المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [ومن ذلك ما ظهر من الآيات عند مولده عليه الصلاة والسلام] - شرح الشفا - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأوّل

- ‌[المقدمة]

- ‌ترجمة القاضي عياض

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌القسم الأول [في تعظيم العلي الأعلى جل وعلا]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ [فِيمَا جَاءَ من ذلك مجيء المدح والثناء]

- ‌الفصل الثّاني [في وصفه تعالى بالشهادة وما تعلق به من الثناء والكرامة]

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ [فيما ورد من خطابه تعالى إياه مورد الملاطفة والمبرة]

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُ [فِي قَسَمِهِ تَعَالَى بِعَظِيمِ قَدْرِهِ صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الفصل الخامس في قسمه

- ‌الْفَصْلُ السَّادِسُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى في جهته عليه الصلاة والسلام مورد الشفقة والإكرام]

- ‌الفصل السّابع [فيما أخبره الله بِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ عَظِيمِ قَدْرِهِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّامِنُ [فِي إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقَهُ بصلاته عليه وولايته له]

- ‌الْفَصْلُ التَّاسِعُ [فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْفَتْحِ مِنْ كراماته عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْعَاشِرُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كتابه العزيز من كراماته عليه ومكانته عنده]

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي تَكْمِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ المحاسن خلقا وخلقا]

- ‌فصل [قال القاضي رحمه الله تعالى إذا كانت خصال الكمال والجلال]

- ‌فصل [إن قلت أكرمك الله تعالى لا خفاء على القطع بالجملة]

- ‌فصل [وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُفُورُ عَقْلِهِ وَذَكَاءُ لُبِّهِ وَقُوَّةُ حَوَاسِّهِ وفصاحة لسانه واعتدال حركاته وحسن شمائله]

- ‌فصل [وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول]

- ‌فصل [وأما شرف نسبه وكرم بلده ومنشأه]

- ‌فصل [وأما تَدْعُو ضَرُورَةُ الْحَيَاةِ إِلَيْهِ مِمَّا فَصَّلْنَاهُ فَعَلَى ثلاثة ضروب الضرب الأول]

- ‌فصل [وأما الضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته والفخر بوفوره]

- ‌فصل [وأما الضرب الثالث فهو ما تختلف فيه الحالات]

- ‌فصل [وأما الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [وأما أَصْلُ فُرُوعِهَا وَعُنْصُرُ يَنَابِيعِهَا وَنُقْطَةُ دَائِرَتِهَا فَالْعَقْلُ]

- ‌فصل [وأما الحلم]

- ‌فصل [وأما الجود]

- ‌فصل [وأما الشجاعة والنجدة]

- ‌فصل [وأما الحياء والإغضاء]

- ‌فصل [وأما حسن عشرته وآدابه]

- ‌فصل [وأما الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق]

- ‌فصل [وأما خلقه صلى الله تعالى عليه وسلم في الوفاء]

- ‌فصل [وأما تواضعه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما عدله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته]

- ‌فصل [وأما وقاره صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما زهده صلى الله تعالى عليه وسلم في الدنيا]

- ‌فصل [وأما خوفه صلى الله تعالى عليه وسلم من ربه عز وجل]

- ‌فصل [اعلم وفقنا الله تعالى وإياك أن صفات جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قد آتيناك أكرمك الله سبحانه من ذكر الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [في تفسير غريب هذا الحديث ومشكله]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ ومشهورها بتعظيم قدره عند ربه عز وجل]

- ‌الفصل الأول [فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ مَكَانَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عز وجل]

- ‌فصل [في تفضيله صلى الله تعالى عليه وسلم بما تضمنته كَرَامَةُ الْإِسْرَاءِ]

- ‌فصل [ثم اختلف السلف والعلماء هل كان إسراء بروحه أو جسده]

- ‌فصل [إبطال حجج من قال أنها نوم]

- ‌فصل [وأما رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم لربه عز وجل]

