المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [في تفضيله بالشفاعة والمقام المحمود] - شرح الشفا - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأوّل

- ‌[المقدمة]

- ‌ترجمة القاضي عياض

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌القسم الأول [في تعظيم العلي الأعلى جل وعلا]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ [فِيمَا جَاءَ من ذلك مجيء المدح والثناء]

- ‌الفصل الثّاني [في وصفه تعالى بالشهادة وما تعلق به من الثناء والكرامة]

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ [فيما ورد من خطابه تعالى إياه مورد الملاطفة والمبرة]

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُ [فِي قَسَمِهِ تَعَالَى بِعَظِيمِ قَدْرِهِ صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الفصل الخامس في قسمه

- ‌الْفَصْلُ السَّادِسُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى في جهته عليه الصلاة والسلام مورد الشفقة والإكرام]

- ‌الفصل السّابع [فيما أخبره الله بِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ عَظِيمِ قَدْرِهِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّامِنُ [فِي إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقَهُ بصلاته عليه وولايته له]

- ‌الْفَصْلُ التَّاسِعُ [فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْفَتْحِ مِنْ كراماته عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْعَاشِرُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كتابه العزيز من كراماته عليه ومكانته عنده]

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي تَكْمِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ المحاسن خلقا وخلقا]

- ‌فصل [قال القاضي رحمه الله تعالى إذا كانت خصال الكمال والجلال]

- ‌فصل [إن قلت أكرمك الله تعالى لا خفاء على القطع بالجملة]

- ‌فصل [وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُفُورُ عَقْلِهِ وَذَكَاءُ لُبِّهِ وَقُوَّةُ حَوَاسِّهِ وفصاحة لسانه واعتدال حركاته وحسن شمائله]

- ‌فصل [وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول]

- ‌فصل [وأما شرف نسبه وكرم بلده ومنشأه]

- ‌فصل [وأما تَدْعُو ضَرُورَةُ الْحَيَاةِ إِلَيْهِ مِمَّا فَصَّلْنَاهُ فَعَلَى ثلاثة ضروب الضرب الأول]

- ‌فصل [وأما الضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته والفخر بوفوره]

- ‌فصل [وأما الضرب الثالث فهو ما تختلف فيه الحالات]

- ‌فصل [وأما الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [وأما أَصْلُ فُرُوعِهَا وَعُنْصُرُ يَنَابِيعِهَا وَنُقْطَةُ دَائِرَتِهَا فَالْعَقْلُ]

- ‌فصل [وأما الحلم]

- ‌فصل [وأما الجود]

- ‌فصل [وأما الشجاعة والنجدة]

- ‌فصل [وأما الحياء والإغضاء]

- ‌فصل [وأما حسن عشرته وآدابه]

- ‌فصل [وأما الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق]

- ‌فصل [وأما خلقه صلى الله تعالى عليه وسلم في الوفاء]

- ‌فصل [وأما تواضعه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما عدله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته]

- ‌فصل [وأما وقاره صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما زهده صلى الله تعالى عليه وسلم في الدنيا]

- ‌فصل [وأما خوفه صلى الله تعالى عليه وسلم من ربه عز وجل]

- ‌فصل [اعلم وفقنا الله تعالى وإياك أن صفات جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قد آتيناك أكرمك الله سبحانه من ذكر الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [في تفسير غريب هذا الحديث ومشكله]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ ومشهورها بتعظيم قدره عند ربه عز وجل]

- ‌الفصل الأول [فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ مَكَانَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عز وجل]

- ‌فصل [في تفضيله صلى الله تعالى عليه وسلم بما تضمنته كَرَامَةُ الْإِسْرَاءِ]

- ‌فصل [ثم اختلف السلف والعلماء هل كان إسراء بروحه أو جسده]

- ‌فصل [إبطال حجج من قال أنها نوم]

- ‌فصل [وأما رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم لربه عز وجل]

- ‌فصل [في فوائد متفرقة]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَظَاهِرُ الآية من الدنو والقرب]

- ‌فصل [في ذكر تفضيله في القيامة بخصوص الكرامة]

- ‌فصل [في تفضيله بالمحبة والخلة]

- ‌فصل [في تفضيله بالشفاعة والمقام المحمود]

- ‌فصل [في تفضيله فِي الْجَنَّةِ بِالْوَسِيلَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ وَالْكَوْثَرِ وَالْفَضِيلَةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ إِذَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلِيلِ الْقُرْآنِ وصحيح الأثر]

- ‌فصل [في أسمائه صلى الله تعالى عليه وسلم وما تضمنته من فضيلته]

- ‌فصل [في تشريف الله تعالى له بما سماه به من أسمائه الحسنى]

- ‌فصل [قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وها أنا أذكر نكتة]

- ‌الْبَابُ الرَّابِعُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَشَرَّفَهُ بِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ والكرامات]

- ‌فصل [اعلم أن الله عز وجل قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْمَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ]

- ‌فصل [اعلم أن معنى تسميتنا ما جاءت به الأنبياء معجزة]

- ‌فصل [في إعجاز القرآن العظيم الوجه الأول]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ إِعْجَازِهِ صُورَةُ نَظْمِهِ الْعَجِيبِ والأسلوب الغريب]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْإِعْجَازِ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ من الأخبار]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الرَّابِعُ مَا أَنْبَأَ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ القرون السالفة]

- ‌فصل [هَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ إِعْجَازِهِ بَيِّنَةٌ لَا نزاع فيها ولا مرية]

- ‌فصل [ومنها الروعة]

- ‌فصل [وَمِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْدُودَةِ كَوْنُهُ آيَةً بَاقِيَةً لا تعدم ما دامت الدنيا]

- ‌فصل [وَقَدْ عَدَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمُقَلِّدِي الْأُمَّةِ في إعجازه وجوها كثيرة]

- ‌فصل [في انشقاق القمر وحبس الشمس]

- ‌فصل [في نبع الماء من بين أصابعه الشريفة وتكثيره ببركته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ تَفْجِيرُ الْمَاءِ ببركته وانبعاثه]

- ‌فصل [ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته]

- ‌فصل [في قصة حنين الجذع له صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [ومثل هذا وقع في سائر الجمادات بمسه ودعوته]

- ‌فصل [في الآيات في ضروب الحيوانات]

- ‌فصل [في إحياء الموتى وكلامهم]

- ‌فصل [في إبراء المرضى وذوي العاهات]

- ‌فصل [في إجابة دعائه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في كراماته صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْغُيُوبِ]

- ‌فصل [في عصمة الله تعالى له صلى الله تعالى عليه وسلم من الناس وكفايته من آذاه]

- ‌فصل [ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم]

- ‌فصل [ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام وكراماته وباهر آياته أنباؤه مع الملائكة]

- ‌فصل [وَمِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ وَعَلَامَاتِ رِسَالَتِهِ مَا تَرَادَفَتْ]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ عِنْدَ مولده عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى قد أتينا في هذا الباب]

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌فصل [في تفضيله بالشفاعة والمقام المحمود]

‌فصل [في تفضيله بالشفاعة والمقام المحمود]

