الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حديث مسلم يحشر الناس أي أحياء إلى الشام على ثلاث طرائق راغبين راهبين واثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير ويحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا وأما ما بعد بعثهم من القبور فعلى خلاف هذه الصفة من ركوب الإبل والتعاقب عليها بل هو على ما ورد من كونهم حفاة عراة غرلا كما بدأكم تعودون هذا ووقع في أصل الدلجي والنشر بعد الحشر وفسره بالبعث وهو إعادة ما افناه ولا يخفى أنه لا يناسب المقام مع أنه لغة غير مطابق للمرام فالصواب ما قدمناه في الأصل من النسخ المصححة المشيرة إلى أن الحشر بعد النشر في علامات الساعة بخلاف يوم القيامة فإن الحشر قبل النشر لأنه يجمع الخلق أولا ثم يفرق بينهم كما أخبر عنه سبحانه وتعالى بقوله فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ، (وأخبار الأبرار) جمع بر أو بار أي وذكر أخبارهم بما يسرهم مجملا وتفصيلا لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم إخبارا عن الله سبحانه وتعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، (والفجّار) جمع فاجر من فاسق وكافر وأخبارهم أي بما يسوؤهم كقوله صلى الله تعالى عليه وسلم إن التجار يوم القيامة يبعثون فجارا إلا من اتقى الله وصدق، (والجنّة، والنّار) أي ومن ذكرهما (وعرصات القيامة) أي وذكر مواقفها من الميزان والحوض والصراط وغيرها وكان الأنسب تأخير الجنة والنار عن عرصات القيامة هذا وإن أردت تفصيل ذلك في الجملة فعليك بكتاب شيخ مشايخنا جلال الدين السيوطي المسمى بالبدور السافرة في أحوال الآخرة.
(وبحسب هذا الفصل) بسكون السين والياء زائدة كما في قولهم بحسبك درهم أي حسبك والمعنى كفى هذا الفصل من كماله في الفضل (أن يكون ديوانا مفردا) أي دفترا منفردا (يشتمل على أجزاء وحده) أي متوحدا غير منضم إلى غيره (وَفِيمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ نُكَتِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذكرناها كفاية) أي غنية لمن له دراية (وأكثرها في الصّحيح) أي رواية (وعند الأئمّة) أي من كتب أصحاب السنة (والله ولي التوفيق) أي بالهداية في البداية والنهاية.
فصل [في عصمة الله تعالى له صلى الله تعالى عليه وسلم من الناس وكفايته من آذاه]
(في عصمة الله تعالى له) أي في وقايته وحمايته (من الناس وكفايته من آذاه) أي وكفاية الله إياه شر من آذاه ممن عاداه ويروى وكفاية من آذاه (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: 67] ) أي يمنعك منهم ويكفيك عنهم (وَقَالَ تَعَالَى: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا [الطور: 48] ) أي بمرأى منا ومرعى في حفظنا وجمع العين مناسبة لضميرها أو مبالغة في تعبيرها (وقال: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ [الزمر: 36] ) وفي إنكار النفي مبالغة في إثبات الكفاية (قيل بكاف محمّدا صلى الله تعالى عليه وسلم أعداءه المشركين) فالمراد بعبده الفرد الأكمل أو المعهود الأفضل ويؤيده أن المشركين كانوا يقولون له إنا نخاف أن يعتريك آلهتنا بسوء لتعييبك إياها وقد روي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى العزى ليكسرها فقال له
سادنها إني أحذركها يا خالد إن لها شدة لا يقوم لها شيء فعمد إليها خالد فهشم انفها فنزل أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ أي مما لا يقدر على نفع وضر في نفسه (وقيل) أي في معنى الآية (غير هذا) أي القول بقصر الكفاية على محمد بل كافيه ولا كافي غيره فتكون الإضافة للجنس ويؤيده قراءة حمزة والكسائي أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ بصيغة الجمع (وَقَالَ: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الْحِجْرِ: 95] وَقَالَ: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنفال: 30] الآية) وقد سبق معناهما وما يتعلق بمبناهما وقد قال الله تعالى أيضا فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ أي بالأقوال والأحوال. ( [أخبرنا القاضي الشّهيد أبو عليّ الصّدفيّ) بفتحتين وهو ابن سكرة (بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ وَالْفَقِيهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بن عبد الله المعافريّ) بفتح الميم وتضم وكسر الفاء هو الاشبيلي وهو المعروف بابن العربي سمع نصر بن إبراهيم المقدسي وطبقته وروى عنه جماعة توفي بفاس سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة وهو على دابته بباب فاس وقد كان سقي سما فمات شهيدا مظلوما (قالا) أي كلاهما (حدّثنا أبو الحسين) بالتصغير وهو الصواب (الصّيرفيّ) وهو المبارك بن عبد الجبار (قال حدّثنا أبو يعلى البغداديّ) وهو المعروف بابن زوج الحرة (حدّثنا أبو عليّ السّنجيّ) بكسر السين والجيم بينهما نون ساكنة (حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَرْوَزِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى الحافظ) أي الترمذي كما في نسخة وهو صاحب الجامع (حدّثنا عبد بن حميد) بالتصغير وتقدم أن هذا من غير إضافة (ثنا مسلم بن إبراهيم) أي الأزدي سمع ابن المبارك وغيره روي عنه البخاري وأبو داود والدارمي (ثنا الحارث بن عبيد) هو أبو قدامة الأيادي البصري روى عن ثابت الجوني أخرج له مسلم واستشهد به البخاري (عن سعيد الجريريّ) بضم الجيم وفتح الراء روى عن أبي الطفيل ويزيد بن الشخير وعنه شعبة ويزيد بن هارون (عن عبد الله بن شقيق) هو العقيلي البصري يروي عن عمر وأبي ذر والكبار وعنه قتادة وأيوب قال أحمد ثقة تحمل عن علي رضي الله تعالى عنه (عن عائشة) قال الحلبي أخرجه الترمذي في التفسير عن الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ عبد الله بن شقيق قال ولم يذكروا عائشة (قالت كان النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم يحرس) بصيغة المجهول أي يحفظ من الأعداء (حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: 67] ) أي يحرسك من قتلهم إياك (فأخرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم رأسه من القبّة) هي بيت صغير من الخيام مستدير من بيوت العرب (فقال لهم يا أيّها النّاس انصرفوا) إلى رحالكم وكونوا على حالكم (فقد عصمني ربّي عز وجل أي فقد تكفل بعصمتي ومحافظتي من كيد أعدائي من غير واسطة لي (وروي أنّ النّبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا نَزَلَ مَنْزِلًا اخْتَارَ له أصحابه شجرة يقيل) بفتح الياء وكسر القاف أي يستريح (تحتها) من القيلولة وهي نوم نصف النهار ومنه قوله تعالى أَوْ هُمْ قائِلُونَ ومنه شعر الهاتف بمكة في حديث الهجرة إلى المدينة:
جزى الله رب الناس خير جزائه
…
رفيقين قالا خيمتي أم معبد
أي نزلا فيها عند القائلة وهي وقت الاستراحة من الظهيرة (فأتاه أعرابيّ) أي بدوي (فاخترط سيفه) أي سله من غمده ومرجع الضمير إما هو عليه السلام وإما الأعرابي (ثُمَّ قَالَ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي فَقَالَ اللَّهُ) أي الله يمنعني منك (فرعدت) وفي نسخة صحيحة فرعدت بالبناء للمفعول فيهما وفي نسخة فارتعدت ويروى فذعرت بذال معجمة من الذعر وهو الفزع لكن لا يلائم إسناده إلى قوله (يد الأعرابيّ) أي إصابته رعدة وحركة مضطربة من الخوف (وسقط سيفه) في أصل الدلجي وسقط السيف من يده (وضرب برأسه الشّجرة حتّى سال دماغه) أي دما ونحوه (فنزلت الآية) أي آية وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وما رواه من الزيادة فغير معروف عند أرباب الدراية، (وقد رويت هذه القصّة) أي مثلها (في الصّحيح) أي للبخاري وغيره (وأنّ غورث بن الحارث) فوعل آخره مثلثة ويهمل أوله ويعجم مكبرا ومصغرا كما في الرواية الأخرى وتقدم أنه اسلم وصحب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وروي أنه دعثور فعلول كبهلول وعينه مهملة ذكره التلمساني (صَاحِبُ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَفَا عَنْهُ فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ وَقَالَ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ وَقَدْ حكيت) في نسخة وهي الأولى وقد حكي (مثل هذه الحكاية أنّها) وفي نسخة وَأَنَّهَا (جَرَتْ لَهُ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدِ انْفَرَدَ من أصحابه) جملة حالية (لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ فَتَبِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَذَكَرَ) بصيغة المجهول والمعلوم (مثله) أي مثل قوله من يمنعك أو مثل ما حكي من أنه اخترط سيفه الخ فرده الله خاسئا (وقد روي) أي كما في سيرة ابن إسحاق الكبرى موصولا عن جابر بن عبد الله (أنّه وقع له) أي للنبي عليه الصلاة والسلام (مثلها في غزوة غطفان) بفتحتين قبيلة (بذي أمر) بفتحتين موضع معروف من ديارهم ويقال لها غزوة نجد أيضا وولي المدينة حينئذ عبد الله ابن أم مكتوم استعمله رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عليها حين خرج إليها محاربا لهم (مع رجل اسمه دعثور) بالضم (ابن الحارث) أي الغطفاني والظاهر أن الخبرين واحد ويؤيده قول الذهبي في تجريده الأشبه أنه غورث بن الحارث وقال الحجازي ويروى غويرث (وأنّ الرّجل) أي المشار إليه (أَسْلَمَ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ الَّذِينَ أَغْرَوْهُ) من الإغراء أي الزموه وحثوه على فعله هذا وفي نسخة أغووه أي أضلوه (وكان) أي الرجل (سيّدهم) أي رئيسهم (وأشجعهم) جملة معترضة (قالوا له أين ما كنت تقول) أي من دعوى القدرة وإظهار الشجاعة (وقد أمكنك) أي والحال أنك قد تمكنت من الفتك فيه (فَقَالَ إِنِّي نَظَرْتُ إِلَى رَجُلٍ أَبْيَضَ طَوِيلٍ دفع في صدري فوقعت لظهري) وفي نسخة إلى ظهري (وسقط السّيف) أي من يدي (فعرفت أنّه ملك وأسلمت؛ قيل وفيه نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ [المائدة: 11] ) أي قصدوا أن يمدوها فتكا وأهلاكا (فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) أي فمنعها الله أن تمد إليكم (الآية) تمامها وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ وفي رواية أن المشركين رأوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه بعسفان قد صلوا الظهر جميعا فندموا أن لا كانوا أكبوا عليه وهموا أن
