المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول [فيما ورد من ذكر مكانته عند ربه عز وجل] - شرح الشفا - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأوّل

- ‌[المقدمة]

- ‌ترجمة القاضي عياض

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌القسم الأول [في تعظيم العلي الأعلى جل وعلا]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ [فِيمَا جَاءَ من ذلك مجيء المدح والثناء]

- ‌الفصل الثّاني [في وصفه تعالى بالشهادة وما تعلق به من الثناء والكرامة]

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ [فيما ورد من خطابه تعالى إياه مورد الملاطفة والمبرة]

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُ [فِي قَسَمِهِ تَعَالَى بِعَظِيمِ قَدْرِهِ صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الفصل الخامس في قسمه

- ‌الْفَصْلُ السَّادِسُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى في جهته عليه الصلاة والسلام مورد الشفقة والإكرام]

- ‌الفصل السّابع [فيما أخبره الله بِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ عَظِيمِ قَدْرِهِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّامِنُ [فِي إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقَهُ بصلاته عليه وولايته له]

- ‌الْفَصْلُ التَّاسِعُ [فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْفَتْحِ مِنْ كراماته عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْعَاشِرُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كتابه العزيز من كراماته عليه ومكانته عنده]

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي تَكْمِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ المحاسن خلقا وخلقا]

- ‌فصل [قال القاضي رحمه الله تعالى إذا كانت خصال الكمال والجلال]

- ‌فصل [إن قلت أكرمك الله تعالى لا خفاء على القطع بالجملة]

- ‌فصل [وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُفُورُ عَقْلِهِ وَذَكَاءُ لُبِّهِ وَقُوَّةُ حَوَاسِّهِ وفصاحة لسانه واعتدال حركاته وحسن شمائله]

- ‌فصل [وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول]

- ‌فصل [وأما شرف نسبه وكرم بلده ومنشأه]

- ‌فصل [وأما تَدْعُو ضَرُورَةُ الْحَيَاةِ إِلَيْهِ مِمَّا فَصَّلْنَاهُ فَعَلَى ثلاثة ضروب الضرب الأول]

- ‌فصل [وأما الضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته والفخر بوفوره]

- ‌فصل [وأما الضرب الثالث فهو ما تختلف فيه الحالات]

- ‌فصل [وأما الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [وأما أَصْلُ فُرُوعِهَا وَعُنْصُرُ يَنَابِيعِهَا وَنُقْطَةُ دَائِرَتِهَا فَالْعَقْلُ]

- ‌فصل [وأما الحلم]

- ‌فصل [وأما الجود]

- ‌فصل [وأما الشجاعة والنجدة]

- ‌فصل [وأما الحياء والإغضاء]

- ‌فصل [وأما حسن عشرته وآدابه]

- ‌فصل [وأما الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق]

- ‌فصل [وأما خلقه صلى الله تعالى عليه وسلم في الوفاء]

- ‌فصل [وأما تواضعه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما عدله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته]

- ‌فصل [وأما وقاره صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما زهده صلى الله تعالى عليه وسلم في الدنيا]

- ‌فصل [وأما خوفه صلى الله تعالى عليه وسلم من ربه عز وجل]

- ‌فصل [اعلم وفقنا الله تعالى وإياك أن صفات جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قد آتيناك أكرمك الله سبحانه من ذكر الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [في تفسير غريب هذا الحديث ومشكله]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ ومشهورها بتعظيم قدره عند ربه عز وجل]

- ‌الفصل الأول [فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ مَكَانَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عز وجل]

- ‌فصل [في تفضيله صلى الله تعالى عليه وسلم بما تضمنته كَرَامَةُ الْإِسْرَاءِ]

- ‌فصل [ثم اختلف السلف والعلماء هل كان إسراء بروحه أو جسده]

- ‌فصل [إبطال حجج من قال أنها نوم]

- ‌فصل [وأما رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم لربه عز وجل]

- ‌فصل [في فوائد متفرقة]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَظَاهِرُ الآية من الدنو والقرب]

- ‌فصل [في ذكر تفضيله في القيامة بخصوص الكرامة]

- ‌فصل [في تفضيله بالمحبة والخلة]

- ‌فصل [في تفضيله بالشفاعة والمقام المحمود]

- ‌فصل [في تفضيله فِي الْجَنَّةِ بِالْوَسِيلَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ وَالْكَوْثَرِ وَالْفَضِيلَةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ إِذَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلِيلِ الْقُرْآنِ وصحيح الأثر]

- ‌فصل [في أسمائه صلى الله تعالى عليه وسلم وما تضمنته من فضيلته]

- ‌فصل [في تشريف الله تعالى له بما سماه به من أسمائه الحسنى]

- ‌فصل [قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وها أنا أذكر نكتة]

- ‌الْبَابُ الرَّابِعُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَشَرَّفَهُ بِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ والكرامات]

- ‌فصل [اعلم أن الله عز وجل قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْمَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ]

- ‌فصل [اعلم أن معنى تسميتنا ما جاءت به الأنبياء معجزة]

- ‌فصل [في إعجاز القرآن العظيم الوجه الأول]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ إِعْجَازِهِ صُورَةُ نَظْمِهِ الْعَجِيبِ والأسلوب الغريب]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْإِعْجَازِ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ من الأخبار]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الرَّابِعُ مَا أَنْبَأَ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ القرون السالفة]

- ‌فصل [هَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ إِعْجَازِهِ بَيِّنَةٌ لَا نزاع فيها ولا مرية]

- ‌فصل [ومنها الروعة]

- ‌فصل [وَمِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْدُودَةِ كَوْنُهُ آيَةً بَاقِيَةً لا تعدم ما دامت الدنيا]

- ‌فصل [وَقَدْ عَدَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمُقَلِّدِي الْأُمَّةِ في إعجازه وجوها كثيرة]

- ‌فصل [في انشقاق القمر وحبس الشمس]

- ‌فصل [في نبع الماء من بين أصابعه الشريفة وتكثيره ببركته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ تَفْجِيرُ الْمَاءِ ببركته وانبعاثه]

- ‌فصل [ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته]

- ‌فصل [في قصة حنين الجذع له صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [ومثل هذا وقع في سائر الجمادات بمسه ودعوته]

- ‌فصل [في الآيات في ضروب الحيوانات]

- ‌فصل [في إحياء الموتى وكلامهم]

- ‌فصل [في إبراء المرضى وذوي العاهات]

- ‌فصل [في إجابة دعائه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في كراماته صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْغُيُوبِ]

- ‌فصل [في عصمة الله تعالى له صلى الله تعالى عليه وسلم من الناس وكفايته من آذاه]

- ‌فصل [ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم]

- ‌فصل [ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام وكراماته وباهر آياته أنباؤه مع الملائكة]

- ‌فصل [وَمِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ وَعَلَامَاتِ رِسَالَتِهِ مَا تَرَادَفَتْ]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ عِنْدَ مولده عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى قد أتينا في هذا الباب]

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌الفصل الأول [فيما ورد من ذكر مكانته عند ربه عز وجل]

‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ ومشهورها بتعظيم قدره عند ربه عز وجل]

أي من القسم الأول (فيما ورد من صحيح الأخبار ومشهورها) أي عند المحدثين فهو متوسط بين المتواتر والآحاد والغالب فيه أن يكون صحيحا وربما يكون حسنا ولا يكون ضعيفا أو عند العامة فيشمل الصحيح وغيره وربما يكون موضوعا والأظهر أن الشيخ أراد به النوع الأول كما يقتضيه مقام المرام فتأمل وعلى كل فهو من قبيل عطف العام على الخاص لا عكسه كما زعم من توهم أن كل مشهور صحيح (بعظيم قدره) متعلق بورد والباء للتعدية أي بمقداره المعظم (عند ربّه ومنزلته) أي وبرفعة مرتبته عند ربه الأكرم (وما خصّه به في الدّارين) أي الأولى والآخرة (من كرامته صلى الله تعالى عليه وسلم) بيان لما. (لا خلاف أنّه أكرم البشر) لما في الترمذي والدارمي أنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر كذا ذكره الدلجي وكأنه ذهب وهمه إلى أن اللام في الأولين والآخرين للعهد أو للجنس المراد بهم البشر والأظهر أن اللام للاستغراق وأنه أكرم الخلائق بالاتفاق ولا عبرة بخلاف المعتزلة وأرباب الشقاق، (وسيّد ولد آدم) لحديث الترمذي أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبِيَدِي لواء الحمد ولا فخر وما من نبي يومئذ آدم فمن دونه إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عنه الأرض ولا فخر، (وأفضل النّاس منزلة عند الله) أي مرتبة ومكانة، (وأعلاهم درجة) أي أرفعهم قربة، (وأقربهم زلفى) أي تقربا وأكثرهم حبا لكونه حبيب رب العالمين. (واعلم أنّ الأحاديث) جمع حديث على غير قياس (الواردة في ذلك) أي في بيان ما ذكر (كثيرة جدّا) بكسر جيم وتشديد دال منصوب منون مصدر والمراد به المبالغة في الكثرة (وقد اقتصرنا منها على صحيحها ومنتشرها) أي مشتهرها الشامل لحسنها دون ضعيفها لعدم اقتضاء الاقتصار (وَحَصَرْنَا مَعَانِيَ مَا وَرَدَ مِنْهَا فِي اثْنَيْ عشر فصلا) أي تفاؤلا باثني عشر نقيبا.

