الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَصْلُ الرَّابِعُ [فِي قَسَمِهِ تَعَالَى بِعَظِيمِ قَدْرِهِ صلى الله تعالى عليه وسلم]
(في قسمه تعالى بعظيم قدره) القسم بفتحتين الحلف (قال الله تعالى: لَعَمْرُكَ أي قسمي يا محمد لعمرك (إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ) أي غمرتهم وغفلتهم (يَعْمَهُونَ [الحجر: 72] ) أي يتحيرون ويترددون والضمير لقوم لوط وقيل راجع إلى قريش وهو بعيد جدا غير ملائم للسابق واللاحق على ما ذكروه والأظهر أن الجملة قسمية معترضة فيما بين القصة فلا يبعد أن يكون الضمير راجعا إلى كفار قومه صلى الله تعالى عليه وسلم وهو الملائم لخطابه وحكاية غفلتهم عن جنابه ثم رأيت الطبري جزم بأن ضمير يعمهون لقريش والجملة اعتراض بين الأخبار بقبائح قوم لوط وبين الأخبار بهلاكهم تنبيها على أن من كان هذا دأبه فجدير أن لا ينفعه تأديب ولا يؤثر فيه تأنيب وتنفيرا للسامع عن هذه القبائح المورثة للفضائح (اتّفق أهل التّفسير في هذا) أي قوله لعمرك (أنّه قسم من الله تعالى بمدّة حياة محمّد صلى الله تعالى عليه وسلم) وقيل المراد به لوط كما ذكره البيضاوي فالمراد بأهل التفسير أكثرهم وجمهورهم مع أن البغوي أيضا اقتصر على الأول ثم إذا كان المراد به لوطا فالقائل الملك لئلا ينافي ما رواه البيهقي وابن أبي شيبة وابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ما حلف الله تعالى بحياة أحد إلا بحياة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم إلا قال لعمرك بل أخرجه ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا قال ما حلف الله بحياة أحد إلا بحياة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم قال لعمرك، (وأصله) أي أصل الاستعمال لعمرك (بضمّ الْعَيْنِ مِنَ الْعُمْرِ وَلَكِنَّهَا فُتِحَتْ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ) والأظهر أن يقال العمر بضمتين وهو الأفصح الوارد في القرآن وبالضم والفتح أيضا على ما في القاموس إلا أنه لا يستعمل في القسم إلا بالفتح لخفة لفظه وكثرة دورانه كما في البيضاوي وغيره، (ومعناه) أي كما رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس، (وبقائك) أي ومدة بقائك في الدنيا (يا محمّد) كقوله تعالى وَالْعَصْرِ أي عصر نبوته في قول أو بقائك بنا بعد فنائك فينا، (وقيل) أي كما رواه ابن ابي طلحة عن ابن عباس أيضا وعزى إلى الأخفش (وعيشك) أي وطيب معيشتك في الكونين لقوله تعالى فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً أي في الدنيا بالزهد فيها والتقليل منها والصبر على مرّها والشكر على حلوها (وقيل وحياتك) أي باسمنا المحيي والتخصيص للتشريف والكل بمعنى واحد وإنما ذكرها لاختلاف ألفاظها، (وهذه) أي المعاني كلها (نهاية التّعظيم وغاية البرّ) أي التكريم، (وَالتَّشْرِيفِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أي فيما رواه البيهقي في دلائله وأبو نعيم وأبو يعلى (ما خلق الله تعالى) أي ما قدر (وما ذرأ) أي خلق وكأنه مختص بالذرية وفي الحديث أنهم ذرء النار أي أنهم خلقوا لها (وما برأ) أي خلق الخلق من البراء وهو التراب أو مختص بذات الروح ولذا يقال يا بارئ النسمة أو معناه خلق خلقا بريئا من التفاوت أو أريد بالثلاثة معنى واحد وكرره للتأكيد كما
