الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال له هوّن) أي سهل أمرك (عليك فإنّي لست بملك) بكسر اللام قيل وتسكن أي بسلطان من السلاطين الظلمة حتى تفزع مني (الحديث) أي الخ ولم يذكره لطوله. (فأمّا عظيم قدره بالنّبوّة) وهي أخذ الفيض من الحق (وشريف منزلته بالرّسالة) وهي إيصال الفيض إلى الخلق (وإنافة رتبته) بكسر الهمزة وبالفاء وفي نسخة بالباء والنون أي رفعة رتبته وزيادتها أو ظهورها (بالاصطفاء) أي على سائر الأنبياء (والكرامة في الدّنيا) أي بأنواع المعجزة منها الإسراء ومقام دنا فتدلى ووصوله إلى سدرة المنتهى (فأمر هو مبلغ النّهاية) من أثر العناية ليس فوقه غاية؛ (ثُمَّ هُوَ فِي الْآخِرَةِ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ) كما في حديث البخاري أنا سيد ولد آدم ولا فخر والمراد أنه سيد هذا الجنس وهو نوع البشر الذي هو أفضل أنواع المخلوقات بدليل حديث البخاري أيضا أنا سيد الأولين والآخرين ولا فخر وزيد في بعض الأصول هنا ولا فخر لكنه لا يصح لأن يكون حكاية. (وعلى معنى هذا الفصل) أي الأخير (نظمنا هذا القسم) يعني الأول (بأسره) أي جميعه في سلك مدحه بصفات شريفة وسمات منيفة.
فصل [وأما الضرب الثالث فهو ما تختلف فيه الحالات]
(وأمّا الضّرب الثّالث) أي مما تدعو ضرورة الحياة إليه وليست فضيلة ذاتية محتوية عليه (فهو) من هذه الحيثية واختلاف النية (ما تختلف الحالات في التّمدّح به) أي بنفسه أو بكثرته (والتّفاخر بسببه) أي فيما بين العامة. (والتّفضيل لأجله) أي عند الخاصة (ككثرة المال) فإنها تمدح في بعض الأحوال (فصاحبه على الجملة) أي على الإجمال لا على تفصيل جميع الاحوال (معظّم عند العامّة) من حيث إن قلوبهم بيد حبه أسيرة (لاعتقادها توصّله به) أي توصل صاحب المال بسببه (إلى حاجاته) أي قضاء مهمات صاحبه وفي نسخة حاجته (وتمكّن أغراضه) بالغين المعجمة وتمكن بالرفع أو الجر (بسببه وإلّا) أي وإن لم يكن هذا الاعتقاد الموجب لتعظيم صاحب المال عند العامة في الجملة (فليس) أي المال (فضيلة) وفي نسخة فضيلته (في نفسه) أي في حد ذاته وباعتبار جميع جهاته وعموم صفاته؛ (فمتى كان المال بهذه الصّورة) أي من قضاء الآمال (وصاحبه منفقا له في مهمّاته ومهمّات من اعتراه) أي غشيه واعترضه (وأمّله) بتشديد الميم أي ومن رجا كرمه ومنه قول القائل:
املتهم ثم تأملتهم
…
فلاح لي أن ليس فيهم فلاح
وهو معنى قوله صلى الله تعالى عليه وسلم أخبر تقله والناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة (وتصريفه) بالجر أي وتصرفه بوضعه (في مواضعه) اللائقة به (مشتريا به المعالي) جمع معلاة أي مستبدلا به المفاخر العالية ومختارا به الأوصاف المتعالية (والثّناء الحسن والمنزلة) أي الجاه والمرتبة (من القلوب) وفي نسخة في القلوب (كان) أي المال (فضيلة في صاحبه) أي في الجملة (عند أهل الدّنيا) أي من العامة مع أنه لا عبرة بهم عند الخاصة، (وإذا صرفه في وجوه البّرّ) أي الطاعة والإحسان (وأنفقه في سبل الخير) وفي نسخة سبيل الخير (وقصد