يوقعوا بهم فعلا إذ قاموا إلى صلاة العصر فنزلت صلاة الخوف وقيل أتى صلى الله تعالى عليه وسلم بني قريظة ومعه الخلفاء الأربعة يستقرضهم دية مؤمنين قتلهما عمرو بن أمية خطأ ظنهما كافرين فقالوا نعم يا أبا القاسم اجلس نطعمك ونقرضك فجلس في صفة فهموا بقتله فعمد عمرو بن جحاش إلى رحى عظيمة ليطرحها عليه فأمسك الله يده فأخبره جبريل فخرجوا من عندهم سالمين. (وَفِي رِوَايَةِ الْخَطَّابِيِّ أَنَّ غَوْرَثَ بْنَ الْحَارِثِ) وفي نسخة غويرث مصغرا واختاره الحلبي وتبعه الحجازي وروى الخطابي أن غورث أو غويرث بن الحارث المحاربي على الشك أهو بالغين المهملة والمعجمة ولم يشك في التصغير والمشهور ما ذكره الحافظ المزي أن غورث بالمعجمة غير مصغر كما أورده المصنف فيما تقدم والله سبحانه وتعالى اعلم (المحاربيّ) بضم الميم وكسر الراء والموحدة (أراد أن يفتك) بكسر التاء الفوقية وتضم وحكي الفتح أيضا أي يأخذ على غرة وغفلة باطشا (بالنّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي بقتله فجأة (فلم يشعر) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بِهِ (إِلَّا وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ مُنْتَضِيًا) بالضاد المعجمة والتحتية أي سالا (سَيْفَهُ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِ بِمَا شِئْتَ فَانْكَبَّ من وجهه) أي انقلب أو سقط ومن ابتدائية أو بمعنى على وفي أصل الدلجي فاكب لوجهه أي عليه (من زلّخة) بضم زاء وتشديد لام مفتوحة فخاء معجمة وقيل مشددة (زلّخها) بضم أوله وكسر ثانيه مخففة أي من أجل زلخة (بين كتفيه وندر) أي خرج وسقط (سيفه من يده والزّلّخة وجع الظّهر) أي بحيث لا يتحرك من شدته ويروى بتخفيف اللام من الزلخ وهو الزلق (وقيل في قصّته) أي قصة غورث (غير هذا) أي ما ذكر من نوع آخر وهو ما روي أنه أتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهو عليه السلام متقلد بسيفه قال ابن هشام وكان محلى بفضة فقال يا محمد أرني سيفك فأعطاه إياه فجعل الرجل يهز السيف وينظر مرة إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ومرة إلى السقف فقال من يمنعك مني يا محمد قال الله فتهدده أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فشام السيف ومضى فأنزل الله هذه الآية، (وذكر) بصيغة المجهول أي وذكر بعضهم وفي أصل الدلجي ذكر بصيغة الفاعل أي ذكر الخطابي (أنّ فيه) أي في غورث (نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ [الْمَائِدَةِ: 11] الْآيَةَ) أي كما سبقت (وقيل كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يخاف قريشا) أي من أن يقتلوه أو يخذلوه (فلمّا نزلت هذه الآية) أي ونحوها من قوله تعالى وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وما اخترنا من الجمع بينهما أولى مما قال الدلجي أي هذه الآية أو وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ (استلقى) جواب لما أي رقد على قفاه أو كناية عن استراح من أذى من آذاه (ثمّ قال من شاء فليخذلني) أو من شاء فلينصرني فإن ربي لا يخذلني فالأمر للتهديد نحو قوله تعالى فمن شاء فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ أو المعنى فليخذلني أي فليقتلني فإنه لا يقدر على ذلك فالأمر للتعجيز. (وَذَكَرَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ كَانَتْ حَمَّالَةُ الحطب) وهي العوراء أخت أبي سفيان بن حرب زوجة أبي لهب عم النبي
صلى الله تعالى عليه وسلم وقيل بنت هشام أخت أبي جهل (تضع العضاة) بكسر العين وفي آخر الكلمة هاء وقفا ووصلا وهي أشجار عظام ذات شوك ولعل التقدير ترمى شوكها وقد تصحف على الحلبى حيث ضبط بفتح الغين والضاد المعجمتين وهو مخالف لما في الأصول المعتمدة والحواشي المعتبرة (وهي جمر) جملة حالية ولعل المراد تشبيه الشوك بالجمرة حال حدتها فإن الجمرة هي النار المتوقدة ثم اعلم أن بعضهم ذكر في معناه أنه شجر لجمره حرارة شديدة وقد قال أهل التفسير إنها كانت تضع الشوك ولذا سميت حمالة الحطب على أحد الأقوال ولعلها كانت تضع الشوك مرة والجمر أخرى أو كانت تجمع بينهما والله تعالى أعلم (على طريق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يمشي عليها (فكأنّما يطؤها كثيبا أهيل) بفتح فسكون فتحتية فلام وروي بميم وهما بمعنى أي رملا سائلا حيث لم يتضرر بها (وذكر ابن إسحاق عنها) أي عن حمالة الحطب ورواه أبو يعلى والبيهقي وابن أبي حاتم عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنهما (أنّها) أي حمالة الحطب (لَمَّا بَلَغَهَا نُزُولُ تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد: 1] ) وزيد