المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه عليه الصلاة والسلام] - شرح الشفا - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأوّل

- ‌[المقدمة]

- ‌ترجمة القاضي عياض

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌القسم الأول [في تعظيم العلي الأعلى جل وعلا]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ [فِيمَا جَاءَ من ذلك مجيء المدح والثناء]

- ‌الفصل الثّاني [في وصفه تعالى بالشهادة وما تعلق به من الثناء والكرامة]

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ [فيما ورد من خطابه تعالى إياه مورد الملاطفة والمبرة]

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُ [فِي قَسَمِهِ تَعَالَى بِعَظِيمِ قَدْرِهِ صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الفصل الخامس في قسمه

- ‌الْفَصْلُ السَّادِسُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى في جهته عليه الصلاة والسلام مورد الشفقة والإكرام]

- ‌الفصل السّابع [فيما أخبره الله بِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ عَظِيمِ قَدْرِهِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّامِنُ [فِي إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقَهُ بصلاته عليه وولايته له]

- ‌الْفَصْلُ التَّاسِعُ [فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْفَتْحِ مِنْ كراماته عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْعَاشِرُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كتابه العزيز من كراماته عليه ومكانته عنده]

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي تَكْمِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ المحاسن خلقا وخلقا]

- ‌فصل [قال القاضي رحمه الله تعالى إذا كانت خصال الكمال والجلال]

- ‌فصل [إن قلت أكرمك الله تعالى لا خفاء على القطع بالجملة]

- ‌فصل [وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُفُورُ عَقْلِهِ وَذَكَاءُ لُبِّهِ وَقُوَّةُ حَوَاسِّهِ وفصاحة لسانه واعتدال حركاته وحسن شمائله]

- ‌فصل [وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول]

- ‌فصل [وأما شرف نسبه وكرم بلده ومنشأه]

- ‌فصل [وأما تَدْعُو ضَرُورَةُ الْحَيَاةِ إِلَيْهِ مِمَّا فَصَّلْنَاهُ فَعَلَى ثلاثة ضروب الضرب الأول]

- ‌فصل [وأما الضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته والفخر بوفوره]

- ‌فصل [وأما الضرب الثالث فهو ما تختلف فيه الحالات]

- ‌فصل [وأما الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [وأما أَصْلُ فُرُوعِهَا وَعُنْصُرُ يَنَابِيعِهَا وَنُقْطَةُ دَائِرَتِهَا فَالْعَقْلُ]

- ‌فصل [وأما الحلم]

- ‌فصل [وأما الجود]

- ‌فصل [وأما الشجاعة والنجدة]

- ‌فصل [وأما الحياء والإغضاء]

- ‌فصل [وأما حسن عشرته وآدابه]

- ‌فصل [وأما الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق]

- ‌فصل [وأما خلقه صلى الله تعالى عليه وسلم في الوفاء]

- ‌فصل [وأما تواضعه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما عدله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته]

- ‌فصل [وأما وقاره صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما زهده صلى الله تعالى عليه وسلم في الدنيا]

- ‌فصل [وأما خوفه صلى الله تعالى عليه وسلم من ربه عز وجل]

- ‌فصل [اعلم وفقنا الله تعالى وإياك أن صفات جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قد آتيناك أكرمك الله سبحانه من ذكر الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [في تفسير غريب هذا الحديث ومشكله]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ ومشهورها بتعظيم قدره عند ربه عز وجل]

- ‌الفصل الأول [فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ مَكَانَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عز وجل]

- ‌فصل [في تفضيله صلى الله تعالى عليه وسلم بما تضمنته كَرَامَةُ الْإِسْرَاءِ]

- ‌فصل [ثم اختلف السلف والعلماء هل كان إسراء بروحه أو جسده]

- ‌فصل [إبطال حجج من قال أنها نوم]

- ‌فصل [وأما رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم لربه عز وجل]

- ‌فصل [في فوائد متفرقة]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَظَاهِرُ الآية من الدنو والقرب]

- ‌فصل [في ذكر تفضيله في القيامة بخصوص الكرامة]

- ‌فصل [في تفضيله بالمحبة والخلة]

- ‌فصل [في تفضيله بالشفاعة والمقام المحمود]

- ‌فصل [في تفضيله فِي الْجَنَّةِ بِالْوَسِيلَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ وَالْكَوْثَرِ وَالْفَضِيلَةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ إِذَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلِيلِ الْقُرْآنِ وصحيح الأثر]

- ‌فصل [في أسمائه صلى الله تعالى عليه وسلم وما تضمنته من فضيلته]

- ‌فصل [في تشريف الله تعالى له بما سماه به من أسمائه الحسنى]

- ‌فصل [قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وها أنا أذكر نكتة]

- ‌الْبَابُ الرَّابِعُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَشَرَّفَهُ بِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ والكرامات]

- ‌فصل [اعلم أن الله عز وجل قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْمَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ]

- ‌فصل [اعلم أن معنى تسميتنا ما جاءت به الأنبياء معجزة]

- ‌فصل [في إعجاز القرآن العظيم الوجه الأول]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ إِعْجَازِهِ صُورَةُ نَظْمِهِ الْعَجِيبِ والأسلوب الغريب]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْإِعْجَازِ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ من الأخبار]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الرَّابِعُ مَا أَنْبَأَ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ القرون السالفة]

- ‌فصل [هَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ إِعْجَازِهِ بَيِّنَةٌ لَا نزاع فيها ولا مرية]

- ‌فصل [ومنها الروعة]

- ‌فصل [وَمِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْدُودَةِ كَوْنُهُ آيَةً بَاقِيَةً لا تعدم ما دامت الدنيا]