- ‌فصل [في فوائد متفرقة]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَظَاهِرُ الآية من الدنو والقرب]

- ‌فصل [في ذكر تفضيله في القيامة بخصوص الكرامة]

- ‌فصل [في تفضيله بالمحبة والخلة]

- ‌فصل [في تفضيله بالشفاعة والمقام المحمود]

- ‌فصل [في تفضيله فِي الْجَنَّةِ بِالْوَسِيلَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ وَالْكَوْثَرِ وَالْفَضِيلَةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ إِذَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلِيلِ الْقُرْآنِ وصحيح الأثر]

- ‌فصل [في أسمائه صلى الله تعالى عليه وسلم وما تضمنته من فضيلته]

- ‌فصل [في تشريف الله تعالى له بما سماه به من أسمائه الحسنى]

- ‌فصل [قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وها أنا أذكر نكتة]

- ‌الْبَابُ الرَّابِعُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَشَرَّفَهُ بِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ والكرامات]

- ‌فصل [اعلم أن الله عز وجل قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْمَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ]

- ‌فصل [اعلم أن معنى تسميتنا ما جاءت به الأنبياء معجزة]

- ‌فصل [في إعجاز القرآن العظيم الوجه الأول]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ إِعْجَازِهِ صُورَةُ نَظْمِهِ الْعَجِيبِ والأسلوب الغريب]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْإِعْجَازِ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ من الأخبار]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الرَّابِعُ مَا أَنْبَأَ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ القرون السالفة]

- ‌فصل [هَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ إِعْجَازِهِ بَيِّنَةٌ لَا نزاع فيها ولا مرية]

- ‌فصل [ومنها الروعة]

- ‌فصل [وَمِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْدُودَةِ كَوْنُهُ آيَةً بَاقِيَةً لا تعدم ما دامت الدنيا]

- ‌فصل [وَقَدْ عَدَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمُقَلِّدِي الْأُمَّةِ في إعجازه وجوها كثيرة]

- ‌فصل [في انشقاق القمر وحبس الشمس]

- ‌فصل [في نبع الماء من بين أصابعه الشريفة وتكثيره ببركته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ تَفْجِيرُ الْمَاءِ ببركته وانبعاثه]

- ‌فصل [ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته]

- ‌فصل [في قصة حنين الجذع له صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [ومثل هذا وقع في سائر الجمادات بمسه ودعوته]

- ‌فصل [في الآيات في ضروب الحيوانات]

- ‌فصل [في إحياء الموتى وكلامهم]

- ‌فصل [في إبراء المرضى وذوي العاهات]

- ‌فصل [في إجابة دعائه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في كراماته صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْغُيُوبِ]

- ‌فصل [في عصمة الله تعالى له صلى الله تعالى عليه وسلم من الناس وكفايته من آذاه]

- ‌فصل [ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم]

- ‌فصل [ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام وكراماته وباهر آياته أنباؤه مع الملائكة]

- ‌فصل [وَمِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ وَعَلَامَاتِ رِسَالَتِهِ مَا تَرَادَفَتْ]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ عِنْدَ مولده عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى قد أتينا في هذا الباب]

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌فصل [ومن ذلك ما ظهر من الآيات عند مولده عليه الصلاة والسلام]

فانهض إلى الصفوة من هاشم

ما مؤمنو الجن ككفارها

فوقع في قلبي حب الإسلام فأتيته عليه الصلاة والسلام بالمدينة فلما رآني قال مرحبا بك يا سواد قد علمنا ما جاء بك فقلت له قلت شعرا فاسمعه مني ثم إني أنشدت:

أتاني رئي ليلة بعد هجعة

ولم يك فيما قد بلوت بكاذب

ثلاث ليال قوله كل ليلة

أتاك نبي من لؤي بن غالب

فشمرت عن ساقي الإزار ووسطت

بي الذ علب الوجناء عقد السباسب

فاشهد أن الله لا رب غيره

وأنك مأمون على كل غائب

وأنك أدنى المرسلين شفاعة

إلى الله يا بن الأكرمين الأطايب

فمرنا بما يأتيك يا خير من مشى

وإن كان فيما جاء شيب الذوائب

فكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة

سواك بمغن عن سواد بن قارب

قال فضحك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال أفلحت يا سواد (ومن ذبائح النّصب) جمع نصيب بمعنى منصوب للعبادة أي وما سمع منها كسماع عمر رضي الله تعالى عنه من عجل رأى رجلا يذبحه لنصب يقول يا آل ذريح أمر نجيج رجل نصبح يقول لا إله إلا الله (وأجواف الصّوّر) أي وما سمع من أجوافها كما مر عن مازن السادن وغيره (وَمَا وُجِدَ مِنَ اسْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّهَادَةِ لَهُ بِالرِّسَالَةِ مَكْتُوبًا فِي الحجارة والقبور) مفعول ثان لوجد أو حال من ضميره (بالخطّ القديم ما) أي الذي (أكثره مشهور) أي كما هو في كتب السير وغيرها مسطور (وَإِسْلَامُ مَنْ أَسْلَمَ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَعْلُومٌ مَذْكُورٌ) أي في كتب العلماء الأخيار بنقل الثقة في الأخبار.

‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ عِنْدَ مولده عليه الصلاة والسلام]

(ومن ذلك) أي مما يدل على نبوته ورسالته (ما ظهر من الآيات) أي خوارق العادات (عند مولده) أي قرب ولادته صلى الله تعالى عليه وسلم (وما حكته) أي آمنة بنت وهب أنها أتيت فقيل لها قد حملت بسيد هذه الأمة فإذا خرج فقولي أعيذه بالواحد من شر كل حاسد (ومن حضره) أي وما حكاه من حضر مولده (من العجائب) أي مما سيأتي قريبا (وكونه) بالرفع أي وجوده (رافعا رأسه) أي للدعاء (عندما وضعته شاخصا ببصره إلى السّماء) كما رواه البيهقي عن الزهري مرسلا. (وما رأته) أي أمه (مِنَ النُّورِ الَّذِي خَرَجَ مَعَهُ عِنْدَ وِلَادَتِهِ) حتى رؤيت منه قصور بصرى كما رواه أحمد والبيهقي عن العرباض وأبي أمامة (وما رأته إذ ذاك) أي وقت ولادته (أمّ عثمان بن أبي العاص) أي الثقفي (من تدلّي النّجوم) أي نزولها ودنوها منه تبركا بحضرته (وظهور النّور) أي الذي سطع منه بأشعته (عند ولادته حتّى ما تنظر) أي أم عثمان (إلّا النّور) وفي رواية إلا لنور كما رواه البيهقي والطبراني عن ابنها عنها (وقول الشّفاء)

