المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [ومن ذلك ما أطلع عليه من الغيوب] - شرح الشفا - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأوّل

- ‌[المقدمة]

- ‌ترجمة القاضي عياض

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌القسم الأول [في تعظيم العلي الأعلى جل وعلا]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ [فِيمَا جَاءَ من ذلك مجيء المدح والثناء]

- ‌الفصل الثّاني [في وصفه تعالى بالشهادة وما تعلق به من الثناء والكرامة]

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ [فيما ورد من خطابه تعالى إياه مورد الملاطفة والمبرة]

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُ [فِي قَسَمِهِ تَعَالَى بِعَظِيمِ قَدْرِهِ صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الفصل الخامس في قسمه

- ‌الْفَصْلُ السَّادِسُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى في جهته عليه الصلاة والسلام مورد الشفقة والإكرام]

- ‌الفصل السّابع [فيما أخبره الله بِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ عَظِيمِ قَدْرِهِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّامِنُ [فِي إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقَهُ بصلاته عليه وولايته له]

- ‌الْفَصْلُ التَّاسِعُ [فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْفَتْحِ مِنْ كراماته عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْعَاشِرُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كتابه العزيز من كراماته عليه ومكانته عنده]

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي تَكْمِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ المحاسن خلقا وخلقا]

- ‌فصل [قال القاضي رحمه الله تعالى إذا كانت خصال الكمال والجلال]

- ‌فصل [إن قلت أكرمك الله تعالى لا خفاء على القطع بالجملة]

- ‌فصل [وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُفُورُ عَقْلِهِ وَذَكَاءُ لُبِّهِ وَقُوَّةُ حَوَاسِّهِ وفصاحة لسانه واعتدال حركاته وحسن شمائله]

- ‌فصل [وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول]

- ‌فصل [وأما شرف نسبه وكرم بلده ومنشأه]

- ‌فصل [وأما تَدْعُو ضَرُورَةُ الْحَيَاةِ إِلَيْهِ مِمَّا فَصَّلْنَاهُ فَعَلَى ثلاثة ضروب الضرب الأول]

- ‌فصل [وأما الضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته والفخر بوفوره]

- ‌فصل [وأما الضرب الثالث فهو ما تختلف فيه الحالات]

- ‌فصل [وأما الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [وأما أَصْلُ فُرُوعِهَا وَعُنْصُرُ يَنَابِيعِهَا وَنُقْطَةُ دَائِرَتِهَا فَالْعَقْلُ]

- ‌فصل [وأما الحلم]

- ‌فصل [وأما الجود]

- ‌فصل [وأما الشجاعة والنجدة]

- ‌فصل [وأما الحياء والإغضاء]

- ‌فصل [وأما حسن عشرته وآدابه]

- ‌فصل [وأما الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق]

- ‌فصل [وأما خلقه صلى الله تعالى عليه وسلم في الوفاء]

- ‌فصل [وأما تواضعه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما عدله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته]

- ‌فصل [وأما وقاره صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما زهده صلى الله تعالى عليه وسلم في الدنيا]

- ‌فصل [وأما خوفه صلى الله تعالى عليه وسلم من ربه عز وجل]

- ‌فصل [اعلم وفقنا الله تعالى وإياك أن صفات جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قد آتيناك أكرمك الله سبحانه من ذكر الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [في تفسير غريب هذا الحديث ومشكله]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ ومشهورها بتعظيم قدره عند ربه عز وجل]

- ‌الفصل الأول [فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ مَكَانَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عز وجل]

- ‌فصل [في تفضيله صلى الله تعالى عليه وسلم بما تضمنته كَرَامَةُ الْإِسْرَاءِ]

- ‌فصل [ثم اختلف السلف والعلماء هل كان إسراء بروحه أو جسده]

- ‌فصل [إبطال حجج من قال أنها نوم]

- ‌فصل [وأما رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم لربه عز وجل]

- ‌فصل [في فوائد متفرقة]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَظَاهِرُ الآية من الدنو والقرب]

- ‌فصل [في ذكر تفضيله في القيامة بخصوص الكرامة]

- ‌فصل [في تفضيله بالمحبة والخلة]

- ‌فصل [في تفضيله بالشفاعة والمقام المحمود]

- ‌فصل [في تفضيله فِي الْجَنَّةِ بِالْوَسِيلَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ وَالْكَوْثَرِ وَالْفَضِيلَةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ إِذَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلِيلِ الْقُرْآنِ وصحيح الأثر]

- ‌فصل [في أسمائه صلى الله تعالى عليه وسلم وما تضمنته من فضيلته]

- ‌فصل [في تشريف الله تعالى له بما سماه به من أسمائه الحسنى]

- ‌فصل [قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وها أنا أذكر نكتة]

- ‌الْبَابُ الرَّابِعُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَشَرَّفَهُ بِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ والكرامات]

- ‌فصل [اعلم أن الله عز وجل قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْمَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ]

- ‌فصل [اعلم أن معنى تسميتنا ما جاءت به الأنبياء معجزة]

- ‌فصل [في إعجاز القرآن العظيم الوجه الأول]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ إِعْجَازِهِ صُورَةُ نَظْمِهِ الْعَجِيبِ والأسلوب الغريب]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْإِعْجَازِ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ من الأخبار]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الرَّابِعُ مَا أَنْبَأَ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ القرون السالفة]

- ‌فصل [هَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ إِعْجَازِهِ بَيِّنَةٌ لَا نزاع فيها ولا مرية]

- ‌فصل [ومنها الروعة]

- ‌فصل [وَمِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْدُودَةِ كَوْنُهُ آيَةً بَاقِيَةً لا تعدم ما دامت الدنيا]

- ‌فصل [وَقَدْ عَدَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمُقَلِّدِي الْأُمَّةِ في إعجازه وجوها كثيرة]

- ‌فصل [في انشقاق القمر وحبس الشمس]

- ‌فصل [في نبع الماء من بين أصابعه الشريفة وتكثيره ببركته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ تَفْجِيرُ الْمَاءِ ببركته وانبعاثه]

- ‌فصل [ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته]

- ‌فصل [في قصة حنين الجذع له صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [ومثل هذا وقع في سائر الجمادات بمسه ودعوته]

- ‌فصل [في الآيات في ضروب الحيوانات]

- ‌فصل [في إحياء الموتى وكلامهم]

- ‌فصل [في إبراء المرضى وذوي العاهات]

- ‌فصل [في إجابة دعائه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في كراماته صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْغُيُوبِ]

- ‌فصل [في عصمة الله تعالى له صلى الله تعالى عليه وسلم من الناس وكفايته من آذاه]

- ‌فصل [ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم]

- ‌فصل [ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام وكراماته وباهر آياته أنباؤه مع الملائكة]

- ‌فصل [وَمِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ وَعَلَامَاتِ رِسَالَتِهِ مَا تَرَادَفَتْ]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ عِنْدَ مولده عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى قد أتينا في هذا الباب]

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌فصل [ومن ذلك ما أطلع عليه من الغيوب]

(ودعا له بالبركة ففرع) بفاء وراء مفتوحتين فمهملة أي طال وعلا وغلب (الرّجال) وفي نسخة الناس (طولا وتماما) رواه الزبير بن بكار عن إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز الزبيري عن أبيه.

‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْغُيُوبِ]

(ومن ذلك) أي من قبيل هذا النوع المكنون (ما أطلع عليه) بضم همز وسكون مهملة وفي نسخة بتشديدها مضمومة أي ما الهم إليه (من الغيوب) أي الأمور المغيبة في الحال (وما يكون) أي سيكون في الاستقبال (والأحاديث في هذا الباب) أي في هذا النوع من أنواع الكتاب (بَحْرٌ لَا يُدْرَكُ قَعْرُهُ وَلَا يَنْزِفُ غَمْرُهُ) بصيغة المفعول فيهما ويجوز فتح الياء وكسر الزاء والغمر الماء الكثير في البحر الكبير أي لا يحاط غايته ولا تفنى نهايته (وهذه الجملة) أي الآتية وفي نسخة وَهَذِهِ الْمُعْجِزَةُ (مِنْ جُمْلَةِ مُعْجِزَاتِهِ الْمَعْلُومَةِ عَلَى القطع) أي على الوجه القطعي والطريق اليقيني (الواصل إلينا خبرها على التّواتر) أي لدينا (لكثرة رواتها) أي مع اختلاف مبانيها الدالة (واتفاق معانيها على الاطّلاع على الغيب) أي على اطلاعه صلى الله تعالى عليه وسلم على بعض المغيبات عنا. (حَدَّثَنَا الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الفهريّ) بكسر الفاء المعروف بالطرطوشي (إجازة وقرأته) وفي نسخة وقرأته (على غيره) أي رواية (قال أبو بكر) احتراز عن غيره (ثنا أبو عليّ التّستريّ) بضم التاء الأولى وفتح الثانية بينهما سين مهملة لام عجمة كما في لسان العامة وهو أحد رواة سنن أبي داود (ثنا أبو عمر الهاشميّ حدّثنا اللّؤلؤيّ) بهمزتين وقد تبدل الأولى راوي سنن أبي داود (ثنا أبو داود) وهو حافظ العصر صاحب السنن وإنما أسند المصنف هنا من حديث أبي داود عن حذيفة ورواه عنه مع رواية الشيخين لما في روايته له من طريق آخر من الزيادة كما سيأتي (ثنا عثمان بن أبي شيبة) روى عنه الشيخان وغيرهما (حدّثنا جرير) بفتح الجيم فكسر الراء روى عنه احمد وإسحاق وابن معين وجماعة وله مصنفات (عن الأعمش) وهو سليمان بن مهران (عن أبي وائل) هو شقيق بن سلمة الاسدي الكوفي مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام لكن لم ير النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وكان من العلماء العاملين (عن حذيفة) أي ابن اليمان (قال قام فينا) أي خطيبا أو واعظا أو معناه خطبنا (مقاما) بفتح الميم في مكان أو قياما (فما ترك) وفي نسخة ما ترك (شيئا) أي مهما (يكون) أي يحدث من القدم (في مقامه ذلك) ظرف لما ترك (إلى قيام السّاعة إلّا حدّثه) وفي نسخة حدث به أي حدث بوجوده (حفظه) ما ذكره (من حفظه) أي جميعه (ونسيه من نسيه) أي بعضه أو كله (قد علّمه) متعلق بيكون أي عرف هذا الخبر (أصحابي هؤلاء) أي من الصحابة الحاضرين أو الموجودين قال الدلجي لم أر هذه الزيادة من مختصات رواية أبي داود لأن لفظه قد علمه أصحابه صلى الله تعالى عليه وسلم (وإنّه) أي الشأن (ليكون منه) أي ليحدث ويقع مما أخبرنا به (الشّيء) أي الذي قد نسيته فأراه

ص: 679

موجودا في الأعيان (فأعرفه) أي أنه مما أخبرنا به (فأذكره) أي أتذكره بعد ما نسيته (كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عنه) أي كما إذا غاب وجه الرجل عن الرجل فينساه (ثمّ إذا رآه عرفه) أي بعد نسيانه إياه قال الدلجي إلى هنا رواية الشيخين وزاد أبو داود بسند آخر من طريق قبيصة بن ذؤيب عن أبيه عن حذيفة وإن كان صنيعه يقتضي اتصاله به، (ثمّ قال) أي حذيفة كما في أكثر النسخ (ما أدري أنسي أصحابي) أي حقيقة (أم تناسوه) أي تكلفوا نسيانه لقلة اهتمامهم به لقيامهم بما هواهم منه ولما أراد الله من اختصاص كل منهم ببعض ما استفادوا عنه (وَاللَّهِ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم من قائد فتنة) أي أمير لها يقودها إلى المحاربة ويجرها إلى المخاصمة بالطرق الباطلة المحدث بدعة كعلماء المبتدعة من الخوارج والروافض والمعتزلة يحدث من زمانه صلى الله تعالى عليه وسلم (إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الدُّنْيَا يَبْلُغُ مَنْ مَعَهُ) أي مع قائد الفتنة (ثلاثمائة فصاعدا) أي فأكثر والجملة صفة قائد (إلّا قد سمّاه) أي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك القائد (لنا) أي لأجلنا (باسمه واسم أبيه وقبيلته) أي التي تؤويه (وقال أبو ذرّ) أي على ما رواه أحمد والطبراني بسند صحيح وأبو علي وابن منيع عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال (لقد تركنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي مات عنا (وَمَا يُحَرِّكُ طَائِرٌ جَنَاحَيْهِ فِي السَّمَاءِ إِلَّا ذكرنا) بتشديد الكاف أي أفهمنا (منه) من ذلك الطائر أو تحريكه (علما) أي حكما إجماليا أو تفصيليا (وقد خرّج أهل الصّحيح) أي من التزم صحة ما رواه كالشيخين وابن حبان وابن خزيمة والحاكم في كتبهم المعروفة (والأئمة) كمالك وأحمد وبقية أصحاب الكتب الستة وغيرهم ممن لم يلتزموا في كتبهم الصحة (ما أعلم به) مفعول خرج أي ما أخبر به (أصحابه صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنَ الظُّهُورِ) أي الغلبة (على أعدائه) وفي نسخة على اعدائهم (وفتح مكّة) تخصيص بعد تعميم وهذا مما رواه الشيخان وغيرهما (وبيت المقدس) كما رواه البخاري عن عوف بن مالك (واليمن والشّام والعراق) كما في الصحيحين عن سفيان بن أبي زهير (وظهور الأمن حتّى تظعن) بسكون المعجمة وفتح المهملة أي ترحل (المرأة من الحيرة) بمهملة مكسورة مدينة بقرب الكوفة وأخرى عند نيسابور (إلى مكّة لا تخاف إلّا الله) على ما رواه البخاري عن عدي بن أبي حاتم (وأنّ المدينة) أي السكينة (ستغزى) بالغين والزاء على بناء المفعول وهو من الغزو أي ستحارب وتقاتل وفي رواية بمهملتين قال الحافظ المزي الرواية في الحديث بالعين المهملة والراء يعني من العرى أي تصير عراء والمعنى ستخرب ليس فيها أحد فقد رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بلفظ يتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي وهذا لم يقع بعد كما اختاره النووي وغيره وإنما يقع قرب الساعة وقال التلمساني وقع هذا في زمن يزيد بن معاوية ندب عسكرا من الشام إلى المدينة فنهبها والوقعة معروفة بالحرة وهي أرض بظاهر المدينة ذات حجرات سود وقتل فيها كثير من ابناء المهاجرين والأنصار وكانت في ذي الحجة سنة ثلاث وستين وعقيبها هلك يزيد

