المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [وأما وفور عقله وذكاء لبه وقوة حواسه وفصاحة لسانه واعتدال حركاته وحسن شمائله] - شرح الشفا - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأوّل

- ‌[المقدمة]

- ‌ترجمة القاضي عياض

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌القسم الأول [في تعظيم العلي الأعلى جل وعلا]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ [فِيمَا جَاءَ من ذلك مجيء المدح والثناء]

- ‌الفصل الثّاني [في وصفه تعالى بالشهادة وما تعلق به من الثناء والكرامة]

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ [فيما ورد من خطابه تعالى إياه مورد الملاطفة والمبرة]

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُ [فِي قَسَمِهِ تَعَالَى بِعَظِيمِ قَدْرِهِ صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الفصل الخامس في قسمه

- ‌الْفَصْلُ السَّادِسُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى في جهته عليه الصلاة والسلام مورد الشفقة والإكرام]

- ‌الفصل السّابع [فيما أخبره الله بِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ عَظِيمِ قَدْرِهِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّامِنُ [فِي إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقَهُ بصلاته عليه وولايته له]

- ‌الْفَصْلُ التَّاسِعُ [فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْفَتْحِ مِنْ كراماته عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْعَاشِرُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كتابه العزيز من كراماته عليه ومكانته عنده]

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي تَكْمِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ المحاسن خلقا وخلقا]

- ‌فصل [قال القاضي رحمه الله تعالى إذا كانت خصال الكمال والجلال]

- ‌فصل [إن قلت أكرمك الله تعالى لا خفاء على القطع بالجملة]

- ‌فصل [وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُفُورُ عَقْلِهِ وَذَكَاءُ لُبِّهِ وَقُوَّةُ حَوَاسِّهِ وفصاحة لسانه واعتدال حركاته وحسن شمائله]

- ‌فصل [وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول]

- ‌فصل [وأما شرف نسبه وكرم بلده ومنشأه]

- ‌فصل [وأما تَدْعُو ضَرُورَةُ الْحَيَاةِ إِلَيْهِ مِمَّا فَصَّلْنَاهُ فَعَلَى ثلاثة ضروب الضرب الأول]

- ‌فصل [وأما الضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته والفخر بوفوره]

- ‌فصل [وأما الضرب الثالث فهو ما تختلف فيه الحالات]

- ‌فصل [وأما الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [وأما أَصْلُ فُرُوعِهَا وَعُنْصُرُ يَنَابِيعِهَا وَنُقْطَةُ دَائِرَتِهَا فَالْعَقْلُ]

- ‌فصل [وأما الحلم]

- ‌فصل [وأما الجود]

- ‌فصل [وأما الشجاعة والنجدة]

- ‌فصل [وأما الحياء والإغضاء]

- ‌فصل [وأما حسن عشرته وآدابه]

- ‌فصل [وأما الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق]

- ‌فصل [وأما خلقه صلى الله تعالى عليه وسلم في الوفاء]

- ‌فصل [وأما تواضعه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما عدله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته]

- ‌فصل [وأما وقاره صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما زهده صلى الله تعالى عليه وسلم في الدنيا]

- ‌فصل [وأما خوفه صلى الله تعالى عليه وسلم من ربه عز وجل]

- ‌فصل [اعلم وفقنا الله تعالى وإياك أن صفات جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قد آتيناك أكرمك الله سبحانه من ذكر الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [في تفسير غريب هذا الحديث ومشكله]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ ومشهورها بتعظيم قدره عند ربه عز وجل]

- ‌الفصل الأول [فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ مَكَانَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عز وجل]

- ‌فصل [في تفضيله صلى الله تعالى عليه وسلم بما تضمنته كَرَامَةُ الْإِسْرَاءِ]

- ‌فصل [ثم اختلف السلف والعلماء هل كان إسراء بروحه أو جسده]

- ‌فصل [إبطال حجج من قال أنها نوم]

- ‌فصل [وأما رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم لربه عز وجل]

- ‌فصل [في فوائد متفرقة]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَظَاهِرُ الآية من الدنو والقرب]

- ‌فصل [في ذكر تفضيله في القيامة بخصوص الكرامة]

- ‌فصل [في تفضيله بالمحبة والخلة]

- ‌فصل [في تفضيله بالشفاعة والمقام المحمود]

- ‌فصل [في تفضيله فِي الْجَنَّةِ بِالْوَسِيلَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ وَالْكَوْثَرِ وَالْفَضِيلَةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ إِذَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلِيلِ الْقُرْآنِ وصحيح الأثر]

- ‌فصل [في أسمائه صلى الله تعالى عليه وسلم وما تضمنته من فضيلته]

- ‌فصل [في تشريف الله تعالى له بما سماه به من أسمائه الحسنى]

- ‌فصل [قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وها أنا أذكر نكتة]

- ‌الْبَابُ الرَّابِعُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَشَرَّفَهُ بِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ والكرامات]

- ‌فصل [اعلم أن الله عز وجل قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْمَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ]

- ‌فصل [اعلم أن معنى تسميتنا ما جاءت به الأنبياء معجزة]

- ‌فصل [في إعجاز القرآن العظيم الوجه الأول]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ إِعْجَازِهِ صُورَةُ نَظْمِهِ الْعَجِيبِ والأسلوب الغريب]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْإِعْجَازِ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ من الأخبار]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الرَّابِعُ مَا أَنْبَأَ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ القرون السالفة]