في نسخة وتب (وذكرها) أي وبلغ ذكر الله إياها (بِمَا ذَكَرَهَا اللَّهُ مَعَ زَوْجِهَا مِنَ الذَّمِّ) أي بقوله وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (أتت رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ أبو بكر وفي يدها فهر) بكسر الفاء وسكون الهاء بعدها راء حجر ملء الكف (فلمّا وقفت عليهما) أي قريبا من مكانهما (لم تر) جواب لما أي ما رأت (إلّا أبا بكر وأخذ الله ببصرها) أي صرفه وحجبه (عن نبيه عليه الصلاة والسلام فَقَالَتْ يَا أَبَا بَكْرٍ أَيْنَ صَاحِبُكَ فَقَدْ بلغني أنّه يهجوني) أي يذمني (والله لو وجدته) أي حاضرا ولو صادفته (لضربت بهذا الفهرفاه) أي فمه فرجعت خائبة خاسئة، (وعن الحكم بن أبي العاص) والد مروان بن الحكم عم عثمان بن عفان اسلم يوم الفتح وقد روى أبو نعيم في الدلائل والطبراني بسند جيد عنه (قال تواعدنا) أي اجتمعنا وتمالأنا معشرا من الكفار (على النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي على قتل النبي المختار واستمر هذا الإصرار (حتّى إذا رأيناه) أي في موضع (سمعنا صوتا خلفنا) أي صوتا عظيما من ورائنا (ما ظننّا أنّه بقي بتهامة) أي بأرضها والمراد بها هنا مكة (أحد) أي حيا هكذا في الأصول بقي ووقع في أصل الدلجي لم يبق فتكلف بل تعسف حيث قال الظن وإن لم به حرف النفي فليس بمنفي بل المنفي ظنا هو البقاء أي ظننا أنه لم يبق بتهامة أحد هذا وتهامة أولها من ذات عرق إلى البحر (فوقعنا) أي سقطنا (مغشيّا علينا) أي من فزع ما سمعنا وهول ما ظننا (فما أفقنا) أي ما انتبهنا (حتّى قضى صلاته) أي فرغ عليه الصلاة والسلام منها (ورجع إلى أهله) أي مضى كما في نسخة (ثمّ تواعدنا ليلة أخرى فجئنا) أي قاصدين له (حتّى إذا رأيناه) أي خاليا في مكان (جاءت الصّفا والمروة) أي حضرتا أو تصور شيء بصورتهما (فحالت بيننا وبينه، وعن عمر تواعدت أنا وأبو جهم بن حذيفة) بالرفع هو عبد الله بن
حذيفة بن غانم العدوي اسلم عام الفتح وصحب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وكان مقدما في قريش معظما وكانت فيه وفي بنيه شدة وقد أدرك بنيان الكعبة حين بناها ابن الزبير فعمل فيها ثم قال قد عملت في الكعبة مرتين مرة في الجاهلية بقوة غلام يافع وفي الإسلام بقوة شيخ فان وهو صاحب الأنبجانية (ليلة) أي من الليالي حال غفلة (قتل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) بالنصب على نزع الخافض وهو علي كما في نسخة صحيحة (فجئنا منزله) أي لنتفحص حاله (فسمعنا له) أي صوتا وفي نسخة فتسمعنا له أي لصوته (فافتتح) أي ابتدأ القراءة (وقرأ الْحَاقَّةُ) أي الساعة الواجب وقوعها الثابت مجيئها ويحقق الأمور فيها وتعرف حقيتها مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة: 1- 2] ) خبر المبتدأ أي أي شيء هي فوضع المظهر موضع المضمر تفخيما لشأنها وتعظيما لهولها (إِلَى فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ [الْحَاقَّةِ: 8] ) أي ما ترى لهم من بقية أو بقاء أو نفس باقية وما بينهما من معلوم القرآن وتفسيره مما لا يحتاج إلى البيان (فَضَرَبَ أَبُو جَهْمٍ عَلَى عَضُدِ عُمَرَ وَقَالَ) عمر (انج) أمر من نجا ينجو (وفرّا) وفي نسخة ففرا أي ذهبا كلاهما (هاربين) أي شاردين وفيه مبالغة لا تخفى (فكانت) أي القضية وقال الدلجي أي المواعدة أو قراءة الحاقة (من مقدّمات إسلام عمر) أي مقتضياته وكذا من إسلام أبي جهم على ما تقدم (ومنه) أي ومن قبيل أخذ بصر الأعداء محافظة لسيد الأحباء (العبرة المشهورة) بكسر العين وهي ما يعتبر من القضية العامة (والكفاية التّامّة عند ما أخافته قريش) أي خوفوا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (وأجمعت) وفي نسخة واجمعت أي عزمت (على قتله وبيّتوه) بتشديد التحتية أي دبروه ليلة ليقتلوه غيلة على غرة وغفلة (فخرج عليهم من بيته) كما رواه ابن إسحاق والبيهقي عنه عليه الصلاة والسلام (فقام على رؤوسهم وقد ضرب الله على أبصارهم) أي حجبها عن رؤيته (وذرّ التّرّاب) بذال معجمة فراء مشددة أي نثره وفرقه (على رؤوسهم) قال الحلبي وكانوا مائة وفي نسخة بتخفيف الراء فهمزة وهو تصحيف وتحريف (وخلص منهم) أي نجا وتخلص من غير أن يصيبه شيء وفي رواية أنه خرج من ظهر البيت طأطأت له جارية اسمها مارية خادمته عليه الصلاة والسلام حتى تسور الجدار الذي للبيت من ظهره (وحمايته) أي ومنه حفظه بحجبه (عن رؤيتهم) أي له ولأبي بكر (في الغار) متعلق بأحد المصدرين وقال الدلجي حال والتقدير وهما في الغار وهو تكلف بل تعسف (بما هيّأ الله) أي قدره (له من الآيات) أي من خوارق العادات (ومن العنكبوت) عطف بيان لبعض ما قبله (الّذي نسج عليه) أي على باب الغار وهو غار ثور جبل يمنة مكة (حتّى قال أميّة بن خلف) وهو ممن مات كافرا (حين قالوا) أي أصحابه (ندخل الغار) بصيغة الاخبار على تقدير الاستفهام وروي أدخل فعل أمر أي رجاء أن يكون فيه مخفيا (ما أربكم فيه) بفتح الهمزة والراء وهو مقول أمية أي شيء حاجتكم الداعية لدخولكم في الغار (وعليه من نسج العنكبوت ما أرى) بضم الهمزة وفتحها أي شيء أظن (أنّه قبل أن يولد محمّد) أي كائن أو موجود على باب الغار وفي نسخة إن هو إلا من قبل