ص: 680

(وَتُفْتَحُ خَيْبَرُ عَلَى يَدَيْ عَلِيٍّ فِي غَدِ يومه) كما رواه الشيخان عن سهل بن سعد بلفظ لأعطين الراية غدا لرجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه فدعا عليا وكان أرمد فبصق في عينيه فبرأ وفتح الله على يديه (وَمَا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِهِ مِنَ الدُّنْيَا ويؤتون من زهرتها) أي يعطون من بهجتها من كثرة المال وسعة الجاه كما رواه الشيخان من طرق (وقسمتهم) أي ومن تقسيمهم فيما بينهم (كنوز كسرى) بكسر الكاف وبفتح أي ملك فارس (وقيصر) أي وكنوزه وهو ملك الروم كما في الصحيحين من طرق عن أبي هريرة وغيره (وما يحدث بينهم) أي بين أمته (من الفين) بكسر ففتح جمع فتنة وفي نسخة الفتون بالضم مصدر فتن بمعنى الافتتان (والاختلاف والأهواء) على ما رواه الشيخان من طرق ولعل المراد بالاختلاف ظهور التنافس في الملك واختلاف أمر الأمراء وبالأهواء ظهور المعتزلة والغلاة من أهل البدعة (وسلوك سبيل من قبلهم) أي وسلوكهم على نهج من تقدمهم من الأمم فقد رواه الشيخان عن أبي سعيد بلفظ لتتبعن سنن من كان قبلكم شهرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم فسأل اليهود والنصارى قال فمن (وافتراقهم) أي اختلافهم (على ثلاث وسبعين فرقة) أي طائفة كما رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم عن أبي هريرة قيل وأصولهم ثمانية معتزلة عشرون فرقة وشيعة اثنتان وعشرون فرقة وخوارج على سبع فرق ومرجئة على خمس فرق ونجارية ثلاث فرق وجبرية محضة فرقة واحدة ومشبهة فرقة واحدة وطرقهم مختلفة (النّاجية منها) أي من تلك الفرق (واحدة) أي فرقة واحدة كما في نسخة صحيحة وهم الذين قال فيهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم هم الذين على ما أنا عليه وأصحابي وهم أهل السنة والجماعة من الفقهاء كالأئمة الأربعة والمحدثين والمتكلمين من الأشاعرة والماتريدية ومن تبعهم لخلو مذاهبهم من البدعة (وأنّه) أي الشأن وفي نسخة وأنها أي القصة وفي نسخة صحيحة وأنهم (ستكون لهم) أي لأمته (أنماط) بفتح الهمزة جمع نمط وهو ضرب فراش ويغشى عليه الهودج أيضا وهذا في الصحيحين عن جابر وفي الترمذي عن علي (ويغدو) أي يصرح أو يمر (أحدهم في حلّة، ويروح) أي يمسي أو يرجع (في أخرى وتوضع بين يديه صحفة) أي إناء كالقصعة المبسوطة (وترفع) أي من بين يديه (أخرى) أي صحفة أخرى (ويسترون بيوتهم كما تستر الكعبة) وفيه إيماء إلى أن الدنيا تبسط عليهم بالسعة، (ثمّ قال) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مخاطبا لأصحابه الكرام (آخر الحديث) أي في آخر الكلام (وأنتم اليوم خير منهم يومئذ) قالوا والعاطفة رد لقولهم نحن يومئذ خير من اليوم ظنا منهم أنهم يصرفون الدنيا في طرق العقبى فالمعنى ليس الأمر كما تظنون بل وأنتم اليوم خير لأن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى وفيه تنبيه على أن الفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر، (وأنّهم إذا مشوا المطيطاء) بضم الميم وفتح الطاءين بينهما ياء ساكنة والكلمة ممدودة وتقصر وهي مشية فيها مد اليدين والتبختر والخيلاء ومنه قوله تعالى ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى وفي نسخة المطيطيا بزيادة ياء بعد طاء مكسورة أو

ص: 681

مفتوحة (وخدمتهم بنات فارس والرّوم) أي بسبيهم لهن (ردّ الله بأسهم) أي شدة عداوتهم بكثرة محاربتهم (بينهم) أي لطغيانهم بكثرة المال وسعة الجاه والإقبال (وسلّط) أي الله (شرارهم على خيارهم) لأن الغالب غلبة أهل الشر في الشوكة والدولة الدنيوية والحديث رواه الترمذي عن ابن عمر كما قاله الدلجي وأما ما ذكره الحلبي من أن الحديث رواه الذهبي في ميزانه من ترجمة محمد بن خليل الحنفي الكرماني ولفظه وروي عن ابن المبارك عن ابن سوقة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فذكر الحديث ثم قال لا يصح فلا يعارض ما تقدم فإن عدم صحته يحمل على روايته مع أنه لا يلزم من عدم الصحة نفي الثبوت بطريق الحسن وهو كاف في الحجة هذا وقد ثبت أنهم بعد أن فتحوا بلاد فارس والروم وغنموا أموالهم وسبوا ذراريهم واستخدموهم سلط الله على عثمان شرارا فقتلوه وعلى علي جماعة حتى قتله اشقاهم وهلم جرا إلى أن قتل زياد بأمر يزيد وشرار أعوانهم الحسين رضي الله عنه وأصحابه خيار زمانهم وقد سلط بنو أمية سبعين سنة على بني هاشم ففعلوا ما فعلوا (وقتالهم التّرك) كما في الصحيحين بلفظ لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا أقواما نعالهم الشعر وحتى تقاتلوا الترك صغار الأعين حمر الوجوه ذلف الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة والظاهر أن المراد بهم التتار ولعل القضية متأخرة أو وقعت وليس لنا بها معرفة (والخزر) أي وقتالهم الخزر بضم معجمة وسكون زاء فراء طائفة من الترك جمع أخزر والخزر بفتحتين ضيق العين وصغرها وكذا ضبط الأصل أيضا في كثير من النسخ واقتصر عليه الشمني وفي حديث حذيفة كما في بهم خنس الأنوف خزر العيون فالعطف تفسيري (والرّوم) وهم طائفة معروفة وقد سبق في الصحيح قتالهم مع قيصر فلا وجه لقول الدلجي لا أدري من روى حديث الطائفتين (وذهاب كسرى) أي ذهاب ملكه بذهابه (وفارس) أي وذهاب قومه أي من أرض العراق وغيره (حَتَّى لَا كِسْرَى وَلَا فَارِسَ بَعْدَهُ وَذَهَابِ قيصر) أي ملك الروم من الشام ونحوه (حتّى لا قيصر بعده) رواه الشيخان بدون فارس وذكر الحارث عن ابن محيريز مرفوعا فارس نطحة أو نطحتان ثم لا فارس بعد هذا ابدا وقد وقع ما أخبر به من زوال ملكهما من إقليمهما فلم يبق من كسرى وقومه طارفة عين بدعوته صلى الله تعالى عليه وسلم أن يمزق كل ممزق وقيصر أعني به هرقل قد انهزم من الشام في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه إلى أقصى بلاده فافتتح المسلمون بلادهما فلله الحمد والمنة وأخذ السهيلي من هذا أن لا ولاية للروم على الشام إلى يوم القيامة انتهى وأراد بالروم كفارهم من الإفرنج والنصارى ثم قيل التقدير ولا مثل كسرى ولا مثل قيصر لأنه علم ولا تدخل عليه لا إلا إذا كان أول بالنكرة (وذكر) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (أنّ الرّوم ذات قرون) أي كلما هلك قرن خلفه قرن إلى آخر الدهر قال الفارسي معناه إن هلك منهم رئيس خلفه آخر وليسوا كالفرس لأنهم مزقوا وقد ورد في هذا المعنى حديث وكأنه تفسير لهذا قال عليه السلام فارس نطحة أو نطحتان ثم لا فارس بعد ها أبدا والروم ذات قرون كلما هلك قرن

ص: 682

خلف مكانه قرن أهل صخر وبحر هيهات إلى آخر الدهر انتهى (وبذهاب الأمثل فالأمثل) أي الأفضل فالأفضل (من النّاس) أي من الصحابة والتابعين واتباعهم ومن بعدهم والفاء مؤذنة بترتيب التفاضل فأثبتت الأمثلية للأول ثم للثاني وهكذا حتى تبقى حثالة لا يباليهم الله بالة (وتقارب الزّمان) كما في حديث الترمذي لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فيكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كالساعة أي العرفية والساعة الضرمة بالنار والمراد به آخر الزمان واقتراب الساعة لأن الشيء إذا قل وقصر تقارب أطرافه والظاهر أنه أريد به زمن عيسى فإنه لكثرة الخيرات تستقصر الأوقات للاستلذاذ بالمسرات أو زمن الدجال فإنه لكثرة اهتمام الناس بما يدهمهم من همومهم لا يدرون كيف تنقضي أيامهم أو أريد به تسارع الأزمنة فيتقارب زمانهم في المنحة أو المحنة أو أريد به قلة البركة في أعمالهم مع كثرة الحركة في أحوالهم، (وقبض العلم) أي بقبض العلماء لحديث أن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا كما رواه أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة (وظهور الفتن، والهرج) بفتح الهاء فسكون الراء فجيم قيل لغة حبشية ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة يتقارب الزمان يقبض العلم وتظهر الفتن ويلقى الشح ويكثر الهرج قالوا وما الهرج قال القتل القتل، (وقال) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كما في حديث الشيخين عن أم المؤمنين زينب (ويل) أي هلاط عظيم (للعرب من شرّ قد اقترب) ولعل المراد به فتنة عثمان في محنة المحاصرة وفتنة علي مع معاوية وفتنة الحسين مع يزيد وهلم جرا من المزيد ويفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد، (وأنّه) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (زويت له الأرض) أي جمعت وضمت (فأري) بصيغة المفعول وفي نسخة فرأى (مشارقها ومغاربها) ولفظ مسلم عن ثوبان أن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها أي جمعها لي وطواها بتقريب بعيدها إلى قريبها حتى اطلعت على ما فيها جميعها (وَسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِهِ مَا زُوِيَ لَهُ مِنْهَا) وهذه الجملة من تتمة حديث مسلم عن ثوبان ولفظه وَسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِي مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا والمعنى زويت لي جملة الأرض مرة واحدة وستفتحها أمتي جزءا فجزءا حتى تملك جميع أجزائها (ولذلك) أي ولأجل تقييده لها بمشارقها ومغاربها (كان أمتدّت) بتشديد الدال أي انبثت أمته وانتشرت ملته وفي نسخة وكذلك كان بكاف التشبيه والمعنى وكذا وقع ثم استأنف للبيان فقال امْتَدَّتْ (فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ مَا بَيْنَ أَرْضِ الهند) بدل أو بيان للمشارق والمغارب (أقصى المشرق) بيان الأرض الهند أو بدل منه (إلى نحر طنجة) بفتح طاء وسكون نون وفتح جيم بلدة عظيمة بساحل بحر المغرب (حيث لا عمارة) بكسر أوله (وراءه) أي فيما وراء ذلك المكان (وذلك) أي ما ملكت أمته (مَا لَمْ تَمْلُكْهُ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ وَلَمْ تمتدّ في الجنوب) بفتح الجيم أي في الجهة الغربية إذا توجهت للقبلة وهو ريح يخالف الشمال مهبه من مطلع سهيل أي إلى مطلع الثريا (ولا في الشّمال) بكسر أوله وهو

ص: 683

الجهة الشرقية إذا توجهت للقبلة (مثل ذلك) أي مثل امتداد جهتي المشرق والمغرب ولعل في اتيانهما بلفظ الجمع إيماء إلى ما هنالك وكذلك إلى ظهور كثرة العلماء منهما بالنسبة إلى غيرهما وأن علماء المشرق أكثر وأظهر من علماء المغرب فتدبر (وقوله) أي كما رواه مسلم عن سعد بن أبي وقاص مرفوعا (لَا يَزَالُ أَهْلُ الْمَغْرِبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ) أي على طريق الحق ومنهج الصدق وسبيل الطاعة من الجهاد وتعليم العلوم للعباد (حتّى تقوم السّاعة) أي إلى قرب القيامة (ذهب ابن المديني) هو الإمام أبو الحسن علي بن عبد الله المديني الحافظ يروي عن أبيه وحماد بن زيد وخلق وعنه البخاري وأبو داود والبغوي وأبو يعلى قال شيخه عبد الرحمن بن مهدي علي بن المديني اعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وخاصة بحديث ابن عيينة تلومونني على حب علي بن المديني والله لا تعلم منه أكثر مما يتعلم مني وكذا قال يحيى القطان فيه وقال البخاري ما استصغرت نفسي إلا بين يدي علي قال النسائي كأن الله خلقه لهذا الشأن توفي بسامرا هذا والمديني نسبة إلى المدينة المشرفة قاله ابن الأثير وقال إن أصل المديني منها ثم انتقل إلى البصرة وقال إن الأكثر فيمن ينسب المدينة مدني ثم قال المديني فنسبة إلى أماكن وساق سبعة وأما الجوهري فقال المدني نسبة إلى مدينة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وأما المديني فنسبة إلى المدينة التي بناها المنصور هذا وهو بفتح الميم وكسر الدال وسكون الياء لا بصيغة التصغير كما توهمه بعض معاصرينا من العلماء (إلى أنّهم) أي أهل الغرب (العرب لأنّهم المختصّون بالسّقي بالغرب) بغين معجمة فسكون راء (وهي الدّلو) أي العظيمة وفي نسخة وهو الدلو، (وغيره) أي غير ابن المديني (يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهُمْ أَهْلُ الْمَغْرِبِ وَقَدْ وَرَدَ المغرب) أي بدل الغرب فارتفعت الشبهة في مبناه (كذا في الحديث بمعناه) لكن فيه أنه لا يعلم من رواه نعم يروي عن مالك عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله تعالى عليه وسلم يكون بالمغرب مدينة يقال لها فاس أقوم أهل المغرب قبلة وأكثرهم صلاة وهم على الحق مستمسكون لا يضرهم من خالفهم يدفع الله عنهم ما يكرهون إلى يوم القيامة. (وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُمَامَةَ) كما رواه أحمد والطبراني عنه مرفوعا (لا تزال طائفة من أمّتي) أي أمة الإجابة (ظاهرين على الحقّ) أي مستعلين عليه غير مخففين لديه (قاهرين لعدوّهم) أي غالبين عليهم من قهره غلبه واللام للتقوية (حتّى يأتيهم أمر الله) أي بفنائهم أو خفائهم (وهم كذلك) أي لا بثون على ما هنالك (قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ ببيت المقدس) بفتح الميم وكسر الدال وضبطه بضم الميم وفتح الدال المشددة ولعل مثل هذا الحديث حمل ابن المديني على تأويل ما تقدم وقال غيره المراد بأهل الغرب أهل الشام لأنه غرب الحجاز بدلالة رواية وهم بالشام لكن لا منع من الجمع بأن يوجد في كل منهما جمع يقومون بأمر الحق من إظهار العلم وإفشاء شعار الدين والاجتهاد في باب الجهاد مع الكفار والملحدين ويؤيده ما رواه مسلم عن جابر بن سمرة مرفوعا لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة

ص: 684

من المسلمين حتى تقوم الساعة. (وأخبر) أي النبي عليه الصلاة والسلام (بملك بني أمّية) فيما رواه الترمذي والحاكم عن الحسن بن علي ورواه البيهقي عن سعيد بن المسيب مرسلا وفي سنده علي بن زيد بن جدعان وهو ضغيف وعن أبي هريرة وفي سنده الزنجي وهو غير معروف ذاتا وحالا والمراد ببني أمية بنو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وأول خلفائهم وأفضلهم عثمان بن عفان ثم معاوية بن أبي سفيان وهو أول الملوك بقي تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر ثم ابنه يزيد ثلاث سنين وأشهر ثم معاوية بن يزيد ومات بعد أربعين يوما ثم مروان بن الحكم ومات بعد سبعة أشهر ثم عبد الملك بن مروان ومات في شوال سنة ست وثمانين ثم بويع ابنه الوليد وكان مدته تسع سنين ثم بويع أخوه سليمان بن عبد الملك وكانت ولايته سنتين ثم بويع عمر بن عبد العزيز بن مروان وولايته سنتان ثم بويع هشام بن عبد الملك بن مروان ومات سنة خمس وعشرين ومائة ثم بويع الوليد بن يزيد بن عبد الملك فقتل سنة ست وعشرين ومائة ثم بويع يزيد بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك المسمى بالناقص وكانت ولايته خمسة أشهر ثم بويع إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك فخلع نفسه ومدته سبعون يوما ثم بويع مروان بن محمد بن مروان بن الحكم سنة سبع وعشرين ومائة وقيل سنة اثنتين وثلاثين ومائة وهو آخرهم ومجموعهم أربعة عشر ما عدا عثمان رضي الله تعالى عنه (وولاية معاوية) أي ابن أبي سفيان وهو منهم لكن خص لأنه متميز عنهم بأشياء منها قوله (ووصّاه) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فيما رواه البيهقي عنه بلفظ ما حملني على الخلافة وإلا قول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يا معاوية إن ملكت وفي رواية إذا وليت فأحسن وضعفه البيهقي ثم قال غيره إن له شواهد منها حديث سعيد بن العاص أن معاوية أخذ الإداوة فتبع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال له يا معاوية إن وليت أمرا فاتق الله واعدل ومنها حديث رشد بن سعد عنه سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم يقول أبو الدرداء كلمة سمعها معاوية منه صلى الله تعالى عليه وسلم فنفعه الله بها، (واتّخاذ بني أميّة مال الله دولا) بضم ففتح جمع دولة بضم فسكون وقد يفتح أوله أي متداولة متناوبة فيها من غير استحقاق لها والحديث رواه الترمذي والحاكم عن الحسن بن علي ورواه البيهقي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بلفظ إذا بلغ بنو أبي العاص أربعين رجلا اتخذوا دين الله دغلا وعباد الله خولا ومال الله دولا وعن أبي سعيد الخدري إذا بلغوا ثلاثين الحديث، (وخروج ولد العبّاس) أي ابن عبد المطلب وفي نسخة وخروج بني العباس أي ظهورهم في غلبة أمورهم (بالرّايات السّود) أي الأعلام الملونة بالسواد تفاؤلا بغلبتهم على العباد (وملكهم) بضم الميم أي تملكهم (أضعاف ما ملكوا) أي ملك غيرهم من ملوك البلاد فقد رواه أحمد والبيهقي بأسانيد ضعيفة أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال تظهر الرايات السود لبني العباس حتى ينزلوا بالشام ويقتل الله على أيديهم كل جبار وعدو لهم في إسناده عبد القدوس وهو

ص: 685

ضعيف وفي رواية تخرج الرايات السود من خراسان لا يردها شيء حتى تنصب بإيليا وهي بيت المقدس في إسناده رشد بن سعيد وهو ضعيف وأما أولاده الخلفاء وأحفادهم الأمراء فأولهم أبو العباس السفاح بويع سنة اثنتين وثلاثين ومائة ثم أبو جعفر المنصور ثم المهدي بن المنصور ثم الهادي ثم موسى بن الهادي ثم الرشيد أبو جعفر هارون بن المهدي ومات بطوس ثم الأمين محمد بن الرشيد وقتل ثم المأمون بن الرشيد ثم المعتصم بالله وهو محمد ابن هارون ثم الواثق واسمه هارون أبو جعفر ثم المتوكل أبو الفضل جعفر بن محمد المعتصم ثم المنتصر أبو جعفر محمد بن المتوكل ثم المستعين بالله أحمد بن محمد بن المعتصم وخلع نفسه ثم المعتز بالله بن المتوكل على الله ثم المهدي بالله أبو عبد الله بن الواثق ثم المعتمد أبو العباس بن المتوكل ثم المعتضد أحمد بن أحمد الواثق بن المتوكل ثم المكتفي علي بن المعتضد ثم المقتدر جعفر بن المعتضد ثم القاهر محمد بن المعتضد وخلع نفسه عام اثنين وعشرين وثلاثمائة وقد ارتكب أمورا قبيحة لم يسمع بمثلها في الإسلام قال بعضهم صليت في جامع المنصور ببغداد فإذا أنا بإنسان عليه جبة عتابية قد ذهب وجهها وبقيت بطانتها وبعض قطن فيها وهو يقول أيها الناس تصدقوا علي فإني كنت بالأمس أميرا وصرت اليوم فقيرا فسألت عنه فقيل لي إنه القاهر بالله وكانت له حربة يأخذها بيده فلا يضعها حتى يقتل إنسانا ثم الراضي محمد بن جعفر ثم المقتفي بعد أخيه وهو أبو إسحاق إبراهيم بن المقتدر بالله ثم الفضل وهو المطيع للدين المقتدر بالله وخلع نفسه ثم الطائع عبد الكريم بن الفضل بن المطيع القادر ثم القادر بالله ثم ولده القائم بأمر الله ثم ابنه المقتدي بأمر الله ثم ابنه المستظهر بالله ثم ابنه المسترشد بالله ثم ابنه المستكفي بالله وكان خلفاء بني العباس ثلاثين وكلهم ببغداد إلى أن استولى عليهم الزمان سنة ست وخمسين وستمائة ولله الأمر من قبل ومن بعد (وخروج المهديّ) بفتح الميم وتشديد التحتية قال الحلبي واسمه محمد بن عبد الله من ولد فاطمة من ولد الحسن كما في الأحاديث انتهى وأصل أحاديثه في أبي داود في سننه وقيل من أولاد الحسين وقيل من ذريتهما وليس المراد به أحد الأئمة الاثني عشرية كما اعتقد الشيعة وأنه مخفي في المكان وسيظهر في آخر الزمان ولا أحد المشايخ الذي انتهت إليه الطائفة المهدوية القائلة بأنه جاء ومضى وأن من لا يعتقد ذلك فهو ضال وقد أفرد شيخ مشايخنا جلال الدين السيوطي رسالة مفردة في معرفة المهدي فعليك بها وينبغي أن لا يتوهم أن المهدي هذا من بني العباس ولذا ذكر الدلجي أحاديث مما يوهم أنه هو ثم دفعه بأن المراد غيره فقال رواه أحد والبيهقي بأسانيد ليست بقوية عنه صلى الله تعالى عليه وسلم تقتتل عند كنزكم هذا ثلاثة كلهم ولد خليفة لا يصير إلى واحد منهم ثم تقبل الرايات السود من خراسان فيقتلونكم مقتلة لم تروا مثلها ثم يجيء خليفة الله المهدي فإذا كان كذلك فأتوه ولو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله وفي إسناده مجهول وفيه أبو اسماء وهو ضعيف وفي رواية أخرى يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع أمن الزمان وظهور الفتن يقال له السفاح يكون

ص: 686

عطاؤه حثيا في سنده عطية العوفي وهو ضعيف قال التلمساني وعلامة وقته خسوف القمر أول ليلة من رمضان أو ثالثه أو السابع والعشرين وهي علامة لم تكن منذ خلق الله السموات والأرض (وما ينال أهل بيته) أي وما يصيبهم من المحن كقضية الحسنين وبقية أئمة أهل البيت (وتقتيلهم وتشريدهم) أي تطريدهم كما أخبر به فيما رواه الحاكم من حديث أبي سعيد أن أهل بيتي سيلقون بعدي من أمتي قتلا وتشريدا وضعفه الذهبي (وقتل عليّ) كما رواه أحمد عن عمار بن ياسر والطبراني عن علي وصهيب وجابر بن سمرة (وأنّ أشقاها) أي أشقى الطائفة أو الثلاثة حيث تيسر له ما قصده فإن من العصمة أن لا يقدر بخلاف من قصد قتل معاوية وابن العاص فكان اشقاهم بل اشقى الآخرين لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال يا علي أتدري من أشقى الأولين قال الله ورسوله أعلم قال عاقر الناقة قال أتدري من اشقى الآخرين قال الله ورسوله أعلم قال قاتلك ولما جرح هذا الشقي عليا أدخل عليه فقال أطيبوا طعامه والينوا فراشه فإن أعش فأنا ولي دمي عفوا وقصاصا وإن مت فالحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين فلما مات علي أخرج من السجن وقطع عبد الله بن جعفر يديه ورجليه وكحل عينيه بمسمار محمي وجعل يقرأ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ إلى آخر السورة وأن عينيه لتسيلان ثم أمر به فقطعوا لسانه ثم جعلوه في قوصرة وأحرقوه بالنار (الذي يخضب) بكسر الضاد أي يصبغ (هَذِهِ مِنْ هَذِهِ أَيْ لِحْيَتِهِ مِنْ رَأْسِهِ) يعني بدمها قال الأسنوي في المهمات تبعا للنووي في تهذيبه أن الأشقى هو عبد الرحمن بن ملجم بميم مضمومة فلام ساكنة فجيم مفتوحة أو مكسورة، (وأنّه) أي عليا (قسيم النّار) أي والجنة كما قيل

على حبه جنة

قسيم النار والجنة

فهو من باب الاكتفاء ويشير إليه قوله (يدخل أولياؤه الجنّة وأعداؤه النّار) والمعنى أن الناس فريقان فريق معه وهم مهتدون وفريق عليه فهم ضالون اعداء له فيكون سببا لدخولهما الجنة والنار ويلائمه ما ضبط في نسخة يدخل بصيغة المعلوم من باب الافعال لكن الحديث لا يعرف من رواه إلا أنه قد جاء ما يقوي معناه (فكان) أي علي (فيمن) وفي نسخة ممن (عاداه الخوارج) وهم المحكمية خرجوا عليه عند التحكيم وكانوا اثني عشر ألفا أصحاب صلاة صيام قال فيهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يحقر أحدكم صلاته في جنب صلاتهم وصومه في جنب صومهم لا تجاوز قراءتهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية على ما جاء في طرق، (والنّاصبّة) بالموحدة الذين يتدينون ببغض علي رضي الله تعالى عنه وقد نصبوا له الحرب وقد روى مسلم تكون أمتي فرقتين فيخرج من بينهما مارقة يلي قتلها أولاهم بالحق وهم الذين قتلهم علي بالنهروان وكانوا أربعة آلاف ولم يقتل من المسلمين سوى تسعة (وطائفة ممّن ينسب) بالياء والتاء وروي ينتسب (إليه) أي إلى حب علي كرم الله تعالى وجهه (من الرّوافض كفّروه) أي لتركه في زعمهم الكاذب الخلافة لغيره

ص: 687

وهي حقه فكان رضي بالباطل وسكت عن الحق مع قدرته عليه، (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام (يقتل عثمان وهو يقرأ المصحف) بضم الميم ويكسر ويفتح ورواه الترمذي عن ابن عمر ولفظه ذكر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فتنته فقال يقتل هذا مظلوما لعثمان وحسنه، (وأنّ الله) بفتح الهمزة وكسرها (عسى أن يلبسه) بضم أوله (قميصا) أي خلعة الخلافة والتلبس بها، (وأنّهم) أي أهل الفتنة (يريدون خلعه) أي عزله عنها فامتنع من انخلاعها لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم كما رواه الترمذي وحسنه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال يا عثمان إنه لعل الله أن يقمصك قميصا فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه لهم فقتلوه ظلما وعدوانا فأهدر الله بدمه سبعين الفا قتلوا بصفين وغيرها، (وأنّه) أي الشأن (سيقطر دمه) بضم الطاء وفي نسخة بصيغة المجهول أي ستقع قطرات دمه (على قوله تعالى: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ [البقرة: 137] ) كما رواه الحاكم عن ابن عباس قال الذهبي إنه موضوع لكن نقل المحب الطبري في الرياض أن أكثرهم يروي أن قطرة من دمه أو قطرات سقطت على قوله تعالى فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ في المصحف ونقل عن حذيفة قال أول الفتن قتل عثمان وآخرها خروج الدجال والذي نفسي بيده لا يموت أحد وفي قلبه مثقال حبة من حب قتله عثمان إلا تتبع الدجال إن أدركه وإن لم يدركه آمن به في قبره أخرجه السلفي الحافظ (وَأَنَّ الْفِتَنَ لَا تَظْهَرُ مَا دَامَ عُمَرُ حيّا) كما رواه البيهقي فهو سد باب الفتنة كما أخبر به حذيفة، (وبمحاربة الزّبير لعليّ) كما رواه البيهقي في دلائل النبوة من طرق أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أخبر بمحاربة الزبير لعلي وهو ظالم له وذكره به على يوم الجمل فقال بلى والله لقد نسيته منذ سمعته منه صلى الله تعالى عليه وسلم ثم ذكرته الآن والله لا أقاتلك فرجع يشق الصفوف راكبا فعرض له ابنه عبد الله فقال مالك فقال ذكرني علي حديثا سمعته من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول لتقاتلنه وأنت ظالم له فقال له ابنه إنما جئت لتصلح بين الناس لا لمقاتلته فقال قد حلفت أن لا أقاتله قال اعتق غلامك وقف حتى تصلح بينهم ففعل فلما اختلف الأمر ذهب (وبنباح كلاب الحوأب على بعض أزواجه) أي وأخبر صلى الله تعالى عليه وسلم بنباحها وهو بضم نون وتكسر فموحدة أي صياحها والحوأب بمهملة ثم همزة مفتوحتين موضع بين البصرة ومكة نزلته عائشة لما توجهت للصلح بين علي ومعاوية فلم تقدر اتفاقا فكانت وقعة الجمل، (وأنّه يقتل حولها) أي حول بعض الأزواج وهي عائشة رضي الله تعالى عنها (قتلى كثيرة) أي جمع كثير من المقتولين قيل قتل يومئذ نحو من ثلاثين ألفا وفي نسخة كثيرة نظرا إلى الجماعة (وتنجو بعد ما كادت) أي إلى الهلاك كما رواه البزار بسند صحيح عن ابن عباس (فنبحت) بفتح الباء وكسرها أي كلاب ذلك الموضع (على عائشة عند خروجها) أي توجهها من مكة (إلى البصرة) كما رواه أحمد وكذا البيهقي بلفظ لما أتت الحوأب سمعت انباح الكلاب فقالت ما أظنني إلا راجعة إني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال لنا أيتكن تنبح عليها