بذلك) أي الصرف (الله) أي رضاه مآبا (والدّار الآخرة) أي ثوابا (كان) أي ما له (فضيلة) أي لما يؤدي إلى الفضيلة (عند الكلّ) أي الخاصة والعامة (بكلّ حال) أي مطلقا لا في الجملة، (ومتى كان صاحبه ممسكا له) من الإمساك أي بخيلا به (غير موجّهه وجوهه) أي غير منفقه ومصرفه في وجوه ما ذكر من صرفه في مهماته ومهمات من تأمل منه قضاء حاجاته أو اكتساب محمدة أو اجتلاب محبة (حريصا على جمعه) مبالغا في منعه (عاد كثره) بضم الكاف وتكسر أي رجع كثيره وفي نسخة كثرته بفتح الكاف وتكسر وأما قول التلمساني ويصح بفتح الكاف والراء وضم الثاء فلا يصح (كالعدم) بمنزلة يسيره أو مشبها بعدمه حيث لم ينتفع به فيكون كمن لا مال له وقد ورد الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لَا دَارَ لَهُ وَمَالُ من لا مال له وجمع من لا عقل له وقد ورد أن الحسن البصري رحمه الله تعالى رأى رجلا يقلب دنانير في كفه فقال له الك هي قال نعم قال إنها ليست لك حتى تخرجها من يديك يعني أن حظك منها وحظ غيرك إذ لم تنفقها وتخرجها واحد إذ لا نفع فيها بأعيانها وورد عنه صلى الله تعالى عليه وسلم يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما تصدقت أو أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت يعني أن المال الذي لم ينفقه ولم يتصدق به قد تساوى فيه مع غيره ممن لا مال بيده إذ لا فائدة في عين المال بل فيه الوبال في المآل (وكان منقصة) بفتح القاف وكسرها أي وكان المال نقيصة (في صاحبه) أي في حقه دنيا وأخرى كما ورد تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم وكما ورد أن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة (ولم يقف) أي المال (به) أي بصاحبه (على جدد السّلامة) بفتح الجيم والدال المهملة الأولى أي طريقها المستوية تقول العرب من ملك الجدد أمن العثار وبضم الجيم جمع جدة كمدة أي طرقها من الجادة التي تسلم المارة فيها من العثرة ومنه قوله تعالى وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ أي طرائق وأما ما ضبط في بعض النسخ والحواشي بضمهما فلا مناسبة له هنا فإنه جمع جديد على ما في القاموس (بل أوقعه) أي ما له عند مآله (في هوّة رذيلة البخل) بضم هاء وتشديد واو مفتوحة أي في وهدة دناءته وعمق نقيضته والبخل بضم فسكون وبفتحهما قراءتان في السبع (ومذلة) وفي نسخة ومذمة (النّذالة) بفتح النون والذال المعجمة الخساسة والسفالة؛ (فإذا) بالتنوين وفي نسخة بالنون والفاء فصيحة معربة عن شرط مقدر أي ومتى كان المال كما وصف كان حينئذ (التّمدّح) أي تمدح صاحبه لنفسه ويروى المتمدح (بالمال) أي على توهم الكمال (وفضيلته) أي وفضيلة المال أو صاحبه (عند مفضّله) أي مرجحيه من العامة وفي نسخة بصيغة الإفراد (ليست لنفسه) أي ذاته (وإنّما هو) أي المال أو التمدح به (للتّوصّل به إلى غيره وتصريفه) بالجر اي انفاقه (في متصرّفاته) بفتح الراء أي في محاله؛ (فجامعه إذا لم يضعه مواضعه) أي من مهماته ومهمات من يرجوه (ولا وجّهه وجوهه) أي من أنواع البر واصناف الخير (غير مليء) بفتح الميم وكسر اللام فتحتية فهمزة ويجوز إبدالها وإدغامها أي غير ثقة (بالحقيقة) أي في نفس الأمر (ولا غنيّ بالمعنى) أي بل بمجرد الصورة والمبنى فكأنه فاقد لا واجد (ولا ممتدح) وفي
