المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [وأما تدعو ضرورة الحياة إليه مما فصلناه فعلى ثلاثة ضروب الضرب الأول] - شرح الشفا - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأوّل

- ‌[المقدمة]

- ‌ترجمة القاضي عياض

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌القسم الأول [في تعظيم العلي الأعلى جل وعلا]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ [فِيمَا جَاءَ من ذلك مجيء المدح والثناء]

- ‌الفصل الثّاني [في وصفه تعالى بالشهادة وما تعلق به من الثناء والكرامة]

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ [فيما ورد من خطابه تعالى إياه مورد الملاطفة والمبرة]

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُ [فِي قَسَمِهِ تَعَالَى بِعَظِيمِ قَدْرِهِ صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الفصل الخامس في قسمه

- ‌الْفَصْلُ السَّادِسُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى في جهته عليه الصلاة والسلام مورد الشفقة والإكرام]

- ‌الفصل السّابع [فيما أخبره الله بِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ عَظِيمِ قَدْرِهِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّامِنُ [فِي إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقَهُ بصلاته عليه وولايته له]

- ‌الْفَصْلُ التَّاسِعُ [فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْفَتْحِ مِنْ كراماته عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْعَاشِرُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كتابه العزيز من كراماته عليه ومكانته عنده]

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي تَكْمِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ المحاسن خلقا وخلقا]

- ‌فصل [قال القاضي رحمه الله تعالى إذا كانت خصال الكمال والجلال]

- ‌فصل [إن قلت أكرمك الله تعالى لا خفاء على القطع بالجملة]

- ‌فصل [وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُفُورُ عَقْلِهِ وَذَكَاءُ لُبِّهِ وَقُوَّةُ حَوَاسِّهِ وفصاحة لسانه واعتدال حركاته وحسن شمائله]

- ‌فصل [وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول]

- ‌فصل [وأما شرف نسبه وكرم بلده ومنشأه]

- ‌فصل [وأما تَدْعُو ضَرُورَةُ الْحَيَاةِ إِلَيْهِ مِمَّا فَصَّلْنَاهُ فَعَلَى ثلاثة ضروب الضرب الأول]

- ‌فصل [وأما الضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته والفخر بوفوره]

- ‌فصل [وأما الضرب الثالث فهو ما تختلف فيه الحالات]

- ‌فصل [وأما الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [وأما أَصْلُ فُرُوعِهَا وَعُنْصُرُ يَنَابِيعِهَا وَنُقْطَةُ دَائِرَتِهَا فَالْعَقْلُ]

- ‌فصل [وأما الحلم]

- ‌فصل [وأما الجود]

- ‌فصل [وأما الشجاعة والنجدة]

- ‌فصل [وأما الحياء والإغضاء]

- ‌فصل [وأما حسن عشرته وآدابه]

- ‌فصل [وأما الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق]

- ‌فصل [وأما خلقه صلى الله تعالى عليه وسلم في الوفاء]

- ‌فصل [وأما تواضعه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما عدله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته]

- ‌فصل [وأما وقاره صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما زهده صلى الله تعالى عليه وسلم في الدنيا]

- ‌فصل [وأما خوفه صلى الله تعالى عليه وسلم من ربه عز وجل]

- ‌فصل [اعلم وفقنا الله تعالى وإياك أن صفات جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قد آتيناك أكرمك الله سبحانه من ذكر الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [في تفسير غريب هذا الحديث ومشكله]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ ومشهورها بتعظيم قدره عند ربه عز وجل]

- ‌الفصل الأول [فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ مَكَانَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عز وجل]

- ‌فصل [في تفضيله صلى الله تعالى عليه وسلم بما تضمنته كَرَامَةُ الْإِسْرَاءِ]

- ‌فصل [ثم اختلف السلف والعلماء هل كان إسراء بروحه أو جسده]

- ‌فصل [إبطال حجج من قال أنها نوم]

- ‌فصل [وأما رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم لربه عز وجل]

- ‌فصل [في فوائد متفرقة]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَظَاهِرُ الآية من الدنو والقرب]

- ‌فصل [في ذكر تفضيله في القيامة بخصوص الكرامة]

- ‌فصل [في تفضيله بالمحبة والخلة]

- ‌فصل [في تفضيله بالشفاعة والمقام المحمود]

- ‌فصل [في تفضيله فِي الْجَنَّةِ بِالْوَسِيلَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ وَالْكَوْثَرِ وَالْفَضِيلَةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ إِذَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلِيلِ الْقُرْآنِ وصحيح الأثر]

