المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [في انشقاق القمر وحبس الشمس] - شرح الشفا - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأوّل

- ‌[المقدمة]

- ‌ترجمة القاضي عياض

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌القسم الأول [في تعظيم العلي الأعلى جل وعلا]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ [فِيمَا جَاءَ من ذلك مجيء المدح والثناء]

- ‌الفصل الثّاني [في وصفه تعالى بالشهادة وما تعلق به من الثناء والكرامة]

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ [فيما ورد من خطابه تعالى إياه مورد الملاطفة والمبرة]

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُ [فِي قَسَمِهِ تَعَالَى بِعَظِيمِ قَدْرِهِ صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الفصل الخامس في قسمه

- ‌الْفَصْلُ السَّادِسُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى في جهته عليه الصلاة والسلام مورد الشفقة والإكرام]

- ‌الفصل السّابع [فيما أخبره الله بِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ عَظِيمِ قَدْرِهِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّامِنُ [فِي إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقَهُ بصلاته عليه وولايته له]

- ‌الْفَصْلُ التَّاسِعُ [فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْفَتْحِ مِنْ كراماته عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْعَاشِرُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كتابه العزيز من كراماته عليه ومكانته عنده]

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي تَكْمِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ المحاسن خلقا وخلقا]

- ‌فصل [قال القاضي رحمه الله تعالى إذا كانت خصال الكمال والجلال]

- ‌فصل [إن قلت أكرمك الله تعالى لا خفاء على القطع بالجملة]

- ‌فصل [وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُفُورُ عَقْلِهِ وَذَكَاءُ لُبِّهِ وَقُوَّةُ حَوَاسِّهِ وفصاحة لسانه واعتدال حركاته وحسن شمائله]

- ‌فصل [وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول]

- ‌فصل [وأما شرف نسبه وكرم بلده ومنشأه]

- ‌فصل [وأما تَدْعُو ضَرُورَةُ الْحَيَاةِ إِلَيْهِ مِمَّا فَصَّلْنَاهُ فَعَلَى ثلاثة ضروب الضرب الأول]

- ‌فصل [وأما الضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته والفخر بوفوره]

- ‌فصل [وأما الضرب الثالث فهو ما تختلف فيه الحالات]

- ‌فصل [وأما الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [وأما أَصْلُ فُرُوعِهَا وَعُنْصُرُ يَنَابِيعِهَا وَنُقْطَةُ دَائِرَتِهَا فَالْعَقْلُ]

- ‌فصل [وأما الحلم]

- ‌فصل [وأما الجود]

- ‌فصل [وأما الشجاعة والنجدة]

- ‌فصل [وأما الحياء والإغضاء]

- ‌فصل [وأما حسن عشرته وآدابه]

- ‌فصل [وأما الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق]

- ‌فصل [وأما خلقه صلى الله تعالى عليه وسلم في الوفاء]

- ‌فصل [وأما تواضعه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما عدله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته]

- ‌فصل [وأما وقاره صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما زهده صلى الله تعالى عليه وسلم في الدنيا]

- ‌فصل [وأما خوفه صلى الله تعالى عليه وسلم من ربه عز وجل]

- ‌فصل [اعلم وفقنا الله تعالى وإياك أن صفات جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قد آتيناك أكرمك الله سبحانه من ذكر الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [في تفسير غريب هذا الحديث ومشكله]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ ومشهورها بتعظيم قدره عند ربه عز وجل]

- ‌الفصل الأول [فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ مَكَانَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عز وجل]

- ‌فصل [في تفضيله صلى الله تعالى عليه وسلم بما تضمنته كَرَامَةُ الْإِسْرَاءِ]

- ‌فصل [ثم اختلف السلف والعلماء هل كان إسراء بروحه أو جسده]

- ‌فصل [إبطال حجج من قال أنها نوم]

- ‌فصل [وأما رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم لربه عز وجل]

- ‌فصل [في فوائد متفرقة]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَظَاهِرُ الآية من الدنو والقرب]

- ‌فصل [في ذكر تفضيله في القيامة بخصوص الكرامة]

- ‌فصل [في تفضيله بالمحبة والخلة]

- ‌فصل [في تفضيله بالشفاعة والمقام المحمود]

- ‌فصل [في تفضيله فِي الْجَنَّةِ بِالْوَسِيلَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ وَالْكَوْثَرِ وَالْفَضِيلَةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ إِذَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلِيلِ الْقُرْآنِ وصحيح الأثر]

- ‌فصل [في أسمائه صلى الله تعالى عليه وسلم وما تضمنته من فضيلته]

- ‌فصل [في تشريف الله تعالى له بما سماه به من أسمائه الحسنى]

- ‌فصل [قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وها أنا أذكر نكتة]

- ‌الْبَابُ الرَّابِعُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَشَرَّفَهُ بِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ والكرامات]

- ‌فصل [اعلم أن الله عز وجل قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْمَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ]