أن يولد محمد وفي نسخة ما رابكم بدل ما اربكم أي أي شيء أوقعكم في الريبة وشبه المظنة أنه في الغار والحال الخ (ووقفت) بالفاء وروي بالعين أي سقطت (حمامتان على فم الغار) وهو نقب في الكهف (فقالت قريش) أي كلهم أو بعضهم (لَوْ كَانَ فِيهِ أَحَدٌ لَمَا كَانَتْ هُنَاكَ الحمام) أي لكمال نفرته عن الأنام (وقصّته) أي ومن ذلك قصته عليه السلام كما رواه الشيخان عن البراء (مع سراقة بن مالك بن جعشم) بضم جيم وشين معجمة (حين الهجرة) بكسر الهاء وقال التلمساني بفتح وبكسر (وقد جعلت قريش فيه) أي في حق النبي (وفي أبي بكر) أي في أخذهما (الجعائل) جمع جعيلة أو جعالة بالفتح وهي الأجرة على شيء فعلا أو قولا والجعل بالضم الاسم وبالفتح المصدر فتدبر وقد عين السهيلي ذلك فقال بذلت قريش مائة ناقة لمن يرد عليهم محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم (فأنذر به) على بناء المفعول أي فاعلم سراقة بتوجهه صلى الله تعالى عليه وسلم مهاجرا إلى المدينة (فركب فرسه واتّبعه) بتشديد الفوقية أي تبعه رجاء أن يلحقه (حتّى إذا قرب) بضم الراء أي دنا (منه دعا عليه النّبي صلى الله تعالى عليه وسلم) أي لما رأى عليه من آثار الشر وتوهم الضر (فساخت) بالخاء المعجمة أي غاصت وغابت في الأرض وانخسفت (قوائم فرسه فخرّ عنها) أي فسقط أو فنزل عنها (واستقسم بالأزلام) جمع زلم بفتحتين أو بضم ففتح وهي سهام لا ريش بها ولا نصل كان يكتب على أحدها أفعل وعلى الآخر لا تفعل وغيرها غفل وكان محلها داخل الكعبة عند السدنة كما في تفسير قوله تعالى وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ وكان بعضهم يضعها في متاعه أو جعبته فإذا عرض له مهم أخرج منها سهما فإن خرج له افعل فعل أو لا تفعل انفعل وان خرج الغفل أعاد العمل وقيل كان المكتوب على الواحد أمرني ربي وعلى الثاني نهاني ربي والثالث غفل لا شيء عليه وقيل إن الازلام حصى بيض كانوا يضربون بها لذلك والأول أعرف وأصل معنى استقم ضرب بها لإخراج ما قسم الله له من أمره ونهيه وطلب معرفة تمييزه بكونه ان خرج له ما يحب فعله أو خرج له ما يكره كف عنه وهذا كله بناء على زعمه (فخرج له ما يكره) أي من الفال وعلى كل فال مع هذا ما التفت عن تلك الحال (ثُمَّ رَكِبَ وَدَنَا حَتَّى سَمِعَ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم وهو) أي النبي (لا يلتفت) أي إليه أو مطلقا (وأبو بكر يلتفت) أي إلى سراقة أو إلى جوانبه أو إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (وقال للنّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم أتينا) بصيغة المجهول أي لحقنا من طلبنا أو لحقونا أو أتانا البلاء وجاءنا العناء (فقال لا تحزن إنّ الله معنا) أي ناصرنا ومعيننا أو معية خاصة من قرب الرب إلينا وفيه إيماء إلى ما ورد من أن الله يتجلى للناس عامة ولأبي بكر خاصة. (فساخت) أي قوائم فرسه (ثانية) أي مرة أخرى (إلى ركبتيها وخرّ عنها فزجرها) أي صاح عليها ونهرها (فنهضت) أي فقامت ووثبت (ولقوائمها مثل الدخّان) بتخفيف الخاء وتشدد أي من آثار الغبار المرتفع (فناداهم) أي النبي والصديق وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر (بالأمان) أي بطلبه (فكتب له النّبيّ أمانا) أي أمر بكتابته لقوله (كتبه
ابن فهيرة) بضم الفاء وفتح الهاء وسكون الياء كان أسود وهو ممن عذب في الله قتل ببئر معونة والتمس ليدفن فلم يوجد فرأوا أن الملائكة دفنته وهو قديم الإسلام اسلم قبل أن يدخل عليه السلام دار الأرقم بن أبي الأرقم ثم ما تقدم هو في الصحيح قال التلمساني اشتراه أبو بكر من الطفيل بن عبد الله بعد ما اسلم فأعتقه وكان يرعى الغنم في جبل ثور ثم يروح بها على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأبي بكر في الغار وكان رفيقهما إلى المدينة حين هاجرا وشهد بدرا وأحدا وقتله عامر بن الطفيل يوم بئر معونة يروى عنه أنه قال حين طعنت ابن فهيرة رأيت نورا خرج من الطعنة (وقيل أبو بكر) أي ونقل في السيرة أنه كتبه أبو بكر وجمع بأن عامرا كتبه أولا فلم يرض سراقة إلا بكتابة أبي بكر لسيادته المعروفة في قريش وأن عامرا مولاه قال الحلبي وكتابه عليه الصلاة والسلام نيف وأربعون نفرا ومنهم الخلفاء الأربعة وأكثرهم ملازمة لكتابه عليه السلام زيد بن ثابت ثم معاوية بن أبي سفيان بعد الفتح ذكر ذلك غير واحد من الحفاظ انتهى وقيل معاوية لم يكتب الوحي وإنما كتب غيره والله تعالى أعلم (وأخبرهم) أي سراقة (بالأخبار) أي أخبار الأغيار من كفار قريش وما جعلوه من الجعائل فيهما (وأمره النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم أن لا يترك أحدا) أي ممن يلقاه من ورائه (يلحق بهم) بل يدفعه عن اتصاله إليهم ويلحق بالرفع وهو حال وفي نسخة بالنصب ووجهه إسقاط إن وابقاء عملها وهو قليل ومعناه هنا بعيد جدا (فانصرف) أي