- ‌فصل [وَقَدْ عَدَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمُقَلِّدِي الْأُمَّةِ في إعجازه وجوها كثيرة]

- ‌فصل [في انشقاق القمر وحبس الشمس]

- ‌فصل [في نبع الماء من بين أصابعه الشريفة وتكثيره ببركته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ تَفْجِيرُ الْمَاءِ ببركته وانبعاثه]

- ‌فصل [ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته]

- ‌فصل [في قصة حنين الجذع له صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [ومثل هذا وقع في سائر الجمادات بمسه ودعوته]

- ‌فصل [في الآيات في ضروب الحيوانات]

- ‌فصل [في إحياء الموتى وكلامهم]

- ‌فصل [في إبراء المرضى وذوي العاهات]

- ‌فصل [في إجابة دعائه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في كراماته صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْغُيُوبِ]

- ‌فصل [في عصمة الله تعالى له صلى الله تعالى عليه وسلم من الناس وكفايته من آذاه]

- ‌فصل [ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم]

- ‌فصل [ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام وكراماته وباهر آياته أنباؤه مع الملائكة]

- ‌فصل [وَمِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ وَعَلَامَاتِ رِسَالَتِهِ مَا تَرَادَفَتْ]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ عِنْدَ مولده عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى قد أتينا في هذا الباب]

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌فصل [وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه عليه الصلاة والسلام]

بسط صفته) أي تفصيل نعوته (مشهورة) أي عند المحدثين (كثيرة) أي عند المؤرخين (فلا نطيل) أي الكتاب (بسردها) أي بذكرها متصلة مفصلة في الأبواب (وقد اختصرنا) أي أوردنا على وجه الاختصار (في وصفه نكت) وفي نسخة على نكت (ما جاء فيها) بضم النون وفتح الكاف جمع نكتة أي لطائف ودقائق ما ورد في تلك الأحاديث (وجملة) أي وأوردنا جملة مجملة (ممّا فيه كفاية) ومن بيانية أو تبعيضية (في القصد إلى المطلوب) أي من وصف المحبوب، (وختمنا هذه الفصول) أي الكافلة باعتبار كل فصل بإبراز ما ورد في وصفه وفضله (بِحَدِيثٍ جَامِعٍ لِذَلِكَ نَقِفُ عَلَيْهِ هُنَاكَ إِنْ شاء الله تعالى) .

‌فصل [وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه عليه الصلاة والسلام]

(وأمّا نظافة جسمه) أي لطافة بدنه، (وطيب ريحه) أي الخارج منه (وعرقه) أي وطيب عرقه وهو بفتحتين رطوبة تلحق الإنسان بسبب حرارة أو غيرها، (ونزاهته) أي تباعده وبراءته (عن الأقذار) بالذال المعجمة أي الأوساخ والأدناس الحسية المعنوية بل كما قيل عن الأنجاس الحقيقية (وعورات الجسد) أي ونزاهته عيوب توجد في أجساد الناس مما يشين الإنسان والعورة بسكون الواو ويحرك مأخوذة من العار الذي يلحق الذم بسببه كنقص فيه وخلل في عضو منه (فكان قد خصّه الله في ذلك) أي ما ذكر (بخصائص لم توجد في غيره) الجملة صفة كاشفة لما قبلها (ثمّ تمّمها) أي كمل تلك الخصائص الحسية (بنظافة الشّرع) أي بلطائف الآداب الشرعية والخصائص المعنوية التي من جملتها قوله (وخصال الفطرة) وهي أصل الخلقة فإن الله تعالى خلق عباده قابلين للحق حتى لو خلوا وما خلقوا عليه لاهتدوا به كما ورد حديث كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه الحديث وقال تعالى فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وقال أبو بكر ابن العربي هي عبارة عن أصل الخلقة فإن الإنسان يخلق سليما من عشرة أقذار ثم تطرأ عليه ثم أمر بالتنظيف منها أو المراد بالفطرة هي الإسلام والمذكورة في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم عشر من الفطرة ولذلك أتى بالألف واللام للمعهود علما كقوله تعالى إِذْ هُما فِي الْغارِ وإن لم يتقدم لها ذكر فقد علم ضرورة فالمعنى خصال دينية (العشر) أي خصوصا لما في مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الابط وحلق العانة وانتقاص الماء قال مصعب بن شيبة راويه ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة وقال وكيع انتقاص الماء يعني الاستنجاء وروى أبو داود نحوه إلا أنه قال بدل انتقاص انتضاح وفي رواية انتقاض بفاء وضاد معجمة وكلها كناية عن الاستنجاء هذا وحلق اللحية منهي عنه وأما إذا طالت زيادة على القبضة فله أخذها هذا وقال المؤلف في شرح مسلم ولعل العاشرة الختان لأنه مذكور في قوله عليه الصلاة والسلام الفطرة خمس أو

