الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العسقلاني إنه باطل فإن الحكم بوضعه إنما هو باعتبار ما وصل من سنده لا من حيث مبناه المطابق معناه لما ورد في كتاب الله ولا يبعد أن يكون هذا من علي كرم الله وجهه موقوفا بمضمون ما سمعه عنه صلى الله تعالى عليه وسلم في بعض أحوال متفرقة مرفوعا. (والزّهد حرفتي) يعني أن أرباب الدنيا لأجل تمتعها وانتفاعها كل أحد يتعلق بحرفة من حرفها لتحصيل طرف من طرفها وأنا لقلة ميلي إليها وعدم إقبالي عليها جعلت زهدي عنها كسبي فيها اعتمادا على باريها (واليقين) بجميع مراتبه من علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين (قوّتي) أي قوة قلبي في معرفة ربي وفي نسخة بسكون الواو أي قوة روحي وسبب زيادة فتوحي (والصّدق شفيعي) لما قيل من أن الصدق أنجى ولقوله تعالى والمصنف هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ (والطّاعة حسبي) أي كفايتي في مرضاة ربي، (والجهاد خلقي) بضم وضمتين أي دأبي وعادتي وهو يشمل الجهاد الأكبر والأصغر، (وقرّة عيني في الصّلاة) أي من جملة عباداتي أو من جملة عناياتي بناء على أن المراد بالصلاة العبادة المشهورة أو الدعوة المأثورة (وفي حديث آخر) أي برواية أخرى (وثمرة فؤادي) أي نتيجة معارف قلبي (في ذكره) أي ذكر ربي (وغمّي) أي همي الذي يغمني في كل حالتي (لِأَجْلِ أُمَّتِي: وَشَوْقِي إِلَى رَبِّي عز وجل أي في نهاية رتبتي فهذه كلمات جامعة معانيها مطابقة لما في الكتاب والسنة والمصنف ثبت ثقة حجة فحسن الظن به أنه ما رواها إلا عن بينة وإن لم تكن عندنا بينة وأما قول الدلجي قال الأئمة موضوع يحتمل أن يكون باعتبار بعض أفراده بناء على اختلاف إسناده كما بيناه والله أعلم.
فصل [اعلم وفقنا الله تعالى وإياك أن صفات جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام]
أي رابع (اعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ صِفَاتَ جَمِيعِ الأنبياء) أي نعوتهم عامة (والرّسل) أي خاصة (صلوات الله عليهم) أي كافة (من كمال الخلق) بالفتح وتفسيره قوله (وحسن الصّورة وشرف النّسب) أي مما يقتضي جمال الحسب (وحسن الخلق) بالضم أي السيرة والسريرة والعشرة مع العشيرة، (وجميع المحاسن) أي من الشمائل البهية والفضائل العلية (هي هذه الصّفات) أي المتقدم ذكرها في الفصول الماضية ثم هذه الجملة خبر ان واللام فيه للعهد لا كما توهم الدلجي أنها للاستغراق المبين بمن (لأنّها صفات الكمال والكمال) بالرفع (والتّمام) عطف تفسير كما قال الدلجي إلا أن بينهما فرقا دقيقا وهو أن التمام ما لا يتم الشيء إلا به حتى لو فقد يسمى ناقصا والكمال ليس كذلك لأنه أمر زائد على مقدار التمام فتأمل في مقام المرام (البشري) أي المنسوب إلى جنس البشر جميعهم (والفضل) أي الأمر الزائد على الكمال العرفي (الجميع) مبتدأ خبره (لهم صلوات الله عليهم) والجملة خبر لما قبلها من المبتدءات أي من حيث جميعها فيهم لا في غيرهم ومجموعها حاصل لهم في الجملة بحسب المشاركة وإن كانت تختلف حالهم في مزية المرتبة بل هو المناسب لحال الملك
العلوي ولذا لم يقل والكمال والتمام البشريان (إذ رتبتهم أشرف الرّتب) أي رتب الموجودات إلا أن في الملائكة خلافا لبعض الأئمة أو رتب البشر فهو بإجماع الأمة وهذا في الدنيا وقوله (ودرجاتهم أرفع الدّرجات) أي في العقبى (ولكن فضّل الله بعضهم على بعض) أي في الدنيا والآخرة (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ [البقرة: 253] ) الإشارة إلى من يعلمه نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم فاللام للعهد وإنما لم نقل بالاستغراق لقوله تعالى وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ على أنه لا يبعد أنه سبحانه وتعالى أعلم نبيه بجميعهم وإن لم يعلمه بقصصهم ثم المراد بالفضيلة هنا هو الأمر الزائد على أصل معنى الرسالة لاستوائهم باعتبار تلك الحالة كما يدل عليه بقية الآية مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ أي تفضيلا له كموسى ليلة الحيرة في الطور وكمحمد ليلة المعراج ولعل تخصيص موسى بقوله وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً لتكرير تكليمه له أو لاختصاصه به بالنسبة إلى من تقدم كما يشير إليه قوله تعالى وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ أي على جميعهم لا على باقيهم كما قاله الدلجي درجات هو نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم تفضيلا على غيره بمناقب متكاثرة ومراتب متوافرة كالدعوة العامة والفضيلة التامة الجامعة بين الرؤية والمكالمة وبين المحبة والخلة وكالآيات الكاملة والمعجزات الظاهرة الشاملة فهو المفرد العلم الأكمل الغني عن البيان في هذا المحل أو هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام حيث خص بالخلة التي هي من أعلى مراتب المقام أو إدريس عليه الصلاة والسلام رفعه الله مكانا عليا وقيل بقية أولي العزم من الرسل (وقال: وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ) أي بني إسرائيل (عَلى عِلْمٍ أي بهم (عَلَى الْعالَمِينَ [الدخان: 32] ) أي عالمي زمانهم لكثرة الأنبياء فيهم والمعنى أنا اصطفيناهم عالمين بأنهم أحقاء باصطفائنا إياهم وإذا كان بنو إسرائيل مصطفين لوجود الأنبياء فيهم فبالأولى ثبوت الاصطفاء لهم فتأويلنا هذا الكلام المصنف أولى من قول الدلجي هذا على توهم جعل الضمير للانبياء والحق جعله لبني إسرائيل