سراقة (يقول للنّاس) أي المقبلين لطلبهم (كفيتم) بصيغة المجهول (ما ههنا) أي ما يتصور وجوده في جهتها أو المعنى ليس أحد ممن تطلبونه ههنا وأغرب التلمساني في قوله أمنتم من خوفكم وعصمتم مما هنا (وقيل بل قال لهما) أي سراقة (أراكما دعوتما عليّ) أي بالمضرة (فادعوا لي) أي بالمنفعة (فنجا) أي بعد ما دعوا له (وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ ظُهُورُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم) أي فكان من مقدمات إسلامه (وفي خبر آخر) غير معروف عند أهل الأثر (أنّ راعيا عرف خبرهما) أي من أنهما توجها إلى صوب المدينة ونحوها (فخرج) أي من مكانه (يشتدّ) أي يعدو عدوا سريعا (يعلم) أي حال كونه يريد أن يعلم وفي نسخة ليعلم (قريشا) أي بأحوالهما (فلمّا ورد مكّة ضرب) بصيغة المفعول أي ضرب بعض حجبه (على قلبه) وحبس على خاطره (فما يدري ما يصنع) أي من كمال الذهول والغفلة والدهشة والوحشة (وأنسي ما خرج له) أي لأجله وفي نسخة إليه أي إلى حصوله (حَتَّى رَجَعَ إِلَى مَوْضِعِهِ وَجَاءَهُ فِيمَا ذَكَرَ ابن إسحاق) في المغازي (وغيره) كأبي نعيم في الدلائل عن ابن عباس أنه أتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (أبو جهل بصخرة وهو) أي والحال أنه عليه الصلاة والسلام (ساجد وقريش ينظرون) أي إليه كما في نسخة (ليطرحها عليه) وحلف لئن رآه ليدمغنه (فلزقت) بكسر الزاء أي لصقت كما في رواية (بيده ويبست) بكسر الموحدة أي جفت (يداه إلى عنقه) أي مغلولتين إليه وممنوعتين من الحركة لديه في طرحها عليه (وأقبل يرجع) أي وشرع راجعا (القهقرى) بفتح القافين مقصورا هو الرجوع إلى الوراء فقوله (إلى
خلفه) تأكيدا لما قبله أو تجريد لمعناه من أصله (ثمّ سأله) أي أبو جهل (أن يدعو له ففعل) أي دعا له ولم يؤاخذه كرما وشفقة وحلما ولما كان بينهما قرابة ورحما مما يقتضي لطفا ورحما (فانطلقت يداه) أي عقب ما دعا الله تعالى (وكان) أي أبو جهل (قد تواعد مع قريش بذلك) أي بطرح صخرة عليه (وحلف) أي عندهم (لئن رآه) أي ساجدا كما في نسخة (ليدمغنّه) أي ليصيبن دماغه وليهلكنه (فسألوه عن شأنه) أي عن رجوعه بعد ظهور طغيانه (فذكر أنّه عرض لي) وفي نسخة له أي ظهر (دونه) أي بين يديه أو حواليه (فحل) أي من الإبل أو نحوه (ما رأيت مثله) أي عظمة وهيبة (قطّ) أي أبدا (همّ) وفي نسخة فهم (بي) أي قصدني (أن يأكلني فقال النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك جبريل) أي تمثل له بصورة الفحل (لو دنا) أي قرب مني (لأخذه) أي أخذ عزيز مقتدر، (وَذَكَرَ السَّمَرْقَنْدِيُّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي الْمُغِيرَةِ) وهو أبو جهل بن هشام بن المغيرة أو أحد أقاربه (أتى النّبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَقْتُلَهُ فَطَمَسَ اللَّهُ عَلَى بَصَرِهِ) أي محا قوة نظره (فلم يره) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كما في نسخة (النّبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعَ قَوْلَهُ فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ) أي وهو أعمى (فلم يرهم حتّى نادوه) أي فعرف مكانهم ثم رآهم أو استمر على عماه (وذكر) أي السمرقندي (أنّ في هاتين القّصتين) أي قصة أبي جهل والنبي بعدها وروي القضيتين (نَزَلَتْ إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا [يس: 8] الآيتين) وفي نسخة إلى قوله مُقْمَحُونَ والإقماح رفع الرأس وغض البصر وقد روى أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس بلفظ أن ناسا من قريش قاموا ليأخذوه فإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم وإذا هم عمى لا يبصرون فقالوا ننشدك الله والرحم فدعا حتى ذهب ذلك عنهم فنزلت يس إلى قوله لا يُؤْمِنُونَ، (ومن ذلك ما ذكره ابن إسحاق) أي وغيره كما في نسخة صححية كالكلبي في تفسيره (فِي قِصَّتِهِ إِذْ خَرَجَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ) وقال الحجا أي وغيره الذي ذكره ابن إسحاق وغيره من أهل السير أن ذلك ما كان من بني النضير وهو سبب غزوهم لا من بني قريظة فإن سببهم غزوة الخندق ثم قريظة والنضير أخوان هما ابنا الخزرج من ذرية هارون أخي موسى عليه السلام بالتصغير قال الحلبي والصواب أن يقول بني النضير كما في سيرة ابن سيد الناس (في أصحابه) وفي نسخة في نفر من أصحابه أي مع جماعة منهم الخلفاء الأربعة فيهم (فجلس إلى جدار بعض آطامهم) بمد الهمزة أي أبنيتهم المرتفعة كالحصون فتخافتوا بينهم أنكم لن تجدوه على مثل هذه الحالة من يعلو على مثل هذا الجدار ويرسل عليه ما يقتله فقال سلام بن مشكم لا تفعلوا فو الله ليخبرن بما هممتم به وأنه ينقض ما بيننا وبينه من العهد وأما نقض بني قريظة فسببه غزوة الخندق لأنهم ظاهروا قريشا على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ونقضوا العهد وسيأتي من عند السمرقندي أنه خرج إلى بني النضير فذكر القصة فهذه هي الصواب (فانبعث) أي فقام وأسرع أشقاهم (عمرو بن جحّاش) بفتح الجيم وتشديد الخاء أو بكسر وتخفيف والشين معجمة قتل كافرا (أحدهم) وفي نسخة منهم أي
