الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قاله الدلجي تبعا للشمني وفي القاموس الصبب محركة تصبب نهر أو طريق يكون في حدوره وما انصب من الرمل وما أنحدر من الأرض وكل هذه المعاني تشير إلى أن الصبب بمعنى المنخفض لا بمعنى المرتفع وقد صرح الحجازي وغيره بأنه ما انحدر من الأرض وأغرب الحلبي حيث قال من موضع مرتفع منحدر فالأولى أن يقال من بمعنى في كما في قوله تعالى إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ويؤيده أنه جاء في رواية كأنما يهوي في صبوب بفتح الصاد وضمها فالمعنى كأنما ينزل من علو إلى سفل فإنه حينئذ يكون المشي بقوة لكن لا بإبطاء ولا بسرعة والمقصود من الحديث هذه الفقرة الدالة على كمال قوته البدنية في مسيرته الحسية وأما مسيرته المعنوية فقد علم في القضية الإسرائية.
فصل [وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول]
(وأمّا فصاحة اللّسان وبلاغة القول) أي في معرض البيان وخص الفصاحة باللسان لنطقه بالمفرد والمركب المطابقين لمقتضى الحال وهما يوصفان بها كالمتكلم والبلاغة بالقول إذ لا يكون إلا كلاما ذا اسناد يبلغ به المتكلم إرادته ويوصف بها الكلام كالمتكلم دون الكلمة لأنها لا يبلغ بها الغرض فراعى المصنف اصطلاح علماء المعاني والبيان في تقرير هذا الشأن (فقد كان صلى الله تعالى عليه وسلم من ذلك) أي مما ذكر من الفصاحة والبلاغة (بالمحلّ الأفضل والموضع الذي لا يجهل) بصيغة المجهول أي الظاهر بالوجه الأكمل (سلاسة طبع) بفتح السين ونصبت بنزع الخافض أي بسهولة جبلة وانقياد طبيعة وفي نسخة مع سلامة طبع (وبراعة منزع) بفتح الميم والزاء أي مأخذ ومطلع والبراعة بفتح الموحدة مصدر برع الرجل فاق أقرانه ووصفها بصفة صاحبها مبالغة أي منزعا بارعا وحاصله جودة لسان ولكافة بيان وأما قول التلمساني إنه بكسر الميم وهو السهم الذي نزع به واستعاره القاضي للسان مجازا إذ هو آلة الكلام ففي غاية من البعد مع مخالفته للأصول المعتمدة (وإيجاز مقطع) أي ومقطعا موجزا من أوجز أتى بكلام قل مبانيه وكثر معانيه والمقطع بفتح الميم والطاء منتهى المرام كما أن النزع مبدأ الكلام فالمعنى أن كلامه حسن الابتداء ومستحسن الانتهاء وهو المطلع والمقطع بأسلوب الشعراء من الفصحاء والبلغاء وأما ذكره التلمساني من أنه بكسر الميم وهو في الأصل شفرة حادة يقطع بها الشيء استعاره للقول مجازا إذ هي آلة فهو مع مخالفته للنسخ المصححة في غاية من التكلف ونهاية من التعسف (ونصاعة لفظ) بفتح النون أي ولفظا ناصعا أي خالصا من شوائب تنافر الحروف وغرابة الألفاظ وارتكاب الشذوذ (وجزالة قول) أي وقولا جزلا لا ركاكة فيه ولا ضعف تأليف وتركيب ينافيه بل نسجت خبره الحبرية على منوال تراكيب العربية (وصحّة معان) أي ومعاني صحيحة يستفاد منها مقاصد صريحة قال التلمساني ومعان جمع معنى بالياء وبدونها ولا خفاء لما فيه من ايهام أنهما لغتان وليس كذلك بل اختلافهما بحسب تفاوت إعرابهما (وقلّة تكلّف) أي قلة طلب كلفة في التأدية بعد
تأمل وتفكر وتروية وكان الأولى أن يقال وعدم تكلف لقوله سبحانه وتعالى حكاية عنه وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ولعله أراد بالقلة العدم والله أعلم ومنه قول أبي أوفى كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يقل اللغو أي لا يلغو رأسا ومنه أيضا قوله تعالى فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ أي لا يؤمنون أصلا (أوتي جوامع الكلم) جملة مستأنفة مبينة ومؤكدة لما قبلها أي أعطي الكلمات الجامعة للمعاني الكثيرة في المباني اليسيرة وقد جمعت أربعين حديثا يشتمل كل حديث على كلمتين وهو أقل ما يتركب منه الكلام الإسنادي كقوله الإيمان يمان والعدة دين والسماح رباح وأمثالها مما أدرجته في شرح الشمائل للترمذي والكلم بفتح كاف وكسر لام اسم جمع للكلمة ومنه قوله تعالى إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وقيل جمع لها وهو ضعيف (وخصّ ببدائع الحكم) بكسر ففتح جمع حكمة أي الحكمة البديعة المتضمنة للمعاني المنيعة (وعلم ألسنة العرب) أي وخص بمعرفة لغات طوائف العرب من قومه وغيرهم لأنه بعث إلى جميعهم فعلمه الله الألسنة ليخاطب كل قوم بما يفهمون لقوله تَعَالَى وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ وفي نسخة وعلم بصيغة الماضي المعلوم وفي أخرى بصيغة المجهول من التعليم عطفا على أوتي وقيل كان يعلم جميع الألسنة إلا أنه لم يكن مأمورا بإظهارها أو أراد أن يكون التكلم بالعربية هو ألسنة لأنه أفضل أنواع اللغة لأن كلام الله عربي ولسان أهل الجنة في الجنة عربي وأصل النبي عربي قيل ومن أسلم فهو عربي ولأنه أيسر اللغات وأضبط للكليات كما يشير إليه قوله سبحانه وتعالى فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ (يخاطب) وفي نسخة فكان يخاطب (كلّ أمّة) أي طائفة (منها) أي من طوائف العرب (بلسانها ويحاورها) بالحاء المهملة أي ويجاوبها (بلغتها) وفي نسخة بلغتها (ويباريها) بالراء والياء أي يعارضها ويروى بدله ويباينها (في منزع بلاغتها) أي مأخذها ومرجع لغتها (حتّى) هي مستأنفة ههنا على ما ذكره الدلجي والأظهر أنها للغاية أي إلى حد (كان كثير من أصحابه) أي من أتباعه وأحبابه (يسألونه في غير موطن) أي في مواطن كثيرة (عن شرح كلامه) أي بيان مرامه (وتفسير قوله) عطف تفسير والأول مختص بالجمل والمركبات والثاني بالمفردات أو الأعم والله أعلم وقد صرح التلمساني بأن الصحابة كانوا يسألون عن كثير من مفردات اللغة نحو حتى تزهى وتزهو وحتى تشقح وسؤالهم عن لفظ الطاعون ونحو ذلك انتهى ثم هذا الذي ذكرناه أمر ظاهر وشأن باهر. (من تأمّل حديثه وسيره) أي أحاديثه في كتب المحدثين والأئمة المجتهدين وأقواله في كتب ارباب السير والمؤرخين وفي نسخة وسبره بالموحدة على أنه فعل ماض أي نظر في صناعة أساليبه وصياغة تراكيبه (علم ذلك) أي تفصيله (وتحقّقه) أي وثبت عنده وزال الريب عنه (وليس كلامه) أي لم يكن تكلمه (مع قريش) أي من أهل مكة (والأنصار) أي من أهل المدينة (وأهل الحجاز ونجد) أي وحواليهما (ككلامه مع ذي المشعار) بكسر ميم وسكون معجمة فمهملة أو معجمة بعدها ألف وراء وهو أبو ثور مالك بن نمط (الهمدانيّ) بميم ساكنة فمهملة نسبة إلى همدان قبيلة من اليمن قدم عليه الصلاة والسلام مرجعه من تبوك
مع كثير من قومه مسلمين فقال هذا وفد همدان ما اسرعها إلى النصر وأصبرها على الجهد وأما همان بفتح الميم مع الذال المعجمة أو المهملة فبلد بعراق العجم قيل هاجر ذو المشعار في زمن عمر رضي الله تعالى عنه إلى الشام ومعه أربعة آلاف عبد فاعتقهم كلهم وانتسبوا إلى همدان (وطهفة) بكسر المهملة وسكون هاء ففاء (النّهديّ) بفتح فسكون قبيلة باليمن قدم عليه السلام بعد فتح مكة كما قال ابن سعد وغيره (وقطن بن حارثة) بقاف ومهملة مفتوحتين وحارثة بالمثلثة (العليميّ) بالتصغير نسبة إلى بني عليم قدم عليه فسأله الدعاء له ولقومه في غيث السماء في حديث فصيح كثير الغريب على ما رواه ابن شهاب عن عروة (والأشعث بن قيس) قدم عليه مع كثير من قومه وعليهم الحبرات قد كففوها بالحرير فقال لهم الم تسلموا قالوا بلى قال فما هذا الحرير في أعناقكم فرموا به ثم ارتد بعد وفاته عليه الصلاة والسلام ثم رجع إلى الإسلام وجيء به إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه أسيرا فعدد عليه فعلاته فلم ينكرها ثم قال با أبا بكر استبقني لحربك وزوجني أختك فزوجه ثم خرج ودخل سوق الإبل فلم يلق ذات أربع تؤكل إلا عقرها ثم قال يا قوم انحروا وكلوا هذه وليمتي ولو كنت في بلدي لأولمت كما يولم مثلي اغدوا علي فخذوا أثمان ما عقرت لكم ثم خرج مع سعد إلى العراق ويشهد معه مشاهد كثيرة في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه وسكن الكوفة إلى أن توفي وشهد معه مشاهد كثيرة في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه وسكن الكوفة إلى أن توفي بها بعد علي بأربعين يوما وصلى عليه الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهم أجمعين (ووائل بن حجر) بضم حاء وسكون جيم فراء واما