نسخة ولا متمدح أي ولا ممدوح (عند أحد من العقلاء) فضلا عن العلماء والفضلاء (بل هو فقير أبدا) أي بقلبه ولو كان غنيا يدا قال المتنبي:
ومن ينفق الساعات في جمع ماله
…
مخافة فقر فالذي فعل الفقر
(غير واصل إلى غرض من أغراضه) أي لخسته وبخله؛ (إذ ما بيده من المال الموصل) بالتشديد أو التخفيف (لها) وفي نسخة إليها أي الذي في شأنه أن يوصل صاحبه إلى أغراضه (لم يسلّط عليه) بصيغة المجهول أي لم يمكن منه ولم يفوض إليه؛ (فأشبه خازن مال غيره) أي حافظه (ولا مال له) أي إلا وديعة عنده (فكأنّه ليس في يده من المال شيء) أي من الأشياء (والمنفق) أي في وجوه البر والخير من صدقة وصلة (مليّ) أي ثقة (غنيّ) واجد لا فاقد (بتحصيله فوائد المال) من جميل الحال وحسن الْمَالِ (وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فِي يَدِهِ مِنَ المال شيء) حيث يدل على كمال كرمه واعتماده على رزق ربه وقد قال الله تعالى وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وورد اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا وهذا المعنى في حديث نعم المال الصالح للرجل الصالح. (فانظر سيرة نبيّنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم) أي طريقته (وخلقه) أي سحبيته الشريفة (في المال) أي في حق أخذه وإعطائه وامتناعه عن التلبس بوجوده وبقائه (تجد) بالجزم أي تعلمه (قد أوتي خزائن الأرض) أي عرضت عليه (ومفاتيح البلاد) أي أعطيت له وفي نسخة في رواية صحيحه مفاتح البلاد ومنه قوله تعالى وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ وهو كناية عن فتحها عليه وعلى أمته بعده وجباية أموالهم إليهم واستخراج كنوزها لديهم وتلويح بالتوصل إليها كما يتوصل بالمفاتيح إلى ما أغلق عليه من أبوابها وقد روي مرفوعا في صحيح مسلم بينا أنا نائم أوتيت مفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي أي في تصرفي وتصرف أمتي (وأحلّت له الغنائم) أي لزيادة الفضيلة (ولم تحلّ) بصيغة المجهول المناسب لأحلت أو بفتح أوله وكسر ثانيه أي والحال أنه لم تبح (لنبيّ قبله) إذ جاء في الآثار أنهم كانوا يجمعون الغنائم فتأتي نار من السماء فتأكلها وفي حديث مسلم لم تحل الغنائم لأحد من قبلنا وذلك لأن الله تعالى رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا، (وفتح عليه في حياته صلى الله تعالى عليه وسلم بلاد الحجاز) سميت بها لحجزها بين نجد والغور (واليمن) بالرفع والجر سمي به لكونه عن يمين الكعبة لمن وقف بالباب ووجهه لخارج وهو المعتبر لكونه بمنزلة المنبر (وجميع جزيرة العرب) وهي ما بين أقصى عدن إلى ريف العراق طولا ومن جدة وما والاها من ساحل البحر إلى طرف الشام عرضا وقال مالك هي الحجاز واليمن واليمامة وقيل هي المدينة وقيل مكة والمدينة واليمامة واليمن ولعل هذا معنى قول مالك (وما دانى ذلك) أي ما قارب بلاد الحجاز وجزيرة العرب (من الشّأم) بالهمز الساكن وإبداله الفا ويقال بفتح الشين والمد وهو من العريش إلى الفرات طولا وقيل إلى نابلس وعرضا من جبل طي من نحو القبلة إلى بحر الروم وما سامت ذلك من البلاد قال ابن عساكر