أحد منهم (ليطرح عليه رحى) بالقصر ويمد (فقام النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي بعد إخبار جبريل بذلك كما سيأتي (فانصرف إلى المدينة) أي وتبعه أصحابه (وأعلمهم) أي بعد إنصرافه أو قبله (بقصّتهم) أي تمالئهم على قتله (وقد قيل إنّ هذه الآية) وفي نسخة أن قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ [الْمَائِدَةِ: 11] الْآيَةَ) أي بتمامها (في هذه القصّة) أي قصة بني النضير (نزلت وحكى السّمرقنديّ أنّه) أي النبي عليه الصلاة والسلام (خَرَجَ إِلَى بَنِي النَّضِيرِ يَسْتَعِينُ فِي عَقْلِ الكلابيّين) أي في دية الاثنين من قبيلة بني كلاب بكسر أوله (اللّذين قتل) أي قتلهما كما في رواية (عمرو بن أميّة) أي الضمري وفي نسخة الكلابي الذي قتله عمرو بن أمية فالمراد به الجنس إذ صرح أبو الفتح اليعمري في السيرة أنهما من بني عامر وقتلهما عمرو على ظن أنهما كافران بعد قتل أصحابه ببئر معونة ورجوعه إلى المدينة عتيقا لعامر بن الطفيل العامري وذلك للجوار الذي كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عقده إذ كان بني نبي النضير وبني عامر وحلف على يده صلى الله تعالى عليه وسلم ولم يعلم به عمرو بن أمية (فقال) أي له كما في نسخة صحيحة (حييّ) بالتصغير (ابن أخطب) بالخاء المعجمة وهو أعدى عدوه عليه السلام (اجلس يا أبا القاسم حتّى نطعمك) أي نضيفك مع أصحابك (ونعطيك ما سألتنا) أي من الاستعانة في الدية (فجلس النّبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما وتوامر) بالواو والهمزة وهو أفصح أي تشاور (حييّ معهم) أي مع يهود (على قتله فأعلمه جبريل بذلك فقام) أي وحده (كأنّه يريد حاجته) أي قضاء حاجته واستمر على مشيته (حتّى دخل المدينة) فلما استلبث النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أصحابه قاموا في طلبه ثم سار إليهم وحاصرهم ست ليال فتحصنوا بحصونهم فقطع نخيلهم وحرقها تنكيلا لهم ثم قال لهم اخرجوا ولكم ما حملت الإبل فنزلوا على ذلك وحملوا على ستمائة بعير فلحقوا بخيبر وهذه القصة بعينها هي الأولى وكان هذه عند القاضي قضية أخرى والله تعالى أعلم بما هو أولى وأحرى هذا وحيي هذا والد صفية أم المؤمنين يهودي قتل على كفره مع بني قريظة صبرا (وذكر أهل التّفسير الحديث) أي السابق المروي (عن أبي هريرة) وفي نسخة ومعنى الحديث عن أبي هريرة وفي أصل الدلجي وعن أبي هريرة والحديث في صحيح مسلم وسنن النسائي (أنّ أبا جهل وعد قريشا) أي وحلف عندهم وعهد (لئن رأى محمّدا يصلّي ليطأنّ رقبته) وفي نسخة على رقبته أي ليضعن رجله فوق رقبته صلى الله تعالى عليه وسلم واللام جواب قسم محذوف أي والله لا موطئة للقسم كما توهم الدلجي (فلمّا صلى الله تعالى عليه وسلم) أي تلبس بالصلاة (أعلموه) أي أخبروا أبا جهل (فأقبل) أي على قصد أذيته من وضع الرجل على رقبته (فلمّا قرب منه ولّى) أي أدبر (هاربا) أي فارا (ناكصا على عقبيه) أي راجعا إلى خلفه مخالفا لحلفه (متّقيا بيديه) أي متحفظا بهما لشيء ظهر عليه متوجها إليه (فسئل) أي عن سبب رجوعه واتقائه (فقال لمّا دنوت منه) أي قربت (أشرفت)
أي اطلعت (على خندق) أي واد أو حفير (مملوء نارا كدت) أي قاربت (أهوي) بكسر الواو أي أسقط (فيه وأبصرت هولا عظيما) أي أمرا شديدا يهول ويفزع (وخفق أجنحة) أي وأبصرت ضرب أجنحة وتحريكها (قد ملأت) أي الأجنحة لكثرتها (الأرض) أي جميعها (فقال صلى الله تعالى عليه وسلم تلك) أي أصحاب تلك الأجنحة (الملائكة) أي لا الطيور (لو دنا) أي أبو جهل مني حينئذ (لاختطفته) أي أخذته الملائكة سرعة (عضوا عضوا) أي بأن وقع كل عضو وجزء منه في يد ملك أو جمع منهم (ثمّ أنزل على النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم كَلَّا) أي حقا (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (6) أَنْ رَآهُ [العلق: 6] ) أي لأجل أن علم نفسه (استغنى) عن ربه (إلى آخر السّورة؛ ويروى) بصيغة المجهول وفي نسخة وروي والحديث لأبي نعيم في الدلائل (أن شيبة) وفي نسخة أن رجلا يعرف بشيبة (ابن عثمان الحجبيّ) بفتح الحاء والجيم منسوب إلى الحجبة جمع الحاجب بمعنى البواب فإنه كان من سدنة الكعبة المشرفة وفي نسخة الجمحي بالجيم المضمومة وفتح الميم فحاء وهي غلط كما صرح به الحلبي (أدركه) أي لحق النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (يوم حنين) وهو واد بقرب ذي المجاز أو ماء بقرب الطائف من الحجاز (وكان حمزة قد قتل أباه وعمّه) جملة معترضة مشيرة إلى الباعث على القضية من أخذ الثأر كما في عادة الجاهلية (فقال) أي عثمان (اليوم أدرك ثأري) بمثلثة وهمزة ويجوز تخفيفها أي دم حميمي من أبي وعمي بانتقامي فيه (من محمّد) أي بأن أقتله بدل حمزة فإنه ابن أخيه وهذا يرد من قال إنه اسلم يوم الفتح ولعله أظهر إسلامه ولم يحقق مرامه ثم إن التلمساني ضبط الثار بالتاء المثناة