- ‌فصل [اعلم أن معنى تسميتنا ما جاءت به الأنبياء معجزة]

- ‌فصل [في إعجاز القرآن العظيم الوجه الأول]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ إِعْجَازِهِ صُورَةُ نَظْمِهِ الْعَجِيبِ والأسلوب الغريب]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْإِعْجَازِ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ من الأخبار]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الرَّابِعُ مَا أَنْبَأَ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ القرون السالفة]

- ‌فصل [هَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ إِعْجَازِهِ بَيِّنَةٌ لَا نزاع فيها ولا مرية]

- ‌فصل [ومنها الروعة]

- ‌فصل [وَمِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْدُودَةِ كَوْنُهُ آيَةً بَاقِيَةً لا تعدم ما دامت الدنيا]

- ‌فصل [وَقَدْ عَدَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمُقَلِّدِي الْأُمَّةِ في إعجازه وجوها كثيرة]

- ‌فصل [في انشقاق القمر وحبس الشمس]

- ‌فصل [في نبع الماء من بين أصابعه الشريفة وتكثيره ببركته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ تَفْجِيرُ الْمَاءِ ببركته وانبعاثه]

- ‌فصل [ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته]

- ‌فصل [في قصة حنين الجذع له صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [ومثل هذا وقع في سائر الجمادات بمسه ودعوته]

- ‌فصل [في الآيات في ضروب الحيوانات]

- ‌فصل [في إحياء الموتى وكلامهم]

- ‌فصل [في إبراء المرضى وذوي العاهات]

- ‌فصل [في إجابة دعائه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في كراماته صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْغُيُوبِ]

- ‌فصل [في عصمة الله تعالى له صلى الله تعالى عليه وسلم من الناس وكفايته من آذاه]

- ‌فصل [ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم]

- ‌فصل [ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام وكراماته وباهر آياته أنباؤه مع الملائكة]

- ‌فصل [وَمِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ وَعَلَامَاتِ رِسَالَتِهِ مَا تَرَادَفَتْ]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ عِنْدَ مولده عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى قد أتينا في هذا الباب]

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌فصل [في انشقاق القمر وحبس الشمس]

وإسحاق ويعقوب وغيرهم عليهم السلام مع ما اشتمل عليه من عظيم الثناء وكريم العطاء، (كلّ هذا) أي الذي ذكره أول ص (في أوجز كلام وأحسن نظام) أي وأتم مرام (ومنه) أي من اعجاز القرآن أو من هذا القبيل الذي ذكر أول ص من إيجاز الفرقان (الجملة) الأولى الجمل (الكثيرة) أي من جهة المعاني (التي انطوت) أي اشتملت (عليها الكلمات القليلة) أي من حيثية المباني (وهذا) أي ما ذكر (كلّه) أي جميعه (وَكَثِيرٌ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ ذُكِرَ فِي إِعْجَازِ القرآن إلى وجوه) أي مع إلى وجوه أو منضما وجوه (كثيرة ذكرها الأئمّة لم نذكرها) أي نحن في وجوه اعجازه (إذ أكثرها داخل في باب بلاغته) أي المتضمنة لمراتب فصاحته (فلا نحبّ أن يعدّ) بصيغة المجهول أي فلا يليق أن يجعل على حدته وفي نسخة صحيحة فلا نحب أي لا نود أن نعد بنون المتكلم فيهما (فنّا منفردا) وفي نسخة منفردا أي من أنواع بلاغته (فِي إِعْجَازِهِ إِلَّا فِي بَابِ تَفْصِيلِ فُنُونِ البلاغة) وفي نسخة صحيحة بالضاد المعجمة (وكذلك) أي مثل ما هو داخل في بابها (كَثِيرٌ مِمَّا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ عَنْهُمْ يُعَدُّ فِي خواصّه) أي التي لا توجد في غيره (وفضائله) أي الزائدة عن نحوه (لا إعجازه) بالجر وفي نسخة صحيحة لا في إعجازه؛ (وحقيقة الإعجاز) أي ما به العجز (الوجوه الأربعة التي ذكرناها) أي في فصولها (فليعتمد عليها وما بعدها) وأما ما عداها مما ذكرنا فإنما هو (مِنْ خَوَاصِّ الْقُرْآنِ وَعَجَائِبِهِ الَّتِي لَا تَنْقَضِي) أي لا تنتهي غرائبه وهذا غاية التحقيق (والله وليّ التّوفيق) .