ص: 164

خمس من الفطرة قلت فإذن يعد المضمضة والاستنشاق خصلة واحدة لاتحاد حكمهما والله تعالى أعلم. (وقال) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والأولى قد بدون واو (بني الدّين على النّظافة) أي الطهارة الباطنة والظاهرة وهذا الحديث وإن قال العراقي في تخريج أحاديث الاحياء لم أجده هكذا بل في الضعفاء لابن حبان من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها تنظفوا فإن الإسلام نظيف وللطبراني في الأوسط بسند ضعيف من حديث ابن مسعود رضي الله عنه النطافة تدعو إلى الإسلام انتهى فقد روى الرافعي في تاريخه بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه بعض حديث مرفوعا تنظفوا بكل ما استطعتم فإن الله تعالى بنى الإسلام على النظافة ولن يدخل الجنة إلا كل نظيف وينصره حديث الترمذي أن الله نظيف يحب النظافة فنظفوا أفنيتكم (حدّثنا سفيان بن العاصي) بتثليث سين سفيان سمع الباجي وابن عبد البر وغيرهما وأخذ عنه المصنف وأكثر (وغير واحد) أي كثيرون من مشايخنا (قالوا حدّثنا أحمد ابن عمر) صاحب كتاب الاعلام بأعلام النبي عليه السلام (قال حدّثنا أبو العبّاس الرّازيّ) وهو ابن بندار الخراساني، (قال حدّثنا أبو أحمد الجلوديّ) بضم الجيم بلا خلاف ذكره الدلجي وغيره قال التلمساني بضم الجيم وفتحها منسوب لجلود قرية ببغداد وقيل بالشام وقيل سكة نيسابور الدراسة وقيل بإفريقية وقيل كان يبيع الجلود وكان شيخا صالحا نيسابوريا ينتحل مذهب سفيان الثوري (قال حدّثنا ابن سفيان) أي المروزي النيسابوري (قال حدّثنا مسلم) أي النيسابوري صاحب الصحيح روى عن أحمد بن حنبل وغيره وعنه الترمذي وابن خزيمة وأبو عوانة وغيرهم (قال حدّثنا قتيبة) هو ابن سعيد الثقفي البلخي يكنى أبا رجاء سمع الليث ومالكا وابن عيينة وغيرهم (حدّثنا جعفر بن سليمان) الضبعي سمع ثابتا البناني ومالك بن دينار وروى عنه ابن المبارك قيل مع كثرة علمه كان أميا (عن ثابت) هو ثابت كاسمه وهو ابن أسلم البناني بضم الموحدة يروي عن أنس وابن عمر وابن الزبير وخلق وعنه الحمادان وأمم وكان رأسا في العلم والعمل يلبس الثياب الفاخرة ويقال لم يكن في وقته أعبد منه أخرج له الجماعة وهو ثقة بلا مدافعة (عن أنس) خادم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم جاوز عمره المائة وكذا أولاده وفي الصحابة من اسمه أنس اثنان وعشرون وفيهم أنس بن مالك اثنان هذا وهو المشهور وأنس بن مالك أبو أمية القشيري وقيل الكعبي وانتقل أنس إلى البصرة في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه ليفقه الناس بها وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة، (قال ما شممت) بكسر ثانية ويفتح (عنبرا) هو شيء لفظه البحر أي رمى به ويقال إنه روث دابة من دواب البحر ولا يصح وأصول الطيب خمسة أصناف المسك والكافور والعود والعنبر والزعفران وكلها تحمل من أرض الهند إلا الزعفران والعنبر وأجود العنبر هو المدور الأبيض كبيض النعام أو دون ذلك (قطّ) أي فيما مضى من عمري وهو بفتح قاف وتشديد طاء مهملة مضمومة وتنون وهي للأبد لما مضى وقد تكسر الطاء ويضمان وتخفف الطاء مع ضمها وإسكانها (ولا مسكا) وأطيب المسك ما خرج من الظباء بعد بلوع النهاية في النضج وغزلان

ص: 165

المسك نوع خاص من الظباء (ولا شيئا) أي آخر من أنواع الطيب (أطيب) أي أفيح (من ريح رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) وتتمته ولا مست قط ديباجا ولا حريرا ولا شيئا ألين لمسا من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والحديث كما ترى في مسلم وكذا في الشمائل. (وعن جابر بن سمرة) أي فيما رواه مسلم أيضا عنه قال صليت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثم خرج وأنا معه فاستقبله ولدان فجعل يمسح خدي أحدهم واحدا واحدا وأما أنا فمسح خدي فوجدت ليده بردا أو ريحا كأنما أخرجها من جونة عطار كذا في مسلم أو ريحا بالألف وكثيرا ما يوجد بدونها فلعله رواية فيه ولهذا رواه بلفظ (أنّه صلى الله تعالى عليه وسلم مسح خدّه) أي جانب وجهه مما يلي الوجنة من الأسفل (قَالَ فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا وَرِيحًا كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا من جؤنة عطّار) وهو بضم الجيم وسكون الواو وقد تهمز أو همزتها أصلية وقد تبدل لا أنها تحذف كما قال الدلجي وهي سفط مغشي بجلد يجعل فيه العطار طيبه والعطار فعال نسبة لا مبالغة، (قال غيره) أي غير جابر بن سمرة (مسّها بطيب أم لم يمسّها يصافح) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (المصافح) أي له (فيظلّ) بفتح معجمة وتشديد لام يقال ظل يفعل كذا إذا فعله نهارا ففي الكلام تجريد أو تأكيد وقد يجيء بمعنى دام وصار والمعنى فيصير ذلك المصافح له (يومه) أي طول نهاره (يَجِدُ رِيحَهَا، وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ الصَّبِيِّ) أي مثلا (فيعرف) بصيغة المجهول أي فيميز (من بين الصّبيان) بكسر الصاد ويضم جمع الصبي (بريحها) أي بسبب ريح يده صلى الله تعالى عليه وسلم على رأس ذلك الصبي (ونام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي كما رواه مسلم (في دار أنس) أي على فراش أمه أم سليم بضم السين بنت ملحان بكسر الميم وقيل بفتحها وأما ما وقع في بعض كتب الشافية أن أم سليم جدة أنس رضي الله تعالى عنه فخطأ (فعرق) بكسر الراء (فجاءت أمّه) أي أم أنس (بقارورة) أي بإناء من زجاج (تجمع فيها عرقه) أي تبركا وتطيبا (فسألها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن ذلك) أي عن جمعها إياه المستفاد من الفعل (فقالت نجعله في طيبنا وهو) أي طيبه أو طيبنا باختلاط طيبه (من أطيب الطّيب) بل أطيب وفي رواية نرجو بركته لصبياننا زاد البخاري فأوصى أنس أن يجعل منه في حنوطه قال الدلجي وإنما نام على فراشها لأنها وأختها أم حزام كما في إكمال المصنف خالتاه من الرضاعة وأنكر فإن صح ففي الحديث جواز الخلوة بمن بينها وبينه محرمية أو النوم عندها لعصمته صلى الله تعالى عليه وسلم انتهى وهو غريب إذ ليس في الحديث ما يدل على وقوع الخلوة مع أن جوازها مع المحرم لا يعرف له خلاف وقد ورد لا يخلون رجل بامرأة ثيب إلا أن يكون ناكحا أو ذا محرم ثم قوله لعصمته ينافي ما استدل به على جوازه لكونها علة لاختصاصه فكان حقه أن يقول وإلا أي وإن لم يصح فالنوم عندها لعصمته صلى الله تعالى عليه وسلم هذا وفي صحيح مسلم أنه كان يدخل بيت أم سليم وينام على فراشها إذا لم تكن فيه فجاء ذات يوم فنام عليه فأتت فقيل لها هذا النبي نائم على فراشك فجاءت وقد عرق