ص: 688

كلاب الحوأب ترجعين لعل الله أن يصلح بك بين الناس (وأنّ عمّارا) وهو ابن ياسر (تقتله الفئة الباغية) رواه الشيخان ولفظ مسلم قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لعمار تقتلك الفئة الباغية وزاد وقاتله في النار (فقتله) أي عمارا (أصحاب معاوية) أي بصفين ودفنه علي رضي الله تعالى عنه في ثيابه وقد نيف على سبعين سنة فكانوا هم البغاة على علي بدلالة هذا الحديث ونحوه وقد ورد إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق وقد كان مع علي رضي الله تعالى عنهما وأما تأويل معاوية وابن العاص بأن الباغي علي وهو قتله حيث حله على ما أدى إلى قتله فجوابه ما نقل عن علي كرم الله وجهه أنه يلزم منه أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قاتل حمزة عمه والحاصل أنه لا يعدل عن حقيقة العبارة إلى مجاز الإشارة إلا بدليل ظاهر من عقل أو نقل يصرفه عن ظاهره نعم غاية العذر عنهم أنهم اجتهدوا وأخطأوا فالمراد بالباغية الخارجة المتجاوزة لا الطالبة كما ظنه بعض الطائفة (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام (لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَيْلٌ لِلنَّاسِ مِنْكَ) أي مشقة وهلاك في الآخرة بقتله ظلما (وويل لك من النّاس) أي في الدنيا فلقد حاصره الحجاج بمكة ورمى البيت بالمنجنيق فهدم ركنه الشامي (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام على ما رواه الشيخان (في قزمان) أي في حقه وهو بضم القاف وسكون الزاي ذكره الحلبي رجل من المنافقين قاتل قتالا شديدا (وقد أبلى مع المسلمين) بفتح الهمزة واللام جملة حالية أبانت شجاعته ومحاربته لغير الله بدليل قوله عليه الصلاة والسلام (إنّه من أهل النّار) فقتل نفسه أي في خيبر كما ذكره البخاري وصوبه المصنف وأقره النووي ومسلم في حنين والخطيب تبعا لأصحاب السير في أحد وأقره النووي ولعل الأشخاص متعددة فكل ذكره في قضية (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام (في جماعة فيهم) أي في حق جماعة من جملتهم (أَبُو هُرَيْرَةَ وَسَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ وَحُذَيْفَةُ آخِرُكُمْ موتا في النّار) أي يكون في موته في نار الدنيا لا أنه يدخل في نار العقبى كما توهم الدلجي على ما سيأتي فعامله موتا وهو إبهام أو تورية وايهام (فكان بعضهم) أي تلك الجماعة (يسأل عن بعض) أي عن حياته ومماته كما رواه البيهقي عن ابن حكيم الضبي إذا لقيت أبا هريرة سألني عن سمرة فإذا أخبرته بحياته وصحته فرح وقال كنا عشرة في بيت فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم آخركم موتا في النار فمات منا ثمانية ولم يبق غيري وغيره وفي رواية للبيهقي عنه وكان إذا أراد أحد أن يغيظ أبا هريرة قال مات سمرة فيصعق ويغشى عليه ثم مات أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قبل سمرة (فكان سمرة آخرهم موتا هرم وخرف) بكسر الراء فيهما أي أصابه خلل في بدنه وخبل في عقله (فاصطلى بالنّار) أي استدفأ بها (فاحترق فيها) وفي تاريخ ابن عساكر عن ابن سيرين أن سمرة أصابه كزاز هو داء من البرودة أو برد شديد لا يكاد يدفأ منه فأمر بقدر عظيمة صلى الله تعالى عليه وسلم فملئت ماء وأوقد تحتها واتخذ فوقها مجلسا فكان يصل إليه بخارها فيدفأ فلم يلبث أن سقط به فاحترق ويوافقه ما رواه البيهقي عن بعض أهل العلم أنه

ص: 689

مات في الحريق تصديقا لقول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم تعالى عليه وسلم وقد أغرب الدلجي حيث استدل به بأنه يدخل النار في الآخرة ثم يخرج منها ثم قال ويحتمل أنه يورد النار بقتل زياد وابن زياد بحضرته خلقا كثيرا ثم ينجى منها بإيمانه بشهادة حديث البيهقي عن ابن سيرين كان سمرة عظيم الأمانة صدوق الحديث يحب الإسلام وأهله قال عبد الله بن صبيح لابن سيرين بهذا وبصحبته رسول الله صلى الله تعالى عليه نرجو له بعد تحقيق قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فيه الخير انتهى ولا يخفى أن هذا الحديث ما يقتضي دخوله في النار ثم نجاته منها بل الظاهر نجاته منها ابتداء وأن احتراقه في الدنيا يكون سبب خلاصه عنها في العقبى على تقدير وقوع ذنب يستحقها وإلا فهو موجب زيادة درجة عالية في الجنة وغرفها ثم حضوره مجلس زياد وابن زياد حين قتلهما خلقا كثيرا لا يدل على استحقاق عذاب ولا استيجاب عتاب إذ لم يعرف أنه كان راضيا بفعلهما وربما كان مكرها في حضوره عندهما هذا وللبيهقي أنه استجمر فغفل عنه أهله حتى أخذته النار ولا يخفى إمكان الجمع بين هذا وما تقدم والله تعالى أعلم وأما حديث البيهقي عن أوس بن خالد كنت إذا قدمت على أبي محذورة سألني عن سمرة وإذا قدمت على سمرة سألني عن أبي محذورة فسألت أبا محذورة عن سؤالهما إياي فقال كنت أنا وسمرة وأبو هريرة في بيت النبي عليه الصلاة والسلام فجاء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال آخركم موتا في النار فمات أبو هريرة رضي الله تعالى عنه ثم أبو محذورة ثم سمرة فلا يخلو من الاشكال لما سبق من معارضته في المقال والله تعالى اعلم بالحال، (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام كما رواه ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة أنه صلى الله تعالى عليه وسلم (في حنظلة) أي ابن أبي عامر الأنصاري (الغسيل) أي مغسول الملائكة (سلوا زوجته عنه) أي عن حاله قبل موته (فإنّي رأيت الملائكة تغسّله) أي بعد قتله شهيدا بأحد مع أن الشهيد لا يغسل (فسألوها فقالت إنّه خرج جنبا) حين غسلت أحد شقي رأسه وسمع الهيعة وكان قد ابتنى بها تلك الليلة (وأعجله الحال عن الغسل) أي عن تمامه لمبادرته إلى القتال ومسارعته للامتثال، (قال أبو سعيد) أي الخدري (ووجدنا رأسه يقطر ماء وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام، (الخلافة في قريش) رواه أحمد والترمذي ولعل المراد به أن الخلافة على استحقاقها في طائفة من قريش وهم الخلفاء الأربعة فيكون إخبارا عن الغيب المطابق للواقع بعده وأما إذا أريد به الحكم بأن الخلافة منحصرة فيهم وأن شرط صحة الخلافة أن يكون الخليفة واحد منهم كما ذكره الدلجي فلا يلائم سياقه في هذا الباب كما لا يخفى على أولي الألباب ويؤيد ما قدمناه قوله صلى الله تعالى عليه وسلم كما رواه البخاري عن معاوية (ولن يزال هذا الأمر) أي أمر الخلافة (في قريش ما أقاموا الدّين) يعني فإذا لم يقيموا أمر الدين على ما ينبغي انتقل الأمر عنهم إلى غيرهم فكان كما أخبرهم زاد البخاري في رواية ولا يعاديهم أحد إلا كبّه الله على وجهه أي في الدنيا أو في العقبى قال النووي انعقد الإجماع

ص: 690

في زمن الصحابة ومن بعدهم على أن الخلافة مختصة بقريش لا تجوز لغيرهم ولا عبرة بمن خالف فيه من أهل البدعة (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام (يكون) أي سيوجد (في ثقيف) بفتح فكسر هو أبو قبيلة من هوازن (كذّاب ومبير) بضم فكسر أي مهلك من أبار أهلك مأخوذ من البوار وهو الهلاك ومنه قوله تعالى وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً أي هلكى (فرأوهما الحجّاج والمختار) أي فرأى السلف أن أحدهما الحجاج وهو بفتح الحاء كليب بن يوسف والآخر المختار بن أبي عبيد وأن الثاني هو الكذاب والأول هو المبير فهما لف ونشر مشوش ففي حديث اسماء بنت أبي بكر من طريق مسلم وغيره أنها قالت مسافهة للحجاج حدثنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن في ثقيف كذابا ومبيرا فأما الكذاب فقد رأيناه وأما المبير فلا أخالك إلا إياه وقال الترمذي في جامعه ويقال الكذاب المختار والمبير الحجاج ثم ذكر بسنده إلى هشام بن حسان قال أحصوا ما قتل الحجاج صبرا فبلغ مائة وعشرين ألفا انتهى وأما المختار فهو الكذاب حيث زعم أن جبريل أتاه بوحي الكتاب فقد رواه البيهقي عن رفاعة بن شداد قال دخلت على المختار يوما فقال دخلت وقد قام جبريل من هذا الكرسي فأهويت إلى السيف فذكرت حديثا حدثينه عمرو بن الحمق الخزاعي أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال إذا أمن الرجل رجلا على دمه ثم قتله رفع له لواء الغدر يوم القيامة فكففت عنه قال النووي في شرح مسلم واتفق العلماء على أن المراد بالكذاب المختار بن أبي عبيد وبالمبير الحجاج بن يوسف انتهى وكان المختار واليا على الكوفة ولقبه كيسان وإليه ينسب الكيسانية كان خارجيا ثم صار زيديا ثم صار شيعيا وكان يدعو إلى محمد ابن الحنفية ومحمد يتبرأ منه وكان أرسل ابن الأشتر بعسكر إلى ابن زياد لقتال الحسين فقتله وقتل كل من كان في قتل الحسين ممن قدر عليه وكان غرضه في ذلك صرف وجوه الناس إليه والتوسل به إلى تحصيل الإمارة لديه فكان يظهر الخير ويضمر الشر ولما ولي مصعب بن الزبير البصرة من جهة عبد الله بن الزبير قاتل المختار وقتله؛ (وأنّ) وفي نسخة صحيحة وبأن (مسيلمة) بضم الميم وفتح السين ثم كسر اللام (يعقره الله) بكسر القاف أي يهلكه أو يقتله أو يهلكه قتلا فقتله وحشي بن حرب في قتال أهل الردة زمن أبي بكر رواه الشيخان بلفظ ولئن توليت ليعقرنك الله؛ (وأنّ فاطمة) أي بنته الزهراء رضي الله عنها (أوّل أهله) أي أهل بيته كما في نسخة (لحوقا به) أي موتا ووصولا إليه ففي الصحيح عن الزهري عن عروة عن عائشة مكثت فاطمة بعد وفاته صلى الله تعالى عليه وسلم ستة أشهر، (وأنذر بالرّدّة) أي وحذر صلى الله تعالى عليه وسلم أصحابه وخوفهم وعرفهم بأنها ستكون كما في حديث الشيخين لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض وفي حديث مسلم لا تقوم الساعة حتى يلحق قبائل من أمتي بالمشركين وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان فوقعت الردة في خلافة أبي بكر ارتد عامة العرب إلى أهل مكة والمدينة والبحرين وكفى الله أمرهم بالصديق صاحب مقام التحقيق (وأنّ) وفي نسخة وبأن (الخلافة)

ص: 691

أي الحقيقة الحقية (بعده ثلاثون سنة ثمّ تكون) أي تصير الخلافة (ملكا) أي سلطنة بالغلبة فقد روى أحمد والترمذي وأبو يعلى وابن حبان عن سفينة بلفظ الخلافة بعدي في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك (فكانت) أي الخلافة (كذلك) أي ثلاثين سنة (بمدّة الحسن بن عليّ) أي بمضي مدة خلافته وهي ستة أشهر تقريبا وفيه دلالة على أن معاوية لم يحصل له ولاية الخلافة ولو بعد فراغ الحسن له بالإمارة ويشير إليه ما رواه البخاري في تاريخه والحاكم في مستدركه عن أبي هريرة بلفظ الخلافة بالمدينة والملك بالشام ثم اعلم أن خلافة أبي بكر كانت سنتين وثلاثة أشهر وعشرين يوما وخلافة عمر عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام وخلافة عثمان إحدى عشرة سنة وإحدى عشر شهرا وثمانية عشر يوما وخلافة علي أربع سنين وعشرة أشهر أو تسعة وتمامها بخلافة الحسن (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام (إنّ هذا الأمر) أي أمر ملة هذه الأمة (بدأ) بهمزة أي ابتدأ أو بألف أي ظهر (نبوّة ورحمة) أي نبوة مقرونة بالرحمة العامة. (ثمّ يكون) أي الأمر (رحمة وخلافة) أي رحمة في ضمن الخلافة (ثمّ يكون) أي الأمر (ملكا) قال التلمساني وفي أصل المؤلف ثم ملكا (عضوضا) بفتح العين أي سلطنة خالية عن الرحمة والشفقة على الرعية فكأنهم يعضون بالنواجذ فيه عضا حرصا على الملك ويعض بعضهم بعضا حثا على الهلك وفيه إيماء إلى ما قال عارف بهذا الباب الدنيا جيفة وطالبها الكلاب وفي النهاية ثم يكون ملك عضوض أي يصيب الرعية عسف وظلم فكأنهم يعضون فيه عضا بأسنانهم أي يتحملون فيه محنة شديدة في شأنهم وفي رواية وسترون بعدي ملكا عضوضا وفي أخرى ثم يكون ملوك عضوض قيل وهو جمع عض بالكسر أي شرير خبيث (ثمّ يكون) أي الأمر (عتوّا) بضمتين فتشديد أي تكبرا (وجبروتا) بفتحتين فعلوت من الجبر بمعنى القهر مبالغة أي تجبرا وقهرا (وفسادا في الأمّة) أي في أمر دينهم ودنياهم هذا ولفظ البيهقي أن الله بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة وكانتا خلافة ورحمة وكانتا ملكا عضوضا وكانتا عتوا وجبرية وفسادا في الأمة يستحلون الفروج والخمور والحرير وينصرون على ذلك ويرزقون أبدا حتى يلقوا الله تعالى وقد ابتدأ هذا الفساد من بدأ إمارة يزيد وولاية زياد وهلم جرا في الزيادة إلى يومنا هذا فيما بين سلاطين البلاد والله رؤوف بالعباد (وأخبر) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (بشأن أويس) أي ابن عامر (القرني) بفتحتين أي منسوب إلى بطن من مراد قبيلة باليمن وغلط الجوهري في نسبته إلى قرن المنازل روي أنه كان به بياض فدعا الله فأذهبه إلا قدر دينار أو درهم وله أم كان بها بارا ولو أقسم على الله لأبره وقال من لقيه فليستغفر وعن عمر مرفوعا يأتي عليكم أويس بن عامر مع إمداد أهل اليمن من مراد ثم قرن كان به برص فبرئ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل قال الأرزنجاني في شرح المشارق الإمداد جمع مدد والمراد هنا القافلة قال وكان عمر إذا أتى إمداد اليمن يسألهم أفيكم أويس بن عامر فلما كانت السنة التي توفي فيها عمر قام على جبل أبي قبيس