في الحديث نعوذ بالله الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه من شر ما خلق وذرأ وبرأ والمراد ما أوجد من العدم (نفسا) أي شخصا ذا نفس (أكرم: عليه) أي أنفس عنده وأفضل لديه (من محمّد صلى الله تعالى عليه وسلم) ثم كان كالدليل عليه، (وما سمعت الله عز وجل أي ما علمته (أَقْسَمَ بِحَيَاةِ أَحَدٍ غَيْرِهِ وَقَالَ أَبُو الْجَوْزَاءِ) بجيم وزاء مفتوحتين بينهما واو ساكنة فألف بعده همزة أوس بن عبد الله الرابعي البصري يروي عن عائشة وغيرها وعنه قتادة وعدة أخرج له الجماعة الستة وأما أبو الحوراء بالحاء المهملة والراء فراوي حديث القنوت (مَا أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِحَيَاةِ أَحَدٍ غَيْرِ محمّد صلى الله تعالى عليه وسلم لأنّه أكرم البريّة عنده) والبرية بالهمزة والتشديد بمعنى الخليقة ومنه قوله تعالى أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ وهي فعيلة بمعنى مفعولة وأنثت لأنها خرجت عن الصفة واستعملت استعمال الاسماء المخصة وأما ما جزم به المنجاني من أنها غير مهموزة فغفلة عن القراءة لأن نافعا وابن ذكوان قرآ في الآية بالهمزة (وقال تعالى: يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [يس: 1- 2] ) عطف على يس إن جعل مقسما به وإلا فواوه للقسم وأسند إليه الحكمة لأنه صاحبها أو ناطق بها (الآيات) أي إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
(اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى يس عَلَى أَقْوَالٍ) أي صدرت من بعض المتأخرين أقوال فالجمهور من السلف وجمع من الخلف على أن الحروف المقطعة في أوائل السور مما استأثر الله تعالى به علما ويقولون الله أعلم بمراده بذلك (فحكى أبو محمّد مكّيّ) وقد مر ذكره (أنّه روي) أي في دلائل أبي نعيم وتفسير ابن أبي مردويه من طريق أبي يحيى التيمي قيل وهو وضاع عن سيف بن وهب وهو ضعيف عن أبي الطفيل (عن النّبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لِي عِنْدَ رَبِّي عشرة أسماء) وهو لا ينافي الزيادة لأنها قاربت الخمسمائة (وذكر) أي ابو محمد مكي ويحتمل أن يكون مرفوعا لكن عبارته تأبى عنه وهي (أن منها:
طه، ويس، اسمان له) ومع هذا ليس الحديث المذكور بصحيح وقد ضعفه القاضي أبو بكر ابن العربي على ما ذكره المنجاني ثم قال وأما هذا القول وهو أنه اسم للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ذهب إليه سعيد بن جبير وقد جاء في الشعر ما يعضده وذلك قول السيد الحميري.
يا نفس لا تمحضي بالنصح جاهدة
…
على المودة إلا آل ياسينا
يريد إلا آل محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ويكون حرف النداء على هذا محذوفا من الآية وكان الأصل أن يكتب ياسين على أصل هجائها ولكن اتبعت في كتبها على ما هي عليه المصاحف الأصلية والعثمانية لما فيها من الحكمة البديعية وذلك أنهم رسموها مطلقة دون هجاء لتبقى تحت حجاب الاخفاء ولا يقطع عليها بمعنى من المعاني المحتملة ومما يؤيد هذا المعنى قوله تعالى سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ بمد الهمزة عل قراءة نافع وابن عامر
فقد قال بعض المفسرين معناه آل محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ثم قيل أصل طه معناه طاء من الوطئ فأبدل الهمزة هاء وأجري الوصل مجرى الوقف وقيل معناه يا رجل بالحبشية أو العبرانية أو القبطية أو اليمانية (وَحَكَى أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْ جَعْفَرٍ الصّادق أنّه أراد) بقوله يس (يا سيّد) أي بطريق الرمز (مخاطبة لنبيّه صلى الله تعالى عليه وسلم) أي ملاطفة ومطايبة ومخافتة وهذا مختصر مما نقله السلمي عنه بقوله قال الصادق في قوله يس يا سيد مخاطبا لنبيه صلى الله تعالى عليه وسلم ولذا قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنا سيد آدم ولم يمدح بذلك نفسه ولكنه أخبر عن مخاطبة الحق إياه بقوله يس وهذا شبيه بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم حيث قرأ على المنبر ونادوا فلما أخبر الله تعالى عنه بالسيادة وأمره بتصريحه صرح بذلك فقال إن الله تعالى دعاني سيدا