وائل فيهمز كقائل وقول الحلبي بالمثناة التحتية قبل اللام في غير محله لأنه بناء على ما قبل إعلاله، (الكنديّ) بكسر الكاف قال الدلجي تبعا للمنجاني كذا ههنا ولعله تأخير من تقديم إذ هي نسبة الأشعث ونسبة وائل هي الحضرمي قلت لا يبعد أن يكون كنديا حضرميا ثم رأيت الحلبي صرح بأن وائل بن حجر كان من ملوك حمير الكندي الصحابي شهد مع علي في صفين وكانت معه راية حضر موت بشر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم به قبل قدومه عليه ثم قدم فأسلم فرحب به وأدناه من نفسه وقرب محله وبسط له رداءه وأجلسه عليه ودعا له بالبركة ولولده ولولد ولده وولاه على أقيال حضر موت وأرسل معه معاوية بن أبي سفيان فخرج معه معاوية رجلا ووائل على ناقته راكب فشكا إليه معاوية حر الرمضاء فقال انتعل ظل الناقة فقال معاوية له وما يغني ذلك عني لو جعلتني ردفا فقال له وائل اسكت فلست من ارداف الملوك ثم عاش وائل بن حجر حتى ولي معاوية فدخل عليه فعرفه معاوية واذكره بذلك ورحب به وأجازه لوفوده عليه فأبى من قبول جائزته وقال يأخذه من هو أولى به مني فأنا عنه في غنى (وغيرهم) أي ومع غير المذكورين أيضا (من أقبال حضر موت) بفتح همزة وسكون قاف فتحتية جمع قيل بفتح وسكون وأصله قيل بالتشديد أي المنفذ قوله ويدل عليه أنه يجمع على أقوال بالواو أيضا وقال السهيلي القيالة الإمارة ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في تسبيحه الذي رواه الترمذي
سبحان من لبس العز وقال به أي ملك به وقهر على ما فسره الهروي وهم بلغة حمير صغار الملوك دون الملك الأعظم من ملوك اليمن وحضر موت بسكون الضاد وفتح الباقي وبضم الميم بلد وقبيلة ويقال هذا حضر موت غير مصروف للتركيب والعلمية ويضاف فيقال حضر موت بضم الراء على إعراب الأول بحسب عامله وإعراب الثاني بإعراب ما لا ينصرف وإن شئت تنون الثاني (وملوك اليمن) تعميم بعد تخصيص؛ (وانظر كتابه) أي مكتوبه الذي بعث به ذا المشعار بعد قدومه عليه الصلاة والسلام على ما ذكره أبو عبيدة وغيره (إلى همدان) أوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب من محمد رسول الله لأهل مخلاف خارق ويام وأهل خباب الضب وحقاف الرمل من همدان مع وافدها ذي المشعار مالك بن نمط ومن اسلم من قومه على أن لهم إلى آخره (إنّ لكم) بكسر الهمزة وفتحها وفي أصل الدلجي أن لهم وهو الملائم لما سيأتي من قوله ولهم (فراعها) بكسر الفاء أي ما ارتفع من الأرض (ووهاطها) بكسر الواو جمع وهط بالطاء المهملة وهي المواضع المطمئنة منها (وعزازها) بفتح مهملة فزايين ما خشن وصلب منها وما يكون إلا في أطرافها ومنه قول ابن مسعود للزهري بعد خدمته وملازمته مدة مديدة زاعما أنه بلغ الغاية ووصل النهاية أنك في العزاز في الأطراف من العلم لم تتوسط بعد وفي الحديث نهى عن البول في العزاز أي حذرا عن الرشاش، (تأكلون) بالخطاب أو الغيبة (علافها) بكسر العين جمع علف وهو ما يعتلف منها أو ما تأكله الماشية، (وترعون عفاءها) بفتح مهملة وتخفيف فاء ممدودا وروي بكسر العين وهو ما ليس لأحد فيه ملك ولا أثر من عفا الشيء أي خلص وصفا وفي الحديث أقطعهم من أرض المدينة ما كان عفاء وهو احد ما فسر به قوله تعالى خُذِ الْعَفْوَ، (لنا من دفئهم) بكسر مهملة وسكون فاء فهمز ومنه قوله تعالى لَكُمْ فِيها دِفْءٌ أي ما تستدفئون به من أصوافها وأوبارها وأما في الحديث فهو كناية عن الأنعام وفي المجمل الدفء نتاج الإبل وألبانها والانتفاع بها وقيل هي الغنم ذات الدفء وهو الصوف والأظهر أن يراد به الأنعام وسميت دفئا لأنها يتخذ من أوبارها وأصوافها وأشعارها ما يستدفأ به من الأكسية وغيرها قال الدلجي فصله عما قبله ملتفتا من الغيبة إلى التكلم لشبه انقطاع بينهما إذ ذاك مما خصهم به من أراضيهم وما يخرج منها وهذا مما خص به نفسه أو من معه من مواشيهم أي من إبلهم وغنمهم ضأنا ومعزا وما ينتفع به منها سميت دفئا لأنه يتخذ منها ما يستدفأ به انتهى ولا يخفى أنه ليس ههنا التفات من الغيبة إلى المتكلم بل من خطاب في قوله لكم بناء على الأصول المصححة إلى غيبة في قوله لنا من دفئهم (وصرامهم) بكسر أوله ويفتح جمع صرمة أي من نخيلهم أو من ثمراتهم لأنها تصرم وتقطع (ما سلّموا) بتشديد اللام المفتوحة أي استسلموا لا وأطاعونا (بالميثاق) أي العهد والحلف المؤكدة قيل ولعله اراد الإسلام أي لا تقبل صدقة إلا من مسلم وقيل أراد بالميثاق أنه لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق ولا يفر بزكاته ولا يخفى بعض ماله (والأمانة) أي من دون الخيانة من المالك أو العامل وقيل
المراد بالأمانة الطاعة وقيل هي الأمان ويؤيده ما سيأتي من قوله عليه الصلاة والسلام لنهد من أقر فله الوفاء بالعهد والذمة. (ولهم من الصّدقة) أي من الأموال التي تجب عليهم فيها الصدقة والزكاة (الثّلب) بكسر المثلثة وسكون اللام فموحدة أي الهرم من ذكور الإبل الذي سقطت أسنانه قيل وتناثر هلب ذنبه (والنّاب) أي ولهم الهرمة من إناثها التي طال نابها وهي من أمارات هرمها (والفصيل) وهو ما فصل عن أمه وفطم عنها من أولاد الإبل وقد يطلق على أولاد البقر والمراد صغارها (والفارض) أي المسن من الإبل وقيل من البقر أيضا بديل قوله تعالى لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ ويروى العارض بالعين المهملة وهي المريضة أو المعيوبة (الدّاجن) وفي أصل الدلجي بالعطف وهو الظاهر وهو بكسر الجيم ما يألف البيوت ولا يرسل إلى المرعى وأغرب الأنطاكي في جعله وصفا للفارض أو العارض على اختلاف الروايتين في الداجن اعتبارا للعادة لأن المنقطع عن السوم يعلف في الأهل غالبا (والكبش الحواريّ) بفتحتين وهو كبش يتخذ من جلده نطع فإن جلده أحمر وروى الحواري أي الأبيض والمعنى لا يؤخذ منهم في هذه الأشياء التي خصوا بها وقيل المعنى لا تؤخذ هذه الأشياء منهم إما لنفاستها كالحوري وإما لخساستها كغيره وإنما يؤخذ الوسط العدل (وعليهم فيها) أي في الصدقة (الصّالغ) بكسر لام فمعجمة ما دخل في السنة السادسة من البقر والغنم والسين لغة فيه وفي النهاية لابن الأثير وعليهم الضالع بالضاد المعجمة والعين المهملة فليس بتصحيف كما زعمه المنجاني (والقارح) بالحاء المهملة بعد الراء المكسورة ما دخل من الخيل في خامس سنة. (وقوله) أي وانظر قوله (لنهد) بفتح فسكون أي لأجل قبيلة من اليمين وهو يحتمل أن يكون مشافهة أو مكاتبة فيقال وانظر قوله في كتابه لنهد لا كما قال الدلجي وانظر كتابه صلى الله تعالى عليه وسلم فيما رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة والديلمي في مسند الفردوس (للهمّ بارك لهم في محضها) أي لبنها الذي لم يخالطه ماء ذكره المنجاني والظاهر أن المراد به ما لم يخرج منه زبده حلوا كان أو حامضا وهو بميم مفتوحة فحاء مهملة ساكنة وضاد معجمة ومنه الحديث وذلك محض الإيمان (ومحضها) بالخاء المعجمة أي ما مخض من لبنها وأخذ زبده مصدر بمعنى المفعول والمخض تحريك سقاء اللبن لاستخراج زبده وفيه صنعة التجنيس والتصحيف (ومذقها) أي ما خلط من لبنها بالماء من المذق بالذال المعجمة والقاف بمعنى المزج والخلط وقيل اللبن الرقيق وهو التحقيق وبالله التوفيق (وابعث راعيها) أي ملكها ومربيها وقد يكون مالكها وهي بمنزلة رعيته كما ورد كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته (في الدّثر) بفتح مهملة فسكون مثلثة أي المال الكثير وقيل المراد به هنا الخصب والنبات (وافجر) بضم الجيم ومنه قوله تعالى حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً قرىء بالتشديد والتخفيف في السبعة (له الثّمد) بفتح مثلثة وميم فدال مهملة وقد تسكن ميمه أي الماء القليل الذي لا مادة له والمعنى أجره لهم حتى يصير كثيرا (وبارك لهم في المال) أي الحلال وإلا فبعض المال وبال في المآل ولذا قال صلى الله تعالى عليه