ص: 692

فنادى بأعلى صوته يا أهل الحجيج من اليمن أفيكم أويس فقام شيخ طويل اللحية فقال إنا لا ندري من أويس ولكن ابن أخي يقال له أويس وهو أخمل ذكرا وأهون أمرا من أن نرفعه إليك وأنه ليرعى إبلا حقير بين أظهرنا فقال له عمران اين ابن أخيك قال بإزاء عرفات فركب مر وعلي سراعا إلى عرفات فإذا هو قائم يصلي والإبل حوله ترعى فسلما عليه وقالا من الرجل قال عبد الله قالا قد علمنا أن أهل السموات والأرض كلهم عبيد الله فما اسمك الذي سمتك به أمك قال يا هذان ما تريدان قالا وصف لنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم أويسا القرني وأخبرنا أن تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء فاوضحها لنا فإن كانت بك فأنت هو فأوضح منكبه فإذا اللمعة فاشتدا يقبلانه وقالا نشهد أنك أويس القرني فاستغفر لنا غفر الله لك قال ما أخص باستغفاري نفسي ولا أحدا من ولد آدم ولكنه في المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات يا هذان قد أشهر الله لكما حالي وعرفكما أمري فمن انتما قال علي أما هذا فعمر أمير المؤمنين وأما أنا فعلي بن أبي طالب فاستوى أويس قائما وترهب بهما فقال له عمر مكانك يرحمك الله حتى أدخل مكة فآتيك بنفقة من عطائي وفضل كسوة من كسوتي فقال يا أمير المؤمنين ما أصنع بالنفقة والكسوة أما ترى علي إزار ورداء من صوف متى أخرقهما وقد أخذت من رعايتي أربعة دراهم متى آكلها يا أمير المؤمنين إن بينك وبينه عقبة كؤودا ولا يجاوزها إلا كل ضامر مخف به فأخف يرحمك الله فلما سمع عمر ذلك ضرب بدرته الأرض نادى بأعلى صوته ألا ليت عمر لم تلده أمه إلا من يأخذها بما فيها ولها ثم قال أمير المؤمنين خذ أنت ههنا حتى آخذ عنها فولى عمر ناحية مكة وساق أويس ابله فوافى القوم وخلا عن الرعاية وأقبل على العبادة حتى لقي الله تعالى وروى الحاكم في مستدركه عن علي كرم الله تعالى وجهه مرفوعا خير التابعين أويس ولا ينافيه قول أحمد وغيره أن خيرهم سعيد بن المسيب لأن مرادهم في العلوم الشرعية لا في أكبرية الدرجة العلية قال الحلبي وقد قتل مع علي بصفين في وقعتها وقال ابن حبان واختلفوا في محل موته فمنهم من يزعم أنه مات على جبل أبي قبيس بمكة ومنهم من يزعم أنه مات بدمشق ويحكون في موته قصصا تشبه المعجزات التي رويت عنه وقد كان بعض أصحابنا ينكر كونه في الدنيا ثم ساق بسنده إلى شعبة قال سألت عمرو بن مرة وأبا إسحاق عن أويس القرني فلم يعرفاه أقول ولعلهما لم يعرفاه لعدم كونه من رواة الحديث إذ لم يرو شيئا وكان غلب عليه حب الخمول والعزلة والخلوة وكره الصحبة والخلطة وقد علم كل أناس مشربهم وعرف كل طائفة مذهبهم (وبأمراء) أي وبأن امراء (يؤخّرون الصّلاة عن وقتها) فقد روى مسلم من طرق عن أبي ذر ولفظه كيف أنت إذا كنت عليك امراء يؤخرون الصلاة عن وقتها قلت فما تأمرني قال صل الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة زاد في رواية أخرى وإلا كنت قد أخرت صلاتك قال النووي أي عن وقتها المختار لا عن جميع وقتها وروي يميتون الصلاة وهو بمعنى يؤخرون قال وقد وقع هذا في ومن بني أمية (وسيكون في

ص: 693

أمّته) وفي أصل الدلجي فِي أُمَّتِهِ (ثَلَاثُونَ كَذَّابًا فِيهِمْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ) رواه أحمد والطبراني والبزار منهم مسيلمة الحنفي والأسود العنسي بالنون والمختار بن أبي عبيد الثقفي وسجاح بفتح السين فجيم زعمت أنها نبية في زمن مسيلمة، (وفي حديث آخر ثلاثون دجّالا) وفي نسخة رجلا (كذّابا أحدهم) وفي نسخة وهي الأولى آخرهم (الدّجّال الكذّاب) أي الأعور الذي يقتله عيسى ابن مريم كما رواه الشيخان عن أبي هريرة ولفظهما بين يدي الساعة ثلاثين رجلا كذابا (كلّهم يكذب) وفي نسخة يكذبون (على الله ورسوله) قال الحلبي وفي الصحيح قريب من ثلاثين وقد جاء تعيين عددهم في حديث آخر أنهم سبعة وعشرون دجالا فيهم أربع نسوة والدجل تمويه الشيء وتغطيته والمموه الدجال وهو الكذاب أيضا لأنه يدجل الحق بالباطل. (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام (يوشك) أي يقرب (أن يكثر فيكم العجم) أي ضد العرب لا الفرس فقط (يأكلون فيئكم) بفتح الفاء وسكون الياء مهموزا أي أموالكم (ويضربون رقابكم) أي يريقون دماءكم أو يبلغون في إيذائكم وقد وقع في دولة الترك من بعدهم رواه البزار والطبراني بسند صحيح (ولا تقوم السّائحة حتّى يسوق النّاس بعصاه) أي يسترعيهم مسخرين له كراعي غنم يسوقها بعصاه وهو كناية عن طاعة الناس له واستيلائه عليهم ولم يرد نفس العصا إلا أن في ذكرها دليلا على خشونته وعسفه بهم في إطاعته (رجل) قال القرطبي في تذكرته لعله الجهجاه (من قحطان) وهو أبو اليمن رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ولفظهما لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه. (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه الشيخان (خيركم قرني) ولفظهما خير أمتي وفي رواية خير الناس قرني وهم الصحابة (ثمّ الذين يلونهم) وهم التابعون (ثمّ الذين يلونهم) وهم الاتباع وثم تفيد التنزل في الرتبة إلى أن يرتفع الاشتراك في الخيرية فيستقيم قوله (ثمّ يأتي بعد ذلك قوم) وفي تغيير العبارة إيماء إلى ما أشرنا إليه وفي رواية لهما ثم إن بعدكم قوما (يشهدون ولا يستشهدون) بصيغة المجهول أي يبادرون بتأدية الشهادة قبل أن يطلب منهم أداؤها فإنها لا تقبل وأما حديث خير الشهود من يأتي بالشهادة قبل أن يسألها فمعناه أن يظهر عند غير القاضي أن عنده الشهادة حيث جهل أو شك صاحب الشهادة أنها عنده أم لا أو هل يظهر الشهادة أم يخفيها وقيل يشهدون بالزور قال الحلبي وقيل معناه يحلفون ولا يستحلفون كما قال في رواية أخرى يسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه كذبا شهادته واليمين تسمى شهادة ومنه قوله تعالى فشهادة أحدهم (ويخونون ولا يؤتمنون) بفتح الميم (وينذرون) بضم المعجمة وتكسر (ولا يوفون) أي بنذرهم وفي رواية ولا يفون من وفى يفي (ويظهر فيهم السّمن) بكسر ففتح وفي حديث يكون في آخر الزمان قوم يتسمنون وفي رواية ويل للمتسمنات يوم القيامة وفي رواية ويخلف قوم يحبون السمانة وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم لمالك بن الصيف أليس في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين قال نعم قال له فأنت الحبر السمين فقال ما أنزل الله على

ص: 694

بشر من شيء. (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام (لَا يَأْتِي زَمَانٌ إِلَّا وَالَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ منه) رواه البخاري ولفظه قال الزبير اتينا إنسا فشكونا إليه الحجاج فقال اصبروا فإنه لَا يَأْتِي زَمَانٌ إِلَّا وَالَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ منه حتى تلقوا ربكم سمعته من نبيكم وفي رواية أشر منه وهو لغة كأخير في خير قال بعض الحفاظ إلا والذي بعده شر منه فيما يتعلق بالدين قال الحلبي والذي فهم الحسن غير ذلك حيث سئل الحسن فقيل له ما بال زمن عمر بن عبد العزيز بعد زمن الحجاج فقال لا بد للناس من تنفيس يعني أن الله ينفس عباده وقتا ما ويكشف البلاء عنهم حينا ما قلت وهو ما ينافي ما سبق من التنزل في أمر الدين كما هو مشاهد في نظر أرباب اليقين فإنه كلما يبعد عن النور تبقى الظلمة في الظهور فالبعد عن الحضرة يفيد هذا الترتيب في الحالة ويشير إليه صدر الحديث خير القرون قرني ثم وثم في الجملة بل جاء في حديث رواه أحمد والبخاري والنسائي عن أنس مرفوعا لا يأتي عليكم عام ولا يوم إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم. (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين (هلاك أمّتي على يدي أغلمة) تصغير تحقير لا غلمة جمع غلام يعني صبيان (من قريش) وفي رواية أعوذ بالله من أمارة الصبيان وقال إن أطعتموهم اذلتكم وإن عصيتموهم أهلكتكم إذ هم صغار الأسنان (وقال أبو هريرة راويه) أي راوي هذا الحديث (لو شئت سمّيتهم لكم) أي لبينتهم وقلت لكم إنهم (بنو فلان وبنو فلان) لكني ما أشاء تسميتهم صريحا خوف الفساد والفتنة إلا أن في العبارة إشارة بالكناية والمراد يزيد بن معاوية فإنه بعث إلى المدينة السكينة مسلم بن عقبة فأباحها ثلاثة أيام فقتل من خيار أهلها كثيرا فيهم ثلاثة من الصحابة وأزيلت بكارة ألف عذراء وبعده بنو مروان بن الحكم بن العاص فلقد صدر عنهم ما أوجب أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تبرأ منهم كما رواه الشيخان أنه قال إِنَّ آلَ أَبِي فُلَانٍ لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ ولكن لهم رحم سأبلها ببلالها فالمكنى هو الحكم بن العاص وبنوه فإنهم آله فكنى عنهم بعض رواة هذا الحديث حذرا منهم إذ كانوا ولامر وأصحاب الشر هذا وقد قال القرطبي هم والله تعالى أعلم يزيد بن معاوية وعبد الله بن زياد ومن جرى مجراهم من أحداث ملوك بني أمية. (وأخبر) أي النبي عليه الصلاة والسلام (بظهور القدريّة) كما رواه الترمذي وأبو داود والحاكم أنه قال القدرية مجوس هذه الأمة إشارة إلى مدح أمته وذمهم جعلهم مجوسا حيث شابه مذهبهم مشربهم فالمجوس أثبتوا الهين زعموا أن الخير من فعل النور وسموه يزدان والشر من فعل الظلمة وسموه أهرمن وقد قال الله تعالى وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ أي خلقهما وأما القدرية فزعموا خالقين خالق الخير وهو الله وخالق الشر وهو الإنسان وقد قال تعالى اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وهو ما ينافي أن ينسب إليه الفعل خلقا وإيجادا والينا عملا واكتسابا (والرّافضة) بالألف بمعنى الرفضة أي وأخبر بظهور الطائفة الرافضة التاركة لحب جل الصحابة وقد رواه البيهقي من طرق كلها ضعيفة إلا أنها يتقوى بعضها ببعض ويعضدها ما رواه البزار بلفظ يكون في أمتي قوم في

ص: 695

آخر الزمان يسمون الرافضة يرفضون الإسلام أي بالكلية لأنهم يستحلون سب الصحابة ويكفرون أهل السنة والجماعة والمعنى يتركون كمال الإسلام وجماله إن لم يصدر منهم ما ينافي أحكام الإيمان وفي رواية يلفظونه أي يرمونه فاقتلوهم فإنهم مشركون أي مشابهون لهم حيث لم يعملوا بالكتاب والسنة (وسبّ آخر هذه الأمّة أوّلها) أي وأخبر بظهور هذا الأمر من الرافضة وقد رواه أبو القاسم البغوي عن عائشة مرفوعا بلفظ لا تذهب هذه الامة حتى يلعن آخرها أولها وللترمذي من حديث طويل عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ولعن هذه الأمة أولها فارتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وزلزلة وخسفا ومسخا وقذفا وآيات تتتابع كنظام قطع سلكه والتتايع بالياء التحتية هو الوقوع في الشر كما أنه بالموحدة يستعمل في الخير هذا وقد ظهر لعن السلف على لسان الروافض والخوارج جميعا ولعل مذمة الرافضة في بعض الأحاديث وردت بالمعنى اللغوي الشامل لكل من الطائفتين وإن كان العرف خصها باعتبار الغلبة (وقلّة الأنصار) أي وأخبر صلى الله تعالى عليه وسلم بقلتهم والأظهر أن المراد بهم طائفة معروفة من الصحابة وقد يتوسع ويراد بهم ذريتهم أيضا ولا يبعد أن يراد بهم انصار الدين ومعاونيهم حتى يشمل المهاجرين وغيرهم وقد رواه البخاري عن ابن عباس خرج علينا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه فجلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن الناس يكثرون ويقل الأنصار أي بعدي (حتّى يكونوا كالملح في الطّعام) كناية عن غاية قلتهم فيما بين أهل الإسلام وتمام الكلام فمن ولي منكم شيئا يضر فيه قوما وينفع آخرين فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم (فلم يزل أمرهم يتبدّد) أي يتفرق (حتّى لم يبق لهم جماعة، وأنّهم) أي وأخيرا (سيلقون بعده أثرة) بفتحتين وبكسر فسكون وحكي بضم فسكون أي إيثار الناس أنفسهم عليهم فيما هم أولى به من العطايا ومناصب القضايا ففي الصحيحين بلفظ أنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض قال اليعمري كانت هذه الأثرة زمن معاوية، (وأخبر بشأن الخوارج) أي على علي بالنهروان وكانوا أربعة آلاف فقتلهم علي قتلا ذريعا ولم يقتل ممن معه إلا تسعة (وصفتهم) أي وبيان حالهم وأفعالهم حيث قال فرقة يحسنون القول ويسيئون الفعل أو العمل يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يرجعون إليه حتى يرتد إلى فوقه هم شر الخلق والخليقة طوبى لمن قتلهم، (والمخدّج) بضم الميم وسكون المعجمة وفتح الدال المخففة وبالجيم أي الناقص وكان ناقص اليد واسمه نافع وفي نسخة مشددة أي بناقص الخلق (الذي فيهم) أي بأن إحدى ثدييه مثل ثدي المرأة (وأنّ سيماهم التّحليق) أي علامتهم المبالغة في حلق شعورهم وقيل جلوسهم حلقا حلقا (ويرى) بصيغة المجهول وقال الدلجي بصيغة الخطاب العام (رعاة الغنم) وفي أصل الدلجي رعاء الشاء وهو نائب الفاعل أو المفعول الأول والثاني قوله (رؤوس النّاس) أي رؤساءهم، (والعراة والحفاة) وفي نسخة