وأنا سيد ولد آدم ولا فخر أي ولا فخر لي بالسيادة لأن افتخاري بالعبودية أجل من إخباري عن نفسي بالسيادة انتهى والحاصل أن الياء منها للنداء والسين إشارة إلى لفظ سيد اكتفاء بفاء الكلمة لدلالتها على باقيها وهذا مذهب العرب يستعملونه في كلامهم وأشعارهم وقد حكى سيبويه أن الرجل منهم يقول للآخر إلا تا أي إلا تفعل فيقول الآخر بلى سا أي بلى سأفعل ويكتفون بذلك عن ذكر الكلمتين بكمالهما وقد ورد في الحديث كفى بالسيف شا واستغنى بذلك عن أن يقول شاهدا (وعن ابن عبّاس) أي على ما رواه ابن أبي حاتم (يس) أي معناه (يا إنسان) ولما كان الإنسان اسما لعموم أفراد الإنس قال (أراد محمّدا صلى الله تعالى عليه وسلم) أي لأنه الفرد الأكمل والمقصود من الخلق الأول، (وقال) أي ابن عباس كما رواه ابن جرير (هو) أي يس (قسم) أي اقسم به سبحانه وتعالى بحذف حرف القسم فالواو في قوله وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ عاطفة أو معادة (وهو) أي يس اسم على ما رواه ابن أبي طلحة عنه (أيضا من أسماء الله تعالى) أي تصريحا أو تلويحا وهو لا ينافي أن يكون من اسمائه صلى الله تعالى عليه وسلم لأن الأسماء بمعنى الأوصاف لا بمعنى الاعلام وقد أطلق بعض صفات الله تعالى عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كالرؤوف والرحيم وأمثالهما مع الفرق بين أوصافه سبحانه وتعالى ووصفه صلى الله تعالى عليه وسلم وغيره (وقال الزّجّاج) هو أبو إسحاق إبراهيم النحوي نسبة إلى الزجاج لصنعته مات سنة عشر وثلاثمائة ببغداد، (قيل معناه: يا محمّد) أي بطريق الإيماء كما سبق في يا سيد وغيره، (وقيل يا رجل) أي بالحبشية كما روي عن الحسن وسعيد بن جبير ومقاتل انها لغة حبشية يعني أنهم يسمون الإنسان سين، (وقيل يا إنسان) أي بلغة طي كما رواه الكشاف وعن ابن عباس على أن أصله يا انيسين بالتصغير فاقتصر على شطره لكثرة النداء به. (وعن ابن الحنفيّة) كما رواه البيهقي في دلائله وهو محمد بن علي بن أبي طالب نسبة إلى أمه وهي خوله بنت جعفر بن قيس بن مسلم من سبايا بني حنيفة واشتهر بها وهو من كبار التابعين دخل على عمر بن الخطاب وسمع عثمان بن عفان وغيره وأخرج له الجماعة مات سنة ثمانين وولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر (يس يا محمّد) أي بأحد
التأويلات السابقة. (وعن كعب) أي كعب الاحبار (يس» قَسَمٌ أَقَسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ قَبْلَ أن يخلق السّماء والأرض بألفي عام) الظاهر أن المراد به الكثرة الخارجة عن التعديد لا التحديد وأن المقصود به هو أنه سبحانه وتعالى أقسم برسوله الكريم صلى الله تعالى عليه وسلم في كلامه القديم. (يا محمّد إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) فكأنه أراد أن التقدير أقسم بك يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، (ثُمَّ قَالَ تعالى) أي إظهارا بعد ذكره اضمارا وتأكيدا بعد اقسامه تأييدا:
(وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [يس: 2- 3] ) على أنه لا بدع أنه سبحانه أقسم به صلى الله تعالى عليه وسلم قبل خلق الكائنات بألفي عام عند إبداع روحه الشريف وابداء نوره اللطيف صلى الله تعالى عليه وسلم ثم قال في كتابه القديم مطابقا لما أقسم برسوله العظيم صلى الله تعالى عليه وسلم وبهذا يندفع ما ذكره المنجاني من أن هذا القول عندي في غاية الإشكال لأن القرآن كلام الله وكلامه صفة من صفاته القديمة فلا يصح أن يذكر في تقدمه عن خلق الأرض مقدارا معينا لأن خلقها محدث فالأولى أن تضعف الروايات الواردة عن كعب بهذا ما أمكن فإن صح ذلك عنده فليترك علمه إلى الله سبحانه وتعالى إذ لا يقول كعب هذا إلا بتوقيف وليس ذلك مما يدرك بالاجتهاد والرأي انتهى