الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المكسورة أي المبالغة في ظهور البر والإحسان أو في إظهار العلم والإيقان يقال تحفى فلان بصاحبه أي بالغ في بره وتلطفه بالسؤال عن حاله ومنه قوله تعالى إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا قال الزمخشري هو البليغ في البر (وإنافة المنزلة) أي رفعة الرتبة أو زيادتها ويروى إبانة من البيان، (والمرتبة) أي القربة (من الله له ويتأوّل فيه) أي في هذا الدنو (ما يتأوّل في قوله) أي المروي في صحيح البخاري (مَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا) هذا الحديث القدسي والكلام الأنسي تمثيل لقرب معنى القرب المعنوي في لباس القرب الحسي فإنه أوقع في النفس الأنسي (ومن أتاني يمشي) أي في طاعته (أتيته هرولة) أي سبقته مسرعا بجزاء عطيته أو بتوفيق عبادته فالدنو في الآية والقرب في الحديث (قُرْبٌ بِالْإِجَابَةِ وَالْقَبُولِ، وَإِتْيَانٌ بِالْإِحْسَانِ وَتَعْجِيلِ الْمَأْمُولِ) أي وإسراع لتحصيل المسؤول لكن بين المقامين بون بين وبين القربين تباين متعين فلا تقاس الملوك بالحدادين لتفاوت مراتب المقربين ومنازل السالكين من المحبين والمحبوبين نفعنا الله ببركاتهم أجمعين.
فصل [في ذكر تفضيله في القيامة بخصوص الكرامة]
(في ذكر تفضيله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِيَامَةِ بِخُصُوصِ الْكَرَامَةِ حَدَّثَنَا القاضي) أي الشهيد (أبو عليّ) أي الحافظ ابن سكرة (حدّثنا أبو الفضل) أي ابن خيرون (وأبو الحسين) بالتصغير وفي نسخة أبو الحسن بفتحتين والأول هو الصواب على ما حققه الحلبي وهو المبارك بن عبد الجبار (قالا) أي كلاهما (حدثنا أبو يعلى) وهو المعروف بابن زوج الحرة (حدّثنا السّنجيّ) بكسر السين وسكون النون فجيم منسوبا (حدّثنا ابن محبوب) هذا هو أبو العباس المحبوبي راوي جامع الترمذي عنه (حَدَّثَنَا التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ يَزِيدَ الْكُوفِيُّ) هو الطحان (حدّثنا عبد السّلام بن حرب) أي النهدي يروي عن عطاء بن السائب وغيره وعنه ابن معين ونحوه أخرج له الأئمة الستة (عن ليث) أي ابن سليم الكوفي أحد الأعلام روى عن مجاهد وطبقته ولا نعلم أنه لقي صحابيا وعنه شعبة وخلق وفيه ضعف يسير من سوء حفظه وكان ذا صلاة وصيام وعلم كثير وبعضهم احتج به (عن الرّبيع بن أنس) تقدم (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنا أوّل النّاس خروجا) أي من القبر (إذا بعثوا) بصيغة المفعول أي أثيروا من قبورهم ونشروا (وأنا خطيبهم) أي متكلم عنهم فيما بينهم (إذا وفدوا) أي قدموا على ربهم (وأنا مبشّرهم) أي بما يسرهم (إذا أيسوا) أي قنطوا من رحمة ربهم من شدة حسابهم وهو عذابهم. (لواء الحمد) أي يومئذ كما في الجامع الصغير (بيدي) أي لإنفراده بالحمد الذي يليهم به أو لأنه يحمده الأولون والآخرون تحت لوائه كما قال آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة ولذا سمي مقاما محمودا وهو قيامه بالشفاعة العظمى وأصل اللواء الراية ولا يمسكها إلا صاحب الجيش وموضوع اللواء شهرة مكان الرئيس ليعتمدوا عليه ويرجعوا إليه (وأنا أكرم ولد آدم) أي هذا الجنس
(على ربّي) أي عنده (ولا فخر) أي ولا أقول هذا فخرا من أثر عجبي بل تحدثا بنعمة ربي.
