الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَحْسَنُ ولقوله تعالى وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً؛ (وقال مجاهد) كما رواه ابن أبي حاتم وأحمد في الزهد عنه (كان طعام يحيى العشب) أي زهدا وقناعة ورفضا للنعمة (وكان) أي مع ذلك (يبكي من خشية الله عز وجل أي مخافته مع أنه قط ما همّ بمعصية (حتّى اتّخذ الدّمع مجرى في خدّه) أي موضع جري كالنهر في وجهه من أثر دمعه لشدة معرفته بربه لقوله سبحانه وتعالى إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (وَكَانَ يَأْكُلُ مَعَ الْوَحْشِ لِئَلَّا يُخَالِطَ النَّاسَ) لأن الاستيناس بالناس من علامة الإفلاس (وحكى الطّبريّ) وهو الإمام محمد بن جرير (عن وهب) أي ابن منبه (أنّ موسى عليه السلام كان يستظلّ بعريش) هو بيت من عيدان تنصب ويظلل عليها قال التلمساني هو بسقوط لا في أصل القاضي وبثبوته في رواية العراقي أي لا يستظل انتهى ولا يخفى بعده وعدم مناسبته لما بعده من قوله (يأكل في نقرة) بضم نون وسكون قاف أي حفرة ومنه نقرة القفاء (من حجر) أي بدلا من طرف خشب أو خزف، (ويكرع) بفتح الراء (فيها) أي يأخذ الماء بفيه من غير كف ولا إناء فيشربه منها (إِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَ كَمَا تَكْرَعُ الدَّابَّةُ) أي حين لم تلق وعاء الماء (تواضعا لله) أي لإكرامه (بما أكرمه الله من كلامه) وفيه إيماء إلى أن زهده هذا كان مستمرا إلى كماله وآخر حاله (وأخبارهم) أي آثار الأنبياء (في هذا كلّه) أي في هذا المعنى جميعه (مسطورة) أي مكتوبة ومضبوطة ومحفوظة (وصفاتهم في الكمال) أي في كمال ذواتهم (وجميل الأخلاق وحسن الصّورة) ووقع في أصل التلمساني الصور جمع الصورة وهو الأنسب لجمع ما قبله من الأخلاق وما بعده من قوله، (والشّمائل معروفة مشهورة) أي مذكورة في محلها وقد سئل محمد بن سالم بماذا يعرف الأولياء في الخلق فقال بلطف لسانهم وحسن إخلاقهم وبشاشة وجوههم وسخاء أنفسهم وقلة اعتراضهم وقبول عذر من اعتذر إليهم وتمام الشفقة على إخوانهم (فلا نطوّل بها) أي بذكر جميعها (ولا تلتفت) أيها المخاطب (إِلَى مَا تَجِدُهُ فِي كُتُبِ بَعْضِ جَهَلَةِ المؤرّخين) بالهمز والواو أي المدعين علم تواريخ الأنبياء وغيرهم (والمفسّرين) أي التابعين لهم فيما نقلوه من أخبارهم (ممّا يخالف هذا) أي الذي ذكرناه عنهم في سيرهم الثابتة عن علماء السلف وخيارهم.
فصل [قد آتيناك أكرمك الله سبحانه من ذكر الأخلاق الحميدة]
(قد أتيناك) بالمد أي أعطيناك وأعلمناك وفي نسخة صحيحة اتيناك بالقصر أي جئناك والأول أولى لقوله بعد الجملة المعترضة الدعائية وهي قوله (أكرمك الله من ذكر الأخلاق الحميدة) اللهم إلا أن يدعي أن من بمعنى الباء ثم الأخلاق الحميدة هي الشمائل السعيدة، (والفضائل المجيدة) أي الكريمة العظيمة، (وخصال الكمال العديدة) جمع خصلة بمعنى الخلة بالفتح أي المعدودة المعتدة الدالة على كمال ذاته وجمال صفاته صلى الله تعالى عليه وسلم وشرف وكرم (وأريناك) أي أظهرنا لك (صحّتها) أي صحة روايتها ونسبه ثبوتها
المناسبة (له صلى الله تعالى عليه وسلم وجلبنا) بجيم فلام فموحدة أي أوردنا وروينا وتصحف على الدلجي بقوله وحكينا (من الآثار ما فيه مقنع) بفتح ميم ونون أي ما يقنع به ويكتفى بذكره (والأمر) أي الشأن في مناقبه (أوسع) أي أكثر من أن يذكر هنا جميع مراتبه (فمجال هذا الباب) بالجيم وزيادة الميم أي سعته وكثرته (في حقّه صلى الله تعالى عليه وسلم) أي من جهة نعته وصفته (ممتدّ) أي طويل لا يكاد ينتهي إلى حد معتد (ينقطع دون نفاده) بفتح نون ثم دال مهملة أي قبل تصور فراغه أو من غير تحقق فنانه وجوز إعجام الدال بمعنى مضيه (الأدلّاء) جمع أدلة جمع دليل أي دال على مساحة البر. (وبحر علم خصائصه) أي الذي لسعته وكثرته (زاخر) أي ممتلىء كثير ممدود عرضا وطولا قال التلمساني ووصف ابن عباس عليا رضي الله تعالى عنهم فقال هو قمر باهر في ضوئه وبهائه وأسد خادر في شجاعته ومضائه وفرات زاخر في جوده وسخائه وربيع باكر في خصبه وحيائه وروي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه وصف به رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (لا تكدّره الدّلاء) جمع دلو أي لا تؤثر فيه حين أخذ بعضه بنقص يورث صفوه كدرة في ساحته وفيه إيماء إلى أنه لم يصل أحد من العلماء إلى غاية بربره وحلمه ولا نهاية من ساحل كرمه وعلمه ولذا قال (ولكنّ أتينا فيه بالمعروف) أي اختصرنا في وصفه على ما هو معروف من الروايات (ممّا أكثره في الصّحيح والمشهور) أي في مرتبة الحسن (من المصنّفات واقتصرنا في ذلك) أي المعروف مما هنالك (بقلّ من كلّ) بضم كل من القاف والكاف وتشديد اللامين وهما لغتان في القلة والكثرة أي على نقل قليل من كثير وفي الحديث الربا وإن كثر فإنه إلى قل أي إلى قلة وانتقاص لقوله تعالى يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ (وغيض من فيض) بالضاد المعجمة فيهما والغيض النقص والفيض الزيادة يقال أعطى غيضا من فيض أي قليلا من كثير ويقال غاض الكرام وفاض اللثام والمعنى وآتينا هنا بنعت يسير من وصف غزير وهو أولى من جعله تفسيرا لما قبله وتأكيدا واعتباره تفننا كما ذكره الدلجي (ورأينا أن نختم هذه الفصول) أي الواردة في هذا الباب من جملة الكتاب (بذكر حديث الحسن) أي ابن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما الوارد بالإسناد الحسن عنه (عن ابن أبي هالة) وهو خاله هند (لجمعه) علة لقوله رأينا أو نختم أي لاستجماع حديثه أو استحضاره نفسه (من شمائله) أي أخلاقه صلى الله تعالى عليه وسلم (وأوصافه كثيرا) أي شيئا كثيرا مما لم يجمعه غيره إلا نزرا يسيرا (وإدماجه) أي ولإدخال هند أو الحسن في حديثه (جملة كافية) أي جملا وافية (من سيره) أي من شمائله الخلقية (وفضائله) أتي الوهبية، (ونصله) عطف على نختم أي ورأينا أن نلحق حديثه بعد تمامه (بتنبيه لطيف) في تبيين مجمله (على غريبه) من جهة المبنى (ومشكله) من طريقة المعنى. (حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الحافظ) أي ابن سكرة وقد تقدم رحمه الله بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ثنا) أي حَدَّثَنَا (الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طاهر) بطاء مهملة (التّميميّ قراءة عليه) بالنصب وفي نسخة قرأت عليه (أخبركم) أي قال