ص: 166

الحديث. (وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ عَنْ جَابِرٍ) أي ابن عبد الله صحابيان أنصاري آخر من مات بالمدينة من الصحابة وعنه استغفر لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خمسا وعشرين استغفارة كل ذلك أعده بيدي يقول أديت عن أبيك دينه فأقول نعم فيقول يغفر الله لك (لم يكن النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم يمرّ في طريق) أي من طرق المدينة وغيرها (فيتبعه) بتخفيف التاء وفتح الباء وبتشديد التاء وكسر الباء ويرفع وينصب أي فيجيء عقبه (أحد إلّا عرف) أي ذلك الأحد (أنّه) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (سلكه) أي دخل ذلك الطريق ومر به (من طيبه) متعلق بعرف أي من أجل طيبه وبسببه وروى البزار وأبو يعلى بسند جيد عن أنس رضي الله عنه كان إذا مر في الطريق من طرق المدينة وجد فيه رائحة الملك فيقال مر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من هذا الطريق. (وذكر إسحاق بن راهويه) بضم هاء ثم فتح ياء وتاء على الصحيح وهو مروزي عالم خراسان روى عنه الجماعة إلا ابن ماجة (أنّ تلك) أي الرائحة (كانت رائحته) بالنصب وفي نسخة أن تلك رائحته أي في اصل خلقته (بلا طيب صلى الله تعالى عليه وسلم) أي من غير استعمال طيب في ثوبه أو بدنه وروى ابن أبي بكر في سيرته أن أم سلمة وضعت يدها على صدر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بعد موته فمكثت جمعا لا تأكل ولا تتوضأ إلا وجدت ريح المسك بين يديها.

(وروى المزنيّ) بضم ميم وفتح زاي فنون وياء نسبة مصري كان ورعا زاهدا مجاب الدعوة متقللا من الدنيا قال الشافعي رحمه الله في حقه لو ناظر الشيطان لغلبه له تصانيف كالمبسوط والمختصر وغيرهما وصنف كتابا مفردا على مذهبه لا على مذهب الشافعي وهو مدفون بالفراقة بالقرب من قبر الشافعي وفي نسخة صحيحة الحربي وهو بحاء مهملة وباء موحدة وهو إبراهيم بن إسحاق حنبلي المذهب أصله من مرو ونسب إلى الحربية وهي محلة معروفة ببغداد وهي تنسب إلى حرب بن عبد الله صاحب المنصور (عن جابر أردفني النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي أركبني (خلفه) الردف بكسر الراء من يركب خلف راكب يقال اردفني فردفني (فالتقمت خاتم النّبوّة) بفتح التاء وكسرها يقال لقمه والتقمه أي أدخله في فمه كاللقمة والمراد بخاتم النبوة الذي كان كالتفاحة أو بيضة الحمامة أو كرز الحجلة بين كتفيه وقد أوضحته في شرح الشمائل (بفمي) وفي نسخة بفي بكسر الفاء وتشديد الياء وذكره من باب التأكيد كقولهم رأيت بعيني وسمعت بأذني (فكان) أي الخاتم (ينمّ) بكسر النون وتضم وبتشديد الميم أي يجلب الريح ويفوح (عليّ مسكا) أي ريح مسك أو كمسك ومنه النميمة والطيب نمام أي يفوح وإن لم يرد صاحبه ذلك والزجاج كذلك لأن المرآة ترى للإنسان ما فيه من حسن أو قبح ولا تستر شيئا وفي المثل أتم من الزجاج وفي رواية يثج بضم مثلثة وقد تكسر أي يسيل تشبيها له بثج دماء الهدي أي سيلانها بسرعة ومعناه ههنا يفوح وتسطع رائحته بكثرة هذا وقد جمع بعضهم من أردفه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فبلغ نيفا وثلاثين ولم يذكر منهم جابرا (وقد حكى بعض المعتنين) اسم فاعل من الاعتناء أي المهتمين (بأخباره