ص: 750

بكسر أوله ممدودا ومقصورا والأول هو المفهوم من القاموس حيث قال الشفاء الدواء وسموا شفاء وقد صرح بالمد أيضا في اسماء الأسانيد وقال الحلبي الشفاء بكسر الشين المعجمة وبالفاء مقصورا فيما أعلمه انتهى والتحقيق أن الشفاء مصدر في الأصل ثم نقلته العرب علما للمؤنث وأما قول الدلجي بمعجمة مفتوحة ففاء مشددة فالظاهر أنه تصحيف وتحريف (أمّ عبد الرّحمن بن عوف) قال الذهبي وهي بنت عوف بن عبد الزهرية من المهاجرات (لمّا سقط صلى الله تعالى عليه وسلم على يديّ) بالتثنية وفي نسخة بالإفراد على إرادة الجنس (واستهلّ) بتشديد اللام أي رفع صوته بأن عطس وقال الحمد لله بدليل قولها (سمعت قائلا يقول رحمك الله) وقال الحلبي أي صاح وقال الدلجي عطس لا صاح من غير أن يذكر الحمد لله فالجمع أولى كما لا يخفى والمناسب لعلو شأنه وظهور برهانه أن لا يكون أول كلامه عبثا في مرامه بل يكون ذكرا ملائما لمقامه على طبق ما ورد عن آدم عليه السلام من أنه عطس عند وصول روحه إلى بعض أعضائه الكرام (وأضاء لي ما بين المشرق والمغرب) أي مما يتنور بنوره من معمورة العالم وتحقيق هذا المبحث قد تقدم ويشير إليه قولها (حتّى نظرت إلى قصور الرّوم) أي بأرض الشام رواه أبو نعيم في الدلائل عن ابنها عبد الرحمن بن عوف عنها. (وما تعرّفت به حليمة) أي السعدية (وزوجها) المسمى بالحارث وذكر ابن إسحاق بسنده أنه اسلم (ضئراه) بكسر أوله وسكون همزة تثنية الظئر وهي المرضعة وقد يطلق على أبي الرضاعة أيضا كما هنا وقد يقال إنه للتغليب (من بركته ودرور لبنها) أي نزوله بكثرة (له) أي لأجله صلى الله تعالى عليه وسلم ولولدها رضيعه بعد أن لم يكن لها لبن يغنيه (ولبن شارفها) بكسر الراء أي درور لبن ناقتها المسنة (وخصب غنمها) بكسر الخاء المعجمة روى ابن إسحاق وابن حبان والطبراني وأبو يعلى والحاكم والبيهقي بسند جيد عن عبد الله بن جعفر عنها أنها قالت أخذته وتركته المراضع ليتمه فجئت به رحلي فأقبل عليه ثدياي فشرب حتى روي وشرب أخوه حتى روي وقام زوجي إلى شارفنا فوجدها حافلا فحلب ما شرب وشربت حتى روينا وبتنا بخير ليلة وقال والله يني لأراك قد أخذت نسمة مباركة الم تر ما بتنا به الليلة من الخير والبركة قالت وكانت أتاني قمراء قد أزمت بالركب فلما رجعنا إلى بلادنا سبقت حتى ما يتعلق بها حمار فتقول صواحبي هذه أتانك التي خرجت عليها معنا فأقول والله إنها لهي فقلن والله إن لها شأنا فقدمنا أرض بني سعد به وما أعلم أرضا أجدب منها وإن غنمي لتسرح ثم تروح شباعا لينا فنحلبها وما حولنا أرض تبض لها شاة بقطرة لبن وأن أغنامهم لتسرح ثم تروح جياعا فيقولون لرعيانهم أسرحوا مع غنم ابن أبي ذؤيب فيسرحون فتروه جياعا ما فيها قطرة لبن وتروح غنمى شباعا لبنا فنحلبها فلم يزل الله يرينا البركة ونتعرفها حتى بلغ سنتيه (وسرعة شبابه) أي وما تعرق ظئراه من سرعة شبابه بالنسبة إلى جنابه (وحسن نشأته) أي نمائه وبهائه في كبر جثته قبل تكامل هيئته قالت والله ما بلغ سنتيه حتى صار غلاما جفرا فقدمنا به على أمه ونحن أضن شيء به لما رأينا فيه من البركة بسببه ثم قلنا