- ‌فصل [هَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ إِعْجَازِهِ بَيِّنَةٌ لَا نزاع فيها ولا مرية]

- ‌فصل [ومنها الروعة]

- ‌فصل [وَمِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْدُودَةِ كَوْنُهُ آيَةً بَاقِيَةً لا تعدم ما دامت الدنيا]

- ‌فصل [وَقَدْ عَدَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمُقَلِّدِي الْأُمَّةِ في إعجازه وجوها كثيرة]

- ‌فصل [في انشقاق القمر وحبس الشمس]

- ‌فصل [في نبع الماء من بين أصابعه الشريفة وتكثيره ببركته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ تَفْجِيرُ الْمَاءِ ببركته وانبعاثه]

- ‌فصل [ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته]

- ‌فصل [في قصة حنين الجذع له صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [ومثل هذا وقع في سائر الجمادات بمسه ودعوته]

- ‌فصل [في الآيات في ضروب الحيوانات]

- ‌فصل [في إحياء الموتى وكلامهم]

- ‌فصل [في إبراء المرضى وذوي العاهات]

- ‌فصل [في إجابة دعائه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في كراماته صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْغُيُوبِ]

- ‌فصل [في عصمة الله تعالى له صلى الله تعالى عليه وسلم من الناس وكفايته من آذاه]

- ‌فصل [ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم]

- ‌فصل [ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام وكراماته وباهر آياته أنباؤه مع الملائكة]

- ‌فصل [وَمِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ وَعَلَامَاتِ رِسَالَتِهِ مَا تَرَادَفَتْ]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ عِنْدَ مولده عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى قد أتينا في هذا الباب]

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌فصل [وأما وفور عقله وذكاء لبه وقوة حواسه وفصاحة لسانه واعتدال حركاته وحسن شمائله]

بمثله صلى الله تعالى عليه وسلم مع قوله فإنه أي الشان لَا يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتِي إِلَّا طُمِسَتْ عَيْنَاهُ فهو بيان تنبيه لعلى وغيره ممن كان يعينه في غسله من أهل البيت أن لا يقصدوا رؤية عورته ليحترسوا ويحترزوا عن كشفها ووقوع نظرهم عليها هذا وعن ابن إسحاق لما اختلفوا هل يغسلونه في ثوبه أو لا نودوا أن اغسلوه في ثوبه انتهى والمراد بثوبه قميصه كما بينته في شرح الشمائل للترمذي، (وفي حديث عكرمة) وهو مولى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأحد فقهاء مكة وتابعيهم ومفسريهم لكنه أباضي خارجي (عن ابن عبّاس رضي الله عنهما كما رواه الشيخان عنه (أنّه صلى الله تعالى عليه وسلم نام حتّى سمع له) بصيغة المفعول (غطيط) أي صوت يخرج مع نفس النائم (فَقَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ قَالَ عِكْرِمَةُ لِأَنَّهُ صلى الله تعالى عليه وسلم. كان محفوظا) أي من أن يخامر قلبه نوم وإن خامر عينيه لحديث أنا معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا وأما نومه عن صلاة الصبح في الوادي وعن صلاة التهجد أحيانا فالأظهر أنه تجديد للوضوء ويجوز أن يكون عن نقض قبله أو بعده وقيل عن مخامرة قلبه مع ندرة ليبين لأمته لكنه مردود لما سبق من عموم الأوقات المفهوم من الحديث الذي تقدم والله أعلم.

‌فصل [وَأَمَّا وُفُورُ عَقْلِهِ وَذَكَاءُ لُبِّهِ وَقُوَّةُ حَوَاسِّهِ وفصاحة لسانه واعتدال حركاته وحسن شمائله]

(وأمّا وفور عقله) أي زيادته على عقل غيره (وذكاء لبّه) بفتح الذال المعجمة ممدودا أي حدة فهمه وسرعة دركه واللب أخص من العقل فإنه مختص بالعقل السليم والفهم القويم من لب الشيء خالصه وسره منه قوله تعالى إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (وقوّة حواسّه) بتشديد السين جمع حاسة من حس بمعنى أحس وهي أسباب علمه من سمع وبصر وذوق وشم ولمس يعم جميع البدن (وفصاحة لسانه) أي حسن تعبيره وبيانه (واعتدال حركاته) أي وسكناته من قيام وقعود ومشي ورقود ونحو ذلك (وحسن شمائله) أي من خلقه وخلقه (فلا مرية) بكسر الميم وتضم كما قرئ بهما في قوله تعالى فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ إلا أن الضم شاذ أي فلا شك (أنّه كان أعقل النّاس وأذكاهم) بالذال المعجمة أي أحدهم طبعا وأطيبهم نفعا، (ومن تأمّل صلى الله تعالى عليه وسلم) أي تفكر (تدبيره) أي نظره باعتبار عاقبته (أمر بواطن الخلق وظواهرهم) أي بتصرفه فيهما إلى حسن مآلهما (وسياسة العامّة والخاصّة) من سست الرعية سياسة أمرتها ونهيتها والظاهر أنها بكسر السين وأبدلت الواو ياء لحركة ما قبلها كالقيام والصيام فإنها من مادة السوس على ما في القاموس وقال الحلبي بفتح السين والظاهر أنه سبق قلم أو زلة قدم ثم المراد بالخاصة العالم والمتعلم وبالعامة من عداهم كما ورد الناس اثنان عالم ومتعلم والباقي همج رعاع اتباع لا يعبأ الله بهم وعن علي كرم الله وجهه وقد سئل عن العامة فقال همج رعاع اتباع كل ناعق لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق وأجمع الناس في تسميتهم على أنهم غوغاء وهم الذين إذا اجتمعوا غلبوا وإذا تفرقوا لم يعرفوا انتهى والغوغاء مأخوذ من غوغاء الجراد لأنه يركب بعضه بعضا