قبله (وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم) أي كما رواه الشيخان (إنّ أوّل زمرة) أي طائفة (يدخلون الجنّة) بصيغة المعلوم أو المجهول كما قرئ بهما في السبعة (على صورة القمر) أي في هيئته من كمال إنارته (ليلة البدر) وهي ليلة أربع عشرة سمي بدرا لمبادرته غروب الشمس في الطلوع أو لتمامه فيها (ثمّ قال) أي النبي عليه الصلاة والسلام (آخر الحديث) أي آخره بعد عد جميع زمره وإنما اختصره المصنف لطوله (على خلق رجل واحد) أي كلهم على صورة رجل واحد وهذا على رواية فتح الخاء والأظهر رواية الضم بشهادة رواية اخلاقهم على خلق رجل واحد وبدلالة رواية أخرى لا اختلاف بينهم ولا تباغض في قلوبهم على قلب رجل واحد وأغرب الدلجي حيث جعل الرواية الثانية شاهدة لرواية الخلق بالفتح نعم قد يرجح الفتح كما قال الحلبي لظاهر قوله (على صورة أبيهم آدم عليه السلام أي صورة خلقه ولا يبعد أن يكونوا أيضا على سيرة خلقه خلافا للدلجي حيث اقتصر على الأول فتدبر
وتأمل (طوله ستّون ذراعا في السّماء) أي في جهتها احتراسا من طول عرضه من جهة الأرض فقد قيل أرضه سبعة أذرع وقيل التقدير وهو في السماء. (وفي حديث أبي هريرة) كما روياه أيضا (رأيت موسى) أي في ليلة المعراج أو في المنام أو في بعض الكشوفات (فإذا هو رجل ضرب) بفتح فسكون أي خفيف اللحم مستدق الجسم على ما ذكره الدلجي تبعا للخليل أو ما بين الجسمين كما قاله الحلبي وهو الأولى لأنه الوصف الأعلى كما ذكره في شمائل المصطفى هذا وقد قال ابن قرقول وقع عند الأصيلي بكسر الراء وسكونها معا ولا وجه للكسر كما قاله القاضي وفي حديث آخر مضطرب وهو الطويل غير الشديد وفي صفاته في كتاب مسلم عن ابن عمر جسيم سبط يحمل على هذا القول الموافق لرواية مضطرب لا على كثرة اللحم وإنما جاء جسيم في صفة الدجال (رجل) بكسر الجيم وروي فتحها أي شعره بين الجعودة والسبوطة (أقنى) أي طويل الأنف مع ارتفاع وسطه ودقة ارنبته (كأنّه من رجال شنوءة) بفتح معجمة وضم نون فواو وهمزة وقد تبدل فتدغم قبيلة من اليمن ويمكن الوجهان في قول الشاعر:
نحن قريش وهمو شنوءه
…
بنا قريش ختم النبوه
(ورأيت عيسى فإذا هو رجل ربعة) بفتح راء وسكون موحدة وقد تفتح أي بين الطول والقصر وهو لا ينافي كونه إلى الطول أقرب كما هو أنسب على ما في شمائله صلى الله تعالى عليه وسلم (كثير خيلان الوجه) بإضافة الكثير أي شاماته جمع خال وهو نقطة سوداء تكون في الجسد ويستحسن قليلة في الوجه (أحمر) أي أبيض مائل إلى الحمرة على ما حقق في نعته صلى الله تعالى عليه وسلم هذا وقد اختلف في صفة عيسى عليه السلام فروى أبو هريرة بأن عيسى أحمر وقال ابن عمر والله ما قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بأن عيسى أحمر وإنما اشتبه على الراوي وروى ابن عمر أنه عيسى آدم والآدم الأسمر وفي البخاري من طريق مجاهد عن ابن عمر أنه احمر فالمراد ما قارب الحمرة والأدمة كما قدمنا فإنه قد جاء في شمائله صلى الله تعالى عليه وسلم أنه اسمر مع أنه جاء أيضا كونه أبيض مشربا بالحمرة فتدبر (كأنّما خرج من ديماس) بكسر الدال ويفتح ويؤيد الأول قولهم أعل بقلب ميمه الأولى ياء لكسر ما قبلها فقيل معناه لكن أو الستر أي كأنه مخدر لم ير شمسا وهو بظاهره لا يلائم كونه أحمر فالصواب ما جاء مفسرا في حديث بأنه الحمام وفي الحديث رأيته يطوف بالبيت ثم رأيت بعده الدجال يطوف بالبيت واستشكل بأنه كيف ذلك وقد حرم الله عليه دخول مكة وأجيب بأن التحريم مقيد بوقت فتنته أو حرمت عليه جسمه وهذا باعتبار روحه وفيه إيماء إلى أن مرجع الكل إلى باب المولى وأن لا يقدر أحد أن يخرج عن حكمه تعالى (وفي حديث آخر) لم أعرف من رواه كما قاله الدلجي (مبطّن) بتشديد الطاء المهملة المفتوحة أي ضامر البطن وإن كان قد يطلق على عظيمه (مثل السّيف) أي لاستوائهما واعتدالهما كما ذكره
الدلجي وغيره فهو تأكيد والأظهر أنه نعت مستقل ومعناه أنه مثله ضياء وصفاء وفي الشمائل للترمذي فإذا أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود وهو ثقفي قتله رجل من ثقيف عند تأذينه بالصلاة، (قال) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (وأنا أشبه ولد إبراهيم به) بفتح واو ولام وبضم فسكون أي أولاده من الأنبياء. (وقال في حديث آخر) على ما رواه البخاري (في صفة موسى كأحسن) ووقع في أصل التلمساني كأشبه (ما أنت راء) بكسر همز من غير ياء اسم فاعل من باب رأى وما موصولة أو موصوفة (من أدم الرّجال) أي من سمرهم وهو بضم همز وسكون دال مهملة جمع آدم أفعل شديدة السمرة قال ابن الأثير الأدمة في الإبل البياض مع سواد المقلتين وهي في الناس السمرة الشديدة وهي من أدمة الأرض وهو لونها وبه سمي آدم عليه الصلاة والسلام وقال النضر بن شميل إنما قيل لآدم آدم لبياضه وقد استدل بعضهم على أن موسى اسمر بقوله سبحانه وتعالى تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فدل ذلك على أنها خالصة اللون وهذا أحسن والله تعالى أعلم. (وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه كما رواه أبو يعلى وابن جرير، (عنه صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بَعْدِ لُوطٍ نَبِيًّا إِلَّا فِي ذُرْوَةٍ مِنْ قومه) بكسر الذال المعجمة ويروى مثلثة أي في رفعة أو في عزة كما في حديث سعيد بن منصور عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما موقوفا والمعنى في منعة وحرمة وغلبة ونصرة (ويروى في ثروة) بفتح