(في تفضيله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي على غيره (بالشّفاعة) أي العظمى تحت اللواء الممدود (والمقام المحمود) كالتفسير لما قبله (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ) أي يقيمك (مَقاماً مَحْمُوداً [الإسراء: 79] ) أي يحمده فيه الأولون والآخرون (أخبرنا الشّيخ أبو عليّ الغسّانيّ) بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة (الجيّانيّ) بفتح الجيم وتشديد التحتية (فيما كتب به) أي به كما في نسخة (إليّ) أي مرسلا أو أصلا إلى (بخطّه) أي إجازة فإن القاضي لم يسمع منه شيئا، (ثنا) أي حَدَّثَنَا (سِرَاجُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي حَدَّثَنَا أبو محمّد الأصيليّ حدّثنا أبو زيد) أي المروزي (وأبو أحمد) أي الجرجاني (قالا) أي كلاهما (حدّثنا محمّد بن يوسف) أي الفربري (حدّثنا محمّد بن إسماعيل) أي البخاري (حدّثنا إسماعيل بن أبان) بفتح الهمزة وفيه الصرف وعدمه والأجود الصرف هو أبو إسحاق الوراق أزدي كوفي روى عنه أحمد بن معين والدارمي وأبو حاتم وخلق وثقه أحمد وجماعة وقال البخاري صدوق وقال غيره فيه تشيع ذكره الحلبي قلت هو لا ينافي كونه صدوقا (حدّثنا أبو الأحوص) بحاء وصاد مهملتين له أربعة آلاف حديث (عن آدم بن عليّ) أي العجلي (قال سمعت ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يقول) أي موقوفا لكنه لكونه مما لا يقال مثله من قبل الرأي يكون في الحكم مرفوعا (إنّ النّاس يصيرون) أي يكونون يوم القيامة (جثى) بضم الجيم فمثلثة مقصورا منونا جمع جثوة بضم جيمها وقد تكسر وحكي الفتح وهي ما جمع من تراب ونحوه ثم استعير للجماعة ومنه حديث عامر رأيت قبور الشهداء اجثاء أي اتربة مجموعة وأما قول بعضهم جمع جاث وهو الذي يكون معتمدا على ركبتيه فبعيد بل لا يصح لأن فاعلا لا يجمع لعى فعل مخففا وفي نسخة جثاء مضموم الجيم ممدود الآخر أي جماعات واحدها جثوة وفي أخرى بتشديد المثلثة جمع جاث وهو من يجلس على ركبتيه ومنه حديث علي أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الله أي يصيرون فيه جماعات متخاصمين ومنه قوله تعالى وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا وهو الملائم لقوله (كلّ أمّة تتبع نبيّها يقولون) أي قائلين لأنبيائهم باسمائهم (يا فلان اشفع لنا) أي لخصوصنا أو لعمومنا (يا فلان اشفع لنا) أي وهكذا واحدا بعد واحد وهو يقول لست لها (حتّى تنتهي الشّفاعة) أي العظمى (إلى النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم فذلك) أي الوقت (يوم) بالرفع وروي بالنصب أي فذلك الحال في يَوْمُ (يَبْعَثُهُ اللَّهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ. وَعَنْ أَبِي هريرة رضي الله تعالى عنه) أي فيما رواه أحمد والبيهقي (سئل عنها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يعني قوله) أي يريد أبو هريرة بضمير عنها آية هي قَوْلَهُ (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [الإسراء: 79] فقال) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم جوابا لمن سأل (هي الشّفاعة) أي المراد بها مقام الشفاعة الكبرى لأهل الموقف عامة ولا يبعد أن يكون

ص: 463

الضمير راجعا إلى المقام المحمود وتأنيثه باعتبار الخبر فتدبر. (وروى كعب بن مالك) أي كما رواه أحمد (عنه صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أنا وأمّتي على تلّ) أي مكان مرتفع (ويكسوني ربّي حلّة خضراء) لعله إشارة إلى مقام سعادة السيادة (ثمّ يؤذن لي) أي في القول بعد أن الخلق ما كانوا ينطقون (فأقول ما شاء الله أن أقول) أي من محامد الحق وشفاعة الخلق (فذلك المقام المحمود) وهذا لا ينافي ما ورد عن بعضهم منهم مجاهد أن المقام المحمود هو أن الله يجلس معه محمدا على كرسيه كما ورد به حديث وتعقبه القرطبي بأنه قول غريب وإنه إن صح يتأول على أنه يجلسه مع انبيائه وملائكته ثم ذكر كلام ابن عبد البر قريبا منه على ما نقله الحلبي وفيه أنه تأول بعيد عن المقام سديد في حصول المرام بل المراد بالمعية انفراده صلى الله تعالى عليه وسلم عن البرية في مرتبة المزية كقول موسى إِنَّ مَعِي رَبِّي وسيأتي ما يؤيد هذا التأويل في مقام التفضيل. (وعن ابن عمر رضي الله عنهما أي في رواية (وذكر حديث الشّفاعة) أي العظمى (قال فيمشي) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (حتّى يأخذ بحلقة الجنّة) بسكون اللام وتفتح (فيومئذ) أي فحينئذ (يبعثه الله المقام المحمود الذي وعده) بصيغة الفاعل أو المفعول أي وعده الله سبحانه وتعالى أن يقيمه يوم القيامة وفي رواية فاستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني إلى أن تلا عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قال وهذا المقام المحمود الذي وعده نبيكم. (وعن ابن مسعود عنه) كما رواه أحمد وغيره (عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أنّه) أي المقام المحمود الموعود (قِيَامُهُ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ مَقَامًا لَا يَقُومُهُ غيره يغبطه) بفتح الياء وكسر الباء أي يتمناه (فيه الأوّلون والآخرون) وفي أصل الدلجي به وجعلها إما ظرفية أو سببية؛ (ونحوه عن كعب) أي كعب الأحبار (والحسن) أي البصري، (وفي رواية هو المقام الذي أشفع فيه لأمّتي) أي أصالة ولغيرهم تبعا أو جعل الكل أمة له لأنه أخذ الميثاق منهم بأنهم لو أدركوه لآمنوا به واتبعوه كما ورد لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي. (وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه) على ما رواه أحمد (قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إني لقائم المقام المحمود) اللام المفتوحة للتأكيد في خبر إن وتوهم الدلجي حيث قال أي والله إني لقائم ثم قال وهذا مرشد إلى جواز القسم في الأمر العظيم انتهى ولا خلاف في جوازه مطلقا إلا أن بعض العارفين لم يحلفوا من جهة أمر الدنيا لحقارتها (قبل وما هو) وللدارمي عنه قيل له ما المقام المحمود (قال ذلك يوم) روي بالنصب على أنه ظرف مضاف إلى الجملة وبالرفع والتنوين فيقدر فيه (ينزل الله تبارك وتعالى على كرسيّه) أي يتجلى عليه كتجليه سبحانه على الطور وهو صلى الله تعالى عليه وسلم جالس على الكرسي كما سبقت به الرواية ولا يبعد أن يكون ينزل بضم أوله وكسر الزاء أي يوم يجلسه الله على كرسيه إشعارا للمقام عليه لكن يوافق المعنى الاول بقية الحديث الذي أشار إليه بقوله (الحديث) أي بطوله

ص: 464

مع تتمة قوله فيئط أي يصوت كما يئط الرجل الجديد من تضايقه به أي لعظمة تجليه عليه وهو أي الكرسي يسع السماء والأرض ويجاء بكم حفاة عراة غرلا بضم فسكون أي قلفا غير مختونين لقوله تعالى كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فيكون أول من يكسى إبراهيم لأنه أول من عري في ذات الله حين ألقي في النار والظاهر أن الأول هنا إضافي لقوله عليه الصلاة والسلام فيما سبق ويكسوني ربي حلة خضراء مع أنه لا بدع أن يكون في المفضول بعض ما لا يوجد في الفاضل لا سيما وهو في مقام البنوة وحالة التبعية في مرتبة النبوة يقول الله تعالى اكسوا خليلي فيؤتى بريطتين أي ملاءتين رفيعتين بيضاوين من رياط الجنة ثم أكسى على أثره بفتحتين وبسكر فسكون أي على عقبه وهو يحتمل أن يكون خلعة أخرى بعد ما سبقت له الكسوة الأولى ثم أقوم عن يمين الله أو يمين عرشه أو كرسيه أو جانب يمينه حال تجليه مقاما يغبطني الأولون والآخرون أي يتمنون أن يعطوا مثل ما أعطى ولا ينالونه أبدا.

(وعن أبي موسى) أي الأشعري مات بمكة وقيل بالكوفة (عنه عليه الصلاة والسلام كما رواه ابن ماجة (خيّرت) بصيغة المجهول أي جعلت مخيرا ورواية المصابيح أتاني آت فخيرني (بين أن يدخل نصف أمّتي الجنّة) أي من غير حساب وعذاب (وبين الشّفاعة) أي في هذا الباب (فاخترت الشّفاعة) أي من أول الوهلة (لأنّها أعمّ) أي في المنفعة والظاهر أن هذه الشفاعة دون الشفاعة العظمى مختصة بهذه الأمة إما لإدخال جماعة الجنة بغير محاسبة أو لمن استحق دخول النار فلا يدخلها أو لمن دخلها فيخرج منها وفي الجملة الشفاعة ثابتة على ما أجمع عليه أهل السنة لقوله تعالى يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ولا عبرة بمنع الخوارج وبعض المعتزلة مستدلين بقوله تعالى فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ فإنه مخصوص بالكافرين وأما تخصيصهم أحاديث الشفاعة بزيادة الدرجات في الجنة فباطل لتصريح الأدلة بإخراج من دخل النار من المؤمنين منها كما يشير إليه قوله صلى الله تعالى عليه وسلم (أترونها) بالاستفهام الإنكاري بمعنى النفي وبضم التاء وفتح الراء أي لا تظنون الشفاعة التي اخترتها (للمتّقين) أي عن المعاصي خاصة، (ولكنّها) وفي نسخة لا ولكنها الشفاعة (للمذنبين الخطّائين) وفي نسخة للمؤمنين أي الكاملين وفي أخرى للمنقين بفتح النون وتشديد القاف المفتوحة والظاهر أنه تصحيف عن الدلجي حيث اقتصر عليه نعم رواية ابن عرفة أترونها للمنقين ولكنها للمذنبين الملوثين فالتلويث يناسب التنقية في مقام المقابلة ثم رأيت الحلبي قال وهو كذا في أصلنا لسنن ابن ماجة وهو أصل صحيح وقفه الملك المحسن وقد كتب تجاهه على الهامش ن ق وعليها تصحيح مرتين والله تعالى أعلم ثم الخطائين بتشديد الطاء أي المبالغين في الخطأ أي بالتعمد أو الكثرة أو العظمة ويؤيده قوله عليه السلام فيما رواه أبو داود والترمذي شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي وفي نسخة الخاطئين وفي أخرى للخاطئين بإعادة العامل تأكيدا. (وعن أبي هريرة رضي الله عنه أي قال كما في نسخة وقد رواه البيهقي عنه وكذا شيخه أبو عبد الله الحاكم وصححه

