا قام حتى إذا اجتمعوا قيل ادخلوا إلى صفوف أهل القيامة فمن صنع معكم معروفا فأوردوه الجنة قال فجعل يجتمع على الرجل كذا وكذا من الناس فيقول له الرجل الم أكسك فيصدقه ويقول الآخر يا فلان الم أكلم لك فلانا فلا يزال يخبرونه بما صنعوا إليه وهو يصدقهم حتى يذهب بهم جميعا حتى يدخلهم الجنة فيبقى قوم لم يكونوا يصنعون المعروف يا ليتنا كنا نصنع المعروف حتى ندخل الجنة وعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان ممن كان قبلكم ملك مسرف على نفسه وكان مسلما وإذا أكل طعامه طرح ثفاله طعامه على مزبلة فكان يأوي إليها عابد فإن وجد كسرة اكلها وإن وجد بقلة أكلها وإن وجد عرقا تعرقه قال فلم يزل كذلك حتى قبض الله ذلك الملك فأدخله النار فخرج العابد إلى الصحراء مقتصرا على بقلها ومائها ثم إنه سبحانه وتعالى قبض ذلك العابد فقال له هل لأحد عليك معروف تكافئه قال لا يا رب قال فمن أين كان معاشك وهو اعلم به منه قال كنت آوي إلى مزبلة ملك فإن وجدت كسرة أكلتها وإن وجدت بقلة أكلتها وان وجدت عرقا تعرقته فقبضته فخرجت إلى البرية مقتصرا على بقلها ومائها فأمره تعالى أن خذ بيده فأدخله الجنة من معروف كان منه إليك وهو لم يعلم به أما إنه لو علم به ما أدخلته النار. (وفي حديث خالد بن عبد العزّى) أي ابن سلامة الخزاعي له صحبة روى عنه ابنه مسعود إلا أن حديثه ليس في الكتب الستة على ما في التجريد كما ذكره الحلبي وقال الدلجي حديثه هذا

ص: 615

رواه البيهقي عنه (أنّه أجزر النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي أعطاه (شاة) أي تصلح للجزر وهو الذبح ولا تكون إلا من الغنم فلا يقال أجزرت القوم ناقة لأنها قد تصلح لغير الذبح إذ نزل عليه بالجعرانة وظل عنده وأمسى ثم بدت له صلى الله تعالى عليه وسلم العمرة فأرسل إلى رجل من تهامة يقال له مخرش بن عبد الله ليأخذ به طريقا إلى مكة يأمن فيه على نفسه لخوفه من دخولها وحده فانحدر به إلى الوادي حتى بلغا اشغاب قال يا مخرش من هذا المكان إلى الكر وما والاه فهو لخالد وما بقي من الوادي فهو لك ثم سار به حتى قضى نسكه وأحله مخرش أي حلقه ثم رجعا إلى خالد (وكان عيال خالد) بكسر العين أي من يعوله (كثيرا) أي عددهم (يذبح الشّاة) حال أو استئناف مبين لكثرتهم واللام في الشاة للجنس فهو في حكم النكرة أي قد يذبح خالد شاة (فلا تبدّ عياله) بضم الفوقية وكسر الموحدة وتشديد الدال المهملة من بد الشيء وأبده فرقه وأعطى كل واحد بدنه أي نصيبه على حدته قاله الهروي وفي الحديث اللهم أحصهم عددا وأقتلهم بددا أي متفرقين واحدا بعد واحد والمعنى لا نكفي الشاة كلهم إذا فرقت عليهم (عظما عظما وإنّ النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) بكسر الهمزة جملة حالية (أكل من هذه الشّاة) أي التي أجزرها إياه (وجعل فضلتها) أي بقيتها (فِي دَلْوِ خَالِدٍ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فَنَثَرَ) بفتح الموحدة فضم المثلثة بعدها راء أي كثر (ذلك لعياله) وفي نسخة صحيحة بالنون والمثلثة والمفتوحتين أي انتثر ذلك لعياله حتى وسعهم وقيل أي صبه وأخرجه ورمى به (فأكلوا وأفضلوا) أي ودخلوا في زيادة البركة (ذكر خبره الدّولابي) بضم الدال المهملة أنصاري رازي سمع محمد بن بشار وغيره من طبقته بالحرمين والعراق ومصر والشام وغيرها وصنف التصانيف وروى عنه ابن أبي حاتم وابن عدي والطبراني وغيرهم قال الدارقطني تكلموا فيه وما تبين في أمره الأخير توفي بين مكة والمدينة بالعرج في ذي القعدة سنة عشر وثلاثمائة هذا وقد قال ابن ماكولا في الإكمال ما لفظه وأما خناش أوله خاء معجمة مضمومة وبعدها نون وآخره شين معجمة فهو أبو خناش خالد بن عبد العزى في الصحابة ذكره أبو بشر الدولابي في كتاب الاسماء والكنى بسنده إلى أن قال عن مسعود بن خالد عن خالد بن عبد العزى بن سلامة أنه أجزر النبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةً وَكَانَ عِيَالُ خَالِدٍ كَثِيرًا يذبح الشاة فلا تبد عياله عظما عظما وأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أكل منها ثم قال أرني دلوك يا أبا خناش ووضع فيها فضلة الشاة ثم قال اللهم بارك لأبي خناش فانقلب به فنثره لهم وقال تواسعوا فيه فأكل عياله وأفضلوا ذكره الحلبي (وفي حديث الآجرّيّ) بهمزة ممدودة وضم جيم وتشديد راء وبعده ياء نسبة صاحب كتاب الشريعة وهو أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله البغدادي منسوب إلى عمل الآجر (في إنكاح النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم لعليّ فاطمة) أي في تزويجها له (أنّ النّبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَالًا بِقَصْعَةٍ مِنْ أَرْبَعَةِ أمداد أو خمسة) أي من دقيق خبز شعير أو حنطة (ويذبح جزورا) أي بعيرا (لوليمتها) وفي نسخة ويذبح جزورا بصيغة المضارع وفي

