الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأكثر أحاديث هذه الفصول الثلاث وردت (في قصص مشهورة) بكسر القاف أي حكايات مأثورة (ومجامع مشهودة) أي محصورة مما تقدم فيها (ولا يمكن التّحدّث عنها إلّا بالحقّ) أي على وفق الصدق حذرا من التكذيب في رواية منها (ولا يسكت الحاضر لها) أي المشاهد لها (على ما أنكر منها) حذرا من أن ينسب إليه ما لا يليق بجنابه.
فصل [في كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته]
(في كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته صلى الله تعالى عليه وسلم قال) أي المصنف (حدّثنا أحمد بن محمّد بن غلبون) بفتح فسكون فضم موحدة وهو منصرف وقد يمنع بناء على أن مطلق المزيدتين علة عدم الانصراف (الشّيخ الصّالح فيما أجاز فيه) هذه لغة حكاها ابن فارس والمعروف أجازه لي ذكره الحلبي وغيره (عن أبي عمر) وفي نسخة أبي عمرو بالواو (الطّلمنكيّ) بتشديد لام مفتوحة فميم مفتوحة ونون ساكنة (عن أبي بكر بن المهندس) بكسر الدال (عن أبي القاسم البغوي) بفتحتين وهو الحافظ الكبير السند البغوي الأصل البغدادي ابن بنت أحمد بن منيع البغوي روى عن أحمد بن حنبل عاش مائة وثلاث سنين وتوفي ليلة عيد الفطر سنة سبع عشرة وثلاثمائة وله ترجمة في الميزان وقال في آخرها وهذا الشيخ الحجازي يعني به أبا العباس أحمد بن الشحنة راوي صحيح البخاري وغيره بينه وبين البغوي أربعة أنفس وهذا شيء لا نظير له في الاعصار وذلك أن الحجازي توفي سنة ثلاث وسبعمائة فيكون بين وفاته ووفاة البغوي أربعمائة سنة وبضع عشرة (حدّثنا أحمد بن عمران الأخنسيّ) بفتح الهمزة وسكون المعجمة روى عنه ابن أبي الدنيا وغيره (حدّثنا أبو حيّان) بتشديد التحتية (التّيميّ) وفيه أن الأخنسي لم يدركه على ما صرح به المزي ولعله اسقط محمد بن فضيل ويؤيده أنه وجد في نسخة صحيحة قبله حدثنا محمد بن فضيل ويؤيده ما سيأتي المصنف في أول فصل في الآيات في ضروب الحيوانات حديثا في إسناده حَدَّثَنَا أَبُو الْعَلَاءِ أَحْمَدُ بْنُ عِمْرَانَ حَدَّثَنَا محمد بن فضيل الخ والله تعالى أعلم (وكان) أي أبو حيان (صدوقا) وقد روي عن أبي زرعة والشعبي وعنه يحيى القطان وأبو أسامة أخرج له الأئمة الستة (عن مجاهد) تابعي جليل (عن ابن عمر) وقد رواه الدارمي والبيهقي والبزار أيضا عنه (قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم في سفر فدنا) أي قرب (منه أعرابيّ) أي بدوي (فقال يا أعرابيّ أين تريد قال أهلي) أي أريد أهلي أو أهلي أريدهم وفي نسخة إلى أهلي أي مرادي التوجه إليهم (قال هل لك) أي ميل ورغبة (إلى خير) أي من أهلك أو خير محض لك في حالك ومآلك (قال وما هو) أي ذلك الأمر أو الخير (قال تشهد) أي أن تشهد أي شهادتك أو خبر معناه أمر أي أشهد (أن) مخففة من المثقلة حذف اسمها أي أنه (لا إله) موجود أو معبود أو مشهود (إلّا الله وحده) حال مؤكدة أي متوحدا ومنفردا (لا شريك له) أي في وحدانية ذاته وسبحانية صفاته (وأنّ محمّدا عبده ورسوله) إلى كافة مخلوقاته (قال من