‌فصل [في انشقاق القمر وحبس الشمس]

(في انشقاق القمر وحبس الشمس) قال اليمني لا يسمى قمرا إلا بعد مضي ثلاث ليال من الشهر والكرة الأرضية أكبر منه بمقدار مائة وعشرين مرة ومن جملة خواصه أنه يبلى الكتان إذا ترك في سمره ويعفن اللحم إذا ترك تحت وأما الشمس فيقال إنها تنور العالمين العلوي والسفلي وأن الله جعل فيها خواص إصلاح العالم من الحيوان والنبات والمعدن (قال الله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) أي قربت غاية القرب (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) روي أن الكفرة سألوه آية فانشق ويؤيده قراءة حذيفة وقد انشق القمر ويقويه قوله (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً أي معجزة (يُعْرِضُوا أي عن الإيمان بها (وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [القمر: 1- 2] ) أي دائم لترادف الآيات وتتابع المعجزات (أخبر تعالى بوقوع انشقاقه بلفظ الماضي) أي فيجب تحققه حقيقة ولا يجوز صرفه إلى المجاز بلا ضرورة وحمله على أنه سينشق يوم القيامة وأنه عبر بالماضي لتحقق وقوعه في المستقبل (وإعراض الكفرة عن آياته) أي وأخبر تعالى بإعراضهم عن آياته وهذا مما يدل على وقوعه فإنه لا يتصور الإعراض الحقيقي قبل تحققه (وأجمع) وفي نسخة صحيحة بالفاء أي فلهذا أجمع (المفسّرون) أي من السلف (وأهل السّنّة) أي أرباب الحديث أو أهل السنة والجماعة الجامعون بين الكتاب والسنة من السلف والخلف (على وقوعه) قال الأنطاكي في قول القاضي اجمع المفسرون نظر فقد نقل السجاوندي والنسفي في تفسيرهما

ص: 588

عن الحسن البصري أن معناه سينشق عند الساعة وكذا أبو الليث قال في تفسيره وأكثر المفسرين قالوا إن هذا قد مضى انتهى ويمكن دفعه بأنه اراد بالمفسرين المشهورين منهم أو أنه لم يطلع على خلافهم وعلى تقدير الخلاف لا يلزم عدم وقوع انشقاق القمر في عهده صلى الله تعالى عليه وسلم إذا أجمعوا على تحققه بالأحاديث الستة وإنما الخلاف في معنى الآية هل يراد به الانشقاق الماضي أو الانشقاق الآتي والله سبحانه وتعالى أعلم (أخبرنا الحسين بن محمّد الحافظ) أي أبو علي الغساني (من كتابه) لأن المصنف ليس له إلا الإجازة في بابه (ثنا) أي حدثنا (القاضي سراج بن عبد الله ثنا الأصيليّ ثنا المروزيّ) تقدم ذكرهما (ثنا الفربريّ) بكسر الفاء وفتح الراء وقيل غيره وقد سبق ذكره (ثنا البخاري) أي صاحب الجامع الصحيح (ثنا مسدّد) بفتح الدال المهملة المشددة وهو كاسمه مسدد بصري أسدي (ثنا يحيى) أي ابن سعيد روى عنه أحمد وغيره وأخرج له الأئمة الستة (عن شعبة) أي ابن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث (وسفيان) أي ابن عيينة أحد الأعلام وهو الأعور الكوفي (عن الأعمش عن إبراهيم) أي النخعي (عن أبي معمّر) بفتح الميمين أزدي كوفي مخضرم (عن ابن مسعود) أي موقوفا كما ساقه القاضي عن البخاري وقد أخرجه البخاري في تفسيره وقد أخرجه أيضا عنه مسلم والترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح (قَالَ انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي زمانه (فرقتين) أي فلقتين كما رواية الترمذي عن ابن عمر بمعنى قطعتين وفي الصحيحين بلفظ شقين بكسر السين المعجمة أي نصفين وفي لفظ في حديث جبير فانشق القمر باثنتين وفي رواية أبي نعيم في الدلائل فصار قمرين (فرقة) بالنصب على البدلية ويجوز رفعها على الابتدائية أي منهما فرقة (فوق الجبل) أي جبل حراء أو أبي قبيس (وفرقة دونه) أي أسفل منه أو قريب منه هذا وقد قال الحجازي يجوز النصب والضم أفصح منه ومنه قوله تعالى قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قلت وقد يقال الضم أصح إذا فصل النعت وإلا فالبدل في مثل هذا التركيب أفصح كما حقق في قوله تعالى الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي لما رآه منشقا (اشهدوا) الظاهر أنه خطاب للكفار فإنهم أهل الإنكار والعنى أشهدوا على نبوتي أو الخطاب للمؤمنين فالمعنى أشهدوا على معجزتي وأخبروا من بعدي من أمتي، (وفي رواية مجاهد) أي في الصحيحين عن ابن مسعود زيادة قوله (ونحن مع النّبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الْأَعْمَشِ وَنَحْنُ بمنى) وفي نسخة زيادة قوله بمنى وهذا لا يعارض قول أنس وذلك كان بمكة لأنه لم يصرح بأنه عليه الصلاة والسلام كان ليلته بمكة فمراده أن الانشقاق كان وهم بمكة قبل أن يهاجروا إلى المدينة وفيه إيماء إلى أنه لم يشاهد القضية بالرؤية بل وصلت إليه بالرواية لأنه إذ ذاك كان ابن أربع أو خمس بالمدينة (ورواه) أي الحديث المذكور (أيضا عن ابن مسعود الأسود) أي كما ذكره أحمد في المسند وأسود هذا تابعي جليل روى عن عمر رضي الله

