المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [وأما خوفه صلى الله تعالى عليه وسلم من ربه عز وجل] - شرح الشفا - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأوّل

- ‌[المقدمة]

- ‌ترجمة القاضي عياض

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌القسم الأول [في تعظيم العلي الأعلى جل وعلا]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ [فِيمَا جَاءَ من ذلك مجيء المدح والثناء]

- ‌الفصل الثّاني [في وصفه تعالى بالشهادة وما تعلق به من الثناء والكرامة]

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ [فيما ورد من خطابه تعالى إياه مورد الملاطفة والمبرة]

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُ [فِي قَسَمِهِ تَعَالَى بِعَظِيمِ قَدْرِهِ صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الفصل الخامس في قسمه

- ‌الْفَصْلُ السَّادِسُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى في جهته عليه الصلاة والسلام مورد الشفقة والإكرام]

- ‌الفصل السّابع [فيما أخبره الله بِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ عَظِيمِ قَدْرِهِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّامِنُ [فِي إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقَهُ بصلاته عليه وولايته له]

- ‌الْفَصْلُ التَّاسِعُ [فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْفَتْحِ مِنْ كراماته عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْعَاشِرُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كتابه العزيز من كراماته عليه ومكانته عنده]

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي تَكْمِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ المحاسن خلقا وخلقا]

- ‌فصل [قال القاضي رحمه الله تعالى إذا كانت خصال الكمال والجلال]

- ‌فصل [إن قلت أكرمك الله تعالى لا خفاء على القطع بالجملة]

- ‌فصل [وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُفُورُ عَقْلِهِ وَذَكَاءُ لُبِّهِ وَقُوَّةُ حَوَاسِّهِ وفصاحة لسانه واعتدال حركاته وحسن شمائله]

- ‌فصل [وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول]

- ‌فصل [وأما شرف نسبه وكرم بلده ومنشأه]

- ‌فصل [وأما تَدْعُو ضَرُورَةُ الْحَيَاةِ إِلَيْهِ مِمَّا فَصَّلْنَاهُ فَعَلَى ثلاثة ضروب الضرب الأول]

- ‌فصل [وأما الضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته والفخر بوفوره]

- ‌فصل [وأما الضرب الثالث فهو ما تختلف فيه الحالات]

- ‌فصل [وأما الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [وأما أَصْلُ فُرُوعِهَا وَعُنْصُرُ يَنَابِيعِهَا وَنُقْطَةُ دَائِرَتِهَا فَالْعَقْلُ]

- ‌فصل [وأما الحلم]

- ‌فصل [وأما الجود]

- ‌فصل [وأما الشجاعة والنجدة]

- ‌فصل [وأما الحياء والإغضاء]

- ‌فصل [وأما حسن عشرته وآدابه]

- ‌فصل [وأما الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق]

- ‌فصل [وأما خلقه صلى الله تعالى عليه وسلم في الوفاء]

- ‌فصل [وأما تواضعه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما عدله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته]

- ‌فصل [وأما وقاره صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما زهده صلى الله تعالى عليه وسلم في الدنيا]

- ‌فصل [وأما خوفه صلى الله تعالى عليه وسلم من ربه عز وجل]

- ‌فصل [اعلم وفقنا الله تعالى وإياك أن صفات جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قد آتيناك أكرمك الله سبحانه من ذكر الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [في تفسير غريب هذا الحديث ومشكله]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ ومشهورها بتعظيم قدره عند ربه عز وجل]

- ‌الفصل الأول [فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ مَكَانَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عز وجل]

- ‌فصل [في تفضيله صلى الله تعالى عليه وسلم بما تضمنته كَرَامَةُ الْإِسْرَاءِ]

- ‌فصل [ثم اختلف السلف والعلماء هل كان إسراء بروحه أو جسده]

- ‌فصل [إبطال حجج من قال أنها نوم]

- ‌فصل [وأما رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم لربه عز وجل]

- ‌فصل [في فوائد متفرقة]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَظَاهِرُ الآية من الدنو والقرب]

- ‌فصل [في ذكر تفضيله في القيامة بخصوص الكرامة]

- ‌فصل [في تفضيله بالمحبة والخلة]