- ‌فصل [في أسمائه صلى الله تعالى عليه وسلم وما تضمنته من فضيلته]

- ‌فصل [في تشريف الله تعالى له بما سماه به من أسمائه الحسنى]

- ‌فصل [قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وها أنا أذكر نكتة]

- ‌الْبَابُ الرَّابِعُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَشَرَّفَهُ بِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ والكرامات]

- ‌فصل [اعلم أن الله عز وجل قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْمَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ]

- ‌فصل [اعلم أن معنى تسميتنا ما جاءت به الأنبياء معجزة]

- ‌فصل [في إعجاز القرآن العظيم الوجه الأول]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ إِعْجَازِهِ صُورَةُ نَظْمِهِ الْعَجِيبِ والأسلوب الغريب]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْإِعْجَازِ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ من الأخبار]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الرَّابِعُ مَا أَنْبَأَ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ القرون السالفة]

- ‌فصل [هَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ إِعْجَازِهِ بَيِّنَةٌ لَا نزاع فيها ولا مرية]

- ‌فصل [ومنها الروعة]

- ‌فصل [وَمِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْدُودَةِ كَوْنُهُ آيَةً بَاقِيَةً لا تعدم ما دامت الدنيا]

- ‌فصل [وَقَدْ عَدَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمُقَلِّدِي الْأُمَّةِ في إعجازه وجوها كثيرة]

- ‌فصل [في انشقاق القمر وحبس الشمس]

- ‌فصل [في نبع الماء من بين أصابعه الشريفة وتكثيره ببركته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ تَفْجِيرُ الْمَاءِ ببركته وانبعاثه]

- ‌فصل [ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته]

- ‌فصل [في قصة حنين الجذع له صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [ومثل هذا وقع في سائر الجمادات بمسه ودعوته]

- ‌فصل [في الآيات في ضروب الحيوانات]

- ‌فصل [في إحياء الموتى وكلامهم]

- ‌فصل [في إبراء المرضى وذوي العاهات]

- ‌فصل [في إجابة دعائه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في كراماته صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْغُيُوبِ]

- ‌فصل [في عصمة الله تعالى له صلى الله تعالى عليه وسلم من الناس وكفايته من آذاه]

- ‌فصل [ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم]

- ‌فصل [ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام وكراماته وباهر آياته أنباؤه مع الملائكة]

- ‌فصل [وَمِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ وَعَلَامَاتِ رِسَالَتِهِ مَا تَرَادَفَتْ]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ عِنْدَ مولده عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى قد أتينا في هذا الباب]

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌فصل [وأما تدعو ضرورة الحياة إليه مما فصلناه فعلى ثلاثة ضروب الضرب الأول]

نوح (ثُمَّ لَمْ يَزَلِ اللَّهُ تَعَالَى يَنْقُلُنِي مِنَ الأصلاب الكريمة والأرحام الطّاهرة حتّى أخرجني) أي أطهرني (من) وفي نسخة بين (أبويّ لم يلتقيا) أي أبواي من آدم وحواء إلى عبد الله وآمنة (على سفاح) بكسر السين أي على غير نكاح (قطّ) أي أصلا وقطعا (ويشهد بصحّة هذا الخبر شعر العبّاس) وهو قوله.

من قبلها طبت في الظلال وفي الخ (المشهور في مدح النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) كما سيأتي في كلام القاضي والله أعلم.

‌فصل [وأما تَدْعُو ضَرُورَةُ الْحَيَاةِ إِلَيْهِ مِمَّا فَصَّلْنَاهُ فَعَلَى ثلاثة ضروب الضرب الأول]