ص: 174

فسميت العامة باسمه لأجل الشبه الحاصل بينهما في الارتكاب أي يتبع بعضهم بعضا من غير فائدة ولا منفعة وإنما هم يقبلون لا لشيء ويدبرون لا لشيء (مع عجيب شمائله) أي أخلاقه العجيبة (وبديع سيره) بكسر ففتح جمع سيرة أي سيرة الغريبة (فضلا) مصدر لفعل محذوف يقع متوسطا بين نفي وإثبات لفظ ومعنى فالمعنى لم ينل أحد عقله يفضل فضلا (عمّا أفاضه) أي زيادة عما أبداه وبينه وأذاعه وأفشاه (من العلم) أي اعتقاديا وعمليا (وقرّره) أي أثبته وحرره (من الشّرع) بيان لما أفاضه وقرره وذلك كله (دون تعلّم سبق) أي له من غيره (ولا ممارسة) أي ملازمة (تقدّمت) أي منه لشيء من ذلك (ولا مطالعة للكتب منه لم يمتر) من الامتراء وهو جواب الشرط أي لم يشك (في رجحان عقله وثقوب فهمه) بضم المثلثة أي في سرعة دركه (لأوّل بديهة) أي في أول وهلة بدون تفكر ومهلة فكأنه يثقب العلم بقوة فهمه كما يثقب النجم الظلام بقوة ضوئه، (وهذا) أي ما ذكر (ممّا لا يحتاج إلى تقريره) أي ذكره وتحريره (لتحقّقه) وفي نسخة لتحققه أي لظهور تحققه وثبوت أمره عقلا ونقلا، (وقد قال وهب بن منبه) بتشديد الموحدة المكسورة وهو تابعي جليل من المشهورين بمعرفة الكتب الماضية روى عن ابن عباس وغيره من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وروى عنه ابن دينار وعوف الأعرابي وآخرون واتفقوا على توثيقه ويقال إنه ما وضع جنبيه على الأرض ثلاثين سنة وكان يقول لأن أرى في بيتي شيطانا أحب إلي من أن أرى وسادة لأنها تدعو إلى النوم وله إخوة منهم همام بن منبه وعمر بن منبه وهم من ابناء الفرس الذين بعث بهم كسرى إلى اليمين (قرأت في أحد وسبعين كتابا) أي من كتاب الله المنزلة وفي معارف ابن قتيبة قرأت من كتيب الله اثنين وَسَبْعِينَ كِتَابًا (فَوَجَدْتُ فِي جَمِيعِهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله تعالى عليه وسلم أرجح النّاس) أي الخلق (عقلا وأفضلهم رأيا) أي تدبيرا ناشئا من العقل الكامل الذي ينظر في بدء الأمر ودبره وأوله وآخره وقيل الرأي رأي القلب وهو ما رآه من حالة حسنة (وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فَوَجَدْتُ فِي جَمِيعِهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُعْطِ جَمِيعَ النَّاسِ مِنْ بَدْءِ الدُّنْيَا إِلَى انْقِضَائِهَا مِنَ الْعَقْلِ فِي جنب عقله صلى الله تعالى عليه وسلم إلّا كحبّة) أي لم يعطهم جميعا منه شيئا نسبته إلى عقله إلا كنسبة حبة (رمل من بين رمال الدّنيا) أي بالنسبة إلى رمالها وهو من باب تشبيه المعقول بالمحسوس والظاهر أنه كان أفضلهم رأيا في الأمور الدينية وكذا في الأعمال الدنيوية باعتبار الأكثرية أو حالة جزمه بالقضية فلا ينافيه حديث البخاري أنه صلى الله تعالى عليه وسلم رأى أهل المدينة يأبرون النخل بكسر الباء وضمها فسألهم عنه فقالوا كنا نفعله فقال لعلكم لو لم تفعلوا لكان خيرا فتركوه ففسد ذلك العام فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مثلكم فإذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوه وإذا أمرتكم بشيء من رأيي أي مع تردد فيه وعدم جزم بحسنه فإنما أنا بشر أخطئ وأصيب أي في غير ما أوحى إليه وحيا جليا أو خفيا كما أشار إليه قوله تَعَالَى قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ الآية (وقال مجاهد) أي كما رواه عنه ابن المنذر والبيهقي مرسلا بلفظ (كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. إذا قام في

