الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) كنعته صلى الله تعالى عليه وسلم وآية الرجم مما في التوراة وبشارة عيسى به عليهما السلام مما في الإنجيل (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [المائدة: 15] ) أي مما يخفونه مما لا ضرورة إلى تبيينه أو عن كثير منكم لحلمه حيث لا يؤاخذه بجرمه (الآيتين) يعني قوله تَعَالَى قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
فصل [هَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ إِعْجَازِهِ بَيِّنَةٌ لَا نزاع فيها ولا مرية]
(هذه الوجوه الأربعة) أي المتقدمة في فصولها السابقة (من إعجازه) أي إعجاز القرآن (بيّنة) أي واضحة ولائحة (لا نزاع فيها) أي ليس لأحد فيها منازعة (ولا مرية) أي لا شك ولا شبهة (وَمِنَ الْوُجُوهِ الْبَيِّنَةِ فِي إِعْجَازِهِ مِنْ غَيْرِ هذه الوجوه) الأربعة الواردة في حق تعجيز الأمة (آي) بهمزة ممدودة أي آيات (وردت بتعجيز قوم) أي جماعة خاصة (في قضايا) أي أحكام مختصة (وإعلامهم) بالجاي وبإخباره تعالى عنهم (أنّهم لا يفعلونها) أي كقوله تعالى وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً وأما شرح الدلجي بقوله ولن يفعلوا ففيه أن هذا من الأمور العامة لا من القضايا الخاصة (فما فعلوا ولا قدروا على ذلك) أي بل عجزوا عن المعارضة هنالك (كقوله لليهود) على ما نص عليه في سورة الجمعة بقوله قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لله الآية (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ) أي الجنة وما فيها من المثوبة (عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً [البقرة: 94] ) أي لكم (مِنْ دُونِ النَّاسِ) أي باقيهم أو المؤمنين كما ادعيتم بقولكم لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً (الآية) أي فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أي في دعواكم على وفق متمناكم لأن من أيقن أنه من أهل الجنة اشتاقها وأحب الخلاص من دار الأكدار إليها وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ أي من الأعمال السيئة الموجبة لدخول النار المؤبدة (قال أبو إسحاق الزّجّاج) بتشديد الجيم الأولى (فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَعْظَمُ حُجَّةٍ وَأَظْهَرُ دَلَالَةٍ على صحّة الرّسالة لأنّه) أي الله سبحانه وتعالى (قال لهم فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ [الْجُمُعَةِ: 6] وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُمْ لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أبدا فلم يتمنّه واحدا منهم وعن النّبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَقُولُهَا) أي لا يتمناه بهذه التمنية أو لا يتصور في نفسه هذه الأمنية (رجل منهم إلّا غصّ بريقه) بفتح الغين المعجمة وتشديد الصاد المهملة لا بضم أوله لأنه لازم لا يبني مفعول له ذكره الدلجي والظاهر ما ضبطه في بعض النسخ من أنه بصيغة المجهول وأن معناه شرق بريقه في حلقه بعد بلعه وفي القاموس الغصة الحزن وما اعترض من الحلق فأشرق (يعني يموت مكانه) الأظهر مات مكانه ولفظ الحديث هذا رواه البيهقي من طريق الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مرفوعا ورواه أحمد بسند جيد عن ابن عباس عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ولفظه لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا (فصرفهم الله عن تمنّيه) أي تمنى الموت (وجزّعهم) بتشديد الزاء أي أدخل الخوف قلوبهم
(ليظهر) بضم الياء وكسر الهاء أو بفتحهما أي ليبين أو يتبين (صدق رسوله) أي في دعوى رسالته (وصحّة ما أوحي إليه) بصيغة المفعول له أو الفاعل (إذ لم يتمنّه) أي الموت (أحد منهم وكانوا على تكذيبه أحرص) أي من غيرهم (لو قدروا) أي على ما أمكنهم من المكيد (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ فَظَهَرَتْ بِذَلِكَ) أي بصرفهم عن تمنيهم مع كونهم على تكذيبه أحرص من غيرهم (معجزته وبانت) أي ظهرت (حجّته؛ قال أبو محمّد الأصيليّ) بفتح فكسر (من أعجب أمرهم أنّه) أي الشأن (لا يوجد منهم جماعة ولا واحد) أي منهم (من يوم أمر الله بذلك نبيّه) أي بقوله تعالى قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ إلى قوله فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ (يقدم عليه) بضم الياء وكسر الدال أي على تمني الموت (ولا يجيب إليه) أي إلى تمنيه إذا قيل له تمنه (وهذا) أي امتناعهم من تمنيه (موجود) أي ثابت فيما بينهم (مشاهد) بفتح الهاء أي معلوم (لمن أراد أنّ يمتحنه منهم، وكذلك) أي مثل ما تقدم من آية التمني (آية المباهلة) بفتح الهاء من البهلة وتضم اللعنة فهي الملاعنة والدعاء باللعنة على الظالم من الفريقين وبأهل بعضهم بعضا وتباهلوا أي تلاعنوا والابتهال الاجتهاد في الدعاء واخلاصه (من هذا المعنى) أي من حيثية عدم الإجابة إلى ما دعت إليه الآية (حيث وفد) بفتح الفاء أي قدم (عليه أساقفة نجران) جمع أسقف بضم الهمزة والقاف وتشديد الفاء رئيس دين النصارى وقاضيهم ونجران بنون مفتوحة وجيم ساكنة بلدة كان فيها النصارى بين مكة واليمن على نحو سبع مراحل من مكة (وأبوا الإسلام) بفتح الهمزة والباء وضم الواو أي وامتنعوا عن قبول الإسلام والإيمان وأصروا على اعتقادهم الفاسد في حق عيسى عليه السلام (فأنزل الله تعالى عليه آية المباهلة) أي الملاعنة (بقوله: فَمَنْ حَاجَّكَ) أي جادلك وخاصمك (فِيهِ [آل عمران: 61] ) أي في عيسى عليه السلام وأنكر خلقه وزعم أنه إله يعبد (الآية) يعنيى فَقُلْ تَعالَوْا أي هلموا بالعزم والرأي نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ أي يدع كل منا نفسه وأعز أهله وألصقهم بقلبه فتقديمهم على الأنفس لمخاطرة الإنسان لنفسه لهم ومدافعته عنهم كذا ذكره الدلجي والأظهر أن المراد بأنفسنا أقرب أقاربنا كما سيأتي خروجه صلى الله تعالى عليه وسلم مع الحسنين وفاطمة وراءهما وعلي وراءها فترتيبهم على مراتبهم ويؤخذ منه علو مناقبهم ثُمَّ نَبْتَهِلْ أي نتضرع إلى رب العالمين فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ أي منا ومنكم (فامتنعوا منها) أي بعد ما دعاهم إليها (ورضوا بأداء الجزية) أي عوضا عنها (وَذَلِكَ أَنَّ الْعَاقِبَ عَظِيمَهُمْ قَالَ لَهُمْ قَدْ علمتم أنّه نبيّ) أي بما جاءكم من أمر الحق من ربكم (وأنّه ما لاعن قوما نبيّ قطّ) أي أبدا (فبقي كبيرهم ولا صغيرهم) وتمام الحديث فإن أبيتم إلا الف دينكم فوادعوه وانصرفوا فأتوه وهو محتضن حسينا وآخذ بيد الحسن وفاطمة تمشي وراءه وعلي وراءها وهو يقول إذا دعوت فأمنوا فقال اسقنهم يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله فلا تباهلوا فتهلكوا فأذعنوا له وبذلوا له الجزية كل سنة ألفي حلة وثلاثين