(وَأَمَّا مَا تَدْعُو ضَرُورَةُ الْحَيَاةِ إِلَيْهِ مِمَّا فصّلناه) أي مما بيناه فيما تقدم أول الباب من فضائله فيه (فعلى ثلاثة ضروب) وفي بعض النسخ أضرب أي على ثلاثة أنواع أو أصناف (ضرب الفضل) أي هو الفضل ويجوز فيه الإضافة (في قلّته) وهو الذي أورده هنا، (وضرب الفضل في كثرته) أورده في فصل ثان، (وضرب تختلف الأحوال فيه) ذكره في فصل ثالث؛ (فأمّا ما) أي ضرب (التّمدّح والكمال بقلّته اتّفاقا) أي بين العلماء والحكماء من العرب والعجم وغيرهم من العقلاء (وعلى كلّ حال) أي وفي قلته على كل حال بأصل الخلقة أو بحكم المجاهدة (وعادة وشريعة) أي عقلا ونقلا أو عادة وعبادة (كالغذاء) بكسر المعجمة الأولى ما يتغذى به من الطعام والشراب وهو أعم من الغداء بفتح المعجمة والدال المهملة وهو ما يؤكل أول النار كما أن العشاء بالفتح ما يؤكل بعد الزوال إلى العشاء بالكسر فتجويز الدلجي ضبطه بالمعجمة والمهملة من المهمل الذي ليس في محله المستعمل وكذا قول اليمني وأما الغداء بفتح الغين المعجمة والدال المهملة فهو الطعام بعينه وهو خلاف العشاء انتهى مع ما فيه من التناقض بين قوله هو الطعام بعينه وبين قوله وهو خلاف العشاء (والنّوم) أي وكالنوم، (ولم تزل العرب) أي من العقلاء (والحكماء) أي منهم ومن غيرهم من القدماء (تتمادح) أي تتفاخر (بقلّتهما وتذمّ) أي وتتعايب (بكثرتهما) او التقدير تذم التقيد بكثرتهما وفي نسخة وتذم كترتهما (لأنّ كثرة الأكل والشّرب) بتثليث الشين والضم ثم الفتح أشهر وأما الكسر ففي معنى النصيب أكثر (دليل على النّهم) بفتحتين أي الافراط في شهوة الطعام (والحرص) أي على جمع المال لنيل المنال أو على طول الحياة لحصول اللذات (والشّره) بفتحتين أي غلبة الحرص وقيل وهو أن يأكل نصيبه ويطمع في نصيب غيره فهما مجروران عطفا على النهم بفتحتين للتفسير والتأكيد ثم قوله (وغلبة الشّهوة) مبتدأ خبره قوله، (مسبّب) بكسر الباء والمسبب في الحقيقة هو الله تعالى فكان الأولى أن يقول سبب أي أمر موجب وباعث مجتلب (لمضارّ الدّنيا والآخرة) وفي بعض النسخ ضبط الحرص والشره وغلبة الشهوة كلها بالرفع فيكون مسبب خبرا ثانيا لأن ويؤيده قوله (جالب) بلا عاطف وليس كما قال الدلجي عطف على دليل أو مسبب ثم المعنى

ص: 207

جاذب ومكسب (لأدواء الجسد) جمع الداء بمعنى المرض (وخثارة النّفس) بضم الخاء المعجمة أي ثقلها بلا طيب ونشاط (وامتلاء الدّماغ) وهو أعلى الرأس من القحف أي من رطوبات ابخرة متصاعدة تورث استرخاء اعضائه الذي به النوم الذي يفوت خيرا كثيرا؛ (وقلّته) عطف على كثرة الأكل وهو اسم أن أو على محلها أي قليل من الأكل (دليل على القناعة) أي الرضى باليسير والتسليم للقسمة (وملك النّفس) بكسر الميم أي وعلى قدرتها وحكمها على قمعها ومنعها من الميل إلى الشهوات واتباعها؛ (وقمع الشّهوة) بالرفع مبتدأ خبره (مسبّب للصّحة) وجوز الدلجي جره عطفا على ما قبله فيكون مسبب خبرا ثانيا لقلته وهو بعيد لفظا ومعنى وجوز الحجازي رفع ملك النفس أيضا فتأمل والمراد من الصحة صحة الظاهر وهو الجسد من الآلام والأسقام لأن التخمة أصل كل علة (وصفاء الخاطر) أي وسبب لخلوص الباطن من الكدورات المتولدة بانهماك النفس في المستلذات (وحدّة الذّهن) أي لذكائه وهي شدة قوة للنفس معدة لاكتساب الآراء المستقيمة (كَمَا أَنَّ كَثْرَةَ النَّوْمِ دَلِيلٌ عَلَى الْفُسُولَةِ) بضم الفاء والسين المهملة أي الرذالة وفتور النفس (والضّعف) بالضم والفتح أي ضعف البنية، (وعدم الذّكاء والفطنة) أي وعلى عدمها وقوله (مسبّب) خبر ثان لأن أو عدم الذكاء مبتدأ خبره مسبب (للكسل) أي الملالة في الطاعة (وعادة العجز) أي وتعود العجز عن القيام بالعبادة روي أن من خصائصه عليه الصلاة والسلام أنه كان لا يتثاءب ولا يتمطى لأنهما من عمل الشيطان (وتضييع العمر) بضمهما ويسكن الثاني (في غير نفع) أي بلا منفعة حقيقية لأن النفس إذا توجهت إلى معرفة شيء ومزاولة عمل ولم تجد لها آلة تساعدها من صدق تخيل وصحة فكر وتأمل وجودة حفظ وتعقل لفقد اعتدال المزاج بسبب كثرة الأكل والنوم فترت همتها عن العلم والعمل واعتادها الكسل مع حصول عجز البدن عن وصول الأمل وإضاعة العمر في غير نفع مدة الأجل (وقساوة القلب) أي وفي شدته وغلظته (وغفلته) أي إهماله وتركه عن تحصيل منفعته (وموته) أي وموت قلبه لأن حياته بذكر ربه وفكر حبه؛ (والشّاهد على هذا) أي والدليل الظاهر على ما ذكرناه من أن كثرة الأكل والنوم تورث ما قدمناه (ما يعلم ضرورة) أي بديهة بأوائل الفطرة من غير حاجة إلى الفكرة كالعلم بجوع النفس وعطشها وقبضها وبسطها وكالعلم بأن الواحد نصف الاثنين والاثنين أكثر من واحد ونصب ضرورة على التمييز (ويوجد مشاهدة) أي معاينة منا ومن غيرنا وهي منصوبة على المفعولية، (وينقل) أي يروى إلينا ممن سبق علينا (متواترا) أي نقلا متتابعا مرة بعد مرة وفي الاصطلاح خبر اقوام عن أمر محسوس يستحيل عادة تواطئهم على الكذب (من كلام الأمم المتقدّمة والحكماء السّافلين) أي السابقة كقول الحارث ابن كلدة أفضل الدواء الازم يريد قلة الأكل والحمية وقول بعض الحكماء خصلتان يقسو بهما القلب كثرة الأكل وكثرة الكلام وقول داود لابنه سليمان عليهما السلام إياك وكثرة النوم فإنه يفقرك إذا احتاج الناس إلى أعمالهم (وأشعار العرب وأخبارها) ومن الأول قول الأعشى