ص: 465

(قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا وَرَدَ) من الورود أي نزل (عليك في الشّفاعة) ما استفهامية وذا موصولة بمعنى الذي وصلته ما بعده وفي نسخة صحيحة ما رد بضم راء وتشديد دال أي ماذا أجيب عليك في مقام الشفاعة أو في أهلها وفي أخرى بصيغة الفاعل لله أو الملك (فقال شفاعتي) أي ورد على شفاعتي أو أجيب شَفَاعَتِي (لِمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله) أي وإن لم يكن من أمتي وقيل التقدير وأني رسول الله اكتفاء بأحد الجزأين عن الآخر علما بأنه لا بد من الاتيان به في صحة الإسلام وقيل هذه الكلمة صارت علما لكلمتي الشهادة (مخلصا) أي لا كرها ولا نفاقا ولا رياء (يصدّق) بتشديد الدال أي يطابق ويوافق (لسانه) بالنصب على أنه مفعول أو بالرفع على أنه فاعل وقوله (قلبه) عكس ذلك. (وعن أمّ حبيبة) أي أم المؤمنين كما رواه البيهقي والحاكم (أريت) بضم الهمزة وكسر الراء أي أظهر الله لي (ما تلقى) أي من النوائب والمتاعب (أمّتي) وفي أصل الدلجي من أمتي أي بعضهم (من بعدي) متعلق بتلقى وفي نسخة بعدي أي بعد ذهابي إلى ربي (وسفك بعضهم دماء بعض) وهو مصدر مضاف إلى فاعله معطوف على ما تلقى ولا يبعد أن يكون سفك ماضيا عطفا على ما تلقى أي وما سفك ويؤيده قوله (وسبق) أي وما سبق (لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا سَبَقَ لِأُمَمٍ قَبْلَهُمْ) أي من الابتلاء ببعض اللمم (فسألت الله أن يؤتيني) أي يعطيني (شفاعة) وفي نسخة يوليني شفاعتهم بتشديد اللام المكسورة أي يجعلني متوليا لشفاعتهم (يوم القيامة فيهم) أي في حقهم (ففعل) أي أعطاه ما سأل. (وقال حذيفة) كما رواه البيهقي والنسائي وهو وإن كان موقوفا لكنه مرفوع حكما (يجمع الله النّاس في صعيد واحد) أي أرض مستوية لا ترى فيها عوجا ولا أمتا (حيث يسمعهم الدّاعي) أي صوته وهو بضم الياء وكسر الميم وهذا على الفرض والتقدير وقال الدلجي لعله بعد الشفاعة لفصل القضاء أيتها الخلائق هلموا إلى الحساب انتهى ويرد عليه ما سيأتي من بقية الحديث في الكتاب (وينفذهم البصر) بفتح الياء وضم الفاء والذال المعجمة وفي نسخة بضم الياء وكسر الفاء أي يبلغهم ويجاوزهم بصر الباصر بحيث لا يخفى أحد منهم من الأكابر والأصاغر لاستواء الصعيد الباهر وعن أبي عبيد ينفذهم بصر الرحمن أي يأتي عليهم جميعهم وفيه أن بصره تعالى دائما محيط بهم وقد يدفع بأن اثباته مقيدا لا ينافي دوامه ولعل وجه التخصيص هو إفادة هول المقام أو ظهور ذلك الوصف على وجه الكمال والتمام على سائر الأنام كما ذكروا في قوله سبحانه مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ وعن أبي حاتم أن المحدثين يروونه بالذال المعجمة وإنما هو بالمهملة أي يبلغ أولهم وآخرهم حتى يراهم كلهم من نفد الشيء وانفدته قال الحجازي وفيما قاله نظر إذ في الصحاح نفذ البصر بالمعجمة القوم بلغهم وجاوزهم ونفذ بالمهملة فنى ولعله من أنفذ فيضم أول مضارعه انتهى وقال النووي محصله خلاف في فتح الياء وضمها وفي الذال والدال وفي الضمير في ينفذهم والأصح فتح الياء وبالذال المعجمة وأنه بصر المخلوق انتهى قال أبو عبيد وحمل الحديث على بصر المبصر أولى من حمله على

ص: 466

بصر الرحمن لأن الله يجمع الناس يوم القيامة في أرض يشهد جميع الخلائق حساب العبد الواحد على انفراده ويبصرون ما يصير إليه هذا وقد روي أن صفوف أهل الجنة مائة وعشرون صفا منها ثمانون لأمة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وباقيها لغيرهم زاد كعب ما بين كل صفين كما بين المشرق والمغرب (عراة) لا ثياب على بدنهم ولا نعال بأرجلهم وفي رواية حفاة وزاد الشيخان في روايتهما غرلا بضم الغين المعجمة وسكون الراء جمع أغرل وهو الأقلف (كما خلقوا) أي أول مرة (سكونا) أي غير ناطقين (لا تكلّم) بحذف إحدى التاءين أي لا تتكلم (نفس) أي بما ينفع أو ينجي من جواب أو شفاعة (إلّا بإذنه) كقوله تعالى لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وهذا في موقف وأما قوله هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ففي موقف آخر أو المأذون فيه هو الجوابات الحقة والممنوع منه هو الاعتذارت الباطلة (فينادى) بصيغة المفعول (محمّد) بالرفع والتنوين على أنه نائب الفاعل وفي رواية بالضم على حذف حرف النداء يؤيد الأول قوله (فيقول لبّيك) أي أحببت لك إجابة بعد إجابة (وسعديك) أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة (والخير في يديك) أي بتصرفك وفي حيز إرادتك وقدرتك في الدنيا والعقبى كما قال الله تعالى وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (والشّرّ ليس إليك) أي منسوبا وإن كنت خالقه أدبا أولا يتقرب به إليك أصلا أو لا يصعد إليك وإنما يصعد إليك الخير قولا وعملا أو ليس الشر بالنسبة إلى حكمك وحكمتك فإنك لا تحكم باطلا ولا تخلق عبثا وإلا فمن المعلوم عند أهل الحق من أهل السنة والجماعة أن جميع الكائنات خيرها وشرها ونفعها وضرها وحلوها ومرها من الله تعالى ومنسوبة إلى خلقه على وجه اراده (والمهتدي) أي في الحقيقة وفي نسخة والمهدي (من هديت) أي بخلق الهداية وتوفيق الطاعة وتحقيق الرعاية (وعبدك بين يديك) أي حاضر معتمد عليك (ولك) أي الحكم والقضاء (وإليك) أي مرجع الخلق والأمر في الابتداء والانتهاء (لا ملجأ) بالهمز مقصورا (ولا منجى) بالقصر وقد يهمز للازدواج وقد يبدل همز الأول ألفا للمشاكلة أي لا مستند ولا معتمد ولا ملاذ ولا معاذ (منك) أي من قضائك (إلّا إليك) أي بالرجوع إلى ساحة فنائك (تباركت) أي تكاثر خيرك (وتعاليت) أي تعظم شأنك (سبحانك ربّ البيت) بالنصب على النداء وجوز رفعه على الابتداء أي أنت رب البيت والإضافة للتشريف (قال) أي حذيفة (فذلك) أي المجمع المذكور والمقال المسطور هو (المقام المحمود الذي ذكره الله) . أي ذكره في كتابه المشهور بقوله عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (وقال ابن عبّاس) لفظه موقوف وحكمه مرفوع (إِذَا دَخَلَ أَهْلُ النَّارِ النَّارَ وَأَهْلُ الْجَنَّةِ الجنّة) لعل تقديم أهل النار للاشعار بأنها ممر الأبرار والفجار أو لأن ذكر النعمة أوقع في النفس بعد ذكر النقمة أو ترهيبا في أول الوهلة من أهوالها وترغيبا في الجنة نظرا إلى حسن مآلها (فيبقى آخر زمرة) أي جماعة (من الجنّة) أي من زمر أهلها باقية في النار (وآخر زمرة من النّار) أي ثابتة فيها (فتقول زمرة النّار) أي من الكفار (لزمرة الجنّة)