وسلم نعم المال الصالح للرجل الصالح (والولد) أي الصالح وإلا فبعض الولد كمد وكبد وفي بعض النسخ وبارك له بصيغة الإفراد والمتبادر منه أنه راجع إلى الراعي والأظهر أنه خطاب عام لهم على الانفراد الذي هو أتم من الاجتماع فالمعنى بارك لكل منهم في ماله وولده، (من أقام الصّلاة) أي واظب عليها وقام بشرائطها وأركانها (كان مسلما) أي منقادا وأسلم نفسه من التعرض إليها بقتلها وأسرها وقد قيل في الصلاة جميع العبادات من قيام وقراءة وركوع وسجود ودعاء وثناء وصبر وهو حبس النفس والحواس والخواطر وزكاة وهو بذل المال في الماء واللباس وصيام وهو الإمساك عن الأكل والشرب واعتكاف وهو لزوم المكان الواحد لأدائها وحج وهو التوجه للكعبة وجهاد وهو مجاهدة النفس ومحاربة الشيطان وشهادة وهي ذكر الله ورسوله، (ومن آتى الزّكاة) أي أعطاها مستحقيها (كان محسنا) أي في إسلامه أو ببذله إلى إخوانه، (ومن شهد) أي بقلبه وأقر بلسانه (أن) أي أنه (لا إله إلّا الله) أي وأن محمدا رسول الله (كان مخلصا) أي في إيمانه واقتصر على أحد ركنيه لأنهم كانوا عبدة أصنام فقصد به نفي الهية ما سوى الله مع اشتهاره عندهم بأنه رسول الله وايناسه منهم الإيمان به بدليل قدوم كبرائهم عليه مؤمنين فهو من باب الاكتفاء أو لأن هذه الكلمة علم لمجموع الشهادتين بإطلاق البعض وإرادة الكل ولذا ورد من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة وإذا عرفت ذلك فقوله مسلما يراد به المعنى اللغوي فلا يحتاج إلى قوله الدلجي كان مسلما ومؤمنا أيضا إذ مآلهما واحد شرعا وإن اختلفا مفهوما فإن الإسلام هو الانقياد الظاهري والإيمان هو الإذعان الباطني ولا يستغني أحدهما عن الآخر لكن تخصيصه بإقامة الصلاة يوهم أنها وأمثالها جزء الإيمان على ما ذهب إليه المعتزلة فالأولى أن يقال المعنى كان مسلما كاملا وأن الواو في الجمل الشرطية لمجرد الجمعية؛ (لكم يا بني نهد ودائع الشّرك) جمع وديع من قولهم أعطيته وديعا أي عهدا وميثاقا أي أقررتكم على العهود والمواثيق التي كنتم تتعاهدونها مصالحة ومهادنة قبل الإسلام والأظهر أنها جمع وديعة والمراد بها ما استودعوه من أموال الكفار الذين لم يسلموا فأحله لهم لأنه مال كافر قدر عليه بلا عهد وشرط ويؤيده رواية ما لم يكن عهد ولا وعد (ووضائع الملك) بكسر الميم والوضائع جميع وضيعة وهي الوظيفة التي تلزم المسلمين في أملاكهم من صدقة وزكاة والمعنى ولكم الوظائف التي تلزمكم لتجاوزها منكم ولا نزيدها عليكم فصح قوله لكم دون عليكم أو بضم الميم أي ولكم ما وظفه ملوككم في الجاهلية عليكم وما استأثروا به دونكم من مغنم وغيره والمعنى لا نأخذها منكم ثم قول الحلبي بعد الألف مثناة تحتية ليس على ظاهره بل باعتبار أصله وإلا فهو مقلوب بالهمزة كنظائره من الودائع والصحائف، (لا تلطط) كلام مستأنف وهو بضم مثناة فوقية فسكون لام فمهملتين نهي لم يرد به واحدا معينا كما رواه البيهقي بل لكل من يأتي منه توجيه الخطاب وتوجه الكتاب (في الزّكاة) أي لا تمنعها من لط الغريم والط إذا منع الحق أو نهى اراد به جنس المخاطب كما رواه غيره
بصيغة الجمع وكذا قوله (ولا تلحد) وما بعده وهو من الإلحاد أي لا تعدل عن الحق ولا تمل إلى الفساد وظلم العباد في البلاد (في الحياة) أي في مدة حياتك في الدنيا وقيل الفعلان بصيغة النفي مجهولان وروى الزمخشري بالنون فيهما وأغرب التلمساني في قوله أي لا تمسك الزكاة ومنه قوله عليه الصلاة والسلام الطوابيا ذا الجلال والإكرام أي الزموا هذا القول وتمسكوا به انتهى وهو وهم فإن الظوا في الحديث بالظاء المعجمة (ولا تتثاقل) أي لا تتكاسل (عن الصّلاة) . وفي نسخة بصيغة الجمع وفي أخرى بصيغة المجهول والمعنى أدها بالقيام بشرائطها وأركانها (وكتب لهم) قال الحجازي ويروي لكم ويروي عليكم (في الوظيفة الفريضة) بالنصب أي الهرمة المسنة وهي الفارض أيضا والمعنى هي لكم لا تؤخذ منكم في الزكاة كذا قاله الدلجي وغيره وتبعهم الانطاكي إلا أنه قال الفريضة بالرفع على الحكاية ولا يخفى أن هذا الحكم قد استفيد مما سبق مع أنه كان الملائم بسياق الكلام من سباقه ولحاقه أن يقال وكتب لكم في الوظيفة الفريضة بالرفع على أن الجملة المصدرة بقوله لكم هي المكتوب لهم وفي حاشية الحجازي أن الوظيفة هي ما يقدر كل يوم من رزق أو عمل ولا يخفى عدم مناسبته لفحوى الكلام ومقام المرام وقال التلمساني الفريضة بالرفع على الحكاية انتهى وفي رواية عليكم في الوظيفة الفريضة أي عليكم في كل نصاب ما فرض فيه وفي نسخة وكتب لهم في الوظيفة الفريضة بالجر فالمكتوب لهم قوله (ولكم الفارض) بالفاء في أكثر النسخ المعتمدة وقد سبق أنه المسنة من الإبل أو البقر وروي بالعين المهملة وهو الأظهر لئلا يتكرر فتدبر أي ولكم المريضة التي عرض لها آفة من قولهم بنو فلان أكالون للعوارض تعبيرا لهم أي لا يأكلون إلا ما عرض له مرض حذر موته والمعنى لا تؤخذ منكم في الزكاة فهي لكم (والفريش) بفاء مفتوحة ثم شين معجمة أي الحديثة العهد بالتاج كالنفساء من النساء ففي الصحاح هي كل ذات حافر بعد نتاجها لسبعة ايام وقيل ما لا يطيق من الإبل حمل الأثقال ويؤيده قوله تعالى وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً وقد جاء فرش وفريش بمعنى واحد وقيل ما انبسط على الأرض من نبات لا ساق له (وذو العنان) بكسر العين المهملة سير اللجام أي والفرس (الرّكوب) بفتح الراء ورفع الباء وهو الصواب أي الذلول الذي يلجم ويركب بلا كلفة ومشقة لتكرر ركوبه لأن فعول من أوزان المبالغة (والفلوّ) بفتح فاء وضم لام وتشديد واو كعدو وبضم أوله مع التشديد كسمو وقد تكسر فاؤه مع سكون لامه وتخفف واوه كجرو وهو ولد الفرس المسمى بالمهر بالضم إذا كان صغيرا بلغ السنة أو فطم عن الرضاعة لأنه يفلى عن أمه أي يعزل عنها قال التلمساني ويروى الفلو بدون الواو العاطفة انتهى وهو لا يصح (الضّبيس) بفتج معجمة فكسر موحدة فتحتية فمهملة أي الصعب العسر الأخلاق الذي لم يرض وقيد الصفة للغلبة لا للاحتراز إذ غالب أحوال الخيل الصعوبة وأما تخصيص الفلو فللدلالة على أن الخيل فيها الزكاة كما هو مذهب ائمتنا الحنفية والمعنى لا يؤخذ منكم شيء في المذكورات وأما ما روي من أن الله قد عفا لكم عن صدقة الخيل والرقيق فمحمول على
الخيل التي تركب كما أن الرقيق يراد به ما يخدم فالخيل السائمة والرقيق للتجارة فيهما الزكاة، (لا يمنع سرحكم) بصيغة المفعول نفي بمعنى النهي وفصل عما قبله لعدم مناسبة بينهما ويقال سرحت الماشية مخففا وسرحت هي متعد ولازم وإذا رجعت يقال راحت تروح وارحتها أنا ومنه قوله تعالى وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ أي حين تردونها من مرعاها إلى منازلكم وحين تخرجونها إليه ولعل تقديم الإراحة لما فيها من زيادة إفادة الراحة والمعنى لا تمنع ماشيتكم السارحة من مرعى مباح تريده (ولا يعضد) بصيغة المفعول أي لا يقطع (طلحكم) وهو شجر عظام من شجر الغضاة له شوك كالسدر وهو شجر حسن اللون لخضرته أي نضر له أنوار طيبة الرائحة ولكون العرب يستحسنوته لخضرته وحسن لونه وعطره نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن قطع ما ألفوه جبرا لخواطرهم ووعدا لهم ببقاء ما يحبون وهو المراد بقوله تعالى وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وهو في الآية الموز وقيل الطلع وقرئ بالعين (ولا يحبس درّكم) بمهملة مفتوحة فراء مشددة أي لا تمنع ماشيتكم التي هي ذات الدر أي اللبن عن الخروج إلى المرعى لتجتمع بموضع يعدها فيه المصدق لما فيه من الإضرار بها لعدم رعيها وفي رواية لا تحشر دركم أي لا تحشر إلى المصدق ليعدها بل إنما يعدها عند أصحابها وأغرب اليمني في تفسيره الدر هنا بمعنى المطر ولعل وجهه أنه جعل قوله ولا يحبس خبرا مغيا لقوله ما لم تضمروا وأما على ما ذهب عليه الجمهور فمتعلق ما دام مقدر ثم المعنى لكم ما قرر وما عليكم حرر (ما لم تضمروا الرّماق) من الإضمار ضد الإظهار والرماق بالكسر بمعنى النفاق يقال رامقته رماقا نظرت إليه نظر العداوة أو المعنى ما لم تضق قلوبكم عن الحق يقال عيشه رماق أي ضيق قاله ابن الأثير ويروى الإماق بفتح الهمزة وكسرها وأصله إلا معاق فخفف همزه قال في المجمل يقال أمأق الرجل إذا دخل في المأقة وهي الأنفة وفي الحديث ما لم تضمروا الامئاق أي ما لم تضمروا الأنفة انتهى والأنفة التعاظم وقيل هو الغدر وقيل الرمق القطيع من الغنم فارسي معرب فالمعنى لا تخفوا القطيع من الغنم والله أعلم (وتأكلوا الرّباق) بالكسر جمع ربقة بكسر فسكون وهي في الأصل عروة تجعل في حبل يربط بها ما خيف ضياعه من البهم فشبه ما يلزم الاعناق من العهد بالرباق واستعار الأكل لنقض العهد فإن البهيمة إذا أكلت الربقة خلصت من الرباط والمعنى ما لم تنقضوا عهود الإسلام التي الزمها أعناقكم وما لم تخلعوها ومنه حديث حذيفة من فارق الْجَمَاعَةَ قَيْدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ من عنقه قال التلمساني والربقة بكسر وبفتح وفي بعض النسخ الرفاق بالفاء بدل من الباء جمع رفقة أي بحيث لا تقطعون الطرق وتظهرون الحرب إذ كل ذلك يقتضي نقض العهد ونكث البيعة وقد يقع التصحيف في مثل هذا والله أعلم، (من أقرّ) استئناف آخر أي من ثبت واستقر واعترف مذعنا منقادا بالملة (فله الوفاء بالعهد) أي بما عوهد عليه (والذّمّة) أي وبالأمان أو الضمان الحاصل لديه (ومن أبى) أي امتنع من مقتضيات الملة أو تقاعد وتقاصر عن أداء الزكاة والصدقة (فعليه