‌الفصل الأول [فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ مَكَانَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عز وجل]

(فيما ورد بين ذكر مكانته) أي قرب منزلته (عند ربّه عز وجل والاصطفاء) أي اجتبائه في رفعة مرتبته (ورفعه الذّكر) أي بين خليقته (والتّفضيل) أي وبيان زيادة فضيلته، (وسيّادة ولد آدم) أي وسيادته لأبناء جنسه المكرم على غيره (وما خصّه) أي الله تعالى (به في الدّنيا من مزايا الرّتب) أي من الرتب الدالة على مزيته (وبركة اسمه الطّيّب) أي الدال على طيب مسماه من ذاته وصفاته (حدثنا) وفي نسخة أَخْبَرَنَا (الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحمد

ص: 365

الملقب بالعدل) بفتح العين وسكون الدال التميمي مات عام إحدى وخمسمائة (إذنا بلفظه) أي بعبارته دون إشارته. (حدّثنا أبو الحسن الفرغانيّ) بفتح أوله منسوب إلى فرغانة ناحية بالمشرق قال التلمساني هو علي بن عبد الله المقري (حَدَّثَتْنَا أُمُّ الْقَاسِمِ بِنْتُ أَبِي بَكْرِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِيهَا، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ وَهُوَ ابْنُ عقيل) بالتصغير وقال التلمساني هو بفتح العين وكسر القاف ابن المهتدي المرادي اللؤلؤي (عَنْ يَحْيَى وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَحْيَى الحمّانيّ) بكسر الحاء المهملة وتشديد الميم وبعد الألف نون ثم ياء نسبة حافظ كوفي روى عن شريك وخلق وعنه أبو حاتم وابن أبي الدنيا والبغوي وطائفة وثقه يحيى بن معين وغيره وأما أحمد فقد كان يكذب جهارا وقال النسائي ضعيف كذا ذكره الحلبي وغايته أن الحديث بهذا الإسناد ضعيف لكن يتقوى بما رواه الطبراني والبيهقي كما نقله الدلجي فلا يضر قول الحلبي هذا الحديث ليس في الكتب الستة، (حدّثنا قيس) قال الحلبي الظاهر أنه أبو محمد قيس بن الربيع الكوفي روى عنه أبو نعيم وغيره اختلف في توثيقه (عن الأعمش) هو إمام جليل (عن عباية) بفتح مهملة فموحدة فألف بعدها تحتية وقيل بهمزة فهاء وأصله لباس فيه خطوط سود (ابن ربعيّ) بكسر راء وسكون موحدة فمهملة بعدها ياء نسبة روي عن علي وعنه موسى بن طريف وكلاهما من غلاة الشيعة له عن علي أناقيم الناس (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «إنّ الله تعالى قسّم الخلق) أي من الثقلين (قسمين) بكسر أوله أي شقيا وسعيدا لا فاضلا وأفضل كما ذكره الدلجي مقدما على ما اخترناه (فجعلني من خيرهم قسما) أي من قسم السادة التي هم أرباب السعادة كما يدل عليه قوله. (فذلك) أي جعلهم قسمين يؤذن به (قوله تعالى أَصْحابُ الْيَمِينِ) أي السعادة في أنواع من النعيم المقيم (وَأَصْحابُ الشِّمالِ) أي الشقاوة في أصناف من عذاب الجحيم فقيل سموا بهما لأخذهم كتبهم بأيمانهم أو لأنهم أصحاب اليمين والمشأمة على أنفسهم (فَأَنَا مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَنَا خَيْرُ أَصْحَابِ اليمين) وقد أغرب الدلجي حيث قال بعد قوله فجعلني من خيرهم قسما وهم العرب بشهادة فذلك قوله تعالى وَأَصْحابُ الْيَمِينِ (ثمّ جعل) أي الله سبحانه وتعالى (القسمين) أي المذكورين في اثناء السورة المراد بهما أصحاب اليمين وأصحاب الشمال (أثلاثا) أي ثلاثة أصناف في آخر السورة بجعل القسم الأول الذين هم أرباب السعادة صنفين كما سيأتي لا أثلاثا متفاوتين شقاوة وسعادة كما ذكره الدلجي إذ لم يذكر تفاوت ارباب الشقاوة في هذه السورة أصلا وإن كانوا متفاوتين في الدركات كما أن أهل الجنة متفاوتون في الدرجات (فجعلني في خيرها ثلثا) وهم المقربون (وذلك) أي جعلهما أثلاثا يؤذن به (قوله تعالى فأصحاب الميمنة) أي المنزلة السعيدة (وأصحاب المشأمة) أي المنزلة الشقية (والسّابقون السّابقون) أي في مرتبة القربة العلية. (فَأَنَا مِنَ السَّابِقِينَ وَأَنَا خَيْرُ السَّابِقِينَ ثُمَّ جعل الأثلاث قبائل) أي من العرب وغيرهم (فجعلني من خيرها قبيلة) وهم العرب وأبعد الأنطاكي حيث قال هم قريش (وذلك) أي جعلها قبائل يشير إليه (قوله) أي بعد

ص: 366

قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً) جمع شعب بالفتح لا بالكسر كما توهم بعضهم فإنه طريق بين الجبلين وأما بالفتح فما تتشعب منه القبيلة (وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا [الحجرات: 13] ) الآية) تمامها إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ ثم الشعب جمع عظيم ينسب إلى أصل واحد وهو يجمع القبائل (فَأَنَا أَتْقَى وَلَدِ آدَمَ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى اللَّهِ ولا فخر) أي ولا أقوله افتخارا به بل تحدثا بنعمة الله لأمره أو ولا فخر لي بذلك لأنه ليس من قبلي ولا بقوتي وحولي بل من فضل الله وتوفيقه من أجلي أو ولا فخر لي بهذا المقام بل افتخاري بقرب ربي الذي هو غاية المرام، (ثمّ جعل القبائل) أي قبائل العرب (بيوتا) أي بطونا وأفخاذا وفصائل متفاوتة في الشرف والفضائل من قريش وغيرهم (فجعلني من خيرها بيتا) وهو بيت بني هاشم من بطن قريش (فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) أي وسخ والشرك ودنس المعصية (أَهْلَ الْبَيْتِ [الأحزاب: 33] ) نصبه على المدح أو النداء وهذا معنى ثالث لأهل البيت على ما قرر في محله (وَيُطَهِّرَكُمْ) أي من الأخلاق الدنية (تَطْهِيراً) أي مبالغا بحيث يسرع في تبديلها بتنوير الأمور الدينية المشتملة على الأحوال الدنيوية والأخروية (الآية) كذا في بعض النسخ وهو ليس في محله لأنه آخر الآية وما بعدها ليس له تعلق بما قبلها فمحله اللائق به بعد قوله أهل البيت كما في نسخة صحيحة وأما تخصيص الشيعة أهل البيت بفاطمة وعلي وابنيهما بحديث إدخالهم في كسائه ثم قراءتهم هذه الآية واحتجاجهم بها على عصمتهم وكون إجماعهم حجة فضعيف لمنافاة التخصيص ما قبل الآية وما بعدها نعم الحديث قاض بأنهم اهل البيت وخواصهم لا بأنه ليس غيرهم منهم؛ (وعن أبي سلمة) أي ابن عبد الرحمن بن عوف أحد الفقهاء السبعة عند الأكثر (عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه) كما رواه الترمذي وصححه. (قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى وَجَبَتْ لك النّبوّة) أي في أي زمان ثبتت مرتبة النبوة (قال وآدم بين الرّوح والجسد) جملة حالية وردت جوابا لقولهم متى وجبت أي وجبت لي في الحالة التي كان آدم فيها بين تصوير جسمه وبين إجراء روحه في بدنه وفي الحديث إيماء إلى ان الغايات والكمالات سابقة شهودا لاحقة وجودا هذا وفي حديث أحمد إني عند الله مكتوب خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته (وعن واثلة) بالمثلثة (ابن الأسقع) وكان من أصحاب الصفة اسلم ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يتجهز لغزوة تبوك وخدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثلاث سنين توفي بدمشق وله مائة سنة وقد روى مسلم وغيره عَنْهُ (قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إبراهيم إسماعيل) كذا في النسخ المصححة ووقع في اصل الدلجي زيادة أن الله اصطفى من ولد آدم إبراهيم واصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل الحديث وقال إنما أعاده هنا لزيادة صدره (واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة) بكسر الكاف (وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه أي الذي رواه الترمذي وصدره أَنَا أَوَّلُ النَّاسِ خُرُوجًا إِذَا

ص: 367

بُعِثُوا وَأَنَا قَائِدُهُمْ إِذَا وَفَدُوا وَأَنَا خَطِيبُهُمْ إِذَا أَنْصَتُوا وَأَنَا شَفِيعُهُمْ إِذَا حُبِسُوا وَأَنَا مبشرهم إذا آيسوا الكرامة والمفاتيح بيدي ولواء الحمد يومئذ بيدي (أَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبِّي وَلَا فخر) زاد الدارمي يطوف على ألف خادم كأنهم بيض مكنون أو لؤلؤ منثور (وفي حديث ابن عبّاس رضي الله تعالى عنه) أي الذي رواه الترمذي والدارمي وصدره جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فسمعهم يتذاكرون قال بعضهم إن الله اتخذ إبراهيم خليلا وقال آخر إن الله كلم موسى تكليما وقال آخر عيسى كلمة الله وقال آخر آدم اصطفاه الله فخرج عليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال قد سمعت كلامكم وعجبكم أن إبراهيم خليل الله وَهُوَ كَذَلِكَ وَمُوسَى نَجِيُّ اللَّهِ وَهُوَ كَذَلِكَ وعيسى روح الله وكلمته وهو كذلك وآدم اصطفاه اللَّهِ وَهُوَ كَذَلِكَ أَلَا وَأَنَا حَبِيبُ اللَّهِ وَلَا فَخْرَ وَأَنَا حَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ يَوْمَ القيامة تحته آدم فمن دونه وَلَا فَخْرَ وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ يوم القيامة وَلَا فَخْرَ وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُحَرِّكُ حِلَقَ الجنة فيدخلنيها ومعي فقراء المهاجرين ولا فخر (أنا أكرم الأوّلين والآخرين) أي على الله كما في رواية (ولا فخر. وعن عائشة رضي الله تعالى عنها عنه عليه الصلاة والسلام كما رواه البيهقي وأبو نعيم والطبراني (أتاني جبريل عليه السلام فقال قلّبت) بتخفيف اللام وتشديدها وهو أبلغ أي فتشت وتفحصت وقيل نظرت ورأيت (مشارق الأرض ومغاربها) أي بجميع أطرافها وجوانبها (فلم أر رجلا أفضل من محمّد) عدل إلى الغيبة مصرحا باسمه الشريف المفيد للمبالغة الدالة على كثرة صفاته الحميدة وسماته السعيدة (ولم أر بني أب) أي أهل بيت (أَفْضَلَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ الله تعالى عنه) كما في الصحيح (أنّ النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم أتي بالبراق) أي جيء به وسبق بيان مبناه ومعناه (ليلة أسري به) بصيغة المجهول (فاستصعب) أي البراق (عليه) أي عند إرادة ركوبه (فقال له جبريل أبمحمّد تفعل هذا) فيه إيماء إلى أن هذا كان دأبه لغيره كما يشير إليه تقديم المتعلق على فعله والهمزة لإنكار استصعابه كما علله بقوله (فَمَا رَكِبَكَ أَحَدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ فارفضّ عرقا) بتشديد الضاد المعجمة أي سال عرقه من شدة ما اعتراه من الهيبة والحياء. (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْهُ عليه الصلاة والسلام كما رواه ابن أبي عمر العدني (لمّا خلق الله آدم اهبطني) أي من الجنة حال كوني (في صلبه) بضم أوله وقدم التلمساني فتحه (إلى الأرض) يعني وهكذا ينقلني من صلب كريم إلى رحم طاهر بعده (وَجَعَلَنِي فِي صُلْبِ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ وَقَذَفَ بي) أي القاني (في النّار في صلب إبراهيم) أي حين القاه نمرود فيها وقد وقع في أصل الدلجي حتى مكان الواو العاطفة في وجعلني وقذف وهو مخالف للأصول المعتمدة والنسخ المصححة (ثمّ لم يزل ينقلني) أي يحولني (في الأصلاب الكريمة) كذا في النسخ بلفظ في ولعله بمعنى من الملائم لقوله (إلى الأرحام الطّاهرة) جمع رحم وهو هنا مقر الولد من المرأة كما أن الصلب مقر المني من الرجل (ثم) وفي نسخة صحيحة حتى (أخرجني) أي أظهرني (بين أبويّ) أي فيما بينهما لقوله تعالى