ص: 751

لها دعينا نرجع به حذرا عليه من وباء مكة فما زلنا بها حتى قالت نعم (وما جرى من العجائب) وهي ما عظم وقوعه وخفي سببه (ليلة مولده صلى الله تعالى عليه وسلم) كما رواه البيهقي وابن أبي الدنيا وابن السكن عن مخزوم بن شاهين (من ارتجاج إيوان كسرى) أي اضطرابه جدا وتحركه شديدا مع إحكام بنائه من غير خلل نشأ به والإيوان بالكسر الصفة العظيمة وأصله أوان فأعل كديوان وسبق أن كسرى بكسر أوله ويفتح معرب خسرو لقب ملوك الفرس كقيصر لقب ملوك الروم وتبع لملوك اليمن والنجاشي لملوك الحبشة (وسقوط شرفاته) بضم الشين المعجمة والراء وتفتح وحكي سكونها جمع شرفة بضم فسكون وهو جمع قلة وضعت موضع كثرة لأنهن أربع عشرة ولعل الحكمة في عدولها عن الكثرة إلى القلة تحقيرا لها لخراب مآلها هذا وقد ملك منهم ملوك بعددها عشرة في أربع سنين وأربعة إلى خلافة عثمان وفتح المسلمين (وغيض بحيرة طبريّة) بفتحتين مدينة معروفة في الشام بناحية الأردن ذات حصن بينها وبين بيت المقدس نحو مرحلتين وهي من الأرض المقدسة والبحيرة مصغرة مع أنها عظيمة وغيضها نقصها هذا والمعروف أن الغائضة هي بحيرة ساوة من قرى بلاد فارس قال الحلبي اللهم إلا أن يريد عند خروج يأجوج ومأجوج فإن أوائلهم يشرب ماءها ويجيء آخرهم فيقول لقد كان بها ماء انتهى وبعده عن السياق من السباق واللحاق لا يخفى وفي نسخة صحيحة بدل طبرية ساوة والله تعالى اعلم (وخمود نار فارس) أي انطفائها وقت غيض بحيرتها فكأنها طفئت بمائها (وكان لها ألف عام لم تخمد) بفتح التاء وضم الميم وتفتح فإنه ورد من باب نصر ينصر وباب علم يعلم (وأنّه) أي النبي عليه الصلاة والسلام كما رواه ابن سعد وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه (كَانَ إِذَا أَكَلَ مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ وآله) أي وأهل بيته (وهو صغير) جملة حالية معترضة (شبعوا) بكسر الباء (ورووا) بضم الواو (وإذا) وفي نسخة فإذا (غاب) أي عنهم (فأكلوا في غيبته لم يشبعوا) بفتح الباء وزيد في نسخة ولم يرووا بفتح الواو ولعل النسخة الأولى مبنية على الاكتفاء أو على تغليب شبع الطعام على ري الماء (وكان سائر ولد أبي طالب) بفتحتين وبضم فسكون أي بقية أولاده أو جميعهم (يصبحون) أي يدخلون في الصباح (شعثا) بضم أوله جمع أشعث أي مغبرة شعورهم مغيرة وجوههم متغيرة ألوانهم بقرينة المقابلة بقوله (ويصبح صلى الله تعالى عليه وسلم صقيلا) أي صافي اللون (دهينا) أي مدهون الشعر بريق الوجه (كحيلا) أي كان مكحول العينين هذا وأولاده عقيل وطالب وجعفر وعلي وأم هانىء وحمامة وأم طالب فأسلموا كلهم إلا طالبا مات كافرا ويقال أن الجن اختطفته ثم اعلم أنه قال الحلبي استعمل القاضي رحمه الله تعالى سائر بمعنى جميع والشيخ أبو عمرو بن الصلاح أنكر كون سائر بمعنى جميع وقال إن ذلك مردود عند أهل اللغة معدود في غلط العامة وأشباههم من الخاصة قال الزهري في تهذيبه أهل اللغة اتفقوا على أن سائر بمعنى الباقي وقال الحريري في درة الغواص في أوهام الخواص ومن أوهامهم الفاضحة وأغلاطهم الواضحة أنهم يستعملون