ص: 589

تعالى عنه وعلي ومعاذ وغيرهم له ثمانون حجة وعمرة وكان يصوم حتى احتضر ويختم القرآن في ليلتين (وقال) أي ابن مسعود (حتّى رأيت الجبل بين فرجتي القمر) بضم الفاء وتفتح أي فلقتيه (ورواه) أي الحديث المسطور (عنه) أي ابن مسعود (مسروق أنّه) أي انشقاقه (كان بمكّة) كما رواه البيهقي في دلائله (وزاد) أي مسروق في رواية عنه (فَقَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ سَحَرَكُمُ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ) بفتح كاف فسكون موحدة فشين معجمة يعنون النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأبو كبشة اسم رجل تأله قديما وفارق دين الجاهلية وعبد الشعرى فشبه المشركون النبي صلى الله تعالى عليه وسلم به وقيل بل كانت للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم أخت من الرضاعة تسمى كبشة وكان أبوه من الرضاعة يكنى بها وقيل بل كان في أجداده لأمه من يكنى بذلك قيل وذكر بعضهم أن جماعة من جهة أبيه وأمه يكنون بأبي كبشة (فقال رجل منهم) وروى من القوم قيل إنه أبو جهل (إنّ محمّدا إن كان سحر القمر) أي لعيونكم وقت السحر (فَإِنَّهُ لَا يَبْلُغُ مِنْ سِحْرِهِ أَنْ يَسْحَرَ الأرض) أي أهلها (كلّها) أي جميعها (فَاسْأَلُوا مَنْ يَأْتِيكُمْ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ هَلْ رأوا هذا) أي الانشقاق (فأتوا) أي جاء بعضهم من بلد آخر (فسألوهم) أي أهل مكة قريش (فأخبروهم أنّهم رأوا مثل ذلك) أي كما ذكر من انشقاق القمر فرقتين (وحكى السّمرقنديّ عن الضّحّاك نحوه) أي بمعناه مع اختلاف في مبناه (وقال) أي السمرقندي فيما رواه (فقال) وفي نسخة قال (أبو جهل هذا سحر) أي نوع من الاختلاق (فابعثوا إلى أهل الآفاق) أي بنسبتهم إلى اختلاف المطالع في حيز الخلاف والشقاق (حتّى تنظروا أرأوا ذلك أم لا) أي أو ما رأوا ذلك كذلك هنالك (فأخبر أهل الآفاق أنّهم رأوه منشقا) أي بوصف الانشقاق (فقالوا) يعني الكفار (هذا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) أي دائم بنعت الاستمرار أو ذاهب وماض وزائل ومار، (ورواه) أي الحديث السابق (عن ابن مسعود علقمة) أي ابن قيس الليثي النخعي ولد في حياته عليه الصلاة والسلام وروى عن أصحابه الكرام كأبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم (فهؤلاء الأربعة) أي مجاهد أو أبو معمر والأسود ومسروق وعلقمة (عن عبد الله) أي رووه كلهم عن ابن مسعود على وفق ما رواه عنه معمر فتدبر (وقد رواه غير ابن مسعود) أي من الصحابة (كما رواه ابن مسعود) أي فليس هو شاذا في هذه الرواية (منهم) أي ممن رواه (أنس وابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما) كما رواه الشيخان عنهما وهما وإن لم يدركا بأعينهما فقد سمعا ممن حضر وروى ومرسل الصحابة بالإجماع حجة (وابن عمر) أي فيما رواه مسلم والترمذي (وحذيفة) أي ابن اليمان كما عند ابن جرير وابن أبي حاتم وأبي نعيم في الدلائل (وعليّ) أي ابن أبي طالب قال الدلجي لا يعرف مخرجه (وجبير بن مطعم) أي على ما رواه أحمد والبيهقي عنه (فَقَالَ عَلِيٌّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حُذَيْفَةَ الْأَرْحَبِيِّ) بفتح الهمزة فسكون الراء ففتح الحاء المهملة فموحدة مكسورة فياء نسبة إلى قبيلة من همدان وقيل إلى مكان أخرج له مسلم والترمذي والنسائي وفي نسخة الأرجي بجيم بعد راء ساكنة وفي أخرى بزاء بدل الراء قال الحلبي وكلاهما