ص: 368

يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (لم يلتقيا) أي لم يجتمعا في جماع (على سفاح) بكسر السين أي على حال غير نكاح (قطّ) أي لاحين شهودي ولا قبل وجودي (وإلى هذا) أي هذا المعنى وهو نفي السفاح في المبنى (أَشَارَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه وفي أصل التلمساني عمه من العمومة وهو بدل من العباس (بقوله) أي فيه كما في نسخة أي في حقه وفي أخرى فيه بقوله (من قبلها) أي قبل الدنيا أو الولادة من غير ذكر لها كما في قوله تعالى حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ الشمس كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ أي الأرض إِنَّا أَنْزَلْناهُ أي القرآن وأما رجع الضمير إلى النبوة كما ذكره الدلجي وغيره فغير مناسب لمقام المرام نعم لو وضع الرسالة موضعها لوقع في الجملة موقعها وقيل من قبل نزولك الأرض (طبت في الظّلال) أي في ظلال الجنة قال التلمساني ثبت بخط القاضي الظلال وروى العرفي طبت في الجنان (وفي مستودع) بفتح الدال كما في قوله تعالى فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ أي طبت في مستودع من صلب آدم بقوله (حيث يخصف الورق) بصيغة المجهول وهو مستفاد من قوله تعالى وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ والمعنى يضم بعضه إلى بعض ويلصق ورقة فوق آخرى (ثمّ هبطت البلاد) أي من الجنة إلى الدنيا في صلب آدم (لَا بَشَرٌ أَنْتَ وَلَا مُضْغَةٌ وَلَا عَلَقُ) أي والحال أنك لم تكن حينئذ واحدا منها والمضغة قطعة قدر ما يمضغ في الفم والعلق اسم جنس مفرده علقة وهي قطعة لحم من دم جامد ورتب بينها في التنزيل للترقي وهنا للتدلي ولذا قال (بل نطفة تركب السّفين) أي بل نزلت وأنت في صلبه نطفة ثم صرت إلى نوع حال كونك تركب السفينة وإنما أتى بلفظ الجمع لكبره أو هو اسم جنس وإن صرح صاحب الصحاح بأنه جمع لما فيه من المسامحة أو لعدم الفرق بينهما عند بعض أهل اللغة وقيل جمع التعظيم أو لضرورة الوزن وأما ما روي حجة بدل نطفة فلا يلائم مقام المرام ثم قد للتحقيق في قوله (وقد ألجم نسرا وأهله الغرق) بفتحتين أي منعهم من الكلام وظهور المرام وهو مأخوذ من اللجام وفي قوله نسرا إشارة إلى قوله تعالى حكاية عن قوم نوح وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً وقد روي أنه كان لآدم عليه السلام بنون خمسة يسمون بهذه الأسماء وكانوا عبادا فماتوا فحزن أهل عصرهم فصور لهم إبليس اللعين مثالهم من صفر ونحاس ليستأنسوا بهم فكرهوها في القبلة فجعلوها في مؤخر المسجد فلما هلك العصر قال اللعين لأولادهم هذه آلهة آبائكم فاعبدوها ثم إن الطوفان دفنها فأخرجها اللعين للعرب فكان ود لكلب بدومة الجندل وسواع لهذيل بساحل البحر ويغوث لغطيف من مراد ويعوق لهمدان ونسر لذي الكلاع من حمير ثم أحدثوا للأصنام اسماء أخر (تنقل من صالب إلى رحم) بصيغة المفعول وصالب بكسر اللام وفتحها لغة في الصلب بالضم إلا أنه قليل الاستعمال كما قاله ابن الأثير (إذا مضى عالم بدا طبق) العالم بفتح اللام والمعنى إذا ذهب قرن ظهر قرن وقيل للقرن طبق لأنه طبق الأرض بكسر الطاء أي مائها ثم ينقرضون ويأتي طبق آخر ومنه طبقات المشايخ وغيرهم وقد قيل الطبق

ص: 369

الجماعة من الناس ويرجع معناه إلى الأول فتأمل وزيد في بعض النسخ أبيات أخر ويدل على صحة وجودها كلام بعض المحشيين في بيان الفاظ ورودها وهو قوله (ثمّ احتوى) أي اجتمع وانضم وفي أصل الدلجي حتى احتوى فهي غاية لما دل عليه البيت قبله أي منقلا من صلب إلى رحم قرنا فقرنا إلى أن احتوى (بيتك المهيمن) أي الشاهد (من خندف) بكسر الخاء المعجمة وسكون النون وكسر الدال المهملة وقد تفتح بعدها فاء وهو في الأصل مشية كالهرولة والمراد به امرأة الياس بن مضر سميت بها القبيلة واسمها ليلى وهي القضاعية أم عرب الحجاز فهو غير منصرف قوله (علياء) بفتح العين ممدودة منصوبة أي منزلة علياء مفعول احتوى (تحتها) وفي نسخة دونها (النّطق) بضم النون والطاء جمع نطاق قال ابن الأثير وهي أعراض من جبال بعضها فوق بعض أي نواح وأوساط فيها شبهت بالنطق التي يشد بها أوساط الناس ضربه مثلا له في ارتفاعه وتوسطه في عشيرته وجعلهم تحته بمنزلة أوساط الجبال وأراد ببيته شرفه في عشيرته أو نفسه في حد ذاته والمهيمن نعته أي حتى احتوى شرفك الشاهد على فضلك أعلى مكان من نسب خندف فإن أصل النطق هو الجبل الاشم إذ السحاب لا يبلغ اعلاه وقال القشيري وغيره أيها المهيمن على أن النداء لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والله أعلم ثم قيل في الياس أنه موافق اسم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وصحح السهيلي أنه اليأس الذي هو ضد الرجاء وأما الياس فجد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وفيه يقول لا تسبوا الياس فإنه كان مؤمنا وذكر أنه كان يسمع في صلبه تلبية النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بالحج وهو أول من أهدى البدن إلى البيت (وأنت لمّا ولدت أشرقت الأرض وضاءت بنورك الأفق) وفي نسخة صحيحة وضاءت أي أضاءت وهما لغتان ومنه الضوء أي استنارت بنورك نواحيها (فنحن في ذلك الضياء وفي النّور وسبل الرّشاد نخترق) بسكون موحدة السبل لغة في ضمها جمع السبيل وهو مجرور عطف على ما قبله وقوله تخترق بفتح نون فسكون خاء معجمة أي ندخل ونقتحم وقال التلمساني أي وسبل الرشاد نخترقها بمعنى نقطعها فالسبل منصوب والأبيات عن العباس رضي الله تعالى عنه رواه أبو بكر الشافعي والطبراني عن خريم بن أوس بن حارثة وذكر هذه الأبيات في الغيلانيات بسنده إلى خريم بضم الخاء المعجمة وفتح الراء قال هاجرت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقدمت عليه منصرفه من تبوك فأسلمت فسمعت العباس يقول يا رسول الله إني أريد أن أمتدحك فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قل لا يفضض الله فاك قال فأنشد العباس يقول فذكرها سبعة أبيات آخرها نخترق وكذا قال ابن عبد البر في استيعابه في خريم وذكر ابن إمام الجوزية في كتاب هدي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في غزوة تبوك نحوه وزاد بعضهم بيتا آخر وجد بخط علي أبي الغساني وهو:

يَا بَرْدَ نَارِ الْخَلِيلِ يَا سَبَبًا

لِعِصْمَةِ النّار وهي تحترق

ص: 370

أي تحرق (وروى عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أبو ذرّ) كما رواه أحمد والبيهقي والبزار وكان خامسا في الإسلام روى عنه ابن عباس رضي الله تعالى عنه وعبادة بن الصامت وخلق توفي بالربذة (وابن عمر) كما رواه الطبراني وأبو نعيم (وابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما) كما رواه أحمد وابن أبي شيبة والبزار (وأبو هريرة رضي الله تعالى عنه) كما أخرجه الشيخان (وجابر بن عبد الله) كما رواه الشيخان والنسائي (أنّه) أي النبي عليه الصلاة والسلام (قال أعطيت خمسا) أي خمس خصال (وفي بعضها ستّا) رواه مسلم عن أبي هريرة فضلت على الأنبياء بست فكأنه صلى الله تعالى عليه وسلم أعطي أولا خمسا فحدث بها ثم زيد السادسة فحدث بها مع أنه لا يلزم استيفاؤها حيث ما بينها بل قد يكتفي بالحالة اللائقة ببعضها لا سيما والعدد لا مفهوم له حتى عند القائل به (لم يعطهنّ نبيّ قبلي) وفي رواية جابر لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي (نصرت بالرّعب) بسكون العين وضمها أي الفزع والخوف بإلقاء الله تعالى إياه في قلوب عداه ممن كانت المسافة بينه وبينهم (مسيرة شهر) أي قدر سير في شهر وفي رواية شهر أمامي وشهر خلفي، (وجعلت لي) أي لأجلي أصالة ولأمتي تبعا (الأرض) أي جميع وجهها ولا وجه لقول التلمساني كلها أو مكة وحولها أو ما رأته أمته (مسجدا وطهورا) حيث لا يختص جواز الصلاة بمكان دون مكان لا متى بخلاف غيرنا فإنه لا صلاة لهم إلا في كنائسهم وبيعهم كما بينه بقوله (فأيّما رجل من أمّتي أدركته الصّلاة) أي بعد دخول وقتها (فليصلّ) أي في ذلك المكان إما بطهارة أصلية إن وجد الماء وإما بطهارة خلفية من التراب إن لم يجد الماء كما فهم من قوله طهورا فالتفريع مترتب عليهما وفي بعض النسخ بالواو وفي رواية وأظنه مصحفا فأينما وما مزيدة فيهما (وأحلّت لي الغنائم ولم تحلّ) بصيغة المجهول وفي نسخة بصيغة المعلوم (لنبيّ قبلي) أي فضلا عن أمة له بل كانوا يجمعونها في موضع فتنزل نار من السماء فتحرقها (وبعثت إلى النّاس) أي الإنس والجن ولعل اقتصاره إيماء إلى الاكتفاء ثم المراد بالناس مؤمنهم وكافرهم ولذا قال (كافّة) وفي رواية كافة عامة وفي رواية جابر قبله وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وفي رواية مسلم وبعثت إلى الخلق كافة فلا يرد أن نوحا عليه الصلاة والسلام بعد خروجه من الفلك كان مبعوثا إلى جميع أهل الأرض لأن هذا العموم في رسالته لم يكن في أصل البعثة وإنما وقع لأجل حدوث الحادثة وهي انحصار الخلق في الموجودين معه بخلاف نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم في عموم رسالته في أصل بعثته وشمول دعوته (وأعطيت الشّفاعة) وفي رواية عد هذا رابعا واللام فيها للعهد إذ المراد بها الشفاعة العظمى في المقام المحمود وله صلى الله تعالى عليه وسلم شفاعات أخر يحتمل اختصاص بعضها به منها في جماعة يدخلون الجنة بغير حساب ومنها في أناس استحقوا دخول النار فلا يدخلونها ومنها في أناس دخلوا النار فيخرجون منها ومنها في رفع درجات أناس في الجنة ومنها شفاعته لمن مات بالمدينة ومنها شفاعته لمن صبر على لأوائها ومنها شفاعته لفتح باب الجنة كما رواه مسلم ومنها شفاعته

ص: 371

لمن زار عليه الصلاة والسلام لما روى ابن خزيمة في صحيحه عن ابن عمر مرفوعا من زار قبري وجبت له شفاعتي ومنها شفاعته لمن أجاب المؤذن وصلى عليه صلى الله تعالى عليه وسلم لما في الصحيحين من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم حلت له شفاعتي ومنها تخفيف العذاب عمن استحق الخلود فيها كما في حق أبي طالب لقوله ولعل تنفعه شفاعتي ولقوله ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار قال القرطبي في تذكرته في الجواب عن الآية ما نصه فإن قيل فقد قال الله تعالى فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ قيل له لا تنفع في الخروج من النار كعصاة الموحدين الذين يخرجون من النار ويدخلون الجنة وقال الحلبي إنها شفاعة بالحال لا بالمقال فبسببه صلى الله تعالى عليه وسلم يخفف عن أبي طالب أي لا أنه يطلبها وهو لا يخلو عن الاحتمال فلا يكفي لدفع الاشكال بخلاف ما سبق من جواب السؤال والله تعالى أعلم بالأحوال. (وفي رواية أخرى) أي عن أبي ذر (بدل هذه الكلمة) وهي قوله أعطيت الشفاعة (وقيل لي سل تعطه) بصيغة المفعول فهاء السكت وفي نسخة بالضمير (وفي رواية أخرى) أي للبزار والبيهقي رحمهما الله تعالى (وعرض عليّ أمّتي فلم يخف) أي لم يكتم (عليّ التّابع من المتبوع) أي في الخير والشر وقيل المراد بالتابع الوضيع الذي يقتدى بغيره وبالمتبوع الشريف الذي يقتدى به ويرجع إلى قوله (وفي رواية) أي عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه (بعثت إلى الأحمر والأسود) وظاهره عموم الخلق كما ذهب إليه بعضهم وقال بعثت حتى إلى الحجر والمدر والشجر وجميع الكائنات كما بينته في بعض المقامات. (قيل السّود) وهو جمع الأسود (العرب لأنّ الغالب على ألوانهم الأدمة) بضم الهمزة أي السمرة الشديدة (فهم من السّود) أي في الجملة. (والحمر) بضم فسكون جمع الأحمر (العجم) أي لأن الغالب على ألوانهم الشقرة مع البياض وكأنه أراد بالعجم الفرس ومن يشاركهم في هذا المعنى من الترك بناء على الإطلاق العرفي وأما العجم المقابل للعرب بحسب الوضع اللغوي فلا يلائم المقام لدخول الهنود والسنود والحبوش والسودان وغيرهم معهم (وقيل البيض والسّود من الأمم) أي على الوجه الأعم وهو في إفادة التعميم أتم، (وقيل الحمر الإنس) أي لنورهم وظهورهم. (والسّود الجنّ) لاجتنانهم وتسترهم. (وفي الحديث الآخر عن أبي هريرة رضي الله عنه كما رواه الشيخان (نصرت بالرّعب وأوتيت جوامع الكلم) أي القرآن العظيم والفرقان الحكيم أو الأحاديث الجامعة والكلمات اللامعة التي مبانيها يسيرة ومعانيها كثيرة ويؤيده ما رواه أبو يعلى في مسنده عن عمر ولفظه أعطيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصارا (وبينا) أي بين أوقات (أنا نائم) أي في بعضها (إذ جيء بمفاتيح خزائن الأرض) جمع مفتاح وأما مفاتح بدون الياء فجمع مفتح بمعنى مخزن (فوضعت في يديّ) بفتح الدال وتشديد التحتية كذا ضبطه الحفاظ ولعل في اختيار التثنية إشعارا بكسرة المفاتيح والمراد بها ما فتح الله على أمته من الكنوز الحسية والمعنوية لحديث أوتيت مفاتيح الكلم وفي رواية مفاتح الكلم وفي سيرة الكلاعي أن رستم من الأرامنة أمير جيش يزدجرد رأى في منامه وقد

ص: 372

جاءهم سعد بن أبي وقاص من قبل عمر لفتح بلادهم أن ملكا نزل من السماء فأخذ جميع اسلحتهم وأعطاها للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم فأعطاها لعمر فكان الفتح والغنيمة والنصر الذي يكاد يفوت الحصر في عصر عمر. (وفي رواية) أي رواها مسلم (عنه) أي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (وختم بي النّبيّون) هذا وقد روى أحمد في مسنده عن علي كرم الله وجهه مرفوعا أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب وأعطيت مفاتيح الأرض وسميت أحمد وجعل لي التراب طهورا وجعلت أمتي خير الأمم ثم اعلم أن له خصوصيات أخر كإعطاء الآيات من خواتيم سورة البقرة والمفصل من القرآن وجعل صفوف أمته كصفوف الملائكة وغير ذلك مما يحتاج إلى تأليف مستقل لبيان تفصيل ما هنالك (وعن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه) صحابي جهني مضري (أنّه قال عليه الصلاة والسلام كما رواه الشيخان (إنّي فرط لكم) وأما ما وقع في أصل الدلجي من قوله أنا فرطكم فليس في الأصول المعتمدة والنسخ المعتبرة والمعنى أنا متقدمكم وفرط صدق لكم وأصل الفرط الذي يتقدم لطلب الماء بالحبل والرشاء وأسباب ضرب الخباء (وأنا شهيد عليكم) أي بالثناء الجميل والوفاء الجزيل (وإنّي والله لأنظر إلى حوضي) أي وإلى من يشرب منه ومن يذب عنه في الموقف والمحشر (الآن) أي في هذا الحاضر من الزمان (وإنّي قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض) بمعنى عرضت علي فلم اقبلها لعدم الالتفات إلى الدنيا والتوجه الكلي إلى الآخرة والإقبال القلبي إلى المولى والعلم بأن الآخرة خير من الأولى وبأن الجمع بينهما على وجه الكمال من جملة المحال كما بينه حديث من أحب دنياه أضر بآخرته ومن أحب آخر اضر بدنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى كما رواه أحمد والحاكم عن أبي موسى ويؤيد ما قررناه من المراد بمفاتيح الأرض هنا بخلاف ما سبق من أن المراد بها ما يسره الله عليه وعلى أمته من فتح البلاد واتساع العباد مع أنه لا يبعد أيضا عن المراد قوله (وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بعدي) أي جميعكم (ولكنّي أخاف) أي عليكم كما في نسخة صحيحة (تنافسوا) بفتح أوله على أنه حذف إحدى التاءين منه أي ترغبوا (فيها) أي في الدنيا الدنية الخسيسة كما يرغب في الأشياء الغالية العالية النفيسة فهو مأخوذ من ميل النفس إلى النفيس ومنه قوله تعالى وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ ومنه اقتباس إمامنا الشاطبي رحمه الله تعالى بقوله:

عليك بها ما عشت فيها منافسا

وبع نفسك الدنيا بأنفاسها العلى

وأغرب الحلبي كغيره في رجع ضمير فيها إلى خزائن الأرض نعم ذكر المفاتيح سابقا يدل على كون الضمير للدنيا لاحقا نحو قوله وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ لدلالة الناس أو الدابة على الأرض مع أن قرينة المقام كافية في تعيين المرام (وعن عبد الله بن عمر) بالواو وفي نسخة بتركها وقد رواه أحمد بسند حسن (أن رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَنَا مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ) أي المنسوب إلى أم القرى وهي مكة أو إلى

ص: 373

أمة العرب لكون غالبهم أميين لا يقرؤون ولا يكتبون أو المضاف إلى الأم بمعنى أني على أصل ولادتي وجبلتي من غير قراءتي وكتابتي وذلك شرف له وعيب في غيره وهذا المعنى هو الأولى بالمدعي كما أفاد صاحب البردة هذه الزبدة بقوله:

كفاك بالعلم في الأمي معجزة وقد قال تعالى ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (لا نبيّ بعدي) أي وإن وجد أحد يكون تابعا لي (أوتيت جوامع الكلم) أي مع كوني أميا (وخواتمه) قيل هو وجوامع بمعنى أي ختم علي بأن أجمع المعنى الكثير في المبنى اليسير أو المراد بخواتمه أنه لا يكون بعد وجود ختمه احتياج إلى غيره وهو المناسب لكونه خاتم النبيين (وقد علّمت) بضم عين وتشديد لام مكسورة ويجوز تخفيفها مع فتح أوله كما قال تعالى وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ

(خزنة النّار) أي الملائكة الموكلين عليها وكبيرهم يسمى مالكا مشتق من الملك وهو القوة (وحملة العرش) أي من الملائكة فهم اليوم أربعة ويكونون يومئذ ثمانة كما أخبر الله عنهم لكن على خلاف في تمييز العددين من الصفوف أو الألوف أو الصنوف. (وعن ابن عمر) كما روى أحمد بسند حسن (بعثت بين يدي السّاعة) أي قدامها وقريبا من وقوعها كما رواه أحمد والشيخان والترمذي عن أنس رضي الله تعالى عنه بعثت أنا والساعة كهاتين (ومن رواية ابن وهب) هو عبد الله بن وهب المصري أحد الأعلام عن ابن جريج وعنه أحمد وغيره قال يونس بن عبد العلي طلب للقضاء فجنن نفسه وانقطع أخرج له الأئمة الستة (أنّه صلى الله تعالى عليه وسلم قال) أي على ما رواه البيهقي من حديث اسماء في الإسراء حيث أتى سدرة المنتهى (قال الله تعالى سل يا محمّد) أي ما شئت (فقلت ما أسأل يا ربّ) أي من المقامات العالية حيث أعطيت جميعها للأنبياء الماضية كما بينه بقوله (اتّخذت إبراهيم خليلا) أي بقولك وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا (وكلّمت موسى تكليما) كما قلت وكلم الله موسى تكليما، (واصطفيت نوحا) كما قلت إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً، (وأعطيت سليمان ملكا لا ينبغي) أي لا يكون (لأحد من بعده) حيث بينته بقوله فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ الآية. (فقال الله تعالى ما أعطيتك) أي الذي أعطيتكه (خير من ذلك) أي كله، (أعطيتك الكوثر) فوعل من الكثرة ومعناه الخير الكثير وفي النهاية هو نهر في الجنة وجاء في التفسير أنه القرآن ولعل هذا هو المراد في هذا المقام ويشير إليه قوله سبحانه وتعالى وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً

وفيه إشارة إلى مزية العلم والمعرفة على كل مقام وحال ومرتبة قال ابن عرفة انظر في قوله تعالى إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ أهو إنشاء أم خبر فإن قيل الإنشاء هنا مستحيل لأن كلام الله تعالى قديم أزلي فالجواب أنه باعتبار ظهور متعلقه فإن قلت في تعلقه خلاف هل هو قديم أو حادث قلنا التعلق التنجيزي حادث وأما التعلق الصلوحي فيصح هنا

ص: 374

كذا ذكره التلمساني (وجعلت اسمك مع اسمي) أي مقرونا به في كلمة الشهادة (ينادى به) بصيغة المفعول (في جوف السّماء) أي وقت الأذان والخطبة أو فيما بين أهل السماء (وجعلت الأرض طهورا) أي حكيما (لك ولأمّتك) أي خاصة (وَغَفَرْتُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تأخّر) أي جميع ما فرط وما يفرط منك مما يصح أن يعاتب عليك (فأنت تمشي في النّاس) وفي نسخ بالناس وفي أخرى بين الناس (مغفورا لك) حال من ضمير تمشي، (ولم أصنع ذلك) أي غفران ما تقدم وما تأخر ذكره الدلجي والأظهر إن الإشارة إلى جميع ما تقدم والله تعالى أعلم وحينئذ لا إشكال في قوله (لأحد قبلك) بخلاف ما اختاره ودفعه بقوله ولعله من غير الأنبياء وإلا فهم كذلك وفيه أنهم ليسوا كذلك إذ لم يعلم أنهم بشروا بغفران ما تقدم وما تأخر ويؤيده أن غفرانهم مشوب بمخافة المعاتبة بدليل حديث فيأتون نوحا فيقولون ألا تشفع لنا فيقول نفسي لست لها الحديث، (وجعلت قلوب أمّتك مصاحفها) فيه منقبة عظيمة لحفاظ القرآن من الأمة كما يشير إليه قَوْلِهِ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ وتنبيه نبيه على أن الأمم السالفة غالبهم لم يكونوا يحفظون شيئا من صحفهم، (وخبّأت لك شفاعتك) أي ادخرتها عندي لليوم الموعود والمقام المحمود وهي الشفاعة العظمى لفصل القضاء حين يفزع الناس حتى الأنبياء (ولم أخبأها لنبيّ غيرك) بل أوفيت إجابة دعواتهم في الدنيا فلم يبق لهم حينئذ شفاعة شاملة في العقبى. (وفي حديث آخر، رواه حذيفة) كما في تاريخ ابن عساكر مرفوعا (بشّرني يعني ربّه) تفسير من المصنف أو ممن قبله (أوّل من يدخل الجنّة معي) أي بقرب زماني لا آني (من أمّتي) أي من الصحابة والتابعين وغيرهم (سبعون ألفا) أي أصالة (مع كلّ ألف سبعون ألفا) تبعا في العلم والعبادة (ليس عليهم حساب) فلا يكون لجميعهم عذاب ولا حجاب وروي سبعمائة ألف مع كل واحد سبعمائة ألف ذكره التلمساني.

(وأعطاني أن لا تجوع أمّتي) أي جوعا شديدا بجدب وقحط بحيث يهلك جميعهم (ولا تغلب) بصيغة المجهول أي ولن تغلب بعدو يستأصلهم أي يأخذهم من أصلهم لحديث أني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة أن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم الحديث، (وأعطاني النّصرة) أي الإعانة على الاعداء (والعزّة) أي القوة والغلبة والمنعة، (والرّعب) أي الخوف مع بعد المسافة كما بينه بقوله (يسعى بين يدي أمّتي) أي يتقدم الرعب لأعدائي قدامهم (شهرا) يعني وكذا من خلفهم شهرا لما تقدم وفيه تنبيه نبيه على أن الرعب غير مخصوص بحضرته بل يوجد من عموم أمته، (وطيّب) بفتح التحتية المشددة أي وأحل (لي ولأمّتي الغنائم) جمع غنيمة ووقع في أصل الدلجي المغانم جمع مغنم وهما قريبان في الدراية وإنما الكلام في صحة الرواية، (وأحلّ لنا) أي بخصوصنا على وجه يعمنا (كثيرا ممّا شدّد) الله تعالى (على من قبلنا) أي بتحريمه عليهم أو بتكليفه لديهم كقتل النفس في التوبة وقطع موضع النجاسة وخمسين صلاة في اليوم والليلة وصرف ربع المال في الصدقة، (وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْنَا فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) أي تضييق وهو تعميم بعد

ص: 375

تخصيص وتنبيه على ما أباح لنا من الرخص عند الاعذار كالتيمم والقصر والإفطار كما بينه بقوله تعالى يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وقد ورد في ذلك أن الله رأى صعفنا وعجزنا. (وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه) أي برواية الشيخين (عنه صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ) من الأولى مزيدة وللتأكيد مفيدة والثانية تبعيضية مشيرة إلى المبالغة (إلّا وقد) بالواو (أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ البشر) ما موصولة أو موصوفة وفي بعض الروايات الصحيحة أو من عليه البشر وكتبه بعضهم أيتمن وروى القاضي أمن من الأمان ولا يظهر له وجه في هذا الشأن والمعنى أن الله تعالى أيد كل نبي بعثه من المعجزات بما يصدق دعواه وتقوم به الحجة على من عاداه، (وإنّما كان الذي أوتيته) أي من الآيات المتلوة المشتملة على أنواع من المعجزات من الفصاحة والبلاغة في المبنى والأنباء الواقعة في الأزمنة السابقة واللاحقة في المعنى الباقية على صفحات الدهر إلى يوم القيامة النافعة في أمور الدنيا وأحوال الآخرة مع ما فيها من معرفة الذات والصفات الأسنى والأسماء الحسنى (وحيا) أي وحيا يتلى ومعجزة تدوم وتبقى (أوحى الله إليّ؛ فأرجو) وفي نسخة بالواو ولكن الفاء التفريعية مع إفادة التعقيبية هي الأولى والمعنى أتوقع (أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة) أي لاستمرار تلك المعجزة بخلاف معجزة سائر الأنبياء حيث انقضت في حال الأحياء وإنما أراد بقوله الذي أوتيته معظم ما أعطي من المعجزات المشتملة على أنواع من الأنباء وإلا فقد أعطى معجزات كثيرة من جنس معجزات الأنبياء (ومعنى هذا) أي الحديث بجملته (عند المحقّقين بقاء معجزته) أي الخاصة به وهي الآية الكبرى والنعمة العظمى (ما بقيت الدّنيا) أي مدة بقائها، (وسائر معجزات الأنبياء) أي بقيتها (ذهبت للحين) أي حين وقوعها في حياة نبيها (ولم يشاهدها إلّا الحاضر لها) أي حال معاينتها ووقت مشاهدتها (ومعجزة القرآن) أي مبنى ومعنى باقية دون كل معجزة (يقف عليها قرن بعد قرن) أي جماعة بعد انقراض جماعة (عيانا) بكسر العين أي معاينة (لا خبرا) إذ ليس الخبر كالمعاينة كما ورد (إلى يوم القيامة) وقد وقع في أصل الدلجي يقف عليها عيانا لا خبرا قرن بعد قرن وهو مخالف للأصول المصححة، (وفيه) أي من هذا الحديث أو في هذا المعنى (كلام يطول) أي من جهة المبنى (هذا نخبته) أي خلاصته، (وقد بسطنا القول فيه) أي اطنبنا في هذا الحديث، (وفيما ذكر فيه) أي في هذا المعنى (سوى هذا) أي الكلام الذي قدمناه (آخر باب المعجزات) أي في آخره لأنه المحل الأليق به. (وعن عليّ رضي الله عنه كما رواه ابن ماجة والترمذي وحسنه (كلّ نبيّ أعطي سبعة) قال الحجازي ويروى أربعة والظاهر أنه تصحيف أو وهم (نجباء) أي نقباء فضلاء وزيد في رواية وزراء رفقاء (وأعطي نبيّكم عليه الصلاة والسلام أَرْبَعَةَ عَشَرَ نَجِيبًا مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ وابن مسعود وعمّار رضي الله تعالى عنهم) ولفظ الترمذي قلنا من هم قال أنا وابناي وجعفر وحمزة وأبو بكر وعمر ومصعب بن عمير وبلال وسلمان وعمار وابن مسعود ولم يذكر ابن عبد البر مصعبا وزاد تكملة لهم حذيفة وابا ذر والمقداد وقال التلمساني