المثلثة (أي كثرة) أي توجب غلبة (ومنعة) بفتحتين ويسكن النون أي قوة تمنع المذلة وقيل المنعة بالتحريك جمع مانع أي جماعة يمنعونه ويحمونه من اعدائه هذا والتقييد ببعدية لوط يفيد انه لم يكن في منعة كما يشير إليه قوله لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أي بدنية أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ أي قبيلة قوية واستشكل الدلجي قوله تعالى لليهود فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ولو كانوا في منعة لما قتلوا منهم ببيت المقدس في يوم واحد ثلاثمائة نبي انتهى ويمكن دفعه بأن منعتهم مقيدة بكونهم في قبيلتهم والقضية واقعة في غير محلتهم أو المراد بالمنعة ما تعلق به من أمر النبوة ومخالفة الأمة مع أنه قد تكون المغلوبية لأرباب المنعة. (وحكى التّرمذيّ) بل روى في الشمائل (عن قتادة) أي مرسلا (ورواه الدّارقطنيّ) وهو الحافظ المشهور إمام المحدثين في زمانه تفقه على الاصطخري وسمع البغوي وروى عنه الحاكم وغيره منسوب إلى دار قطن محلة ببغداد (من حديث قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه) أي موقوفا (ما بعث الله تعالى نبيّا إلّا حسن الوجه) فحسن الوجه يدل على معروف صاحبه كما قيل الظاهر عنوان الباطن وقد أنشد:
يدل على معروفه حسن وجه
…
وما زال حسن الوجه أهدى الدلائل
وقد روى الدارقطني في الإفراد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا ابتغوا الخير عند حسان الوجوه ورواه الطبراني بلفظ التمسوا وقبح الوجه على عكسه باعتبار مفهومه كما قيل:
يدل على قبح الطوية ما يرى
…
بصاحبها من قبح بعض ملامحه
والظاهر أن الأمرين غالبيان لتصور خلافهما في بعض افراد الإنسان وفي الحديث اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي فالجمع بينهما كمال الجمال (حسن الصّوت) قال تعالى يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ قرئ بالحاء المهملة وإن كانت المعجمة لهما شاملة (وَكَانَ نَبِيُّكُمْ أَحْسَنُهُمْ، وَجْهًا وَأَحْسَنُهُمْ صَوْتًا صَلَّى الله تعالى عليه وسلم) أي من الكل فيشتمل حسن صورة يوسف وصوت داود باعتبار الصباحة والملاحة وزيادة البلاغة والفصاحة هذا وقد قيل يوسف أعطي شطر حسن آدم وقيل شطر حسن جدته سارة لأنها لم تفارق الحور إلا فيما يعتري الآدمية من الحيض وغيره وقد أعطي محمد صلى الله تعالى عليه وسلم كمال الجلال والجمال من تمام الصباحة فما رآه احد إلا هابه ومن تمام الملاحة فما رآه أحد إلا أحبه وفي الحديث دلالة على جواز مثل هذه الإضافة إذا لم يرد بها المهانة أو البراءة. (وفي حديث هرقل) على ما في الصحيحين من أنه قال لأبي سفيان (وَسَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي أَنْسَابِ قَوْمِهَا) والزعم قد يستعمل بمعنى القول ولعله استعمل بمعنى الظن لما يوهم من معنى التهمة أو لأن أمر النسب مبني على غلبة الظن لا على الحقيقة كما روي عن ابن سلام في قوله تعالى الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وقد رفع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم هذا الوهم في نسبه بما ورد عنه في أحاديث مضمونها أني ولدت من أب إلى أب إلى آدم كلهم من نكاح ليس فيهم سفاح وهذا كله على مقتضى ما وقع في أصل الدلجي وأما على ما صح عندنا من النسخ المعتمدة فذكرت أنه فيكم فلا إشكال (وقال تعالى في أيّوب) أي في نعته (إِنَّا وَجَدْناهُ) أي علمناه أو صيرناه (صابِراً) بتخليقنا أو بتوفيقنا (نِعْمَ الْعَبْدُ) أي أيوب مبتدأ خبره ما قبله وخص بالمدح لصبره على بلائه ورضاه بقضائه ولا يضره شكواه ما به من ضر إلى مولاه (إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص: 44] ) أي كثير الرجوع إلى الله وقال الانطاكي أي تواب والتحقيق هو الفرق بين أواب وتواب بأن التوبة عن المعصية والأوبة عن الغفلة قيل كان ببلاد حوران وقبره مشهور عندهم بقرب نوى وفي قربه عين جارية يتبركون بها على زعم أنها المذكورة في القرآن (وقال تعالى: يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ) أي التوراة (بِقُوَّةٍ [مريم: 12] ) أي بجد وجهد ومبالغة في مواظبته (إلى قوله: وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا
[مريم: 15] ) وهو قوله سبحانه وتعالى وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ أي الحكمة أو النبوة أو المعرفة بالشريعة صبيا وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا أي رحمة وشفقة منا عليه أو رحمة وتعطفا في قلبه على أبويه وزكاة أي طهارة أو نماء ورفعة وكان تقيا أي عن المعاصي نقيا وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ
أي مبالغا في برهما ولم يكن جبارا متكبرا عصيا عاقا وَسَلامٌ
أي من الله عليه يَوْمَ وُلِدَ
أي من أن يمسه الشيطان كغيره من بني آدم كما أخبر به صلى الله تعالى عليه وسلم وَيَوْمَ يَمُوتُ
أي من ضمة القبر ونحوها أي حين يدفن في حجرته عليه السلام وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا
من هول القيامة وخوف العقوبة قال سفيان بن عيينة أوحش ما يكون الإنسان في هذه الأحوال الثلاثة يوم ولد فيخرج مما كان ويوم يموت فيرى قوما لم يكن عاينهم ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر لم ير نفسه فيه فخص يحيى