الفوقية وهو تصحيف وتحريف (فلمّا اختلط النّاس) أي اشتغلوا فيما بينهم من الحرب (أتاه) أي عثمان (من خلفه ورفع سيفه ليصبّه عليه) أي فيقتله (فقال فلمّا دنوت منه ارتفع إليّ) أي لدي (شواظ) بضم أوله ويكسر أي لهب (مِنْ نَارٍ أَسْرَعُ مِنَ الْبَرْقِ فَوَلَّيْتُ هَارِبًا) أي حذرا منه (وأحسّ بي النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم فدعاني) أي فجئته (فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي وَهُوَ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إليّ) جملة حالية (فما رفعها) أي يده عني (إِلَّا وَهُوَ أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ، وَقَالَ لِي ادن) أي أقرب إلى العدو (فقاتل فتقدّمت أمامه أضرب) أي الناس (بسيفي وأقيه بنفسي) أي وأحفظه بدفع الناس عنه ووقايته منهم بتفدية نفسي (ولو لقيت أبي) أي والدي فرضا (تلك السّاعة لأوقعت به) أي بأبي وقتلته (دونه) أي دون النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مجاوزا عنه أو مدافعا منه واعلم أن في السيرة لأبي الفتح اليعمري عن ابن سعد أن طلحة بن أبي طلحة وهو كسر بن الكتيبة صاحب اللواء قتله علي ثم حمل اللواء عثمان بن أبي طلحة فحمل عليه حمزة فقطع يده وكتفه حتى انتهى إلى مؤتزره وبدا سحره أي رئته وفي التجريد والتهذيب للذهبي في ترجمة شيبة بن أبي طلحة أن عليا قتل أباه يوم أحد ذكره الحلبي ففي نسبة قتلهما إلى حمزة نوع مسامحة؛ (وعن فضالة بن عمرو) بفتح الفاء أي ابن الملوح الليثي وفي نسخة عمير بالتصغير عوض عمرو بالواو وهو الموافق لما ذكره الذهبي في الصحابة على ما حرره الحلبي
والحديث رواه ابن إسحاق وابن سيد الناس، (قال أردت قتل النّبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ قَالَ: أَفَضَالَةُ قُلْتُ نَعَمْ) وفي رواية زاد يا رسول الله؛ (قال ما) وفي رواية ماذا (كُنْتَ تُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَكَ قُلْتُ لَا شَيْءَ) وفي رواية زاد كنت أذكر الله تعالى؛ (فضحك واستغفر لي) أي قال غفر الله لك ما خطر ببالك أو أراد به استحقاق الغفران بتوفيق الإيمان وفي رواية فضحك النبي ثم قال استغفر الله (ووضع يده على صدري فسكن قلبي) أي واطمأن بمعرفة ربي، (فو الله ما رفعها) أي يده عن صدري (حَتَّى مَا خَلَقَ اللَّهُ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيَّ منه؛ ومن مشهور ذلك) أي ما ذكر من عصمة الله سبحانه له على ما رواه ابن إسحاق والبيهقي بلا سند وأبو نعيم في الدلائل مسندا إلى عروة (خبر عامر بن الطّفيل) أي ابن مالك العامري سيد بني عامر في الجاهلية كذا قال الذهبي في تجريد الصحابة وقال روى عنه أبو ذر بابة ذكره المستغفري وأجمع أهل النقل على أن عامرا مات كافرا وقد أخذته عدة وكان يقول غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية قال الحلبي ولا شك فيما قاله الذهبي في قصته لما في صحيح البخاري بنحو من اللفظ الذي ذكره (وأربد) بفتح فسكون ففتح (ابن قيس) هو أخو لبيد بن ربيعة لأمه ولبيد صحابي وكان أربد شاعرا أيضا بعث الله عليه صاعقة فأحرقته كافرا بالله سبحانه وتعالى وفيه نزل قوله تعالى وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ الآية (حين وفدا على النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي متفقين على قتله (وكان عامر قال له) أي لأربد (أنا أشغل عنك وجه محمّد) أي بالكلام معه (فاضربه أنت) أي من خلفه (فلم يره فعل شيئا) أي مما قاله (فلمّا كلّمه في ذلك) أي بالمعاتبة عن تقصيره هنالك (قال له والله ما هممت) أي ما عزمت (أَنْ أَضْرِبَهُ إِلَّا وَجَدْتُكَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَفَأَضْرِبُكَ) الهمزة الأولى استفهام انكاري والثانية للمتكلم وهو أربد والمخاطب هو عامر قال البرقي في غريب الموطأ وفد عامر وأربد على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فدعواه أن يجعل الأمر بعده إلى عامر ويدخلان في دينه فأبى عليه الصلاة والسلام فقال له أكون على أهل الوبر وأنت على أهل المدر فأبى عليه الصلاة والسلام فخرجا من عنده (ومن عصمته له تعالى له) وفي نسخة وفي عصمته له تعالى وهو خطأ فاحش (أنّ كثيرا من اليهود) أي من أحبارهم ورهبانهم (والكهنة) أي ممن يزعم أنه يخبر عن الكوائن المستقبلة (أنذروا به) اعلموا الناس بقرب نوره وخوفوهم بظهوره فإن الإنذار إعلام بتخويف (وعيّنوه لقريش) أي وبينوه لهم خصوصا من جهة نسبه وحسبه وعلامة ولادته وأمارة سيادته وسعادته (وأخبروهم بسطوته بهم) أي بغلبته عليهم وشوكته لديهم (وحضّوهم) أي حثوهم وحرضوهم (على قتله) أي قبل ظهور نصره (فعصمه الله تعالى) أي من كيد كل عدو مكره (حتّى بلغ) بتخفيف اللام أي وصل وتم (فيه أمره) وفي نسخة حتى بلغ عنه أمره بتشديد اللام ونصب أمره، (ومن ذلك نصره بالرّعب) بسكون العين ويضم أي بالخوف في قلب اعدائه (مسيرة شهر) أي من كل جانب له (كما قال صلى الله تعالى عليه وسلم) أي كما