ص: 752

سائر بمعنى الجميع وهو في كلام العرب بمعنى الباقي واستدل بقصة غيلان لما أسلم على عشر نسوة وقال له صلى الله تعالى عليه وسلم أمسك أربعا وفارق سائرهن انتهى وقال ابن الصلاح ولا التفات إلى قول صاحب الصحاح سائر الناس جميعهم فإنه ممن لا يقبل ما ينفرد به وقد حكم عليه بالغلط وهذا من وجهين أحدهما تفسير ذلك بالجميع وثانيهما أنه ذكره في سر وحقه أن يذكر في سار وقال النووي وهي لغة صحيحة ذكرها غير الجوهري ولم ينفرد بها وافقه عليها الجواليقي في أول شرح أدب الكاتب إلى آخر كلام النووي في تهذيبه انتهى كلام الحلبي وتبعه الدلجي في تفسير السائر بالجميع وقال صاحب القاموس السائر الباقي لا الجميع كما توهم جماعات أو قد يستعمل فقد ضاف أعرابي قوما فأمروا الجارية بتطبيبه فقال بطني عطري وسائري ذري انتهى ولا يخفى أنه يحتمل كلام الأعرابي أن يكون السائر بمعنى الباقي بل هو المتبادر على ما هو الظاهر والتحقيق أن السائر بمعنى الباقي حقيقة وبمعنى الجميع مجازا وأنه مأخوذ من السؤر مهموزا وهو البقية الملائمة لمعنى الباقي بخلاف السور معتلا وهو سور البلد المناسب لمعنى الجميع وبهذا يرتفع الخلاف لمن ينظر بعين الانصاف ويظهر فساد ما في كلام ابن الصلاح من المناقضة ونوع من المعارضة (قالت أمّ أيمن) وهي بركة بنت محصن (حاضنته) أي مربيته ومرضعته أيضا على ما قيل وهي مولاة له صلى الله تعالى عليه وسلم حبشية اعتقها أبو النبي صلى الله تعالى عليه وسلم واسلمت قديما وابنها أيمن بن عبيد الحبشي ثم تزوجها زيد بن حارثة زارها أبو بكر وعمر رضي الله عنهما واختلف في زمن وفاتها (ما رأيته صلى الله تعالى عليه وسلم اشتكى) أي بلسانه (جوعا ولا عطشا صغيرا) أي حال كونه صغيرا (ولا كبيرا) إذ كان ربه يطعمه ويسقيه بمعنى يخلق قوتهما فيه وحديثها رواه ابن سعد وأبو نعيم في الدلائل. (ومن ذلك حراسة السّماء) بكسر الحاء أي حفظها من بلوغ الجن إليها (بالشّهب) أي بالنجوم رجوما لئلا يكون لهم هجوما (وقطع رصد الشّياطين) أي ترصدهم وانتظارهم ظهور شيء إليهم ونزول خبر عليهم (ومنعهم استراق السّمع) أي بالكلية فإنهم كانوا لا يسمعون إلا القول الحق من ملائكة السماء فيلقونه إلى أوليائهم فيكذبون معه ما شاؤوا من أنبائهم فمنعوا منه بظهور نوره صلى الله تعالى عليه وسلم فلما بعث اشتد الأمر بهم وكثر الحرس عليهم كما قال تعالى حكاية عنهم وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً الآيات (وما نشأ) بالهمز أي ومن ذلك ما تربى (عليه) وجبل إليه (من بغض الأصنام) كما في حديث البيهقي عن زيد بن حارثة قال كان صنم يتمسح به المشركون إذا طافوا بالبيت فطفت به قبل البعثة فلما مررت بالصنم تمسحت به فقيل لي لاتمسه ثم طفنا فقلت في نفسي لأمسنّه حتى أنظر ما يؤول فمسحته فقال الم تنه قال زيد فو الذي أكرمه بالذي أكرمه ما التمس صنما قط (والعفّة) أي وما نشأ من النفرة (عن أمور الجاهليّة) أي معايبها. (وما خصّه الله به من ذلك) أي من الأعمال الرضية والأحوال الزكية (وحماه) أي وحفظه قبل بعثته من الصفات الرديئة والسمات الدنيئة، (حتّى في ستره) بفتح