يشهد لك على ما تقول) أي من دعوى التوحيد والرسالة (قال هذه الشّجرة السّمرة) بفتح فضم وهي بدل مما قبلها فإنها من الطلح شجر عظام من العضاة له شوك كثير وظل يسير قالوا وهو شجر الصمغ العربي (وهي بشاطىء الوادي) أي طرفه وجانبه (فأقبلت) أي بمجرد قوله عليه الصلاة والسلام هذه الشجرة تشهد على حقية الإسلام وفي نسخة صحيحة فادعها فإنها تجيبك وفي أخرى تجبك قال أي الأعرابي فدعوتها فأقبلت وهذا أبلغ في قبول الإجابة والمعنى فشرعت الشجرة في الإتيان إليه صلى الله تعالى عليه وسلم (تخذّ الأرض) بضم الخاء المعجمة وتشديد الدال المهملة ومنه الأخدود وهو الشق في الأرض أي حال كونها تشق الأرض وتسعى إليه على ساق بلا قدم (حتّى قامت) أي وقفت كما في نسخة (بين يديه فاستشهدها ثلاثا) أي طلب منها أن تشهد ثلاث مرات (فشهدت) أي ثلاثا (أنّه) أي الأمر (كما قال) أي النبي عليه الصلاة والسلام أن الله واحد لا شريك له وأنه عبد الله ورسوله (ثمّ رجعت إلى مكانها. وعن بريدة) بالتصغير وهو ابن الحصيب بن عبد الله الأسلمي أسلم حين مر به عليه الصلاة والسلام مهاجرا ثم قدم المدينة قبل الخندق وشهد الحديبية ومات بمدينة مرو بخراسان غازيا وأما بريدة بن سفيان الأسلمي فلا صحبة له وإن ذكره بعضهم في الصحابة بل هو تابعي متكلم فيه كما رواه البزار عنه أنه قال (سأل أعرابيّ النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم آية) أي علامة تكون معجزة دالة على صدق الرسالة (فَقَالَ لَهُ قُلْ لِتِلْكَ الشَّجَرَةِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله تعالى عليه وسلم يدعوك قال) أي بريدة (فقالت الشَّجَرَةُ عَنْ يَمِينِهَا وَشِمَالِهَا وَبَيْنَ يَدَيْهَا وَخَلْفَهَا) أي من جهاتها كلها واضطربت في مكانها وارتفعت في شأنها متوجهة بجميع دواعيها إلى داعيها (فتقطّعت عروقها) أي المتعلقة بأصولها (ثمّ جاءت تحدّ الأرض تجرّ عروقها) حالان متداخلان أو مترادفان (مغبرّة) بتشديد الراء أو الباء (حَتَّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ الله) قال الدلجي لعله صلى الله تعالى عليه وسلم رد عليها السلام مكافأة لها لا وجوبا إذ ليست مكلفة انتهى وتعليله غير مستقيم كما لا يخفى (قال) وفي نسخة فقال (الأعرابيّ مرها فلترجع إلى منبتها) بكسر الموحدة سماعا وتفتح قياسا (فرجعت) أي بعد أمره لها (فدلّت عروقها) بتشديد اللام أي أرسلتها ومكنتها (في ذلك) أي المكان قال التلمساني الموضع سقط عند العرفي وثبت عند غيره (فاستوت) أي قائمة (فقال الأعرابيّ ائذن لي) يقرأ في الوصل بسكون همزة الأصل وفي الابتداء بهمزة الوصل وإبدال همزة الأصل بالياء أي مرني (أسجد لك) جواب الأمر وفي نسخة صحيحة أن أَسْجُدْ لَكَ (قَالَ لَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يسجد لأحد) أي غير الله سبحانه وتعالى (لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) أي لما عليها من حقوقه. (قال فأذن لي) وفي نسخة فقال ائذن لي (أقبل) وفي نسخة أن أقبل (يديك ورجليك فأذن له) أي فقبلها.
