المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [فإن قلت إذا تقرر من دليل القرآن وصحيح الأثر] - شرح الشفا - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأوّل

- ‌[المقدمة]

- ‌ترجمة القاضي عياض

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌القسم الأول [في تعظيم العلي الأعلى جل وعلا]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ [فِيمَا جَاءَ من ذلك مجيء المدح والثناء]

- ‌الفصل الثّاني [في وصفه تعالى بالشهادة وما تعلق به من الثناء والكرامة]

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ [فيما ورد من خطابه تعالى إياه مورد الملاطفة والمبرة]

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُ [فِي قَسَمِهِ تَعَالَى بِعَظِيمِ قَدْرِهِ صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الفصل الخامس في قسمه

- ‌الْفَصْلُ السَّادِسُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى في جهته عليه الصلاة والسلام مورد الشفقة والإكرام]

- ‌الفصل السّابع [فيما أخبره الله بِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ عَظِيمِ قَدْرِهِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّامِنُ [فِي إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقَهُ بصلاته عليه وولايته له]

- ‌الْفَصْلُ التَّاسِعُ [فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْفَتْحِ مِنْ كراماته عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْعَاشِرُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كتابه العزيز من كراماته عليه ومكانته عنده]

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي تَكْمِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ المحاسن خلقا وخلقا]

- ‌فصل [قال القاضي رحمه الله تعالى إذا كانت خصال الكمال والجلال]

- ‌فصل [إن قلت أكرمك الله تعالى لا خفاء على القطع بالجملة]

- ‌فصل [وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُفُورُ عَقْلِهِ وَذَكَاءُ لُبِّهِ وَقُوَّةُ حَوَاسِّهِ وفصاحة لسانه واعتدال حركاته وحسن شمائله]

- ‌فصل [وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول]

- ‌فصل [وأما شرف نسبه وكرم بلده ومنشأه]

- ‌فصل [وأما تَدْعُو ضَرُورَةُ الْحَيَاةِ إِلَيْهِ مِمَّا فَصَّلْنَاهُ فَعَلَى ثلاثة ضروب الضرب الأول]

- ‌فصل [وأما الضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته والفخر بوفوره]

- ‌فصل [وأما الضرب الثالث فهو ما تختلف فيه الحالات]

- ‌فصل [وأما الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [وأما أَصْلُ فُرُوعِهَا وَعُنْصُرُ يَنَابِيعِهَا وَنُقْطَةُ دَائِرَتِهَا فَالْعَقْلُ]

- ‌فصل [وأما الحلم]

- ‌فصل [وأما الجود]

- ‌فصل [وأما الشجاعة والنجدة]

- ‌فصل [وأما الحياء والإغضاء]

- ‌فصل [وأما حسن عشرته وآدابه]

- ‌فصل [وأما الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق]

- ‌فصل [وأما خلقه صلى الله تعالى عليه وسلم في الوفاء]

- ‌فصل [وأما تواضعه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما عدله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته]

- ‌فصل [وأما وقاره صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما زهده صلى الله تعالى عليه وسلم في الدنيا]

- ‌فصل [وأما خوفه صلى الله تعالى عليه وسلم من ربه عز وجل]

- ‌فصل [اعلم وفقنا الله تعالى وإياك أن صفات جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قد آتيناك أكرمك الله سبحانه من ذكر الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [في تفسير غريب هذا الحديث ومشكله]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ ومشهورها بتعظيم قدره عند ربه عز وجل]

- ‌الفصل الأول [فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ مَكَانَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عز وجل]

- ‌فصل [في تفضيله صلى الله تعالى عليه وسلم بما تضمنته كَرَامَةُ الْإِسْرَاءِ]

- ‌فصل [ثم اختلف السلف والعلماء هل كان إسراء بروحه أو جسده]

- ‌فصل [إبطال حجج من قال أنها نوم]

- ‌فصل [وأما رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم لربه عز وجل]

- ‌فصل [في فوائد متفرقة]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَظَاهِرُ الآية من الدنو والقرب]

- ‌فصل [في ذكر تفضيله في القيامة بخصوص الكرامة]

- ‌فصل [في تفضيله بالمحبة والخلة]

- ‌فصل [في تفضيله بالشفاعة والمقام المحمود]