- ‌فصل [في تفضيله بالشفاعة والمقام المحمود]

- ‌فصل [في تفضيله فِي الْجَنَّةِ بِالْوَسِيلَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ وَالْكَوْثَرِ وَالْفَضِيلَةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ إِذَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلِيلِ الْقُرْآنِ وصحيح الأثر]

- ‌فصل [في أسمائه صلى الله تعالى عليه وسلم وما تضمنته من فضيلته]

- ‌فصل [في تشريف الله تعالى له بما سماه به من أسمائه الحسنى]

- ‌فصل [قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وها أنا أذكر نكتة]

- ‌الْبَابُ الرَّابِعُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَشَرَّفَهُ بِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ والكرامات]

- ‌فصل [اعلم أن الله عز وجل قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْمَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ]

- ‌فصل [اعلم أن معنى تسميتنا ما جاءت به الأنبياء معجزة]

- ‌فصل [في إعجاز القرآن العظيم الوجه الأول]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ إِعْجَازِهِ صُورَةُ نَظْمِهِ الْعَجِيبِ والأسلوب الغريب]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْإِعْجَازِ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ من الأخبار]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الرَّابِعُ مَا أَنْبَأَ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ القرون السالفة]

- ‌فصل [هَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ إِعْجَازِهِ بَيِّنَةٌ لَا نزاع فيها ولا مرية]

- ‌فصل [ومنها الروعة]

- ‌فصل [وَمِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْدُودَةِ كَوْنُهُ آيَةً بَاقِيَةً لا تعدم ما دامت الدنيا]

- ‌فصل [وَقَدْ عَدَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمُقَلِّدِي الْأُمَّةِ في إعجازه وجوها كثيرة]

- ‌فصل [في انشقاق القمر وحبس الشمس]

- ‌فصل [في نبع الماء من بين أصابعه الشريفة وتكثيره ببركته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ تَفْجِيرُ الْمَاءِ ببركته وانبعاثه]

- ‌فصل [ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته]

- ‌فصل [في قصة حنين الجذع له صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [ومثل هذا وقع في سائر الجمادات بمسه ودعوته]

- ‌فصل [في الآيات في ضروب الحيوانات]

- ‌فصل [في إحياء الموتى وكلامهم]

- ‌فصل [في إبراء المرضى وذوي العاهات]

- ‌فصل [في إجابة دعائه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في كراماته صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْغُيُوبِ]

- ‌فصل [في عصمة الله تعالى له صلى الله تعالى عليه وسلم من الناس وكفايته من آذاه]

- ‌فصل [ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم]

- ‌فصل [ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام وكراماته وباهر آياته أنباؤه مع الملائكة]

- ‌فصل [وَمِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ وَعَلَامَاتِ رِسَالَتِهِ مَا تَرَادَفَتْ]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ عِنْدَ مولده عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى قد أتينا في هذا الباب]

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌فصل [وأما خوفه صلى الله تعالى عليه وسلم من ربه عز وجل]

من ربهم السعة ولا دفع المضرة نظرا إلى كمال حسن مآلهم (فقدموا على ربّهم) راضين بقضائه صابرين على بلائه شاكرين على نعمائه (فأكرم مآبهم) أي مرجعهم إليه (وأجزل) أي أعظم (ثوابهم) لديه (فأجدني أستحي) بياءين وفي نسخة بياء واحد أي فأرى نفسي مستحيية (إن ترفّهت) أي لو تنعمت (في معيشتي أن يقصّر بي) بتشديد الصاد المفتوحة (غدا دونهم) أي دون مرتبتهم وتحت درجتهم وهمتي أن أكون فوق جملتهم (وَمَا مِنْ شَيْءٍ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ اللّحوق بإخواني) أي في الجملة (وأخلائي) أي أحبائي في الملة. (قالت فما أقام) أي في الدنيا (بعد) بالضم أي بعد قوله ذلك (إلّا شهرا حتّى توفّي صلى الله تعالى عليه وسلم) غاية لإقامته أي إلى أن مات وانتقل إلى رحمة ربه وهذا يدل على اختياره الفقر في جميع أمره إلى آخر عمره قال الدلجي رحمه الله تعالى لم أدر من روى هذا الحديث لكن روى ابن أبي حاتم في تفسيره عنها قالت ظل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم صائما ثم طواه ثم ظل صائما ثم طواه ثم ظل صائما قال يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد يا عائشة إن الله تعالى لم يرض من أولي العزم من الرسل إلا بالصبر على مكروهها والصبر عن محبوبها ولم يرض مني إلا أن يكلفني ما كلفهم فقال فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ قفاها وإني والله لأصبرن كما صبروا جهدي ولا قوة إلا بالله قال التلمساني هنا مسألة وهي من قال ما لي صدقة على أعقل الناس فأفتى الفقهاء على أنه يعطى الزهاد لأن العاقل من طلق الدنيا وأنشدوا:

طلق الدنيا ثلاثا

وأطلبن زوجا سواها

إنها زوجة سوء

لا تبالي من أتاها

أنت تعطيها مناها

وهي تعطيك قفاها

فإذا نالت مناها

منك ولتك وراها

‌فصل [وأما خوفه صلى الله تعالى عليه وسلم من ربه عز وجل]

أي ثالث (وأمّا خوفه ربّه) معمول للمصدر المضاف إلى فاعله وفي نسخة من ربه (وطاعته له) أي كمال انقياده في جميع حالاته (وشدّة عبادته) أي كمية وكيفية (فعلى قدر علمه بربّه) أي بمقدار معرفته بعظمته (ولذلك) أي لكون ما ذكر على قدر علمه (قال) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (فيما حدّثناه) أي في جملة ما رواه لنا (أبو محمّد بن عتّاب) بتشديد التاء الفوقية (قراءة منّي) أي بين أقراني (عليه) ففيه دلالة على تسوية إطلاق الحديث على القراءة والسماع (قال ثنا) أي حدثنا (أبو القاسم الطّرابلسيّ) بضم الموحدة واللام (ثنا أبو الحسن القابسيّ) بكسر الموحدة (ثنا أبو زيد المروزيّ ثنا أبو عبد الله الفربريّ) بكسر ففتح فسكون (ثنا محمّد بن إسماعيل) أي البخاري صاحب الصحيح. (ثنا يحيى بن بكير) بالتصغير روى عن مالك والليث قال أبو حاتم لا يحتج به وضعفه النسائي قال الذهبي كان