الرّبوة) بكسر الراء ويجوز ضمه وفتحه أي الزيادة في الفريضة الواجبة عليه عقوبة له وفي رواية من أقر بالجزية فعليه الربوة أي من امتنع من الإسلام هربا من الزكاة كان عليه من الجزية أكثر مما يجب عليه من الزكاة واعلم أنه روى بهز ابن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه كان يقول في كل أربعين بنت لبون من أعطاها مؤتجرا فله أجرها ومن أبى فأنا آخذها وشطر ماله عزة ربنا رواه أبو داود وقال أحمد هو عندي صالح فقيل يأخذ الإمام معها شطر ماله وهو اختيار أبي بكر من الحنابلة وقول قديم للشافعي وعند الجمهور يأخذها من غير زيادة بدليل أن العرب منعت الزكاة ولم ينقل أنه أخذ منهم زيادة عليه وقال الجرمي غلط بهز في هذه الرواية وإنما قال وشطر ماله يعني يجعل شطرين فيستخير عليه المصدق فيأخذ الصدقة من خيار الشطرين عقوبة لمنعه الزكاة وأما ما لا يلزم فلا. (ومن كتابه لوائل بن حجر) أي على ما رواه الطبراني في الصغير والخطابي في الغريب والمعنى من مكتوبه لأجل وائل بن حجر وهو بضم الحاء كما سبق (إلى الأقيال) أي الملوك الصغار لحمير وقيل الذين يخلفون الملوك إذا غابوا جمع قيل مخففا وقيل مشددا وقد تقدم (العباهلة) بفتح عين مهملة فموحدة أي ملوك اليمن الذين أقروا على ملكهم فلم يزالوا عنه والتاء فيه لتأكيد الجمع كما في الملائكة (والأرواع) جمع رائع كالأنصار والاشهاد جمع ناصر وشاهد أو جمع أروع أي الحسان الوجوه والهيئات أو الذين يروعون الناس أي يفزعونهم بجمالهم وحسن حالهم وقيل السادة واحدهم أروع (المشابيب) جمع مشبوب أي الرؤوس السادة الحسان المناظر الزهر الألوان كأنما وجوههم تتلالأ نورا وتلمع سرورا وقيل الرجال الذين ألوانهم بيض وشعورهم سود وقيل الأذكياء وأما قول المنجاني والمشيب دخول الرجل في حد الشيب من الرجال فوهم منه في الخيال لاختلاف المادة في ميزان الأفعال فالصواب ما قاله غيره من أنه من شب من الشباب أو شب النار أوقدها؛ (وفيه) أي وفي كتابه لوائل (في التّيعة) بكسر فوقية وسكون تحتية فمهملة أي في الأربعين من الغنم (شاة لا مقوّرة الألياط) بفتح الواو والراء المشددة من الاقورار بمعنى الاسترخاء في الجلد والالياط بفتح الهمزة جمع ليط بالكسر وهو في الأصل القشر اللائط بعوده أي اللازق به شبه به الجلد لالتزاقه باللحم من الهزال والمعنى لا مسترخية الجلد لهزالها وقيل لا مقطوعة الجلد (ولا ضناك) بكسر المعجمة ثم كاف منونة وقال التلمساني بفتح الضاد وكسرها والنون الخفيفة وجوز المنجاني ضمها يستوى فيه المذكر والمؤنث والتثنية والجمع أي ولا مكثرة اللحم وممتلئة الشحم لكرمها يريد أن هذه الشاة لا سمينة ولا هزيلة بل متوسطة الحال (وأنطوا) بهمزة قطع وضم مهملة لغة يمانية أي وأعطوا في الزكاة (الثّبجة) بفتح مثلثة وكسر موحدة فجيم مفتوحة بعدها تاء أي الشاة الوسطى التي ليست بأدنى ولا أعلى من ثبج كل شيء وسطه والتاء لانتقالها من الاسمية إلى الوصفية قال التلمساني ويروى الشجة بالشين والجيم من شج سار بشدة (وفي السّيوب) بضمتين جمع سيب وهو الركاز (الخمس) بضمتين ويسكن
الميم لأن السبب لغة العطاء والركاز عطاء من الله تعالى وقال الزمخشري هي المعدن أو المال المدفون في الجاهلية لأنه من فضل الله وعطائه لمن أصابه (ومن زنى مم) بسكون الميم الثانية (بكر) بتنوين في الراء خلافا لبعضهم لأنها نكرة عامة في سياق الشرط ثم أبدلت نون من ميم لكثرة استعمالهم ذلك لفظا في مثل من ماء سيما إذا كان بعدها باء كما هنا ونحو منبر وعنبر ولو كان معرفة بلغتهم لقيل ومن زنى من أمبكر كما قال ليس من أمبر أمصيام في أمسفر ومن الجارة تبعيضية أو بيانية مفسرة للاسم المبهم الشرطي وترجمة عنه أي ومن زنى من الإبكار (فاصقعوه) بهمزة وصل وقاف مفتوحة أي اضربوه كما قال له ابن الأثير وأصل الصقع الضرب ببطن الكف وقيل أي فاضربوه على صوقعته أي في وسط رأسه قال التلمساني وعند الشارح فاصفعوه بالفاء عوض القاف أي فاضربوه (مائة) أي مائة ضربة (واستوفضوه) بالفاء والضاد المعجمة أي اطردوه أو أنفوه وغربوه (عاما) أي سنة (ومن زنى مم ثيّب) يجري فيه ما جرى في مم بكر إلا أن هناك القلب الحقيقي لأجل الباء وهنا الإخفاء المتولد من قبل الثاء وقيل القلب فيه للمناسبة والمشاكلة كقولهم ما قدم وحدث بضم دال حدث لمناسبة قدم وقيل هي لغة يمانية كما يبدلون الميم من لام التعريف أي ومن زنى من ذوي الإحصان (فضرّجوه) بمعجمة مفتوحة وتشديد راء مكسورة فجيم أي فارجموه حتى تدموه وتضرجوه أي تلطخوه بدمائه (بالأضاميم) أي برمي الحجارات جمع إضمامة بالضاد المعجمة وهو ما جمع وضم من الحجارة لأن بعضها يضم إلى بضع كالجماعات من الناس والكتب قال التلمساني يريد انه لا يرجم بحجر ههنا وحجر في موضع آخر لأن ذلك تعذيب له ولا في محل فيه حجارة صغيرة أو قليل الحجارة ولا يرجم بحجر في وقت ثم بحجر في وقت آخر وهذا كله يشمله الاضاميم (ولا توصيم) أي لا تواني ولا محاباة (في الدّين) أي في إقامة الحدود لقوله تعالى وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ وقيل التوصيم التكسير والمعنى ولا تقصدوا تكسيره بالحجارة وقيل المعنى لا عيب ولا هوان ولا كسر ولا عار في الدين (ولا غمة) بضم غين معجمة وتشديد ميم أي لا ستر ولا غطاء وفي رواية ولا عمه مهملة فميم مخففة مفتوحتين فهاء أي لا حيرة ولا تردد وفي رواية ولا غمد بكسر معجمة وسكون ميم فدال مهملة أي لا ستر ولا خفاء أو لا تستر ولا الباس (في فرائض الله) بل هي واضحة والمعنى لا تستر فرائض الله ولا تخفى بل تظهر وتجهر بها وقال التلمساني لا غمة بضم الغين المعجمة وبفتحها أي لا ضيق ولا كربة وقيل لا إبهام ولا إلباس ولا سترة أي لا تخفى فرائض الله لأنها من أعلام الإسلام وتاركها يستحق الملام فحقها أن يعلن بها إماطة للتهمة عن تركها بخلاف التطوع فإنه لا يلام بتركه ولا تهمة فيه فحقه أن يخفى (وكلّ مسكر) خمرا كان أو غيره كثيرا أو قليلا على خلاف في الأخير فيما عدا الخمر (حرام) أي شربه وأغرب التلمساني في ذكره قاعدة منطقية بقوله هذه نتيجة وكيفية تركيب المقدمتين هو أن تقول كل مسكر خمر وكل خمر حرام فينتج كل مسكر حرام انتهى ولم يعرف أن الكبرى ممنوعة هنا
(ووائل بن حجر) مبتدأ. (يترفّل) بفاء مشددة أي يتأمر ويترأس (على الأقيال) خبر معناه الإمراء لقوله بعده في آخر كتابه أمره رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فاسمعوه وهو معنى قوله صلى الله تعالى عليه وسلم في الكتاب الآخر وكان وجه إلى المهاجرين أبو أمية مع وائل هذا فكان فيه من محمد رسول الله إلى المهاجر بن أبي أمية أن وائلا يستسعي ويترفل على الأقيال حيث كانوا من حضر موت أي يستمل على الصدقات ويصير اميرا على الأقيال ويفتخر عليهم بكتابه عليه الصلاة والسلام كما قال الشاعر:
إذا نحن أمرنا «1» امرأ ساد قومه
…
وإن لم يكن من قبل ذلك يذكر