ص: 208

تكفيه حذة لحم إن الم بها

من الشواء وتروى شربة الغمر

ومن الثاني قول قس بن ساعدة وقد قال له قيصر ما أفضل الأكل قال ترك الإكثار منه قال فما أفضل الحكمة قال معرفة الإنسان قدره قال فما أفضل العقل قال وقوف الإنسان عند علمه (وصحيح الحديث) كما سيأتي (وآثار من سلف وخلف) أي من الصحابة والتابعين كما سيجيء (ممّا لا يحتاج إلى الاستشهاد عليه) أي لكونه مما لا يخفى (وإنّما تركنا ذكره هنا اختصارا) أي في اللفظ (واقتصارا) أي في المعنى (على اشتهار العلم به) أي بناء واعتمادا على شهرته لكمال كثرته؛ (وكان النّبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذَ مِنْ هَذَيْنِ الْفَنَّيْنِ) أي النوعين من الغداء والنوم (بالأقلّ) أي بالحد الأقل الذي لا يجوز التجاوز عنه ويجب الانتفاع به حفظا للبنية وقوة على الطاعة؛ (هذا) أي هذا الحد الذي أخذ به منهما واكتفى فيه عن طلب غيرهما (ما لا يدفع) بصيغة المجهول أي لا ينكر ولا يمنع (من سيرته) لكمال شهرته وكثرة نقلته (وهو الذي أمر به) أي غيره (وحضّ عليه) أي من وافق سيره (لا سيّما) مركبة من لا وسى وما وسى اسم بمنزلة مثل وزنا ومعنى أي لا مثل ما وتكون ما زائدة أو موصولة قال ثعلب من استعمله بلا واو مخفف الياء أخطأ وليس كما قال بل تحذف واوه ويخفف كقوله:

وبالعقود وبالإيمان لا سيما

عقد وفاء به من أعظم القرب

كذا قرره الحجازي وفيه بحث لا يخفى (بارتباط أحدهما بالآخر) أي خصوصا مع ملاحظة ارتباطهما وانعقادهما في تلازمهما من حيث إن النفس إذا شبعت تشوقت إلى الراحة بالنوم وفترت عن العبادة فتنام كثيرا فتحسر في حياته كثيرا وتندم عند مماته كثيرا لقلة زاده ليوم معاده بدليل ما سيأتي من الأخبار والآثار منها ما قال المصنف رحمه الله تعالى. (حدّثنا أبو عليّ) أي ابن سكرة (الصّدفيّ) بفتحتين (الحافظ) أي للكتاب والسنة (بقراءتي عليه) أي هذا الحديث دون إملائه لي وهذا بيان لأحد نوعي الأخذ ودليل على كمال الحفظ وقد سبقت ترجمته (حدّثنا أبو الفضل) وهو أحمد بن خيرون وقد سبق ذكره (الأصفهانيّ) بفتح الهمزة وتكسر والفاء مفتوحة ويروى بالباء بدل الفاء وأما النطق بموحدة بين الباء والفاء فلفظ فارسي قيل وأهل المشرق يقولون بالفاء وأهل المغرب بالباء وهي مدينة عظيمة من بلاد العجم من نواحي العراق ومن شرف أصبهان أنها لا تخلو أبدا من ثلاثين رجلا يستجاب دعاؤهم لدعوة الخليل عليه السلام لما حمل منهم نمرود ثلاثين للحرب فلما رأوا الخيل آمنوا به فدعا لهم بذلك كذا ذكره التلمساني (حدّثنا أبو نعيم الحافظ) قال الحلبي هذا هو الحافظ الكبير محدث العصر أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني الصوفي الأحول سبط الزاهد محمد بن يوسف البناء ولد سنة ست وثلاثين وثلاثمائة وله مصنفات كثيرة (حدّثنا سليمان بن أحمد) هذا هو الإمام الواسطي الحافظ الكبير الثبت مسند الدنيا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي بالمعجمة الشامي

ص: 209

ولد سنة ستين ومائتين واعتنى به أبوه ورحل به في حداثته وسمع بمدائن الشام والحرمين واليمن ومصر وبغداد والكوفة والبصرة وأصفهان والجزيرة وغير ذلك وحدث عن أكثر من ألف شيخ وصنف المعجم الكبير والمعجم الأوسط وهو كتاب جليل تعب عليه وكان يقول هو روحي والمعجم الصغير يذكر فيه عن كل شيخ حديثا وله مصنفات كثيرة مفيدة وعاش مائة سنة (حدّثنا أبو بكر بن سهل) أي الدمياطي روى عن عبد الله بن يوسف وكاتب الليث وطائفة وعنه الطحاوي والطبراني وجماعة توفي سنة تسع وثمانين (حدّثنا عبد الله بن صالح) أي الجهمي كاتب الليث على أحواله روى عن معاوية بن صالح وموسى بن علي وطائفة وعنه البخاري وابن معين وخلق قال الفاضل الشعراني ما رأيته إلا يحدث أو يسبح (حدّثني معاوية بن صالح) هو الحضرمي الحمصي قاضي الأندلس روى عن مكحول وغيره وعنه ابن وهب وابن مهدي وجمع (أنّ يحيى بن جابر) أي الطائي الشامي قاضي حمص (حدّثه عن المقدام) بكسر الميم (ابن معد يكرب) بعدم الانصراف وقد يصرف قال الحلبي فيه لغات رفع الباء ممنوعا والإضافة مصروفا وممنوعا انتهى ولا يخفى أن الرفع لا وجه له هنا (أنّ رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وعاء شرّا من بطنه) ويرى من بطن لما فيه من الضرر الكثير به وسائر الأوعية إنما استعملت فيما هي له وهو إنما خلق ليتقوم به الصلب من الطعام فامتلاؤه يفضي إلى فساد الدين والدنيا فيكون شرا منها في مقام المرام، (حسب ابن آدم) بسكون السين أي كافيه (أكلات) بضمتين وقد تفتح الكاف وتسكن أيضا على ما صرح به بعضهم جمع أكلة بالضم والسكون لما يجعل في الفم من اللقمة وهو المراد ههنا وفي جمعها للقلة وهو لما دون العشرة إرشاد إلى قلة عددها وفي رواية لقيمات إشارة إلى قلة قدرها قال التلمساني وكان ذلك عادة عمر رضي الله تعالى عنه يقتصر على سبع أو تسع وأما بفتحتين فهو جمع الأكلة بمعنى المرة من الأكل وتجويزه ههنا للدلجي ليس في محله ويروى حسب المسلم وحسب المؤمن ورواية الترمذي بحسب ابن آدم أكلات (يقمن صلبه) بضم أوله أي يقوين ظهره بالضم وبالتحريك عظم من لدن الكاهل إلى العجب كما في القاموس فقول الدلجي تسمية للكل باسم جزئه إذ كل شيء من الظهر فيه فقار فهو صلب فيه بحث نعم خص الصلب لأنه عمود البدن وفيه النخاع الساقي للبدن وهو أصله ولذا من قطع نخعه مات وهو كناية عن أنه لا يتجاوز ما يحفظه من ضعفه ويتقوى على طاعة ربه والإسناد في الجملة مجازي لأن الإقامة صفة الهية، (فإن كان لا محالة) بفتح الميم ويضم أي لا بد ولا حيلة ولا فراق من التجاوز عن الإقامة البتة (فثلث) بضمتين وتسكن اللام مبتدأ والتقدير ثلث منه (لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه) بفتح الفاء أي لتنفسه وبه يحصل نوع صفاء ورقة وكسر شهوة ورفع غفلة وسهولة مواظبة على الطاعة والعبادة والتخلص من القساوة والبلادة ومحافظة صحة البدن واعتدال المزاج غير المحتاج للمعالجة وقيل التقدير فإن كان لا بد أن يملأ بطنه ولم يقنع بما فيه قوة فليملأ ثلث بطنه بالطعام وثلثه بالشراب ويترك ثلثه خاليا