ص: 319

ثقة واسع العلم وذكر في الميزان أنه وثقه غير واحد قال الحلبي كيف لا وقد احتج به البخاري وروى عنه (عن اللّيث) أي ابن سعد عالم أهل عصره روى عن عطاء وابن أبي مليكة ونافع قال أبو نعيم في الحلية أدرك نيفا وخمسين رجلا من التابعين وعنه قتيبة وخلق كان نظير مالك في العلم وقال الشافعي الليث أفقه من مالك ولكن أضاعه أصحابه وقيل كان دخله في السنة ثمانين ألف دينار فما وجبت عليه زكاة وقد حج وأهدى إليه مالك طبقا فيه رطب فرد إليه على الطبق ألف دينار وأخرج أبو نعيم عن لؤلؤ خادم الرشيد قال جرى بين الرشيد وبين بنت عمه زبيدة بنت جعفر كلام فقال لها هارون أنت طالق إن لم أكن من أهل الجنة ثم ندم فجمع الفقهاء فاختلفوا ثم كتب إلى البلدان فاستحضر علماءها إليه فلما اجتمعوا جلس لهم فسألهم فاختلفوا وبقي شيخ لم يتكلم وكان في آخر المجلس فسأله فقال إذا خلا أمير المؤمنين في مجلسه كلمته فصرفهم فقال يدنيني أمير المؤمنين فأدناه فقال اتكلم على الأمان قال نعم فأمر بإحضار مصحف فأحضر فقال تصفحه يا أمير المؤمنين حتى تصل إلى سورة الرحمن فأقرأها ففعل فلما انتهى إلى قوله تعالى وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ قال أمسك يا أمير المؤمنين قل والله فاشتد ذلك على هارون فقال يا أمير المؤمنين الشرط املك فقال والله حتى فرغ من اليمين قال قل إني اخاف مقام ربي فقال ذلك يا أمير المؤمنين فهي جنتان وليست بجنة واحدة قال فسمعنا التصفيق والفرح من وراء الستر فقال الرشيد احسنت والله وأمر له بالجوائز والخلع وأمر له باقطاع وأن لا يتصرف واحد بمصر إلا بأمره وصرفه مكرما وقد ذكروا في ترجمته أنه كان لا يتكلم كل يوم حتى يتصدق على ثلاثمائة وستين مسكينا عدد أيام السنة (وعن عقيل) بضم مهملة وفتح قاف وهو ابن خالد الأيلي أخرج له الأئمة الستة (عن ابن شهاب) هو الزهري (عن سعيد بن المسيّب) بفتح التحتية المشددة وتكسر وهو من أجلاء التابعين وساداتهم (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه كَانَ يقول) يدل على تكرر سماعه لهذا الحديث عنه (قال رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قليلا ولبكيتم كثيرا) أخرجه البخاري في الدقائق وروى أحمد والبخاري أيضا ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أنس وزاد الحاكم عن أبي ذر ولما ساغ لكم الطعام ولا الشراب ورواه الطبراني والحاكم والبيهقي عن أبي الدرداء بزيادة ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى لا تدرون تنجون أو لا تنجون (زاد) أي شيخنا السابق أو بعض مشايخنا وقد أخطأ الدلجي بقوله أي زاد أبو هريرة أو النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لأنه يصير التقديران أحدهما زاد في روايتنا عن أبي عيسى رفعه إلى أبي ذر وخطأه لا يخفى على من له ذرة من العقل الذي يدرك مراتب النقل (في روايتنا) أي من غير قراءتنا (عن أبي عيسى التّرمذيّ) أي صاحب السنن (رفعه) أي الترمذي إسناده أو حديثه (إلى أبي ذرّ رضي الله عنه أي في قوله مرفوعا كما صرح به الترمذي في الزهد وقال حسن غريب ويروى عن أبي ذر موقوفا وأخرج ابن ماجه فيه نحوه ورواه محمد بن حميد الرازي ورفعه أيضا (إنّي أرى ما لا

ص: 320

ترون) أي أبصر ما لا تبصرون من عجائب الملكوت (وأسمع ما لا تسمعون) أي من غرائب أخبار عالم الجبروت (أطّت السّماء) بتشديد الطاء أي صوتت (وحقّ لها) بصيغة المجهول أي وينبغي لها (أن تئطّ) لكثرة ما عليها من الملائكة فكأنهم أثقلوها كثرة وقوة حتى اطت كالقتب وهو تمثيل للتلويح بكثرتها وإن لم يكن ثم أطيط لها تقريرا لعظمة خالقها ومثله حديث العرش على منكب إسرافيل وأنه ليئط أطيط الرحل الجديد بعظمته وعجزه عن حمله إذ من المعلوم أن اطيط الرحل وهو الكور براكبه إنما يكون لقوة ما فوقه من ثقله (ما فيها موضع أربع أصابع) ظرف مستقر لاعتماده على حرف النفي (إلّا وملك) حال من فاعل الظرف وهو موضع أي إلا وفيه مالك (واضع) بالتنوين (جبهته) أي جبينه (ساجدا لله) حال من الضمير قبله، (والله لو تعلمون ما أعلم) أي من شدائد الأحوال وعظائم الأهوال (لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا) جواب القسم الساد مسد جواب لو وفيه مقابلة الضحك والقلة للبكاء والكثرة ووقع هنا للدلجي خبط وعدم ربط وتقديم وتأخير لا يليق بضبط الكتاب ولا بحديث الباب لا بد من إصلاحه على نهج الصواب، (وما تلذّذتم بالنّساء على الفرش) بضمتين جمع فراش فهو من قبيل مقابلة الجمع بالجمع، (ولخرجتم إلى الصّعدات) بضمتين جمع صعيد أي الطرقات (تجأرون) أي حالي كونكم ترفعون أصواتكم وتستغيثون وتتضرعون في جميع حالاتكم (إلى الله» لوددت أنّي) بكسر الدال الأولى أي لأحببت وتمنيت ووقع في أصل الدلجي بزيادة الواو قبل وفي رواية ليتني (شجرة تعضد) بصيغة المجهول أي تقطع، (روي) استئناف بصيغة المجهول أي نقل (هذا الكلام) أي بخصوصه مما سبق من المرام وهو قوله (وَدِدْتُ أَنِّي شَجَرَةٌ تُعْضَدُ، مِنْ قَوْلِ أَبِي ذرّ نفسه) موقوفا عليه من غير رفعه، (وهو) أي إسناده الموقوف (أصحّ) أي من إسناده المرفوع قال الحلبي ولما وقفت على قوله وددت إلى آخره من زمن طويل قطعت بأن هذا ليس من كلام النبوة ثم رأيت بعض الحفاظ المتأخرين من مشايخ مشايخي في أربعين له قال إنه مدرج ثم رأيت كلام القاضي أنه من قول أبي ذر وهو أصح وهذه العبارة ما هي مخلصة والذي ذكره بعض مشايخ مشايخي من إنه مدرج هو الصواب فيما يظهر لي انتهى وقد تصحف قوله وهو أصح على الدلجي بما وقع له في أصله وهو واضح بزيادة واو ونقطة صاد يعني وهو ظاهر ثم بينه بقوله أي من حيث إنه أشبه بكلامه وأليق بحاله مع كونه صلى الله تعالى عليه وسلم أعلم بمكانته عند ربه وأنزه من أن يتمنى عليه دون ما أعطاه انتهى ولا يخفى أن الكلام في صحة الرواية وإلا فلا يخفى وجه ظهور الدراية لأن مثل هذا الكلام إنما ينشأ عن غلبة الخوف من مشاهدة الله بوصف عظمته ومطالعة نعت سخطه المقتضي لعقوبته الجائزة من حيث العقل أنه المطابق للنقل أنه سبحانه وتعالى لو عذب أهل سمواته وأرضه يكون عادلا في قضائه وحكمه إذ لا يسأل عما يفعل وهم يسألون فمن نظر إلى نعوت الجمال حصل له البسط في الحال والمقال ومن طالع صفات الجلال وقع في قبض الحال وضيق البال والكلال وبهذا يجمع بين قول بعضهم من عرف الله طال