ولما كان أبو أمية مشتهرا تركه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على حاله كما يقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وحكى أبو زيد في نوادره عن الأصمعي عن يحيى بن عمر أن قريشا كانت لا تغير الأب في الكنية تجعله مرفوعا في كل وجه من الرفع والجر والنصب والحاصل أنه شبه امارته بالثوب لأنها لتلبسه بها كأنها هو واستعير لها ترفيله وهو إطالته وإسباله فكأنه يرفل فيها أي يجر ذيلها عليهم زهوا وقول التلمساني هنا إلى وائل إلى كاللام وروى بها فليس في محله ولعله فيما تقدم والله تعالى أعلم ثم جملة (أين هذا) أي كلامه هذا مع ما ذكر من الأقيال وكتابه لهم (من كتابه لأنس في الصّدقة المشهور) نعت لكتابه كما رواه أبو داود والترمذي والدارقطني وختمه ولم يدفعه له فدفعه أبو بكر بعد وفاته صلى الله تعالى عليه وسلم له حين وجهه إلى البحرين مصدقا فإن ذا بمحل من جزالة ألفاظ مألوفة وسلاسة تراكيب مأنوسة وذاك بمحل من غلاقة الفاظ غريبة وقلاقة اساليب عجيبة حتى أنها في النطق عسرة بالنسبة إلى غير أهل تلك اللغة وسبب هذا التغاير ما بينه المصنف بقوله (لَمَّا كَانَ كَلَامُ هَؤُلَاءِ عَلَى هَذَا الْحَدِّ) أي هذا المقدار غريبا غير مألوف (وبلاغتهم على هذا النّمط) أي هذا النوع وحشيا غير مأنوس (وأكثر استعمالهم هذه الألفاظ) أي التي هي غير مألوفة لغيرهم وإن كانت مأنوسة لهم وجواب لما قوله (اسْتَعْمَلَهَا مَعَهُمْ لِيُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) أي مما تشابه عليهم من أمر ونهي ونحوهما بنص أو إرشاد أي دال على ذلك كالقياس واستحسان العقل (وليحدّث النّاس بما يعلمون) أي بما يفهمون ويعقلون لا بما لا يدركون فينكرون كما سبق من كلامه وكتابه؛ (وكقوله في حديث عطيّة السّعديّ) أي المنسوب إلى قبيلة بني سعد وهو ابن عروة ويقال ابن عمرو بن عروة على ما رواه الحاكم والبيهقي وصححه عنه قدمنا على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال لي ما أغناك الله فلا تسأل شيئا (فإنّ اليد العليا هي المنطية) أي المعطية (واليد السّفلى هي المنطاة) أي المعطاة وأن مال الله مسؤول ومنطى. (قال) أي عطية (فكلّمنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بلغتنا) أي في الانطاء بمعنى الاعطاء كما قرىء بالنون في قوله تعالى إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ وهذا
(1) في نسخة (رفلنا) .
الحديث في المعنى نحو حديث مالك والشيخين وأبي داود والنسائي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال على المنبر وهو يذكر الصدقة والتعفف عن المسألة اليد العليا خير من اليد السفلى والعليا هي منفقة والسفلى هي سائلة قال أبو داود وقد اختلف عن أيوب عن نافع في هذا الحديث فقال عبد الوارث اليد العليا هي المتعففة وكذا قال واقد عن حماد بن زيد عن أيوب وقال أكثرهم عن حماد هي المنفقة قال الخطابي رواية المتعففة أشبه وأصح في المعنى لأن ابن عمر قال إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ذكر هذا الكلام وهو يذكر الصدقة والتعفف عنها فعطف الكلام على سببه الذي خرج عليه وعلى ما يطابقه في معناه أولى وقد توهم بعضهم أن معنى العليا هو كون يد المعطي مستعلية فوق يد الآخذ من علو الشيء أي فوقه وليس ذلك عندي بالوجه وإنما هو من علو المجد والكرم يريد التعفف عن المسألة والترفع عنها انتهى كلامه وفي غريب الحديث لابن قتيبة زعم قوم أن العليا هي الآخذة والسفلى هي المعطية فقال وما أرى هؤلاء إلا أنهم استطابوا السؤال فأحبوا أن ينصروا مذهبهم ونسبه في المشارق للمتصوفة وأقول لعل وجه قولهم هذا إنه ينبغي للمعطي أن يتواضع لله في حال اعطائه ويجعل يده تحت يد الفقير الآخذ وأن يعلم أن الله تعالى هو الآخذ حقيقة وإن كان هو المعطي أيضا لما ورد من أنه يأخذ الصدقة ويربيها وينميها كما يربي أحدكم فلوه ولقوله تعالى مخاطبا لنبيه عليه الصلاة والسلام خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ولأن الآخذ هو سبب المراتب العالية للمعطي فلو لم يأخذ أحد ذلك لم يحصل له الثواب والله أعلم بالصواب ثم هنا دقيقة أخرى بالتقحيق أحرى وهي أنه إذا كانت اليد العليا خيرا من اليد السفلى واليد العليا هي المعطية فيشكل بما اجتمعت عليه السادة الصوفية وجمهور القادة الفقهية من أن الفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر فالجواب على ما ذكره بعض المحققين أن هذا الحديث بعينه يدل على المدعي فإن المعطي لم تحصل له المرتبة العليا إلا بإخراج شيء من الدنيا والآخذ لم يتسفل عن مرتبته القصوى إلا بأخذ شيء منها والحاصل أن الأول قول ظاهري حسي للفقهاء والثاني قول باطني معنوي للأولياء والجامع بينهما هو المحقق والله هو الموفق وقيل إن تفسير اليد العليا بالمعطية والسفلى بالسائلة مدرج في الحديث وقيل معنى المتعففة المنقبضة عن الآخذ وروي عن الحسن البصري أنه قال معنى الحديث يد المعطي خير من اليد المانعة. (وقوله) أي وكقوله على ما ذكره أبو نعيم في دلائله (في حديث العامريّ) أي مخاطبا له بلغته (حين سأله) أي العامري (فقال له النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم سل عنك أي سلّ عمّا شئت) أي عما شئت كما في نسخة ويجوز سل عن أمرك وشأنك (وهي) وفي نسخة وهو (لغة بني عامر وأمّا كلامه المعتاد) أي المأنوس لجميع العباد (وفصاحته المعلومة) أي لسائر البلاد (وجوامع كلمه) أي لمعان كثيرة بألفاظ يسيرة (وحكمه) جمع حكمة (المأثورة) أي المروية عنه الدالة على اتقان علمه وإحكام عمله (فقد ألّف النّاس فيها الدّاواوين) جمع ديوان بكسر داله وقد تفتح وهو فارسي معرب وأصله ذو وإن اعل إعلال دينار وجمعه دنانير وقد سبق الكلام فيه والأظهر
مما قالوا في وجه التسمية إن الديوان بالفارسية اسم للشياطين فسمي الكتاب من الحساب باسمهم لحذقهم بالأمور ووقوفهم على الحلبي والخفي وجمعهم لما شذ وتفرق وقد يسمى مكانهم باسمهم وأول من وضعه في الإسلام عمر رضي الله تعالى عنه لحفظ ما يتعلق بالناس والمراد هنا الكتب المؤلفة من الجوامع والمسانيد وأمثال ذلك (وجمعت في ألفاظها ومعانيها الكتب) أي في بيان غرائبها وجمعت بصيغة المجهول وكان الأولى أن يقال وجمعوا في مبانيها ومعانيها الكتب؛ (ومنها) أي ومن جوامع كلمه وحكمه (ما لا يوازى) بهمز أبدل واوا من آزيته بمعنى حاذيته وهو بإزائه أي بحذائه ولا تقل وأزيته على ما في الصحاح وهو بصيغة المجهول أي لا يماثل ولا يقابل (فصاحة) تمييز للنسبة أي من جهة الفصاحة (ولا يبارى) أي ولا يعارض ولا يساوى (بلاغة كقوله) على ما رواه أبو داود والنسائي: (المسلمون تتكافأ) بالهمز في آخره وفي نسخة بحذف إحدى التاءين أي تتماثل وتتساوى (دماؤهم) أي في العصمة والحرمة خلاف ما في الجاهلية فكل مسلم شريفا أو وضيعا كبيرا أو صغيرا حرا أو عبدا في ذلك سواء أو في القصاص والدية فيقاد الشريف بالوضيع والكبير بالصغير والعالم بالجاهل والذكر بالأنثى وكذا حكم الدية إلا أنه يخص منه العبد إذ لا يكافىء حرا في بعض الصور على خلاف في المسألة (ويسعى بذمّتهم) أي بعهدهم وأمانهم (أدناهم) أي أقلهم منزلة كعبد وامرأة فإنه إذا أعطى أحدهما أمانا لأحد أو لجيش فليس لأحد منا إخفاره أي نقض أمانه لحديث البخاري ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولحديث الترمذي أن المرأة لتأخذ على القوم أي تجير على المسلمين ولحديث أبي داود إن كانت المرأة لتجير على المؤمنين ومنه حديث ذمة المسلمين واحدة (وهم) أي المسلمون (يد) أي قوة (على من سواهم) أو جماعة يتعاونون على أعدائهم من أهل الملل لا يخذل بعضهم بعضا أو هم مع كثرتهم قد جمعتهم أخوة الإسلام وجعلتهم في وجب الاتفاق بينهم تعاونا وتعاضدا على من آذاهم وعاداهم كيد واحدة فيجب أن ينصر كل أخاه على من آذاه فهو تشبيه بليغ (وقوله) أي كقوله فيما رواه ابن لال في مكارم الأخلاق (النّاس) أي في تساوي إجراء الأحكام عليهم (كأسنان المشط) بضم الميم وتكسر وقد تفتح وتضم أو تكسر وتفتح شينه وهو مثل في التساوي وهو قريب من قوله تتكافأ دماؤهم وقيل في تساوي الاخلاق والطباع وتقاربها ويؤيده ما جاء في رواية أخرى الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على عجمي ولا فضل لعجمي على عربي وإنما الفضل بالتقوى.