(وفي الصّحيح) أي صحيح مسلم (في حديث جابر بن عبد الله) أي الأنصاري كما في نسخة وهما صحابيان جليلان (الطّويل) نعت الحديث (ذهب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم
يقضي حاجته) كناية عن فعل الغائط أو البول (فلم ير شيئا يستتر به) أي من عيون الينس والجن فتحير في أمره (فإذا بشجرتين) أي ثابتتين أو نابتتين (بشاطىء الوادي) أي في جانبه (فانطلق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي ذهب (إلى إحدهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال) أي لها كما في نسخة (انقادي عليّ) أي استسلمي لي واطيعيني (بإذن الله) أي بأمره وتيسيره (فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ) أي يلاينه وينقاد له وهو بالخاء والشينين المعجمات الذي جعل في أنفه خشاش وهو بالكسر عود يربط عليه حبل ويجعل في أنفه ويشد به الزمام لينقاد بسهولة ثم إن كان من شعر فهو خزامة أو من صفر أو حديد فهو برة بضم موحدة فتخفيف راء (وذكر) أي جابر (أنّه) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (فعل بالأخرى) أي من الشجرتين (كذلك) أي مثل ما فعل بالأولى (حتّى إذا كان بالمنصف) بفتح الميم وإسكان النون وفتح الصاد وتكسر أي وسط الطريق (بينهما) أي بين موضعيهما وهو بيان أو تأكيد (قال) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم للشجرتين (التئما) أي اجتمعا وانضما (عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَالْتَأَمَتَا. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى) أي لمسلم وغيره (فقال يا جابر قل لهذه الشّجرة) أي التي بشاطىء الوادي (يقول لك رسول الله الحقي) بفتح الحاء أي اجتمعي واتصلي (بصاحبتك) أي بنظيرتك وهي الشجرة التي في مقابلتك (حتّى أجلس خلفكما) أي فأقضى حاجتي مستترا بكما وفي أصل الدلجي حتى يجلس بناء على المعنى (ففعلت فرجعت) أي الشجرة عن حالتها التي كانت عليها وفي نسخة فزحفت بالزاء والحاء المهملة والفاء أي انتقلت من محلها (حتّى لحقت بصاحبتها فجلس خلفهما) الظاهر أن القضية متكررة وأن الشجرة الواحدة ما كانت تصلح أن تكون سترة (فخرجت أحضر) بضم الهمزة وسكون الحاء المهملة وكسر المعجمة أي أعدو وأجري وإنما فعل ذلك رضي الله تعالى عنه لئلا يحس به رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قريب منه فيأذي بقربه (وجلست أحدّث نفسي) أي بهذا الأمر الغريب والحال العجيب (فالتفتّ) أي فنظرت إلى أحد طرفي (فإذا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي فاجأته بغتة فأبصرته. (مقبلا والشّجرتان قد افترقتا) أي من محل اجتماعهما وانتقلتا إلى موضعهما (فقامت كلّ واحدة منهما على ساق) أي في منبتها (فوقف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقفة) أي خفيفة (فقال برأسه) أي فأومأ له أو فأومأ به إلى الشجرتين (هكذا يمينا وشمالا) تفصيل لما قبله إجمالا ولعله كان وداعا للشجرتين أو لمن هناك من الملائكة وأما قول الدلجي وقد تبعه التلمساني إذنا منه لهما بالرجوع إلى مكانهما فيأباه الفاء كما لا يخفى على أهل الوفاء.