وفيه أن كعبا ممن ينقل عن الكتب السالفة والعلماء الماضية فلا يقال في حقه إنه لا يقول إلا بتوقيف فإن هذا الحكم مختص بالأقوال الموقوفة المروية عن الصحابة رضي الله عنهم ممن ليس لهم رواية عن غيره صلى الله تعالى عليه وسلم فموقوفهم حينئذ حكم مرفوعهم كما هو مقرر في علم أصول الحديث حتى لم يعدوا عمرو بن العاص ممن لا يقول إلا بالتوقيف فافرق بين القول الصحيح والضعيف وقد يجاب بأن المراد به أنه أبرزه في أم الكتاب أي اللوح المحفوظ إذ ما من كائن إلا وهو مكتوب فيه ثم قال المصنف. (فإن قدّر) أي فرض وفي نسخة قرر (أنّه) أي يس (من أسمائه صلى الله تعالى عليه وسلم وصحّ فيه) أي في القول (أنّه قسم) أي أيضا (كان فيه من التّعظيم ما تقدّم) أي من أن الله تعالى ما أقسم بحياة أحد غيره صلى الله تعالى عليه وسلم، (ويؤكّد فيه القسم) أي المستفاد من المقدر المرموز، (عطف القسم الآخر) بالفتح وجوز الكسر وهو المذكور المصرح (عليه) أي على ذلك القسم فتكون الواو الثانية عاطفة أو مؤكدة كما أشرنا إليه، (وإن كان) أي مجموع يس (بمعنى النّداء) يعني وليس المراد به أنه من الاسماء وإن كان يس بمعنى المنادى (فقد جاء قسم آخر فيه) أي قسم آخر ليس وجهه مما يظهر (بعده) أي بعد ندائه (لتحقيق رسالته) أي بقوله إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (والشّهادة بهدايته صلى الله تعالى عليه وسلم) أي حيث قال عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، (أقسم الله تعالى باسمه) أي بناء على القول الأول في يس، (وكتابه) أي في قوله وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (إِنَّهُ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ بِوَحْيِهِ إِلَى عِبَادِهِ، وَعَلَى صراط مستقيم، من إيمانه) أي الموجب لإيقانه والمقتضي لإكمال أعمال أركانه، (أي) يعني معنى صراط مستقيم أنه من الثابتين (على طريق لا اعوجاج فيه) أي لا ميل إلى طرفي الإفراط والتفريط من تشبيه
وتعطيل وجبر وقدر (ولا عدول عن الحقّ) أي عن الحكم الثابت بالوجه الصدق أو عن الوصول إليه سبحانه وتعالى والحصول على رضاه عز شأنه. (قال النّقاش) أبو بكر محمد ابن الحسن بن محمد بن زياد الموصلي البغدادي المفسر المقري توفي سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة وقد اثنى عليه أبو عمرو الداني وقد طعنوا في رواية حديثه (لَمْ يُقْسِمِ اللَّهُ تَعَالَى لِأَحَدٍ مِنْ أَنْبِيَائِهِ بالرّسالة في كتابه) أي القرآن لعدم علم النقاش بسائر خطابه ولا يبعد أن يراد به جنس كتابه (إلّا له) صلى الله تعالى عليه وسلم، (وفيه) أي وفي هذا التخصيص (من تعظيمه وتمجيده) أي تكريمه صلى الله تعالى عليه وسلم (على تأويل من قال) أي في يس (إنّه سيّد ما فيه) أي الذي فيه من غاية التفخيم الذي يعجز عن بيانه نطاق التكليم. (وقد قال صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فخر) قال المنجاني وأكثر الروايات في هذا الحديث أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وهكذا رواه مسلم والترمذي قلت وفي الجامع الصغير أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مشفع ورواه مسلم وأبو داود عن أبي هريرة ورواه أحمد والترمذي وابن ماجة عن أبي سعيد ولفظه أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نَبِيٌّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَلَا فَخْرَ وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ ولا فخر انتهى ولا شك أن زيادة الثقة مقبولة والمعنى لا أقوله افتخارا لمقامي بل تحدثنا بنعمة ربي أو المعنى لا فخر بهذا بل بما فوقه مما لا يعبر ثم السد في اللغة الشريف الذي فاق قومه في الخير وهو فعيل بكسر العين من ساد