(وفي رواية ابن زحر) بفتح زاي فسكون حاء مهملة فراء وهو عبيد الله بن زحر الإفريقي العابد يروي عن علي بن يزيد وابن إسحاق وطبقتهما وله مناكير ضعفه أحمد وقال النسائي لا بأس به وقد أخرج له البخاري في الأدب المفرد (عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ فِي لَفْظِ هَذَا الحديث) لعله من طريق أخرى للمصنف غير طرق الترمذي فاندفع به قول الحلبي هذه الرواية ليست في الكتب الستة فضلا عن الترمذي وتوجيه قول الدلجي إن هذه رواية أبي نعيم في الدلائل عن ابن زحر ثم رأيت التلمساني ذكر أنه ثبت بخط القاضي وفي رواية ابن زحر والربيع بن أنس يعني بالعطف وعند العرفي عن الربيع عن أنس يعني كما في الأصل وعلى كلا الوجهين المروي عنه هو أنس بن مالك (أَنَا أَوَّلُ النَّاسِ خُرُوجًا إِذَا بُعِثُوا وَأَنَا قائدهم إذا وفدوا) أي مقدمهم وفي الحديث قريش قادة رادة (وأنا خطيبهم إذا أنصتوا) أي سكتوا ولم يقدروا أن يتكلموا فاعتذر لهم عما فعلوا (وأنا شفيعهم إذا حبسوا) أي وقفوا يوم القيامة فيموج بعضهم في بعض فيفزعون إلى الأنبياء فيقول كل نفسي نفسي فيأتونه فيشفع لهم الشفاعة العظمى لفصل القضاء (وأنا مبشّرهم إذا أبلسوا) بضم همز وسكون موحدة وكسر لام فسين مهملة أي يئسوا وتحيروا ومنه قوله تعالى فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ وبه سمي إبليس وكان اسمه عزازيل هكذا ذكره التلمساني وروي يئسوا بتقديم الياء على الهمزة من اليأس وروي بتقديم الهمزة على الياء من الإياس وهو قطع الرجاء. (لواء الكرم) أي الذي ترتب عليه الحمد (بيدي) أي بتصرفي وأصل اللواء العلم والراية ويجوز أن يراد به حقيقته وهو الأولى لأن الرئيس علامته اللواء ويجوز أن يكون إشارة لرفعة مقامه وظهور مرامه ويؤيد الأول ما ورد من أنه يكون يوم القيامة لكل متبوع لواء يعرف به أنه قدوة حق أو أسوة باطل وجاء في حديث عقبة بن عامر أن أول من يدخل الجنة الحمادون لله تعالى على كل حال يعقد لهم يوم القيامة لواء فيدخلون الجنة ثم قيل اللواء ما كان مستطيلا والراية ما كان مربعا والأظهر أن اللواء هو الراية العظيمة فهي أعم والله تعالى أعلم (وَأَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبِّي وَلَا فخر) أي ولا أقول فخرا بل أمتثل أمرا (ويطوف عليّ ألف خادم) أي من أفضل خدام أهل الجنة (كأنّهم لؤلؤ مكنون) أي مصون عن الغبار والصفار مثل الدر في الصدف على طراوته أو لمصان المدخر لنفاسته وفي اللؤلؤ أربع لغات الهمز فيهما وتركه وهمز الأولى مع ترك الثانية وعسكه ويسمى كباره المرجان لقوله تعالى كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ لأن المراد الحمرة والبياض والله تعالى أعلم وخلاصة المعنى أنهم في الحسن والبياض والصفاء والضياء كأنهم لؤلؤ مستور في صدقه لم تمسه الأيدي من الكن وهو الستر (وعن أبي هريرة رضي الله عنه كما روى الترمذي وصححه (وأكسى) بصيغة المجهول أي وألبس (حلّة) أي عظيمة (مَنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ ثُمَّ أَقُومُ عَنْ يَمِينِ العرش) تلويح بقربه من ربه وكرامته في مقام حبه (لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْخَلَائِقِ يَقُومُ ذَلِكَ الْمُقَامَ غيري) يعني به المقام المحمود وصدر الحديث على ما في الجامع الصغير من رواية
الترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا أنا أول من تنشق عنه الأرض فأكسى حلة الحديث (وعن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه) أي الخدريّ كما في نسخة وقد رواه أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة عنه مرفوعا (قال قال رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القيامة) قيده به لظهور سيادته ووضوح رياسته مطلقا فيه لكل أحد من غير منازع ولا مدافع وفي الأصل ولا فخر هنا أيضا (وبيدي لواء الحمد ولا فخر) أي إلا بمثل هذا (وما نبيّ) وفي نسخة ولا نبي وفي نسخة صحيحة وما من نبي (يومئذ آدم) بالنصب ويجوز رفعه (فمن سواه) بكسر السين وضمها أي فمن بعده ولو كان أفضل منه كإبراهيم ونوح وموسى وعيسى عليهم السلام كما يستفاد من العطف بالفاء دون الواو (إلّا تحت لوائي) ووقع في اصل الدلجي آدم يومئذ فمن سواه فتكلف في توجيهه بقوله اعتراض بين النفي والاستثناء أفاد أن آدم بالرفع بدلا أو بيانا من محله (وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَلَا فخر) وفي الأصول هنا زيادة وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ وَلَا فَخْرَ (وعن أبي هريرة عنه) كما رواه مسلم وأبو داود (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مشفّع) بفتح الفاء المشددة أي أول مقبول في الشفاعة وإنما ذكر الثاني بإعادة أول لأنه قد يشفع اثنان فيشفع الثاني منهما قبل الأول ذكره النووي ففي البخاري يحبس المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيريحنا من مكاننا إلى أن قال فيأتونني فاستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء أن يدعني فيقول محمد ارفع وقل تسمع واشفع تشفع. (وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما كما روى الترمذي والدارمي (أَنَا حَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فخر) أي إلا بهذا قيل يعارض هذا الحديث ونحوه ما روي عنه عليه الصلاة والسلام اللواء يحمله يوم القيامة علي وأجيب بأن حديث علي هذا ذكره ابن الجوزي في الموضوعات قيل ولئن صح فالجواب أن عليا لما كان حاملا للواء بأمره أضاف حمله إلى نفسه والأولى أن يقال لواء علي خاص له ولأشياعه وكذا لأبي بكر وأتباعه وكذا لكل إمام وشيخ مقتدى مع تلاميذه ومريديه لما تقدم والله تعالى أعلم (وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ وَلَا فَخْرَ) أي بهذا بل لي عند الله فوق ذلك مما أفتخر به هنالك (وأنا أوّل من يحرّك حلق الجنّة) أي بابها للاذن بدخولها والحلق بفتحتين وقد تكسر حاؤه جمع حلقة (فيفتح لي) بصيغة المجهول (فأدخلها فيدخلها معي) أي من أمتي (فقراء المؤمنين) أي من المهاجرين وغيرهم على مراتبهم (ولا فخر) أي في هذا المقام إلا بالفقر وأما حديث الفقر فخري فموضوع كما صرح به الحفاط ثم الفقر قد يكون مذموما كما ورد كاد الفقر أن يكون كفرا ومنه حديث أعوذ بك من الفقر والمحمود منه إنما هو بغنى النفس كما ورد ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس ونعم ما قيل:
غنى النفس ما يكفيك عن سد حاجة
…
فإن زاد شيئا عاد ذاك الغنى فقرا
وقد قال الله تعالى وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ والفقير الحقيقي هو الذي يرى دوام افتقاره في حال اضطراره واختياره (وأنا أكرم الأوّلين والآخرين ولا فخر) أي إلا بالغيبة عنهم وبالحضور مع ربهم (وعن أنس رضي الله تعالى عنه) كما روى مسلم (أنا أوّل النّاس يشفع) وفي نسخة يشفع بتشديد الفاء المفتوحة (في الجنّة) أي لرفع درجات المطيعين ولدخول العصاة من المؤمنين (وأنّا أكثر النّاس) أي من الأنبياء (تبعا) ولفظه في مسلم على ما في الجامع الصغير أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة وأنا أول من يقرع باب الجنة (وعن أنس رضي الله تعالى عنه) كما في الصحيحين (قال النّبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وتدرون لما ذلك) كأنه قيل الله ورسوله أعلم فقال أو لما علم أنهم لا يدرون ما هنالك قال (يَجْمَعُ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ. وَذَكَرَ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ) وهو إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض فيأتون آدم ليشفع لهم فيقول لست لها إلى أن قال فيأتونني فأقول أنا لها الحديث أي أنا الكائن لها