ص: 175

الصّلاة) وفي نسخة إلى الصلاة والأظهر هو الأول فتأمل (يَرَى مِنْ خَلْفِهِ كَمَا يَرَى مِنْ بَيْنِ يديه) من فيهما جارة ويجوز أن تكون موصولة وكذا ما ورد مثلها مما سيأتي (وبه) أي وبما ذكر من أنه يرى من خلفه (فسّر) أي مجاهد (قوله تعالى: وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء: 218] ) بالنصب عطفا على الضمير المفعول في قوله سبحانه وتعالى وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ والمعنى ويرى تردد بصرك في من وراءك من المصلين لتصفح أحوالهم من الكاملين والغافلين (وفي الموطّإ) للإمام مالك عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (عنه عليه السلام وصدره أترون قبلتكم هذه فو الله لا يخفى علي ركوعكم ولا سجودكم، (إنّي لأراكم من وراء ظهري ونحوه) أي نحو حديث الموطأ بحسب المعنى (عن أنس) رضي الله تعالى عنه (في الصّحيحين) وهو ما روياه عن أنس مرفوعا اقيموا الركوع والسجود فو الله اني لأراكم من بعدي وربما قال من بعد ظهري إذا ركعتم وسجدتم، (وعن عائشة رضي الله عنها مثله) أي مثل ما في الصحيحين لفظا ومعنى (قالت) أي عائشة رضي الله تعالى عنها (زيادة) على ما سبق أي هذه المعجزة العظيمة والخصلة الكريمة زيادة فضيلة (زاده الله إيّاها في حجّته) أي لصحة نبوته (وفي بعض الرّوايات) أي لعبد الرزاق والحاكم (إِنِّي لَأَنْظُرُ مِنْ وَرَائِي كَمَا أَنْظُرُ مِنْ بين يديّ) فالموصولة متعينة فيهما وفي نسخة إلى ما وفي رواية كما انظر من بين يدي فالاحتمالان في من جائزان، (وفي أخرى) أي وفي رواية أخرى لمسلم (إِنِّي لَأُبْصِرُ مِنْ قَفَايَ كَمَا أُبْصِرُ مِنْ بين يديّ وحكى بقيّ بن مخلد) بفتح الموحدة وكسر القاف وتشديد التحتية ومخلد بفتح الميم واللام بينهما خاء معجمة وهو أبو عبد الرحمن القرطبي الحافظ صاحب المسند الكبير والتفسير الجليل الذي قال فيه ابن حزم ما صنف تفسير مثله أصلا سمع ابن أبي شيبة وغيره وكان مجتهدا ثبتا لا يقلد أحدا قال ابن حزم كان بقي ذا خاصة من أحمد بن حنبل وجاريا في مضمار البخاري ومسلم والنسائي انتهى وكان مجاب الدعوة وقيل إنه كان يختم القرآن كل ليلة في ثلاث عشرة ركعة ويسرد الصوم وحضر سبعين غزوة (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَ النَّبِيُّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَى فِي الظُّلْمَةِ كَمَا يَرَى في الضّوء) وفي رواية كما يرى في النور قال البيهقي إسناده ضعيف كما رواه أيضا من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان يرى بالليل في الظلمة كما يرى بالنهار في الضوء وقال ليس بقوي وقال ابن الجوزي لا يصح ولا ينافيه ما في روضة الهجرة للسهيلي من أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لما تزوج أم سلمة دخل عليها في ظلمة فأصابت رجله زينب فبكت ثم في ليلة أخرى دخل في ظلمة أيضا فقال انظروا ربائبكم لا أمشي عليها لاحتمال ما سبق على حالة من أحواله المسماة بالمعجزة والكرامة وهي لا تستدعي استيفاء الأوقات والمداومة فتحمل إحداهما على الندرة أو تخص تلك الحالة بوقت الصلاة هذا وقد ذكر النووي في شرح مسلم قال العلماء معناه أن الله خلق له صلى الله تعالى عليه وسلم إدراكا في قفاه يبصر به من ورائه وقد انخرفت العادة له صلى الله