ص: 467

أي الواقعة في النار من الفجار (ما نفعكم إيمانكم) أي المجرد عن الطاعة حيث لم يدخلكم الجنة (فيدعون ربّهم ويضجّون) بفتح الياء وكسر الضاد المعجمة وتشديد الجيم أي ويصيحون لما يجزعون من شماتة الأعداء في فظاعة البلاء ولذا قيل النار ولا العار (فَيَسْمَعُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَيَسْأَلُونَ آدَمَ وَغَيْرَهُ بَعْدَهُ في الشّفاعة لهم) ولعل الحكمة في سؤالهم من غير نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم أولا ليظهر اختصاصه بذلك المقام آخرا (فكلّ) أي فكل واحد منهم (يعتذر) أي بما عوتب عليه وبما انسب من صورة الذنب إليه (حتّى يأتوا محمّدا صلى الله تعالى عليه وسلم فيشفع لهم) أي فيشفع في حقهم وتقبل شفاعته لهم (فذلك المقام المحمود) أي في الجنة وهو لا ينافي كونه المقام المحمود أيضا في الموقف (ونحوه) أي مثل قول ابن عباس فيما رواه أحمد والطيالسي (عن ابن مسعود أيضا ومجاهد) أي موقوفا أو مقطوعا (وذكره) أي مثله أو نحوه (عليّ بن الحسين) أي ابن علي بن أبي طالب وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم (عن النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي مرسلا ورواه الحاكم عن أهل العلم عنه موصولا (وقال جابر بن عبد الله) أي كما رواه مسلم (ليزيد الفقير) هو يزيد بن صهيب الفقير لأنه كان يشكو فقار ظهره فهو فعيل بمعنى مفعول وفقرات الظهر خرزاته من عجب الذنب إلى نقرة القفا ثنتان وثلاثون فقرة وقد ضربت عائشة مثلا في عثمان فقالت ركبوا منه الفقر الأربع استعارته من فقار الظهر لما ارتكبوا منه لأنها موضع الركوب أي انتهكوا فيه أربع حرم حرمة الصحبة والصهورة والخلافة والبلدة روى عنه أبو حنيفة ومسعر وجماعة ثقة أخرج له الشيخان وغيرهما (سمعت) بفتح التاء أي اسمعت (بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ، يَعْنِي الَّذِي يَبْعَثُهُ اللَّهُ فِيهِ) أي من المقام المحمود (قال) أي يزيد (قلت نعم) أي سمعت اللفظ الذي أفادنيه (قال) أي جابر (فإنّه مقام محمّد) أي الخاص به (المحمود الذي يخرج الله به) أي بسببه (من يخرج) بضم ثم كسر أي من يخرجه من عصاة عامة المؤمنين أو خاصة هذه الأمة والأول أظهر لما سبق فتدبر (يعني من النّار) أي يريد إخراج من يخرجه من النار، (وذكر) أي جابر (حديث الشّفاعة في إخراج الجهنّميين) أي فوجا فوجا من النار على حسب مراتب الفجار. (وعن أنس رضي الله تعالى عنه نحوه) أي في رواية الشيخين (وقال) أي أنس (فهذا) أي الإخراج المذكور (المقام المحمود الذي وعده) أي الله سبحانه وتعالى وفي نسخة بصيغة المجهول (وعن سلمان) أي الفارسي وهو سلمان الخير وسلمان ابن الاسكار عاش ثلاثمائة وفي أصل التلمساني عن شيبان بدل عن سلمان قال وهو بشين معجمة وياء مثناة من أسفل وبعدها موحدة لعله شيبان بن عبد الرحمن النحوي انتهى والظاهر أنه مصحف لمخالفته سائر النسخ المعتبرة والأصول المعتمدة (المقام المحمود هو الشفاعة في أمته يوم القيامة) أي بالأصالة وفي غيرهم بالتبعية أو لأنه هو البادئ في مقام الشفاعة ويتبعه الأنبياء في تلك الساعة (ومثله عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه) كما في

ص: 468

الصحيحين (وقال قتادة) تابعي مشهور (كان أهل العلم) أي من أكابر الصحابة وإجلاء التابعين (يرون) بصيغة الفاعل من الرأي أو بصيغة المفعول أي يظنون (المقام المحمود شفاعته يوم القيامة) أي لعامة الخلق في اراحتهم من عذاب الموقف (وعلى) أي وكانوا على (أن المقام المحمود) أي هو كما في نسخة (مقامه عليه الصلاة والسلام للشفاعة) أي العظمى في الساعة الكبرى (مذاهب السلف) أي السالفين (من الصحابة والتابعين وعامة أئمة المسلمين) أي من المجتهدين والمفسرين والمحدثين وسائر علماء الدين رضي الله تعالى عنهم أجمعين (وبذلك) أي وبطبق ما ذكر وعلى وفق ما سطر (جاءت) الشفاعة (مفسرة) أي مبينة (في صحيح الأخبار) أي مما كادت أن تتواتر عن الأخيار (عنه عليه الصلاة والسلام وجاءت مقالة في تفسيرها شاذة) أي منفردة (عن بعض السلف) وهو مجاهد مخالفة لنقل الثقات ضعيفة في أصول الروايات وحصول الدرايات (يجب أن لا تثبت) أي عند الاثبات لعدم الاثبات (إذ لم يعضدها) أي لم يقوها (صحيح أثر) من منقول (ولا سديد نظر) أي من معقول والنظر السديد والسداد ما كان موافقا للحق والرشاد ومنه قوله تعالى وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (ولو صحت) أي على فرض صحة بعض أسانيدها حيث لا يقاوم ما يعارضها (لكان لها تأويل غير مستنكر) أي معروف معتبر عند أرباب النظر جمعا بين الأدلة كما هو طريق المحققين من الأئمة وحاصله أنه روي عن مجاهد أنه قال يجلسه معه على العرش وعن عبد الله بن سلام قلا يقعده على الكرسي وأمثال ذلك مما ظاهره منكر من القول فيجب رده وانكاره على ناقله أو تأويله لحسن الظن بقائله وبعضهم أول ذلك بأن يجلسه مع انبيائه وملائكته على ما حكاه الطبري وقد قدمنا تأويلا آخر فتدبر (لكن ما فسره النبي (في صحيح الآثار يرده) بتشديد الدال أي يرد ظاهر ما جاء بخلافه ويدفعه فيتعين أن يأول غيره إليه ولا ينعكس الأمر عليه وفي نسخة ترده بفتح التاء وكسر الراء وتخفيف الدال أي ترد عليه ويلائمه قوله (فلا يجب أن يلتفت إليه) أي بتأويل قال وقيل لأنه تضييع عمر في توضيح أمر (مع أنه لم يأت) أي خلافه (في كتاب ولا سنة) أي ثابتة حتى يحتاج إلى تأويل ومعالجة (ولا اتفق) وفي نسخة ولا اتفقت (على المقال به أمة) أي جماعة من المجتهدين وعلماء الدين حتى يحتاج إلى تأويل بجمعه أرباب اليقين (وفي إطلاق ظاهره منكر من القول وشنعة) بضم فسكون أي وشناعة في العبارة يأتي دفعها بالإشارة (وفي رواية أنس وأبي هريرة وغيرهما) على ما في الصحيحين ونحوهما (دخل حديث بعضهم في حديث بعض) أي فيما ذكرناه هنا عنهم (قال عليه الصلاة والسلام يجمع الله الأوّلين والآخرين يوم القيامة) أي يوم يقوم الناس لرب العالمين (فيهتمّون) بتشديد الميم أي فيحزنون حزنا شديدا إلا أنه لا يهتم أحد إلا لنفسه ولا يلتفت إلى غيره ولو كان أقرب أهله ويقصدون إزالة هذا الهم العظيم والكرب الفخيم وذلك لما وجد في حديث إِنَّ رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قبله ولا بعده مثله (أو قال فيلهمون) أي إلى طلب الشفاعة بالوسيلة إلى أحد من كبراء البرية