ص: 321

لسانه وقول آخرين من عرف الله كل لسانه هذا وقد ذكر الحافظ أبو نعيم في الحلية أن عمر رضي الله تعالى عنه مر برجل من المنافقين جالس والنبي صلى الله تعالى عليه وسلم يصلي فقال له ألم تصل مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال له مر إلى عملك فذكر ذلك لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال له عليه الصلاة والسلام إن لله تعالى في السموات السبع ملائكة يصلون له غنى عن صلاة فلان قال عمر ما صلاتهم يا نبي الله قال فلم يرد عليه شيئا فأتاه جبريل عليه السلام فقال يا نبي الله سألك عمر عن صلاة فلان فقال اقرأ على عمر السلام وأخبره بأن أهل سماء الدنيا سجود إلى يوم القيامة يقولون سبحان ذي الملك والملكوت وأهل السماء الثانية ركع إلى يوم القيامة يقولون سبحان ذي العزة والجبروت وأهل السماء الثالثة قيام إلى يوم القيامة يقولون سبحان الحي الذي لا يموت انتهى وفي آخر الحديث ما فيها موضع أربع أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ. (وفي حديث المغيرة) أي ابن شعبة كما رواه الشيخان وغيرهما عنه وهو من دهاة العرب وكذا زياد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان قال ابن وضاح أحصن المغيرة في الإسلام ألف امرأة (صلّى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي من كثرة صلاة الليل (حتّى انتفخت قدماه) أي تورمت قال ابن مرزوق إنما ذلك من طول القيام فتنصب المواد إلى الأسافل فتستقر في القدم فيرم لذلك وينتفخ وذلك لبعده من حرارة القلب قيل كان يصلي الليل كله حتى تورمت قدماه من طول القيام فأنزل الله عليه من القرآن ما خففت به عليه وعلى من تبعه وهو قوله إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى وكذا قوله طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى، (وفي رواية) أي لهما عنه (كان يصلّي) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (حتّى ترم قدماه) على زنة تعد مضارغ ورم كورث بمعنى تورمت كما في رواية وأما تشديد الميم على ما في بعض النسخ فخطأ فاحش والعدول عن الماضي لحكاية الحال الماضية كقولهم مرض حتى لا يرجونه فالظاهر أنه مرفوع ومنه قوله سبحانه وتعالى حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ بالرفع على قراءة نافع، (فقيل له أتكلّف هذا) بحذف إحدى التاءين وتشديد اللام أي أتتحمل هذا التحمل وجوز الدلجي كونه من كلف بكسر اللام ومنه حديث إني أراك كلفت بعلم القرآن وحديث اكلفوا من العمل ما تطيقون لكنه غير موافق لما في القاموس فإنه قال كلف كفرح أولع وهو مناسب للحديث الأول ثم قال واكلفه غيره وهو الملائم للحديث الثاني أي كلفوا أنفسكم أو غيركم ما تطيقون من أعمالكم ثم قال صاحب القاموس وتكلفه تجشمه والمتكلف المتعرض لما لا يعنيه انتهى ولا يخفى أن هذا المبنى هو المناسب في المعنى الواو هنا بالجملة الحالية بقوله (وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وما تأخّر) كما أخبر الله سبحانه وتعالى في سورة الفتح بِقَوْلِهِ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وفي عطف ما تأخر اعتناء عظيم فتدبر وحاصله أنك معصوم من ارتكاب الذنب المتعارف ولو فرض أن يقع منك ما لا يليق بمقامك فإن حسنات الأبرار سيئات الأحرار فإنه مغفور عنك ثم لما كان الغالب أن كثرة العبادة ينشأ