- ‌فصل [في تفضيله فِي الْجَنَّةِ بِالْوَسِيلَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ وَالْكَوْثَرِ وَالْفَضِيلَةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ إِذَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلِيلِ الْقُرْآنِ وصحيح الأثر]

- ‌فصل [في أسمائه صلى الله تعالى عليه وسلم وما تضمنته من فضيلته]

- ‌فصل [في تشريف الله تعالى له بما سماه به من أسمائه الحسنى]

- ‌فصل [قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وها أنا أذكر نكتة]

- ‌الْبَابُ الرَّابِعُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَشَرَّفَهُ بِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ والكرامات]

- ‌فصل [اعلم أن الله عز وجل قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْمَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ]

- ‌فصل [اعلم أن معنى تسميتنا ما جاءت به الأنبياء معجزة]

- ‌فصل [في إعجاز القرآن العظيم الوجه الأول]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ إِعْجَازِهِ صُورَةُ نَظْمِهِ الْعَجِيبِ والأسلوب الغريب]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْإِعْجَازِ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ من الأخبار]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الرَّابِعُ مَا أَنْبَأَ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ القرون السالفة]

- ‌فصل [هَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ إِعْجَازِهِ بَيِّنَةٌ لَا نزاع فيها ولا مرية]

- ‌فصل [ومنها الروعة]

- ‌فصل [وَمِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْدُودَةِ كَوْنُهُ آيَةً بَاقِيَةً لا تعدم ما دامت الدنيا]

- ‌فصل [وَقَدْ عَدَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمُقَلِّدِي الْأُمَّةِ في إعجازه وجوها كثيرة]

- ‌فصل [في انشقاق القمر وحبس الشمس]

- ‌فصل [في نبع الماء من بين أصابعه الشريفة وتكثيره ببركته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ تَفْجِيرُ الْمَاءِ ببركته وانبعاثه]

- ‌فصل [ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته]

- ‌فصل [في قصة حنين الجذع له صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [ومثل هذا وقع في سائر الجمادات بمسه ودعوته]

- ‌فصل [في الآيات في ضروب الحيوانات]

- ‌فصل [في إحياء الموتى وكلامهم]

- ‌فصل [في إبراء المرضى وذوي العاهات]

- ‌فصل [في إجابة دعائه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في كراماته صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْغُيُوبِ]

- ‌فصل [في عصمة الله تعالى له صلى الله تعالى عليه وسلم من الناس وكفايته من آذاه]

- ‌فصل [ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم]

- ‌فصل [ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام وكراماته وباهر آياته أنباؤه مع الملائكة]

- ‌فصل [وَمِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ وَعَلَامَاتِ رِسَالَتِهِ مَا تَرَادَفَتْ]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ عِنْدَ مولده عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى قد أتينا في هذا الباب]

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌فصل [فإن قلت إذا تقرر من دليل القرآن وصحيح الأثر]

القصور وقد اخطأ التلمساني بقوله صوابه فيهن (ما يصلحهنّ) بضم الياء وكسر اللام أي ما يصلح القصور ويزينهن ويحسنهن من الخدم والأزواج والأثاث وأصناف الحور وأنواع الحبور. (وفي رواية أخرى) أي مبينة للأولى (وفيه) أي وفي كل قصر (ما ينبغي) أي يليق (له من الأزواج) أي نساء الجنة من الحور وغيرها من نساء الدنيا وهن أفضلهن وأكملهن جمالا لما قدمن في الدنيا أعمالا (والخدم) أي من غلمان كأنهن لؤلؤ مكنون والله تعالى أعلم وقد ذكر الدارقطني من طريق مالك بن مغول عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إن الله تعالى أعطاني نهرا يقال له الكوثر لا يشاء احد من أمتي أن يسمع خرير ذلك الكوثر إلا سمعه فقلت يا رسول لله كيف ذلك قال أدخلي أصبعيك في اذنيك وسدي فالذي تسمعين فيهما من خرير الكوثر ونقله السهيلي ذكره التلمساني.

‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ إِذَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلِيلِ الْقُرْآنِ وصحيح الأثر]

(فإن قلت إذا تقرّر) أي ثبت وتحرر (من دليل القرآن وصحيح الأثر) وفي نسخة الآثار ووقع في أصل الدلجي الأخبار (وإجماع الأمّة) أي من اتفاقهم (كونه أكرم البشر) يعني والبشر خير من الملك كما هو مقرر (وأفضل الأنبياء) وهم أعم من الرسل (فَمَا مَعْنَى الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِنَهْيِهِ عَنِ التَّفْضِيلِ) أي بين الأنبياء (كَقَوْلِهِ فِيمَا حَدَّثَنَاهُ الْأَسَدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا السَّمَرْقَنْدِيُّ ثنا) أي حدثنا (الفارسيّ) بكسر الراء وهو عبد الغفار (حدّثنا الجلوديّ) بضم الجيم واللام (حدّثنا ابن سفيان) وهو إبراهيم (حدّثنا مسلم) وهو صاحب الصحيح (حدّثنا محمّد بن مثنّى) وفي نسخة محمد بن مثنى بضم ميم وفتح مثلثة وتشديد نون منون (حدّثنا محمّد بن جعفر) وهو غندر وقد تقدم (حدّثنا شعبة) أي ابن الحجاج (عن قتادة سمعت أبا العالية) يراد به هنا رفيع بن مهران فإنه الذي يروي عنه قتادة وأما زياده بن فيروز فيروي عنه أيوب السختياني ومطر الوراق وبديل بن هبيرة كما حققه الحلبي (يَقُولُ حَدَّثَنِي ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم يعني) أي يريد به (ابن عبّاس) وهو عبد الله (عن النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) قال الحلبي وهذا الحديث في البخاري ومسلم وأبي داود (قال ما ينبغي) أي ما يصح أو ما يصلح (لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بن متّى) بفتح الميم وتشديد المثناة فوق مقصورا وقد تقدم أنها أمه والمراد بعبد كل مكلف ثم يختلف الحكم بمرجع أنا فإن لم يكن نبينا فقد كفر لما فيه من الانتقاص الذي بمثله كفر إبليس إذ قال أنا خير منه وإن كان نبيا فينبغي له التواضع لما أكرم به النبوة كذا قرره الدلجي والظاهر أنه صلى الله تعالى عليه وسلم يريد أنه لا يجوز لأحد من أمتي أن يعظمني وأن يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى تفضيلا لي عليه وهذا من كمال التواضع لديه قال التوربشتي وإنما خص يونس بالذكر دون غيره من الرسل لما قصه الله تعالى في كتابه عنه من توليه عن قومه وتضجره منهم وقلة صبره فقال

ص: 482

وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ وقال وَهُوَ مُلِيمٌ وقال إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ

فلم يأمن صلى الله تعالى عليه وسلم أن يخامر بواطن ضعفاء أمته ما يؤدي إلى تنقيصه فبين أن ذلك ليس بقادح فيما منحه الله له من كرامة النبوة وشرف الرسالة وأنه مع ما صدر منه كإخوانه من المرسلين انتهى وقد يقال وجه تخصيصه من بين الأنبياء لكونه صلى الله تعالى عليه وسلم لما وقع عروجه إلى السماء ليلة الإسراء وحصل له مقام قاب قوسين أو أدنى مع سائر الكرامات وكان معراج يونس بطن الحوت في الظلمات لربما يتوهم متوهم أن معراج السموات أقرب إلى الرب فيكون صاحبه أفضل وأحب فدفع بأن الأمكنة بالنسبة إلى الله تعالى مستوية إذ هو بذاته تعالى منزه عن المكان ولو كان أعلى في ظهور الشأن (وَفِي غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال يعني) أي يريد أبو هريرة بالقائل (رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ما ينبغي لعبد الحديث) أي الخ كما تقدم (وفي حديث أبي هريرة) أي كما رواه الشيخان (في اليهودي الذي قال) أي حين استب هو ورجل من الأنصار (والذي اصطفى موسى على البشر) أي في زمانه ولكنه بإطلاقه المتبادر كان يعم نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم بحسب الظاهر (فلطمه رجل من الأنصار) أي غيرة على نبينا المختار (وقال تقول ذلك) أي أتقول هذا القول (والنبي بين أظهرنا) أي بيننا موجود وطالعنا بطلوعه مسعود (فبلغ ذلك) أي الخبر (النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي فدعا الأنصاري فأخبره بذلك (فقال لا تفضّلوا) بضم أوله وتشديد الضاد المكسورة أي لا توقعوا التفضيل (بين الأنبياء) يعني بمجرد الأهواء والآراء وزاد بعضهم ثم قال وَلَا أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلَ مِنْ يُونُسَ بن متى ثم إن النسخ والأصول بالضاد المعجمة وأعرب الدلجي حيث قال ومعناه بالصاد المهملة أي لا تفرقوا بينهم بتفصيل وبالمعجمة لا توقعوه بينهم انتهى وهو صحيح المعنى وإنما الكلام في ثبوت المبنى مع ما فيه من معارضته لقوله تَعَالَى تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ فلا بد من اعتقاد التفضيل بالإجمال أو التفصيل وأما قوله تعالى لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ فالمعنى نؤمن بكلهم تعريضا لليهود فيما حكاه الله تعالى عنهم ويقولون نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ، (وفي رواية) أي للشيخين ولأبي داود والنسائي (لا تخيّروني) بضم التاء وكسر الياء المشددة لا تفضلوني (على موسى) قاله تواضعا أو ردعا عن تفضيل يوجب نقيصة أو فتنة مفضية إلى عصبية وحمية جاهلية أو كان هذا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ والله تعالى أعلم (فذكر) أي الراوي (الحديث) أي بقيته وهي قوله قال فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأصعق فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان فيمن استثنى الله تعالى وفي رواية فلا أدري أجوزي بالصعقة أم لا وهي لغة أن يغشى على الإنسان من صوت شديد سمعه وربما مات ثم استعمل في الموت كثيرا والمراد بها ههنا ما أفاده وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً قال المصنف رحمه الله تعالى وهذا من أشكل الاحاديث لأن موسى مات فكيف يصعق وإنما يصعق الأحياء فيتحمل أن تزن هذه الصعقة صعقة فزع بعد