(وروى أسامة بن زيد نحوه) أي كما رواه البيهقي وأبو يعلى بسند حسن عنه (قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم في بعض مغازيه) أي غزواته (هل تعني) بالفوقية أي تقصد وتعين (مكانا لحاجة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي لقضاء حاجته فيه وتصحف الدلجي وضبط لفظ تعني بالتحتية وتكلف بقوله هل استفهام اكتفى به عن المستفهم
عنه استهجانا للتصريح باسمه ومن ثمة بينه الراوي بقوله يعني مكانا لحاجته نعم هذا إنما يصح بناء على نسخة هل ترى يعني مكانا الخ وقد تبعه التلمساني فقال أي ترى أو تجد وهو أما أحذفه للعلم به وأما حذفه الراوي لأنه لم يسمعه أو لم يفهمه أو لم يجده في أصله انتهى وكله تكلف وتعسف مستغنى عنه (فَقُلْتُ إِنَّ الْوَادِيَ مَا فِيهِ مَوْضِعٌ بِالنَّاسِ) أي ليس فيه مكان مستقر بهم بل كله خال عنهم فما التفت إلى كلامه حيث لم يكن على وفق مرامه (فَقَالَ هَلْ تَرَى مِنْ نَخْلٍ أَوْ حِجَارَةٍ) أي ولو في بعد وأغرب التلمساني في قوله إن بالناس معمول إن أي غاص أو ملآن أو عامر أو كائن وكائن بعيد هنا ثم قال موضع يستتر فيه أو يقضي الحاجة وحذف للعلم به (قلت أرى نخلات) بفتح الخاء (متقاربات) بكسر الراء وتفتح وفي أصل التلمساني مقاربات (قَالَ انْطَلِقْ وَقُلْ لَهُنَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ) وفي نسخة أن رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَأْمُرُكُنَّ أَنْ تَأْتِينَ لِمَخْرَجِ رَسُولِ الله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي لتستره بكن (وقل للحجارة) أي لجنسها من الحجارات هنالك (مثل ذلك) أي كما قلته للنخلات من الإتيان لمخرجه (فقلت ذلك لهنّ فو الّذي بعثه بالحقّ) فيه تلويح إلى جواز القسم بالأمر العظيم ذكره الدلجي والصواب أنه قسم بفعل الله الكريم (لَقَدْ رَأَيْتُ النَّخَلَاتِ يَتَقَارَبْنَ حَتَّى اجْتَمَعْنَ وَالْحِجَارَةَ) أي ورأيت الحجارة (يتعاقدن حتّى صرن ركاما) بضم الراء أي متراكمة بعضها فوق بعض (خلفهنّ) أي وراء النخلات (فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ قَالَ لِي قُلْ لَهُنَّ) أي لمجموع النخلات والحجارة (يفترقن) أي ليفترقن أو مجزوم على جواب الأمر مبالغة في تأثيره لهن نحو قوله تعالى قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ الآية ثم قال جابر (والّذي نفسي بيده) وغاير بين القسمين تفننا (لرأيتهنّ) أي النخلات (والحجارة يفترقن) أي بجميع أفرادهن (حتّى عدن) بضم العين أي صرن على حالهن ورجعن (إلى مواضعهنّ وقال يعلى بن سيّابة) بسين مهملة بعدها تحتية مخففة مفتوحتين فألف فموحدة أمه وأبوه مرة وله صحبة أيضا حضر الحديبية وخيبر والفتح والطائف وفي تجريد الذهبي أن يعلى بن مرة بن وهب الثقفي بايع تحت الشجرة وله دار بالبصرة ولم يتعرض لكونه ابن سيابة وقد ذكره في التهذيب فجعلهما واحدا وكذا المزي جعلهما واحدا ثم قال وزعم أبو حاتم أنهما اثنان انتهى وسيأتي قريبا في كلام المصنف ما يؤيد الأول وقد روى حديثه هذا أحمد والبيهقي والطبراني بسند صحيح عنه أنه قال (كنت مع النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم في مسير) أي سير سفر (وذكر نحوا من هذين الحديثين وذكر) أي يعلى (فأمر) أي المصطفى (وديّتين) بفتح الواو وكسر الدال المهملة وتشديد التحتية أي نخلتين صغيرتين وضبطهما الشمني بفتح الواو فسكون الدال وتخفيف الياء (فانضمّتا) أي اجتمعتا وفي أصل الحجازي فانضما قال وصححه المزي بالتأنيث وكذا رأيته في النسخ المصححة (وفي رواية أشاءتين) بفتح الهمزة والشين المعجمة الممدودة بمعنى وديتين وضبط في نسخة بكسر الهمزة وهو سبق قلم مخالف لما في كتب اللغة (وعن غيلان بن سلمة الثّقفيّ) بفتحتين نسبة إلى قبيلة ثقيف وغيلان هذا بفتح الغين