ص: 210

لخروج النفس ثم الأصول المعتمد والنسخ المصححة بضمير الغائب وتوهم الدلجي وذكره بلفظ طعامك وشرابك ونفسك وعلل بأنه التفات من الغيبة إلى الخطاب والله تعالى أعلم بالصواب وسمع عمر رضي الله تعالى عنه قول عنترة:

ولقد أبيت على الطوى واطيله

حتى أنال كريم المأكل

فقال ذاك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وتأول كريم المأكل بالجنة ولقد صدق في تأويله رضي الله تعالى عنه وروي أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال ما وصف لي أعرابي قط فأحببت أن أراه إلا عنترة ثم أحسن ما قيل في الحديث إن لا محالة عائد إلى ضرورة الأكل وإن الثلث في حيز الاستحسان والإباحة وقيل المستحسن نصفه وهو السدس وأقل منه شيئا وهو السبع لقوله فإن كان لا بد ولا محالة هذا وقيل لسهل بن عبد الله الرجل يأكل في اليوم أكلة واحدة قال أكل الصديقين قيل فأكلتين قال أكل المؤمنين قيل فثلاثا قال قل لأهلك يبنوا لك معلفا وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان إذا أراد أن يشتري غلاما وضع بين يديه تمرا فإن أكل كثيرا قال ردوه فإن كثرة الأكل من الشؤم (وَلِأَنَّ كَثْرَةَ النَّوْمِ مِنْ كَثْرَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ) أي إنما تنشأ من أجل كثرتهما غالبا وإلا فقد تكون من الضعف وغيره من العلل (قال سفيان الثّوريّ) نسبة إلى أبي قبيلة وهو أحد الأئمة الأعلام من علماء الأنام روى عن ابن المنكدر وغيره وعنه الأوزاعي ومالك وشعبة وأمثالهم وأخرج له الأئمة الستة قال ابن المبارك ما كتبت عن أفضل منه ولا عبرة بمن تكلم فيه وفي أمثاله إذ قل من لم يتكلم في حقه (بقلّة الطّعام يملك سهر اللّيل) بصيغة المجهول؛ (وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ لَا تَأْكُلُوا كَثِيرًا فَتَشْرَبُوا كثيرا فترقدوا كثيرا فتخسروا كثيرا) أي فتندموا كثيرا لنقص العمر الذي هو أنفس الجواهر كذا في الأصول المعتمدة وقال التجاني زاد الغزالي فتخسروا كثيرا. (وقد روي) أي عن جمع كأبي يعلى وغيره (عنه صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ أَحَبُّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ ما كان على ضفف) بفتح المعجمة والفاء الأولى (أي كثرة الأيدي) يعني على الطعام وفيه حث على أن الأولى أن لا يأكل أحد وحده لما فيه من الدلالة على كرم النفس والسخاوة والمواساة والسماحة وحصول الكفاية مع توقع البركة لما في حديث مسلم طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية حملا للآكل على الاكتفاء بنصف الشبع قال ابن راهويه عن جرير تأويله شبع الواحد قوت الاثنين وهلم جرا وقد فسر الضفف بعضهم بكثرة العيال وبعضهم بالضيق والشدة واستشهد في المجمل بأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لم يشبع من خبز ولحم إلا على ضفف أي على كثرة الأيدي على الطعام وقال مالك بن دينار سألت رجلا من أهل البادية عن الضفف فقال هو التناول مع الناس وقيل هو أن تكون الأكلة أكثر من مقدار الطعام والجفف بالجيم وقيل بالحاء أن يكونوا بمقداره ويروى على شظف بالشين والظاء المعجمتين