ص: 753

السين أي تستره من التعري وهو كشف العورة (في الخبر المشهور عند بناء الكعبة) كما رواه الشيخان عن جابر والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما (إذ) أي حين (أخذ إزاره) أي بأمر عمه العباس (ليجعله على عاتقه) وهو ما بين المنكب والعنق (ليحمل عليه الحجارة) أي ولم تظهر عليه الإمارة (وتعرّى) أي وانكشفت عورته (فسقط إلى الأرض) أي مائلا إليها وطمحت عيناه إلى السماء (حتّى ردّ) أي بنفسه (إِزَارَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ عَمُّهُ مَا بَالُكَ) وفي نسخة ما لك أي ما حالك (قال إنّي نهيت عن التّعرّي) في رواية وكنت وابن أخي يحمل الحجارة على رقابنا وأزرنا تحتها فإذا غشينا الناس أتزرنا فبينا أنا أمشي ومحمد أمامي خر لوجهه وهو ينظر إلى السماء فقلت ما شأنك فأخذ إزاره وقال إني نهيت أن أمشي عريانا قال فكنت أكتمها الناس مخافة أن يقولوا مجنون (وَمِنْ ذَلِكَ إِظْلَالُ اللَّهِ لَهُ بِالْغَمَامِ فِي سفره) أي على ما مر في حديث بحيرا الراهب كما رواه الترمذي والبيهقي. (وفي رواية) أي لابن سعد عن نفيسة بنت منبه (أنّ خديجة) رضي الله تعالى عنها (ونساءها رأينه لمّا) بتشديد الميم أي حين (قدم وملكان يظلّانه فذكرت) أي خديجة (ذلك) أي خبر الإظلال (لميسرة) أي غلامها قال الحلبي لا أعلم له ذكرا في الصحابة وكان توفي قبل النبوة وإلا فلو أدركها لأسلم انتهى وفيه بحث لا يخفى والله تعالى أعلم (فَأَخْبَرَهَا أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ مُنْذُ خَرَجَ مَعَهُ في سفره) أي من أول أمره إلى آخره؛ (وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ حَلِيمَةَ رَأَتْ غَمَامَةً تُظِلُّهُ وهو عندها) كما رواه الواقدي وابن سعد وابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس، (وروي ذلك) أي تظليل العمامة له (عن أخيه من الرّضاعة) وفي رواية عن أخته بالفوقية وهي أصح كما في سيرة أبي الفتح اليعمري من أن حليمة بعد رجوعها من مكة كانت لا تدعه أن يذهب مكانا بعيدا فغفلت عنه يوما في الظهيرة فخرجت تطلبه حتى وجدته مع أخته فقالت في هذا الحر فقالت أخته يا أمه ما وجد أخي حرا رأيت غمامة تظل عليه إذا وقف وقفت وإذا سار سارت الحديث قال الحلبي صريح أن يكون ما في الأصل غلط تصحف على الكاتب اللهم إلا أن يروى أن أخاه من الرضاعة رأى ذلك أيضا والله تعالى اعلم. (وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ نَزَلَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ قَبْلَ مَبْعَثِهِ تَحْتَ شَجَرَةٍ يَابِسَةٍ فَاعْشَوْشَبَ مَا حولها) أي كثر عشبه وهو الكلاء ما دام رطبا والمعنى أنه نبت فيه عشب كثير، (وأينعت) بتقديم التحتية على النون (هي) أي الشجرة والمعنى أدرك ثمارها ونضجت ومنه قوله تعالى كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إذا أثمر وينعه أي نضجه (فأشرقت) بالقاف أي أضاءت بحسن صفائها كإشراق الشمس بضيائها ويروى بالفاء أي علت وارتفعت (وتدلّت) بتشديد اللام وفي أصل الدلجي بلامين أي استرسلت ونزلت (عليه أغصانها بمحضر من رآه) قال الدلجي لم أدر من رواه (وميل فيء الشّجرة) أي ظلها (إليه في الخبر الآخر) أي المتقدم عن بحيرا الراهب (حتّى أظلّته وما ذكر) أي ومن ذلك ما ذكره الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن عبد الرحمن بن قيس وهو مطعون عن عبد الملك بن عبد الله بن الوليد وهو مجهول عن ذكوان (من أنّه كان لا ظلّ لشخصه فِي شَمْسٍ وَلَا قَمَرٍ لِأَنَّهُ كَانَ نُورًا) أي بنفسه والنور لا ظل