ص: 322

عن غلبة خوف العقوبة (قال أفلا أكون عبدا شكورا) على ما أنعم علي من المغفرة وجاء الحديث طبق الآية في مدح نوح عليه الصلاة والسلام إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً وفي ذكر العبد إيماء إلى أنه لا بد لي من القيام بوظائف العبودية ومبالغة في أداء شكر حقوق الربوبية.

(ونحوه) أي مثله في المعنى مع اختلاف يسير في المبنى (عن أبي سلمة وأبي هريرة) كذا في النسخ بالعطف والظاهر تكرار عن لما في الشمائل للترمذي بإسناده بلفظ عن أبي سلمة عن أبي هريرة وأبو سلمة هذا تابعي جليل أحد الفقهاء السبعة وهو ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري أحد العشرة ويحتمل أن يكون في ذلك حديث لأبي سلمة الصحابي موقوفا أو مرفوعا والله أعلم (وقالت عائشة رضي الله عنها أي فيما رواه الشيخان (كان عمل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ديمة) بكسر الدال أي دائما باعتبار الغلبة فلا ينافي تركه على سبيل الندرة وما الطف عبارتها بقولها ديمة فإنها في الأصل المطر الدائم فلا يبعد أن يجعل من التشبيه البليغ مع قصدها المبالغة في عموم الفائدة، (وأيّكم يطيق ما كان يطيق) أي لما كان له من قوة النبوة الموجبة للمداومة. (وقالت) أي فيما روياه عنها أيضا (كان يصوم حتّى نقول) بالنصب وروي بالرفع كما سبق وروي بالوجهين مخاطبا والمعنى حتى نظن (لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ. ونحوه عن ابن عبّاس وأمّ سلمة) وهي آخر أمهات المؤمنين توفيت في إمارة يزيد (وأنس وقال) أي كل منهم رضي الله تعالى عنهم لا أنس وحده كما اقتصر عليه الانطاكي لكونه أقرب مبنى فإن الجمع أنسب معنى (كنت) أيها المخاطب (لا تشاء أن تراه في اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلَّا رَأَيْتَهُ مُصَلِّيًا وَلَا نَائِمًا) أي ولا تشاء أن تراه نائما (إلّا رأيته نائما) لما ورد عنه أما أنا فأصلي وأنام وأصوم وأفطر. (وقال عوف بن مالك) وهو من أكابر الصحابة وقد روى عنه أبو داود والنسائي والترمذي (كنت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليلة) ولعله كان في السفر (فاستاك) أي أول ما استيقظ (ثمّ توضّأ) والظاهر أنه اكتفى بالاستياك الأول. (ثمّ قام يصلّي) أي التهجد؛ (فقمت معه) يحتمل مقتديا ومتابعا (فبدأ) أي القراءة (فاستفتح البقرة) أي بعد الفاتحة لكونها كمقدمتها أو لبيان الجواز بترك قراءتها، (فلا يمرّ بآية رحمة إلّا وقف) أي في موقفها (فسأل) أي الله الرحمة، (وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ) أي التجأ من العقوبة لكونه واقفا بين مقامي الخوف والرجاء ووصفي الفناء والبقاء وملاحظا نعتي الجلال والجمال كما هو حال أهل الكمال، (ثمّ ركع فمكث) بضم الكاف وفتحها أي لبث فيه (بقدر قيامه يقول سبحان ذي الجبروت) فعلوت للمبالغة من الجبر بمعنى القهر والغلبة فإنه هو القاهر فوق عباده (والملكوت) مبالغة الملك أو باطنه أن الملك ظاهره وهذا المعنى متعين عند الجمع بينهما (والكبرياء) أي العظمة المناسب ذكرها في الركوع ولذا لما نزل قوله سبحانه وتعالى فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ قال اجعلوها في ركوعكم يعني قولوا فيه سبحان ربي العظيم، (ثمّ سجد) أي سجودا طويلا كما هو الظاهر (وقال مثل ذلك) أي نظيره أو بعينه لشمول معنى الكبرياء وصف العلاء الملائم ذكره في