المعجمة اسلم بعد الطائف وله عشر نسوة فأمره النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أن يمسك أربعا ويفارق سائرهن فذهب فقهاء الحجاز إلى أنه يختار أربعا كما شاء وفقهاء العراق إلى أن يمسك الأربع التي تزوجها أولا وهو ممن وفد على كسرى وخبره معه عجيب قال له كسرى ذات يوم أي ولدك أحب إليك فقال له غيلان الصغير حتى يكبر والمريض حتى يبرأ والغائب حتى يؤوب فقال له كسرى زه مالك ولهذا الكلام هذا من كلام الحكماء وأنت من قوم جفاة لا حكمة فيهم فما غذاؤك قال خبز البر قال هذا العقل من البر لا من اللبن والتمر وكان شاعرا توفي في آخر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم (مثله) أي نحو ما سبق مروي غيره (في شجرتين) أي من اجتماعهما وافتراقهما (وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم مثله في غزاة حنين) بفتح الغين أي غزوته (وعن يعلى بن مرّة) وهو أبوه (وهو ابن سيّابة) وهي أمه (أيضا) أي هما واحد لا اثنان كما توهم بعضهم (وذكر) أي يعلى (أشياء) أي من خوارق العادات (رآها من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فذكر أنّ طلحة) بالتنوين واحدة الطلح شجر عظيم من شجر العضاة وبه سمي طلحة (أو سمرة) تقدم أنها بضم الميم وأنها من شجر الطلح فأوشك من الراوي كذا قرره الشراح وارادوا الشك في رواية المبنى مع اتحاد المعنى والأظهر أن السمرة نوع خاص من جنس شجر الطلح ويحتمل أن يكون أو بمعنى بل (جاءت) أي إحديهما أو أخريهما (فأطافت به) أي المت به وقاربته على ما في القاموس وفي أصل الدلجي فطافت به أي دارت حوله صلى الله تعالى عليه وسلم (ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَنْبَتِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله تعالى عليه وسلم إنّها) أي الشجرة المذكورة (استأذنت) أي ربها (أن تسلّم عليّ) أي فأذن لها فجاءت وسلمت. (وفي حديث عبد الله بن مسعود) أي عند الشيخين (آذنت) بهمزة ممدودة وفتح الذال والنون أي اعلمت (النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم بالجنّ) أي بإتيانهم إليه وحضورهم لديه (ليلة استمعوا له) أي لقراءته أو لكلامه (شجرة) فاعل آذنت وهي سمرة على ما في بعض السنن قال الدلجي وفيه تلويح بأنه لم يرهم ولم يقرأ عليهم وإنما اتفق حضورهم في بعض أوقات قراءته انتهى وفيه أنه ثبت تصريح بتوجهه صلى الله تعالى عليه وسلم إليهم للقراءة عليهم وقد اخبر ببعض صورهم مما رآه لديهم نعم فيه إيماء بإتيان الشجرة في حضورهم حال الابتداء (وعن مجاهد عن ابن مسعود) نقل الحافظ العلاء عن أبي زرعة أنه مرسل ولا مضرة فإنه عند الجمهور حجة (في هذا الحديث) أي المتقدم آنفا (أنّ الجنّ قالوا من يشهد لك) أي بأنك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (قال هذه الشّجرة) أي الحاضرة (تعالي يا شجرة) بفتح اللام وسكون الياء وقد تكسر لامه كما قرئ في تعالوا بالضم وأغرب التلمساني حيث جزم بأن اللام مكسورة واقتصر عليها أي ارتفعي إلي عن مقامك واطلبي من عندي مرامك (فجاءت تجرّ عروقها) أي من محل أصولها (لها) أي لعروقها (قعاقع) بفتح القاف الأولى وكسر الثانية جمع قعقعة وهي حكاية حركة شيء يسمع له صوت من سلاح ونحوه (وذكر) أي مجاهد أو ابن مسعود (مثل