ص: 483

البعث حين تنشق السماء ويؤيده قوله فأفاق فإنه إنما يقال أفاق من الغشي وبعث من الموت وبه جزم التوربشتي حيث قال وأما الصعقة في الحديث فهي بعد البعث عند نفخة الفزع وأما البعث فلا تقدم لأحد على نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم فيه واختصاص موسى عليه السلام بهذه الفضيلة لا يوجب له تفضيلا على من فاز بسوابق جمة ولواحق عمة (وفيه) أي وفي هذا الحديث (وَلَا أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلَ مِنْ يُونُسَ بن متّى. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه) كما في رواية البخاري (مَنْ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ متّى) أي من جميع الوجوه. (فقد كذب) إذ قد يكون له خصوصية في نوع من الفضيلة قال الدلجي ويجوز رجوع أنا كما مر إليه صلى الله تعالى عليه وسلم أو إلى كل قائل أي لا يقول ذلك أحد وإن بلغ في العلم والعبادة أو غيرهما من الفضائل ما بلغ إذ لم يبلغ يونس من درجة النبوة انتهى ولا يخفى أن أنا في الحديث السابق يحتمل الاحتمالين وأما هنا فالاحتمال إلى القائل بعيد عن موضع تحقيق وتأييد لأن جزاءه حينئذ فقد كفر كما سبق فتدبر وأيضا ما كان أحد يتوهم منه أنه يدعي كونه أفضل من يونس حتى ينهى عنه وإنما كان يتوهم بعضهم أن نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم أفضل منه في أمر النبوة والرسالة أو في علو المرتبة وفضيلة الدرجة فنهاهم إما إعلاما بتسوية نسبة النبوة والرسالة وإما تواضعا لربه وهضما لنفسه وإما قبل علمه بعلو مقامه.

(وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى وَفِي حَدِيثِهِ) أي ابن مسعود (الآخر) أي الذي رواه مسلم وأبو داود والترمذي (فجاءه) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (رجل فقال يا خير البريّة) أي الخلق من برأه الله يبرؤه براءة خلقه فهو فعيل بمعنى مفعول والتاء للمبالغة في الكثرة وأصله مهموز كما قرأ به نافع وابن ذكوان ثم أبدلت الهمزة ياء وأدغمت وهي قراءة الباقين فقول صاحب النهاية ولم يستعمل مهموزا مبني على عدم علمه بالقراءة (فقال ذاك) وفي نسخة ذلك باللام (إبراهيم) قاله تواضعا وإكراما لكونه أبا أو لأنه أمرنا باتباعه أو قبل العلم بأنه أفضل منه. (فاعلم) جواب الشرط السابق أي فإن قلت الخ فاعلم (أنّ للعلماء في هذه الأحاديث) أي الناهية عن التفضيل بين الأنبياء (تأويلات) أي وجوها أربعة أو خمسة تقدم بيان بعضها في حل لفظها (أحدها) أي الوجه الأول منها (أنّ نهيه عن التفضيل) أي فيما بينهم (كَانَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ فَنَهَى عَنِ التَّفْضِيلِ إِذْ يَحْتَاجُ إِلَى توقيف) أي إلى سماع في تفضيل الأنبياء إذ لا درك فيه لعقول العلماء (وأنّ من فضّل) أي أحدا منهم على غيرهم (بلا علم) أي يقيني أو ظني يصلح للاستدلال (فقد كذب) أي في ذلك المقال، (وكذلك) أي مأول (قَوْلُهُ لَا أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْهُ) أي من يونس (لا يقتضي تفضيله هو) أي يونس على إطلاقه وقد أبعد الدلجي في قوله أي هو صلى الله تعالى عليه وسلم على يونس لدخوله في عموم النكرة في سياق النفي انتهى ووجه غرابته لا يخفى مع عدم ملائمته للمدعي بحسب المعنى (وإنّما هو) أي قوله هذا (في الظّاهر كفّ) بتشديد الفاء أي منع منه صلى الله تعالى عليه وسلم لغيره (عن التّفضيل) إذ من شأنه أن يكون منشأ

ص: 484

للنقص أو التجهيل (الوجه الثّاني أنّه قاله صلى الله تعالى عليه وسلم على طريق التّواضع) أي مع إخوانه وأقرانه أو لربه في عظمة شأنه (ونفي التّكبّر، والعجب) أي عن باطنه تعليما لأمته وإرشادا إلى طريقته (وهذا) أي الوجه من التأويل (لا يسلم من الاعتراض) أي في صحة التعليل فإن عدم جريه على موجب علمه أخبار بخلاف وقوعه وهو ينافي منصب النبوة وفيه أن هذا الاعتراض إنما يرد لو ثبت نفيه تواضعا بعد علمه بكونه أفضل الأنبياء أو بتفصيل التفضيل بين الأصفياء وأما قبل العلم فلا يرد اعتراض أصلا مع احتمال حمل التواضع من حيث إنه لا مفضول إلا وقد يوجد فيه ما لا يوجد في الفاضل فليس أحد منهم أفضل مطلقا على أن من تواضع لله رفعه الله وقد أبعد التلمساني حيث قال الاعتراض هو أنه لا يظهر حينئذ فائدة تخصيص يونس عليه السلام بالذكر انتهى وتبعه الأنطاكي وبعد كلامهما لا يخفى لأنه كما قال الخطابي إنما خص يونس عليه السلام لأن الله تعالى لم يذكره في جملة أولي العزم من الرسل فكأنه قال فإذا لم آذن لكم أن تفضلوني على يونس فلا تفضلوني على غيره من أولي العزم بالأولى. (الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَلَّا يُفَضِّلَ بَيْنَهُمْ تَفْضِيلًا يُؤَدِّي إلى تنقّص بعضهم) أي طلب نقصان في المرتبة أو ظهور منقصة في المنقبة لبعضهم (أو الغض) بغين وضاد مشددة معجمتين أي النقص منهم جميعا كذا ذكره الدلجي وفيه أن النسخ كلها (منه) بضمير الإفراد الراجع إلى بعضهم فالاولى أن يفسر الغض بالإغماض الذي هو كناية عن الاعراض (لا سيّما) كلمة استثناء مركبة من سي بمعنى مثل ومن ما وهي إما موصولة فيرتفع الاسم بعدها خبر مبتدأ محذوف كما في جاء القوم لا سيما أخوك أي لا مثل الذي هو أخوك وأما زائدة فينجر ما بعدها بسي لأنها كما في أكرم القوم لا سيما أخيك أي لا مثل أخيك إكراما وقول امرئ القيس ولا سيما يوم بدارة جلجل ورد مرفوعا ومجرورا والمعنى هنا خصوصا إذا كان التفضيل المتنازع فيه (فِي جِهَةِ يُونُسَ عليه السلام إِذْ أَخْبَرَ الله عنه بما أخبر) أي في تنزيله بقوله ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم وبقوله فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ وبقوله إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ

فوقع النهي عن التفضيل عليه (لِئَلَّا يَقَعُ فِي نَفْسِ مَنْ لَا يَعْلَمُ) أي مقام قربه وأنه تداركه نعمة من ربه (منه) متعلق بيقع أي لئلا يقع في نفس الجاهل بمقامه من جهة منزلته (بذلك) أي بسبب ما أخبر الله عنه (غضاضة) بفتح أوله مرفوعة على أنها فاعل يقع أي نقص وحقارة (وانحطاط) أي تنزل (من رتبته) بضم الراء أي مرتبته (الرّفيعة) أي العالية التي هي أصل النبوة والرسالة (إذ قال تعالى) بدل من قوله إذ خبر الله تعالى (عنه) أي حكاية عن حاله ورواية عن مآله حيث قال في موضع (إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) أي فارق قومه وخرج عنهم حال كونه مغاضبا عليهم لإصرارهم على الكفر والعدوان وعدم رجوعهم إلى الإيمان والإحسان وكان خروجه وذهابه لم يكن عن إذن من الرحمن ولذا عبر عنه بقوله (إذ أبق) بفتح الباء وحكي كسرها (إلى الفلك المشحون) أي المملوء فإن أصل الإباق هو الهرب من السيد فحسن إطلاقه عليه ههنا لهربه من قومه بغير إذن ربه (فَظَنَّ أَنْ

ص: 485

لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ [الأنبياء: 8] ) أي لن نضيق عليه أو لن نقضي عليه بالعقوبة وينصره قراءته مثقلا وروى الزمخشري أن معاوية قال لابن عباس رضي الله تعالى عنه ضربتني أمواج القرآن البارحة فغرقت فيها فلم أجد لنفسي خلاصا إلا بك قال وما هي يا معاوية فقرأ هذه الآية فقال أو يظن نبي الله أن لا يقدر الله عليه فقال له هذا من القدر لا من القدرة قال ابن عرفة أي من الإرادة أي فظن أن لن نريد عقوبته (فَرُبَّمَا يُخَيَّلُ لِمَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ حَطِيطَتُهُ) أي حط مرتبته ونقص منزلته عن رتبة نبوته ورفعة رسالته (بذلك) أي بسبب ما ذكره ومن جهة ما أخبر (الوجه الرّابع منع التّفضيل) أي نهيه (في حقّ النّبوّة والرّسالة) أي باعتبار أصلهما وحقيقة ماهيتهما لا في ذوات الأنبياء وزيادة خصائص الأصفياء، (فإنّ الأنبياء فيها على حدّ واحد) أي سواء غير متعدد (إذ هي) أي مادة النبوة والرسالة (شيء واحد) وهو البعثة المجردة الحاصلة بالوحي فقط وتسمى النبوة أو منضمة إلى تبليغ الغير وتسمى الرسالة وهي في حد ذاتها شيء واحد (لا يتفاضل) أي بالنسبة إى أصحابها فلا يقال مثلا نبوة آدم أفضل من نبوة غيره منهم ونظيرها حقيقة الإيمان فإنها شيء واحد بالنسبة إلى المؤمنين حال الإيقان وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام لا تفضلوني على إخواني المرسلين فإنهم بعثوا كما بعثت. (وإنّما التّفاضل في زيادة الأحوال) أي الناشئة عنها من تحسين الأخلاق والأعمال (والخصوص) أي والخصوصيات في مقامات أرباب الكمال (والكرامات) أي المعجزات وخوارق العادات (والرّتب) أي ومراتب العبادات والمجاهدات. (والألطاف) أي وأنواع الملاطفة وأصناف المخالطة من حسن المعاشرة والمجاملة والمداراة مع الأمة كاختلاف مراتب أهل الإيمان من ظهور ثمرات الإيقان ونتائج الإحسان ولوايح العوارف ولوامع المعارف وخوارق العادات للأولياء ومراتب الاجتهادات للعلماء والأصفياء. (وأمّا النّبوّة في نفسها) وكذا الإيمان في حد ذاته (فلا تتفاضل) أي لا تفاوت في حالاتها ولا تتزايد في مقاماتها، (وإنّما التّفاضل بأمور أخر) أي كما سبقت الإشارة إليها (زائدة عليها) أي على حقيقتها (ولذلك منهم رسل) أي بعض الأنبياء موصوفون بزيادة وصف الرسالة على نعت النبوة (ومنهم أولو عزم) أي الجد والاحتياط والحزم (من الرّسل) أي بناء على أن من تبعيضية وهو المعتمد لا بيانية ثم هم مجموعون في آيتين إحديهما قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وفي تقديم منك إشعار بأوليته وأفضليته صلى الله تعالى عليه وسلم على بقيتهم والباقي ذكر على ترتيب وجودهم حين بعثتهم وإن كان بعض أفضل من بعض في مقام كرمهم وجودهم وسيرتهم (ومنهم) أي وكان من الأنبياء (من رفع مكانا عليّا) كإدريس عليه السلام وهو سبط شيث وجد نوح كما قال تعالى وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا أي رفع إلى السماء وقيل إلى الجنة، (ومنهم من أوتي الحكم) أي النبوة أو الحكمة أو فهم التوراة (صبيا) أي حال صغره كيحيى عليه السلام كما قال تعالى وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا قيل أوتي النبوة وهو ابن ثلاث سنين