ص: 323

السجود لانه لما نزل قوله سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال اجعلوها في سجودكم أي قولوا فيه سبحان ربي الأعلى (ثمّ قرأ آل عمران) أي في ذلك الركعة أيضا أو في أخرى وهو الظاهر لقوله، (ثمّ سورة سورة) أي ثم قرأ في كل ركعة سورة، (يفعل مثل ذلك) أي من تطويل الركوع والسجود والتسبيح المذكور وغير ذلك. (وعن حذيفة مثله) أي مثل حديث عوف كما في مسلم (وقال) أي زيادة على تلك الرواية مع احتمال إطلاعه على غير تلك الحالة (سَجَدَ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، وَجَلَسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ نحوا منه) أي قريبا من طوله (وقال) أي حذيفة (حَتَّى قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءَ وَالْمَائِدَةَ) أي في ركعة والظاهر في أربع ركعات بتسليمة أو تسليمتين. (وعن عائشة) أي برواية الترمذي (قالت قام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بآية من القرآن) وهي إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ اقتداء بعيسى عليه الصلاة والسلام في الكلام وإيماء إلى أنه صلى الله تعالى عليه وسلم يريد المغفرة والرحمة ورفع العقوبة عن جميع أمة الإجابة مع التسليم تحت الإرادة وإنما كررها للتدبر في معناها وما يتعلق بمبناها من آثار القدرة وأسرار العزة وأنوار الحكمة (ليلة) أي في ليلة من الليالي وهو يحتمل كلها أو بعضها والأظهر أكثرها وظاهر القيام أن تكرارها كان في الصلاة حال الوقوف وأما ما رواه أحمد والنسائي بسند صحيح عن أبي ذر بلفظ قام حتى أصبح بآية إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فلا يدل على إحياء الليل كله لأنه لم يكن من دأبه فيحتمل أنه قام من الليل أو قام لصلاة التهجد حتى أصبح. (وعن عبد الله بن الشّخير) بكسر شين وخاء مشددة معجمتين صحابي نزل البصرة وأدرك الجاهلية والإسلام فهو مخضرم كما روى أبو داود والترمذي والنسائي عنه (أتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو يصلّي) جملة حالية (ولجوفه) أي صدره (أزيز) بكسر الزاي الأولى أي حنين من البكاء ويراد به هنا الخنين بالخاء المعجمة وهو البكاء مع غنة وانتشاق الصوت من الأنف (كأزيز المرجل) أي كغليانه وهو بكسر ميم وفتح جيم قدر من نحاس على ما في الصحاح وسمي به لأنه إذا نصب كأنه أقيم على رجله. (وقال ابن أبي هالة) وهو هند ربيبه عليه الصلاة والسلام من خديجة (كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم متواصل الأحزان) أي متتابعها لعلمه بشدائد الأحوال وموارد الأهوال حالا ومآلا ولكونه في سجنه سبحانه المقتضي أحزانه وما أحسن قول ابن عطاء:

ما دمت في هذه الدار لا تستغرب وقوع الاكدار وأما ما ورد من قوله أعوذ بك من الحزن فمحمول على حزن يتعلق بالدنيا كما قال سبحانه وتعالى لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ، (دائم الفكرة) أي في عاقبة الأمر (ليست له راحة) لقيامه بما كلف من تحمل أعباء الرسالة ومن وظائف العبادة وقد بسطت تحقيق هذه الأحاديث كلها باعتبار مبناها ومعناها في جمع الوسائل لشرح الشمائل.