أخبركم في ضمن اخباري لكم (الفقيه الأديب) أي الجامع بين علمي المسائل الشرعية والقواعد العربية (أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحسن النّيسابوريّ) بفتح نون فتحتية ساكنة فسين مهملة معرب المعجمة بلد بخراسان (وَالشَّيْخُ الْفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد بن الحسن المحمّديّ) أي المنسوب إلى مسمى بمحمد بصيغة المفعول، (وَالْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ جعفر الوخشيّ) بفتح واو وسكون خاء فشين معجمتين وقيل بالحاء المهملة قرية من أعمال بلخ سمع أبا بكر الخيري بخراسان وأبا نعيم الحافظ بأصبهان وأبا عمر الهاشمي بالبصرة وابا عمر بن مهدي ببغداد وتمام الرازي بدمشق وأبا محمد بن النحاس بمصر روى عنه طائفة وحدث عنه الخطيب وهو أقرانه وسمع منه الحسن بن البلخي سنن أبي داود (قالوا) أي كلهم (ثنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن الحسن الخزاعيّ) بضم خاء معجمة منسوب لقبيلة خزاعة (أنا) أي أخبرنا (أبو سعيد الهيثم بن كليب) بالتصغير (الشّاشيّ) بمعجمتين منسوب إلى بلد مشهورة من بلاد ما وراء النهر صاحب المسند ومحدث ما وراء النهر (أنا أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة) بفتح المهملة والراء (الحافظ) وهو الترمذي صاحب الجامع والشمائل (قال حدّثنا سفيان بن وكيع) أي ابن الجراح ضعيف (ثنا جميع) بضم جيم وفتح ميم وسكون تحتية (ابن عمر بن عبد الرّحمن العجليّ) بكسر مهملة فسكون جيم منسوب إلى قبيلة عجل (إملاء من كتابه) أي رواية من كتابه المقروء على شيخه وهو أقوى من الإملاء عن ظهر قلبه وثقه ابن حبان وضعفه غيره (قال حدّثني رجل من بني تميم) قال الأنطاكي هو أبو عبد الله التميمي (من ولد أبي هالة) بفتح الواو واللام وبضم فسكون أي أحفاده (زوج خديجة) بالجر بدل من أبي هالة (أمّ المؤمنين رضي الله عنها أي قبل وصولها إليه صلى الله تعالى عليه وسلم (يكنّى أبا عبد الله) بفتح الكاف وتشديد النون المفتوحة وبسكون الكاف وتخفيف النون أي يعرف ذلك الرجل بهذه الكنية (عن ابن لأبي هالة) أي بلا واسطة وهو غير معروف كما صرح به الذهبي في ميزانه وأصل هالة علم لدارة القمر فهو أقوى في منع الصرف من هريرة في أبي هريرة لأن هريرة اسم جنس ثم هذا الإسناد ظاهره الاتصال ولكنه منقطع لأن الرجل لم يسم بل لم يسم فيه رجلان ومثل هذا يسمى منقطعا ولكنه إن سمى فيه الرجل من طريق آخر فهو متصل من وجه ومنقطع من وجه وإن لم يسم مطلقا فهو منقطع أبدا كذا ذكره بعض الأئمة وقال بعض علمائنا إنه لا يضر الإسناد مثل هذه الجهالة فهو في حكم المرسل وهو حجة عند الجمهور والله تعالى أعلم (عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه قال) أي الحسن (سَأَلْتُ خَالِيَ هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ قَالَ القاضي) كان حقه أن يكتب رمز «ح» إشارة إلى التحويل من سند إلى آخر أو يأتي بالعاطفة فيقول وقال القاضي (أبو عليّ رحمه الله وهو ابن سكرة (وَقَرَأْتُ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي طَاهِرٍ أَحْمَدَ بْنِ الحسن) وروى فيه الحسين بالتصغير (ابن أحمد بن خذادادا) بضم خاء فذال معجمتين فألف فدال مهملة بعدها ألف فدال مهملة أو معجمة لغة فارسية ومعناه
بالعربية عطاء الله (الكرجيّ) بفتح كاف فسكون راء فجيم (الباقلّاني) بتشديد اللام وبعد ألفه نون فياء نسبة لباقلا على غير قياس (قال وأجاز لنا الشّيخ الأجلّ) أي الجليل القدر أو أجل زمانه وأكمل أقرانه (أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خَيْرُونَ) بفتح معجمة فسكون تحتية فضم راء يصرف ويمنع (قالا) أي كلاهما (ثنا) أي حَدَّثَنَا (أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ) بمعجمتين (ابن حرب بن مهران) بكسر الميم (الفارسيّ) بكسر الراء ويسكن (قراءة عليه فأقرّ به) أي اعترف بجواز نقله عنه وهو شرط فيمن قيل له أخبركم فلان أو أخبرني فلان عنك أو نحوه وإن لم يقربه فلا يكون دليلا ولا حجة ولا بد من الإقرار وفيه تصحيح الرواية (قال) أي أبو علي المذكور (أنا) أَخْبَرَنَا (أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْحَسَنِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ) بالتصغير في الثلاثة (ابن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ أَخِي طاهر العلويّ) بفتحتين قال الحلبي هذا الرجل ترجمه الذهبي في الميزان ونسبه كما هنا ثم قال روي بقلة حيائه عن الديري عن عبد الرزاق بإسناد كالشمس على خير البشر وعن الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن محمد بن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر مرفوعا قال وذريته يجتمعون الأوصياء إلى يوم القيامة فهذان دالان على كذبه وعلى رفضه عفا الله عنه ولولا أنه متهم لازدحم عليه المحدثون فإنه معمر انتهى ولا يخفى أنهما يدلان على كذبه ووضعه وعلى تفضيله أيضا وإما على رفضه بمعنى سبه وبغضه فلا غايته أن الحديث ضعيف أو موضوع من طريقه لكنه لا يضر حيث إنه ثابت بإسناد الترمذي في شمائله وإنما أراد المصنف أن يتبرك بذكر مشايخه في إسناده ويسلك بنفسه في سلك استناده وإلا فكان يكفيه أن يسند الحديث إلى الترمذي المعروف بثبوت سنده إما بكونه صحيحا أو حسنا أو ضعيفا لأنه وغيره ملتزمون أن لا يذكروا حديثا فيه راو حكم بوضعه (ثنا) أي حَدَّثَنَا (إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ) بالتصغير (ابن عليّ بن أبي طالب قال حدّثني) وفي نسخة قال حدثنا (عليّ بن جعفر) أي الصادق (بن محمّد بن عليّ بن الحسين) قال الحلبي على هذا يروى عن أبيه وأخيه موسى والثوري وعنه أحمد البزي وجماعة أخرج له الترمذي فقط قال الذهبي ما رأيت أحدا بينه ولا وثقه ولكن حديثه منكر جدا ما صححه الترمذي ولا حسنه وقد رواه عن نصر بن علي عنه عن أخيه موسى عن أبيه عن أجداده من أحبني انتهى والحديث هو مَنْ أَحَبَّنِي وَأَحَبَّ هَذَيْنِ وَأَبَاهُمَا وَأَمَّهُمَا كَانَ معي في درجتي يوم القيامة أخرجه الترمذي في المناقب وانفرد بالإخراج له كذا ذكره الحلبي (عن أخيه موسى بن جعفر) أي ابن محمد العلوي الكاظم روى عن أبيه وعبد الله بن دينار ولم يدركه وعنه ابنه علي الرضى وأخواه علي ومحمد وبنوه إبراهيم وإسماعيل وحسين قال أبو صالح حاتم ثقة إمام مات في حبس الرشيد أخرج له الترمذي وابن ماجة وقال المسعودي قبض موسى ببغداد مسموما لخمس عشر خلت من ملك الرشيد سنة ست وثمانين ومائة وهو ابن أربع وخمسين سنة (عن
جعفر بن محمّد) أي الصادق (عن أبيه محمّد بن عليّ) هو أبو جعفر الباقر سمي به لتبقره في العلم أي لتوسعه فيه روى عن أبويه وجابر وابن عمر وطائفة وعنه ابنه جعفر الصادق والزهري وابن جريج والأوزاعي وآخرون أخرج له الأئمة الستة (عن عليّ بن الحسين) هذا زين العابدين روى عن أبيه وعائشة رضي الله تعالى عنها وأبي هريرة وجمع وعنه بنوه محمد وزيد وعمر والزهري وأبو الزناد وخلق قال الزهري ما رأيت قرشيا أفضل منه أخرج له الأئمة الستة قال المسعودي وكل عقب الحسين فهو من علي بن الحسين هذا (قال قال الحسن بن عليّ رضي الله تعالى عنهما واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (لهذا السّند) أي لأهل هذا السند الثاني وهو بالنون لا بالياء التحتية قال التلمساني هذا إسناد شريف لأنه مروي عن أهل البيت ومثله الإسناد المروي في صفة الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حتى قال فيه الأئمة إسناد لو ذكر على ذي علة أو حمى لبريء أو مصاب لا فاق ولو رقى به ملسوع لبرئ (سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ عَنْ حلية رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) بكسر حاء وسكون لام فتحتية أي وصفه ونعته (وكان) أي هند (وصّافا) أي كثير الوصف له عليه الصلاة والسلام جملة معترضة (وأنا أرجو) جملة حالية أي اتمنى وأحب كما في رواية (أن يصف لي منها) أي من حليته (شيئا) أي بعضا منها (أتعلّق به) أي اتشبث به علما وعملا وهذا