يسود وهو المعتمد الذي عليه البصريون ونظيره صيب وثيب والحاصل أن المصنف أتى بهذا الحديث عاضدا للقول بأن المراد في الآية يا سيد كما بيناه سابقا (وقال جل جلاله أي عظم شأنه وعز سلطانه: (لَا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ [البلد: 1- 2] ) ادخال النافية للتأكيد شائع في كلام العرب وسائغ عند علماء الأدب فالمعنى أنه سبحانه وتعالى أقسم بالبلد الحرام وقيده بحلول رسوله عليه الصلاة والسلام به إظهارا لمزيد فضله وإشعارا بأن شرف المكان بشرف أهله وهذا المعنى باعتبار مفهومه يفيد ما عبر عنه المصنف بقوله (قِيلَ لَا أُقْسِمُ بِهِ إِذَا لَمْ تَكُنْ فيه بعد خروجك منه. حكاه مكّيّ) أي هذا القول عن بعضهم وبما قررناه وبيناه وحررناه اندفع ما قاله المنجاني من أن هذا الذي حكاه عن مكي لا يستقيم تنزيله على الآية لأنه عكس مقتضاها الا ترى أن الواو من قوله تعالى وَأَنْتَ حِلٌّ واو الحال وإذا كانت كذلك فيكون معنى الآية لا أقسم بهذا البلد إذا كنت فيه وهو ضد ما قال مكي وإنما تتأول الآية على أن تكون لا زائدة فيها أي أقسم بهذا البلد وأنت حل به ساكن فيه وإلى هذا ذهب الزجاج انتهى ولعل منشأ هذا الاعتراض هو المقابلة بقوله، (وقيل لا زائدة) وليس كذلك فإن مراده مستقيم على تقدير عدم زيادة لا ايضا كما قال مجاهد إنها رد لكلام تقدم والمعنى ليس الأمر كما توهم من توهم وأقسم بعدها إثبات للقسم ويؤيده قراءة الحسن البصري لا قسم بدون الألف
وعلى التنزل يمكن أن يكون مراده المغايرة في معنى حل على القول بزيادة لا أيضا ولذا قال (أَيْ أُقْسِمُ بِهِ، وَأَنْتَ بِهِ يَا مُحَمَّدُ حلال لك) أي من دخول الحرم بغير إحرام والمعنى أنت به حلال حال كونه خالصا لك (أو حل لك ما فعلت فيه) أي من قتل بعض المشركين في عام الفتح حيث قال صلى الله تعالى عليه وسلم إن مكة حرمها الله تعالى يوم خلق السموات والأرض لم تحل لأحد قبلي ولا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً من نهار ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالامس (على التّفسيرين) أي على القولين للمفسرين في معنى الحل أنه من الحلول أو من الحلال لا تفسيري كونها زائدة ونافية كما ذكره الدلجي، (والمراد بالبلد عند هؤلاء مكّة) وهو المشهور عند الجمهور. (وقال الواسطيّ، أي نحلف) كان الأولى أحلف (لك) وقال الحجازي يروى بحلولك (بهذا البلد الذي شرّفته بمكانك) أي بكونك وإقامتك (فيه حيّا وببركتك ميّتا يعني المدينة) فيه بحيث لأنه يحتمل أنه أراد به مكة أيضا لأنه شرفها بمكانه فيها حيا ويصل إليها بركاته مماتا وإن بعد عنها دفنا بل هذا هو الأظهر معنى والأوفق مبنى فلا يحتاج إلى قوله، (والأوّل) أي من قولى البلد أهي مكة أم المدينة (أصحّ لأنّ السّورة مكيّة) أي اتفاقا (وما بعده يصحّحه) أي يؤيده ويوضحه (قوله تعالى) بدل مما بعده:(وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ [البلد: 2] ) وفيه أنه لا يظهر وجه تصحيحه ولا بيان توضيحه لأن حلوله في المدينة أظهر لشموله حيا وميتا ولا بدع أن الآية نزلت إشارة إلى ما سيقع من القضية (وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ عَطَاءٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تعالى: وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ [التين: 3] ) أي الآمن أو المأمون فيه يأمن فيه من دخله (قال) أي ابن عطاء (أمّنها الله تعالى) بهمزة ممدودة ويجوز بالقصر والتشديد ففي القاموس آمنه وأمنه فاندفع به اعتراض الحلبي أي جعل مكة ذات أمن (بمقامه) أي بسكناه (فيها وكونه بها فإنّ كونه) أي وجوده فيها (أمان حيث كان) صلى الله تعالى عليه وسلم وأغرب التلمساني حيث قال والأمين فعيل كمفعل أو مفعول