الحديث الأوّل) أي في مبناه (أو نحوه) أي باعتبار معناه من اتيان الشجرة وبيان الشهادة ورجوعها إلى مكانها الأول فتأمل (قال القاضي أبو الفضل) أي المصنف (فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ وَبُرَيْدَةُ وَجَابِرٌ وَابْنُ مَسْعُودٍ ويعلى بن مرّة وأسامة بن زيد) راعي الترتيب بينهم لا باعتبار مراتبهم بل على حسب روايتهم لكن كان حقه على هذا أن يقدم أسامة ويعلى على ابن مسعود وإلا فهو أجل الصحابة بعد الخلفاء الأربعة ثم قوله (وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وابن عبّاس) بناء على ما سيأتي عنهم وقوله (وغيرهم) أي كالحسن وابن فورك وابن إسحاق من الأئمة المذكورين هنا ومنهم عمر أو عمرو على اختلاف فيهما (قد اتّفقوا على هذه القصّة نفسها) أي باعتبار مبناها (أو معناها ورواها عنهم من التّابعين أضعافهم) أي في العدة لا في الرتبة (فصارت في انتشارها) أي في فشو هذه القصة (من القوّة حيث هي) أي على حالها الاول؛ (وذكر ابن فورك) بضم الفاء يضرف ويمنع وهو الأظهر (أنّه صلى الله تعالى عليه وسلم سار في غزوة الطّائف) وهي كانت في السنة الثامنة بعد الفتح وبعد حنين وفي أصل الدلجي زيد وحنين (ليلا) أي من الليالي (وهو وسن) بفتح الواو وكسر المهملة صفة مشبهة من الوسن بفتحتين وهو أول النوم ومقدمته ومنه السنة وأصلها الوسنة كالعدة والمعنى ليس بمستغرق في النوم بل هو نعسان (فاعترضته) أي ظهرت في عرض وجهه (سدرة) أي وهو سائر (فانفرجت له نصفين حتّى جاز) أي جاوز (بينهما وبقيت) أي تلك الشجرة (على ساقين) أي من غير التيام لهما (إلى وقتنا) أي هذا كما في نسخة (وهي) أي تلك الشجرة (هناك) أي في طريق الطائف (معروفة معظّمة) قلت ولعلها كانت في زمانهم وأما في وماننا هذا فليست مشهورة. (ومن ذلك) أي ومن قبيل ما ذكر من إجابة الشجرة (حديث أنس) كما رواه ابن ماجة والدارمي والبيهقي عَنْهُ (أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم ورآه) أي وقد رأى جبريل النبي عليهما الصلاة والسلام (حزينا) أي من تكذيب قومه له فالجملة حال من ضمير قال (أتحبّ أن أريك آية) أي علامة على صحة نبوتك وصدق رسالتك (قال نعم) أي أحب أن تريني آية من آيات ربي ليطمئن قلبي (فنظر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى شجرة) أي بعيدة كائنة (من وراء الوادي) أي الذي كان فيه والمعنى من قدامه أو خلفه (فقال) أي لجبريل ويحتمل عكس هذا القيل (ادع تلك الشّجرة) أي فدعاها (فجاءت تمشي) أي إليه (حتّى قامت) أي وقفت (بين يديه قال) كما مر (مرها فلترجع) أي إلى منبتها كما في نسخة وفي نسخة إلى مكانها أي فأمرها بالرجوع إلى محلها (فعادت إلى مكانها) أي مما كانت فيه أي في ابتداء حالها؛ (وعن عليّ نحو هذا) أي الحديث الذي رواه أنس (ولم يذكر) أي علي (فيه) أي في مرويه وفي نسخة فيها أي في هذه الرواية (جبريل) يعني بل فيه (قال) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على ما رواه أبو نعيم عنه (اللهمّ أرني آية) أي معجزة اطمئن بها وادفع الحزن عني بسببها ويكون من جملة نعتها (لا أبالي) أي لا أكترث ولا أحزن (من كذّبني بعدها فدعا شجرة) أي فجاءته (وذكر) أي على