ص: 616

أخرى وبذبح جزور بمصدر مضاف، (قال) أي بلال (فأتيته بذلك) أي فجئت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بالذي أمره أن يصنعه من القصعة (فطعن في رأسها) أي في أعلاها بيديه لتنزل البركة عليه، (ثمّ أدخل النّاس) أي أمرهم بالدخول عليه (رفقة رفقة) بضم الراء وجوز تثليثها أي جماعة بعد جماعة (يأكلون منها) وفي نسخة صحيحة فأكلوا منها (حتّى فزعوا) أي عنها (وبقيت منها فضلة) وفي نسخة فضلة منها أي بقية وزيادة (فبرّك) بتشديد الراء أي فدعا بالبركة (فيها وأمر بحملها إلى أزواجه) أي من النساء التسع (وقال) أي لهن بعد إساله إليهن (كلن) أي بأنفسكن (وأطعمن من غشيكنّ) أي أتاكن وحضر عندكن فإن البركة توافي كلكن (وفي حديث أنس) كما رواه الشيخان (تزوّج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بعض نسائه) قال الحلبي تقدم أن هذا كان في ابتنائه بصفية (فصنعت أمّي أمّ سليم) بالتصغير (حيسا) تقدم مبناه ومعناه (فجعلته في تور) سبق كذلك (فذهبت) أي أنا وفي نسخة فبعثتني (به) أي بالتور إلى رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَالَ ضَعْهُ وَادْعُ لِي فُلَانًا وفلانا) أي كأبي بكر وعمر خصوصا. (ومن لقيت) أي من غيرهما عموما (فدعوتهم) أي المعينين جميعهم (ولم أدع) بفتح الدال أي ولم أترك (أحدا لقيته) أي في طريقي ذاهبا وآئبا (إلّا دعوته وذكر) أي أنس (أنّهم) أي المدعوين والمجتمعين لا كما قال الدلجي أي الذين دعاهم (كانوا زهاء ثلاثمائة) أي مقدارهم تقريبا (حتّى ملؤوا الصُّفَّةَ وَالْحُجْرَةَ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم: تحلّقوا) بفتح اللام المشددة أي استديروا كالحلقة المفرغة (عشرة عشرة) أي كل عشرة حلقة أو كل حلقة عشرة (ووضع النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم يده على الطّعام) أي المسمى بالحيس الذي صنعته أم سليم وجاء به أنس إليه عليه الصلاة والسلام (فدعا فيه) أي بما شاء الله من الدعاء (وقال ما شاء الله أن يقول) أي من أصناف الاسماء وأنواع الثناء (فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا كُلُّهُمْ، فَقَالَ لِي ارْفَعْ) فرفعته (فَمَا أَدْرِي حِينَ وُضِعَتْ كَانَتْ أَكْثَرَ أَمْ حين رفعت) بصيغة المجهول فيهما ولا يبعد أن يضبط بصيغة المتكلم المعلوم وتأنيث الضمير مع أنه راجع إلى التور باعتبار الآنية ووقع في أصل الدلجي وضع ورفع بصيغة التذكير فيتعين كونهما للمفعول كما لا يخفى (وأكثر أحاديث هذه الفصول الثّلاثة) أي التي أولهما فصل نبع الماء من بين أصابعه (فِي الصَّحِيحِ وَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَى مَعْنَى حَدِيثِ هذا الفصل) وفي نسخة حديث الفصل هذا ووقع في أصل الدلجي حديث هذه الفصول (بضعة عشر) بكسر الباء وتفتح أي ثلاثة عشر أو أكثر (من الصّحابة) وأما قول الجوهري تقول بضع سنين وبضعة عشر رجلا فإذا جاوزت العشر لا تقول يضع وعشرون فهو منقوض بقوله عليه الصلاة والسلام صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ ببضع وعشرين درجة ولقوله في حديث مسلم وغيره الإيمان بضع وسبعون شبعة (رواه عنهم) أي روى معنى حديث هذا الفصل أو هذه الفصول عمن ذكر من الصحابة (أضعافهم من التّابعين ثمّ) أي بعدهم رواه عن أضعافهم منهم (من لا ينعدّ) بصيغة المجهول أي لا يحصر وفي نسخة لا ينعد (بعدهم) أي من تابعيهم (وأكثرها) أي

ص: 617