وهذا على زيادة لا وعلى نفيها فالقسم به دونها انتهى ووجه غرابته لا يخفى لأن البلد الأمين في سورة التين وليست هي مصدرة بلا أقسم حتى يستقيم هذا القسم والله أعلم وفي نسخة زيادة ثم هذا القول من ابن عطاء لا يخلو عن نوع غطاء فإن الله سبحانه وتعالى جعله بلدا آمنا قبل ظهوره صلى الله تعالى عليه وسلم كما قال تعالى أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ والمراد بالبلد الأمين مكة باتفاق المفسرين وهذه جملة معترضة بين المتعاطفين بقوله (ثمّ قال تعالى: وَوالِدٍ وَما وَلَدَ [البلد: 3] من قال) أي كمجاهد (أراد آدم) أي بقوله تعالى وَوالِدٍ (فهو عامّ) أي في جميع ولده ولا يبعد أن يراد به خلاصة افراد الأولاد وسلالة العباد وسيد الأنبياء وسند الاصفياء الذي قيل فيه لولا وجود الخاتم ما كان ذكر لآدم صلى الله تعالى عليه وسلم، (ومن قال هو إبراهيم وما ولد) أي من أولاده الصلبية يعني إسماعيل وإسحاق وأسباطه من أنبياء بني إسرائيل من نسل يعقوب وسبطه الأعظم وحافده الأفخم محمد صلى الله تعالى عليه وسلم من نسل إسماعيل الجميل
يأني البيت الجليل مع والده الخليل وربما يقال هو المقصود بالذات من إبراهيم وولده الكريم كما أنه زبدة الكائنات وخلاصة الموجودات ولذا قال المصنف (فهي) أي الآية المذكورة (إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إِشَارَةً إِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله تعالى عليه وسلم فتتضمّن السّورة) أي المسطورة (القسم به صلى الله تعالى عليه وسلم في موضعين) أي بحسب المتعاطفين من حيث كونه ولدا لإبراهيم وكونه والدا بشهادة ما في الكشاف ونقله ابن الجوزي عن ابن عمران الجوني انه صلى الله تعالى عليه وسلم هو المراد بالوالد ونصره القرطبي بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم إنما أنا لكم بمنزلة الوالد وقد ذكر البيضاوي القولين حيث قال ووالد عطف على هذا البلد والوالد آدم أو إبراهيم وما ولد ذريته أو محمد صلى الله تعالى عليه وسلم والتنكير للتعظيم وإيثار ما على من لمعنى التعجب كما في قوله وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ أي بأي شيء وضعت يعني موضوعا عجيب الشأن غريب البرهان فاندفع ما قاله المنجاني من أن ما تقع على ذوي العقول عند النحويين على أن كثيرا منهم قالوا إن من يختص بذوي العقول وما عام ويؤيده قوله تعالى وَالسَّماءِ وَما بَناها وَالْأَرْضِ وَما طَحاها وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها وإن قال بعضهم إن المراد بها معنى الوصفية المنبئة عن العظمة كأنها قيل والشيء القادر الذي بناها ودل على وجوده وكمال قدرته وجوده بناؤها وأنت ترى أن هذا تكلف مستغنى عنه إذ جوز أن ما ترد بمعنى من على في القاموس كقوله تعالى وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ ثم وقع التناقض بين قولي المنجاني حيث قال فيلزم على قول القاضي أن تكون ما في الآية واقعة على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وذلك خروج بها عما قرر النحويون لها والذي يظهر في الآية والله تعالى أعلم أن الوالد والولد اسما جنس عامان لكل والد ومولود وهو قول ابن عباس فيكون قوله سبحانه وتعالى وَما وَلَدَ على هذا التأويل جاء منبها على العاقل الذي لم يلد إذ لو اقتصر في الآية على ذكر الولد لخرج منها من لم يلد ولدا البتة انتهى ووجه التناقض لا يخفى إذ جنس المولود من قبيل ذوي العقول في المعنى فيؤول إلى قول القاضي في المعنى غايته أنه أراد الفرد الأكمل من الجنس الثاني بل لو أريد به الفرد الأفضل من النوعين لا يبعد لصدق الوالدية والولدية عليه ثم التنبيه الذي ذكره لا يخفى على الفقيه النبيه حيث إن المراد بما ولد ما