ص: 469

(فيقولون لو استشفعنا إلى ربّنا) أي لكان حسنا أو لربما يكون فيه نجاتنا أو لو للتمني ولا جواب له (ومن طريق آخر) أي لهذا الحديث باعتبار إسناده أو راويه (عنه) أي عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (ماج النّاس بعضهم في بعض) أي دخلوا فيما بينهم واضطربوا اضطراب ماء البحر حال شدة غليانه إيماء إلى قوله تعالى وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ في بعض وإشارة إلى قوله تعالى أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ، (وعن أبي هريرة) أي في حديث الشيخين (فتدنو الشّمس) أي تقرب من رؤوسهم قدر الميل كما في رواية على اختلاف في أن المراد منه ميل الفرسخ أو ميل المكحلة ثم قيل الشمس في الدنيا وجهها إلى جهة السماء وهي ظاهرة لنا من جهة القفا فينقلب أمرها في العقبى (فيبلغ النّاس) بالنصب وقيل بالرفع (من الغمّ) بيان مقدم لقوله (ما لا يطيقون) أي الصبر عليه والتحمل لديه وهذا معنى قوله (ولا يحتملون) أي لا يقدرون ولا يستطيعون (فيقولون) أي بعضهم لبعض (ألا تنظرون) أي ألا تختارون (من يشفع لكم) أي إلى ربكم في ازاحة شدة الموقف عنكم (فيأتون آدم) بدأوا بما بدأ الله به ليظهر جلالة ما ختم الأمر بسببه (فيقولون) أي له جل مقصودهم من الشفاعة لمعبودهم (زاد بعضهم) أي في بيان ما أجمل من القول (أنت آدم أبو البشر) أي فيتعين عليك الشفقة والمرحمة على الذرية مع كونك معظما مكرما عنده سبحانه وتعالى من جملة الطائفة البشرية (خلقك الله بيده) أي بقدرته من غير واسطة في خلقته (ونفخ فيك من روحه) أي الخاص بتشريفه وكرامته (وأسكنك جنّته) أي وأظهر عليك نعمته ورحمته (وأسجد لك ملائكته) أي تعظيما لشأنك وتفخيما لبرهانك (وعلّمك أسماء كلّ شيء) أي دليلا على ظهور سلطانك (اشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مكاننا) من الاراحة بمعنى الازاحة واعطاء الراحة بالإزالة من محل الغضب إلى موضع حكم به الرب من دار الثواب أو دار العقاب (ألا ترى ما نحن فيه) أي من الغم والحزن (فيقول إنّ ربّي غضب اليوم غضبا) أي عظيما لكونه عميما (لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مثله) أي فلا يمكنني الشفاعة فيه لا سيما (ونهاني عن الشّجرة) أي أكلها (فعصيت) أي بذوقها وهي شجرة الكرم وقيل السنبلة وقيل شجرة العلم عليها معلوم الله تعالى من كل لون وطعم ذكره الحلبي وفيها أقوال أخر وهي النخلة والتين والكافور ذكرها الحجازي. (نفسي نفسي) أي أهم عندي من غيري أو الزم نفسي أو أخلص نفسي ولا اجترئ على غير مقامي (اذهبوا إلى غيري) من الأنبياء والأصفياء عموما (اذهبوا إلى نوح) أي خصوصا لأنه أول أولي العزم من الرسل (فيقولون) أي فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ (أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أهل الأرض) أي من الكفار والفجار فلا ينافي أن آدم أيضا مرسل إلى أولاده الأبرار وكذا شيت ابن آدم وإدريس جد نوح ولد شيت على ما عليه علماء الأخبار (وسمّاك الله عبدا شكورا) أي وصفك به حيث قال في كتابه كانَ عَبْداً شَكُوراً أي مبالغا في الشكر مع أنه تعالى قال وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (ألا ترى ما نحن فيه) أي من الغم والحزن (ألا ترى ما بلغنا)

ص: 470

بفتح الغين وجوز اسكانها وصلنا من الشدة (ألا تشفع لنا إلى ربّك) أي ليكون خلاصنا بسببك (فيقول إنّ ربّي غضب اليوم) أي أظهر (غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَا يَغْضَبُ بعده مثله) أي لانقطاع تكليف من يؤاخذ بترك ما كلفه (نفسي نفسي) فيه إيماء إلى قوله تعالى يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها. (قال) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (في رواية أنس ويذكر) أي نوح اعتذارا عن ترك الشفاعة في تلك الساعة (خطيئة التي أصاب) أي أصابها وتابها (سؤاله ربّه) بيان أو بدل مما قبله (بغير علم) حال من الضمير في سؤاله ووجه العتاب أنه كان الأولى أن يفوض الأمر إلى المولى ولم يقل أن ابني من أهلي حتى لا يقال إنه ليس من أهلك عندي (وفي رواية أبي هريرة) أي زيادة في قول نوح (وقد كانت لي دعوة) مستجابة في حق العامة (دعوتها على قومي اذهبوا إلى غيري) أي من بعدي من أكابر إخواني (اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ خَلِيلُ اللَّهِ فَيَأْتُونَ إبراهيم فيقولون أنت نبيّ الله تعالى) أي ورسوله (وخليله من أهل الأرض) أي في زمانه (اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى مَا نحن فيه) أي من الكرب (فَيَقُولُ إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا فذكر مثله) أي مثل آدم أو مثل نوح أو مثل ما تقدم (ويذكر ثلاث كلمات) أي في صورة كذبات وهي إِنِّي سَقِيمٌ وفعله كبيرهم هذا وأنها أختي لسارة (كذبهنّ) أي وليست كذبات وإنما هي معاريض وتوريات حيث اراد بقوله فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا معنى التبكيت بدليل قوله تعالى إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ وبقوله إِنِّي سَقِيمٌ أي سأسقم لأن من عاش يسقم أو يهرم ويموت وبقوله أختي في الإسلام إلا أن الأولى لمراتب الأنبياء تركها (نفسي نفسي لست لها) أي للشفاعة العظمى لكوني متلوثا بنوع من الخطايا (ولكن عليكم بموسى) استدراك لدفع ما أرهقهم من خيبة الأمل ووصمة الخجل وعليكم اسم فعل والباء زائدة لمزيد الاستعانة أي الزموا موسى واستعينوا به على الشفاعة عند المولى (فإنّه كليم الله تعالى) ويقتضي أنه ممن طال لسانه لا ممن كل بيانه. (وفي رواية فإنّه عبد) وفي نسخة عبد الله (أتاه الله التّوراة) أي وهي من أعظم الكتب الإلهية وأولها (وكلّمه) أي تكليما (وقرّبه) أي تشريفا وتكريما (نجيّا) أي مناجيا (قال فيأتون موسى فيقول لست لها) أي للحال التي ظننتم أني مستعد لها (ويذكر خطيئته التي أصاب) أي أصابها ووقع فيها (وقتله النّفس) أي وقتله القبطي وهو عطف تفسيري بدليل رواية بعض رواة البخاري بدون عاطفة وقد عده خطيئة كما عده من عمل الشيطان في الآية وسماه ظلما واستغفر ربه منه جريا على عادة الأنبياء في استعظامهم محقرات جائزة صدرت عنهم إذ لم يكن هذا عن عمد بل وقع خطأ في كافر حربي ظالم على مسلم سبطي قبل الاذن بقتله وقد أبعد الدلجي في شرحه للخطيئة بعجلته إلى ربه فإنها في نفسها نقيصة ومن ثمة عتبه عليها بشهادة وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى فإنه سؤال عن سببها تضمن إنكارها من حيث إنها نقيصة انضم إليها اغفال قومه انتهى ولا يخفى أن هذه جرأة عظيمة ونقيصة فخيمة من الدلجي حيث أثبت خطيئة لكليم الله تعالى هو عنها نزيه وقد لاطفه سبحانه وتعالى بقوله