ص: 486

وقيل قرأ التوراة وهو صغير (وأوتي) أي أعطي (بعضهم الزّبور) وهو داود عليه السلام ووقع في أصل التلمساني ههنا الزبر بضمتين جمعا أي صحفا مزبورة أي مكتوبة كما قال تعالى وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (وبعضهم البيّنات) أي المعجزات الظاهرات أو المبينات للنبوة بحسب الدلالات كعيسى عليه السلام كما قال تعالى وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ أي كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص والإخبار بالمغيبات (ومنهم من كلّم الله تعالى) كموسى كلمه مرتين ليلة الحيرة وعلى الطور (ورفع بعضهم درجات) تفضيلا له على غيره في المقامات وهو نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم إذ لا تحصى درجات كمالاته ولا تعد مراتب مقاماته وحالاته مع مشاركته لكل من الأنبياء في ظهور آياته واقتران زيادة معجزاته وخصوصياته ولعله أبهم اعتمادا على ما أفهم لأنه كالمتعين من حيث إنه الفرد الأكمل لا سيما في مقام الختم المؤذن بكونه الأفضل (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ [الإسراء: 55] الآية) فالتفضيل ثابت مقطوع به في الجملة بين أرباب النبوة وكذا بين أصحاب الرسالة لقوله (وقال) أي الله سبحانه وتعالى (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ [الْبَقَرَةِ: 253] ) أي بفضائل سنية وشمائل بهية وفواضل انسانية منزهة عن علائق جسمانية وعوائق شهوانية ونحوها في الدنيا ومراتب جلية ودرجات علية وأمثالها في العقبى فإن الدنيا مزرعة للآخرة (قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَالتَّفْضِيلُ الْمُرَادُ لَهُمْ هنا في الدّنيا) أي غير مقصور في العقبى لا أنه غير موجود في الأخرى (وذلك) أي سبب تفضيلهم في الدنيا (بثلاثة أحوال) أي يعرف بثلاثة أوصاف (أن تكون آياته) أي خوارق عاداته (ومعجزاته) أي المقرونة بالتحدي فهي أخص مما قبله (أبهر) أي أظهر (وأشهر) ولا شك أن معجزات نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم أظهر وأشهر ولو لم يكن إلا القرآن لكفى دليلا للبرهان (أو تكون أمّته أزكى) أي اتقى (وأكثر) أي أزيد من غيرهم كيفية وكمية أما الكيفية فقد قال تعالى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ وأما الكمية فقد ثبت أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال صفوف المؤمنين مائة وعشرون وأمتي منهم ثمانون وفي نسخة أظهر بالظاء المعجمة بدل أكثر والأظهر هو الأول فتدبر وعلى تقدير صحته فلعل معناه أغلب (أو يكون) أي النبي المفضل (في ذاته أفضل وأطهر) بالطاء المهملة أي أنور وقد تصحف بالمعجمة على الدلجي وفسره بأشهر ثم مما يدل على أفضلية نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم في ذاته أنه سبحانه وتعالى خلقه قبل جميع موجوداته بل جعله كالعلة الغائية في مراتب مخلوقاته وجعله أولا وآخرا في مقامات كائناته وجعل نور مشكاته محل فيوض أنوار ذاته واسرار صفاته ومعدن ظهور تجلياته هذا، (وفضله) أي وفضل كل نبي (فِي ذَاتِهِ رَاجِعٌ إِلَى مَا خَصَّهُ اللَّهُ به من كرامته) أي من إكرام الله له بمناقب عظيمة ومراتب جسيمة (واختصاصه) بالجر أي وإلى اختصاص كل نبي بمقام علي وحال جلي (من كلام) أي كما وقع لموسى في الطور ولنبينا في مقام دنا بل أدنى في معرض الظهور (أو خلّة) أي كما ثبت للخليل ولنبينا الجليل مع زيادة المحبة الخاصة