الحديث من طريق الترمذي في الشمائل وقد انفرد بإخراجه عن أصحاب الكتب الستة وقد بسطت الكلام على دقائق مبانيه وحقائق معانيه في جمع الوسائل لشرح الشمائل وهنا اتبع المصنف في ضبط مبناه أولا وربط معناه ثانيا وبالله التوفيق وهو الهادي إلى سواء الطريق (قال) أي هند (كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فخما مفخّما) أي مهيبا عظيما في العيون (مفخما) بتشديد الخاء المعجمة المفتوحة أي معظما مكرما في القلوب كما يشير إلى هذا المعنى ما ورد أنه من رآه فجأة هابه ومن خالطه عشرة أحبه وليس المراد بهما بيان ضخامته في جسمه وخلقته لما سيأتي خلافه في نعته ولا يبعد أن يقال معناهما عظيم عند الحق ومعظم عند الخلق (يتلألأ وجهه) أي يضيء من كمال نوره وجمال ظهوره (تلألؤ القمر ليلة البدر) أي كاضاءته حال بدره وبدوره (أطول من المربوع) أي القصير المربوع القامة (وأقصر من المشذّب) بتشديد الذال المعجمة المفتوحة أي الطويل البائن (عظيم الهامة) بتخفيف الميم أي كبير الرأس المشير إلى الوقار والرزانة (رجل الشّعر) بكسر الجيم وفتح العين ويسكن أي متكسره قليلا (إن انفرقت عقيقته) أي انفرق شعر رأسه من ذات نفسه (فرق) أي تركه مفروقا (وإلّا فلا) أي وإن لم ينفرق فلا يفرقه عن قصد منه والفرق هو الطريق الأبيض الذي هو حاجز بين ناحيتي شعر الرأس (يجاوز شعره) أي شعر رأسه (شحمة أذنيه) أي أحيانا ويروى شحمة اذنه بالإفراد والشحمة معلق القرط وهو ما لان من أسفلها (إذا هو وفّره) بتشديد الفاء وقيل بتخفيفها وفي نسخة صحيحة وفره بزيادة الضمير أي تركه وافرا أو جعله وفرة إذ لا يسمى وفرة إلا إذا وصل إلى الشحمة (أزهر اللّون) أي أبيض نيرا وقد جاء من حديث علي
رضي الله تعالى عنه أنه كان أبيض مشربا بحمرة على ما أخرجه أبو حاتم عنه وكذا أخرج عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان أبيض اللون وفي المسند من رواية عبد الله من طريقين إن رجلا سأل عليا عن نعته عليه الصلاة والسلام فقال فيه إنه أبيض شديد الوضح ولعل الأول باعتبار الوجه والأعضاء التي تبدو للشمس وهذا باعتبار سائر البدن والمراد بالوضح كمال صفاء بياضه فلا ينافي ما جاء في الصحيح من حديث أنس أنه عليه السلام لم يكن بالأبيض الأمهق ولا بالآدم وأما ما في المسند لأحمد من حديث أنس أنه عليه الصلاة والسلام كان اسمر فالمراد به اسمر إلى البياض كما ذكره ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (واسع الجبين) أي من جمال خلقه ويمكن أن يكون كناية عن كمال خلقه وأصل الجبين ما بين الصدغين (أزجّ الحواجب) بتشديد الجيم الأولى أي دقيقها مع غزارة شعرها وتقوس أصلها (سوابغ) أي كوامل طولا وشوامل أصلا والسين أعلى من الصاد (من غير قرن) بفتحتين وقد يسكن أي من دون اجتماع واتصال بين الحاجبين وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَدٍ وَصْفُهُ بِالْقَرْنِ ولعل منشأ الخلاف من جهة قرب الرائي وبعده أو المراد بالإثبات قرب القرن وبالنفي بعده لأن المطلوب اعتداله المحمود من كل وجه له وأما ما جوزه الحلبي من أنه كان بغير قرن ثم حدث له القرن فيبعد تصوره (بينهما) أي بين حاجبيه، (عرق) بكسر أوله (يدرّه) من الإدرار أي يكثر دمه ويحركه ويهيجه (الغضب) أي عند مشاهدة مخالفة الرب فلا يخالف حديث لا يغضب (أقنى العرنين) بالكسر أي طويل الأنف مع دقة أرنبته وحدب في وسطه على ما في نهاية ابن الأثير ويكنى به عن العزيز الذي معه منعة وذلك لشموخ أنفه وارتفاعه على قومه هذا وقال الجوهري وعرنين كل شيء أوله وعرنين الأنف تحت مجتمع الحاجبين وهو أول الانف حيث يكون فيه الشمم (له) أي لأنفه بخصوصه (نور يعلوه) أي يظهر عليه أو يرفعه من كثرة ضيائه وشدة بهائه وقوة صفائه (يحسبه) بكسر السين وفتحها أي يظن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أو أنفه الوضيء (من لم يتأمّله) أي وجهه (أشمّ) مفعول ثان ليحسبه والاشم الطويل قصبة الأنف قال الجوهري وهو من ارتفع وسط قصبة أنفه مع استواء أعلاه وأشراف أرنبته قليلا من منتهاه فإن كان فيه أحد يدأب فهو أقنى (كثّ اللّحية) بتشديد المثلثة أي غزير شعرها وكثير أصلها وفي رواية كان كثيف اللحية وفي أخرى عظيم اللحية ذكره ميرك شاه رحمه الله تعالى فما في شرح الشمائل لابن حجر المكي من قوله غير دقيقها ولا طويلها ينافي الرواية والدراية لأن الطويل مسكوت عنه مع أن عظم اللحية بلا طول غير مستحسن عرفا كما أن الطول الزائد على القبضة غير ممدوح شرعا ثم هذا لا ينافي ما ورد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعا من سعادة المرء خفة لحيته كما رواه الأربعة فإن الكثيف والخفيف من الأمور الإضافية فيحمل على الاعتدال الذي هو الكمال في جميع الأحوال ولا يبعد أن يحمل الكثيف على أصله والخفيف على عدم طوله وعرضه وأما قول الفقهاء في تعريف اللحية الخفيفة هي ما تظهر البشرة من تحتها فحادث اصطلاحا ومبنى
الأحاديث هذه على المعنى اللغوي تصحيحا وإصلاحا (أدعج) أي في العين وهو شدة سواد الحدقة مع شدة بياضها (سهل الخدّين) أي سائلهما غير مرتفع الوجنتين (ضليع الفم) أي عظميه أو واسعه والعرب تمدح عظيمه وتذم صغيره ولعله للإيماء إلى سعة الفصاحة وظهور أثر الملاحة (أشنب) بمعجمة فنون فموحدة أي أبيض الأسنان أو الشنب رونقها وماؤها وبهاؤها (مفلّج الأسنان) بتشديد اللام المفتوحة أي مفرج الثنايا لحديث علي أفلج الثنايا ولأن تباعد الأسنان كلها عيب (دقيق المسربة) بضم الراء ما دق من شعر الصدر كالخيط سائلا إلى السرة (كأنّ) بتشديد النون (عنقه) أي رقبته وجيده (جيد دمية) بضم المهملة صورة تعمل من عاج أو رخام أو غيرهما ويتأنق في تحسينها ويبالغ في تزيينها حال كون عنقه (في صفاء الفضّة معتدل الخلق) بفتح الخاء أي متناسب الأعضاء في الحسن والبهاء (بادنا) أي عظيم البدن من جهة اللحم أو خلقه العظيم وليس معناه السمين الضخم بل صلب الجسم غير مسترخي اللحم كما قال (متماسكا) أي ليس بمسترخي اللحم وروي متماسك بالرفع أي هو متماسك يمسك بعضه بعضا لشدته ولا ينافيه ما ورد من أنه عليه السلام كان ضرب اللحم أي خفيفه يعني بالإضافة إلى السمين البطين (سواء البطن والصّدر) بالإضافة أي مستويان لا يرتفع أحدهما على الآخر فهما معتدلان (مشيح الصّدر) بضم ميم وكسر معجمة فتحتية فمهملة أي بادية وظاهره لا تطامن ولا انخفاض به كما أنه لا ارتفاع له وروي بفتح الميم ومهملتين من المساحة أو السياحة أي عريضه وهو إيماء إلى سعة صدره في أمره وأنشراح قلبه بحكم ربه (بعيد ما بين المنكبين) أي وسيع ما بين الكتف والعنق قال ههنا بعيد وفيما سبق عظيم فعظمه إما لبعده فهما سواء أو هناك كثير اللحم وهنا بعيد فهما موصوفان وما موصولة (ضخم الكراديس) أي عظيم رؤوس العظام وجسيمها جمع كردوس وهو رأس العظم أو كل عظمين التقيا في مفصل كالمنكبين والوركين (أنور المتجرّد) بفتح الراء المشددة وهو ما جرد عنه ثوبه من جسده (موصول ما بين اللّبّة) بفتح اللام وتشديد الموحدة أي موضع القلادة وهو الصدر أو النحر وما موصولة (والسّرّة بشعر) متعلق بموصولة (يجري كالخطّ) بتشديد الطاء المهملة أي يمتد مشابها للخط المستطيل وهو ما سبق من معنى المسربة شبهه بجريان الماء وهو امتداده في سيلانه (عاري الثّديين) بفتح فسكون أي ليس عليهما شعر وقيل لحم ويؤيد الأول قوله (ما سوى ذلك) أي ما سوى الخط والمعنى إلا ما سبق من شعر المسربة وروي مما سِوَى ذَلِكَ (أَشَعَرَ الذِّرَاعَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ وَأَعَالِيَ الصَّدْرِ) جمع أعلى أي ما فوقه فإن جميعها كثير الشعر لما تقدم أن ما بعده قليل الشعر وأما ما ورد عن علي كرم الله وجهه على ما في حسان المصابيح من أنه عليه الصلاة والسلام كان أجرد والأجرد هو الذي لا شعر عليه فمحمول على أنه أريد بالأجرد ضد الأشعر والمعنى أنه لم يكن على جميع بدنه شعر لا الأجرد المطلق (طويل الزّندين) بفتح فسكون أي عظمي الذراعين من اليدين (رحب الرّاحة) بفتح فسكون وقد يضم أوله أي وسيع الكف وهو قد