ولده الوالد من آدم أو إبراهيم أو جنس الوالد. (وقال تعالى: الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ) قيل فيه صنعة التبديل من علم المعمى في استخراج الاسماء والتقدير ألف لام ميم الحمد فيبقى محمد فهو نداء أو مبتدأ خبره ذلك الكتاب أي هو النسخة الجامعة في الرتبة اللامعة والمرتبة الساطعة واسطة بين الخالق والخليقة (لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة: 1- 2] ) وسيأتي الكلام فيه (قال ابن عبّاس رضي الله عنهما أي فيما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم (هذه الحروف) أي المقطعة في أول هذه السورة وأمثالها من سائر السور المسطورة (أقسام) جمع قسم بمعنى مقسم به (أقسم الله تعالى بها) وفي نسخة بهذا أي بما ذكر على طريق
الإشارة والرمز إلى اسماء الله سبحانه وتعالى وأوصاف نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم بأن يكون الألف رمزا إلى ما أوله الهمز وكذا اللام وكذا الميم وكذا سائر الحروف وحرف القسم حينئذ محذوف، (وعنه) أي ابن عباس (وعن غيره فيها غير ذلك) حتى قيل فيها سبعون قولا منها ما عليه العشرة وغيرهم ومنهم ابن عباس رضي الله تعالى عنهم أن الله تعالى أعلم بمراده بذلك وقيل معنى ألم أنا الله أعلم وعن ابن عباس أن الألف آلاء الله واللام لطفه والميم ملكه وقيل هي اسماء الله بشهادة قول علي يا كهيعص يا حم عسق ولعله أراد يا منزلهما وقيل اسماء للقرآن أو لليسور وقيل الألف من أقصى الحلق وهو مبدأ المخارج واللام من طرف اللسان وهو وسطها والميم من الشفة وهي آخرها فجمع بينها تلويحا بأن العبد ينبغي أن يكون أول كلامه ووسطه وآخره ذكره الله تعالى (وقال سهل بن عبد الله التّستريّ) وروي عن ابن عباس أيضا (الألف هو الله سبحانه تعالى) أي إشارة إلى لفظة الله بناء على الحرف الأول منه في المبنى أو إلى وحدانيته بحسب المعنى لكن يؤيد الأول قوله، (واللّام جبريل) أي بناء على الحرف الأخير، (والميم محمّد صلى الله تعالى عليه وسلم) نظرا إلى أوله وأوسطه كذلك وما أنسبه حيث كرر مسمى الميم في الاسم والمسمى (وحكى هذا القول السّمرقنديّ) أي مطلقا (ولم ينسبه إلى سهل) وهذا أمر سهل إذ لا منافاة بين الإطلاق والتقييد مع احتمال التوارد في مقام التأييد فلا ينافيه ما عزاه السجاوندي إلى ابن عباس أيضا (وجعل) أي السمرقندي (معناه) أي معنى هذا القول المستفاد من الإشارة إلى الاسماء المستورة بحسب التراكيب المفيدة المأثورة (اللَّهُ أَنْزَلَ جِبْرِيلَ عَلَى مُحَمَّدٍ بِهَذَا الْقُرْآنِ لا ريب فيه) أي في المنزل، أو المنزل أو المنزل به أو المنزل عليه أو في كل واحد منها وهو نفي عند أرباب التحقيق ومعناه نهي بالنسبة إلى أهل التقليد والتضييق والله ولي التوفيق أو المعنى لا ريب فيه وتوضيحه إن يقال من حيث إنه لوضوح شأنه وسطوع برهانه لا يرتاب فيه عاقل بعد النظر الصحيح في كونه وحيا بالغا حد الإعجاز لا من حيث إنه لا يرتاب فيه أحد لكثرة المرتابين بشهادة وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ فإنه لم ينفه عنهم بل عرفه بما يزيله منهم وهو أن يبذلوا قواهم في معارضة سورة منه وغاية جهدهم فإذا عجزوا تيقنوا أن لا شبهة فيه ولا ريبة ثم بهذا لا يزول وجه إشكال تقديم جبريل على النبي الجليل، (وعلى الوجه الأوّل) أي من قول ابن عباس وهو أن المراد بها القسم (يحتمل القسم) أي المقسم عليه (أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ حَقٌّ لَا رَيْبَ فِيهِ ثمّ فيه) أي في القسم أو الكتاب على الاحتمال الثاني، (من فضيلة قرآن اسمه باسمه) وفي نسخة من فضيلته قرآن اسمه باسمه وهو بكسر القاف بمعنى مقارنته (نحو ما تقدّم) أي في التشهد والخطبة كما قال حسان رضي الله عنه.