ص: 487

والحالة الجامعة بين المحبية والمحبوبية بل الوسيلة لكل محب ومحبوب في المرتبة المطلوبية والمجذوبية (أو رؤية) أي بصرية كما اختص به نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم على ما تقدم أو رؤية بصيرية وهي مقام المشاهدة برفع الحجب الجسمانية كما يحصل للكمل من الافراد الإنسانية (أو ما شاء الله من ألطافه) أي الخفية وهي بفتح الهمزة جمع لطف وهو برد دقيق (وتحف ولايته) أي العلية وهي بضم التاء وفتح الحاء جمع تحفة بمعنى الهداية، (واختصاصه) أي إياهم بالمراتب الجلية (وقد روي) كما في تفسير ابن أبي حاتم ومستدرك الحاكم عن وهب بن منبه (أنّ النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم قال: إنّ للنّبوّة) أي المقرونة بالرسالة (اثقالا) أي تكاليف مثقلة ذات مرارة تعرض لها بسبب التبليغ بشارة ونذارة كما أشار إليه قوله تعالى إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (وإنّ يونس) أي لعدم تحمله وغلبة ضجره في مقام صبره عند ترك انقياد قومه وإصرارهم وشدة عنادهم وتمادي أضرارهم (تفسّخ منها) أي انسلخ منها وتجرد عنها (تفسّخ الرّبع) بالنصب أي كتفسخه تحت الحمل الثقيل وهو بضم الراء وفتح الباء أي الفصيل وهو ولد الناقة يولد في الربيع والمعنى أن يونس عليه السلام لم يستطع أن يحمل أعباء النبوة كما أن الربع لا يستطيع أن يحمل الأثقال الكبيرة (فحفظ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي بنهيه عن التفضيل بينهم (موضع الفتنة من أوهام) التي هي أوهام (من يسبق إليه) أي إلى فهمه من وهمه والوهم هو الاحتمال المرجوح عند تردد حكم العقل (بسببها) أي بسبب اثقالها من سآمة وضجر وضيق نفس وقلة صبر (جرح) بفتح الجيم وسكون الراء أي طعن (في نبوّته) وفي نسخة بفتح حاء وراء وبجيم أي ضيق والظاهر أنه تصحيف (أو قدح) أي عيب (في اصطفائه) أي بالرسالة أو في اجتبائه الثابت في قوله تعالى فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (وحطّ في رتبته) أي وضع من رفعته (ووهن في عصمته) أي ضعف فيها بتوهمه ذلك (شفقة) على الحفظ أي راعي هذا المعنى المفاد من المبنى أي مخالفة (منه صلى الله تعالى عليه وسلم على أمّته) ورحمة على أهل ملته كيلا يقع أحد في وهدة غفلته وينزجر عن الإقدام على جرأته (وقد يتوجّه على هذا التّرتيب) أي على ما رتب من أن يونس ممن خصه الله تعالى بعهد النبوة والطاف الكرامة (وجه خامس وهو أن يكون) لفظ (أنا) أي في الحديث السابق (رَاجِعًا إِلَى الْقَائِلِ نَفْسِهِ أَيْ لَا يَظُنُّ) يعني لا يتوهم (أحد) أي من العلماء والأولياء (وإن بلغ من الزّكاء) أن وصلية أي وإن وصل من الفهم العالي وهو بالزاء في خط المصنف وعند العرفي بالذال المعجمة ومعناه قريب من الأول فتأمل (والعصمة) أي من الأفعال الردية (والطّهارة) أي من الأخلاق الدنية (ما بلغ) أي من الغاية والنهاية في مرتبة الولاية (أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ لِأَجْلِ مَا حَكَى الله تعالى عنه) أي من ظهور تضجره وتبرمه وقلة صبره على تمادي قومه في ترك الإيمان بما جاء به (فإنّ درجة النّبوّة أفضل) يروى أعظم (وأعلى) أي من درجة الولاية ولهذا فرق بين الحفظ والعصمة حيث خصت العصمة للأنبياء والحفظ للأولياء إذ لا يتصور

ص: 488