ص: 696

والحفاة العراة (يتبارون) بفتح الراء أي يتفاخرون (في البنيان) أي في إطالة بيوتهم وتحسينها وتزيينها فقد روى الشيخان معناه ببعض مبناه فلمسلم وإن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان وللبخاري وإذا تطاول رعاء الإبل إليهم في البنيان وله أيضا وإذا كانت الحفاة العراة رؤوس الناس فذلك من أشراطها ولهما وإن ترى الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض وفيه إشارة إلى أن أرباب الجهالة والقلة والذلة يغلبون على أهل العلم والغنى والعزة (وأن تلد الأمّة ربّتها) أي سيدتها فإن ولد الأمة من سيدها لحسيدها لأنه سبب لعتقها فهي بنتها فبالأولى ابنها قال الحلبي وفي رواية ربها وفي رواية بعلها أي تلد مثل سيدها ومالكها ومتصرفها أراد به كثرة السبي والسراري في أوقات السعة أو في أزمنة الفتنة أو كناية عن كثرة العقوق وقلة تأدية الحقوق (وأنّ قريشا) أي وأخبر بأن كفار قريش بالخصوص (والأحزاب) أي وسائر طوائف الكفار (لا يغزونه أبدا) ولعله بعد غزوة الخندق فعن سليمان ابن صرد أنه عليه الصلاة والسلام قال حين أجلى الأحزاب عنه الآن نغزوهم ولا يغزوننا نحن نسير إليهم (وأنّه) أي النبي عليه الصلاة والسلام (هو يغزوهم) أي يبدؤوهم بالمحاربة كما وقع له ولأصحابه بفتح مكة وأما قوله صلى الله تعالى عليه وسلم يوم فتحها لا تغزى قريش بعده أي لا يكفرون فيغزون وقوله في رواية أخرى لا تغزى هذه بعد اليوم إلى يوم القيامة أي لا تعود مكة دار كفر يغزى عليه وأما ما قيل من أن المعنى لا يغزوها كفار أبدا فإن المسلمين قد غزوها مرات فيرده قصة القرامطة وكذا حديث يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة يقلعها حجرا حجرا، (وأخبر بالموتان) بضم الميم وتفتح أي بالوباء (الذي يكون بعد فتح بيت المقدس) كما رواه البخاري عن عوف بن مالك قال أتيت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فقال اعدد ستا بين يدي الساعة موتى ثم فتح بيت المقدس ثم موتان يأخذ فيكم كقصاص الغنم العقاص بضم القاف داء يأخذ الغنم لا يلبثها حتى تموت من وقتها ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا ثم فتنة لا يبقى من العرب حي إلا دخلته ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية أي راية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا انتهى وكان هذا الموتان في خلافة عمر بعمواس من قرى بيت المقدس وبها كان عسكره وهو أول طاعون وقع في الإسلام مات به سبعون ألفا في ثلاثة أيام وبنو الأصفر هم الروم لأن جدهم المنسوبون إليه كان أصفر وهو روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام، (وما وعد من سكنى البصرة) بفتح الموحدة وحكي ضمها إلا أنه لا يجوز في النسبة اتفاقا فقد روى أبو داود عن أنس أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال له يا أنس إن الناس يمصرون امصارا منها يقال لها البصرة فإن مررت بها أو دخلتها فإياك وسباخها وكلاءها بتشديد اللام أي ساحلها وسوقها وباب أمرائها وعليك بضواحيها أي نواحيها الظاهرة بها فإنه يكون خسف وقذف ورجف وقوم يبيتون ويصبحون قردة وخنازير ولعل هذه الامور وردت معنوية

ص: 697

أو ترد بعد ذلك صورية هذا وقد بنى البصرة عتبة بن غزوان في خلافة عمر سنة سبع عشرة وسكنها الناس سنة ثماني عشرة لم يعبد الصنم قط على أرضها (وَأَنَّهُمْ يَغْزُونَ فِي الْبَحْرِ كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ) كما في الصحيحين بلفظ كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان من خالات النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من الرضاع وكانت تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها يوما فأطعمته ثم جلست تفلي رأسه فنام ثم استيقظ يضحك فقالت مم تضحك قال ناس من أمتي عرضوا على غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر أي وسطه ومعظمه وقيل ظهره ملوكا على الأسرة أو كالملوك على الأسرة فقالت ادع الله تعالى أن يجعلني منهم فدعاهم ثم نام ثم استيقظ يضحك فقالت مم تضحك فقال كالأول فقالت ادع الله تعالى أن يجعلني منهم فقال أنت من الأولين فركبت البحر في زمن معاوية فصرعت عن دابتها بعد خروجها منه فهلكت والأسرة جمع سرير وهو بساط الملك، (وأنّ) أي وأخبر بأن (الإيمان لو كان منوطا) أي معلقا (بالثّريّا لناله رجال من أبناء فارس) وهم المشهورون الآن باسم العجم ولفظ الشيخين عن أبي هريرة كنا كنا عند النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إذ نزلت سورة الجمعة فلما نزلت وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قالوا من هم يا رسول الله فوضع يده على سلمان الفارسي ثم قال لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء وجمع اسم الإشارة مع أن المشار إليه واحد لإرادة الجنس ولو هنا لمجرد الفرض والتقدير مبالغة لحدة فطنتهم وقوة فطرتهم وأراد بآخرين التابعين اللاحقين بالصحابة السابقين وأعلاهم في هذا المقام الافخم هو الإمام الأعظم والله تعالى أعلم (وهاجت ريح) أي هبت بشدة (في غزاته) أي على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وغزاته في بعض غزواته وهي غزوة تبوك من أرض الشام على ما ذكره الدلجي أو غزوة بني المصطلق كما قرره الحلبي وهو أولى بالاعتماد، (فقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام (هَاجَتْ لِمَوْتِ مُنَافِقٍ فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وجدوا ذلك) أي موت المنافق على وفاق ما أخبره هنالك وهذا المنافق هو رفاعة بن زيد بن التابوت أحد بني قينقاع وكان من عظماء اليهود وكهناء المنافقين كذا قاله أبو إسحاق على ما ذكره الحلبي (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام كما رواه الطبراني عن رافع بن خديج (لقوم من جلسائه) وهم أبو هريرة الدوسي وفرات بن حبات العجلي والرجال بن عنقوة اليمامي وهو المراد من قوله (ضرس أحدكم) أي واحد منكم لا كل واحد منكم (في النّار أعظم من أحد) أي هيئة وصورة في هذا تلويح بأن يموت أحدهم كافرا الحديث ضرس الكافر في النار مثل أحد رواه مسلم وغيره (قال أبو هريرة فذهب القوم يعني) أي يريد بقوله ذهبوا. (ماتوا وبقيت أنا ورجل فقتل) أي ذلك الرجل (مرتدّا يوم اليمامة) ناحية شرقي الحجاز معروفة؛ (وأعلم) أي أخبر صلى الله تعالى عليه وسلم كما رواه أبو داود والنسائي عن زيد بن خالد الجهني (بالذي غلّ) أي خان فأخذ من الغنيمة قبل القسمة (خرزا من خرز يهود) بفتح الخاء المعجمة والراء

ص: 698

فزاء وهي الجواهر وما ينتظم من نحوها والمراد بها هنا فصوص من الحجارة (فوجدت) أي تلك الخرز (في رحله) أي بعد موته فعن زيد بن خالد الجهني قال توفي رجل يوم خيبر فذكروا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال إن صاحبكم قد غل في سبيل الله قال ففتحنا متاعه فوجدنا خرزات من خرزات يهود ما تساوي درهمين، (وبالذي) أي واعلم صلى الله تعالى عليه وسلم كما رواه الشيخان عن أبي هريرة بالذي (غلّ الشّملة. وحيث هي) أي وبالمكان الذي هي فيه وهي كساء يشتمل به الرجل ولفظهما أهدى رجل لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم غلاما اسمه مدعم فبينما هو يحط رحلا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جاء سهم عائر أي لا يدري راميه فقتله فقالوا هنيئا له الجنة فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم قبل القسمة لتشتعل عليه نارا ذكره الدلجي وقال الحلبي الذي غل الشملة هذا كركرة قال النووي يقال بكسر الكافين وبفتحهما جعله في المبهمات وكذا هو في سنن ابن ماجة في الجهاد (وناقته) ضبط بالرفع في النسخ ولعل التقدير وكذا ناقته أي قضيتها أو وحيث هي وناقته كما في اصل التلمساني والظاهر جرها أي واعلم صلى الله تعالى عليه وسلم كما رواه البيهقي بناقته ومكانها (حين ضلّت) أي ضاعت وفقدت (وكيف تعلّقت بالشّجرة بخطامها) أي برسنها أو زمامها وذلك أنه صلى الله تعالى عليه وسلم حين قفل من غزوة بني المصطلق أخذتهم ريح كادت أن تدفن الراكب وهي التي أخبر أنها هاجت لموت منافق وضلت ناقته عليه الصلاة والسلام في تلك الليلة فقال رجل من المنافقين كيف يزعم أنه يعلم الغيب ولا يعلم مكان ناقته إلا يخبره الذي يأتيه بالوحي فأتاه جبريل عليه السلام وأخبره بقول المنافق وبمكان الناقة وأخبر صلى الله تعالى عليه وسلم أصحابه بها وقال ما أزعم أني أعلم الغيب ولكن الله أخبرني بقول المنافق وبمكان ناقتي وهي في الشعب وقد تعلق زمامها بشجرة فخرجوا يسعون قبل الشعب فوجدوها حيث قال وكما وصف فجاؤوا بها وآمن ذلك المنافق (وبشأن كتاب حاطب) بكسر الطاء وهو ابن أبي بلتعة وكان مكتوبه بالخفية (إلى أهل مكّة) وهم سهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أبي لهيعة من مسلمة الفتح أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل وأقسم بالله لو سار إليكم وحده لنصره الله عليكم فإنه منجز له ما وعده وقيل كتب أن محمدا قد نفر فإما إليكم وإما إلى غيركم فعليكم الحذر ذكرهما السهيلي ولا منع من الجمع فتدبر ومن فضائل حاطب على ما في نظم الدر أنه عليه الصلاة والسلام حين بعثه إلى المقوقس قال له إن كان صاحبك نبيا فلم لم يدع على قومه حين أخرجوه من بلده فقال له حاطب منعه الذي منع عيسى من الدعاء على من رام صلبه فأسكته بذلك وأخجله هنالك (وبقضية عمير) وفي نسخة بقضية عمير وهو بالتصغير ابن وهب بن خلف (مع صفوان) أي ابن أمية بن خلف (حين سارّه) بتشديد الراء أي خافته صفوان بقتله صلى الله تعالى عليه وسلم (وشارطه) أي

ص: 699

جعل له جعلا (على قتل النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي فخاب سعيهما وضاع كيدهما (فلمّا جاء عمير النّبيّ) وفي نسخة إلى النبي (صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاصِدًا لِقَتْلِهِ وَأَطْلَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله تعالى عليه وسلم على الأمر) أي الذي جاء بصدده، (والسّرّ) أي المخفي عن غيره (أسلم) أي عمير وكذا أسلم صفوان بعد حنين ذكره الحلبي والحديث رواه ابن إسحاق والبيهقي والطبراني؛ (وَأَخْبَرَ بِالْمَالِ الَّذِي تَرَكَهُ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ رضي الله عنه عند أمّ الفضل) أي زوجته وهي لبابة بنت الحارث أول امرأة أسلمت بعد خديجة وقيل بل هي فاطمة بنت الخطاب وفي نسخة أم الفضيل بالتصغير وهو غلط محض بل لم يعلم في الصحابيات من يقال لها أم الفضيل بالتصغير وكان ذلك (بعد أن كتمه) أي العباس ذلك الخبر عن الغير، (فقال) أي العباس (ما علمه غيري وغيرها) أي وما هذا إلا بإعلام الله سبحانه إياك (فأسلم) أي فصار سبب إسلامه بعد أن فدى نفسه فقيل له لم لم تسلم قبل الفداء ليبق لك ما افتديت به فقال لم أكن لا حرم المؤمنين مما طعموا من مالي أقول ولعله أخر إسلامه بعد أن تحقق حاله لئلا يظن به أنه إنما اسلم لئلا يدفع ماله والحديث رواه أحمد عن ابن عباس والحاكم وصححه والبيهقي عن الزهري وغيره مرسلا، (وأعلم أنّه) وفي نسخة بأنه أي النبي عليه السلم (سيقتل) أي بيده (أبيّ بن خلف) كما رواه البيهقي عن عروة وسعيد بن المسيب مرسلا وسبق أنه عليه السلام جرحه بأحد في عنقه فمات بسرف (وفي عتبة) وفي نسخة عتيبة وهي الصواب كما تقدم (ابن أبي لهب) أي واعلم صلى الله تعالى عليه وسلم في شأنه أنه (يأكله كلب من كلاب الله) وفي نسخة يأكله كلب الله وأبعد الدلجي في تقديره هنا حيث قال وقال في عتبة لعدم دلالة عليه وللزوم كسر همزة أنه مع أن الرواية بالفتح. (وعن مصارع أهل بدر) أي واعلم كما في مسلم عن مواضع هلاك كفار قريش ممن قتل بها بقوله هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان (فكان كما قال) أي كما أخبره في الحال، (وقال) النبي عليه الصلاة والسلام كما روى الشيخان وغيرهما من طرق (في الحسن) أي ابن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما (إنّ ابني هذا سيّد) أي كريم حليم (وسيصلح الله به بين فئتين) وفي رواية ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين أي جماعتين كثيرتين من أشياعه واتباع معاوية وقد بلغت كل فئة أربعين ألفا قال الحسن البصري فلما ولي ما أهريق بسببه محجمة دم وقال هشيم لما اسلم الأمر لمعاوية قال له معاوية قم فتكلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن أكيس الكيس التقي وإن أعجز العجر ألا وإن هذه الأمر الذي اختلف فيه أنا ومعاوية حق لامرئ كان أحق به مني أو حق لي تركته لمعاوية إرادة إصلاح المسلمين وحقن دمائهم وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ثم استغفر ونزل وفي رواية خطب معاوية ثم قال قم يا حسن فكلم الناس فتشهد ثم قال أيها الناس إن الله هداكم بأولنا وحقن دماءكم بآخرنا وإن لهذا الأمر مدة والدنيا دول وأن الله قال لنبيه عليه الصلاة والسلام قل إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ إِنَّهُ يَعْلَمُ