ص: 167

وشمائله) أي سيره وأثاره (صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يتغّوط) أي يريد إخراج الغائط وهو ما يبرز من ثفل الطعام من المحل المعتاد ويطلق على المطمئن من الأرض كما في قوله تعالى أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ (انشقّت الأرض فابتلعت غائطه وبوله وفاحت) بالفاء وفي نسخة بالباء الموحدة بدل الفاء أي ظهرت (لذلك رائحة طيّبة صلى الله تعالى عليه وسلم) ذكره البيهقي عن عائشة رضي الله تعالى عنها وقال أنه موضع كما سيأتي. (وأسند محمّد بن سعد) روى عن ابن عيينة وعنه ابن أبي الدنيا (كاتب الواقدي) وهو صاحب الطبقات وله تأليف جيد مفيد في تعريف رجال الحديث قال ابن جماعة هو ثقة لكنه يروي عن الضعفاء منهم شيخه محمد بن عمر الواقدي والواقدي ولي القضاء ببغداد للمأمون وروى عن مالك حديثا كثيرا وروى عنه الشافعي وغيره واستقر الإجماع على ضعفه كما في الميزان (في هذا) أي في أن الأرض تبتلع ما يخرج منه وتفوح له رائحة طيبة (خَبَرًا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قالت للنّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم إنّك تأتي الخلاء) هو بالمد (فلا نرى منك شيئا) ويروى فلا يرى منك شيء (من الأذى) بالقصر وهو ما يكره ويغتم به، (فقال يا عائشة أو ما) أي أجهلت وما (علمت أن الأرض تبتلع) وفي نسخة تبلع بفتح اللام (مَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا يُرَى مِنْهُ شيء) وروى الدارقطني في إفراده عنها قالت قلت يا رسول الله أراك تدخل الخلاء ثم يجيء الرجل يدخل بعدك فما يرى لما خرج منك أثرا فقال أما علمت أن الله أمر الأرض أن تبتلع ما خرج من الأنبياء. (وهذا الخبر) أي الذي أسند ابن سعد (وإن لم يكن مشهورا) أي معروفا بين المحدثين وليس المراد به المشهور المصطلح عندهم نعم قال ابن دحية بعد أن أورده هذا سند ثابت قيل وهو أقوى ما في الباب ومع هذا (فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِطَهَارَةِ هذين الحدثين منه صلى الله تعالى عليه وسلم) عبر عن الخارجين بهما استهجانا للتصريح باسمهما (وهو قول بعض أصحاب الشّافعي رحمه الله وعليه كثير من الخراسانيين لكن المعتمد في المذهب خلافه كما ذكره الدلجي وقال أبو بكر بن العربي بول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ونحوه طاهران وهو أحد قول الشافعي وقال النووي في الروضة إن بوله ودمه وسائر فضلاته طاهرة على أحد الوجهين وفيه أن الحديث السابق لا يدل على المدعي كما لا يخفى بل على ضده كما يدل عليه الابتلاع اللهم إلا أن يقال الريح الطيبة تدل على الطهارة وفيه بحث نعم قال البغوي بذلك مستدلا بشهادة الاستشفاء ببوله ودمه على ما نقله الدلجي وقرره وفيه نظر أيضا من جهة عدم لزومه إذ وقع الاستشفاء ببول الإبل والجمهور ومنهم القائل به على نجاسته. (حكاه) أي القول بطهارتهما (الإمام أبو نصر بن الصّبّاغ) بالباء الموحدة المشددة (في شامله) هو بغدادي شافعي المذهب له تآليف منها الشامل ومنها الكامل. (وَقَدْ حَكَى الْقَوْلَيْنِ عَنِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ) أي في كونهما طاهرين أو نجسين (أبو بكر) وفي رواية ابو الحسن (بن سابق) بكسر الموحدة (الْمَالِكِيُّ فِي كِتَابِهِ الْبَدِيعُ فِي فُرُوعِ الْمَالِكِيَّةِ وتخريج ما لم يقع لهم) أي للمالكية (منها) أي من الفروع التي هي

ص: 168

(على مذهبهم) أي ولم يخرجوها وإنما خرجت (من تفاريع الشّافعيّة) والظاهر المتبادر أن قوله وتخريج مجرور عطفا على فروع كما أشار إليه التلمساني وصرح به الانطاكي وأبعد الدلجي وجعله منصوبا عطفا على القولين ثم قال والتخريج في اصطلاحهم أن ينص الشافعي على حكمين مختلفين في صورتين متشابهتين ولم يظهر لهم ما يصلح فارقا بينهما فينقلوا نصه في كل صورة منهما إلى الأخرى كمسألتي الاجتهاد في الأواني والقبلة إذ قد منع في الأولى العمل بتغيير الاجتهاد وجوزه في الثانية فنقلوا منعه في تلك إلى هذه وتجويزه في هذه إلى تلك فصار في كل قولين منصوص عليهما ومخرج المنصوص في كل هو المخرج في الأخرى، (وشاهد هذا) أي دليل هذا القول على طهارة ما ذكر (أنّه صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ شَيْءٌ يُكْرَهُ ولا غير طيّب) وفيه أنه منقوض بما صح عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وبأنه كان يستنجي بنحو حجر ومدر وأيضا أنه لو كان الخارجان منه طاهرين لما كانا حدثين ناقضين كالعرق والدمع والبزاق والمخاط ونحوها والإجماع على أنه صلى الله تعالى عليه وسلم في نواقض الوضوء كالأمة إلا ما صح استثناؤه كالنوم بدليل أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان ينام عيناه ولا ينام قلبه كما سيأتي. (ومنه) أي ومن الشاهد بأنه لَمْ يَكُنْ مِنْهُ شَيْءٌ يُكْرَهُ وَلَا غَيْرُ طيب (حديث عليّ رضي الله عنه أي فيما رواه ابن ماجة وأبو داود في مراسيله أنه قال (غسّلت النّبيّ عليه الصلاة والسلام بتشديد السين وتخفيفها وهو أظهر (فذهبت) أي شرعت وقصدت (أنظر ما يكون من الميّت) أي من خروج دم وغيره من النجاسات عند خروج روحه أو حين غسله (فلم أجد شيئا) أي منها خرج منه، (فقلت طبت حيّا وميّتا) ونصبهما على الحال أو على نزع الخافض أي في الحياة والممات أو على التمييز ذكره التلمساني ولا يخفى بعد ما عدا الأول فتأمل فإنه موضوع زلل ومحل خطل ثم أنت ترى أن هذا الحديث لا يصلح أن يكون شاهدا كما لا يخفى وقد روي عن علي كرم الله وجهه أنه حين غسل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مسح بطنه فلم يجد شيئا فقال طبت حيا وميتا وفي رواية فاح ريح المسك في البيت لما في بطنه قيل وانتشر في المدينة (قال) أي على (وسطعت) أي ارتفعت وانتشرت وفاحت (مِنْهُ رِيحٌ طَيِّبَةٌ لَمْ نَجِدْ مِثْلَهَا قَطُّ ومثله) أي ومثل قول علي طبت حيا وميتا (قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه حِينَ قبّل النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم بعد موته) رواه البزار عن ابن عمر بسند صحيح وهو بعض خبر في البخاري (ومنه) أي ومن الشاهد (شرب مالك بن سنان) بكسر السين المهملة وأما الشرب فبضم المعجمة ويجوز فتحها وكسرها (دمه) أي دم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (يوم أحد ومصّه إيّاه) قيل شربه ابتلاعه ومصه أخذه من الجرح بفيه أو شربه ابتلاعه دفعة ومصه ابتلاعه قليلا قليلا وروي إذ ذلك مرفوعا من مس دمه دمي لم تصبه النار (وتسويغه صلى الله تعالى عليه وسلم) أي تجويزه (ذَلِكَ لَهُ.