ص: 590

تصحيف والصواب ما تقدم والله تعالى أعلم (انشقّ القمر) هذا مقول علي كرم الله وجهه وفي نسخة وانشق القمر بالواو العاطفة إما على كلام سبق له أو أراد الحكاية (ونحن مع النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي وقد شاهدناه. (وَعَنْ أَنَسٍ سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم أن يريهم آية) أي معجزة باهرة وعلامة ظاهرة على صدق ما إدعاه من النبوة والرسالة (فأراهم انشقاق القمر مرّتين) أي فرقتين كما في نسخة صحيحة (حتّى رأوا حراء بينهما) وهو جبل على ثلاثة أميال من مكة على يسار المار منها إلى منى وهو بكسر الحاء المهملة ممدود ويقصر ويصرف ولا يصرف ويؤنث ويذكر وقد خطأ الخطابي فتح الحاء وقصر الراء وقال النووي والصحيح أنه مذكر مصروف. (رواه) أي الحديث (عن أنس قتادة) أي بهذا اللفظ (وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَغَيْرِهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْهُ) أي عن أنس (أراهم القمر مرّتين) أي شقين أو فلقتين ويؤيده أنه في نسخة فرقتين وقيل بمعنى كرتين وقوله (انشقاقه) بالنصب بدل اشتمال من القمر وفي صحيح مسلم فأراهم انشقاق القمر مرتين قال الحلبي هذه المسألة فتشت عنها كثيرا حتى وجدتها في كلام أبي عبد الله ابن إمام الجوزية ذكرها في كتابه إغاثة اللهفان فذكر كلاما وفيه أن المرات يراد بها الأفعال تارة والأعيان تارة وأكثر ما تستعمل في الأفعال وأما الأعيان فكقوله في الحديث انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم مرتين أي شقين وفلقتين ولما خفي هذا على من لم يحط به علما زعم أن الانشقاق وقع مرة بعد مرة في زمانين وهذا مما يعلم أهل الحديث ومن له خبرة بأحوال الرسول وسيرته أنه غلط وأنه لم يقع الانشقاق إلا مرة واحدة انتهى وقال شيخي العراقي في سيرته التي نظمها أنه انشق مرتين بالإجماع وإن ذلك متواتر وقد راجعته بكتاب وذكرت له فيه كلام ابن القيم فلم يرد جوابه على أقول ولعله أعرض عن الجواب اكتفاء بما بين في الكتاب أن إرادة الفلقتين بالمرتين هو الصواب وقال العسقلاني وأظن قوله بالإجماع يتعلق بقوله انشق لا بمرتين فإني لا أعلم من جزم من علماء الحديث يتعدد الانشقاق ولعل قائل مرتين أراد فلقتين وهذا الذي لا يتجه غيره جمعا بين الروايات هذا (وَرَوَاهُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ وابن ابنه جبير بن محمّد) أي النوفلي (وَرَوَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عبد الله بن عتبة) أي ابن مسعود ولد أخي عبد الله بن مسعود وهو الفقيه الأعمى أحد الفقهاء السبعة معلم عمر بن عبد العزيز وكان من بحور العلم، (وَرَوَاهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مُجَاهِدٌ وَرَوَاهُ عَنْ حذيفة أبو عبد الرّحمن السّلميّ) بضم ففتح هو الإمام مقرئ الكوفة يروي عن عمر وعثمان وعنه عاصم بن أبي النجود وأبو إسحاق (ومسلم بن أبي عمران الأزديّ) والمقصود نفي توهم أن يكون أحد من الرواة وقع منفردا أو شاذا في الرواية بل ثبت تعدد الصحابة والتابعين في إسناد هذه الحكاية (وأكثر طرق هذه الأحاديث) أي مما بيننا وبين السلف (صحيحة والآية مصرّحة) بكسر الراء أي ودلالة الآية في هذه القضية صريحة فتكاد أن تصير متواترة معنوية وإن لم تكن لفظية (ولا يلتفت) بصيغة المجهول أي ولا ينظر عن