بالسلامة في هذه المواطن قلت ولعل وجه تخصيصه ما روي عنه صلى الله تعالى عليه وسلم مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا أَلَمَّ بِذَنْبٍ أَوْ كاد إلا يحيى بن زكريا عليهما السلام (وقال تعالى: أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ) من التبشير أو البشارة لثبوتهما في السبعة (بِيَحْيى إلى الصَّالِحِينَ) يعني قوله مصدقا بكلمة من الصالحين أي القائمين بحقوق الله تعالى وحقوق عباده أجمعين (وقال: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً) أي اختارهما (وَآلَ إِبْراهِيمَ) أي إسماعيل وإسحاق وأولادهما ومنهم نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم من نسل إسماعيل ويدخل إبراهيم في من اصطفى دخولا أوليا كما لا يخفى (وَآلَ عِمْرانَ [آل عمران: 33] ) أي موسى وهارون ابني عمران بن يصهر أو عيسى وأمه بنت عمران بن ماثان وكان بين العمرانين ألف وثمانمائة سنة على ما ذكره الدلجي (الآيتين) يعني قوله عَلَى الْعالَمِينَ أي على عالمي زمانهم أو على المخلوقين جميعهم ذرية أي حال كونهم ذرية واحدة بعضها من بعض في الديانة وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ بأقوالهم وأحوالهم فاصطفاهم لعلمه بهم (وَقَالَ فِي نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً [الإسراء: 3] ) حامدا لله في جميع حالاته مع القيام بوظائف طاعاته قيل كان نوح عليه الصلاة والسلام إذا أكل طعاما أو شرب شرابا أو لبس ثوبا قال الحمد لله فسمي عبدا شكورا أي كثير الشكر (وقال) أي بعد قوله تعالى إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ (اللَّهَ يُبَشِّرُكِ) بالوجهين (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ) أي بوجود من يخلق بأمركن من عنده سبحانه بغير واسطة وجود أب (اسْمُهُ الْمَسِيحُ) مبتدأ وخبر أي مسح بالبركة والميمنة أو مسح الأرض بالسياحة (إلى الصَّالِحِينَ [آل عمران: 45- 46] ) وهو قوله عيسى ابن مريم وجيها حال مقدرة أي ذا وجاهة في الدنيا بالنبوة والآخرة بالكرامة والشفاعة ومن المقربين في الحضرة وصحبة الملائكة وعلو الدرجة في الجنة ويكلم الناس أي ومكلما لهم في المهد وكهلا أي طفلا وكهلا كلام الأنبياء من غير قصور في الحالين من تغيير الإنباء ومن الصالحين فيه إشارة إلى أن مرتبة الصلاح غاية الفوز والفلاح (وقال تعالى) أي حكاية عن عيسى (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ) انطقه الله به في أول الحالات لكونه مبتدأ المقامات ولكون ردا على من زعم الوهيته من أهل الضلالات (آتانِيَ الْكِتابَ) أي الإنجيل (إلى ما دُمْتُ حَيًّا [مريم: 30- 31] ) أي قوله تعالى وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أي نفاعا للغير معلما للخير أين ما كنت وَأَوْصانِي أي أمرني بالصلاة والزكاة أي إن ملكت مالا أو بالصدقة على حسب الطاقة أو طهارة النفس من الخباثة ما دمت حيا أي في مدة حياتي إلى ساعة مماتي (وقال) أي في حق موسى عليه الصلاة والسلام (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى [الأحزاب: 69] الآية) يعني فبرأه الله مما قالوا أي حيث قذفوه بعيب في بدنه برصا أو أدرة لفرط تستره حياء على وفق طبعه وشرعه فأطلعهم الله على براءته منه ونزاهته عنه وكان عند الله وجيها أي ذا وجاهة وقربة عند ربه عندية مكانة لا مكان لتنزهه سبحانه وتعالى (قال النّبي صلى الله تعالى عليه وسلم) كما رواه الشيخان (كان موسى رجلا حييّا) بكسر التحتية الأولى وتشديد الثانية فعيل بمعنى شديد الحياء في جميع الأحوال (ستيرا) بكسرتين مع تشديد
الثانية أي كثير التستر في حال الاغتسال وفي نسخة صحيحة بفتح فكسر تحتية مخففة قال ابن الأثير ستير قليل بمعنى فاعل أقول واختيار المبالغة أبلغ وانسب بقوله (ما يرى من جسده شيء استحياء) وفي نسخة استحاء أي لأجل كمال حيائه من رفقائه (الحديث) وتمامه قوله عليه الصلاة والسلام فآذاه من آذاء من بني إسرائيل فقالوا ما تستر هذا التستر إلا عن عيب بجلده إما برص أو أدرة وهي بالضم نفخ الخصية وأن الله أراد أن يبرئه فخلا يوما وحده أي منفردا ليغتسل فوضع ثوبه أي جميعه وهو المناسب لدفع الأدرة أو الزائد عن إزاره إن كان البرص على زعمهم فوقه ففر الحجر أي بعد فراغه من غسله ويحتمل كونه من قبله فجمح بجيم فميم مفتوحة فحاء مهملة أي أسرع في أثره يقول أي قائلا ثوبي أي ألقه أدرة بأحجر حتى انتهى أي مشيه ووصل إلى ملأ بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن خلق الله حالان من ضمير رأوه إذ الرؤية بصرية ليس لها إلا مفعول واحد فقالوا والله ما بموسى من بأس فأخذ ثوبه أي من فوق الحجر وقد ضربه حيث فر ولعله سبحانه وتعالى به أمر فوالله إن بالحجر لندبا بفتح النون والدال المهملة والموحدة أي تأثيرا من أثر ضربه ثلاثا صفة لاسم أن مبينة لعدده وفي رواية أو أربعا أو خمسا والظاهر أن الجملة القسمية من تمام الحديث وجوز الدلجي أن تكون مدرجة فيه من كلام الراوي لكن ليس فيه ما يشعر به ولا يلجئه وفي الحديث أن تكون مدرجة فيه من كلام الراوي لكن ليس فيه ما يشعر به ولا ما يلجئه وفي الحديث جواز الغسل عريانا في الخلوة وإن كان الأفضل ستر العورة وبه قال الأئمة الأربعة وفيه إيماء إلى ابتلاء الأنبياء والأولياء بإيذاء السفهاء وصبرهم عليه في حال البلاء وأن الأنبياء منزهون من النقائص خلقا وخلقا (وقال تعالى عنه) أي حكاية بعد قوله فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً [الشعراء: 21] ) أي نبوة وعلما (الآية) تمامها وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (وقال في وصف جماعة منهم) موسى مد حالهم (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ [الدخان: 18] وقال) أي حكاية لقول بنت شعيب في حق موسى (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [الْقَصَصِ: 26] ) روي أن شعيبا قال لها وما علمك بقوته وأمانته فذكرت اقلابه الحجر الثقيل الذي لا يحمله إلا أربعون أو عشرون وغضه البصر حين بلغته الرسالة وأمره إياها بأن تمشي وراءه وتدله بالحجارة إن أخطأ تلقاءه (وقال: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: 35] ) تقدم أنه منهم ومن أفضلهم أو هذا الوصف يعمهم (وقال: وَوَهَبْنا لَهُ) أي لإبراهيم (إِسْحاقَ) أي ابنه (وَيَعْقُوبَ) ابن إسحاق سبطه (كُلًّا) أي منهما (هَدَيْنا [الأنعام: 84] إلى قوله) أي في كلام يطول منتهيا إلى قوله إجمالا (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: 90] ) بهاء السكت وفي قراءة ابن عامر بكسرها وفي رواية لابن ذكوان بإشباعها على أنه ضمير راجع إلى المصدر وقرأ حمزة والكسائي بحذف الهاء وصلا والكل بسكونه وقفا والمعنى اقتد بطريقتهم وسيرتهم وسريرتهم أو بما توافقوا عليه من أمر التوحيد والنبوة والبعثة وأمثالها دون الفروع المختلف فيها إذ ليست مضافة إلى كلهم مع عدم إمكان الاقتداء في جميعها بهم لتباين أحكامهم (فوصفهم) أي الله
سبحانه وتعالى (بأوصاف) أي نعوت معنوية لا كما توهم الدلجي من زيادة حسية (جمّة) أي كثيرة (من الصّلاح) من بيانية وهو مستفاد من قوله كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (والهدى) أي من صدر الآية وختمها (والاجتباء) من قوله وَاجْتَبَيْناهُمْ (والحكمة) أي الحكم (والنّبوّة) من قوله تعالى أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وكان ينبغي أن يذكر نعت الاحسان قبل الصلاح فإنه مستفاد من قوله تعالى وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (وقال وَبَشَّرُوهُ) أي إبراهيم (بِغُلامٍ عَلِيمٍ [الذاريات: 28] ) أي كثير العلم (وحليم) أي وفي آية أخرى بِغُلامٍ حَلِيمٍ أي ذي حلم وحاصله أنه جامع بين العلم والحلم ولا يخفى حسن تقدم العلم ولعل هذا وجه تقديم المصنف له مع أن ترتيب القرآن عكس ذلك حيث جاء في الصافات حليم بالحاء وفي الذاريات عليم بالعين على احتمال خلاف ذلك باعتبار حال النزول لكن كان حقه أن يقول فبشرناه بغلام حليم وبشروه بغلام عليم فإن ما فعله اقتصار محل لا سيما اقتصاره على قوله فبشرناه فإنه لا يصح إلا مع قوله بغلام حليم بالحاء وإلا فيلزم منه التركيب الممنوع في علم القراءة كالتلفيق المنهي في المعاملة ثم المبشر به إسماعيل وهو أصح من القول بأنه إسحاق وقد تقدم والله تعالى أعلم (وَلَقَدْ فَتَنَّا) أي امتحنا (قَبْلَهُمْ) أي قبل كفار مكة (قَوْمَ فِرْعَوْنَ أي معه بإرسال موسى إليهم وإيقاع الفتنة بالإمهال في العقوبة وتوسعة الرزق عليهم (وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) أي على الله والمؤمنين أو في نفسه لشرف نسبه وفضل حسبه (إلى أَمِينٌ [الدخان: 17- 18] ) وهو قوله أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ أي حق الدعوة من الإجابة وقبول الطاعة عباد الله أي يا عباد الله أو سلموهم إلى وأرسلوهم معي إلى حيث ما أمر الله إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ غير متهم في أمر الدين (وقال) أي حكاية عن إسماعيل خطابا لوالده إبراهيم عليهما السلام عند قصد ذبحه بأمر ربه لما رأى في نومه (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصَّافَّاتِ: 102] ) أي على حكم الله وقضائه أو في ابتلائه من أمره بذبحه (وَقَالَ فِي إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ [مريم: 54] ) وخص به لأنه وعد بالصبر على ذبحه وقد وفى بوعده (الآيتين) أي تمامهما وهو قوله وَكانَ رَسُولًا أي إلى قبيلة جرهم نبيا لعله أخر للفاصلة أو دفعا لتوهم كونه رسولا بالواسطة كقوله سبحانه وتعالى إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ أي من أصحاب عيسى عليه الصلاة والسلام وكان يأمر أهله أي أهل بيته أو جميع أمته بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا أي في مقاله وفعاله وحاله (وفي موسى) أي وقال في حقه (إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً [مريم: 51] ) أي لربه في عبادته عن الرياء وعن متابعة هواه بل طالبا لرضاه إذ سلم وجهه لله وأخلص نفسه عما سواه وفي قراءة للسبعة بفتح اللام أي أخلصه الله واختاره لنفسه واجتباه وهذا أكمل مقام في منازل السائرين وأفضل حال في مراحل الطائرين وتمام الآية وكان رسولا نبيا (وفي سليمان نِعْمَ الْعَبْدُ) أي قال في حقه هذا القول (إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص: 30] ) أي كثير الرجوع إلى رب الأرباب (وقال) أي في حق جماعة منهم (وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) وقرأ ابن كثير عبدنا فالمراد به إبراهيم لخصوصية أو الإضافة جنسية فتوافق الجمعية
وهو أولى كما لا يخفى (أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ أي أصحاب القوة في مباشرة الطاعات العملية وأرباب البصيرة في الأمور العلمية وفيه تعريض بالبطلة والجهلة الواقعين في تحصيل الشهوات النفسانية واللذات الحيوانية (إلى الْأَخْيارِ [ص: 45- 46] ) يعني قوله سبحانه وتعالى إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ أي جعلناهم خالصين لنا بخصلة خالصة لهم هي ذكرى الدار أي دار القرار لما فيها من قرب الجوار كما قال مجنون العامري:
وما حب الديار شغفن قلبي
…
ولكن حب من سكن الديارا
فالخواص لا يذكرون الجنة ولا يطلبونها بالمرة إلا لما فيها من وعد الرؤية ومنزلة القربة وقرأ نافع وهشام بإضافة الخالصة إضافة بيانية وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ أي المجتبين من بين أمثالهم الأخيار أي المختارين بأفعالهم (وفي داود أنه أواب) أي حيث كان يفطر يوما ويصوم يوما وينام بعض الليل ويقوم بعضه (ثمّ قال: وَشَدَدْنا مُلْكَهُ) أي قويناه بالهيبة وكثرة الجنود في الخدمة ودوام النصرة والغلبة (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ) أي اتقان العلم والعمل أو الحكومة والنبوة (وَفَصْلَ الْخِطابِ [ص: 20] ) أي الخصام بتمييز الحق عن الباطل في الأحكام أو الكلام الملخص الذي يتبينه المخاطب في كل باب أو قوله أما بعد في كل خطبة أو في أول كتاب (وقال عن يوسف) أي اخبارا عما خاطب به الملك بقوله (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف: 55] ) فدل على غاية حفظه ونهاية علمه بتقرير الحق سبحانه وعظم شأنه وقد روي عن مجاهد أن الملك أسلم على يديه أي لما رأى من وفور علمه وحفظه وشفقته ومرحمته على خلق الله من خاصة وعامة حتى ما كان يشبع في حالته مع وجود الخزائن تحت تصرفه وحيز ارادته مما شهدت أموره الخارقة عن العادة بصحة ثبوته ورسالته (وفي موسى) حيث قال للخضر (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً [الكهف: 69] ) أي معك غير منكر لك وتعليق الوعد بالمشيئة للإشارة إلى أن أفعال العباد جارية على وفق الإرادة الإلهية (وقال تعالى عن شعيب) لعل المصنف اختار تزيين التلويح والتفنن في مقام التحسين فتارة عبر بفي وأخرى بعن (سَتَجِدُنِي أي مخاطبا لموسى (إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ [القصص: 27] ) أي في حسن المعاملة والوفاء بالمعاهدة والمعاشرة بالمجاملة والتعليق للاتكال على توفيقه سبحانه وتعالى ومعونته لا للاستثناء في معاهدته بكونه إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل فإن هذا ليس من شأن الكمل (وقال) أي في حقه أيضا (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى مَا أَنْهاكُمْ عَنْهُ) من قولهم خالفت فلانا إلى كذا إذا قصدته مع إعراضه عنه والمعنى ما أريد أن آتي ما نهيتكم عنه لأستبد به لعلمي بأنه خطأ وفي ارتكابه خطر فلو كان صوابا لآثرته ولم أتركه فضلا عن أن أنهى غيري عَنْهُ (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ [هود: 88] ) أي ما أريد بأمركم للمعروف ونهيكم عن المنكر إلا حصول الصلاح ووصول الفلاح ما دمت استطيعه أو القدر الذي أطيقه قال الثعلبي نقلا عن
عطاء وغيره أنه من نسل مدين بن إبراهيم الخليل ويقال له خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه وعمي في آخر عمره قال قتادة بعثه الله رسولا إلى أمتين مدين وأصحاب الأيكة وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن شعيبا كان كثير الصلاة فلما طال تمادى قومه على كفرهم بعد المعجزة وكثرة المراجعة وأيس من صلاحهم ورجوعهم إلى فلاحهم دعا الله عليهم بقوله رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ فاستجاب الله للدعوة وأهلكهم بالرجفة وهي الزلزلة وأهلك أصحاب الأيكة بعذاب الظلة قال السمعاني في الأنساب قبر شعيب في خطين وهي قرية بساحل بحر الشام وعن ابن وهب أن شعيبا ومن معه من المؤمنين ماتوا بمكة وقبورهم غربيها بين دار الندوة وبين باب بني سهم وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في المسجد الحرام قبران ليس فيه غيرهما قبر إسماعيل في الحجر وقبر شعيب مقابل الحجر الأسود انتهى وما صح قبر نبي من الانبياء عليهم الصلاة والسلام غير قبر نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم إيماء إلى أن غيره من الأنبياء كالبدر السائرة المستورة عن عين الشهود عند ظهور نور شمس دائرة الوجود (وقال: وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً [الأنبياء: 74] ) أي حكمة ونبوة وحكومة في الخصومة قال الثعلبي نقلا عن وهب بن منبه خرج لوط من أرض بابل في العراق مع عمه إبراهيم تابعا له على دينه مهاجرا معه إلى الشام ومعهما سارة أمرأة إبراهيم عليه السلام وخرج معهما أزر أبو إبراهيم مخالفا لإبراهيم في دينه مقيما على كفره حتى وصلوا حوران فمات بها آزر فمضى إبراهيم وسارة ولوط إلى الشام ثم مضوا إلى مصر ثم عادوا إلى الشام فنزل إبراهيم فلسطين ونزل لوط الأردن فأرسله الله إلى أهل سدوم وما يليها وكانوا ألفا يأتون الفواحش قال أبو بكر بن عياش عن أبي جعفر استغنت رجال قوم لوط بوطىء رجالهم واستغنت نساؤهم بنسائهم (وقال إِنَّهُمْ) أي الأنبياء المذكورين في سورتهم (كانُوا) أي بحملتهم (يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ [الأنبياء: 89] ) أي يبادرون إلى الطاعات (الآية) وهي قوله تعالى وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً أي للرغبة في المثوبة والقربة والرهبة عن العقوبة بالحرقة والفرقة وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ أي خاضعين أو لأجلنا مع خلقنا متواضعين أو خائفين وجلين حزينين ولعله أشار إلى هذا المعنى بقوله (قال سفيان) أي الثوري أو ابن