(والمرء) أي كقوله فيما رواه الشيخان المرء (مع من أحبّ) أي في كل موطن خير أو في المحشر أو في الجنة فيه إيماء إلى أن الله يتفضل على من أحب قوما بأن يلحقه بهم في منازلهم وإن لم يكن له مثل أعمالهم وقيل شرطه اتباع عمل محبوبه وإلا فلا فائدة لهذه المحبة والأظهر أنه شرط للكمال وأنه يكفي في إثبات المحبة مجرد التوحيد وثبوت النبوة لما في صحيح مسلم أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف
ترى رجلا أحب قوما ولما يلحق بهم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم المرء مع أحب (ولا خير) أي وكقوله فيما رواه ابن عدي في كامله بسند ضعيف المرء على دين خليله وَلَا خَيْرَ (فِي صُحْبَةِ مَنْ لَا يَرَى لك) أي من الحق مثل (ما ترى له) أي مثله اغترارا بماله من كثرة المال وسعة الجاه فيتكبر مع جهله على العلماء والصلحاء والفقراء المتواضعين له وروي يرى بالياء والتاء للفاعل والمفعول على ما ذكره التلمساني والظاهر بناء الفاعل على الخطاب بل هو الصواب هذا وروي لا خَيْرَ فِي صُحْبَةِ مَنْ لَا يَرَى لَكَ مثل ما يرى لنفسه فيؤول معناه إلى حديث لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. (والنّاس معادن) أي وكقوله على ما رواه الشيخان الناس معادن أي لمكارم الأخلاق كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا بضم القاف أي مارسوا الفقه وضموا الحسب إلى النسب وجمعوا بين الشرع والطبع في الطلب وحكي بكسر القاف وهو متعين إذا كان الفقه بمعنى الفهم وحاصله أن الناس مختلفون بحسب الطباع كالمعادن وأنهم من الأرض كما أن المعادن منها وفيها الطيب والخبيث فإن منها ما يستعد للذهب الابريز ومنها ما يستعد للفضة ومنها ما يستعد لغير ذلك ومنا ما يحصل منه بكد وتعب كثير شيء يسير ومنها ما هو بعكس ذلك ومنها ما لا يحصل منه شيء أصلا فكذلك بنو آدم منهم من لا يعي ولا يفقه ومنهم من يحصل له علم قليل بسعي طويل ومنهم من أمره عكس ذلك ومنهم من يفاض عليه من حيث لا يحتسب كما هو معلوم في كثير من الأولياء والصالحين والعلماء العاملين وروي معادن في الخير والشر كالذهب والفضة (وما هلك امرؤ عرف قدره) رواه السمعاني في تاريخه بسند فيه مجهول ويقرب منه ما روي عن علي رضي الله عنه ما ضاع امرؤ عرف قدره لأن الضائع بمنزلة الهالك. (والمستشار مؤتمن) أي على ما استشير فيه استظهار برأيه والحديث رواه الأربعة والحاكم والترمذي ايضا في الشمائل في قضية أبي الهيثم وفي بعض الروايات زيد فيه (وهو بالخيار ما لم يتكلّم) وفي رواية احمد وهو بالخيار إن شاء تكلم وإن شاء سكت فإن تكلم فليجتهد رأيه قال الدلجي وهما شاهدا صدق بأن الإشارة به بمجرد الاستشارة غير واجبة انتهى والأظهر أن المراد به أنه إن لم يكن له رأي يسكت وإلا فيتكلم ويظهر رأيه لأن الدين النصيحة وفي الإخفاء نوع من الخيانة المنافية للأمانة وعن عائشة رضي الله تعالى عنها المستشير معان والمستشار مؤتمن وعن علي كرم الله وجهه إذا استشير أحدكم فليشر بما هو صانع لنفسه (ورحم الله عبدا قال خيرا فغنم) أي بقوله الخير (أو سكت) أي عما لا خير فيه (فسلم) أي عن الشر بسكوته رواه أبو الشيخ في الثواب والديلمي ومنهم من فضل السكوت لأنه اسلم للنفس وآمن من سوء العاقبة ومنهم من فضل الكلام لوجود الغنيمة والأولى أن يقال لكل مقام مقال على أن الأظهر هو الأول لقوله عليه الصلاة والسلام من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت. (أسلم) بحذف العاطف وفي نسخة صحيحة وقوله أسلم وهو أمر بالإسلام جوابه (تسلم) بفتح اللام من السلامة وهذا القدر من الحديث متفق
عليه بين الشيخين في كتابه عليه الصلاة والسلام لهرقل ولمسلم زيادة (وأسلم يؤتك الله أجرك مرّتين) وللبخاري في الجهاد اسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين أي إن تسلم يعطك الله أجرك مرتين مرة لإيمانه بعيسى عليه الصلاة والسلام ومرة لإيمانه بمحمد عليه الصلاة والسلام وهذا الحديث مع إيجازه جامع لمراتب الإسلام وما يترتب عليه من أنواع السلامة في الدنيا والآخرة مع المناسبة اللفظية في العبارة الزاخرة (وإنّ أحبّكم) أي وقوله فيما رواه الترمذي أن أحبكم (إليّ) أي في الدنيا والعقبى (وأقربكم منّي مجالس) لعل وجه الجمع اعتبار الأنواع (يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا) جمع أحسن والمراد بالأخلاق الشمائل والأحوال واستدل بهذا الحديث على أن أفعل التفضيل إذا أضيف إلى معرفة جاز أن يطابق موصوفه وأن لا يطابقه لأنه عليه السلام أفرد أحب وأقرب وجمع أحاسن ففيه جمع بين اللغتين وتفنن في العبارتين (الموطّئون) بصيغة المفعول من التوطئة أي المذللون (أكنافا) جمع كنف بكسر وبفتح وهو الجانب أي الذين جوانبهم وطيئة يتمكن منها من يصاحبهم ولا يتأذى منهم مأخوذ من فراش وطيء لا يؤذي جنب النائم والمراد منهم المتواضعون اللينون الهينون كما ورد في أوصاف المؤمنين (الذين يألفون) بفتح اللام (ويؤلفون) بصيغة المجهول أي يألفون الناس والناس يألفونهم وذلك لحسن أخلاقهم وسهولة طباعهم وضياء قلوبهم وصفاء صدورهم وروي في الحديث وأن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجالس يوم القيامة الثرثارون المتشدقون المتفيهقون وروي أبغضكم إلي المشاؤون بالنميمة المفرقون للأحبة الملتمسون للبرآء العيب. (وقوله) أي وكقوله فيما رواه البيهقي في شعبه أصيب رجل يوم أحد فقالت أمه لتهنئك الشهادة فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ما يدريك (لعلّه كان يتكلّم بما لا يعنيه) بفتح أوله وسكون المهملة وكسر النون أي بما لا يهمه من أمر دنياه وعقباه (ويبخل) لعل الواو بمعنى أو (بما لا يغنيه) . بضم أوله وسكون المعجمة أي من أقوال وأفعال وطلب رياسة وحب محمدة وأمثال ذلك مما يجلب له شرا ولا يذهب عنه ضرا وقد قال الحسن من علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه وفي رواية للبيهقي كما رواه الترمذي أن رجلا توفي وقالوا أبشر بالجنة فقال فلعله قد تكلم بما لا يعنيه أو بخل بما لا ينقصه قال الترمذي وهذا هو المحفوظ أقول لكن لا يخفى حسن صنعة التجنيس بين يعنيه ويغنيه في الحديث الأول (وقوله) أي وكقوله فيما رواه الشيخان (ذو الوجهين) أي الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه بمعنى أنه يأتي كلا بما يجب من خير أو شر وهذه هي المداهنة المحرمة وقيل هو الذي يظهر لكل طائفة وجها يرضيها به ويوهمها أنه عدو للأخرى ويبدي لها مساويها (لا يكون عند الله وجيها) أي ذا قدر ومنزلة لما يتفرع عليه من الفساد بين العباد بخلاف المصلح بين الناس في البلاد وأصل الوجيه هو المستقبل بالخير والتعظيم وذلك كناية عن المحبة لأن من أحب أحدا يديم النظر إلى وجهه ويستقبله بالتكريم وفي رواية الطبراني عن ابن سعيد ذو الوجهين في الدنيا يأتي يوم القيامة له وجهان من نار. (ونهيه) أي وكنهيه
فيما رواه الشيخان (عن قيل وقال) بفتح لامهما وخفضهما منونا أي عن فضول ما يتحدث به في المجالس من قولهم قيل كذا وقال كذا ويجوز بناؤهما على أنهما ماضيان في كل منهما ضمير راجع إلى مقدر وهو الأشهر الأكثر بناء على الحكاية ويجوز إعرابهما إجراء لهما مجرى الأسماء ولا ضمير فيهما وعن أبي عبيد أنهما مصدران تقول قلت قولا وقيلا وقالا وقد قرئ قال الحق بدل قول الحق والمراد النهي عن نقل أقوال الناس مما لا فائدة فيه وقيل المراد النهي عن كثرة الكلام ابتداء وجوابا مما يوقع في الخطأ وما لا يجدي نفعا فيرجع إلى حديث كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع ونسب للشافعي:
لقاء الناس ليس يفيد شيئا
…
سوى الهذيان من قيل وقال
فأقلل من لقاء الناس إلا
…
لأخذ العلم أو إصلاح حال
(وكثرة السّؤال) أي عما بأيدي الناس بأن يسأل الناس أموالهم أو عن أخبارهم مما لا فائدة فيه من التجسس وقيل النهي عن الأغلوطات وفي كثرة السؤال دليل جواز القلة وشرطه الحاجة ولله در القائل:
بلوت مرارة الأشياء طعما
…
فلا شيء امر من السؤال
وقيل السؤال عن المتشابهات وقيل كثرة سؤال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ما لم ينزل ولم تدع الحاجة إليه ومنه قوله تعالى لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ومنه حديث وسكت عن أشياء غير نسيان فلا تبحثوا عنها والكثرة بالفتح وتكسر (وإضاعة المال) أي بصرفه في غير مرضاة الله عز وجل ويدخل في الاسراف في النفقة والبناء والملبوس والمفروش وأمثال ذلك وقيل إهماله وترك القيام عليه وقيل دفعه إلى السفهاء وقيل عدم صرفه في موضعه اللائق به كما قيل:
وما ضاع مال أورث المجد أهله
…
ولكن أموال البخيل تضيغ
(ومنع) بالجر منونا وفي نسخة بفتح العين (وهات) بالكسر وفي نسخة بالفتح ويروى على بناء الماضي أي منع ما يجب عليه اعطاؤه وطلب ما ليس به (وعقوق الأمّهات) أي والآباء فهو من باب الاكتفاء أو لأن أكثر العقوق يقع بهن لضعفهن ورحمهن ولأنهن ما كان عند العرب كثير حرمة لهن أو للإيماء بأن عصيانهن اقبح لأنهن أكثر محبة وأشد شفقة لقوله تعالى وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ الآية ولما ورد من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم لما قيل له من أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول الله قال أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك (ووأد البنات) بهمزه ساكنة وتبدل أي دفنهن حيات أنفة وغيرة ومنهم من وأد تخفيفا لمؤنتهن وخشية الإملاق بهن ولذا خصهن بالذكر وإلا فالوأد حرام وكثر ذلك الفعل بهن ومنه حديث العزل الوأد الخفي ومع هذا جاء في الحديث أن دفن البنات من المكرمات ونعم الصهر القبر وروي عن ابن عباس رضي الله
تعالى عنهما مرفوعا للمرأة ستران قيل وما هما قال الزوج والقبر قيل فأيهما استر قال القبر.