ص: 591

صوب إقبال قبول (إلى اعتراض مخذول) أي متروك النصرة من المبتدعة كطبقة المعتزلة وجمهور الفلاسفة وعامة الملاحدة الواقع في قول مائل إلى المجاز وعادل عن الحقيقة في مدلول الآية متشبثا بأصلهم الفاسد بأن الأجرام العلوية لا يتأتى فيها الانخراق والالتيام ومتمسكا (بأنّه) أي الشأن (لو كان هذا) أي الانشقاق واقعا أو لو وقع هذا الأمر (لم يخف على أهل الأرض) أي كلهم (إذ هو شيء ظاهر لجميعهم) وهذا المقدار بيان الاعتراض واما بيان خذلانه فهو قوله (إِذْ لَمْ يُنْقَلْ لَنَا عَنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أنّهم رصدوه تلك اللّيلة) أي انتظروا انشقاق القمر حتى نظروا شقاقه أو رأوا خلافه في تلك الليلة وهذا معنى قوله (فلم يروه انشقّ) أي مع أن القاعدة الاصولية مضبوطة بأن رواية المثبت مقدمة على رواية النافي بلا شبهة كما في رواية الهلال مشاهدة هذا ومن المعلوم أنهم لم يترصدوه لكونهم غافلين عن القضية ذاهلين عن المقدمة المطوية وإنما أراد المصنف فرض الوقوع في البلية فبطل قول الدلجي بعد قوله فلم يروه انشق وفيه نظر لتوقف رصده على معرفة أنه سينشق في ليلة فيرصدونه ثم قال المصنف على طريق ارخاء العنان مع الخصم في ميدان البيان (وَلَوْ نُقِلَ إِلَيْنَا عَمَّنْ لَا يَجُوزُ تَمَالُؤُهُمْ) أي توافقهم وتواطؤهم (لكثرتهم) أي المتعاضدة (على الكذب كما كانت علينا به) أي بسبب نفيهم على فرض ترصدهم (حجّة) أي دلالة قاطعة ملزمة (إِذْ لَيْسَ الْقَمَرُ فِي حَدٍّ وَاحِدٍ لِجَمِيعِ أهل الأرض) أي لاختلاف مطالعه وتباين مقاطعه كما بينه بقوله (فَقَدْ يَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ على الآخرين) وفي نسخة على آخرين (وقد يكون) أي القمر في مرأى (مِنْ قَوْمٍ بِضِدِّ مَا هُوَ مِنْ مُقَابِلِهِمْ) أي بضد مرأى من قوم مخالفيهم (من أقطار الأرض) أي جوانبها (أو يحول بين قوم وبينه) أي بين القمر (سحاب أو جبال) وكذا حجاب (ولهذا) أي ولكونه ليس في حد واحد من العباد (نجد الكسوفات) أي محو أحد النيرين (في بعض البلاد دون بعض) أي من البلاد حتى لا يوجد فيه كسوف أصلا وقد نقل الحافظ المزي عن ابن تيمية أن بعض المسافرين ذكر أنه وجد في بلاد الهند بناء قديما مكتوبا عليه بني ليلة انشق القمر (وفي بعضها) أي ونجد الكسوفات في بعض البلاد أو في بعض الأوقات بالنسبة إلى بعض العباد (جزئيّة) أي وقوعها باعتبار بعض اجزائه (وفي بعضها كلّيّة) أي وقوعها يستوفي أطرافه كلها (وفي بعضها لا يعرفها) أي الكسوفات (إلّا المدّعون لعلمها) أي الماهرون والحاذقون بمعرفتها؛ (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ) أي الغالب بقدرته (الْعَلِيمِ [يس: 38] ) أي المحيط علمه بإرادته وحكمته ووقع في أصل المصنف الحكيم بدل العليم ولا يرد عليه أنه مخالف للفظ التنزيل لأنه ما قصد به الآية إذ ليس عليه شيء من الدلالة هذا (وآية القمر كانت ليلا) أي مبهما وقته ومجهولا ساعته قال الخطابي الحكمة في وقوعها ليلا أن من طلبها من الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم بعض من قريش خاص فوقع لهم ذلك ليلا ولو أراد الله تعالى أن يكون هذه المعجزة نهارا لكانت داخلة تحت الحس قائمة للعيان بحيث يشترك فيها الخاصة والعامة لفعل ذلك ولكن الله