يكون كناية عن نهاية الجود وغاية الكرم (شئن الكفّين والقدمين) بسكون المثلثة وقيل بالفوقية وهما لغتان على ما في القاموس أي يميلان إلى غلظ وقصر أو إلى غلظ فقط ويحمد ذلك في الرجال لأنه أشد لقبضهم وبطشهم وأقوى لمشيهم وثباتهم ذكره ابن الأثير في المثلثة (سائل الأطراف) بالسين المهملة واللام اسم فاعل (أو قال) شك من الراوي (سائن الأطراف) بالنون وهما بمعنى أي ممتدها وقد تبدل اللام نونا ذكره الدلجي وزيد في نسخة صحيحة وسائر الأطراف بالراء ويدل عليه ذكره في كلام المصنف عند حل مشكله وقد قال ابن الأنباري روى سائل الاطراف أو قال سائن بالنون وهما بمعنى واحد تُبْدَلُ اللَّامُ مِنَ النُّونِ إِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ بِهَا وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَسَائِرُ الْأَطْرَافِ فإشارة إلى ضخامة جوارحه كما وقعت مفصلة في الحديث قال الأنطاكي هو بواو العطف أي وسائر أطرافه ضخم (سبط العصب) بفتح سين مهملة وسكون موحدة وفي نسخة بكسرها وروي بتقديم الموحدة والعصب بفتح المهملتين على ما في الأصول المصححة والنسخ المعتبرة وأما قول الحلبي هو تصحيف والصواب بالقاف فهو عن صوب الصواب تحريف والمعنى ممتدة أطناب مفاصله وممتلئة من غير تعقد ونتوء وروي القصب بالقاف قال الهروي وهو كل عظم عريض كاللوح وكل أجوف فيه مخ كالساعد رواه ابن الأنباري قالوا وهو الأشبه والمراد عظام ساعديه وساقيه باعتبار طولهما (خمصان الأخمصين) بضم الخاء المعجمة الأولى مبالغة من الخمص أي شديد تجافي أخمص القدم عن الأرض وهو الموضع الذي لا يلصق بها منها عند الوضع (مسيح القدمين) أي ملساوين لينين لا نتوء بهما وهو بفتح الميم وكسر المهملة قال الحجازي ويروى بضم الميم وشين معجمة (ينبو عنهما الماء) على زنة يدعو أي يأبى عن قبولهما وقوفه فيهما لملاستهما (إذا زال) أي عن مكانه (زال تقلّعا) بضم اللام المشددة ويروى قلعا بكسر اللام وسكونها ويروى إذا مشى تقلع أي رفع رجليه من الأرض رفعا بقوة كأنه يثبت في المشية بحيث لا يظهر منه العجلة وشدة المبادرة عملا بقوله تعالى وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ أي لا مشي الخيلاء ولا سير متماوت كالنساء وروي إذا مشى مشى تقلعا وزيد في نسخة صحيحة (ويخطو تكفأ) بضم فاء مشددة فهمز أو واو وسبق بيان مبناه وتبينان معناه (ويمشي هونا) أي برفق وسكون ووقار وسكينة من غير دفع ومزاحمة لقوله تعالى وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وهو لا ينافي قوله (ذريع المشية) بالذال المعجمة وكسر الميم أي سريعها بسعة الخطوة كما يشير إليه قوله (إذا مشى كأنّما ينحطّ) أي ينزل (من صبب) أو في صبب كما في رواية أي منحدر من الأرض لقوة مشيه وتثبت خطوه في وضعه وحطه قال الأزهري الانحطاط من صبب والتكفؤ إلى قدام والتقلع من الأرض قريب بعضها من بعض في المعنى وإن اختلفت الفاظها في المبنى وأما حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ما رأيت أحدا أسرع في مشيه من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فمحمول على السرعة المرتفعة عن دبيب المتماوت لا أنه عليه الصلاة والسلام كان يثب وثوب الشطار أو
على أن السرعة كانت تقع في مشيه عليه السلام لسعة خطوه من غير قصد له كيف وقد روي أنه عليه السلام قال سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن على ما رواه جماعة من الحفاظ (وإذا التفت) أي يمنة أو يسرة أو إلى أحد من جانبيه (التفت جميعا) أي مجتمعا إليه ومقبلا بكليته عليه فلا يسارق النظر ولا يكون كالطير الخفيف الطيش بل يقبل جميعا ويدبر جميعا (خافض الطّرف) أي بصره حياء من ربه وتواضعا لأصحابه، (نظره إلى الأرض أطول) أي أكثر مدة (من نظره إلى السّماء) لأنه أجمع للفكرة وأوسع للعبرة (جلّ نظره) بضم الجيم وتشديد اللام أي معظمه (الملاحظة) مفاعلة من اللحظ وهو مراعاة النظر بشق العين مما يلي الصدغ وكأنه أراد بها هنا حال كثرة تفكره في أمره المانع من توجهه بجميع نظره إلى جانب من طرقه أو إلى أحد من أهله (يسوق أصحابه) أي يقدمهم أمامه ويمشي خلفهم تواضعا لربه وتعلميا لأصحابه وهذا في الحضر وأما في السفر فلزيادة مراعاة أضعف القوم ومحافظتهم من ورائهم وكان لا يدع أحدا يمشي خلفه ويقول دعوا خلفي للملائكة قال النووي وإنما تقدمهم في سؤر صنعه جابر لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم دعاهم إليه فجاؤوا تبعا له كصاحب الطعام إذا دعا طائفة مشى أمامهم انتهى ولا يبعد أن يقال إنما نقدمهم مبادرة إلى ما أراد من تكثير الطعام بوضع يده الشريفة عليه عليه الصلاة والسلام (ويبدأ) وفي رواية ويبدر بضم الدال أي يتبادر (من لقيه بالسّلام) لأنه الاكمل وثوابه الأفضل لما فيه من التواضع أولا والتسبب لفرض الجواب ثانيا ولذا عدت هذه الخصلة من السنن التي هي أفضل من الفريضة وفيه إشارة إلى أنه يستحب للأكبر أن يبتدئ به على الأصغر كما روي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم ليلة الإسراء لما وصل إلى مقام الانتهاء وقال التحيات لله والصلوات والطيبات وبالغ في الثناء قال الله تعالى السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فأجابه صلى الله تعالى عليه وسلم بقوله اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يرجع السلام السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقالت الملائكة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله والحديث إلى هنا اتفق عليه الترمذي والطبراني والبيهقي في روايتهم عن ابن أبي هالة وقد اقتصر عليه السيوطي في جامعه الصغير وأما بإسناد المصنف على وفق ما في الشمائل للترمذي فقد قال الحسن بن علي لخاله هند لما وصل إلى هذا المحل وقد حصل له الحظ الأكمل من بعض فعله الأجل (قلت صف لي منطقه) أي كيفية آداب نطقه وبيان أخبار صدقه (قال) أي هند (كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم متواصل الأحزان) أي وهو مما يوجب تكليل اللسان وتقليل البيان (دائم الفكرة) أي في أمر الآخرة (ليست له راحة) لأنه في دار محنة وهذا كله مما يقتضي قوله (ولا يتكلّم في غير حاجة) وكونه (طويل السّكوت) ثم ليس المراد بحزنه الما بفوت مطلوب عاجل ولا بتوقع مكروه آجل فإن ذلك منهي عنه لقوله سبحانه وتعالى لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ ولا ما أصابكم ولما ورد من دعائه عليه الصلاة والسلام اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وإنما المراد به التيقظ والاهتمام لما يستقبله من الأمور العظام كما أشار إليه