(وقوله) أي وكقوله فيما رواه أحمد والترمذي والحاكم والبيهقي عن أبي ذر (اتّق الله حيثما كنت) وفي الأصول من كتب الحديث حيثما كنت وكذا في أصل الدلجي ولذا قال وما زائدة بشهادة رواية حذفها والمعنى اتق الله باكتساب أوامره واجتناب زواجره في كل مكان وزمان فإنه معك أينما كنت وحيثما كنت والخطاب لرواية من صحابته أو عام لكل فرد من أفراد أمته (وأتبع) بفتح الهمزة وكسر الموحدة أي أعقب والحق (السّيّئة) أي الصادرة منك (الحسنة) أي من صلاة أو صدقة ونحوهما وروي بحسنة (تمحها) بفتح أوله وضم الحاء مجزوما بجواب الأمر وهو مقتبس من قوله تعالى إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ وقيل المعنى بالحسنة بالحديث التوبة ثم المراد بمحوها إزالتها حقيقة بعد كتابتها أو محوها كناية عن عدم المؤاخذة بها والظاهر أن جنس الحسنة يمحو جنس السيئة فلا ينافي ما ورد من أن الحسنة تمحو عشر سيئات وخص من عمومها السيئة المتعلقة بالعبد كالغيبة فلا يمحوها إلا الاستحلال ولو بعد التوبة نعم قبل وصولها إليه ترفع بالحسنة لحديث إذا اغتاب أحدكم من خلفه فليستغفر له فإن ذلك كفارة له وقيل تمحها بحسنة يضاد أثرها أثر السيئة التي ارتكبها فسماع الملاهي يكفر بسماع القرآن ومجالس الذكر وشرب الخمر يكفر بتصدق شراب حلال ونحو ذلك فإن المعالجة بالأضداد (وخالق النّاس) أي خالطهم وعاشرهم (بخلق حسن) أي بطلاقة وجه وكف أذى وبما تحب أن يعاملوك به فإن الموافقة مؤنسة والمخالفة موحشة. (وخير الأمور أوسطها) هذا حديث مستقل رواه ابن السمعاني في تاريخه أي المتوسطة بين الإفراط والتفريط في الأخلاق كالكرم بين التبذير والبخل والشجاعة بين التهور والجبن وفي الأحوال كالاعتدال بين الخوف والرجاء والقبض والبسط وفي الاعتقاد بين التشبيه والتعطيل وبين القدر والجبر وفي المثل الجاهل إما مفرط إما مفرط وفي التنزيل وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا والحاصل أن الإنسان مأمور أن يجتنب كل وصف مذموم بالبعد عنه وأبعد الجهات والمقادير من كل طرفين وسطهما فإذا كان في الوسط فقد بعد عن الاطراف المذمومة ولعل هذا معنى قولهم كن وسطا وامش جانبا.
(وقوله) أي وكقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (أحبب) من أحبه فإن حببته أحبه بالكسر شاذ وقوله (حبيبك) بمعنى محبوبك والمعنى أحبب الذي تحبه مما سوى الله ورسوله (هونا ما) ما زائدة للمبالغة في القلة أي حبا يسيرا ولا تسرف في حبه ولا تبالغ في تعلق القلب به كثيرا فإنه (عسى أن يكون) أي يصير وينقلب (بغيضك) أي مبغوضك (يوما ما) . أي حينا من الأحيان وتتمته وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما إذ ربما انقلب ذلك الحب بتغير الأحوال بغضا فتندم عليه إذا أبغضته أو انقلب البغض حبا فتستحي منه إذا أحببته ويقرب من هذا الكلام قول عمر
رضي الله تعالى عنه لا يكن حبك كلفا ولا بغضك تلفا وفي معنى هذا الحديث أنشد أبو عمرو بن عبد البر في بهجة المجالس:
وأحبب إذا أحببت حبا مقاربا
…
فإنك لا تدري متى أنت نازع
وأبغض إذا أبغضت بغضا مقاربا
…
فإنك لا تدري متى أنت راجع
والمقارب المقتصد (وقوله) أي وكقوله فيما رواه الشيخان (الظّلم) أي على النفس أو على الغير (ظلمات) بضم الظاء واللام وقال التلمساني ويفتح ويضم الثاني أي أنواع الظلم القاصر او المتعدي ظلمات حسية على أصحابه فلا يهتدون بسببه إلى الخلاص (يوم القيامة) أي في يوم يسعى نور المؤمنين الكاملين بين أيديهم وبإيمانهم بسبب إيمانهم وإحسانهم ويحتمل أن يراد بها الشدائد كما في قوله تعالى قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (وقوله) أي وكقوله فيما رواه الترمذي وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (في بعض دعائه) أي في بعض دعواته لما فرغ من صلاته ليلة الجمعة (اللهمّ إنّي أسألك رحمة من عندك) أي من فضلك وكرمك لا بمقابلة عمل من عندي الحديث كذا في أصل الترمذي وليس في بعض النسخ لفظ من عندك (تهدي بها قلبي) أي تدله إليك وتقربه لديك (وتجمع بها أمري) أي حالي عليك (وتلمّ) بضم اللام وتشديد الميم (بها شعثي) بفتحتين أي تجمع لها تفرق خاطري وتضم بها تشتت أمري بمقام جمعي وحضوري (وتصلح بها غائبي) أي قلبي أو باطني بالأخلاق الرضية والأحوال العلية (وترفع بها شاهدي) أي قالبي أو ظاهري الأعمال البهية والهيئات السنية أو يراد بهما اتباعه الغائبون والحاضرون (وتزكّي بها عملي) أي تزيد ثوابه وتنميه أو تظهره وتنزهه عن شوائب الرياء والسمعة وسائر ما ينافيه (وتلهمني بها رشدي) أي صلاح حالي في حالي ومآلي (وتردّ) أي تجمع (بها ألفتي) بضم الهمزة اسم من الائتلاف وأما الإلفة بالكسر فالمرأة تألفها وتألفك وألفه كعلمه ألفا بالكسر والفتح على ما في القاموس فقول الدلجي بضم الهمزة وكسرها مصدر بمعنى المفعول ليس في محله والمراد بها الألفة في العبادة أو حسن الصحبة مع ارباب السعادة ومنه حديث المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف على ما رواه الدارقطني عن جابر مرفوعا ومنه قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (وتعصمني) أي تحفظني وتمنعني (بها من كلّ سوء) أي تصرفني عنه وتصرفه عني وهو بضم السين وقد تفتح الضرر الحسي والمعنوي (اللهمّ إنّي أسألك الفوز) أي النجاة (في القضاء) أي فيما قضيته وقدرته علي من البلاء وفي نسخة عند القضاء أي حين حلول القضاء وضيق الفضاء بتوفيق الرضى وروى المنجاني في العطاء ثم قال ويروى في القضاء كما ذكره المصنف في الشفاء (ونزل الشّهداء) بضمتين وتسكن الزاي وأصله ما يعد للضيف أول نزوله والمراد هنا جزيل الثواب وجميل المآب وقيل النزل بمعنى المنزل ويؤيده رواية ومنازل الشهداء (وعيش السّعداء) أي الحياة الطيبة المقرونة
بالطاعة والقناعة من غير التعب والعناء وفي رواية زيادة ومرافقة الأنبياء (والنّصر على الأعداء) أي من النفس والشياطين وسائر الكافرين والحديث طويل كما ذكره بعض الشراح وفي هذا الحديث دليل واضح على أن السجع في الدعاء إنما يكون مكروها على ما ذكره ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وغيره إذا كان عن تكلف وتعسف يمنعه عن حسن الثناء ويشغله عن حضور القلب عن الدعاء ثم هذه الروايات من الكلمات الجامعات منضمة (إلى ما روته الكافّة عن الكافة) أي جميع الرواة عن الثقات وحكي عن سيبويه أنه لا يجوز استعمال كافة معرفا بل نكرة منصوبة على الحالية كقاطبة (من مقاماته) بيان لما والمعنى من مقالاته في اختلاف مقاماته وحالاته ومجالس وعظه ودلالاته (ومحاضراته) أي في محاوراته (وخطبه) أي في جمعه وجماعاته (وأدعيته) أي وقت مناجاته (ومخاطباته) أي في مجاوباته (وعهوده) أي في مبايعاته (ممّا لا خلاف) أي بين العلماء الأنام (أنّه) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (نزل) فعل ماض وقد وهم اليمني في ضبطه بضم النون والزاي منونا وذكر معانيه التي هي غير ملائمة للمقام فالمعنى أنه تنزله وحل ووصل (من ذلك) أي مما ذكر من علو المقام (مرتبة) بقاف فموحدة أي موضعا مشرفا كما في الصحاح وفي نسخة بقاف فألف وكلتاهما بمعنى مرتبة كما في نسخة وقال اليمني هي الصواب والحاصل أن النسخ كلها بمعنى درجة عالية (لا يقاس) أي عليه (بها غيره) فأين الثريا من يد المتناول في الثرى ولا يقاس الملوك بالحدادين في السلوك (وجاز) بالحاء والزاي أي ضم وجمع (فيها سبقا) بفتح فسكون