ص: 324

(وقال صلى الله تعالى عليه وسلم) أي فيما رواه مسلم وغيره (إنّي لأستغفر الله) أي أطلب مغفرته وأسأل رحمته (في اليوم) أي الواحد بل ورد عنه في المجلس الواحد (مائة مرّة) أي بلفظ استغفر الله أو بزيادة العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه أو بلفظ رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم (وروي) كما في البخاري والترمذي (سبعين مرّة) وكل منهما يحتمل التحديد والتكثير وكأنه صلى الله تعالى عليه وسلم عد اشتغاله بدعوة الأمة ومحاربة الفكرة وتألف المؤلفة ومعاشرة الأهل والعشيرة ومباشرة الأكل والشرب وسائر ضرورات المعيشة مما يحجزه عن كمال الحضور وظهور نور السرور الحاصل من مراقبته ومشاهدته ولهذا المعنى لما سئل الشبلي عن سبب سد باب إفادته فقال لأن أكون طرفة عين مع رب العالمين خير عندي من علوم الأولين والآخرين وقد قال الغزالي ضيعت قطعة من العمر العزيز في تصنيف البسيط والوسيط والوجيز مع أن الأخير هو خلاصة مذهب الإمام الشافعي من طريق النووي والرافعي وهذا بالنسبة إلى قياس ما ظهر لنا من أحوالنا وإلا فالأمر كما روي عن الأصمعي في حديث إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر ربي من أنه لو صدر هذا على قلب صلى الله تعالى عليه وسلم لفسرته ولله در أدبه حيث عظم قلب حبيب ربه الذي هو مهبط وحيه. (وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن سنّته) أي طريقته المبنية على شريعته وحقيقته (فقال المعرفة رأس مالي) لأنها المقصودة من أصل الخلقة قال الله تعالى وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ قال ابن عباس أي ليعرفون، (والعقل أصل ديني) أي بناء مداره ومحل اعتباره (والحبّ أساسي) أي أساس قلبي في حضوري مع ربي (والشّوق مركبي) لأن صاحب الشوق وطالب الذوق في سلوك الطائرين وفاقدهما سيره ضعيف في منازل السائرين (وذكر الله أنيسي) أي مؤنسي وسبب لأن يكون جليسي لحديث أنا أنيس من ذكرني وجليس من ذكرني وفي نسخة أنسي بضم فسكون (والثّقة) أي بالله كما في رواية يعني أن الاعتماد على ربي (كنزي) لما ورد القناعة كنز لا يفنى ولما يشير إليه قوله سبحانه وتعالى ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ (والحزن رفيقي) حيث إنه لا ينفك عن قلبي لما سبق من أنه كان متواصل الأحزان ولحديث إن الله يحب قلب كل حزين (والعلم سلاحي) لأني أحارب به عدوي من نفسي وشيطاني وأدفع عني به كيد إخواني (والصّبر ردائي) أي موضع تحملي ومحل تجملي وسبب رفعتي وكبريائي (والرّضى) بالقصر مصدر وفي نسخة بالمد على أنه اسم (غنيمتي) لأنه مغتنم في جميع ما يجري من القضاء ولذا قيل الرضى بالقضاء باب الله الأعظم وقد قال تعالى وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ وفيه إيماء بأن رضى الله والعبد متلازمان لا يتصور أنهما ينفكان (والعجز فخري) أي افتخر بإظهار العجز والافتقار في مرتبه العبودية إلى الاحتياج للقدرة والقوة الربوبية كما يشير إليه قوله تعالى وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ ولعل هذا هو وجه ما وقع في نسخة من لفظ الفقر بدل العجز وإن قال ابن تيمية إن حديث الفقر فخري كذب وقال

ص: 325