ص: 754

له لعدم جرمه وهذا معنى ما في النوادر ولفظها لم يكن له ظل في شمس ولا قمر ونقله الحلبي عن ابن سبع أيضا (وأنّ الذّباب) أي ومن ذلك ما ذكر من أن الذُّبَابَ (كَانَ لَا يَقَعُ عَلَى جَسَدِهِ وَلَا ثيابه) قال الدلجي لا علم لي بمن رواه انتهى وقال الحلبي نقل أيضا بعض مشايخي فيما قرأته عليه بالقاهرة عن ابن سبع أنه لم يقع على ثيابه ذباب قط قلت فعلى جسده بالأولى كما لا يخفى. (ومن ذلك تحبيب الخلوة إليه) أي بنزول القرآن عليه كما في الصحيحين ولفظ البخاري ثم حبب إليه الخلا أي العزلة عن الملا (ثمّ إعلامه بموته ودنوّ أجله) كما رواه الشيخان وغيرهما (وأنّ قبره بالمدينة) وفي نسخة في المدينة (وفي بيته) كما رواه أبو نعيم في الدلائل عن معقل بن يسار ولفظه المدينة مهاجري ومضجعي من الأرض وروى البيهقي عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه أن قبره يكون في بيته (وأنّ بين بيته وبين منبره) وفي نسخة صحيحة وبين منبره (روضة من رياض الجنّة) كما سيأتي ما فيه من الأحاديث الواردة (وتخيير الله له عند موته) أي بين الدنيا والآخرة كما رواه البيهقي في الدلائل عن عائشة بلفظ كنا نتحدث أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا يموت حتى يخير بين الدنيا والآخرة فسمعته في مرضه الذي مات فيه يقول مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا فظننا أنه كان يخير وفي رواية قالت لما نزل به ورأسه على فخذي غشي عليه ثم أفاق فأشخص بصره إلى سقف البيت وقال اللهم الرفيق الأعلى وهي آخر كلمة تكلم بها وفي رواية أن جبريل قال له إن ربك يقرؤك السلام ورحمة الله ويقول إن شئت شفيتك وكفيتك وإن شئت توفيتك وغفرت لك قال ذلك إلى ربي يصنع بي ما يشاء (وما اشتمل) أي ومن ذلك ما احتوى (عليه حديث الوفاة) كما رواه الشافعي في سننه والعدني في مسنده والبيهقي في دلائله (من كراماته وتشريفه) أي بخدمة الملائكة له وعموم رسالته إليهم وإرسال جبريل إليه يقول إن الله يقرؤك السلام ورحمة الله وفي رواية قال يا محمد إن الله أرسلني إليك إكراما وتفضيلا وخاصة لك ليسألك عما هو أعلم به منك يقول لك كيف تجدك قال أجدني مغموما مكروبا (وصلاة الملائكة) أي ومن ذلك صلاة الملائكة (على جسده) أي بعد خروج روحه الشريفة (على ما رويناه) بصيغة الفاعل ويحتمل المفعول (في بعضها) أي في بعض الروايات والأسانيد من أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال وإن الملائكة يدخلن قبلكم من حيث يرونكم ولا ترونهم فيصلون علي صلاة الجنازة بتحريم وتكبير وتسليم ثم صلى عليه أصحابه كذلك كما رواه يحيى بن يحيى في الموطأ بلاغا قال اخبرنا مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم توفي يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء وصلى عليه الناس أفذاذا لا يؤمهم أحد ورواه الشافعي في الأم بلفظ فقد صلى الناس على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فرادى لا يؤمهم أحد وذلك لعظم أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وتنافسهم في أن لا ينوي الإمامة في الصلاة عليه واحد من الأمة صلوا عليه مرة بعد مرة أقول الأظهر أنهم صلوا عليه في محله ولا كان يسع

ص: 755