ص: 700

الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين وفي شرح السنة قد خرج مصداق هذا الحديث في الحسن بترك الأمر حين صارت الخلافة إليه وكان أحق بها وأهلها فسلمها إلى معاوية وترك الملك والدنيا ورعا ورغبة فيما عند الله وإشفاقا على الأمة من الفتنة لا من القلة والذلة إذ كان معه يومئذ أربعون ألفا قد بايعوه على الموت فأصلح الله به بين الفرقتين أهل الشام فرقة معاوية وأهل العراق فرقة الحسن (ولسعد) أي وقال كما رواه الشيخان لسعد بن أبي وقاص في مرضه بمكة وقد قال له سعد اخلف عن أصحابي (لعلّك تخلّف) بفتح اللام المشددة أي يؤخر موتك (حتّى ينتفع بك أقوام) أي من الأبرار (ويستضرّ) وفي نسخة بصيغة المجهول أي ويتضر (بك آخرون) أي أقوام من الفجار زيد في رواية اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على اعقابهم لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إن مات بمكة وذلك لكراهتهم الموت بأرض هاجروا منها حذرا من ردهم على أعقابهم بموته فيها (وأخبر) أي فيما رواه الشيخان عن أنس (بقتل أهل مؤتة) بضم ميم فهمزة ساكنة ويبدل (يوم قتلوا) أي امراء غزوها فقال أخذ الراية زيد بن حارثة فأصيب ثم جعفر بن أبي طالب فأصيب ثم عبد الله بن رواحة فأصيب ثم خالد بن الوليد من غير إمرة ففتح الله على يديه (وبينهم) أي والحال أن بينه عليه الصلاة والسلام وبين أهل مؤتة وأمرائهم الكرام (مسيرة شهر أو أزيد) أي بل أكثر ويؤيده ما في نسخة بالواو فأو بمعنى الواو أو بمعنى بل ولعل الدلجي حمل أو على الشك من الراوي فقال بل اقل من شهر لأنها من أرض البلقاء آخر حوران الشام إلى جهة مدينة الإسلام (وبموت النّجاشي) بفتح النون ويكسر وتخفيف آخره ويشدد لقب لكل من ملك الحبشة واسم هذا اصحمة وكان ممن آمن وأخبر عليه الصلاة والسلام بموته كما رواه الشيخان عن أبي هريرة (يوم مات) أي سنة تسع من الهجرة، (وهو بأرضه) وصلى عليه صلاة الغائب عن أصحابه وقد أحضرت جنازته لديه، (وأخبر فيروز) بكسر الفاء وتفتح وسكون الياء وبضم الراء غير منصرف للعجمة والعلمية أي وأخبره صلى الله تعالى عليه وسلم كما رواه البيهقي (حين ورد عليه) وفي نسخة إذ ورد عليه أي حين وفد على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (رسولا من كسرى) أي ملك فارس وهو وزيره (بموت كسرى ذلك اليوم) أي في يوم ورود فيروز أو في يوم موت كسرى (فلمّا حقّق فيروز القصّة) أي ما قصه عليه من موته في وقته (أسلم) ففاز فيروز فوزا عظيما (وأخبر أبا ذر) كما رواه أحمد (بتطريده) أي بإخراجه من المدينة إلى الربذة (كما كان) أي كما وقع في زمان عثمان بن عفان وفي أصل الدلجي فكان كما كان أي فكان إخباره بتطريده كما كان ثم لا ينافيه ما في دلائل النبوة للبيهقي من أن امرأته أم ذر قالت والله ما سيره عثمان إلى الربذة ولكن قال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا بلغ البناء سلعا فاخرج فلما بلغه وجاوز خرج أبو ذر إلى الشام وذكر رجوعه ثم خروجه إلى الربذة وموته بها إذ يمكن حمل كلامها على أن تسييره عثمان لم يكن قهرا

ص: 701

عليه إذ كان أمكنه أن يمتنع منه إلا أنه وافق حكمه أمره صلى الله تعالى عليه وسلم بخروجه اختيارا فاختار خروجه من غير أن يكون هناك إكراه واجبارا وإلا فالأمر بإخراجه محقق بلا شبهة لقوله (ووجده في المسجد) أي مسجد المدينة (نائما، فقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام (له) أي لأبي ذر (كيف بك إذا أخرجت منه) أي في هذا المسجد وما حواليه (قال أسكن المسجد الحرام) أي وما حوله من الحرم، (قال فإذا أخرجت منه الحديث) أي بطوله قيل كان أخرجه عثمان إلى الشام لأنه كان إذا مر به عثمان يقرأ قوله تعالى يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ ثم رضي عليه فرده إلى المدينة ثم أخرجه إلى الربذة هي قرية خربة فسكنها إلى أن مات (وبعيشه وحده وموته وحده) أي وأخبر أن أبا ذر يعيش وحيدا ويموت فريدا فكان كما أخبره عليه الصلاة والسلام على ما رواه أحمد وابن راهويه وابن أبي أسامة والبيهقي واللفظ له قالت أم ذر لما حضرت أبا ذر الوفاة بكيت فقال وما يبكيك فقلت وما لي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض وليس عندي ما يسع كفنا لي ولا لك قال فأبشري ولا تبكي فإني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المسلمين وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة فأنا ذلك الرجل فأبصري الطريق فبينما أنا وهو كذلك إذا أنا برجال على رحالهم كأنهم الرخم فألحفت بثوبي فأسرعوا حتى دخلوا عليه فقال لهم كما قال ثم قال أنتم تسمعون أنه لو كان عندي ثوب يسعني كفنا لي أو لامرأتي لكفنت فيه إني أنشدكم الله ثم أنشدكم الله أن لا يكفني رجل منكم كان أميرا عريفا أو بريدا أو نقيبا وليس منهم أحد إلا قارف ما قال إلا فتى من الأنصار قال أنا اكفنك يا عم في ردائي هذا وثوبين في عيبتي من غزل أمي قال فكفني فكفنه وقاموا فدفنوه وعن ابن مسعود قال لما خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى غزوة تبوك تخلف أبو ذر يتلوم بعيره فقالوا يا رسول الله تخلف أبو ذر فقال دعوه إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم قال فلما أبطأ عليه بعيره أخذ متاعه فحمله على ظهره ثم خرج ماشيا يتتبع أثر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في شدة الحر وحده فلما رآه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم دمعت عيناه وقال يرحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده فكان كذلك لما مات رضي الله تعالى عنه بالربذة لم يكن معه إلا امرأته وغلامه فلما غسلاه وكفناه وضعاه على قارعة الطريق ينتظران من يعين على دفنه إذ أقبل عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق فلما رآهم الغلام قام إليهم وقال هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأعينونا على دفنه فنزل ابن مسعود وجعل يبكي رافعا صوته ويقول صدق رسول الله في قوله، (وأخبر أنّ أسرع أزواجه به لحوقا) أي وصولا إليه بعد موته (أطولهنّ يدا فكانت زينب) أي بنت جحش. (أسرعهن) لحوقا به (لطول يدها بالصّدقة) رواه مسلم ولفظه عن أم المؤمنين عائشة قالت قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أسرعكن لحوقا بي أطولكن

ص: 702

يدا فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا فكانت زينب أطولنا يدا لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق ورواه الشعبي مرسلا فقال قلن لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ايتنا أسرع لحوقا بك قال أطولكن يدا في الصدقة وللبخاري عن عائشة اجتمع زوجاته صلى الله تعالى عليه وسلم فقلن له ايتنا أسرع لحوقا بك قال أطولكن يدا فأخذنا قصة نذرعها وكانت سودة بنت زمعة أطولنا ذراعا فتوفي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فكانت أسرعنا لحوقا به فعرفنا أن طول يدها في الصدقة وكانت تحب الصدقة قال الدلجي وهو مخالف لحديث مسلم والشعبي مع منافاة ما أفاده قولها إن طول يدها كان بالصدقة من أنه طول معنى لما أفاد قولها كانت أطولنا ذراعا من أنه طول حسا انتهى ولا منافاة لظنها أولا أن المراد بالطول هو الحسي فتبين لها بعدها أن المقصود هو الطول المعنوي كما هو المعتبر عند أرباب النظر مع ما في العبارة من حسن الإشارة إلى أن التلويح أبلغ من التصريح وأن في التعمية حسن التورية عند الفصيح ثم يمكن الجمع بين ما ورد في الصحيحين أن تكون إحداهما أسرع حقيقيا والأخرى إضافيا ولعل الاسرع منهما هي الأكثر منهما مبادرة إلى الصدقة وهذا مما الهمني الله من التحقيق والله ولي التوفيق ثم رأيت الحلبي قال زينب هذه بنت جحش توفيت سنة عشرين أو إحدى وعشرين لا زينب بنت خزيمة التي تدعى أم المساكين لأنها توفيت في آخر الربيع الأول على رأس تسعة وثلاثين شهرا من الهجرة (وأخبر بقتل الحسين) أي ابن علي رضي الله تعالى عنهما (بالطّفّ) بفتح الطاء وتشديد الفاء مكان بناحية الكوفة على شط نهر الفرات واشتهر الآن بكربلاء كأنه مركب من الكرب والبلاء وحذفت الباء الأولى تخفيفا والاكتفاء بحسب الإيماء واستشهد وهو ابن خمس خمسين سنة ووجد به ثلاث وثلاثون طعنة وثلاث وثلاثون ضربة وكان جميع من حضر معه من أهل بيته وشيعته سبعة وثمانين منهم علي بن الحسين الأكبر وكان يرتجز ويقول:

أنا علي بن الحسين بن علي

نحن وبيت الله أولى بالنبي

تالله لا يحكم فيها ابن الدعي وقتل من ولد أخيه عبد الله بن الحسن والقاسم بن الحسن ومن أخواته العباس بن علي وعبيد الله بن علي وجعفر بن علي وعثمان بن علي ومحمد بن علي وهو أصغرهم ومن ولد جعفر بن أبي طالب محمد بن عبد الله بن جعفر وعون بن عبد الله بن جعفر ومن ولد عقيل ابن أبي طالب عبد الله بن عقيل وعبد الرحمن بن عقيل وعبد الله بن عقيل وقتل معه من الأنصار أربعة والباقي من سائر العرب ودفنوا بعد قتلهم بيوم وذكر أبو الربيع بن سبع في مناقب الحسين عن يعقوب بن سفيان قال كنت في ضيعتي فصلينا العتمة ثم جلسنا في البيت ونحن جماعة فذكروا الحسين بن علي فقال رجل ما من أحد أعان على قتل الحسين إلا أصابه عذاب قبل أن يموت وكان في البيت شيخ كبير فقال أنا ممن شهدها وما أصابني أمر

ص: 703

أكرهه إلى ساعتي هذه فطفئ السراج فقام لإصلاحه ففارت النار فأخذته فجعل يبادر بنفسه إلى الفرات ينغمس فيه فأخذته النار حتى مات قلت بل جمع له بين الإحراق والإغراق (وأخرج بيده تربة) أي قبضة من التراب، (وقال فيها مضجعه) بفتح الميم والجيم ويكسر أي مقتله أو مدفنه رواه البيهقي من طرق ولفظ حديثه عن عائشة أن جبريل كان عند النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فدخل عليه الحسين فقال جبريل من هذا فقال ابني فقال ستقتله أمتك وإن شئت أخبرتك بالأرض التي يقتل فيها فأشار بيده إلى الطف من العراق فأخذ تربة حمراء فأراه إياها، (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام كما رواه ابن عدي والبيهقي (في زيد بن صوحان) بضم أول المهملتين اختلف في صحبته (يَسْبِقُهُ عُضْوٌ مِنْهُ إِلَى الْجَنَّةِ فَقُطِعَتْ يَدُهُ في الجهاد) ولفظ البيهقي عن علي قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من سره أن ينظر إلى رجل يسبقه بعض أعضائه إلى الجنة فلينظر إلى زيد بن صوحان وفي إسناده هذيل بن بلال ضعفه البيهقي وفي الحديث إيماء إلى جواز تعلق الروح بالإجزاء من غير تمام الأعضاء كما حققه العلماء، (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام والتحية والثناء (في الذين كانوا معه) أي كما سبق ذكرهم من الشيخين وعثمان وغيرهم رضي الله تعالى عنهم (على حراء) أي وقد تحرك بهم كما مر في الانباء والمعنى قال في حقهم وعلو شأنهم مخاطبا للجبل (اثبت) أي مع الثابتين من الإعلام (فإنّما عليك نبيّ وصدّيق وشهيد) وفي نسخة بأو في الموضعين فهي للتنويع ولفظ مسلم أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحرك فقال اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد زاد بعضهم سعدا مكان علي (فقتل عليّ وعمر وعثمان) كذا في النسخ ولعل تقديم علي لثبوت شهادته بصريح الخبر وفي أصل الدلجي فقتل عمر وعثمان وعلي (وطلحة والزّبير وطعن سعد) أي وجرح حصلت له الشهادة بسبب الجراحة وبشهادة الحديث وقال التلمساني أي أصابه طاعون وهو شهادة لكل مسلم انتهى لا كما قال الدلجي ولم تنله الشهادة كما لا يخفى على أهل الإفادة (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام كما رواه البيهقي (لسراقة) بضم السين وهو ابن مالك بن جعشم بضمتين (كيف بك) أي كيف حالك (إذا لبست سوارى كسرى) تثنية السوار بكسر السين وتضم وجمعه اسورة وجمع الجمع اساور وهو ما يلبس في اليد وفيه تنبيه على هلكه وزوال ماله وملكه مع كمال شوكته وقوته منتقلا إلى أصحابه صلى الله تعالى عليه وسلم وأئمة أمته (فلمّا أتي عمر بهما) أي جيء بسواريه (ألبسهما إيّاه) أي سراقة إظهارا لتحقيق ما صدر عنه صلى الله تعالى عليه وسلم إخبارا (وقال) أي عمر (الحمد لله الذي سلبهما كسرى) أي ملك العجم (وألبسهما سراقة) أي واحدا من بدو العرب ولعل في تقديم المفعول الثاني إيماء إلى الاهتمام بذكرهما وما يعقبه من شكرهما فاندفع اعتراض الدلجي ولو قال ألبسه إياهما لكان أولى، (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام كما رواه أبو نعيم في الدلائل عن جرير بن عبد الله والخطيب في تاريخه (تبنى) أي