في تاريخه دخل الشام عشرة آلاف عين رأت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم واشتقاقه منه لكونه عن شمال الكعبة وأما قول الحلبي قد دخله عليه الصلاة والسلام أربع مرات فغير معروف بل لم يدخل دمشق أصلا وإنما بلغ إلى بصرى مدينة حران (والعراق) أي عراق العرب من الكوفة والبصرة قيل فارسي معرب وقيل سمي المكان عراقا لكثرة عروق اشجاره (وجلبت إليه) ويروى وجلب وروي وجبيت أي وجيء له (من أخماسها) في الغنيمة (وجزيتها) من أهل الذمة (وصدقاتها) من أغنياء الأمة (ما لا يجبى) أي ما لا يؤتى به (للملوك إلّا بعضه) أي لكثرته مع زيادة بركته روي أن اعظم مال أتي به النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من مال الجزية ما قدم عليه من البحرين وقدره مائة ألف درهم وثمانون ألفا، (وهادته) أي صالحه وفي نسخة صحيحة هادته بمعنى أهدته (جماعة من ملوك الأقاليم) أي بإرسال هدايا إليه فقبلها منهم كما في كتب السير دلالة عليه (فما استأثر) أي ما انفرد وما استبد وما اختص (بشيء منه) أي مما هادوه (وَلَا أَمْسَكَ مِنْهُ دِرْهَمًا بَلْ صَرَفَهُ مَصَارِفَهُ) أي انفقه في مواضعه من أنواع الخير واصناف البر (وأغنى به غيره) أي لغناه بربه واستغنائه بقلبه (وقوّى به المسلمين) على مهماتهم وقضاء حاجاتهم ونصرهم على اعدائهم ودفع بلائهم وكان يعطى عطاء من ليس يخشى الفقر انتهاء (وقال) أي كما رواه الشيخان عنه (صلى الله تعالى عليه وسلم ما يسرّني) أي لم يوقعني في السرور ولم يفرحني (أنّ لي أحدا) بضمتين ووجد بخط المبرد بإسكان الحاء جبل عظيم بالمدينة (ذهبا) تمييز لرفع الإبهام عن جبل أحد (يبيت) أي يثبت ليلة (عندي منه) أي من مقدار أحد ذهبا (دينار إلّا دينارا) بالنصب على الاستثناء وفي نسخة بالرفع على البدل (أرصده لديني) وفي نسخة لدين وهو بفتح الهمزة وضم الصاد وبضم وكسر من الإرصاد أي أحفظه منتظرا لقضاء ديني وقال بعضهم رصدته رقبته وأرصدت أعددت قال تعالى شِهاباً رَصَداً وارصادا لمن حارب الله ولعل التعبير بالبيتوتة لإرادة المبالغة لأن الدليل مظنة فقد الفقير والغيبوبة توهم حصول الذهول والغفلة ووقع في أصل الدلجي درهم إلا دينارا فتكلف وقال نصبه على الاستثناء من عام عبر عنه بالدرهم ورفعه على البدل وكأنه قال ما يسرني أن يبيت عندي شيء منه إلا ما أرصده لدين لي بفتح الهمزة وضم الصاد وبضم وكسر (وأتته دنانير مرّة) وهي كثيرة (فقسمها) أي على من استحقها (وبقيت) وفي نسخة بقي (منها ستّة) وفي نسخة بقية أي قليلة يسيرة (فدفعها لبعض نسائه) نظرا إلى حدوث حاجة لهن إليها وفي رواية فرفعها بعض نسائه بالراء وهو إما بأمره وإما على عادة النساء في حفظ المال لأمر المعاش وغيره (فلم يأخذه نوم حتّى قام وقسمها) اتكالا على كرم ربه عند الاحتياج إليها (وقال الآن) وهو اسم للزمان الحاضر (استرحت) أي حصل الراحة لقلبي المعتمد على رزق ربي وفيه دلالة واضحة على ما كان عليه من التقلل للدنيا ملازمة الفاقة في أيام حياته إلى أوان مماته كما يدل عليه قوله (ومات ودرعه مرهونة) أي عند يهودي هو أبو الشحم وقيل أبو شحمة (في نفقة عياله) أي إلى سنة في ثلاثين صاعا من شعير