ص: 176

تعالى عليه وسلم بأكثر من هذا وليس يمنع من هذا عقل ولا شرع بل ورد الشرع بظاهره فوجب القول به وذكر المصنف كما سيأتي أنه قال أحمد بن حنبل وجمهور العلماء هذه الرؤية رؤية العين حقيقة وذكر مختار بن محمود مصنف القنية الزاهد من أصحابنا الحنفية وشارح القدوري في رسالته الناصرية أنه عليه الصلاة والسلام كان بين كتفيه عينان مثل سم الخياط وكان يبصر بهما ولا يحجبهما الثياب (وَالْأَخْبَارُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ فِي رُؤْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم الملائكة والشّياطين) أما الأول فكرواية البخاري وغيره أنه رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ على كرسي بين السماء والأرض قد سد الأفق وقد رأى كثيرا منهم ليلة الإسراء وربما قيل إنه أمر فيهم ونهي وأما الثاني فكحديث البخاري أن عفريتا تفلت علي البارحة في صلاة المغرب وبيده شعلة من نار ليحرق بها وجهي فأمكنني الله منه فدفعته ثم أردت أن أربطه بسارية من سواري المسجد فذكرت دعوة أخي سليمان وفي رواية لولا دعوة أخي سليمان لأصبح يلعب به ولدان المدينة؛ (ورفع النّجاشيّ) بفتح النون وتكسر وبتشديد الياء وتخفف وقيل هو أول من لقب من ملك الحبشة واسمه كما في البخاري اصحمة وقيل صحمة أو صمحة كتب إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أشهد أنك رسول الله صادقا مصدقا قد بايعتك وأسلمت لله رب العالمين ورفع بصيغة المجهول والنجاشي وما عطف عليه مرفوع على نيابة الفاعل كما صرح به الحلبي وابعد الدلجي وجعله مخفوضا حيث قال وجاءت أيضا يعني الأحاديث في رفع النجاشي (له حتّى صلّى عليه) أي يوم مات في رجب سنة تسع من الهجرة وقد أخرج أبو داود من طريق يزيد بن مروان عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنه لما مات النجاشي كان يتحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور وأما حديث صلاته عليه فرواه الشيخان وغيرهما وبه استدل الشافعي على جواز الصلاة على الغائب وأما حديث رفعه له فظاهره أن المرفوع هو على نعشه حتى قيل إنه أحضر بين يديه فلم تقع الصلاة إلا لعى حاضر وقيل رفع له الحجاب وطويت له الأرض حتى رآه قال الدلجي وجميع ما ذكر وإن كان ممكنا وقوعه فدعوى بلا بينة إذ لم يشهد به كتاب ولا سنة ومن ثمة أنكره ابن جرير لعدم وجوده في خبر ورواية عالم في أثر وإنما الوارد في رواية أبي علي والبيهقي أن معاوية بن معاوية المزني رفع له وهو صلى الله تعالى عليه وسلم بتبوك حتى صلى عليه انتهى ولا يخفى أن ثبوت هذه القضية في الجملة مع ذلك الاحتمال ينفي التعلق بفعله صلى الله تعالى عليه وسلم في مقام الاستدلال كيف وقد جاء في المروي ما يومي إليه وهو ما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث عمران بن حصين أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال إن أخاكم النجاشي توفي فقوموا وصلوا عليه فقام عليه الصلاة والسلام وصفوا خلفه فكبر أربعا وهم لا يظنون أن جنازته بين يديه فهذا اللفظ يشير إلى أن الواقع خلاف ظنهم لأنه هو فائدته المعتد بها فإما أن يكون سمعه منه عليه الصلاة والسلام أو كشف له وقد صرح القسطلاني في شرح البخاري ناقلا عن أسباب

ص: 177

النزول للواحدي عن ابن عباس قال كشف للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم عن سرير النجاشي حتى رآه وصلى عليه وقال التلمساني ذكر ابن قتيبة في آداب الكتاب والكلاعي في النقاية أنه توفي ورفع إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حتى صلى عليه حين منصرفه من غزوة تبوك هذا مع أنه قد يقال إن ذلك خص به النجاشي فلا يلحق به غيره ودليل الخصوصية أنه لم يصل على غائب إلا عليه وعلى بعض آخر صرح فيه بأنه رفع له كما رواه الطبراني من حديث أبي أمامة وابن سعد في الطبقات عن أنس أن معاوية بن معاوية المزني ويقال الليثي نزل جبريل عليه الصلاة والسلام بتبوك فقال يا رسول الله إن معاوية بن معاوية المزني مات بالمدينة أتحب أن أطوي لك الأرض فتصلي عليه قال نعم فضرب بجناحه الأرض فرفع له سريره فصلى عليه وخلفه صفان من الملائكة في كل صف سبعون الف ملك ثم رجع فقال عليه الصلاة والسلام لجبريل بم أدرك هذا قال بحبه سورة قل هو الله أحد وقراءته إياها حائيا وذاهبا وقائما وقاعدا وعلى كل حال (وبيت المقدس) بفتح الميم وكسر الدال وجوز ضم ميمه وفتح داله المشددة وهو بالرفع أي ورفع له أيضا بيت المقدس كما في الصحيحين (حين وصفه لقريش) الظاهر حتى وصفه لقريش حين كذبوه في أخباره أنه أسرى به إليه ثم إلى ما شاء الله تعالى ثم رجع إلى مكة في ليلة وارتد كثير ممن اسلم وأخبروا أبا بكر بذلك فقال لهم والله لقد صدق أنه ليخبرني أن الخبر يأتيه من السماء في ساعة واحدة من ليل أو نهار فأصدقه وهو أبعد مما تعجبون منه ثم قال يا نبي الله صفه لي فإني جئته فرفع له حتى نظر إليه فطفق يصفه له ويصدقه وفي مسلم لقد رأيتني في الحجر وقريش فسألني عن مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس فكربت كربة ما كربت مثلها قط فرفعه الله لي فما سألوني عن شيء منه إلا أنبأتهم به. (والكعبة) أي ورفع الكعبة له أيضا حتى رآها (حين) وفي نسخة حتى (بنى مسجده) أي بالمدينة ليجعل محرابه إليها على ما رواه الزبير بن بكار في تاريخ المدينة عن ابن شهاب ونافع بن جبير بن مطعم مرسلا قال الدلجي وهو غريب والمعروف أن جبريل هو الذي اعلمه بها واراه سمتها لا أنها رفعت له حتى رآها بشهادة ما في جامع العتبية من سماع مالك قال سمعت أن جبريل هو الذي أقام له قبلة مسجده انتهى ولا يخفى أنه يمكن الجمع بينهما بأن اخبره جبريل ثم رفع له البيت الجليل أو بأن يحمل كل قضية على مسجد من مسجد المدينة وقبا فإن قيل لا خلاف في أنه أول قدومه المدينة كان يصلي إلى بيت المقدس إلى أن حولت القبلة بعد بنائه مسجده فكيف يجعل محرابه إلى الكعبة فالجواب أنه يمكن تقديم بناء المسجد وتأخير بناء المحراب إلى الكعبة بعد التحويل مع أنه قد يقال إنه صلى الله تعالى عليه وسلم صلى بعض الصلاة أول البناء إلى الكعبة ثم حول إلى بيت المقدس ثم حول إلى الكعبة ويؤيده خبر بعض نساء الأنصار كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حين بنى مسجده يؤمه جبريل إلى الكعبة ويقيم له القبلة وهذا ايضا يؤيد الجمع الأول فتأمل. (وقد حكى عنه صلى الله