قوله تعالى حكاية عن أهل الجنة حال وصولهم إلى غاية المنن الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ وأما ما نقله الحلبي عن ابن إمام الجوزية من أن حديث هند بن أبي هالة في صفته عليه الصلاة والسلام أنه كان متواصل الأحزان لا يثبت وفي إسناده من لا يعرف وكيف يكون وقد صانه الله تعالى عن الحزن على الدنيا وأسبابها ونهاه عن الحزن على الكفار وغفر لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ فمن أين يأتيه الخزن فمدفوع بما نقله الحلبي أيضا عن شيخ الإسلام ابي العباس بن تميمة في حديث هند بن أبي هالة أنه عليه الصلاة والسلام كان كثير الصمت دائم الفكر متواصل الأحزان أما لفظه فالصمت والفكر للسان والقلب وأما الحزن فليس المراد به الألم على فوت مطلوب أو حصول مكروه فإن ذلك لم يكن من حاله انتهى وهذا تقرير لثبوت الحديث في المبنى واحتياج تأويله في المعنى ثم هذا كله من هند يدل على كماله حيث ذكر هذه المقدمة توطئه في مقام مقاله إجمالا ثم بينه تفصيلا بقوله (يفتتح الكلام ويختمه) أي يطلب ابتداءه وانتهاءه (بأشداقه) أي جوانب فمه لرحب شدقه والعرب تتمدح به (ويتكلّم بجوامع الكلم جمع جامعة) أي بالكلم الجوامع لمباني يسيرة ومعاني كثيرة وفي الحديث كان يستحب الجوامع من الدعاء أي الجامعة لمقاصد صالحة وفوائد صحيحة (فضلا) أي يتكلم حال كون كلامه كلاما بينا يعرفه كل أحد هينا ومنه قوله سبحانه وتعالى إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ أي بين الحق والباطل أو قاطع جامع مانع (لا فضول فيه) أي عريا من الفائدة فيكون مملا (ولا تقصير) أي فيه عن أصل معناه وما يتعلق بمبناه من منافعه الزائدة فيكون مخلا (دمثا) بفتح مهملة وكسر ميم فمثلثة أي كان لين الخلق سهلا (ليس بالجافي) أي غليظ الطبع أو الذي يجفو أصحابه (ولا المهين) بفتح الميم وضمها قال ابن الأثير فالضم من الإهانة أي لا يهين أحدا من الناس فتكون الميم زائدة والفتح من المهانة أي الحقارة فتكون الميم أصلية انتهى ومنه قوله تعالى حكاية عن فرعون أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ أي حقير (يعظّم النّعمة) أي نعمة الله (وإن دقّت) أي قلت وصغرت (لا يذمّ شيئا) أي من نعمه سبحانه وتعالى أو أحدا من خلقه لنزاهته عن البذاء والأذى مع قوله (لم يكن يذمّ) أي يعيب (ذواقا) بفتح أوله وتخفيف واوه أي مأكولا ومشروبا وأما حديث إن الله لا يحب الذواقين والذواقات فيعني بهما سريع النكاح وسريع الطلاق (ولا يمدحه) أي لنزاهة ساحة قلبه عن الرغبة إلى غير ربه فيميل إلى التمتع بمتاع الحياة الدنيا والتوجه إلى حظ نفسه منها ليترتب عليه مدحها وذمها قيل لبعضهم ما بال عظة السلف تنفع وعظة الخلف لا تنجع فقال علماء السلف إيقاظ والناس نيام وعلماء الخلف نيام والناس موتى أو كالأنعام (ولا يقام لغضبه إذا تعرّض للحقّ) ببناء المفعول فيهما والمعنى لا يقوم أحد من الخلق لدفع غضبه إذا تعرض أحد له في أمر ربه (بشيء) أي بسبب مأمور أو منهي وروي لشيء باللام أي لأجل أمر وحاصله أنه إذا تعدى الحق لم يقم لغضبه شيء (حتّى ينتصر له) أي يقوم بنصرة الحق الواجب في حقه هذا غاية لعدم التعرض لغضبه (ولا يغضب لنفسه) أي لحظها وبسببها (ولا
ينتصر لها) أي لمجرد حقها (إذا أشار) أي وقت خطابه فيما بين أصحابه (أشار بكفّه كلّها) قصدا للإفهام ودفعا للإبهام واستثنى منه حال ذكر التوحيد والتشهد حيث كان يشير بالمسبحة إلى تحقيق المرام (وإذا تعجّب) أي من شيء عظم وقعه عنده (قلّبها) بتشديد اللام وتخفيفها أي قلب كفه إلى السماء للإيماء إلى انه فعل الرب وأنه ينقلب عن قرب حال ما به العجب (وإذا تحدّث) أي تكلم (اتّصل) أي كلامه (بها) أي مقرونا بكفه وإشارته إليها تأكيدا بسببها وتصحف الدلجي حيث وضع الفاء موضع التاء ثم قال أي قصد من قولهم فصل علينا أي خرج من طريق أو ظهر من حجاب قاصدا بها (فضرب بإبهامه اليمنى راحته اليسرى) ويروى براحته اليمنى باطن ابهامه ولعل اختلاف الرواية بناء على تعدد الحالة في الرؤية هذا بيان كيفية اتصال كلامه بها وهذا عادة من تحدث بأمر مهم وفعل ملم تأكيدا بالجمع بين تحريك اللسان وبعض الأركان على أن له وقعا في الخطب والشأن وتوجها من جانب الجنان فكأنه بكليته متوجه إلى حصول قضيته (وإذا غضب) أي ظهر أثر غضبه على أحد (أعرض) أي عنه ليبعد منه ويسهل أمره (وأشاح) بشين معجمة وحاء مهملة في آخره أي مال وانقبض ذكره الأنطاكي تبعا للمصنف والأظهر أن يقال بالغ في إعراضه بصفح عنقه عنه ممتثلا لقوله سبحانه وتعالى فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ (وإذا فرح) أي حصل له سرور (غضّ طرفه) بفتح فسكون أي غمض عينيه أو خفض بصره وأطرق رأسه تواضعا لربه وتباعدا عن حصول شرهه وأشره، (جلّ ضحكه التّبسّم) أي معظم أنواع ضحكه التبسم وهو ما لا صوت فيه مطلقا وقد روي أن يحيى إذا لقي عيسى عليهما السلام يلقاه عيسى متبسما ويلقاه حزينا يشبه باكيا فقال يحيى لعيسى أراك تبتسم كأنك آمن وقال عيسى ليحيى أراك تحزن وتبكي كأنك أيس فأوحى الله إليهما أحبكما إلي أكثركما تبسما ولعل يحيى كان غلب عليه القبض والخوف لكونه مظهر الجلال وعيسى غلب عليه البسط والرجاء لأنه مظهر الجمال والكمال وهو كون الجلال ممزوجا بغلبة الجمال لقوله الأنسي في الحديث القدسي سبقت رحمتي غضبي وفي رواية غلبت (ويفترّ) بتشديد راء أي يبدي أسنانه ضاحكا (عن مثل حبّ الغمام) أي البرد النازل من السحاب حال البرد (قال الحسن) أي ابن علي (فكتمتها) أي اخفيت هذه الحلية أو هذه الرواية (عن الحسين بن عليّ زمانا) أي اختبارا وامتحانا (ثمّ حدّثته) أي أخبرته بهذا الحديث أي ليتبين إطلاعه عليه (فوجدته قد سبقني إليه) أي مع زيادة فضيلة وجدت لديه كما بينه بقوله (فَسَأَلَ أَبَاهُ عَنْ مَدْخَلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم ومخرجه) بفتح العين فيهما (ومجلسه) بكسر اللام أي عن كيفية دخوله وخروجه وجلوسه أو عن أحوال مجلسه وهو مكان جلوسه وهو بكسر اللام سواء كان مصدرا أو مكانا وقال الحلبي هو بفتح اللام أي هيئة جلوسه وهو خطأ فاحش لأن الجلسة بكسر الجيم وهو الموضوع للنوع والهيئة (وشكله) بفتح أوله وجوز كسره وهو يحتمل صورته وسيرته لكن الثاني هو المراد هنا لتقدم ما تعلق بالأول ولقوله فيما سيأتي فسألته عن سيرته (فلم يدع منه شيئا) أي فلم يترك الحسن شيئا من