ص: 376

ذكر أبو نعيم عن علي مرفوعا ولفظ لم يكن نبي من الأنبياء إلا وقد أوتي سبعة نقباء نجباء وزراء وأني قد أعطيت أربعة عشروهم حمزة وجعفر وعلي وحسن وحسين وأبو بكر وعمر وعبد الله بن مسعود وأبو ذر والمقداد وحذيفة وعمار وسلمان وبلال انتهى وقال ذو النون المصري رحمه الله تعالى النقباء ثلاثمائة والنجباء سبعون والأبدال أربعون والأخيار سبعة والعمدة أربعة والغوث واحد وحكى أبو بكر المطوعي عمن رأى الخضر وتكلم معه وقال له أعلم أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لما قبض بكت الأرض فقالت إلهي وسيدي بقيت لا يمشي على نبي إلى يوم القيامة فأوحى الله تعالى إليها أجعل على ظهرك من هذه الأمة من قلوبهم على قلوب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا أخليك منهم إلى يوم القيامة قلت له وكم هم قال ثلاثمائة وهم الأولياء وسبعون وهم النجباء وأربعون وهم الأوتاد وعشرة وهم النقباء وسبعة وهم العرفاء وثلاثة وهم المختارون وواحد وهو الغوث فإذا مات الغوث نقل من الثلاثة واحد وجعل مكان الغوث ونقل من السبعة إلى الثلاثة ومن العشرة إلى السبعة ومن الأربعين إلى العشرة ومن السبعين إلى الأربعين ومن الثلاثمائة إلى السبعين ومن سائر الخلق إلى الثلاثمائة وهكذا إلى يوم ينفخ في الصور انتهى ولا ينفخ فيه وفي الأرض من يقول الله ولا حول ولا قوة إلا بالله جعلنا الله من خواص المسلمين وحشرنا معهم يوم الدين (وقال صلى الله تعالى عليه وسلم) كما في الصحيحين (إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ) أي لما جاء به أبرهة الحبشي في جيشه لتخريب الكعبة فأهلكهم الله بطير أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل (وسلّط عليها رسوله والمؤمنين) أي أمرهم بالغلبة عليها أو أذن لهم يقتال أهلها ففتحوها سنة ثمان من الهجرة، (وإنّها لم تحلّ) وفي نسخة لا تحل وفي أخرى لن تحل والفعل يحتمل معروفا ومجهولا (لأحد بعدي) أي من بعدي كما وقع في أصل الدلجي وفيه التفات من الغيبة (وإنّما أحلّت لي ساعة من نهار) يعني فإن ترخص أحد بقتال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقولوا له كما في الحديث كذا ذكره أكثرهم إجمالا وقال أبو بكر ابن العربي في العارضة أراد بذلك دخوله بغير إحرام لأجل القتال لأنه أحلت له لأجل القتال ساعة من نهار لأن القتال فيها حلال أبدا بل واجب حتى لو تغلب فيها كفار أو بغاة وجب قتالهم فيها بالإجماع انتهى وهو الأقرب إلى قواعد مذهبنا والله تعالى أعلم (وعن العرباض) بكسر أوله (ابن سارية) وهو من أكابر الصحابة وأصحاب الصفة سلمي سكن الشام ومات بها (قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَخَاتَمُ النّبيّين) كذا في النسخ المعتبرة بالواو العاطفة ووقع في أصل الدلجي بغير واو فضبطه بالنون بمعنى لديه وهو الموافق لرواية المصابيح وقال وفي رواية أني عبد الله مكتوب خاتم النبيين ثم الخاتم تكسر تاؤه وتفتح كما قرىء بهما في السبعة (وإنّ آدم لمنجدل) أي والحال أنه لساقط (في طينته) أو مطروح على الجدالة وهي الأرض الصلبة والمراد بطينته خلقته المركبة من الماء والتربة ومنجدل خبر لأن والجار خبر ثان (وعدة أبي إبراهيم) بكسر العين وتخفيف الدال أي وعده

ص: 377

بمقتضى دعائه بقوله رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ الآية ويؤيده ما في نسخة دعوة أبي إبراهيم وصدر الحديث وسأخبركم ببادىء أمري أو بادئ نبوتي وبعثتي هو عدة إبراهيم وللحاكم وغيره وسأونبئكم بتأويل ذلك هو دعوة أبي إبراهيم رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ الآية (وبشارة عيسى ابن مريم) يعنى قوله تعالى حكاية عنه وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ وزاد الحاكم ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج من رحمها نور اضاء له قصور الشام وصححه لكن تعقبه الذهبي بأن أبا بكر بن أبي مريم أحد رواة إسناده ضعيف. (وعن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما) كما رواه البيهقي والدارمي وابن أبي حاتم (قَالَ إِنَّ اللَّهَ فَضَّلَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم على أهل السّما) أي من الملائكة المقربين (وعلى الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم) أي أجمعين (قالوا) أي أصحاب ابن عباس (فَمَا فَضْلُهُ عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِأَهْلِ السَّمَاءِ وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ [الأنبياء: 29] الآية) أي فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين (وقال لمحمّد صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً [الفتح: 1] الآية) وهي لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وفيه بحث لا يخفى إذ قال تعالى له صلى الله تعالى عليه وسلم أيضا لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ مع أن القضية فرضية وتقديرية وإلا فعصمة الأنبياء والملائكة قطعية ولذا قال الكشاف هذا على سبيل التمثيل مع إحاطة علمه سبحانه وتعالة بأن لا يكون كما قال تعالى وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ انتهى فلعل مراد الخبر هو أنه صلى الله تعالى عليه وسلم مبعوث إليهم كما يفيده قوله تعالى تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً وإنذاره للملائكة قطعي بقوله وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ والله تعالى أعلم، (قَالُوا فَمَا فَضْلُهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ؟

قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ [إبراهيم: 4] الآية) أي ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم، (وقال لمحمد وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً) أي رسالة عامة (لِلنَّاسِ [سبأ: 28] ) وقد يقال المراد بالناس عمومهم الشامل للأولين والآخرين على تقدير وجودهم في المتأخرين كما يستفاد من قوله تعالى إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ وكما أشار إليه حديث لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي وكما يقع بالفعل متابعة عيسى عليه السلام بعد نزوله لشريعته ويكون مفتخرا بكونه من أمته (وعن خالد بن معدان) بفتح ميم وسكون عين فدال مهملتين كلاعي شامي روى عن ابن عمر وثوبان ومعاوية رضي الله تعالى عنهم كان يسبح في اليوم والليلة أربعين ألف تسبيحة أخرج له الأئمة الستة وقد أخرج عنه ابن إسحاق ووصله أحمد والدارمي (أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا عن نفسك) أي مبدأ أمرك (وقد روي نحوه) بصيغة المجهول والواو للحال أي مثله معنى لا مبنى (عن أبي ذرّ) رضي الله

ص: 378

تعالى عنه صحابي جليل (وشدّاد) بتشديد الدال الأولى (ابن أوس) بفتح فسكون وهو ابن ثابت بن المنذر بن حرام بالراء صحابي أنصاري ابن أخي حسان بن ثابت نزل بيت المقدس ومات بالشام، (وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنهم فَقَالَ) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في جواب كل منهم (نعم) أي أخبركم بأول قصتي وما ظهر من نبوتي على لسان إبراهيم وغيره (أنا دعوة أبي إبراهيم يعني قوله) أي حكاية عن إبراهيم وإسماعيل واقتصاره على الأول لأنه المعول (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ) أي في الأمة المسلمة المذكورة في الآية الماضية (رَسُولًا مِنْهُمْ [البقرة: 129] ) ولم يبعث فيها من ذريته من نسل إسماعيل غيره صلى الله تعالى عليه وسلم فهو المجاب به دعوتهما (وبشّر بي عيسى) أي بشارته حين قال لقومه وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ وفي نسخة وبشر بي عيسى بالموحدة وياء الإضافة والظاهر أنه تصحيف لمخالفة ما قبله وإن كان يلائم قوله (ورأت أمّي) وفي بعض الروايات ورؤيا أمي ولعل العدول لئلا يتوهم أن الرؤيا منامية (حين حملت بي) بالباء للتعدية وفي رواية حين وضعتني ويمكن جمعهما بالجمل على مرتين وأما تجويز الدلجي كون الرؤيا منامية فبعيد جدا من حيث استدلاله صلى الله تعالى عليه وسلم برؤيتها فإن رؤيا غير الأنبياء ليست معتمدا عليها حتى لا يعمل بمقتضاها (أنّه خرج منها نور أضاء له) أي استنار لذلك النور (قصور بصرى) بضم موحدة فسكون مهملة مقصورا مدينة بحوران (من أرض الشّام) وهي أول مدينة فتحت صلحا في خلافة عمر وذلك في شهر الربيع الأول لخمس بقين منه سنة ثلاث عشرة وقد وردها صلى الله تعالى عليه وسلم مرتين، (واسترضعت) أي كنت رضيعا (في بني سعد بن بكر) قبيلة معروفة (فبينا أنا) أي بين أوقات كنت أنا (مع أخ لي) أي رضاعا (خلف بيوتنا نرعى بهما لنا) بفتح موحدة وسكون هاء جمع بهمة ولد الضأن ذكرا كان أو أنثى وقيل ولد الضأن والمعز مجتمعة ولعله باعتبار الغلبة وإلا فولد المعز حال انفراده يسمى سخلة (إذ جاءني رجلان) أي على صورة رجلين فقيل هما جبريل وإسرافيل (عليهما ثياب بيض) تركيب توصيف، (وفي حديث آخر ثلاثة رجال) قيل ثالثهم ميكائيل أي جاؤوا (بطست) بفتح طاء وجوز كسره وضمه فسين مهملة وكذا بمعجمة على ما في القاموس فلا عبرة بمن قال إنه لغة العامة وأنه خطأ وهو إناء معروف يكون من نحاس أو صفر وأصله الطسس أبدل من إحدى السينين ثاء (من ذهب) فيه إيماء إلى ذهاب حظ الشيطان عنه بعصمة ربه وذهابه عن الأمة بسببه قال التلمساني وفيه دليل على جواز تغشية آلات الطاعة بالذهب والفضة كالمصحف وآلات الغزو انتهى والأظهر أن استعمال آنية الذهب والفضة حرام لا أعلم فيه خلافا بين علماء الأنام لكن الملائكة لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يؤمرون فلا يقاس الإنسان بالملك كما يقاس الحداد بالملك هذا وقد ذكر البغوي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هي طست ذهب من الجنة يغسل فيه قلوب الأنبياء عليهم السلام (مملوءة) يجوز همزه