مصدر سبق وهو التقدم في السير ويستعار لإحراز الفضل والخير وبفتحهما ما يجعل من المال رهنا في المسابقة وأغرب الحلبي من بين الشراح في قوله إنه يتعين ههنا فتح الباء (لا يقدر قدره) بصيغة المجهول أي لا تعرف عظمة شأنه ورفعة برهانه (وقد جمعت) بصيغة المتكلم في أكثر النسخ وضبطه الدلجي بتاء تأنيث ساكنة مبنيا للمفعول (من كلماته) من تبعيضية أو زائدة وأنت الضمير نظرا إلى الكلمات كذا ذكره الدلجي والظاهر كون من تبعيضية لقلة وجودها زائدة في الكلام الموجب مع أن كلماته لا تستقصي في مقام الرواية والمفعول أو نائب الفاعل قوله (الّتي لم يسبق إليها) بصيغة المجهول أي ما سبقه واحد إلى تلك الكلمات البالغة لإصابتها نهاية البلاغة وغاية الفصاحة (ولا قدر أحد أن يفرغ) من الإفراغ أي (في قالبه) بفتح اللام وتكسر ففي القاموس القالب كالمثال يفرغ فيه الجواهر وفتح لامه أكثر والمعنى لم يقدر أحد أن يكسب جواهر المعاني في قوالب زواهر المباني (عليها) أي على نهج تلك الكلمات التي ليس لها مناني (كقوله) أي يوم حنين على ما رواه مسلم والبيهقي الآن (حمي الوطيس) بفتح الحاء وكسر الميم أي اشتد الحرب والوطيس في الأصل التنور شبه به الحرب لاشتعال نارها وشدة إيقادها فاستعار لها اسمه في إيرادها استعارة تحقيقية لتحقق معناها حسا وقرنها بقوله حمى ترشيحا للمجاز وقيل هو الوطئ الذي يطس الناس أي يدقهم وقال الأصمعي هو حجارة مدورة إذا حميت لم يقدر أحد
على وطئها عبر به عليه الصلاة والسلام عن اشتباك الحرب وقيامها على ساق فهو كلام في غاية الإيجاز ومما يشبه الألغاز وكاد أن يكون من باب الاعجاز (ومات حتف أنفه) أي كقوله فيما رواه البيهقي في شعب الإيمان ولفظه من مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله يعني إذا خرج مجاهدا في سبيل الله والمعنى مات بلا مباشرة قتل ولا ضرب ولا غرق ولا حرق وخص الأنف لأنه أراد أن روحه تخرج من أنفه بتتابع نفسه أو لأنهم كانوا يتخيلون أن المريض تخرج روحه من أنفه والجريح من جراحته (ولا يلدغ المؤمن من جحر) بضم جيم فسكون حاء (مرّتين) أي كما رواه البخاري وغيره وروي لا يلسع وهو إما خبر فمعناه أن المؤمن الفطن هو اليقظ الحازم الحافظ الذي لا يؤتى من جهة الغفلة فيخدع وهو لا يشعر مرة بعد مرة وأما نهي فمعناه لا يخدعن المؤمن من باب واحد من وجه واحد مرة بعد أخرى فيقع في مكروه بل فليكن حذرا يقظا في أمر دنياه وأخراه وسبب الحديث أن أبا عزة الجمحي أسر ببدر فمن عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على أن لا يهجوه ولا يحرض عليه فغدر ثم أسر بأحد فقال يا رسول الله غلبت أقلني فقال لا أدعك تمسح عارضيك بمكة تقول خدعت محمدا مرتين وأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين ثم أمر بضرب عنقه (والسّعيد من وعظ) بصيغة المجهول أي أتعظ (بغيره) كما رواه الديلمي وروي تمامه والشقي من وعظ به غيره (في أخواتها) أي أشباه هذه الكلمات والمعنى أنها جمعت معها كالأعمال بالنيات والمجالس بالأمانات والحرب خدعة وأمثالها من الكلما الجامعات منها كل الصيد في جوف الفرا أي الحمار الوحشي قاله لأبي السبيعي لما أسلم أي اجتمع كمال خصال الناس فيه وإياكم وخضراء الدمن ولا يجني على المرء إلا يده والبلاء مؤكل بالمنطق وترك الشر صدقة وسيد القوم خادمهم والخيل في نواصيها الخير وإن من الشعر لحكمة ونية المؤمن خير من عمله والدال على الخير كفاعله ونعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ والندم توبة ونحو ذلك (مما يدرك النّاظر العجب) أي مما يتصوره وفي نسخة بنصف الناظر ورفع العجب فالمعنى مما يلحقه العجب إذا نظر (في مضمّنها) بفتح الميم المشددة وفي نسخة من ضمنها أي مضمونها وما يتضمنها من المعاني البديعة في المباني المنيعة (ويذهب به) أي ومما يذهب بالناظر (الفكر في أداني حكمها) بكسر ففتح جمع حكمة والمعنى فيتعجب بتأمله في فهمها باعتبار أدانيها فما ظنك بأقاصيها (وقد قال له أصحابه) أي كما رواه البيهقي في شعب الإيمان. (ما رأينا الذي هو أفصح منك) الجملة من المبتدأ والخبر صلة الموصول وهو عائد الموصول لا ضمير أفصح كما توهم الدلجي فإن ضميره راجع إلى المبتدأ كما لا يخفى على المبتدي (فقال وما يمنعني) أي من أن أكون أفصح (وإنّما أنزل القرآن) أي الذي هو في غاية البلاغة ونهاية الفصاحة مع إيجاز المباني وحسن البيان والمعاني (بلساني لسان عربي مبين) أي واضح او موضح ولسان بدل أو بيان. (وقال مرّة أخرى) أي كما رواه اصحاب الغرائب
ولم يعرف له سند (أنا أفصح العرب بيد) أي غير (أنّي) أو على أني (من قريش) فيكون من باب المدح بما يشبه الذم كقول القائل:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
…
بهن فلول من قراع الكتائب
ومنه قول النابغة:
فتى كملت أخلاقه غير أنه
…
جواد فما يبقى من المال باقيا
وفي مشارق الأنوار للمصنف أن بيد بمعنى لأجل وفي المعنى هنا بمعنى من أجل أني من قريش (ونشأت) أي تربيت وفي رواية ارضعت (في بني سعد) أي وهما طائفتان فصيحتان من العرب العرباء وفيهم البلغاء من الشعراء والخطباء وللطبراني أنا أعرب العرب ولدت في قريش ونشأت في بني سعد فأنى يأتيني اللحن وأما حديث أنا أفصح من نطق بالضاد بيد اني من قريش فنقله الحلبي عن ابن هشام لكن لا أصل له كما صرح به جماعة من الحفاظ وأن كان معناه صحيحا والله أعلم وأغرب التلمساني في قوله وتكسر همزة إني على الابتداء وقال روى الحديث محمد بن إبراهيم الثقفي عن أبيه عن جده (فجمع له) بصيغة المجهول أي فاجتمع له الجمع الله له (بذلك) أي بسبب ما ذكر من أصالة قريش وحضانة بني سعد (صلى الله تعالى عليه وسلم) كان محله بعدله (قوّة عارضة البادية) أي حلاوة كلام أهل البادية (وجزالتها) بالرفع وهو ضد الركاكة (ونصاعة ألفاظ الحاضرة) أي وخلوص ألفاظ أهل الحضور في القرى من شوائب خلط الخلطة بغيرهم، (ورونق كلامها) أي وحسن تعبير أهل الحاضرة المفهومة للعامة والخاصة حال كون ذلك كله منضما (إلى التّأييد الإلهي الذي مدده) بالرفع أي زيادته المتوالية وإمداده (الوحي الذي لا يحيط بعلمه بشري) أي منسوب إلى البشر وهم بنو آدم ولو قال الآدمي بدله كان أنسب معنى وأقرب مبنى لسجع الإلهي والحاصل أن كلامه صلى الله تعالى عليه وسلم متناه في الفصاحة والبلاغة ولكن لا يبلغ مرتبة المعجزة خلافا لبعض المتكلمين حيث قال إن اعجازه دون اعجاز القرآن ولعله أراد باعتبار المعنى دون المبنى. (وقالت أمّ معبد) بفتح ميم وموحدة وهي عاتكة بنت خالد الخزاعية (في وصفها له) أي للنبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) حين نزل بها في طريق المدينة سنة الهجرة كما ذكره اصحاب السير وأصحاب الشمائل تضمنا للمعجزات وخوارق العادات حينئذ فمن جملة ما وصفت أنه (حلو المنطق) أي مستلذه ومستحلاه لاشتماله على حلاوة كلامه وعذوبة مرامه وسلاسة سلامه وحسن بدئه وختامه ونظام تمامه. (فضل) أي مفصول مبين ومفهوم معين أو فاصل بين الحق والباطل أو حق لا باطل ومنه قوله تعالى في التنزيل إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ أي فاصل قاطع (لا نزر) بفتح نون فسكون زاء أي لا يسير فيشير إلى خلل (ولا هذر) بفتح هاء وسكون ذال معجمة أي ولا كثير فيميل إلى ملل وأما الهذر بفتح الذال فمعناه الهذيان وأغرب الأنطاكي حيث اقتصر في ضبطه على الفتح (كأنّ منطقه) أي منطوقة (خرزات) أي جواهر