وَقَوْلُهُ لَهُ لَنْ تُصِيبَهُ النَّارُ) رواه الطبراني عن أبي سعيد الخدري عن أبيه مالك بن سنان وقتل

ص: 169

مالك يوم أحد وهو جبل معروف يخفف ويثقل وقيل يخفف ذكره التلمساني والتشديد فيه غريب ورواه البيهقي عن عمر بن السائب ثم في الحديث قد يقال إن الضرورات تبيح المحظورات، (ومثله) وفي أصل الدلجي ومنه أي ومن الشاهد كما رواه الحاكم والبزار والبيهقي والبغوي والطبراني والدارقطني وغيرهم فالعجب من ابن الصلاح أنه قال هذا حديث لم أجد له أصلا بالكلية وهو في هذه الأصول (شُرْبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ دَمَ حِجَامَتِهِ فقال له عليه السلام وَيْلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ وَوَيْلٌ لهم منك ولم ينكر عليه) وفيه أن هذا حكم مسكوت عنه بعد وقوعه ولم يدخل تحت تقريره إذ لم يطلع على شربه حال فعله مع أن في قوله وَيْلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِنْكَ نوع نكير عليه إذ الويل الفضيحة المترتبة على الفتنة وروى الزبير بن بكار أنه حين ولدته أمه رآه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال هو هو فسمعته أمه فامسكت عن إرضاعه فقال أرضعيه ولو بماء عينيك كيس كيس بين ذئاب في ثياب ليمنعن البيت وليقتلن دونه وهذا مما أخبر به رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من المغيبات إذ قد بويع له بالخلافة سنة خمس وستين بعد وفاة معاوية وأطاعه أهل الحجاز واليمن والعراقين وخراسان وحج بالناس ثماني سنين ثم وقعت الفتنة وعمرو بن سعيد على المدينة نائبا لعبد الملك بن مروان فكان يبعث البعوث إليه منها إلى مكة حتى أرسل له عبد الملك الحجاج فابتدأ حصاره غرة ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين وحج تلك السنة الحجاج ووقف بعرفة عليه درع ومغفر ولم يطف الناس بالبيت في تلك الحجة فحاصره ستة اشهر وسبعة عشر يوما ثم قتل في نصف جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين وعمره اثنتان وسبعون سنة وايام على ما ذكره الدلجي وروى الشعبي قال هاج الدم برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فحجمه أبو طيبة فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم اشكموه فأعطوه دينارا وقال ابن الزبير واره يعني الدم قال فتوارى ابن الزبير فشرب الدم فبلغ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فعله فقال اما إنه لا تصيبه النار أو لا تمسه النار قال الشعبي فقيل لابن الزبير كيف وجدت طعم الدم فقال أما الطعم فطعم العسل وأما الرائحة فرائحة المسك أقول فهذا من باب قلب الأعيان الذي عد من معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبهذا يندفع نزاع الفقهاء ويؤيده ما ذكره التلمساني عن عائشة رضي الله تعالى عنها وذكرت أنها لا تجد في الخلاء شيئا فقال أنا معاشر الأنبياء تنبت أجسادنا على أرواح الجنة فما خرج منها من شيء ابتلعته الأرض ولكن رواه البيهقي في الدلائل عنها ثم قال هذا من موضوعات الحسين بن علوان لا ينبغي ذكره ففي الأحاديث الصحيحة المشهورة من معجزاته كفاية عن كذب ابن علوان انتهى وروي أن رجلا قال رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أبعد في المذهب فلما خرج نظرت فلم أر شيئا ورأيت في ذلك الموضع ثلاثة أحجار اللاتي استنجى بهن فأخذتهن فإذا بهن يفوح منهن روائح المسك فكنت إذا جئت يوم الجمعة المسجد أخذتهن في كمي فتغلب رائحتهن روائج من تطيب وتعطر (وقد روي نحو من هذا عنه) أي عن النبي