ص: 592

تعالى بلطفه أجرى سنته بالهلاك في كل أمة أتاها نبيها بآية عامة يدركها الحس فلم يؤمنوا وخص هذه الأمة بالرحمة فجعل آية نبيها عقلية وذلك لما أوتوه من فضل الفهم بالنسبة إلى سائر الأمم والله سبحانه وتعالى أعلم (والعادة من النّاس باللّيل) أي بحسب الأغلب (الهدوّ) بضم الهاء والدال فواو مشددة أو ساكنة بعدها همزة على أصل الكلمة ومعناه قوله (والسّكون) أي عن الحركة والمشي والتردد في الطرق مع قطع النظر عن ملاحظة ما في السماء وترصدهم إلى مراكز القمر ناظرين إليه غير غافلين عنه ولعل ذلك إنما كان في قدر اللحظة التي هي مدرك البصر (وإيجاف الأبواب) بهمزة مكسورة وتحتية ساكنة فجيم أي إغلاقها بسرعة (وقطع التّصرّف) أي بالتردد في داخل البيوت من إغلاقها واعماقها (ولا يكاد يعرف من أمور السّماء) أي لا سيما في فصل الشتاء (شيئا) أي من أمر السماء لحجاب البناء وعدم توجه نظرهم إى صوب الهواء (إلّا من رصد ذلك) أي انتظره قصدا لما هنالك ومنه قوله تعالى إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ بالطريق المنتظر (واهتبل به) بفوقية فموحدة أي تحيل واعتنى بنظره (ولذلك) أي ولكون آيته كانت ليلا وفي نسخة وكذلك (ما يكون الكسوف القمريّ) أي بخلاف الشمسي النهاري (كثيرا) خبر كان أي لم يكن وقوعه كثيرا (في البلاد) وجعل الدلجي كثيرا حالا من اسم كان وخبرها في البلاد (وأكثرهم لا يعلم به) أي والحال أن أكثر الناس أو أكثر أهل البلاد لا يعلم بكسوف القمر (حتّى يخبر) أي بوقوعه في السمر والمعنى لا يقع فيها كثيرا مع عدم تعلق العلم به إلا يسيرا (وكثيرا ما) أي وأحيانا كثيرة (يحدّث الثّقات) أي من العلماء بالهيئة الفلكية (بعجائب يشاهدونها من أنوار) أي ظاهرة (ونجوم طوالع عظام) أي باهرة (تظهر في الأحيان باللّيل) أي في بعض الاوقات أو الساعات منه (ولا علم ولأحد بها) أي من غيرهم وفي نسخة ولا علم عند أحد منها ثم هذا مما يتعلق بانشقاق القمر على ما نزل به الآية وورد فيه صحيح الخبر وصريح الأثر وأما رد الشمس له صلى الله تعالى عليه وسلم فاختلف المحدثون في تصحيحه وضعفه ووضعه والأكثرون على ضعفه فهو في الجملة ثابت بأصله وقد يتقوى بتعاضد الأسانيد إلى أن يصل إلى مرتبة حسنة فيصح الاحتجاج به. (وخرّج) بتشديد الراء أي أخرج (الطّحاويّ في مشكل الحديث) وهو الإمام الحافظ العلامة صاحب التصانيف المهمة روى عنه الطبراني وغيره من الأئمة وهو مصري من أكابر علماء الحنفية لم يخلف مثله بين الأئمة الحنفية وكان أولا شافعيا يقرأ على خاله المزني ثم صار حنيفا توفي سنة إحدى وعشرين وثلثمائة وطحا من قرى مصر قال بعضهم كان أولا شافعيا ثم تقلد مذهب مالك كذا نقله التلمساني ولعله انتقل من مذهب مالك إلى مذهب أبي حنيفة كما يشهد به كتبه في الرواية والدراية (عن أسماء) وأصله وسماء من الوسامة فأبدلت واوه همزة وقيل جمع اسم والأول أولى وهو منقول عن سيبويه ولعل وجهه ان اطلاق الجمع على المفرد بعيد جدا مع أن اسم الجمع لا يجعل علما أبدا (بنت عميس) بضم مهملة وفتح ميم فتحتية ساكنة فسين مهملة وتقدمت ترجمتها

ص: 593

(من طريقين) أي بإسنادين وكذا الطبراني رواه بأسانيد رجال بعضها ثقات (أنّ النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم كان يوحى إليه) أي مرة (ورأسه في حجر عليّ) أي ابن أبي طالب كرم الله وجهه (فلم يصلّ) أي علي (الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي بعد ما أفاق من الاستغراق (أصلّيت يا عليّ قال لا فقال) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ فِي طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ) أي لما بينهما من الملازمة (فاردد عليه) أي لأجله (الشّمس) أي شرقها كما في نسخة بالتحريك ويسكن وهو منصوب على الظرفية أي في ارتفاعها أو على البدلية أي ضوءها (قالت أسماء فرأيتها غربت ثمّ رأيتها طلعت) أي رجعت على أدراجها من مغربها (بَعْدَ مَا غَرَبَتْ وَوَقَفَتْ عَلَى الْجِبَالِ وَالْأَرْضِ) ويروي وقعت بالعين بدل الفاء (وذلك بالصّهباء) بالمد ويقصر وهو موضع على مرحلة من خيبر وكذا رواه ابن مردويه بسند فيه ضعف عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال نام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في حجر علي ولم يكن صلى العصر حتى غربت الشمس فذكر نحوه (قال) أي الطحاوي (وهذان الحديثان ثابتان) أي عنده وكفى به حجة (ورواتهما ثقات) أي فلا عبرة بمن طعن في رجالهما وإنما جعله حديثين لروايته له من طريقين هذا وقال ابن الجوزي في الموضوعات حديث رد الشمس في قصة علي رضي الله عنه موضوع بلا شك وتبعه ابن القيم وشيخه ابن تيمية وذكروا تضعيف رجال أسانيد الطحاوي ونسبوا بعضهم إلى الوضع إلا أن ابن الجوزي قال أنا لا أتهم به إلا ابن عقدة لأنه كان رافضيا بسبب الصحابة انتهى ولا يخفى أن مجرد كون راو من الرواة رافضيا أو خارجيا لا يوجب الجزم بوضع حديثه إذا كان ثقة من جهة دينه وكان الطحاوي لاحظ هذا المبنى وبنى عليه هذا المعنى ثم من المعلوم أن من حفظ حجة على من لم يحفظ والأصل هو العدالة حتى يثبت الجرح المبطل للرواية وأما ما قاله الدلجي تبعا لابن الجوزي من أنه لو قيل بصحته لم يفد ردها وإن كان منقبة لعلي وقوع صلاته أداء لفواتها بالغروب فمدفوع لقيام القرينة على الخصوصية مع احتمال التأويل في القضية بأن يقال المراد بقولها غربت أي عن نظرها أو كادت تغرب بجميع جرمها أو غربت باعتبار بعض أجزائها أو أن المراد بردها حبسها وبقاؤها على حالها وتطويل زمان سيرها ببطء تحركها على عكس طي الأزمنة وبسطها فهو سبحانه قادر على كل شيء شاءه وأما ما ذكره الذهبي من قوله وقد روى هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال لم ترد الشمس إلا على يوشع بن نون وذكره ابن الجوزي من أن في الصحيح أن الشمس لم تحبس لأحد إلا ليوشع فالجواب أن الحصر باعتبار الأمم السالفة مع احتمال وروده قبل القضية اللاحقة.