عيينة وهما تابعان جليلان وجزم التلمساني بالأول (هو) أي معنة الخشوع (الحزن الدّائم) أي المورث للمسارعة إلى الخير (في آي كثيرة) متعلق بقوله وقال تعالى في أيوب أي قد ورد ما ذكر من الآيات الشاهدة على شرف حالهم وكمال جمالهم مما هي نبذة يسيرة مندرجة في آيات كثيرة لا يمكن إحصاؤها وإتيانها بأسرها (ذكر فيها من خصالهم) أي بعض نعوتهم الشاهدة على جميل حالهم (وَمَحَاسِنِ أَخْلَاقِهِمُ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِهِمْ وَجَاءَ مِنْ ذلك) أي من قبيل ما ذكر في الآيات (في الأحاديث كثير) أي مما ينبغي أن يروى منها قدر يسير (كقوله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي على ما رواه البخاري وابن حبان والحاكم: (إِنَّمَا الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنُ
الْكَرِيمِ: يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إبراهيم) وفي اتيان إنما إيماء بحصر كرم النسب وشرف الحسب فيه إذا لم يتفق لأحد أنه (نَبِيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ ابْنُ نَبِيٍّ ابْنُ نَبِيٍّ) غيره مع إيذان تعريف المبتدأ والخبر به أيضا لتأكيده فلا ينافيه ما رواه أحمد والبخاري عن ابن عمر وأحمد أيضا عن أبي هريرة بلفظ أن الكريم الخ مع أنه وافق لموازنة ما بعده حتى قيل أنه موزون بلفظه ثم الظاهر أن قوله نبي ابن نبي الخ مدرج من كلام الراوي أو تفسير للقاضي. (وفي حديث أنس) أي كما رواه البخاري بعد قوله تنام عيني ولا ينام قلبي (وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ) أي فلا يتطرق إليهم ما يحجزهم من إشراق الأنوار الأحدية أو يحجبهم عن الأسرار الصمدية (وروي) أي من طريق الطبراني عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا (أنّ سليمان كان مع ما) ويروى فيما (أعطي من الملك) مما يقتضي تكبرا وتجبرا وترفعا (لَا يَرْفَعُ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ تَخَشُّعًا وَتَوَاضُعًا) أي لله كما في نسخة (وكان) أي سليمان على ما روى أحمد في الزهد عن فرقد السنجي (يطعم النّاس لذائذ الأطعمة) وفي أصل التلمساني لذائذ جمع لذيذة وهو ما يوافق الطبع ويلائمه (ويأكل خبز الشّعير وأوحي إليه) وفي نسخة وأوحى الله تعالى إليه (يا رأس العابدين) أي من الملوك أو الموجودين (وابن محجّة الزّاهدين) أي على غيره وفي نسخة محجة بفتحات وتشديد جيم أي مجمعهم أو معظم طريقهم وفيه غاية المبالغة (وكانت العجوز) ووقع في اصل الدلجي وإن كانت فقال هي المخففة من المثقلة (تعترضه) أي تأتيه من عرض طريقه (وهو على الرّيح في جنوده) أي وهو معهم في تلك العظمة (فيأمر الرّيح) أي بالوقوف لأجلها (فتقف) أي بأمره لها (فينظر في حاجتها) أي يتأمل فيها ويقضي بها (ويمضي) أي يتوجه إلى مقصده، (وَقِيلَ لِيُوسُفَ مَا لَكَ تَجُوعُ وَأَنْتَ عَلَى خزائن الأرض) جملة حالية (قال أخاف أن أشبع فأنسى الجائع) أي جنس الجائعين وأغفل عن تفقد المحتاجين وفي نسخة الجياع بكسر الجيم جمع الجيعان، (وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْهُ عليه الصلاة والسلام كما في البخاري (خفّف على داود القرآن) أي قراءة الزبور (فكان يأمر بدوابّه) أي لأجله وأصحابه وروي بدابته فيحتمل إضافة الجنسية لكن إرادة الواحدية أبلغ في مقام خرق العادة (فتسرج) له (فيقرأ القرآن قبل أن تسرج) أي فيختمه في زمن يسير مع أنه كتاب كبير بناء على خرق العادة من بسط الزمان أوطى اللسان وقد وقع نظير هذا لبعض أكابر هذه الأمة (وَلَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ قَالَ الله تعالى: وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) أي كالشمع يتصرف فيه كيف يشاء من غير طرق وإحماء (أَنِ اعْمَلْ) بأن المصدرية بتقدير الباء السببية أي وأحينا إليه وأمرناه إن أعمل فإن مصدرية أو مفسرة وأما قول التلمساني إن التقدير تكلف لعدم الدليل على الحذف ففي غير محله نشأ من قلة تأمله (سابِغاتٍ) أي دروعا واسعات (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ)[سبأ: 10- 11] ) أي اجعله على قدر الحاجة في النساجة والسرد في اللغة اتباع الشيء بالشيء من جنسه ومنه سرد الحديث والمعنى لا تصغر حلقه فتضيق حال لابسها ولا توسعها فينال لابسها من
خلالها وقيل لا تقصد الخصافة فتثقل في الجملة والخفة فتزيل المنعة وفي البخاري ولا تدق المسمار فتسلس هو من قولهم سلس أي لين وروي فيتسلسل أي فيتصل فيسرع كسره باندقاقه (وَكَانَ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَرْزُقَهُ عَمَلًا بِيَدِهِ يغنيه عن بيت المال) أي فعلمه الله صنعة الدرع وسبب ذلك ما روى عنه أنه كان يسأل الناس عن نفسه فيثنون عليه فرأى ملكا في صورة آدمي فسأله فقال نعم الرجل إلا أنه يطعم عياله من بيت المال قيل وكان يعني داود عليه الصلاة والسلام بعد ذلك يأخذ الحديد بيده فيصير كالعجين فيعمل منه الدرع في بعض يوم يبيعها بألف درهم فيأكل ويتصدق ويجعل ثلثه في بيت المال (وقال عليه الصلاة والسلام كما رواه الشيخان وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر (أحبّ الصّلاة) أي أنواع صلاة الليل (إلى الله صلاة داود، وأحبّ الصّيام) أي صيام النافلة (إلى الله صيام داود وكان ينام) كذا في النسخ والأظهر كان بلا عاطفة ليكون بيانا لقضية سالفة أي كان ينام (نصف اللّيل) للاستراحة الموجبة للتقوية على العبادة (ويقوم ثلثه) من أول