ص: 170

صلى الله تعالى عليه وسلم (في امرأة شربت بوله) أي من غير علم بأنه بول كما سيأتي (فقال لها لن تشتكي) بإسكان الياء على أن النون حذفت للناصب (وجع بطنك أبدا) وفي رواية لن تلج النار بطنك والحديث رواه الحاكم وأقره الذهبي والدارقطني. (ولم يأمر واحدا منهم) أي أحدا ممن شربه وفيه تغليب الرجال على النساء (بغسل فمه) لا دلالة في الأحاديث على الأمر ولا على عدمه مع أن غسل الفم من البول كان عندهم من قبيل المعلوم بالضرورة وعلى تسليم عدم الأمر لا يثبت طهارته لاحتمال الذهول أو للاعتماد على الظهور إلا أن يثبت أنه رأى أحدا منهم يصلي من غير غسل فم مثلا وسكت عليه وأقره كما هو مقرر عند أرباب الأصول، (ولا نهاه) أي أحدا (عن عودة) أي عن عود شرب بوله وفيه أنه لا يحتاج إلى النهي عن العود إلا إذا وقع ذلك الفعل عن العمد من غير ضرورة ولا حالة جذبه وسيأتي اعتذارها بأنها شربته بغير علمها وفي نسخة صحيحة بلفظ عودة بالتاء للوحدة هذا وروى ابن عبد البر أن سالم بن أبي الحجاج حجمه صلى الله تعالى عليه وسلم ثم ازدرد أي ابتلع دمه فقال أما علمت أن الدم كله حرام وفي رواية لا تعد فإن الدم كله حرام. (وَحَدِيثُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الَّتِي شَرِبَتْ بَوْلَهُ صَحِيحٌ) أي ولصحته (ألزم الدّارقطني) بفتح الراء وتسكن نسبة إلى دار قطن محلة ببغداد وهو صاحب السنن وروى عنه الحاكم وأبو ذر الهروي وأبو نعيم وغيرهم (مسلما، والبخاري) أي كلا منهما (إخراجه) أي تخريج الحديث وذكره بإسناده (في الصّحيح) أي في كل من صحيح البخاري ومسلم إذ رجاله كرجالهما في الضبط والعدالة وغيرهما لكن إنما يتوجه هذا الإلزام عليهما لو التزما تخريج جميع الصحيح ولم يلتزماه والحاصل أن هذا الحديث في مرتبة الحديث الذي اتفق عليه الشيخان من كمال الصحة وإن لم يخرجاه في جامعيهما لكن انتقد عليه فإنه جاء من جهة أبي مالك النخعي وأنه ضعيف وفي علل الدارقطني أيضا أنه مضطرب من جهة أبي مالك والله تعالى أعلم، (واسم هذه المرأة بركة) بالفتحات (واختلف في نسبها) فقيل هي بنت يسار مولاة أبي سفيان بن حرب بن أمية كانت هي وزوجها قيس بن عبيد الله هاجرا مع أم حبية بنت مولاها ابي سفيان وزوجها عبيد الله بن جحش فلما تنصر زوج أم حبيبة وبقيت على الإسلام خطبها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فزوجها له النجاشي واصدقها عنه أربعمائة دينار أو اربعمائة أوقية ذهب ثم بعثها إليه مع شرحبيل ابن حسنة وقدمت بركة هذه معها وكانت تخدمها وتخدم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهي اسم لثلاثة منهن أم أيمن (وقيل هي أمّ أيمن) أي الحبشية مولاته وحاضنته ومرضعته ورثها من أبيه ثم أعتقها لما تزوج خديجة فتزوجها عبيد بن زيد من بني الحارث فولدت له أيمن وبه كنيت ثم تزوجها بعد النبوة زيد بن حارثة فولدت له أسامة حبه صلى الله تعالى عليه وسلم وإلى هذا القول ذهب ابن عبد البر وغيره وقال الواقدي كانت أم أيمن عسيرة اللسان فكانت إذا دخلت قال سلام اللا عليكم يعني سلام الله عليكم فرخص لها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن تقول سلام عليكم أو السلام عليكم كذا ذكره

ص: 171

التلمساني تبعا للحلبي وفيه أن هذا جائز لغيرها أيضا فلا وجه للترخيص لها ولعل الرخصة أن تقول سلام بدون عليكم ويؤيده قولهم إن ذلك كان تكرمة لها وروي أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال هي أمي بعد أمي (وكانت تخدم النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) بضم الدال وتكسر على ما في القاموس فاندفع قول التلمساني ولا يصح الكسر كما تقوله العامة، (قالت) أي المرأة (وكان لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قدح من عيدان) بفتح عين مهملة ووزنه فعلان أو فيعال جمع عيدانة وهي النخلة الطويلة وقيل بكسرها جمع عود (يوضع) أي القدح (تَحْتَ سَرِيرِهِ يَبُولُ فِيهِ مِنَ اللَّيْلِ فَبَالَ فيه ليلة ثمّ افتقده) أي طلبه ليصبه (فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ شَيْئًا فَسَأَلَ بَرَكَةَ عَنْهُ) أي عن بوله الذي كان في القدح (فَقَالَتْ قُمْتُ وَأَنَا عَطْشَانَةٌ فَشَرِبْتُهُ وَأَنَا لَا أعلم) أي أنه بول قال الدلجي تبعا لغيره من المحشيين الصواب عطشى لأنه مؤنث عطشان إلا أن تكون لغة قلت الصواب إن عطشانة جاء في لغة كما في القاموس وقيل هي لغة بني أسد ثم القدح إناء يشرب منه ويقال للصغير الغمر بضم الغين وهو أول الأقداح وهو الذي لا يبلغ الري ثم القعب وهو قد روى الرجل ثم القدح وهو يروي الاثنين والثلاثة ثم غيرها على ما في كتب اللغة والسرير مرفع يصنع من خشب ويوضع في ناحية من البيت أو السطح يتخذ للرقاد وقاية من الأض وما فيها. (روى حديثها) أي بكماله (ابن جريج) بالجيمين مصغرا مجمع على كونه ثقة ولد سنة ثمانين ومات سنة خمسين ومائة روى عن مجاهد وعطاء وطاوس وابن أبي مليكة وعنه ابن عيينة والثوري وغيرهما وهو مجمع على ثقته وهو أول من صنف الكتب في الإسلام وقد روى عن حكيمة بنت أميمة بنت أبي صيفي عن أمها قالت كان لرسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَحٌ مِنْ عِيدَانٍ يُوضَعُ تَحْتَ سريره ليبول من الليل فيه فبال فيه ليلة ووضع تحت سريره ثم افتقده فلم يجد فيه شيئا فقال لامرأة يقال لها بركة كانت تخدمه ما فعل بالبول الذي كان في هذا القدح فقالت يا رسول الله أني شربته وروى عبد الرزاق عنه قال أخبرت أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يبول في قدح من عيدان ثم يوضع تحت سريره فجاء فإذا هو ليس فيه شيء فقال لامرأة يقال لها بركة كانت تخدم أم حبيبة جاءت معها من أرض الحبشة أين البول الذي كان في القدح قالت شربته قال صحة يا أم يوسف وكانت تكنى أم يوسف فما مرضت قط حتى ماتت (وغيره) أي ورواه أيضا غير ابن جريج كأبي داود وابن حبان والحاكم عن أميمة عن أمها وروى الحاكم والدارقطني عن أم أيمن قالت قام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من الليل إلى فخارة في جانب البيت فبال فيها فقمت من الليل وأنا عطشانة فشربت ما فيها وأنا لا أشعر فلما اصبح قال يا ام أيمن قومي فأهرقي ما في تلك الفخارة قد والله شربته فضحك ثم قال أما والله لا يجعن بطنك بعدها أبدا وهذا يدل على أنهما واقعتان وقعتا كما قال ابن دحية لبركة أم يوسف وبركة أم أيمن وينصره ما في خصائص تدريب البلقيني أنهما شربتاه هذا وقد شرب أيضا دمه عليه الصلاة والسلام أبو طيبة عاش مائة وأربعين سنة وسفينة مولى النبي صلى الله تعالى عليه