ص: 471

وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى ليترتب عليه الجواب بالوجه الأولى كما قال تعالى وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى فكذا في الجواب هنا قال هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى أي ما تقدمتهم إلا بخطى يسيرة ابتغاء لمرضاتك في المسارعة إلى امتثال أمرك والمبادرة إلى الوفاء بوعدك (نَفْسِي نَفْسِي وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى فَإِنَّهُ رُوحُ الله) أي ذو وح خاص من خلقه أجراه فيه بنفخ جبريل في جيب درع أمه فأوجده في بطنها بلا توسط مادة أو إضافته للتشريف كبيت الله وناقة الله (وكلمته) أي حيث كان بكلمة كن أو كان يكلم الناس في المهد بطريق خرق العادة فكذا ينبغي أن يتكلم في مقام الشفاعة وهول الساعة في موقف القيامة (فيأتون عيسى فيقول لست لها) أي مجازا أو مأذونا لأمرها (عليكم بمحمّد) فإن علمه ووصفه معلم بكون المقام المحمود له خاصة (عبد) بالجر على أنه صفة لمحمد وبالرفع على تقدير هو عَبْدٌ (غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذنبه وما تأخّر) أي بالنص في كتابه وأما غيره فممن أبهم في جوابه والحاصل أنه غير معاتب بما صدر عنه فيطلب هذا المقام منه (فأوتي) بصيغة المفعول المضارع المتكلم من أتى يأتي وإبدال الهمزة الثانية واوا للاجتماع الذي وقع فيه الإجماع والمعنى فيأتوني كما في رواية وهي بتشديد النون أي فيجيئونني ويطلبون الشفاعة مني (فأقول أنا لها) أي كائن أو معد أو مختص أو مدخر أو مأذون أو مخلوق (فأنطلق) أي إلى جهة العرش أو باب الجنة (فأستاذن على ربّي) أي في الطلوع إلى الكرسي أو في الدخول إلى الجنة وفي مقام الشفاعة لما ورد مصرحا به في مكان لا يقف فيه داع إلا أجيب ليس فيه بينه وبين ربه حجاب (فيأذن لي) أي ويتجلى علي بظهور آثار الجمال وسر مكاشفة استار الكبرياء والجلال (فإذا رأيته) أي علمته بهذا الحال من أوصاف الكمال (وقعت ساجدا) أي شكرا لما أنعم علي من الإفضال هذا ولا بدع أن يكون المراد بالرؤية رؤية الذات الجامعة لجوامع كمال الصفات فإنه جائز في الآخرة عند أهل السنة والجماعة خلافا للمحرومين من سعادة الزيادة ثم الحكمة في نقله صلى الله تعالى عليه وسلم من موقف العرض والحساب المؤذن بحالة السآمة والملامة إلى موقف الرحمة والكرامة لتقع الشفاعة موقع الإجابة كمن يتحرى بدعائه موقف الخدمة فإنه أحق بالاستجابة لموضع الحرمة وقد جاء في مسند أحمد أن هذه السجدة والسجدة والسجدة الآتية بعدها مقدار كل سجدة جمعة من جمع الدنيا وجاء في بعض الأخبار أن كل يوم مقدار عشر سنين فهاتان السجدتان كل سجدة مقدار سبعين سنة. (وفي رواية فآتي) أي فأجيء (تحت العرش فأخرّ ساجدا.

وفي رواية) أي بدل فآتي تحت العرش (فأقوم بين يديه) أي يدي العرش أو بين يدي ربه يعني في مقام العبودية والخلوص عن الملاحظة الغيرية (فأحمده بمحامد لا أقدر عليها) أي الآن كما في نسخة يعني لا أعرفها في الدنيا ولا أقدر على أن أعبر عنها لرواية ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن (إلّا أنّه) أي لكنه سبحانه وتعالى (يلهمنيها الله) أي في

ص: 472

ذلك المقام لتكميل المرام وفي نسخة إلا أن يلهمنيها وفي أخرى أن يلهمنيه الله وفي نسخة بمحامد لا أقدر عليه قال النووي هكذا هو في الأصول يعني في أصول مسلم قال وهو صحيح ويعود الضمير في عليه إلى الحمد؛ (وفي رواية فيفتح الله عليّ بمحامده) وفي نسخة من محامده (وحسن الثّناء عليه) عطف تفسيري على ما قاله الدلجي والأظهر هو التأسيس بالمغايرة فإن الثناء أعم من الحمد كما لا يخفى من أن الحمد قد يرد بمعنى الشكر (شيئا) أي عظيما (لم يفتحه على أحد قبلي) أي ولا بعدي من باب الاكتفاء أو بالبرهان الأولى أو المعنى قبل وقتي هذا؛ (قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَيُقَالُ يَا محمّد ارفع رأسك) أي رفع الله قدرك (سل) أي لنفسك (تعطه) بهاء السكت على بناء المفعول مجزوما على جواب الأمر (واشفع) أي في حق غيرك (تشفّع) بتشديد الفاء المفتوحة أي تقبل شفاعتك ولا ترد دعوتك (فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا ربّ أمّتي) أي اسألك عفوهم أولا وعفو غيرهم آخرا أو لوحظ في الأمة معنى التغليب للاشرفية أو كان جميع الأمة في تلك الحالة كأمته لرجوعهم إلى حضرته والتجائهم إلى دعوته والتكرير للتأكيد أو أمتي حقيقة أمتي كافة مجازا وهذا كله إذا أريد به المقام المحمود من الشفاعة الكبرى كما هو الظاهر من السباق والسياق واللحاق (فيقول) أي الله سبحانه وتعالى أو ملك بأمره وفي نسخة فيقال (أدخل من أمّتك) أي من أهل الإجابة (من لا حساب عليه) أي لا مؤاخذة ولا عتاب إما عدلا وإما فضلا وهو الأظهر فضلا (من الباب الأيمن) أي الأبرك أو الأقرب بكونه يمينا فإن أبواب الجنة من جهة اليمين لا شك أنها كثيرة كما يشير إليه قوله (مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سوى ذلك من الأبواب) أي إن اختاروا دخلوهم منها وهذا غاية التعظيم ونهاية التكريم أنه يعرض عليهم جميع الأبواب ويختار لهم الأفضل الأبرك الأقرب إلى ذلك الجناب الأقدس قال المؤلف في شرح مسلم للجنة ثمانية أبواب باب الصلاة وباب الصدقة وباب الصوم ويقال له الريان وباب الجهاد وباب التوبة وباب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس وباب الراضين ثم قال فهذه سبعة أبواب جاءت في أحاديث ولعل الثامن هو الباب الأيمن الذي يدخل منه من لا حساب عليه والله تعالى أعلم (ولم يذكر) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم. (في رواية أنس رضي الله تعالى عنه) أي عنه (هذا الفضل) أي من الكلام وهو قوله عليه الصلاة والسلام فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارفع رأسك إلى قوله فيما سواه من الأبواب، (وقال) أي في رواية أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (مكانه) أي بدل ما سبق (ثمّ أخرّ) بفتح همزة وكسر خاء معجمة فتشديد راء أي أسقط (ساجدا) أي لله متوسلا به لأنه أقرب حال يكون العبد من ربه في مقام قربه (فَيُقَالُ لِي يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يسمع لك) أي كل كلامك (واشفع تشفّع وسل تعطه) أي جميع مرامك (فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي فَيُقَالُ انْطَلِقْ فمن كان في قلبه مثقال حبّة) أي وزنها (من برّة) بضم موحدة وتشديد راء أي حنطة (أو شعيرة) شك من الراوي في رواية مسلم (من إيمان) أي من ثمراته من أعمال القلب كشفقة

ص: 473

على مسكين أو خوف من الله تعالى أو نية صادقة أو نحو ذلك والله تعالى أعلم لأن نفس الإيمان لا يتجزأ ويدل عليه ما جاء في رواية أخرى وكان في قلبه من الخير ما يزن كذا (فأخرجه) أي من النار أو من موقف العار (فأنطلق) أي فأذهب (فأفعل) أي ما أمرت به من إخراج من يستوجب العذاب قال الغزالي وفي مفهوم هذا الحديث أن من إيمانه يزيد على مثقال حبة من برة أو شعيرة لا يدخل النار إذ لو دخل لأمر بإخراجه أولا قال ومن أهل النار من يعذب قليلا ومنهم من يعذب ألف سنة وأقصاه في حق المؤمنين سبعة ألف سنة قال وذلك آخر من يخرج من النار على ما ورد في الأخبار (ثمّ أرجع إلى ربّي) أي مقام الخطاب (فأحمده بتلك المحامد، وذكر مثل الأوّل) أي مثل ما تقدم أو مثل ما ذكر الراوي الأول وهو قوله ثم أخر ساجدا الخ (وقال فيه) أي في هذا الحديث من رواية مسلم (مثقال حبّة من خردل) أي من إيمان والخردل بالدال ويقال بالذال حب الرشاد والواحد خردلة، (فأفعل) وفي نسخة قال فافعل (ثمّ أرجع) أي إلى ربي كما في نسخة صحيحة، (وذكر مثل ما تقدّم وقال) وفي نسخة ثم قال (فيه) أي في الحديث من رواية مسلم (مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى) ثلاث مرات كذا في أصول مسلم على ما ذكره النووي (من مثقال حبّة من خردل) وهذا كله مثل للقلة لأن الإيمان والمعرفة عرض لا يوزن بالكمية وإنما يختلف باعتبار الكيفية، (فأفعل) وفي نسخة قال فافعل أي في المرة الثالثة ما أمرت به من الإخراج (وذكر في المرّة الرّابعة) أي من رواية البخاري (فيقال لي ارفع رأسك وقل متسمع) كما في نسخة أي يجب قولك وتستجب دعوتك (واشفع تشفّع وسل) وفي نسخة واسأل (تُعْطَهُ فَأَقُولُ يَا رَبِّ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ) أي في شفاعة من (قال لا إله إلّا الله) أي في إخراج من اكتفى بالتوحيد المقرون بإقرار النبوة من النار وإدخاله في دار الأبرار وفي هذا إشعار بأن ما سبق من تقدير مثقال حبة ونحوها من الإيمان ثمرته المعبر عنها بالإيقان أو العمل بالأركان لا مجرد الإيمان الذي هو التصديق القلبي والاعتراف اللساني فكأنه أراد بمن قال لا إله إلا الله من لم يصدر عنه عبادة سواه. (قال ليس ذلك) أي الأمر بالشفاعة في حقه راجعا (إليك) ولعل وجهه أنه لم يصدر عنه ما يوجب المتابعة الباعثة على الشفاعة وإنما وقع منه مجرد إطاعة الأمر الإلهي بالتوحيد الرباني وقبول إرسال النبي الصمداني هذا ولما كان النفي موهما أن لا شفاعة لهم اصلا ولا خلاص لهم فضلا وإنما يجب عذابهم عدلا كما توهم المعتزلة في هذه المسألة فصلا استدرك سبحانه وتعالى وأكده بالقسم وعظم شأنه بقوله (ولكن وعزّتي وكبريائي) أي ارتفاع مقامي (وعظمتي وجبريائي) بكسر الجيم والراء ممدودا قيل أتى به كذا اتباعا والصحيح أنه لغة في الجبروت أي وجبروتي المشعر بالجبر والقهر المشير إلى أني لا أبالي (لَأُخْرِجَنَّ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إلّا الله) أي ولو مرة من غير تكرار وإكثار يعني من شهد أنه لا معبود موجود قادر على كل شيء سواه وبه خص عموم حديث البخاري أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أي وعمل عملا صالحا لربه ويؤيده