(مثله) أي مثل حديث أنس (وحزنه صلى الله تعالى عليه وسلم لتكذيب قومه) أي لا لضيق حاله وقلة ماله فكان حزنه لأمر دينه ومرضاة ربه فإن قلت سبق في حديث هند بن أبي هالة أن ابن القيم قال إنه صلى الله تعالى عليه وسلم لا يجوز أن يكون حزنه على الكفار لأن الله تعالى قد نهاه عنه قلت لعل الحزن في الحديث المفسر هنا قبل النهي عن حزنه على الكفار على أن حزنه لتكذيب قومه لا يلزم أن يكون حزنا عليهم لجواز أن يكون لما نسبوه إليه مما هو معصوم منه وهو الكذب عليه (وطلبه) بالرفع أي واستدعاؤه (الآية) أي المعجزة (لهم) أي لاستقامة أمته أو إقامة حجته (لا له) أي لا للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم لكمال يقينه في معرفته وعدم تردد في طويته (وذكر ابن إسحاق) أي إمام المغازي وكذا رواه أبو نعيم عن أبي أمامة (أنّ النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم أرى ركانة) بضم الراء وهو ابن عبد يزيد صحابي صارعه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأما ركانة المصري الكندي غير منسوب فمختلف في صحبته كذا حققه الفيروز آبادي (مثل هذه الآية) أي المعجزة (في شجرة دعاها) أي طلبها (فأتت) أي جاءت إليه (حَتَّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ ارْجِعِي فرجعت) أي إلى محلها (وعن الحسن) أي برواية البيهقي مرسلا (أنّه صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَا إِلَى رَبِّهِ مِنْ قَوْمِهِ) أي بعضهم (وأنّهم يخوّفونه) أي بضربه أو حبسه أو إخراجه أو قتله (وسأله آية) أي علامة (يعلم بها) أي يزيد علمه بها ويطمئن قلبه بسببها (أن لا مخافة عليه) أن مخففة من المثقلة أي أنه كذا ذكره الدلجي والظاهر أن أن هنا مصدرية ومحلها نصب على المفعولية والمعنى يعرف بها عدم المخافة عليه من إيصال أذيتهم إليه (فأوحي إليه) بصيغة المفعول وفي نسخة بصيغة الفاعل وفي أخرى فأوحى الله إليه (أن ائت وادي كذا) وروي أرأيت وادي كذا أي أبصرت أو علمت وأن مصدرية أو تفسيرية (فيه شجرة) أي عظيمة وهي بالرفع مبتدأ خبره الجار قبله قال التلمساني أو بالنصب بفعل مضمر أي فانظر فيه شجرة أو اطلب انتهى ولا يخفى تكلفه بل تعسفه كما يدل عليه قوله (فادع غصنا منها) أي من الشجرة أو أغصانها (يأتك) وفي نسخة يأتيك بإثبات الياء على أنه مرفوع أو مجزوم على لغة (ففعل) أي ما ذكر (فجاء) أي الغصن منها (يخطّ الأرض خطّا) أي يشقها شقا بأثرها في الإتيان إليه (حتّى انتصب) أي وقف (بين يديه) أي أمامه وقدامه وأغرب التلمساني حيث فسر انتصب بقوله حبس وغرابته من جهة المبنى والمعنى لا تخفى (فحبسه ما شاء الله) أي من زمان بقائه لديه (ثمّ قال له ارجع كما جئت) أي على وجه خرق العادة (فرجع) أي يخط الأرض خطا حتى قام بمنبته (فَقَالَ يَا رَبِّ عَلِمْتُ أَنْ لَا مَخَافَةَ عليّ) أي بعد إراءتك لي هذه الآية وكان صاحب البردة أشار إلى هذه الزبدة بقوله:
جاءت لدعوته الأشجار ساجدة
…
تمشي إليه على ساق بلا قدم
كأنما سطرت سطرا لما كتبت
…
فروعها من بديع الخط في اللقم