ص: 172

وسلم رواه البيهقي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ذكره الرافعي في الشرح الكبير قال ابن الملقن ولم أجده في كتب الحديث (وكان النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم قد ولد مختونا) أي لا قلفة له (مقطوع السّرة) بضم السين رواه أبو نعيم والطبراني في الأوسط وفي دلائل البيهقي بسند ضعيف عن ابن عباس رضي الله عنه عن أبيه أنه ولد معذورا مسرورا أي مقطوع السرة مختونا يقال عذره وأعذره ختنه وروى الخطيب عن أنس رضي الله تعالى عنه مرفوعا وصححه أيضا في المختار من كرامتي على ربي أني ولدت مختونا ولم ير أحد سوءتي وقال الحاكم تواترت الأخبار بولادته مختونا وتعقبه الذهبي بقوله ما أعلم صحته فكيف يكون متواترا قلت يجوز أن يكون الشيء متواترا عند بعض دون بعض وقيل ختن لما شق قلبه عند مرضعته حليمة أي ختنته الملائكة عندها كما ذكره التلمساني وقيل ختنه جده يوم سابع ولادته وصنع له مأدبة وسماه محمدا (وروي) في بعض الروايات (عن أمّه آمنة) بالمد على وزن فاعلة وهي بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب ولم تلد غيره صلى الله تعالى عليه وسلم ولم يتزوج غيرها عبد الله على الأصح فيهما وفي اسم آمنة أمان أمته وفي حليمة حلم وفي بركة بركة فتلك آمنة من سائر النقم وذكر السهيلي أن الله عز وجل أحيى للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم أبويه فأمنا به ثم أماتهما وكذلك نقله السيوطي في خصائص النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لكنه حديث موضوع كما صرح به ابن دحية وقد بينت هذه المسألة في رسالة مستقلة (أنّها قالت ولدته نظيفا) أي نقيا (ما به قذر) بفتحتين أي وسخ ودرن كذا رواه ابن سعد في طبقاته وروي أنه ولدته أمه بغير دم ولا وجع قال المسعودي ولد عليه الصلاة والسلام في شهر ربيع الأول من سنة أربعين من ملك كسرى نوشيروان في دار ابن يوسف وهذه الدار بنتها بعد ذلك الخيزران أم الهادي والرشيد مسجدا. (وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها مَا رَأَيْتُ فرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قطّ) أي إما حياء منه أو منها أو منهما والحديث رواه ابن ماجة والترمذي في شمائله وروي عنها أنها قالت ما رأيت منه ولا رأى مني أي العورة، (وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَوْصَانِي النَّبِيُّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي بأن لا (لا يغسّله غيري) بتخفيف السين وتشديدها (فَإِنَّهُ لَا يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتِي إِلَّا طُمِسَتْ عيناه) بصيغة المجهول وأبعد التلمساني في قوله بفتح الميم مع أنه قال والطمس المحو والمطموس العين هو الذي لا شق بين جفنيه انتهى والمعنى عميت قال الدلجي قوله فإنه علة لترك غسله لغير علي كرم الله وجهه وتحذير من إقدام غيره عليه وخصه بذاك لعلمه صلى الله تعالى عليه وسلم بأن له قدرة على غض بصره انتهى وفيه نظر لأن غض البصر من كل أحد ممكن إذا أوصاه به وفي السيرة عن يونس بن بكر أنه نودي وهو يغسله أن ارفع طرفك إلى السماء وفيه إشكال إذ لا يمكن غسله بكماله مع غض البصر ورفعه وأيضا لا يخلو من أنه يغسل مجردا أو مصحوبا بما يغطي عورته من سرته إلى ركبته أو في قميصه ولا أظن أن الاحتمال الأول يصح إذ لا يجوز لغيره أن يفعل هذا به فكيف

ص: 173