ص: 379

وإبداله مدغما ولعل التاء للمبالغة أو باعتبار كونه آنية (ثلجا) بسكون اللام وهو ماء جامد لأنه يبرد القلب وينظفه وقد روي حكمة وفسرت بالنبوة والأولى تفسيرها بإتقان العلم وإحسان العمل (فأخذاني) أو فأخذوني (فشّقا بطني) أو شقوه (قال) ووقع في أصل الدلجي وقال (فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ نَحْرِي إِلَى مراقّ بطني) بفتح الميم وتخفيف الراء وتشديد القاف لا واحد له من لفظه وميمه زائدة أي من أعلى صدري إلى مارق ولان من بطني (ثم استخرجا) أي أخرجا أو اخرجوا (منه قلبي فشقّاه) أي قلبي (فاستخرجا منه علقة) أي قطعة دم منعقدة (سوداء) يكون فيها الحسد والحقد والشهوة النفسية وسائر الأخلاق الرديئة (فطرحاها) أي رمياها بقوة وفي رواية مسلم وقالا هذه حظ الشيطان منك قال العلامة تقي الدين بن السبكي تلك العلقة خلقها الله تعالى في قلوب البشر قابلة لما يلقيه الشيطان فيها فأزيلت من قلبه صلى الله تعالى عليه وسلم فلم يكن فيه مكان قابل لأن يلقي الشيطان فيه شيئا قال فهذا معنى الحديث فلم يكن للشيطان فيه صلى الله تعالى عليه وسلم حظ قط فإن قلت لم خلق هذا القابل في هذه الذات الشريفة وكان يمكن أن لا يخلقه فيها قلت لأنه من جملة الاجزاء الانسانية فخلقه تكملة للخلق الإنساني ونزعه أمر ثان طرأ بعده انتهى ونظيره خلق الأشياء الزائدة في بدن الإنسان من القلفة وتطويل الظفر والشارب وأمثال ذلك فلله الحكمة البالغة وعلى العبد احتمال الكلفة (ثُمَّ غَسَلَا قَلْبِي وَبَطْنِي بِذَلِكَ الثَّلْجِ حَتَّى أنقياه) أي نظفاه عن تلوت تعلق العلقة قال التلمساني شق قلبه صلى الله تعالى عليه وسلم مرتين مرة في صغره عند ظئره وذلك ليذهب عنه حظ الشيطان ومرة عند الإسراء ليدخل على طهارة ظاهرة وباطنة على الرحمن قلت ومرة عند نزول القرآن في جبل حراء على ما ذكره أبو نعيم والطيالسي وغيره على ما في المواهب اللدنية وقد قيل شق صدره مرة في صباه ليصير قلبه مثل قلوب الأنبياء ومرة ليلة المعراج ليصير قلبه مثل قلوب الملائكة قلت ومرة عند نزول الوحي ليصير مثل قلوب الرسل والله تعالى أعلم. (قَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ ثُمَّ تَنَاوَلْ أَحَدُهُمَا شَيْئًا فَإِذَا بِخَاتَمٍ فِي يَدِهِ مِنْ نُورٍ يحار) بفتح أوله أي يتحير (النّاظر دونه) أي عنده فلا يدري كيف يهتدي إلى معرفة كنهه (فختم به قلبي) أي لئلا يصل إليه ما لا يليق بجناب ربي (فامتلأ إيمانا وحكمة) أي إيقانا وإحسانا أو علما وفهما (ثمّ أعاده) أي رده (مكانه وأمرّ) بتشديد الراء أي أذهب (الآخر) أي منهما (يده على مفرق صدري) بفتح الميم والراء وبكسر الراء ذكره الشمني والحلبي وقال الدلجي بكسر الميم مع فتح الراء وبفتحها مع كسرها انتهى لا يخفى أن كسر الميم الموضوع للآلة غير مناسب هنا فإنه وسط الرأس حيث يفرق فيه الشعر في أصل اللغة إلا أنه استعير هنا لموضع الشق (فالتأم) بهمزة مفتوحة بعد التاء أي فاجتمع أو التحم وانتظم (وفي رواية) أي للدارمي وأبي نعيم في الدلائل (إنّ جبريل قال قلب) أي هذا قلب (وكيع أي شديد) تفسير من أحد الرواة ومعناه متين في العلم ومحكم في الفهم كما يشير إليه قوله (فيه) وفي أصل التلمساني له (عينان تبصران) أي تدركان

ص: 380

للأمور العقلية (وأذنان سميعتان) وفي نسخة تسمعان أي تعيان العلوم النقلية وضمير فيه راجع إلى القلب وهو أقرب أو إلى القالب وهو أنسب (ثمّ قال) أي أحدهما (لصاحبه) أي من الملكين (زنه) بكسر الزاء أمر من الورن (بعشرة من أمّته) أي في الفهم والعقل أو في الأجر والفضل (فوزنني بهم) أي حسا أو معنى (فرجحتهم) بتخفيف الجيم أي فغلبتهم في الرجحان (ثمّ قال) أي أحدهما لصاحبه (زنه بمائة من أمّته فوزنني بهم) أي بمائة منهم (فوزنتهم) أي رجحتهم في الوزن (ثُمَّ قَالَ زِنْهُ بِأَلْفٍ مِنْ أُمَّتِهِ فَوَزَنَنِي بهم فوزنتهم ثمّ قال دعه عنك) أي استرك وزنه (فلو وزنته بأمّته) أي جميعهم (لوزنها) أي لما منح من المنح السنية ومن المنن العلية (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام (في الحديث الآخر) أي في الرواية الأخرى وهي حديث ثلاثة رجال بشهادة قوله (ثمّ ضمّوني إلى صدورهم وقبّلوا رأسي) أي إشعارا برياستي وأني رئيس أمتي (وما بين عيني) بصيغة التثنية لا غير إيماء إلى أنه قرة العينين في الكونين (ثمّ قالوا يا حبيب) أي يا محبوب لمطلق الخلق والحق ويروى فقالوا إنك حبيب الله (لم ترع) بضم ففتح فسكون من الروع أي لا تفزع وفي التعبير بالماضي مبالغة في تحققه وفي رواية لن تراع بتأكيد نفي الاستقبال (إِنَّكَ لَوْ تَدْرِي مَا يُرَادُ بِكَ مِنَ الخير) أي الذي لا عين رأيت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر (لقرّت عيناك) بفتح القاف وتشديد الراء أي لطابت نفسك وسكن قلبك أو لسررت وفرحت وأصله برد الله تعالى دمعة عينيك لأن دمع السرور بارد وقيل معناه بلغك الله تعالى أمنيتك حتى ترضى وتسكن عينك فلا تستشرف إلى غيره (وفي بقية هذا الحديث) أي حديث ثم ضموني (من قولهم) بيان للبقية (مَا أَكْرَمَكَ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ مَعَكَ) معية مكانة وقربة وحضور وجمعية لامعية مكانية واجتماعية واتصالية واتحادية على ما تقوله الطائفة الإلحادية (وملائكته) أي معك كذلك في الحفظ والحراسة والنصرة والمعونة؛ (قال) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (في حديث أبي ذرّ) كما رواه الدارمي (فما هو) أي الأمر والشأن (إلّا أن ولّيا) أي أدبرا الملكان ورجعا (عنّي فكأنّما أرى الأمر) أي أمر النبوة والرسالة (معاينة؛ وحكى أبو محمّد المكّيّ وأبو اللّيث السّمرقنديّ؛ وغيرهما؛ أنّ آدم عليه السلام عند معصيته) أي الصورية وهي التي خرج بسببها من الجنة (قال) كما رواه البيهقي والطبراني من حديث ابن عمر بسند ضعيف (اللهمّ بحقّ محمّد) أي المغفور من ذريتي (اغفر لي خطيئتي ويروى وتقبّل توبتي) ولا منع من الجمع (فقال له الله تعالى من أين عرفت محمّدا) أي ولا رأيته أبدا. (قال رأيت في كلّ موضع من الجنّة) أي من شرف قصورها وصدور حورها وأطراف أنهارها واتحاف أشجارها (مَكْتُوبًا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله. ويروى) أي بدلا من هذه الجملة أو زائدا بعد هذه الكلمة (محمّد عبدي ورسولي) أي المختص بي من بين عبيدي ورسلي الشامل للملائكة (فعلمت أنّه أكرم خلقك عليك) أي حيث خصصته بتشريف الإضافة إليك ولم تذكر غيره من الخلق لديك (فتاب الله عليه وغفر له) أي رجع عليه بقبول توبته وحصول