ص: 474

حديث الشيخين ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط أي غير لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، (وَمِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ عنه) أي عن أنس رضي الله تعالى عنه (قال) أي النبي عليه الصلاة والسلام (فلا أدري في الثّالثة أو الرّابعة) اعتراض بين قال ومقوله أفاد صدور شك إما من أنس أو من قتادة في ايتهما قَالَ (فَأَقُولُ يَا رَبِّ مَا بَقِيَ فِي النّار إلّا من حبسه القرآن) أي منعه ترك الإيمان بما نزل به القرآن وقوله (أي من وجب عليه الخلود) حاصل المعنى وخلاصة المبنى وهذا تفسير قتادة قيل ومعناه من أخبر القرآن أنه مخلد في النار وهم الكفار. (وعن أبي بكر) أي الصديق رضي الله تعالى عنه برواية أحمد وابن حبان (وعقبة بن عامر) أي برواية ابن أبي حاتم وابن مردويه (وأبي سعيد) أي برواية الترمذي (وحذيفة) أي برواية أبي داود في البعث (مثله) أي مثل حديث أنس (قال فيأتون محمّدا فيؤذن له) أي في الشفاعة (وتأتي الأمانة والرّحم فتقومان) بالتأنيث تغليبا (جنبتي الصّراط) بفتح النون ويسكن أي جانبيه وناحيتيه وطرفيه يمنة ويسرة والمعنى أنهما يمثلان أو يجسمان فيشهدان للأمين والواصل وعلى الخائن والقاطع وقال بعضهم ويجوز أن تحمل الأمانة على الأمانة العظمى المؤذن بها آية إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ والرحم على صلتها الكبرى المشير إليها قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ إلى قوله تعالى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ فيدخل في الحديث معنى التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله فكأنهما اكتفتا جنبتي الصراط المستقيم والدين القويم هذا وقد جاء أن الصراط صعوده ألف سنة واستواؤه ألف سنة وهبوطه ألف سنة وفي مسلم عن أبي سعيد بلغنا أنه أحد من السيف وأدق من الشعر وهذا جاء مسندا مرفوعا عنه عليه الصلاة والسلام وأما قول الحلبي فإن قيل الصراط مم هو فالجواب أنه شعرة من جفون عين مالك فغير منقول المبنى ولا معقول المعنى فلا يجزم بهذا الجواب بل يقال في مثل هذا لا أدري لأنه نصف العلم والله تعالى أعلم بالصواب؛ (فذكر) وفي نسخة وذكر بالواو (في رواية أبي مالك) كما أخرجه أبو داود في البعث (عَنْ حُذَيْفَةَ فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا فَيَشْفَعُ فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ) بصيغة المجهول أي فيوضع على متن جهنم جسرا ممدودا ففي حديث الحاكم على شرط مسلم ورواه غيره أيضا بوضع الصراط مثل حد الموسى (فيمرّون) أي عليه كما في نسخة وجاء في رواية فيتهافت أهل النار فيها وينجو أهل الجنة منها كما قال تعالى ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (أوّلهم كالبرق) أي الخاطف كما في رواية (ثمّ كالرّيح والطّير) أي وكالطير (وشدّ الرّجال) بالجيم أي عدوهم وجريهم وقد خطئ من رواه بالمهملة وهو العرفي وجعله جمع رحل وهي رواية ابن ماهان والمراد به هنا الناقة فإن الرحل ما يوضع على البعير ثم يعبر به تارة عن البعير مجازا لكن الأول هو الصحيح المعروف بخط المصنف مضبوط بالجيم وهو كذا لكافة رواة مسلم وعند الهروي الرحال بالحاء قال ابن قرقول وهو تصحيف هذا وقد أغرب بعضهم في قوله إن المرور للصراط بهم (ونبيّكم) بالرفع يعني نفسه على طريقة

ص: 475

التجريد (على الصّراط) أي مستعليا (يقول اللهمّ سلّم سلّم) التكرير للتكثير أي بالنسبة إلى كل أحد من دعوة التغرير ويؤيده قوله (حتّى يجتاز النّاس) وحتى تحتمل الغاية والعلة (وذكر) أي النبي عليه الصلاة والسلام (آخرهم جوازا الحديث) بفتح الجيم أي مرورا على الصراط ولو روي بكسرها لجاز ويكون معناه مجاوزة عنه (وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يجيز) بضم الياء وكسر الجيم وبالزاي أي من يمضي عليه ويقطعه وفي نسخة صحيحة يجوز وهما لغتان يقال جاز وأجاز بمعنى كما ذكره النووي وزاد في نسخة صحيحة يومئذ.

(وعن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما) أي كما رواه الشيخان (عنه عليه الصلاة والسلام يوضع) يجوز تذكيره وتأنيثه (للأنبياء منابر) أي على قدر مراتبهم (يَجْلِسُونَ عَلَيْهَا وَيَبْقَى مِنْبَرِي لَا أَجْلِسُ عَلَيْهِ قائما) أي تاركا جلوسي حال قيامي (بين يدي ربّي منتصبا) أي على هيئة طالب الحاجة عند صاحب النعمة (فيقول الله تبارك وتعالى ما تريد أن أصنع بِأُمَّتِكَ فَأَقُولُ يَا رَبِّ عَجِّلْ حِسَابَهُمْ فَيُدْعَى بهم فيحاسبون فمنهم من يدخل الجنّة برحمته) أي بتوفيق طاعته (ومنهم من يدخل الجنّة بشفاعتي) أي لتقصيره في متابعتي (ولا أزال أشفع حتّى أعطى) بصيغة المفعول للمتكلم (صكاكا) بكسر الصاد جمع صك بفتح الصاد فارسي معرب أي كتبا (برجال) أي بأشخاص كتب فيها اسماؤهم (قد أمر بهم إلى النّار) أي أولا فيقع خلاصهم بالشفاعة آخرا (حتّى إنّ خازن النّار) بكسر الهمزة وفتحها (ليقول) بفتح اللام المؤكدة (يَا مُحَمَّدُ مَا تَرَكْتَ لِغَضَبِ رَبِّكَ فِي أمّتك من نقمة) بكسر نون وسكون قاف ويقال إنها ككلمة أي عقوبة وفي نسخة بقية أي من نفس باقية؛ (ومن طريق زياد) أي ابن عبد الله (النّميريّ) بضم النون وفتح الميم بصري اختلف في توثيقه وتضعيفه (عن أنس) كما رواه البيهقي وأبو نعيم (أنّ رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْفَلِقُ) بالفاء بعد النون أي تنشق وتنفرق (الأرض عن جمجمته) بضم الجيمين أي عن رأسه ومنه قوله تعالى فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى أي شاقهما للانبات والمعنى أنه أول من ينشق عنه القبر في البعث (ولا فخر) أي ولا أقول فخرا بل اتحدث شكرا أو أمتثل أمرا.

(وَأَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ. وَمَعِي لِوَاءُ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنَا أَوَّلُ من تفتح له الجنّة) أي بابها (ولا فخر) أي فيه وفيما قبله أيضا. (فآتي) الفاء تفصيلية أي فأجيء (فآخذ بحلقة الجنّة) بسكون اللام وتفتح والمعنى فأحركها كما في رواية (فَيُقَالُ مَنْ هَذَا؟ فَأَقُولُ مُحَمَّدٌ، فَيُفْتَحُ لِي فيستقبلني الجبّار تعالى) أي بتجلي الصفات العلى (فأخرّ ساجدا) أي استعطافا له على مراده وطلبا منه لمرضاته على عباده (وذكر نحو ما تقدّم) أي من رواية ابن عباس رضي الله تعالى عنهما؛ (ومن رواية أنيس) تصغير أنس وفي نسخة من رواية أنس والأول هو الصواب وهو رجل من الأنصار روى عنه شهر بن حوشب ولم ينسبه ولم يرو عنه غيره حديثه كذا في الاستيعاب وقال إسناده ليس بالقوي (سمعت رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَأَشْفَعَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَكْثَرَ ممّا في الأرض من حجر

ص: 476

وشجر) وقد رواه أحمد بسند حسن عن بريدة إني لأشفع الخ والمعنى لعدد هو أكثر مما في الأرض جميعها من حجر وشجر والقصد الكثرة أو المراد بهما نوع من الحجر والشجر فتدبر وقد ابعد الدلجي حيث قال ولا يستبعد أن يستغيث به صلى الله تعالى عليه وسلم الناميات والجمادات مما لا يعقل فرقا من حر نار جهنم وبرد زمهريرها نعوذ بالله تعالى منهما (فَقَدِ اجْتَمَعَ مِنَ اخْتِلَافِ أَلْفَاظِ هَذِهِ الْآثَارِ) وفي نسخة صحيحة من اختلاف ألفاظ هذه الآثار أي الاخبار المنقولة عن الأخيار (أنّ شفاعته صلى الله تعالى عليه وسلم) أي للخلق (ومقامه المحمود) أي بين يدي الحق (من أوّل الشّفاعات) وهو الشفاعة العظمى لفصل القضاء (إلى آخرها) وهو إخراج المؤمنين من النار (من حين يجتمع النّاس) بفتح النون وفي نسخة بالتنوين أي من وقت فيه يجتمع الناس (للحشر) وهذا الجار والمجرور خبر ان أو ما قبله هو الخبر وهذا ظرف لوقوع الشفاعات وظهور مقامه المحمود فيه ومن ابتدائية أي فابتداؤها من حين اجتماعهم للحشر بعد سؤالهم الأنبياء ليشفعوا كما يشير إليه قوله (وتضيق بهم الحناجر) حتى لا يكاد أحد منهم يخرج نفسا من تفاقم الهم وتراكم الغم بصوادع القول وصوارع الهول فيرتفع إلى الحنجرة وهي رأس الغلصمة حيث تراه ناتئا فيضيق ومنه قوله تعالى وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وهذا كناية عن ضيق الأحوال عند مشاهدة الأهوال (ويبلغ منهم) أي يؤثر فيهم (العرق) أي عرق الخجالة (والشّمس) أي حرارتها مع دنوها (والوقوف) أي تعب القيام على أرجلهم (مبلغه) أي نهاية وصوله وغاية حصوله (وذلك) أي وجميع ما ذكر من أنواع التعب الحاصل لعامة الخلق (قبل الحساب) أي الذي يترتب عليه الثواب والعقاب (فيشفع حينئذ لإراحة النّاس من الموقف) بالراء أي لتخليصهم من تعبه وبالزاي لإزالتهم وتبعيدهم من نصه (ثمّ يوضع الصّراط) أي على ظهر جهنم كما ورد (وَيُحَاسَبُ النَّاسُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ أبي هريرة وحذيفة رضي الله تعالى عنهما) أي كما سبق (وهذا الحديث أتقن) بالتاء الفوقية والقاف أي أحكم وبالقبول أحق ولو روي بالياء التحتية لجاز ومعناه أثبت (فَيُشَفَّعُ فِي تَعْجِيلِ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ من أمّته إلى الجنّة) أي أولا (كما تقدّم في الحديث) أي السابق (ثمّ يشفع فيمن وجب عليه العذاب) أي استحق العقاب لارتكاب المعاصي من المؤمنين (ودخل النّار منهم حسب) بسكون السين وفتحها ونصبه على المصدر أي وفق ومثل (ما تقتضيه الأحاديث الصّحيحة) أي بالدلالات الصريحة (ثُمَّ فِيمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) أي وعمل عملا ما بمقتضاه (وليس هذا) أي قبول شفاعته لمن قال لا إله إلا الله (لسواه صلى الله تعالى عليه وسلم) أي من بين الشفعاء (وفي الحديث المنتشر) أي المشتهر (الصّحيح) أي الوارد في الصحيحين (لكلّ نبيّ دعوة) أي عامة (يدعو بها) أي لأمته أو عليهم وقد دعا بها كل منهم في الدنيا كما وقع لنوح وصالح وهود وموسى عليهم السلام (واختبأت) وفي رواية ادخرت (دعوتي شفاعة لأمّتي يوم القيامة) أي لأجل النفع العام في أهم المقام

ص: 477

(قال أهل العلم) أي بعضهم (معناه) أي معنى حديث لكل نبي دعوة لكل منهم (دعوة أعلم) بصيغة المجهول أي أعلم (أنّها) أي تلك الدعوة (تستجاب لهم) أني بضمير الجمع نظرا إلى معنى كل وأفرد في اعلم باعتبار لفظه وفي رواية اعلموا بصيغة الجمع مجهولا وهو ظاهر (ويبلغ) بصيغة المجهول أي يوصل (فيها مرغوبهم) ويحصل مطلوبهم (وإلّا) أي وإن لم يكن كذلك ولم يحصل على ما هنالك (فكم) أي فكثيرا (لكلّ نبيّ منهم من دعوة مستجابة) أي استجيب لهم في الدنيا (ولنبيّنا صلى الله تعالى عليه وسلم منها) أي من أصناف الدعوة (ما لا يعدّ) أي ما لا يحصى (لكن حالهم) أي في باقي دعواتهم (عند الدّعاء بها) أي بالدعوة التي لم يعلموا باستجابتها (بين الرّجاء والخوف) وهو لا ينافي غلبة رجاء المراد على خوف قوته في بعض المواد (وضمنت لهم) بصيغة المجهول مخففا أي جعلت مضمونة (إجابة دعوة) أي واحدة (فيما شاؤه) أي أرادوه واختاروه (يدعون بها على يقين من الإجابة) حال من ضمير يدعون؛ (وقد قال محمّد بن زياد) أي الجمحي البصري يروي عن أبي هريرة وعائشة رضي الله تعالى عنهما وغيرهما وعنه شعبة والحمادان وآخرون ثقة (وأبو صالح) أي السمان الزيات الكوفي هو من الأئمة الثقات روى عن عائشة وأبي هريرة وغيرهما وعنه بنوه وخلق سمع منه الأعمش ألف حديث توفي بالمدينة واسمه ذكوان بالذال المعجمة (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِكُلِّ نبيّ دعوة دعا بها) أي استعجل بها (في أمّته) أي في هلاكهم أو نجاتهم (فاستجيب له وأنا أريد أن أوخّر دعوتي) بهمز ويبدل وفي نسخة صحيحة أدخر بالدال المشددة أي أجعلها ذخيرة لوقت الشدة (شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي صالح) عن أبي هريرة كما في الصحيحين (لكلّ نبيّ دعوة مستجابة) أي في حق عامة أمته (فتعجّل كلّ نبيّ دعوته) أي طلب حصولها في الدنيا وأني ادخرت شفاعتي لأمتي في العقبى أي فإن نفعها أعم وأبقى زاد مسلم فهي نائلة أي واصلة وشاملة إن شاء الله تعالى من مات لا يشرك بالله شيئا. (وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هريرة) وأبو زرعة هذا هو هارم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي يروي عن جده وغيره وروى عنه خلق من التابعين وثقه ابن معين وغيره (وَعَنْ أَنَسٍ مِثْلُ رِوَايَةِ ابْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَتَكُونُ هَذِهِ الدَّعْوَةُ الْمَذْكُورَةُ مَخْصُوصَةً بالأمّة مضمونة الإجابة) أي في حق العامة (وإلّا فقد أخبر صلى الله تعالى عليه وسلم أنّه سأل) أي ربه (لأمّته) أي لبعضهم أو لكلهم (أشياء من أمور الدّين والدّنيا أعطي بعضها ومنع بعضها) أي من حيث إنها لم تكن مضمونة الإجابة (وادّخر لهم هذه الدّعوة) أي لعامة الأمة التي هي مضمونة الإجابة (ليوم القيامة) وفي نسخة صحيحة ليوم الفاقة أي لوقت شدة الحاجة (وخاتمة المحن) أي وغاية أنواع المحنة ونهاية أصناف الشدة (وعظيم السّؤال) بسكون الهمز ويبدل هو الأمنية (والرّغبة) عطف تفسيري (جزاه الله) أي عنا (أحسن ما جزى) أي الله تعالى (نبيّا عن أمّته) أي ورسولا عن دعوته (وصلّى

ص: 478