والمتكفل بها ومن ثمة قيل أنت لها أحمد من بين البشر (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَطْمَعُ أَنْ أَكُونَ أَعْظَمَ الأنبياء أجرا يوم القيامة) لأنه أعظمهم في المشقة بما كلف من عموم الدعوة مع تمرد الكفرة وعتو الفجرة أو المعنى أكثرهم أجرا لكون أمته أكثرهم نفرا. (وفي حديث آخر) أي عنه أو عن غيره (أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ وَعِيسَى فِيكُمْ) أي محشورين في جملتكم (يوم القيامة) أما تخصيص إبراهيم عليه السلام فلقوله تعالى إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وهذا النبي والذين آمنوا ولموافقته في كمال التوحيد في مقام التفريد كما يشير إليه قوله تعالى ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً ولكونه جده ومنه جده وأما عيسى عليه السلام فلما أنه يتبعه في ملته بعد نزوله من رفعته ويدفن بعد موته في تربته (ثُمَّ قَالَ إِنَّهُمَا فِي أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أمّا إبراهيم فيقول أتت دعوتي) أي أثر إجابة دعائي حيث قلت في ندائي رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ (وذرّيتي) أي وأنت من ذريتي المذكورة في دعوتي أيضا بقولي رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ الآية ولا نزاع أنه من نسل ولده إسماعيل وأنه لم يبعث منهم بني سواه فهو المجاب به دعوته (وأمّا عيسى عليه السلام فالأنبياء) أي جميعهم (أخوة) أي أولاد أب واحد حقيقة وكذا حكما لاتفاقهم فيما بعثوا لأجله من توحيد وإيمان بما يجب تصديقه ودعوة الخلق إلى الحق وإرشادهم إلى نظام معاشهم وتمام مرادهم في معادهم فتساويهم في أصولهم اعتقادا كان لهم واحد ولتفاوتهم واختلافهم في بعض فروعهم عملا (بنو علّات) بفتح عين مهملة وتشديد لام أي أولاد أمهات مختلفات وأبوهم واحد وبنو الاخياف لمن أمهم واحدة والآباء مختلفون وبنو الاعيان لمن أمهم واحدة وكذا أبوهم واحد كما بينه بقوله (أمّهاتهم شتّى) بفتح شين وتشديد تاء شتيت جمع كمرضى جمع مريض أي متفرقات في نسبة الولادات التي يتولد منها الاختلافات، (وإنّ عيسى أخي) أي بالخصوص من حيث إنه بشر بي قبلي وقام بديني بعدي ويروى وأن عيسى (ليس بيني وبينه نبيّ) ففيه كمال اتصال له بي وكأنه جار لي في
مقامي. (وأنا) ويروى فأنا (أولى النّاس به) أي أحقهم ببره أو أخصهم باتصاله بي وقد روى البخاري ومسلم وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الأولى والآخرة الأنبياء بنو علات أمهاتهم شتى ودينهم واحد وليس بيننا نبي وأما ما ذكره في مستدرك الحاكم من أن فيما بين عيسى ومحمد عليهما السلام بعض الأنبياء كخالد بن سنان فأسانيده لا تقاوم الصحيح وعلى فرض صحته يقال المعنى ليس بيننا نبي مرسل. (قوله) صلى الله تعالى عليه وسلم أي في الحديث السابق (أنا سيّد النّاس) وفي نسخة ولد آدم (يوم القيامة) أتى بقيده ليفيد ظهوره كقوله تعالى وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ومالِكِ يَوْمِ الدِّينِ والْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ (هو سيّدهم في الدّنيا ويوم القيامة) أي وما بعده من العقبى (ولكن أشار صلى الله تعالى عليه وسلم لانفراده) أي إلى اختصاصه (فيه بالسّؤدد) بضم السين وسكون الواو وفتح الدال الأولى (والشّفاعة) أي العظمى (دُونَ غَيْرِهِ إِذْ لَجَأَ النَّاسُ إِلَيْهِ فِي ذلك) تحتمل إذ ان تكون تعليلية وأن تكون حينية ظرفية (فلم يجدوا سواه) أي ملجأ وملاذا يعتمدون عليه. (وَالسَّيِّدُ هُوَ الَّذِي يَلْجَأُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِي حوائجهم) أي في فضائها (فكان حينئذ) أي وقت يلجأون إليه ويتضرعون لديه (سَيِّدًا مُنْفَرِدًا مِنْ بَيْنِ الْبَشَرِ، لَمْ يُزَاحِمْهُ أحد في ذلك) أي ممن استحق السيادة (ولا ادّعاه) أي أحد ممن لا