ص: 178

تعالى عليه وسلم) قال التلمساني جاء ذلك في حديث ثابت من طريق العباس عمه عليه الصلاة والسلام ذكره ابن حيثمة (أَنَّهُ كَانَ يَرَى فِي الثُّرَيَّا أَحَدَ عَشَرَ نجما) والثريا تصغير ثروى وهي المرأة الكثيرة المال من الثروة وهي الكثرة النجم المعروف لكثرة كواكبه مع ضيق المحل وقال السهيلي الثريا اثنا عشر كوكبا وكان يراها كما جاء ذلك في حديث ثابت من طريق العباس وقال القرطبي لا تزيد على تسعة فيما يذكرونه انتهى ولعله بالنسبة إلى غيره صلى الله تعالى عليه وسلم وبالجملة فذلك لحدة بصره وقوة نظره ويقال لها النجم وهي أنجم لانها لا تفترق فهي كالواحد (وهذه) أي الأخبار المذكورة والآثار المسطورة (كلّها محمولة على رؤية العين وهو) أي هذا القول أو هذا الحمل وابعد الدلجي في قوله ذكره نظرا إلى ما بعده وهو (قول أحمد بن حنبل وغيره) أي من المحققين وهم الجمهور كما سبق والإمام أحمد من مرو وسكن ببغداد من صغره ومات بها رحمه الله تعالى وروى عنه الشيخان قال الأنطاكي تبعا للحلبي وروى عنه البغوي والظاهر أنه وهم (وذهب بعضهم) أي كالنووي في شرح مسلم (إلى ردّها إلى العلم) أي فهي رؤية علم وكشف قال المنجاني ومعنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى خلق له علما بجميع ما يفعل وراءه صلى الله تعالى عليه وسلم وذلك خروج عن ظاهر الحديث وإنما تميل إليه المعتزلة لأنهم يشترطون في الإدراك بنية مخصوصة تخلق له وأغرب الدلجي في قوله أي خلق الله تعالى له في قفاء قوة إدراكية يدرك بها من ورائه على طريق خرق العادة انتهى ولا يخفى أن مآله إلى أن الرؤية بصرية وأغرب من ذلك أنه لما ذكر هذا قال وأغرب مختار بن محمود الحنفي حيث قال وكان بين كتفيه عينان مثل سم الخياط لا يحجب بصرهما الثياب والله أعلم بالصواب، (والظّواهر تخالفه) أي ظواهر هذه الأخبار تخالف ما ذهب إليه البعض من العلماء الأخبار وأبعد بعضهم على ما ذكره المصنف في مشارق الأنوار حيث قال إنما هي بالتفاتة يسيرة إلى من ورائه معللا بأنه لو كان يرى من خلفه لما قال أيكم الذي ركع دون الصف فقال أبو بكر أنا يا رسول الله فقال زادك الله حرصا ولا تعد والجواب أن في نفس الحديث ما يدل على مدعانا إذ صرح بأنه رأى رجلا ركع قبل دخوله في الصف وعدم علمه بخصوص فاعله إما لبعده عنه وإما لكثرة الصفوف أو لاستغراق ونحوه مما يمنع التوجه إلى صوبه وتعمقه في قصده فرآه مجملا لا مفصلا مع أن خوارق العادات لا يلزم تحققها في جميع الأوقات وقال ابن عبد البر هذا قبل أن يمنحه الله بهذه الفضيلة فقد كانت خصائصه تتزايد في كل وقت وحين والله الموفق والمعين (ولا إحالة) مصدر أحاله والمحال هو الشيء الممتنع فالمعنى لا امتناع شرعا وعقلا وعادة (في ذلك) أي في كونه رواية عين بطريق المعجزة (وهي من خواصّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وخصالهم) أي المختصة بهم (كَمَا أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحمد) أي التميمي البستي (العدل من كتابه حدّثنا أبو الحسن المقرىء) أي العالم بعلم القراءة وهو نزيل مكة (الفرغانيّ) نسبة إلى فرغانة بالفتح بلد بالمغرب على ما