(وحكى الطّحاويّ أنّ أحمد بن صالح) وهو أبو جعفر الطبري المصري الحافظ سمع ابن عيينة ونحوه وروى عنه البخاري وغيره وقد كتب عن ابن وهب خمسين ألف حديث وكان جامعا يحفظ ويعرف الحديث والفقه والنحو مات بمصر سنة مائتين وثمان وأربعين وكان

ص: 594

أبوه من أهل طبرستان وجرت بين أحمد هذا وابن حنبل مذاكرات وكتب كل واحد منهما عن صاحبه وكان يصلي بالشافعي (كان يقول لا ينبغي لمن سبيله) وفي نسخة لمن يكون سبيله (العلم) أي بسير سيد الأنبياء (التَّخَلُّفُ عَنْ حِفْظِ حَدِيثِ أَسْمَاءَ لِأَنَّهُ مِنْ علامات النّبوّة) أي وآيات الرسالة. (وروى يونس بن بكير) بالتصغير وهو الحافظ أبو بكر الشيباني عن هشام بن عروة والأعمش ومحمد بن إسحاق بن بشار إمام المغازي وعنه أبو كريب وابن نمير والعطاردي قال ابن معين صدوق وقال أبو داود ليس بحجة يوصل كلام ابن إسحاق بالأحاديث أخرج له مسلم متابعة وقد خرج له البخاري في الشواهد وأخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة (في زيادة المغازي روايته) أي في روايته كما في نسخة (عن ابن إسحاق) أي إمام أهل المغازي (لمّا أسري برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي ليلة المعراج (وأخبر قومه بالرّفقة) بضم الراء ويجوز تثليثها أي الجماعة من الرفقاء (والعلامة التي في العير) بكسر العين المهملة أي القافلة من الإبل والدواب تحمل الطعام وغيره من التجارات (قالوا) أي الكفار (متى تجيء) أي القافلة إلى مكة (قال يوم الأربعاء) بالمد وهو بتثليث الباء والأجود كسرها كذا في المحكم وقال ابن هشام فيه لغات فتح الهمزة وكسر الباء وكسر الهمزة وفتح الباء وكسرهما قال وهذه أفصح اللغات (فلمّا كان ذلك اليوم) أي الموعود وهو بالرفع على أنه نعت لذلك المتقدم الذي هو اسم كان التامة كقوله تعالى وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ وفي بعض النسخ المعتمدة ضبط بالنصب ولا وجه له (أشرفت قريش) أي اقبلت (ينظرون) أي ينتظرون (وقد ولّى النّهار) بتشديد اللام المفتوحة أي أدبر أوله آخره (ولم تجىء) أي العير (فدعا رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِيدَ لَهُ فِي النَّهَارِ سَاعَةٌ) أي بسط في ساعاته (وحبست عليه الشّمس) أي ببطء تحركها وقيل توقفت وقيل ردت على أدراجها كما تقدم والله تعالى اعلم هذا وقد حبست الشمس له صلى الله تعالى عليه وسلم في يوم من أيام الخندق حين شغل عن صلاة العصر كما ذكره المصنف في غير هذا الكتاب وحبست لداود كما ذكره الخطيب في كتاب النجوم وضعف رواته كما نقله عنه مغلطاي في سيرته وفي تفسير البغوي أنها حبست لسليمان عليه السلام لقوله تعالى رُدُّوها عَلَيَّ ونوزع بأن الضمير عائد إلى الصافنات الجياد وأيضا لم يكن هناك مأمورون صالحون لرد الشمس عليه مع مخالفته للحديث الصحيح الصريح في حصر حبس الشمس ليوشع مما بين الأمم المتقدمة نعم ذكر الشيخ معين الدين في معراج النبوة أنها حبست لأبي بكر رضي الله تعالى عنه أيضا والله سبحانه وتعالى أعلم هذا وقد قال بعضهم حديث رد الشمس له صلى الله تعالى عليه وسلم ليس بصحيح وإن أوهم تخريج القاضي له في الشفاء عن الطحاوي من طريقين فقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وقال ابن تيمية العجب من القاضي مع جلالة قدره وعلو خطره في علوم الحديث كيف سكت عنه موهما صحته وناقلا ثبوته موثقا رجاله انتهى وفي المواهب قال شيخنا قال أحمد لا أصل له وتبعه ابن الجوزي

ص: 595