ص: 211

بمعنى الضيق والشدة. (وعن عائشة رضي الله عنها لم يمتلىء جوف النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم شبعا) بكسر ففتح ويسكن (قطّ) تقدم ضبطه قال الدلجي لم أعرف من رواه ولا يعارضه ما أفهم شبعه في الجملة كحديث مسلم عنها ما شبع رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعًا مِنْ خُبْزٍ بر حتى مضى لسبيله وفي رواية من خبز شعير يومين متواليين فإن دلالة المفهوم ضعيفة فليست بحجة كما قال أبو حنيفة ولأن الامتلاء صفة زائدة على الشبع؛ (وأنّه) بالفتح فيكون من جملة رواية عائشة رضي الله تعالى عنها أو بالكسر على الاستئناف والضمير للشأن أوله صلى الله تعالى عليه وسلم (كَانَ فِي أَهْلِهِ لَا يَسْأَلُهُمْ طَعَامًا وَلَا يتشهّاه) لعدم التفاته إلى غير مولاه (إِنْ أَطْعَمُوهُ أَكَلَ وَمَا أَطْعَمُوهُ قَبِلَ وَمَا سقوه) ويجوز أسقوه (شرب) وهذا كان دأبه في آدابه وغالب حاله في سائر أفعاله كما هو طريق الأنبياء والأولياء في مقام الفناء والبقاء والمصنف لما استشعر اعتراضا واردا على ظاهر الحديث من حيث العموم دفعه بقوله؛ (ولا يعترض) بصيغة المجهول أي ولا يجوز لأحد أن يعترض (على هذا) أي قولها لا يسألهم طعاما (بحديث بريرة) بفتح فكسر أي بحديث وقع في حق بريرة وهي مولاة لعائشة رضي الله تعالى عنها واختلف أنها قبطية أو حبشية (وقوله) أي فيما رواه الشيخان عنه (ألم أر البرمة) بضم الباء وهي القدر من الحجارة أو أعم (فيها لحم) بفتح فسكون ويفتح (إِذْ لَعَلَّ سَبَبَ سُؤَالِهِ ظَنُّهُ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتِقَادَهُمْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ) أي ولو بعد أن ملكته (فأراد بيان سنّته) وهي أنه إذا ملك المتصدق عليه الصدقة حل له أكلها هدية ويؤيد ظنه جهلهم حله له بعد ملكها إياه قوله؛ (إِذْ رَآهُمْ لَمْ يُقَدِّمُوهُ إِلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ أنّهم لا يستأثرون) أي لا يختصون (عليه به فصدق عليهم ظنّه) بتشديد الدال وتخفيفها كما قرئ به في الآية والمعنى فصدق في ظنه جهلهم ذلك فيكون من باب الحذف والإيصال وجوز تعديته بنفسه كما في صدق وعده على ما ورد وكقوله سبحانه وتعالى وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ أو فحقق ظنه أو وجده صادقا في جهلهم ذلك (وَبَيَّنَ لَهُمْ مَا جَهِلُوهُ مِنْ أَمْرِهِ بِقَوْلِهِ هو لها صدقة ولنا هديّة) أي ففيه مبادلة معنوية واختلاف من حيثية فإن هذا اللحم بإهدائها إياه له انتقل من حكم الصدقة إلى حكم الهبة كما لو اشتراه منها غني أو ورثه عنها (وفي حكمة لقمان) روي أنه كان عبدا حبشيا نجارا وقيل نوبيا فرزق العتق وكان خياطا وقيل هو ابن أخت داود عليه السلام وقيل ابن خالته وقيل كان من أولاد آزر وعاش ألف سنة وأدرك داود وأخذ منه العلم والأكثرون على أنه كان وليا وذهب الآخرون إلى أنه كان نبيا ويروى عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه عليه الصلاة والسلام قال لم يكن لقمان نبيا ولكن كان عبدا كثيرا التفكر حسن اليقين أحب الله تعالى فأحبه فمنّ عليه بالحكمة وخيره في أن يجعله خليفته يحكم بالحق فقال يا رب إن خيرتني قبلت العافية وإن عزمت علي فسمعا وطاعة فإنك ستعصمني (يا بنيّ) وهو تصغير الشفقة ويجوز فتح يائه وكسرها كما قرئ بهما في الآية (إذا امتلأت المعدة) أي طعاما وشرابا وهي بفتح فكسر ويجوز كسرهما وإسكان عينها مع فتح الميم