النصف الثاني لأنه أفضل أجزائه (وينام سدسه) لينشط لعبادة أول نهاره (ويصوم يوما ويفطر يوما) إما رعاية لحالة الاعتدال لئلا يضعف بالصوم على وجه الاتصال أو لتتصور له مداومة الأعمال ففي الصحيحين أحب الأعمال إلى الله أدومها إن قل ولئلا يصير الصوم عادة فلا يتخلص عبادة أو لأن هذه الكيفية أشق على النفس والأجر عل قدر المشقة ثم في الجملتين الأخيرتين بيان علية الأحب في المقدمتين ولفظ الجامع الصغير أحب الصيام إلى الله تعالى صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما وأحب الصلاة إلى الله صلاة دَاوُدَ كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وينام سدسه انتهى (وكان يلبس الصّوف ويفترش الشّعر) أي نفسه أو ما يصنع منه تواضعا لربه ولذا اختاره الصوفية (ويأكل خبز الشّعير بالملح والرّماد) ولعله أراد به ما اختلط بالخبز واستهلك فيه وإلا فأكل الرماد حرام لما فيه من مضرة العباد (ويمزج شرابه بالدّموع) كما رواه ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه ومجاهد موقوفا (ولم ير ضاحكا بعد الخطيئة) أي المعهودة المسماة بالخطيئة وإن لم تكن خطيئة في الحقيقة إلا أن حسنات الابرار سيئات الأحرار إذ لم يثبت عنه سوى أنه خطب امرأة كان قد خطبها أوريا فزوجها أهلها من داود رغبة فيه أو سأله أن ينزل له عنها فتزوجها وكان ذلك في زمانه عادة لهم فأرسل الله إليه ملكين تنبيها له على ان ذلك خلاف الأولى فيما هنالك لاستغنائه بتسع وتسعين امرأة فلما تنبه في هذا الباب استغفر ربه وخر راكعا وأناب وقد بالغ في تضرعه وبكائه لما له من عظيم المرتبة وكريم المنزلة في مقام حيائه (ولا شاخصا ببصره) أي ولا رؤى رافعا له مع تحديد نظره (إلى السّماء) أي إلى جهتها وفي نسخة نحو السماء (حياء من ربّه عز وجل أي لكمال قربه والحديث رواه أحمد في الزهد عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الله الجدلي بلفظ ما رفع داود رأسه إلى السماء بعد ما أصاب الخطيئة حتى مات وبهذه الرواية مع ما قدمناه من الدراية اندفع قول الحلبي لو قال القاضي غير هذه
العبارة كان أحسن (ولم يزل باكيا حياته كلّها) أي في جميع مدة عمره إلى حالة مماته بعد تلك الواقعة؛ (وقيل بكى) بل روى ابن أبي حاتم عن أنس رضي الله تعالى عنه مرفوعا وعن مجاهد وغيره أنه بكى (حتّى نبت العشب) بضم فسكون هو الحشيش (من دموعه) أي من كثرة وقوع دموعه على الأرض (وحتّى اتّخذت الدّموع في خدّه أخدودا) أي شقا مستطيلا ممدودا والمعنى أثرت في خده أثرا كالشق والحفر الطويل في الأرض ومنه قوله تعالى قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ وهو مفرد جمعه أخاديد (وقيل) كما في الكشاف وغيره (كان يخرج متنكّرا يتعرّف سيرته فيسمع الثّناء عليه) أي في غيبته (فيزداد تواضعا) أي لربه شكرا لمزيد نعمته؛ (وقيل لعيسى عليه السلام كما رواه أحمد في الزهد وابن أبي شيبة في مصنفه (لو اتّخذت لك حمارا) أي لو اخترته لتركبه أحيانا عند الحاجة إليه (قال أنا أكرم على الله تعالى من أن يشغلني بحمار) أي بأن يتعلق قلبي به وبكلفته وخدمته ويشغلني بفتح الغين فإن الاشغال لغة رديئة؛ (وكان) كما روى أحمد في الزهد عن عبيد بن عمير ومجاهد والشعبي وابن عساكر في تاريخه أنه كان (يلبس الشّعر) أي ثوبه (ويأكل الشّجر) أي ورقه (ولم يكن له بيت) أي مسكن يأوي اليه. (أَيْنَمَا أَدْرَكَهُ النَّوْمُ نَامَ؛ وَكَانَ أَحَبُّ الْأَسَامِي) جمع الأسماء (إليه أن يقال له مسكين) وقد رواه أحمد في الزهد عن سعد بن عبد العزيز بلفظ بلغني أنه ما من كلمة كانت تقال لعيسى ابن مريم أحب إليه من أن يقال هذا المسكين؛ (وقيل) كلمة رواه أحمد أيضا في الزهد وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه موقوفا (إِنَّ مُوسَى عليه السلام لَمَّا وَرَدَ مَاءَ مدين) سمي باسم ابن إبراهيم الخليل (كانت ترى خضرة البقل) أي الذي كان يأكله بعد خروجه من مصر خائفا يترقب متوجها إلى مدين (في بطنه من الهزال) بضم الهاء نقيض السمن على ما في القاموس فبطل قول التلمساني هو الضعف قيل وصوابه لو قال من الطوى أو الجوع انتهى ولا يخفى بعده عن المدعي وهو متعلق بقوله كانت ترى وتعليله كما ترى. (وقال عليه الصلاة والسلام كما رواه الحاكم وصححه عن أبي سعيد مرفوعا (لَقَدْ كَانَ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلِي يُبْتَلَى أَحَدُهُمْ بِالْفَقْرِ) أي بشدة الحاجة في مطعمه (والقمل) أي بكثرته في ثوبه وبدنه (وكان أحبّ إليهم من العطاء إليكم) رضي بقضاء المولى وعلما بأن ما أعده الله لهم خير وأبقى وقد أورد المؤلف هذا الحديث في الفصل الأخير من القسم الثالث بطريق آخر وهو وقوله وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا وَضَعَ يده على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلى قوله فقال النبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ يُضَاعَفُ لَنَا الْبَلَاءُ إِنْ كَانَ النَّبِيُّ لَيُبْتَلَى بِالْقَمْلِ حَتَّى يقتله وإن كان النبي ليبتلى بالفقر وإنهم كانوا ليفرحون بالبلاء كما تفرحون بالرخاء. (وَقَالَ عِيسَى عليه السلام لِخِنْزِيرٍ لَقِيَهُ اذْهَبْ بسلام) أي مناو منك (فقيل له في ذلك) استعظاما لمرتبته مع الخنزير في حقارته (فَقَالَ أَكْرَهُ أَنْ أُعَوِّدَ لِسَانَيِ الْمَنْطِقَ بِسُوءٍ) أي النطق به لقوله سبحانه وتعالى ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