ص: 704

ستبنى (مدينة بين دجلة) بكسر الدال وتفتح نهر مشهور بالعراق (ودجيل) بالتصغير بالأهواز عليه مدن كثيرة مخرجه من أصفهان (وقطربل) بضم قاف وسكون مهملة فضم راء وموحدة فلام مشددة ممنوعا من الصرف موضع بالعراق (والصّراة) بمهملة مفتوحة نهر بالعراق وفي بعض الأصول بالهاء بدل الصاد ذكره الشمني قال الحلبي والهراة كذا في الأصل وهو بفتح الهاء بلد معروف وفي القاموس الهراة بلد بخراسان وقرية بفارس والنسبة هروي محركة (تجبى إليها) بضم التاء وسكون الجيم وفتح الموحدة أي تجمع وتجلب إلى تلك المدينة (خزائن الأرض) لأنها صارت دار الملك (يخسف بها) أي يستحق أن يخسف بها لكثرة ظلم أهلها ولأن بناءها أسس على شفا جرف هار (يعني) أي يريد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (بها) أي بتلك المدينة (بغداد) مر بيان لغاتها وقد بناها أبو جعفر الدوانيقي ثاني خلفاء بني العباس لكن قال أحمد بن حنبل لم يحدث به أي بحديث بغداد ثقة ومداره على عمار بن سيف وهو مغفل وقال الذهبي في ميزانه حديثه منكر؛ (وقال) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْوَلِيدُ هُوَ شَرٌّ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ فِرْعَوْنَ لقومه) رواه أحمد ورواه البيهقي عن سعيد بن المسيب مرسلا وحسنه قال وولد لأخي أم سلمة من أمها غلام فسموه الوليد فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لا تسموا باسماء فراعنتكم فسموه عبد الله فإنه سكون فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْوَلِيدُ بن عبد الملك ثم رأينا أنه ابن أخيه الوليد بن يزيد بن عبد الملك لفتنة الناس إذ خرجوا عليه لأمور اقترفها فقتلوه فانفتحت به الفتن على الأمة كذا ذكره الدلجي وقال الحديث في مسند أحمد من حديث سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله تعالى عنه وسعيد اختلف في سماعه من عمر وقد ذهب أحمد إلى أنه سمع منه وقد ذكر هذا الحديث ابن الجوزي في موضوعاته من طريق أحمد ثم نقل عن ابن حبان أنه خبر باطل إلى آخر كلامه. (وقال) أي كما في الصحيحين (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ دَعْوَاهُمَا واحدة) وهي الإسلام أو الخلافة فوقع كما أخبر في حرب صفين فإن صفوان بن عمرو قال كان أهل الشام ستين ألفا فقتل منهم عشرون ألفا وأهل العراق مائة وعشرون ألفا فقتل منهم أربعون ألفا. (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام (لعمر) أي ابن الخطاب كما رواه البيهقي وشيخه الحاكم عن الحسن بن محمد مرسلا (في سهيل بن عمرو) أي في شأنه وقد قال له عمر يا رسول الله دعني أنزع ثنيته فلا تقوم خطيبا في قومه فقال دعها (عسى أن يقوم مقاما ما يسرّك يا عمر فكان) أي الأمر (كذلك) أي مثل ما أخبر عنه هنالك (فإنه قام بمكّة) أي عند الكعبة (مقام أبي بكر) أي في مرتبته وثبات حالته في المدينة (يوم بلغهم موت النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) بتخفيف اللام أي وصلهم خبر موته صلى الله تعالى عليه وسلم (وخطب بنحو خطبته) أي بمثل خطبة الصديق في المدينة يومئذ (وثبّتهم) بتشديد الموحدة أي حملهم على الثبات في الدين (وقوّى بصائرهم) بتشديد الواو أي وصار سببا لتقوية كشف بصائرهم في اليقين فقال من كان محمد الهه فإن محمدا قد مات والله حي

ص: 705

لا يموت وكانت خطبة أبي بكر من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت إلا أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه زاد عليه بإتيان الآيات البينة الدالة على موته صلى الله تعالى عليه وسلم لزيادة كماله في الرتبة قال البيهقي ثم لحق في أيام عمر بالشام مرابطا في سبيل الله حتى مات بها في طاعون عمواس، (وقال لخالد) أي ابن الوليد (حين وجّهه) بتشديد الجيم أي أرسله (لأكيدر) بالتصغير ملك كندة اختلف في إسلامه وصحبته (إنّك تجده يصيد البقر) أي بقر الوحش قال الخطيب كان نصرانيا ثم أسلم وقيل بل مات نصرانيا وجمع بينهما بأنه اسلم ثم ارتد قال ابن مندة وأبو نعيم الأصبهاني في كتابيهما معرفة الصحابة أن أكيدر هذا اسلم وأهدى للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم حلة سيراء فوهبها لعمر قال ابن الأثير إما الهدية والمصالحة فصحيحان وأما الإسلام فغلطا فيه فإنه لم يسلم بلا خلاف بين أهل السير وكان أكيدر نصرانيا فلما صالحه عليه الصلاة والسلام عاد إلى حصنه وبقي فيه ثم إن خالدا حاصره زمن أبي بكر فقتله مشركا نصرانيا لنقض العهد قال وذكر البلادري أن أكيدر لما قدم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وعاد إلى دومة بضم الدال ويقال دومة الجندل موضع بين مكة وبرك الغماد والحجاز والشام فلما توفي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ارتد أكيدر ومنع ما قبله فلما سار خالد من العراق إلى الشام قتله. (فَوُجِدَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ كُلُّهَا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ موته) أي وقعت هذه الأخبار المذكورة جميعها إلا أن منها ما وقع في حياته ومنها ما وقع أو سيقع بعد مماته (كما قال عليه الصلاة والسلام أي على نهج ما أخبر به عنه في ذلك المقام من المعنى المرام (إلى) أي منضمة أو منتهية إِلَى (مَا أَخْبَرَ بِهِ جُلَسَاءَهُ مِنْ أَسْرَارِهِمْ) أي خفيات أفعالهم (وبواطنهم) أي مكنونات أحوالهم كقوله لرجل وصف له بالعبادة هل حدثت نفسك أنه ليس في القوم خير منك قال نعم وفي رواية ومواطنهم أي ومشاهدهم وفي أصل التلمساني ومواصلتهم أي مواصلة الناس من أهل الإسلام ونقل ما يصنعون إلى إخوانهم الكفرة (واطّلع عليه) أي وإلى ما انكشف عليه (من أسرار المنافقين) أي فيما بينهم (وكفرهم) أي من جهة تواطئهم كما ظهر منهم في غزوة تبوك وهم سائرون بين يديه انظروا إلى هذا الرجل يريد أن يفتتح قصور الشام وحصونها هيهات هيهات فأعلمهم به فقالوا لا ما كنا في شيء من أمرك بل كنا في شيء مما يخوض فيه الركب ليقصر بعضنا على بعض السفر فوبخهم الله وكذبهم بقوله تعالى قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (وقولهم فيه) أي ومن تكلمهم في حقه عليه الصلاة والسلام (وفي المؤمنين) أي من أصحابه الكرام كما وقع لرئيس المنافقين عبد الله بن أبي حين قال لأصحابه وقد استقبله نفر من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم فأخذ بيد أبي بكر فقال مرحبا بسيد بني تميم وشيخ الإسلام وثاني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في الغار الباذل نفسه وماله لرسول الله ثم أخذ بيد عمر فقال مرحبا بسيد بني عدي الفارق في دين الله ثم أخذ بيد علي فقال مرحبا بابن عم رسول الله صلى الله تعالى عليه

ص: 706

وسلم وخنتنه ثم افترقوا فقال لأصحابه كيف رأيتموني فعلت فأثنوا عليه فنزلت فيهم وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ الآيات (حتّى إن) مخففة (كان بعضهم) أي المنافقين (ليقول لصاحبه) أي رفيقه إذا طعن في الإسلام وأهله (اسكت) أي من نحو هذا الكلام (فو الله لو لم يكن عنده من يخبر) أي شيء من الأشياء (لأخبرته حجارة البطحاء) أي صغار الحصى كما وقع يوم فتح مكة حين دخل النبي عليه الصلاة والسلام في البيت وأمر بلالا أن يؤذن فقال عتاب بن أسيد لقد أكرم الله أسيدا أنه لم يسمع هذا فقال الحارث بن هشام أما والله لو أعلم أنه حق لاتبعته وفي رواية أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا فقال أبو سفيان لا أقول شيئا تكلمت لأخبرته عني هذه الحصباء فلما خرج قال لهم لقد علمت الذي قلتم وأخبرهم فقال عتاب والحارث نشهد أنك رسول الله ما اطلع على هذا أحد كان معنا فنقول أخبرك، (وإعلامه) أي ومن إخباره عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين عن عائشة (بِصِفَةِ السِّحْرِ الَّذِي سَحَرَهُ بِهِ لَبِيدُ بْنُ الأعصم) أي من يهود (وكونه) أي من كون سحره (في مشط) بضم الميم وسكون المعجمة وتثلث وبضمهما ما يمشط به (ومشاقّة) وفي نسخة صحيحة ومشاطة وكلاهما بضم أولهما بمعنى وهو ما يسقط من الشعر عند امتشاطه (في جفّ طلع نحلة) بضم الجيم وتشديد الفاء أو وعائه في غشائه الذي يكون فوقه ويروى جب بالموحدة وهما بمعنى وهو داخلها وقوله (ذكر) بفتحتين صفة طلع أو نخلة على أن التاء للوحدة كالنملة وليس بفعل ماض معلوم أو مجهول كما يتوهم من أقوال الدلجي (وأنّه) أي السحر فيما ذكر (ألقي في بئر ذروان) بفتح الذال المعجمة وسكون الراء وهي بالمدينة بستان لبني زريق ويقال له بئر ذي أروان كذا في مسلم وكلاهما صحيح وما في مسلم أصح وادعى ابن قتيبة أنه الصحيح ذكره النووي وأما بالواو قبل الراء فموضع بين قديد والجحفة (فكان) أي فوقع الأمر (كما قال) أي من خبر السحر، (ووجد على تلك الصّفة) أي الهيئة من كونه في مشط ومشاطة، (وإعلامه) أي ومن إخباره (قريشا) كما رواه البيهقي عن الزهري (بأكل الأرضة) بفتح الهمزة والراء دويبة تأكل الخشب (ما في صحيفتهم التي تظاهروا) أي تعاونوا وتناصروا (بِهَا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَقَطَعُوا بِهَا رَحِمَهُمْ) أي قرابتهم ممن بينهم وبينهم نسب يجمعهم (وأنّها) أي وبأن الأرضة (أبقت فيها كلّ اسم لله) وقد روى ابن أبي الدنيا في سيرته مرسلا أنها لم تترك فيها اسما لله إلا لحسته وبقي فيها ما كان من شرك أو ظلم أو قطيعة رحم وقد ذكر الروايتين أبو الفتح اليعمري في سيرته ولعل القضية متعددة أو وقع وهم لبعض في قلب الرواية والمذكور في الأصل هو الأنسب بالدراية فإن لله الأسماء الحسنى باقية على صفحات الدهر بالنعت الأسنى ثم رأيت الحلبي احتار أن كونها لحست اسم الله أقوى وإن كان فيه ابن لهيعة وهو مرسل والآخر ذكره ابن هشام انتهى ولا يخفى أن التعارض إذا وقع فيجمع مهما أمكن وإلا فيرجح

ص: 707

وإلا فيحمل على التعدد إذا تصور بأن يقال علقت واحدة في الكعبة وأخرة عندهم والله تعالى اعلم (فوجدوها) أي الصحيفة (كما قال) أي من أكل بعض ما فيها وإبقاء باقيها (ووصفه) عطف على إعلامه أي ونعته عليه الصلاة والسلام (لِكُفَّارِ قُرَيْشٍ بَيْتَ الْمَقْدِسِ حِينَ كَذَّبُوهُ فِي خبر الإسراء) أي في صبيحة ليلة أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى منتهيا إلى السماء (ونعته إيّاه) أي بيت المقدس لهم على ما مر (نعت من عرفه) أي كنعت من عرفه حق معرفته (وإعلامهم) أي وإعلامه إياهم (بعيرهم) بكسر العين أي بقافلة إبلهم (التي مرّ عليها في طريقه) أي حين رجع من مسيره إلى مقام تحقيقه (وإنذارهم) أي أعلامهم (بوقت وصولها) وأن جملا أورق يقدمها في يوم كذا قبل أن تغيب الشمس في مغربها (فكان) أي فوقع ذلك (كلّه كما قال) أي كما أخبره صلى الله تعالى عليه وسلم (إلى ما) أي مع مَا (أَخْبَرَ بِهِ مِنَ الْحَوَادِثِ الَّتِي تَكُونُ) أي ستوجد ويأتي أمرها (ولم تأت بعد) بضم الدال أي ولم تقع عقب زمن إخباره بل ستأتي بعد أزمان متباعدة عن آثاره (منها) أي من الحوادث التي تكون (ما ظهرت مقدّماتها) بكسر الدال المشددة وتفتح وفي نسخة مقدماته (كقوله) أي فيما رواه أبو داود (عمران بيت المقدس) بضم العين أي كثرة عمارته باستيلاء الكفار على إمارته (خراب يثرب) أي سبب خراب المدينة المشرفة وضعف جماعته (وخراب يثرب خروج الملحمة) أي علامة ظهور الحرب والفتنة، (وخروج الملحمة فتح القسطنطينيّة) بضم القاف والطاء الأولى وتفتح وبكسر الطاء الثانية وبعدها ياء ساكنة فنون وتاء تأنيث كذا في النسخ المصححة وفي رواية السجزي بزيادة مشددة وهي دار ملك الروم ثم كل سابقة مما ذكر علامة مستعقبة للاحقة وفي حاشية الحجازي وقسطنطينية ويروى بلام التعريف وفيها ست لغات فتح الطاء الأولى وضمها مع تخفيف الياء الأخيرة ومع تشديدها ومع حذفها وحذف النون والقاف مضمومة بكل حال ثم اختلفوا هل افتتحت أم لا فقيل كان ذلك في زمن عمر أو عثمان وقيل لا بل إنما ستفتح مع قيام الدجال والله تعالى أعلم بالحال (ومن أشراط السّاعة) أي وإلى ما أخبر به من علاماتها المتقدمة كما في الصحيحين أن من اشراط الساعة أن يرفع العلم ويكثر الجهل والزنا وشرب الخمر وتقل الرجال وتكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة القيم والواحد (وآيات حلولها) أي علاماته المؤذنة بوقوعها وحصولها لحديث مسلم لن تقوم الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوفات خسفا بالمشرق وخسفا بالمغرب وخسفا بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم (وذكر النّشر والحشر) أي ومن ذكره صلى الله تعالى عليه وسلم إياهما في أشراط الساعة فالمراد بهما ما يقع قبل القيامة من التفرقة والجمع كما حكى النووي عن العلماء من أن آخر أشراطها في الدنيا قبل النفخة الأولى نفخة الصعق أي الموت بدليل ذكره مع آيات حلولها ولقوله عليه الصلاة والسلام ويحشر بقيتهم النار تبيت معهم وتقيل معهم كما في

ص: 708