متعلقات جميع ما ذكر إلا وقد سأله وحققه وهذا من كمال انصاف الحسن وجمال خلقه المستحسن ثم هذا بطريق الإجمال وأما بطريق التفصيل فكما بينه بقوله. (قال الحسين سألت أبي) أي عليا كرم الله وجهه (عن دخول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي زمان دخوله وكيفية وصوله وهذا من قبيل رواية الأكابر عن الأصاغر أو من رواية الأقران فإن ما بينهما تفاوت قليل من الزمان (فقال) أي على (كان دخوله) أي في بيته (لنفسه) أي لحقه خاصة ولأهل بيته عامة حال كونه (مأذونا له) أي من عند ربه (في ذلك) أي فله الأجر الجزيل والثناء الجميل لما هنا لك وقيل كان مأذونا له أن يدخل حيث شاء من بيوته لأنه سبحانه وتعالى لم يوجب قسما عليه في زوجاته وقيل معناه أنه لا يدخل بغير استئذان (فكان إذا أوى) بالقصر هو الأولى ومنه المأوى أي وصل إلى منزلة واستقر في محله (جزّأ) بتشديد الزاء فهمز أي قسم (دخوله) أي زمنه (ثلاثة أجزاء) أي أقسام (جزءا لله وتعالى) بالنصب يعبده في النوافل كالإشراق والضحى ونحوهما من الأمور الكوامل (وجزءا لأهله) أي يدبر أمرهم وحالهم ويصلح شأنهم ومآلهم فيما لهم (وجزءا لنفسه) أي لاستراحتها كالقيلولة ونحوها ولورود وفود ضرورة قضية الجأت بعض الناس إلى الدخول عليه والمشورة بين يديه وعرض أحوال الجهاد وأعمال العباد وأمثال ذلك عليه وهذا معنى قوله (ثمّ جزّأ جزأه بينه وبين النّاس) أي من خواص أصحابه وزمرة أحبابه (فيردّ) أي في بعض زمن نفسه (ذلك) أي نفعه لما هنالك (على العامّة) أي الذين لم يقدروا عليه في تلك الحالة (بالخاصّة) أي بواسطتهم وحصول رابطتهم وقد قال ابن الأثير أراد أن العامة كانت لا تصل إليه في هذا الوقت فكانت الخاصة تخبرهم بما سمعوا منه فكأنه أوصل الفوائد إلى الخاصة بالعامة وقيل إن الباء بمعنى عن أي يجعل وقت العامة بعد الخاصة فيكونون بدلا منهم (ولا يدّخر) أي لا يخفى من العلم أو المال (عنهم شيئا) أي مما ينفعهم وأصل يدخر بالدال المهملة المشددة يذتخر بالمعجمة قلبت التاء دالا مهملة لاتحادهما مخرجا فصار يذدخر بمعجمة فمهملة ثم أدغم بالمهملة بعد قلب المعجمة بها وهذا نطق الأكثر ومنه قوله تعالى وأدكر (فكان) كذا في النسخ وكان الظاهر بالواو (من سيرته) أي من حسن طريقته (في جزء الأمّة) أي أمة الإجابة لشريعته (إيثار أهل الفضل) أي اختيارهم لاعتبارهم (بإذنه) أي بأمره إكراما لهم ونفعا لمن تبعهم أو بأمر أهل الفضل ومنه حديث الشراب في الغلام وهو ابن عباس رضي الله تعالى عنه مع الأشياخ أبي بكر وعمر فاستأذن فأذنوا له، (وقسمته) بفتح القاف أي قسمته كما في نسخة صحيحة وهو مصدر مضاف إما إلى الفاعل أو المفعول أي قسمة الجزء أو قسمة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إياه (على قدر فضلهم) أي الأفضل فالأفضل (في الدّين) أي بالعلم والعمل المتعلق به المسمى بالتقوى لقوله تعالى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ لا بمجرد النسب ومقتضى الحسب أو كثرة الذهب ثم هم مع تفاوتهم في مراتب الفضيلة متفاوتون في مقدار استحقاقهم بحسب الحاجة كما يشير إليه قوله (مِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ وَمِنْهُمْ ذو الحوائج)
أي ثلاثا فأكثر وهو جمع حاجة من غير قياس وقيل جمع حائجة (فيتشاغل بهم) أي على حسب منافعهم (ويشغلهم) بفتح الياء والغين لا بضم أوله وكسر ثالثه فإنه لغة رديئة (فيما يصلحهم) أي ذلك الوقت وفي نسخة يصلحهم ولعله من قبيل حكاية الحال الماضية (والأمّة) بالنصب عطفا على الضمير فالتقدير ويصلح عامة الأمة (من مسألته) وروي من مسألتهم (عنهم) أي من أجل سؤاله عن أحوالهم وتفقده لأعمالهم وجعل الدلجي من بيانا لما وهو غير صحيح في المعنى لأنه لو أريد هذا المعنى لقال من مسألتهم عنه كما لا يخفى (وأخبارهم) أي ومن أجل إخباره إياهم (بالذي ينبغي لهم) أي يصلح لهم خاصة أو للعامة كافة (ويقول) أي في جميع المراتب (ليبلّغ) بالتشديد والتخفيف (الشّاهد) أي ليوصل الحاضر (منكم الغائب) أي الموجود أو من سيوجد في عالم الوجود ما سمعه مني ولو بالمعنى خلافا لبعضهم من الصحابة كالصديق ومن التابعين كابن سيرين وأبي حنيفة وبعض علماء الأمة وقيل المراد بالشاهد الصحابي الأكبر والغائب الأصغر أو الشاهد الصحابي والغائب التابعي أو الشاهد العالم والغائب الجاهل ومنه قول القائل شعر:
أخو العلم حي خالد بعد موته
…
واوصاله تحت التراب رميم
وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى
…
يعد من الأحياء وهو عديم
أو الشاهد الحضري والغائب البدوي أو الشاهد السامع والغائب من لم يسمع أو الشاهد الذكور والغائب الإناث أو الشاهد المسلم والغائب الكافر وروى الشاهد الغائب بدون منكم (وأبلغوني) أي أوصلوا إلى (حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته) وروى إبلاغ حاجته (فإنّه) أي الشأن (من أبلغ سلطانا) أي نبيا أو خليفة أو قاضيا أو حاكما أو أميرا أو وزيرا أو لو سلطانا جائرا (حاجة من لا يستطيع إبلاغها) أي بنفسه إلا بكلفة ومشقة (ثبّت الله قدميه) أي على الصراط أو في الموقف (يوم القيامة) لما قام بحق الإخوة وثبت في مقام الرحمة والشفقة (لا يذكر عنده) بصيغة المجهول (إلّا ذلك) أي الذي ينشأ عنه نفعهم ويترتب عليه رفعهم (ولا يقبل) أي هو (من أحد غيره) أي غير ما فيه منفعة هنالك ولا يبعد أن يقرأ ولا يقيل بصيغة المفعول فتأمل (قال) أي على (في حديث سفيان بن وكيع) أي بروايته خاصة (يدخلون روّادا) بضم فتشديد أي حال كونهم طالبين منه العلم وملتمسين منه الحكم وروي بكسر أوله مخففا على أنه مصدر أي يتحينون وقت الوصول إليه وروي لو إذا باللام والذال المعجمة أي ملتجئين إليه ومتحصنين ممتنعين به أو متقربين لما عنده (ولا يتفرّقون) أي لا يفترقون بعد دخولهم (إلّا عن ذواق) بفتح أوله أي عن علم وحكم وحلم يكتسبونها منه أو عن مذوق من مأكول أو مشروب يحضر عنده واقتصر أهل الذوق على الأول فتأمل وإن كان الجمع إن تصور أو تيسر فهو الأكل بالنسبة إلى الكمل (ويخرجون أدلّة) جمع دليل أي هداة (يعني فقهاء) أي علماء بالكتاب والسنة قال التلمساني هذا القول لابن شاذان على ما نقله بعض الشيوخ
وروي بذال معجمة أي متواضعين أو منقادين (قلت) القائل هو الحسين بالتصغير لأبيه رضي الله تعالى عنهما (فَأَخْبِرْنِي عَنْ مَخْرَجِهِ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ) لا تتبع في جميع أفعاله من دخوله وخروجه وسائر أحواله (قال) أي علي (كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يحزن لسانه) بضم زاي أي يجعله مخزونا ومحبوسا وممنوعا (إلّا ممّا يعنيهم) بكسر النون أي يهمهم وينفعهم وفي نسخة من الإعانة أي يساعدهم ويقوي دينهم من جواهر لفظه وزواجر وعظه ومنه:
إذ المرء لم يخزن عليه لسانه
…
فليس على شيء سواه بخازن