ص: 212

وكسرها على ما نقله الحلبي وفي القاموس المعدة ككلمة وبالكسر موضع الطعام قبل انحداره إلى الامعاء وهو لنا بمنزلة الكرش لغيرنا (نامت الفكرة) أي غفلت أو ماتت ويؤيده ما ورد لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب وقد قالت الصوفية في قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً هذا مثل ضربه الله للاولياء ليفهموا الدنيا وأهلها وذلك أن البعوضة تحيى إذا جاعت وتموت إذا شبعت وكذلك أهل الدنيا إذا امتلاؤا من الدنيا وركنوا إليها أخذتهم وأماتت قلوبهم وأهلكتهم (وخرست الحكمة) بكسر الراء أي سكنت وما ظهرت وهي كمال النفس باقتباس العلوم العقلية واكتساب الحقائق النقلية ولذا قيل الحكمة اتقان العلم والعمل (وقعدت) وفي رواية وكلت (الأعضاء عن العبادة) أي فترت وثقلت منها وكسلت عنها بسبب ما يعتريها من النوم المانع عنها؛ (وقال سحنون) بفتح السين وضمها قيل نون وهو مصروف وقيل ممنوع وهو أبو سعيد عبد السلام بن سعيد التنوخي الملقب بسحنون الفقيه المالكي قرأ على القاسم بن وهب وأشهب ثم انتهت إليه الرياسة في العلم بالمغرب وأدرك مالكا ولم يقرأ عليه وصنف كتاب المدونة في مذهب مالك وحصل له ما لم يحصل لأحد من أصحاب مالك توفي سنة اربعين ومائتين وقال التلمساني وعند القرافي ذو النون وهو أبو الفيض المصري العابد مات سنة خمس وأربعين ومائتين فيمكن أن يكون أحدهما راويا عن الآخر لأنهما في عصر واحد (لا يصلح العلم) أي على الوجه الأنفع (لمن يأكل حتّى يشبع) قال التلمساني وتمامه ولا لمن يهتم بغسل ثيابه. (وفي صحيح الحديث قوله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي كما رواه البخاري (أمّا أنا فلا آكل متّكئا والاتّكاء) أي المراد منه ههنا (هو التّمكّن) على الوطاء (للأكل والتّقعدد في الجلوس له) أي كمال الاعتماد في العقود والتقعدد المراد منه هو القعود (كالمتربّع وشبهه) أي على أي هيئة (من تمكّن الجلسات) بكسر الجيم جمع جلسة للهيئة (الَّتِي يَعْتَمِدُ فِيهَا الْجَالِسُ عَلَى مَا تَحْتَهُ) أي من الأوطئة (والجالس على هذه الهيئة يستدعي الأكل) أي الكثير (ويستكثر منه) أي بشهوة نفس وشره طبع، (والنّبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ جُلُوسُهُ لِلْأَكْلِ جُلُوسَ المستوفز) أي كجلوس المستوفز وهو اسم فاعل من استوفز في قعدته انتصب فيها غير مطمئن أو وضع ركبتيه ورفع اليتيه أو استقل على رجليه ولم يستو قائما وقد تهيأ للوثوب كذا في القاموس فقوله (مقعيا) حال مؤكدة في بعض الوجوه إذ الإقعاء أن يجلس على ركبتيه وهو الاحتفاز والاستيفاز وقيل أي ملصقا مقعده بالأرض ناصبا ساقيه وفخذيه ويضع على الأرض يديه (ويقول) أي كما رواه البزار عن ابن عمر بسند ضعيف وأبو بكر الشافعي في فوائده من حديث البراء إنه عليه الصلاة والسلام كان يقول:

(إنّما أنا عبد) أي تواضعا منه وإرشادا إليه (آكل كما يأكل العبد) لا كما يأكل الملوك والمترفين وزاد ابن سعد وأبو يعلى بسند حسن عن عائشة رضي الله تعالى عنها مرفوعا (وأجلس كما يجلس العبد) وزاد الديلمي وابن أبي شيبة وابن عدي وأشرب كما يشرب الْعَبْدُ (وَلَيْسَ مَعْنَى الْحَدِيثِ فِي الِاتِّكَاءِ الْمَيْلُ على شقّ عند المحقّقين) بل هو المعنى الأعم الشامل له ولغيره

ص: 213