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه
…
إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
(وَقَالَ ابْنُ عَطَاءٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق: 1] أقسم) أي الله تعالى (بقوّة قلب حبيبه محمّد صلى الله تعالى عليه وسلم) أي التي هو من حروفها اكتفى به عنها (حيث حمل الخطاب) أي من ربه، (والمشاهدة) أي له ليلة الإسراء (ولم يؤثّر ذلك فيه لعلوّ حاله) أي مع وجود المجاهد ويناسبه قوله تعالى نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ الآية، (وقيل هو) أي ق (اسم للقرآن) أي بطريق الإشارة وإما بطريق العبارة فهو اسم للسورة، (وقيل هو اسم لله تعالى) أي بناء على رمزه إلى الاسماء التي أولها القاف كالقادر والقاهر والقوي والقريب، (وقيل جبل محيط بالأرض) أي فوقع القسم به لعظمته وهذا قول مجاهد إن ق اسم جبل محيط بالدنيا وأنه من زمردة خضراء منها خضرة السماء والبحر لكنه ضعيف جدا، (وقيل غير هذا) أي غير ما ذكر أي إيماء إلى قيام الساعة وقال سهل رضي الله تعالى عنه اقسم بقدرته وقوته كما حكى عنه السلمي وقيل معناه قضى الأمر من رسالة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم أو إخبار بقهر الكفرة أو تنبيه على قيام الموتى من القبور فكلها منقولة عن المفسرين وجميعها داخل في قول من قال هي حروف أخذت من اسماء وأفعال واستغنى بها عن ذكر ما بقي منها والله تعالى أعلم ولا يبعد أن يكون إيماء إلى الأمر بالوقوف على الأحكام أي التوقف فيما أشكل من المرام كقول الشاعر:
قلت لها قفي فقالت لي قاف (وقال جعفر بن محمّد) أي الصادق (فِي تَفْسِيرِ وَالنَّجْمِ إِذا هَوى [النَّجْمِ: 1] . إِنَّهُ محمّد صلى الله تعالى عليه وسلم) لأنه النجم الأكبر والكوكب الأنور وقوله إِذا هَوى أي إذا صعد إلى مقام دَنا فَتَدَلَّى أو إذا أحب المولى وترك السوى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (وقال) أي الصادق (النّجم قلب محمّد صلى الله تعالى عليه وسلم، هوى انشرح من الأنوار) أي لما انبسط وانبثّ فيه من الأسرار وأغرب المنجاني حيث انكر على العالم الرباني بقوله هذا تحامل على اللغة في تفسير الهوى وتحكم فيها والمنقول عن جعفر أنه إنما فسر الهوى هنا بالنزول ليلة المعراج كما حكي عنه ذلك في تفسير الغزنوي وهو أقرب إلى الاشتقاق اللغوي، (وقال انقطع عن غير الله) أي عن التعلق بما سواه. (وَقَالَ ابْنُ عَطَاءٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْفَجْرِ (1) وَلَيالٍ عَشْرٍ (2)[الْفَجْرِ: 1- 2] الْفَجْرُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه لأنّ منه تفجّر الإيمان) أي تبين منه الإيقان وظهر منه العرفان بنزول القرآن وحينئذ يناسب أن يفسر ليال عشر بالعشرة المبشرة لأن الكواكب السيارة المنيرة في ميدان الولاية تختفي في زمان النبوة وآوان الرسالة لأن أحوال الاصفياء بالنسبة إلى أحوال الأنبياء لا تخلو عن ظلمة الكدورات النفسانية والحجابات الشهوانية فناسب أن يعبر عنهم بالليالي العشر كما يلائم أن يومي إلى مرتبة النبوة والرسالة بطلوع الصبح وظهور نور الفجر وبهذا اندفع ما قاله المنجاني من أن هذا التأويل بعيد لأن الفجر في الآية مردف بالليالي العشر وفي حمله على