ص: 179

في القاموس وآخر بالمشرق والظاهر أنه المراد ههنا لقوله (حَدَّثَتْنَا أُمُّ الْقَاسِمِ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أبيها) وهو أبو بكر محمد بن إسحاق الكلابادي مؤلف كتاب الأخبار عن فوائد الأخيار وقيل الأخبار بفوائد الأخيار وكان بعد الأربعين والثلاثمائة (حَدَّثَنَا الشَّرِيفُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الحسني) قال التلمساني هو الشريف أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنهم قلت ولا يصح هذا لأن النسخ كلها متفقة على نسخة الحسنى بفتحتين والله سبحانه وتعالى أعلم (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن محمّد بن مرزوق) هو البصري يروي عن زيد بن هارون ومحمد بن عبد الله الأنصاري (حدّثنا همام) بفتح هاء فتشديد ميم وهو ابن يحيى بن دينار العودي قال الحلبي وغيره وصوابه هانىء بن يحيى وقال التلمساني هو همام بن الحارث النخعي الكوفي سمع حذيفة وعمارا وروى عنه إبراهيم النخعي انتهى والظاهر أنه وهم منه كما لا يخفى من مرتبة الإسناد والله أعلم بالصواب والسداد في المراد (حدّثنا الحسن) أي ابن أبي جعفر الجفري كما سيأتي قريبا وهو بضم الجيم وسكون الفاء نسبة إلى مكان بالبصرة وهو أحد الضعفاء (عن قتادة) تابعي جليل (عن يحيى بن وثاب) بتشديد المثلثة ثقة مقاله خاشع مقرئ يروي عن ابن عباس وابن عمر وعلقمة وعنه الأعمش وَغَيْرِهِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم قال: لمّا تجلّى الله تعالى) أي ظهر بلا كيف (لموسى عليه السلام أي في ضمن تجليه للجبل كما يشير إليه قوله تعالى فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فلا يحتاج إلى ما تكلف له الدلجي تبعا للمنجاني قوله ولا يعزب عنك أن المتجلى له كما ذكر في الآية إنما هو الجبل فالتقدير لما تجلى الله للجبل لأجل سؤال موسى أن يراه وتعسفه ظاهر مع أنه يفيد أنه لم يقع التجلي لموسى فلم يحصل ترتب بين لما وجوابها وهو قوله (كان يبصر) أي يرى كما في أصل التلمساني (النّملة على الصّفا) بالقصر أي الصخرة الملساء ولا يبعد أن يكون بالمد لمشاكلة قوله (في اللّيلة الظّلماء) أي شديدة الظلمة (مسيرة عشرة فراسخ) أي مقدارها تحديدا أو تقريبا أو تكثيرا والفرسخ فارسي معرب وهو ثلاثة أميال والميل منتهى البصر أو أربعة آلاف خطوة والخطوة ثلاثة اقدام معتدلة بوضع قدم أمام قدم يلصق به قال التلمساني يصح في شين عشرة الفتح والكسر والسكون وهو وهم منه لأن الوجوه الثلاثة إنما تجوز إذا ركبت العشرة مع غيرها من الأعداد المؤنثة المقدمة عليها كإحدى عشرة وأمثالها وأما عند الانفراد بها فلا يجوز إلا الفتح فيها ثم اعلم أن هذا الحديث رواه الطبراني في الصغير بنحوه هذا الإسناد وقال لم يروه عن قتادة إلا الحسن تفرد به هانئ قال الحلبي أما هانئ بن يحيى السلمي فذكره ابن حيان في الثقات وقال يخطئ وأما الحسن بن أبي جعفر الجفري فضعيف (ولا يبعد على هذا) أي على طبق هذا الحديث ووفقه من المعجزة المترتبة على التجلي الموجب

ص: 180

لتجلية الغين وتحلية العين (أن يختصّ) بصيغة الفاعل أو المفعول أي يصير مخصوصا (نبيّنا صلى الله تعالى عليه وسلم بما ذكرناه من هذا الباب) يعني زيادة قوة باصرة ذلك الجناب وأدخل الدلجي في العبارة ما ليس في الكتاب (بعد الإسراء) أي بعد اسرائه إلى سدرة المنتهى (والحظوة) بضم الحاء وتكسر أي وبعد الحظ والحظاء (بما رأى من آيات ربّه الكبرى) أي من عجائب الملكوت وغرائب الجبروت ورؤية الرب بنظر العين أو ببصر القلب على ما تقدم والله أعلم وهذا بالنظر إلى القوى البصرية الحسية والمعنوية. (وقد جاءت الأخبار) أي الدالة على قوته البدنية كخبر أبي داود والترمذي (بأنّه) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (صرع) أي رمى وضرب على الأرض في حالة المصارعة (ركانة) بضم الراء وهو ابن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف (أشدّ أهل وقته) أي أقواهم في غلبة المصارعة وهو بالنصب بدل ويجوز رفعه (وكان) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (دعاه إلى الإسلام) جملة حالية قال الترمذي إسناده ليس بالقائم وقال البيهقي مرسل جيد وروي بإسناد موصولا إلا أنه ضعيف وفي سيرة ابن إسحاق خلا ركانة مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في بعض شعاب مكة قبل أن يسلم فقال يا ركانة ألا تتقي الله وتقبل ما أدعوك إليه فقال لو أعلم ما تقول حقا لاتبعتك فقال أرأيت إن صرعتك تعلم أن ما أقول حق قال نعم فلما بطش به صلى الله تعالى عليه وسلم اضجعه لا يملك من أمره شيئا ثم قال عد يا محمد فعاد فصرعه أيضا فقال يا محمد إن ذا العجب فقال صلى الله تعالى عليه وسلم وأعجب من ذلك إن شئت أن أريكه إن اتقيت الله واتبعت أمري قال ما هو أدعو لك هذه الشجرة فدعاها فأقبلت حتى وقفت بين يديه صلى الله تعالى عليه وسلم فقال لها ارجعي مكانك فرجعت فلما رجع ركانة إلى قومه فقال يا بني عبد مناف ساحروا بصاحبكم أهل الأرض فو الله ما رأيت اسحر منه ثم أخبرهم بما رأى قال الحجازي وأسلم قبل الفتح قبل أن توفي بالمدينة سنة أربعين في زمن معاوية وقيل إنه من أجداد الشافعي قال المنجاني ولابنه يزيد أيضا إسلام وصحبة، (وصارع) يعني أيضا (أبا ركانة في الجاهليّة) صفة للملة أو الأمة أو الفترة (وَكَانَ شَدِيدًا وَعَاوَدَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ) بالنصب على نزع الخافض ويجوز رفعه أي كل ما ذكر من المرات (يصرعه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) قال الدلجي هذا وخبر أنه عليه السلام صارع أبا جهل فصرعه فلم يصحا بل لا أصل لهما وفيه أنه في مراسيل أبي داود ويزيد بن ركانة أو ركانة بن يزيد على الشك لكن الظاهر أن الصحيح ركانة كما قاله الحلبي وغيره لا كما قاله النووي إنه الصواب والله أعلم نعم مصارعة أبي جهل لا تصح اتفاقا هذا وقد ذكر السهيلي أن أبا الأشد بن الجمحي واسمه كلدة بفتح اللام وكان بلغ من شدته فيما زعموا أنه كان يقف على جلد البقرة ويجاذبه عشرة لينزعوه من تحت قدميه فيتخرق الجلد ولا يتزحزح عنه وقد دعا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلى المصارعة وقال إن صرعتني آمنت بك فصرعه صلى الله تعالى عليه وسلم مرارا