على ما في البخاري والترمذي والنسائي وفي البزار أربعين وفي مصنف عبد الرزاق وسق شعير وهو ستون صاعا ويمكن الجمع بتعدد الواقعة حقيقة أو حكما عند نزول قوله تعالى مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً الآية ولعل عدوله صلى الله تعالى عليه وسلم عن الصحابة إلى معاملته بيان للجواز أو قلة الطعام عند غيره أو حذرا من أن يضيق على أصحابه أو لأنهم لا يأخذون منه رهنا ولا يتقاضون منه ثمنا بل ولا يعطونه دينا وهو لا يريد تكون صنيعة لأحد عليه أو ليكون حجة على اليهود في قولهم إن الله فقير ونحن أغنياء حيث لم يقتض القرض لصاحبه الافتقار وعدم الاقتدار ولعله كان منعوتا في كتابهم أنه يكون مختارا للفقر على الغنى وأنه لا يبالي بكلام الأعداء من الأغنياء الأغبياء الذين يدعون الاستغناء (واقتصر من نفقته وملبسه ومسكنه) بفتح الكاف وكسرها أي من أجلها أو في حقها (على ما تدعوه ضرورته إليه) أي على مقدار قليل لا بد له منه مما تقتضيه الحاجة الضرورية إليه (وزهد) بكسر الهاء أي ولم يرغب (فيما سواه) ؛ فزهد فعل ماض عطف على اقتصر ووقع في أصل الدلجي وزهده بالضمير فتحير في امر مرجعه فقال عطف على الضمير المجرور بإلى أو على ضرورته أي وإلى هده أو ويدعوه زهده فيما سواه إليه ذهابا إلى الاقتصاد المحمود إذ ما قل وكفى خير مما كثر والهى (فكان يلبس) بفتح الياء والباء معا (ما وجده) أي أصابه وصادفه أي تيسر له من غير كلفة وشهوة (فيلبس في الغالب الشّملة) وهي كساء يشتمل به وقال ابن حماد هي شبه العباء وهي أكسية فيها خطوط سود كل كساء خشن فهو شملة ثم هي ضبطت في النسخ بالفتح لكن في القاموس الشملة هيئة الاشتمال وبالكسر كساء دون القطيفة يشتمل به انتهى والظاهر أنه وهم منه فإن صيغة الهيئة وهي النوع إنما هي بالكسر والفعلة موضوعة للمرة وقد تكون للاسم كما هنا ولذا أطلق صاحب النهاية حيث قال الشملة كساء يتلفف به (والكساء) بكسر الكاف معروف (الخشن) بفتح وكسر أي الغليظ ضد الرقيق (والبرد) أي اليماني وهو الثوب الذي فيه خطوط (الغليظ) أي الخشن واختار هذا كله زهدا وقناعة وتنزها عما يلبسه من لا خلاق له تفاخرا وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا أن الله يحب المتبذل الذي لا يبالي ما لبس تفاخرا وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا أن الله يحب المتبذل الذي لا يبالي ما لبس (ويقسم) بالتخفيف ويجوز تشديده بقصد التكثير (على من حضره أقبية الدّيباج) بكسر الدال وقد يفتح وهو نوع من الحرير والأقبية جمع القباء بالمد كالأكسية جمع الكساء وهو صنف من الثياب (المخوّصة) بتشديد الواو المفتوحة أي المنسوجة (بالذّهب) أي بمثل خوص النخل وهو ورقه وقيل فيه طرائق من ذهب مثل خوص النخل أو المكنوفة به وفي رواية المزرورة بالذهب أي التي لها أزرار منه أو المطوقة به أو التي زينت أزرارها به وفي الحديث مثل المرأة الصالحة مثل التاج المخوص بالذهب (ويرفع) أي منها (لمن لم يحضر) أي يغيب من أصحابه المستحقين لها كمخرمة بن نوفل كما في حديث الصحيحة عن ابن المسور قال أبي يا بني بلغني أن النبي صلى الله تعالى