ص: 381

مغفرته ووصول هدايته كما قال تعالى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (وهذا) أي قوله اللهم بحق محمد لا كما توهم الدلجي أنه لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ (عند قائله) أي رواية وناقله (تَأْوِيلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ [البقرة: 37] ) أي تلقاها من إلهامه وإعلامه وإن كان المشهور عند الجمهور إن المراد بالكلمات هي قوله رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا الآية (وفي رواية الآجري) بمد الهمزة وضم الجيم وتشديد الراء بعدها ياء نسبة قال الحلبي الظاهر أنه الإمام القدوة أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله البغدادي مصنف كتاب الشريعة في السنة والأربعين وغير ذلك روى عنه أبو نعيم الحافظ وخلق وكان عالما عاملا سكن مكة ومات بها سنة ستين وثلاثمائة وفي نسخة وفي رواية أخرى بمض همزة وسكون خاء معجمة (فقال آدم) أي في جواب ما تقدم (لمّا خلقتني) أي حين خلقتني في أول وهلتي (رفعت رأسي إلى عرشك فإذا فيه) أي في قوائمه كما في رواية (مَكْتُوبٌ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله) يعني وليس فيه ذكر رسول سواه (فعلمت أنّه) أي الشأن (لَيْسَ أَحَدٌ أَعْظَمُ قَدْرًا عِنْدَكَ مِمَّنْ جَعَلْتَ اسمه مع اسمك) أي مقرونا به في عرشك الذي هو أعظم خلقك (فأوحى الله إليه وعزّتي وجلالي) أي وعظمتي (إنّه لآخر النّبيّين من ذرّيتك) إيماء إلى أنه بمنزلة الثمرة لهذه الشجرة وأنه في مرتبة العلة الغائية في الخلقة الإنسانية وإشارة إلى أنه الغاية القصوى والمقصد الأسنى من مظاهر الأسماء الحسنى كما يدل عليه قوله (ولو لاه ما خلقتك) ويقرب منه ما روي لو لاك لما خلقت الأفلاك (قال) أي الآجري (وكان آدم يكنّى) بصيغة المجهول مخففا ومثقلا (بأبي محمّد) كما رواه البيهقي عن علي مرفوعا ووجه تخصيصه لكونه أفضل أولاده أو للتشرف باستناده، (وقيل بأبي البشر) أي عموما وفيه تنبيه أنه لم يكن يكنى بغيره من أولاده وذريته إشعارا بخصوصيته ولما تحت العموم من اندراج قضيته ولا يبعد تقدير مضاف بأن يقال كان يكنى بأبي خير البشر فاقتصر فتدبر (وروي عن سريج بن يونس) أي ابن إبراهيم الحارث البغدادي العابد القدوة أحد ائمة الحديث روى عنه مسلم والبغوي وأبو حاتم وهو بضم مهملة وفتح راء وسكون تحتية فجيم وأما ضبطه بالشين المعجمة في نسخة فتصحيف وكذا بالحاء المهملة (أنّه قال إنّ لله ملائكة سيّاحين) بتشديد التحتية أي سيارين على وجه الأرض للعبادة (عيادتها) بالتحتية أي زيارة تلك الجماعة من الملائكة السياحة وتفقدها من عاد يعود إذا زار ورجع للزيارة وفي نسخة بالموحدة ولا يخفى مزية العبادة على العادة بالتعمية المخفية (على كلّ دار) وفي نسخة على دار أي واقعة للمحافظة على كل دار (فيها أحمد أو محمّد) أي مسمى بأحدهما وفي نسخة عبادتها كل دار واقتصر عليها الشمني حيث قال عبادة بالباء الموحدة مبتدأ خبره كل دار على حذف مضاف أي حفظ أهل كل دار أو إعانة أهل كل دار (إكراما منهم لمحمّد صلى الله تعالى عليه وسلم) حيث عظموا دارا فيها سميه، (وروى ابن قانع القاضي) بالقاف وكسر النون فمهملة هو ابن مرزوق واسمه عبد الباقي صاحب معجم الصحابة وكتاب اليوم والليلة

ص: 382

وتاريخ الوفيات من أول سنة الهجرة فروى في معجم الصحابة له وكذا رواه الطبراني (عن أبي الحمراء) بفتح حاء مهملة فسكون ميم فراء ممدودة قال الحجازي هو مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم واسمه بلال بن الحارث وقال اليمني هو اسم لصحابيين أحدهما مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أخرج هذا الحديث ابن ماجة عنه والآخر مولى أبي عفراء ولا يعلم له رواية وقال الحلبي كان ينبغي للقاضي أن يذكر بقية هذا السند من ابن قانع إلى أبي الحمراء حتى نعرفهم ونعرف من أبو الحمراء فإن أبا الحمراء في الصحابة اثنان أحدهما مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم اسمه هلال بن الحارث بن ظفر أخرج حديثه ابن ماجة في التجارات أعني غير هذا الحديث المذكور في الأصل وأما هذا فليس له شيء في السنة والله تعالى أعلم روى عنه أبو داود والأعمش وغيره قال ابن معين كان بحمص وقال البخاري يقال ليس له صحبة ولا يصح حديثه انتهى وأما الثاني فيقال مولى الحارث بن رفاعة شهد بدرا واحدا ولا أعلم له رواية وإن كان أبو الحمراء من التابعين أو من بعدهم فلا أعلم فيهم أحدا يقال له أبو الحمراء وقد وقفت على الحديث المذكور لكن من رواية أنس وقد قال الذهبي فيه شيء تراه (قال قال رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ إِذَا عَلَى الْعَرْشِ مَكْتُوبٌ لَا إِلَهَ إِلَّا الله محمّد رسول الله أيّدته) أي قويته (بعليّ) أي لغاية قوته وعلو همته فال الدلجي وقد ورد انه حمل باب حصن خيبر وتترس به ورواه ابن عدي عن عيسى بن محمد عن الحسين بن إبراهيم البياني عن حميد الطويل عن أنس بلفظ لما عرج بي رأيت على ساق العرش مَكْتُوبًا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله أيدته بعلي أو نصرته بعلي قال في الميزان وهذا اختلاف من الحسين بن إبراهيم (وفي التّفسير عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما) كما رواه الخطيب فيما رواه مالك عنه (فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما [الكهف: 82] ) وقد رواه البزار مرفوعا من حديث أبي ذر وموقوفا على عمر وعلي (قال) أي ابن عباس وكذا من روى نحوه من غيره (لوح) أي الكنز المذكور جامع في المبنى والمعنى فإنه لَوْحٌ (مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ مَكْتُوبٌ عَجَبًا لِمَنْ أيقن بالقدر) أي بتقديره الذي لا يتصور تغييره (كيف ينصب) بفتح الصاد أي كيف يتعب وما قدر له يأتيه أن تعب وإن لم يتعب لكن قد يقال إن من جملة ما قدر تقديره أن يتعب فكيف لا يتعب قال البغوي القدر سر من أسراره سبحانه وتعالى لم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ولا يجوز الخوض فيه ولا البحث عنه بل الله تعالى خلق فمنهم شقي ومنهم سعيد وقال رجل لعلي أخبرني عن القدر فقال طريق مظلم لا تسلكه فأعاده السؤال فقال بحر عميق لا تلجه فأعاد فقال سر الله قد خفي عليك (عجبا لمن أيمن بالنّار) أي بوجودها (كيف يضحك) أي قبل ورودها (عجبا لمن يرى) وفي نسخة لمن رأى (الدّنيا وتقلّبها بأهلها) أي في انقلاب أحوالها لا سيما ومآلها إلى زوالها (كيف يطمئنّ إليها) أي يغتر بها ولا يعتبر بمن مضى فيها (أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا مُحَمَّدٌ عبدي ورسولي) أي إلى الخلق كافة

ص: 383

كما أن إلاله الههم عامة. (وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال الدلجي لا أعلم من رواه عنه (قال عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوبٌ إِنِّي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لا أعذّب من قالها) أي من صميم قلبه وتوفيق ربه على ثباته إلى مماته، (وذكر أنّه وجد) بصيغة المفعول فيهما وضمير أنه للشأن (على الججارة القديمة) أي العتيقة (مكتوب محمّد تقيّ) أي من الشرك ونقي من الشك (مصلح) أي لما أفسد الخلق من الحق تغييرا أو تبديلا، (وسيّد) أي للخلق (أمين) أي عند الخلق والحق؛ (وذكر السّمنطاريّ) بكسر مهملة وميم وسكون نون فمهملة من جملة المحدثين والأئمة المصنفين تآليف كثيرة في فنون العلوم على ما ذكره التلمساني (أَنَّهُ شَاهَدَ فِي بَعْضِ بِلَادِ خُرَاسَانَ مَوْلُودًا وُلِدَ عَلَى أَحَدِ جَنْبَيْهِ مَكْتُوبٌ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَعَلَى الْآخَرِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) أقول إذا ثبت ما سبق من كونه مكتوبا على العرش وغيره بروايات معتبرة فلا يحتاج إلى مثل هذه الرواية التي يحتمل أن تكون معتمدة وكذا قوله، (وذكر الأخباريّون) بالخاء المعجمة (أَنَّ بِبِلَادِ الْهِنْدِ وَرْدًا أَحْمَرَ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ بالأبيض) أي منقوش به بجعل الأحمر على أطرافه بالأبيض كالاسفيداج ونحوه وفي نسخة صحيحة مكتوبا على الورد الأحمر بِالْأَبْيَضِ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله) وعن الحافظ المزي أخبرني من سافر إلى بلاد الهند أن فيه شجرة معروفة يسقط منها في كل سنة ورقة مكتوب عليها لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وقال ابن القيم في تاريخه في ترجمة الحسن بن أحمد بن الحسن الوراق الخواص المصيصي مسندا عنه إلى علي بن عبد الله الهاشمي الرقي أنه قال دخلت في بلاد الهند إلى بعض قراها فرأيت وردة كبيرة طيبة الرائحة سوداء عليها مكتوب بخط أبيض لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أبو بكر الصديق عمر الفاروق فشككت في ذلك وقلت إنه معمول فعمدت إلى وردة لم تفتح ففتحتها فكان فيها مثل ذلك وفي البلد منه شيء كثير وأهل تلك القرية يعبدون الحجارة لا يعرفون الله تعالى انتهى وقال الشيخ عبد الله بن أسعد اليافعي في كتاب المسمى بروض الرياحين قال بعض الشيوخ دخلت بلاد الهند فدخلت مدينة فيها شجر يحمل ثمرا يشبه اللوز له قشران فإذا كسر خرج منه ورقة خضراء مطوية مكتوب عليها بالحمرة لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ كتابة جلية وهم يتبركون بها ويستسقون بها إذا منعوا من الغيث فحدثت بهذا أبا يعقوب الصياد فقال لي ما استعظم هذا كنت اصطاد على نهر الإبلة فاصطدت سمكة مكتوب على جنبها الأيمن لا إله إلا الله وعلى جنبها الأيسر محمد رسول الله فلما رأيتها قذفتها في الماء احتراما لما عليها كذا ذكره الشمني والذي يخطر بالبال الفاتر والله أعلم بالظواهر والسرائر أن هذه كلها كشوفات مكشوفات لأهلها لا يراها من لم يستأهلها وربما يقال أن اسمه سبحانه وتعالى مع اسم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مرسوم على كل شيء من الأشياء بحكم قوله تعالى وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ أي جعلنا ذكرنا معك في كل شيء من ملك وفلك وبناء وسماء وفرش وعرش وحجر ومدر وشجر وثمر ونحو ذلك ولكن أكثر الخلق لا يبصرون تصويرهم ونظيرهم قوله سبحانه وتعالى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ

ص: 384