ص: 181

ولم يؤمن به، (وقال أبو هريرة رضي الله عنه كما رواه الترمذي في شمائله والبيهقي في دلائله:(مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله تعالى عليه وسلم في مشيه) وفي نسخة مشيته بكسر الميم وزيادة التاء أي في هيئة مشيه وهي غير ملائمة لأسرع كما قاله المنجاني فتأمل في تحقيق المباني والمعاني (كأنّما الأرض) بالرفع لزيادة ما الكافة المانعة ما قبلها عما بعدها من العمل (تطوى له) بصيغة المجهول أي تنزوي وتجمع وتقرب وتدنو وقيل تطوى كطي الملاءة وأما المشي في الهوى وعلى الماء كما وقع لبعض الأصفياء فإنه يصدر بإذن رب السماء ثم بين وجهه بقوله، (إنّا) أي معشر الصحابة (لنجهد أنفسنا) بفتح النون والهاء وفي نسخة بضم النون وكسر الهاء من جهد دابته وأجهدها إذا حمل عليها في السير فوق طاقتها فالمعنى لنتعب أنفسنا بالجهد فوق طاقتها (وهو غير مكثرث) بكسر الراء أي والحال أنه صلى الله تعالى عليه وسلم غير مبال بمشينا ولا متأثر يمشي هونا ورفقا لقوله تعالى الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ولقوله تعالى وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ومع ذلك يسبق من شاءه كرامة خص بها إذا أعطي قوة زائدة على قوى سائر البشر لحديث كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين رجلا أي في المشي والبطش والجماع ونحوها وكان يطوف على نسائه في غسل واحد وكن تسعا، (وفي صفته عليه السلام أي نعته من جهة حسن شمائله (أنّ ضحكه كان تبسّما) لما في البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عَنْهَا مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم مستجمعا قط ضاحكا حتى أرى منه لهواته إنما كان يتبسم ويشير إليه قوله تعالى فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً وفيه إيماء إلى أن الاقتصاد في الضحك هو الذي ينبغي وان كان الضحك جائزا لما ورد في بعض الروايات أنه ضحك حتى بدت نواجذه وعن عبد الرزاق أنه سئل ابن عمر أكان أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يضحكون أي أحيانا قال نعم وأن إيمانهم لأعظم من الجبال نعم يكره الاكثار منه كما قال لقمان لابنه إياك وكثرة الضحك فإنها تميت القلب وكما يشير إليه قوله تعالى فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً ولأن كثرة الضحك تنبئ عن الغفلة والبكاء ينبئ عن الرحمة وروي عن الحسن أنه كان لا يضحك وهذا لما غلب عليه من الخوف والقبض بخلاف من غلب الرجاء والبسط فإنه يضحك ولا يبكي والأعدل هو الاعتدال من هذه الخصال على وفق شمائله صلى الله تعالى عليه وسلم من تفصيل الأحوال (إذا التفت) كذا في بعض النسخ والظاهر كما في أصل الدلجي وإذا التفت أي إلى أحد الجانبين (التفت معا) وفي رواية جميعا أي بجميع نظره لا بمؤخر عينيه كما هو دأب سارق النظر ويسمى نظر العداوة ومنه قوله تعالى يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ فاندفع قول الدلجي أي بجميع بدنه وينبغي أن يخص هذا بالتفاته وراءه وأما التفاته يمنة ويسرة فالظاهر أنه يعنقه (وإذا مشى) أي في مسيرة (مشى تقلّعا) بضم اللام المشددة أي رفع رجليه رفعا بقوة لا اختيالا لشدة عزمه ولأن تقريب الخطى من مشية النساء والأغنياء الأغبياء (كأنّما ينحطّ من صبب) بفتح المهملة والموحدة الأولى أي كأنما ينحدر من مرتفع

ص: 182