عليه وسلم قدمت عليه أقبية فأذهب بنا إليه فذهبنا فوجدناه في منزله فقال لي ادعه لي فاعظمت ذلك فقال لي يا بني أنه ليس بجبار فدعوته فخرج ومعه قباء من ديباج مزرور بالذهب فقال يا مخرمة خبأت لك هذا وجعل يريه محاسنه ثم أعطاه له ولمسلم فنظر إليه فقال رضي مخرمة زاد البخاري وكان في خلق مخرمة شدة محبة هذا وكان يفعل ذلك إيثارا لغيره وتنزها عما يتباهى العوام به؛ (إذ المباهاة) أي المنافسة والمفاخرة (في الملابس) أي الثمينة (والتّزيّن بها) أي في المنازل المكينة (ليست من خصال الشّرف والجلالة) أي شمائل أرباب الشرافة وأصحاب العظمة المعنوية (وهي) أي تلك الملابس (من سمات النّساء) بكسر السين أي من خصال النسوة وعلاماتهن المتزينة بالحلي الصورية، (والمحمود) أي الممدوح (منها) أي من الملابس المطلقه (نقاوة الثّوب) بفتح النون النظافة وفي نسخة بضمها وهي خياره لكنه غير ملائم للمرام في هذا المقام (والتّوسّط في جنسه) لورود الذم عن لبس الشهرتين (وكونه لبس مثله) أي لباس بعض أمثاله حال كونه (غير مسقط لمروءة جنسه) أي أبناء جنسه وفي نسخة حسبه بفتحتين فموحدة (ممّا لا يؤدّي) أي يؤول (إلى الشّهرة في الطّرفين) أي المكتنفين من الأعلى والأدنى للتوسط إفراطا وتفريطا وخير الأمور أوساطها وقد قال الثوري كانوا يكرهون الشهرتين الثياب الجيدة والثياب الرديئة إذ الأبصار تمتد إليهما جميعا وقد ورد النهي عن الشهرتين أيضا (وقد ذمّ الشّرع ذلك) أي ما ذكر من الشهرتين أيضا أو المباهاة في الملابس؛ (وغاية الفخر فيه) أي في ذلك المذموم (في العادة عند النّاس إنّما يعود) أي ترجع غايته (إلى الفخر بكثرة الموجود ووفور الحال) أي وسعة الجاه وكثرة المال وقد سبق أن هذا مذموم في المآل (وكذلك التّباهي) أي ومثل الفخر حكم الافتخار (بجودة المسكن) أي بتجصيصها وتزيينها وتبييضها (وسعة المنزل) بفتح السين أي من جهة طولها وعرضها زيادة على مقدار الحاجة (وتكثير آلاته) أي أمتعته وظروفه ومفارشه (وخدمه) أي من عبيده وجواريه (ومركوباته) أي زيادة على مقدار حاجاته (ومن ملك الأرض وجبى إليه) بصيغة المجهول أي أتي إليه (ما فيها) من كل زوج كريم وصنف جسيم (فترك ذلك) أي مع القدرة عليه (زهدا وتنزّها) أي رفعة للنفس وبعدا لها عما يشينها فإن الزهد هو عزوب النفس عن الدنيا مع القدرة عليها رغبة في العقبى وهذا في الحقيقة لا يتصور ممن لا مال له ولا جاه على وجه الكمال ولهذا لما قيل لابن المبارك يا زاهد قال الزاهد عمر بن عبد العزيز إذ جاءته الدنيا راغمة فتركها أما أنا ففيم زهدت والزهد أعلى المقامات وأعلى الحالات وقد ورد في الدنيا يحبك الله إذ جعله سببا لمحبة الله له (فهو حائز) أي جامع ومشتمل (لفضيلة الماليّة) التي هي اسباب التلذذ بالأعراض الدنيوية والأغراض الشهوية (ومالك للفخر) أي للافتخار في العادة بين العامة (بهذه الخصلة) أي الكثرة المالية والوسعة الجاهية (إن كانت فضيلة) بسبب ما مر من كونه وسيلتها وإلا فليست هي فضيلة في ذاتها فإن شرطية تقديرية وقال التلمساني هي بفتح الهمزة وهي تفسيرية ولا يخفى بعد ما قاله (زائد عليها في الفخر ومعرق)