(ويؤلّفهم) بتشديد اللام أي يوقع الألفة بينهم من سحائب كرمه وسواكب نعمه فيجمعهم (ولا يفرّقهم) بتشديد الراء أي لا يتكلم بما ينفرهم لأنه برحمة من الله لان لهم (يكرم) من الإكرام أي يعظم (كريم كلّ قوم) أي رئيسهم وشيخهم ويقول أيضا إذ أتاكم كريم قوم فأكرموه كما رواه ابن ماجة وغيره (ويولّيه) بتشديد اللام أي يجعله واليا (عليهم) أي تألفا به وبهم (ويحذر النّاس) أي لقوله تعالى وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عن بعض ما أنزل الله إليه ثم عطف بالتفسير قوله (ويحترس منهم) أي يتحفظ عنهم ففي الحديث الحزم سوء الظن وفي لفظ احترسوا من الناس بسوء الظن والمعنى لا تثقوا بكل أحد منكم فإنه أسلم لكم فهو لا ينافي قوله تعالى إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ او فيحذر من الغائب ويحترس من الحاضر والمراد من الناس جنسهم كالأعرابي لأجميعهم في هذا الباب (من غير أن يطوي) بكسر الواو أي يمنع (عن أحد) وفي نسخة على أحد (بشره) بكسر الموحدة أي بشاشة بشرة وجهه وطلاقته (وخلقه) أي حسن عشرته وطراوته وهذا في حق من حضر منهم في خدمته إذا وجدوا (ويتفقّد أصحابه) أي يتعرف أحوالهم إذا غابوا وفقدوا (ويسأل النّاس عمّا في النّاس) أي مما يوجب التفقد والتفحص للاستئناس (ويحسّن الحسن) بتشديد السين وتخفف أي يبين حسن ما يكون حسنا ويجعله مستحسنا (ويصوّبه) بتشديد الواو أي يحكم بكونه صوابا ترغيبا فيه وتحريضا عليه وروي ويقويه (ويقبّح القبيح ويوهنه) بتشديد الياء والهاء مشددة أو مخففة بعدها نون او ياء أي يظهر قبحه وضعفه تنفيرا عنه وتحذيرا منه (معتدل الأمر) أي كان أمره وشأنه كله في غاية من الاعتدال ونهاية من كمال الجمال مما للقلب فيه راحة وللعين قرة (غير مختلف) حال مؤكدة أي غير مفرط ولا مفرط أو غير متناقض ولا متعارض (لا يغفل) بضم الفاء أي لا يظهر الغفلة بالمرة لأرباب الصحبة (مخافة أن يغفلوا أو يملّوا) بفتح ميم وتشديد لام أي يسأموا وأو للتنويع (لكلّ حال) أي من أحوال الدنيا والعقبى (عنده عتاد) بفتح مهملة ومثناة فوقية أي عدة زاد ومعد معاد (لا يقصّر عن الحقّ) أي لا يفرط في إقامته (ولا يجاوزه إلى غيره) أي ولا يتعدى عن غاية مرتبته (الذين يلونه) أي يقربونه (من النّاس خيارهم) مبتدأ وخبر (وأفضلهم عنده أعمّهم نصيحة) أي لله وكتابه ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم كافة وقد ورد خير الناس أنفعهم للناس والنصيحة الخلوص لغة وهي كلمة جامعة
يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جُمْلَةِ إِرَادَةِ الْخَيْرِ لِلْمَنْصُوحِ بها خالصة (وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة) أي مشاركة في الرزق والمعيشة قلبت همزتها واوا بدليل حديث ما أحد عندي أعظم يدا من أبي بكر آساني بنفسه وماله وآساه بالهمز أعلى من واساه وقيل لا تكون المواساة إلا من كفاف (وموازرة) أي معاونة من الوزر بمعنى الملجأ أو بمعنى الحمل وروي بالهمز مكانه من الأزر بمعنى الظهر لأن منه قوة البدن فوازره بمعنى قواه ووقع في أصل الدلجي تقديم موازرة وهو مخالف للأصول المعتبرة (ثم قال) أي الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما (فسألته) أي أبي (عن مجلسه) أي جلوسه صلى الله تعالى عليه وسلم أو مكانه وكيفية حاله ومراتب شأنه ولذا أبدل منه بقوله (عمّا كان يصنع فيه) أي في جلوسه أو مجلسه وقد أغرب الدلجي حيث قال هنا أيضا ما سبق له من أنه بفتح اللام كما تقدم قريبا والظاهر أنه يجوز بكسر اللام وقد تقدم أن فتحها خطأ مبنى ومعنى (فقال) أي علي (كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لا يجلس) أي بعد قيامه من نوم أو غيره (ولا يقوم) أي بعد جلوسه (إلّا على ذكر) أي من إفادة علم وذكر أو بيان حمد وشكر عملا بقوله تعالى الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ (ولا يوطّن الأماكن) من الإيطان أو التوطين أي لا يجعل لنفسه مجلسا معينا يعرف به بحيث لا يجلس في غيره (وينهى) أي غيره أيضا (عن إيطانها) أي اتخاذها معينة وقيل مصلى لصلاته المبينة فروى الحاكم وغيره أنه صلى الله تعالى عليه وسلم نهى أن يوطن الرجل المكان يصلي فيه وفي رواية نهى عن أن يوطن الرجل في المكان بالمسجد كما يوطن البعير والمعنى أنه نهى أن يألف الرجل مكانا معلوما من المسجد مخصوصا يصلي فيه كالبعير لا يأوي من العطن إلا إلى مبرك قد وطنه واتخذه مناخا له ولعله اريد به خصوص من لم يألف من المسجد مكانا يفتي به أو يدرس فيه فإن له أن يقيم من سبقه إليه لئلا يتفرق أصحابه عليه ولكن الأولى أن لا يلتزم جلوسه لمكان معين بحيث لا يتقدم ولا يتأخر عنه نظرا إلى عموم النهي ورخص للإمام بوقوفه في موضع معين من محراب المساجد للضرورة ولعل نهي غيره مخالفة دخول الرياء والسمعة في الطاعة ثم رأيت النووي صرح به حيث قال وإنما ورد النهي عن إيطان موضع من المسجد للخوف من الرياء ونحوه وإلا فلا بأس بملازمة الصلاة في موضع من البيت لحديث عقبان بن مالك فلم يجلس يعني النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حين دخل البيت ثم قال أين تحب أن أصلي من بيتك فأشرت إلى ناحية من البيت الحديث وقال التلمساني كان مقعد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عند العمود المخلق وكان لأصحابه مواضع فيه معروفة الأماكن وقال بعض الشيوخ نهيه عن ذلك لوجوه أحدها خوف الرياء والسمعة والتظاهر بالملازمة والثاني أن يغيب فيقع الناس فيه فيأثمون به والثالث أن يرى أنه استحقه دون غيره قلت والرابع أنه يعتقد عدم جوازه في غيره كما قيل في كراهة تعيين سورة في صلاته وينبغي أن يستثني ملازمة المواضع المأثورة كما أنه استثنى ما ورد في قراءته الآثار المسطورة ولا يبعد أن النهي مختص بموضع يتبارك الناس بالصلاة فيه كتحت الميزاب
والمقام والمحراب والله أعلم بالصواب (وإذا انتهى إلى قوم) أي جالسين أو إلى مجلسهم (جلس حيث ينتهي به المجلس) ولم يتقدم عليهم ولم يتميز عنهم بل كان يجلس حيث اتفق معهم فإن شرف المكان بالمكين دون العكس المبين (ويأمر بذلك) تأكيدا للأمر بالقول بانضمامه إلى الفعل ويقول ان الله يكره عبده أن يراه متميزا عن أصحابه (ويعطي كلّ جلسائه نصيبه) أي من مباشرته ومحادثته (حتّى لا يحسب جليسه) أي لا يظن مجالسه (أنّ أحدا أكرم عليه منه) أي من غاية استجلاب خاطره ونهاية جبر حال ظاهره (من جالسه أو قاومه) أي وافقه في جلوسه أو قيامه بمعنى جلس معه أو قام (لحاجة) أي عارضة لصاحبه (صابره) أي بالغ في حبس نفسه للصبر معه (حتّى يكون هو المنصرف عنه) أي بعد انقضاء حاجته منه (من سأله حاجة لم يردّه) بفتح الدال وضمها (إلّا بها) أي إلا بقضائها أو وعد ادائها كما بينه بقوله (أو بميسور) أي بما تيسر له (من القول) وهو يشمل دعاءه له بحصولها فأو للتنويع وفيه إيماء إلى قوله تعالى وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً (قد وسع النّاس) بالنصب أي عمهم (بسطه وخلقه) أي بسط يده وانبساط خلقه وسماحة نفسه وسعة كرمه (فصار لهم أبا) أي من كمال الشفقة وحسن تأديب الترتبة لأن نبي كل قوم بمنزلة ابيهم كما قال تعالى مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ وفي قراءة شاذة بعد قوله سبحانه وتعالى وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وهو أب لهم (وصاروا عنده في الحقّ) أي في حق الرحمة والرأفة (متقاربين) أي كالأولاد عند الوالدين متساوين في أصل المحبة (متفاضلين فيه بالتّقوى) أي عن المعصية والتقوى على الطاعة لقوله تعالى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ (وفي الرّواية الأخرى) أي عنه أو عن غيره (وصاروا عنده في الحقّ سواء) أي في حكم الحق للخصومة أو في أصل حق المودة مستوين. (مجلسه مجلس حلم) أي وقار وسكينة (وحياء وصبر وأمانة) أي لا مقام وقاحة وخفة وخيانة (لا ترفع فيه الأصوات) لقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ الآية وهذا بيان لحلمهم وحيائهم (ولا تؤبن فيه الحرم) وضبطهما تقدم أي لا يذكرون فيه بسوء وهذا بيان لصبرهم وأمانتهم، (ولا تثنى) بضم أوله فسكون نون وفتح مثلثة أي لا تشاع ولا تذاع ولا تذكر من النثاء وهو أعم من ذكر الحسن والقبيح وخبر الخير والشر وقيل مختص بالشر وهو في هذا المقام أظهر فتدبر وفي نسخة بمثناة فمثلثة فنون أي لا تعاد (فلتاته) بفتحتين وقد تسكن اللام أي زلات مجلسه وعثرات من حضر في مقام أنسه والمعنى لم يكن لمجلسه فلتة فتنقل فالنفي منصب على القيد والمقيد كقوله تعالى لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً أي أصلا (وهذه الكلمة) أي الجملة الأخيرة وهي ولا تنثى فلتاته ثابتة (من غير الرّوايتين) أي المذكورتين في سند هذا الحديث (يتعاطفون) أي فيه كما في نسخة صحيحة أي في مجلسه خصوصا يتحابون وبتراحمون (بالتّقوى) أي بسببها لحديث أبي داود والترمذي لا تنزع الرحمة إلا من شقي أو بحسب تفاوت مراتبها حال كونهم (متواضعين) أي بعضهم لبعض كما قال تعالى أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى
الْكافِرِينَ وكما قال أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (يوقّرون فيه) أي في مجلسه خصوصا الكبير أي في السن أو الرتبة بما يجب له من العظمة (ويرحمون الصّغير) أي بمقتضى الشفقة (ويرفدون) بضم الفاء وكسرها وحكي فتحها وفي نسخة من الارفاد أي يعينون ويغيثون (ذا الحاجة) ويعطون صاحب الفاقة وقيل رفد أعطى وارفد اعانه والرفد بالكسر هو العطاء (ويرحمون الغريب) أي لبعده عن بلاده وأصحابه ومفارقة أولاده وأحبابه (ثم قال) أي الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما (فسألته) أي أبي (عن سيرته صلى الله تعالى عليه وسلم في جلسائه) أي عن طريقته في حقهم حال حضورهم في خدمته (فقال) أي علي (كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم دائم البشر) أي غير مقيد طلاقه وجهه وبشاشة بشرته بوقت دون وقت في حالته، (سهل الخلق) أي لين الطبع مع عموم الخلق، (ليّن الجانب) بتشديد التحتية وتخفف أي في كمال من الرفق، (ليس بفظّ) أي سيىء الخلق (ولا غليظ) أي سيىء القلب (ولا سخّاب) أي صياح وفي رواية ولا سخوب والصاد لغة فيهما وكلاهما للمبالغة إلا أن النفي لأصل المعنى لا للزيادة والأظهر أن الكلمة بوضعها للنسبة كتمار ومنه قوله تعالى وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ وجاء في حديث المنافقين خشب بالليل سخب بالنهار أي إذا جن عليهم الليل سقطوا نياما كالخشب فإذا أصبحوا تساخبوا على الدنيا تهالكا عليها وتمالؤوا إليها وفي رواية في الأسواق فالمراد نفي رفع الصوت بالمخاصمة والمشاجرة على ما هو المعروف في العادة فلا ينافي ما ورد من أنه كان إذا دخل السوق قال لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له إلى آخره مع غيره مما ثبت من الأدعية في أثره (ولا فحّاش) أي ذي فحش من كلام غليظ (ولا عيّاب) أي على أحد قولا وفعلا مرضيا أو في غيبة أحد أو لمأكول ومشروب كما سبق (ولا مدّاح) أي مبالغ في مدح أحد ويروى بالزاء أي كثير المزح لما ثبت في وصفه من مدحه ومزحه أحيانا وأما ما وقع عند شارح بالراء فتصحيف لمخالفته الأصول وإن قال إنه من المرح وهو الفخر والتجبر (يتغافل عمّا لا يشتهي) أي مما لا يجب على أحد فيه أن ينتهي (ولا يؤيس منه) بالبناء للفاعل أو المفعول من اليأس ضد الرجاء على ما مر له من بيان المعنى (قد ترك نفسه) أي لم يجعل لها حظا (من ثلاث) أي ثلاث خصال بينها بإفادة ابدال مع إعادة من بقوله (في الرّياء) وكذا من السمعة فإنهما من الشرك الأصغر وهذا إنما يبتلى به من لا يعرف الله ممن يلتفت إلى ما سواه ووقع في أصل التلمساني الرياء بدون من فجوز جره على بدل المفصل من المجمل كقوله تعالى حكاية نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ ورفعه على أنه خبر لمحذوف قلت لو صحت هذه الرواية لجاز نصبه بتقدير أعني كما لا يخفى على أرباب الدراية، (والإكثار) أي ومن إكثار القول الممل للحضار أو من إكثار متاع الدنيا لكمال توجهه إلى المولى والدار الآخرة التي هي بالاستكثار أولى وأحرى، (وما لا يعنيه) أي ومما لا يهمه ولا ينفعه ولا يغنيه وكيف لا وفي حديث الترمذي من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وقد قال سبحانه وتعالى وَالَّذِينَ
هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وهو يشمل القول والفعل وتوجه القلب وإقبال العقل، (وترك النّاس) أي أبعدهم عن ساحة ما ينقصهم (من ثلاث) بينها بإبدالها كما قال الدلجي بقوله (كان لا يذمّ أحدا) أي بما يضع قدره؛ (ولا يعيّره) بتشديد التحتية أي لا يعيبه بعيب سبق أمره إذ ورد في حديث الترمذي عن معاذ مرفوعا من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله قال التلمساني هما واحد وإلا كان العدد أربعا قلت الصواب أنهما عددان لأنهما متغايران وأن الثالث قوله (ولا يطلب عورته) أي لا يسيء ظنه به فيتجسس عن أمره ويتفحص عن خلله لقوله سبحانه وتعالى وَلا تَجَسَّسُوا ولحديث أبي داود على المنبر يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإن من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته بمعنى كشف الله حاله وفضحه فهو من باب المشاكلة لوروده بالمقابلة وقد تمت الثلاث فعطف على ما قبلها قوله. (ولا يتكلّم إلّا فيما يرجو ثوابه) أي في فعله أو يخاف من عقابه في تركه ولعله ترك للاكتفاء أو لكمال ظهوره، (إذا تكلّم أطرق جلساؤه كأنّما على رؤوسهم الطّير) أي إكراما له واحتراما لقوله وسبق تحقيقه (وإذا سكت تكلّموا) أي تأدبا معه وزيادة استفادة منه (لا يتنازعون عنده الحديث) أي لا يتجاذبونه بينهم كما بينه بقوله (من تكلّم عنده أنصتوا له) أي سكتوا له أو أسكت بعضهم بعضا لأجله (حتّى يفرغ) أي من كلامه وتحصيل مرامه، (حديثهم حديث أوّلهم) مبتدأ وخبر متضمن لتشبيه بليغ أي حديث آخرهم كحديث أولهم في الرغبة إليه والنشاط لديه وعدم الملالة والسآمة عليه وفي رواية حتى يفرغ حديث أولهم وروي حتى يفرغ من كلامهم حَدِيثُهُمْ حَدِيثُ أَوَّلِهِمْ (يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ) أي بحكم المؤانسة وحق المجالسة (ويتعجّب ممّا يتعجّبون منه) تطييبا لخواطرهم وتحسينا لسرائرهم وظواهرهم (ويصبر للغريب على الجفوة) بفتح جيم فسكون فاء أي الغلظة والسقطة والغلطة (في المنطق) أي في العبارة وهذا كله كان دأبه في العادة (ويقول إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلبها) جملة حالية أو استينافية بيانية (فأرفدوه) بهمزة قطع أو وصل أي أعطوه ولو بعض كفايته أو أعينوه على قضاء حاجته (ولا يطلب الثّناء) أي ولا يقبله كما في رواية (إلّا من مكافىء) بكسر فاء فهمز أي معتقد لثنائه أو مقتصد في ثنائه غير متجاوز إلى اطرائه ألا تراه يقول ولا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ولكن قولوا عبد الله ورسوله فإذا قيل هو نبي الله أو رسول الله فقد وصف بما لا يوصف به أحد من أمته فهو مدح مكافىء له وما أحسن قول البردة في هذه الزبدة
دع ما ادعته النصارى في نبيهم
…
واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم
(ولا يقطع على أحد حديثه) أي كلامه في اثنائه بل ينصت له (حتّى يتجوّزه) أي يتعداه ويتخلص (فيقطعه بانتهاء) أي لحديثه ولو بعد في قعوده (أو قيام) أي له على طريق وداعه؛ (هنا انتهى حديث سفيان بن وكيع) أي شيخ الترمذي؛ (وزاد الآخر) أي بسند المصنف من