يستحقها وهذا منه صلى الله تعالى عليه وسلم (كما قال تعالى) أي يوم القيامة (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) فلا يجيبه أحد من هول ذلك المشهد فيجيب نفسه بقوله بعد (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [غَافِرٍ: 16] وَالْمُلْكُ لَهُ تَعَالَى) أي والحال أن حقيقة الأمر ناطقة بأنه له الملك (في الدّنيا والآخرة لكن في الآخرة) لكون زوال أسبابه وارتفاع وسائطه (انقطعت دعوى المدّعين لذلك) أي للملك أو الملك في الجملة (في الدّنيا) أي لغفلتهم عن أنعت المولى (وكذلك لجأ إلى محمّد صلى الله تعالى عليه وسلم جميع النّاس في الشّفاعة) أي ليريحهم من هول تلك الساعة (فكان سيّدهم في الأخرى دون دعوى) أي من أحد كان يدعي السيادة في الدنيا، (وعن أنس رضي الله عنه كما في مسلم (قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم آتي) بمد الهمزة أي أجيء (باب الجنّة يوم القيامة فأستفتح) أي فأطلب فتحها لأدخلها (فيقول الخازن) أي رضوان (من أنت) قيل واسم خازن النار مالك وناسب كل اسم ما وكل عليه فالجنة دار الكرامة والرضى فناسب رضوان والنار دار المشقة والعذاب والشدة فناسب مالك كذا ذكره التلمساني ولا يبعد أن يقال لأن الجنة إنما تحصل بالرضى عن المولى والنار إنما تنشأ عن طلب الملك والملك في الدنيا (فأقول محمّد فيقول بك) أي بسببك (أمرت أنه لا أفتح لأحد قبلك) أو أمرت أن افتح لك حال كوني لا أَفْتَحَ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ. (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو) أي ابن العاص كما في الصحيحين (قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حوضي) أي مسافته أو دورته ومساحته (مسيرة شهر) أي قدر سير شهر (وزواياه) بفتح الزاء جمع زواية أي نواحيه (سواء) بفتح السين ممدودا أي مستوية أي لتربيع أرضه لا يزيد طوله على عرضه قيل أركانه أربعة وسقاته أربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله تعالى عليهم أجمعين فمن أبغض واحدا لم يسقه الآخرون
وأورد التلمساني حديثا في هذا المعنى ولكن الله تعالى أعلم بصحة المبنى (وماؤه أبيض) أفعل تفضيل وهو حجة للكوفي على البصري أي أشد بياضا (من الورق) بكسر الراء وسكونها وحكي كسر الواو وسكون الراء ونسب إلى الفراء وحكي فتحهما الصغاني وادعى أنه قرئ بها في قوله تعالى بِوَرِقِكُمْ أي الفضة أو الدراهم المضروبة وفي نسخة من اللبن بدل من الورق والأول هو المذكور في جميع نسخ صحيح مسلم والثاني وقع وفي نسخة المصابيح والجمع بتعدد الرواية (وريحه أطيب من المسك) أي من ريحه وفي تخصيصه إيماء إلى أنه أفضل نوع من جنس الطيب (كيزانه) جمع كوز (كنجوم السّماء) أي كثرة وإضاءة وهي من ذهب وفضة كما في رواية ثم قيل المراد به الكثرة لا عددها على الحقيقة والصواب ما قاله النووي من أن العدد على ظاهره ولا مانع شرعا ولا عقلا مما ثبت نقلا لا سيما وقد ورد مؤكدا بالقسم في حديث والذي نفسي بيده لأكثر من عدد نجوم السماء (من شرب منه لم يظمأ) أي لم يعطش (أبدا) أي بعده وفيه إشكال سيذكر في آخر الفصل حله (وعن أبي ذرّ نحوه) أي على ما رواه مسلم. (وقال) أي أبو ذر في حديثه هذا (طوله ما بين عمان) بضم العين وتخفيف الميم من قرى اليمن وبفتح العين وتشديد الميم من قرى الشام بالبلقاء من أقصى حوران والمعروف أنه غير مصروف والمعنى أن مسافة ما بين طرفيه طولا مثل المسافة منها (إلى أيلة) بهمزة مفتوحة وتحتية ساكنة قرية في آخر طرف الشام بساحل البحر متوسطة بين المدينة ودمشق وثمان مراحل بينها وبين مصر قيل هي التي قال الله تعالى وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ هذا وقد قال ابن قرقول عمان التي في الحوض رويناه بفتح العين وتشديد الميم وهي قرية بالشام من عمل دمشق وكذا قاله الخطابي وحكي أيضا فيه تخفيف الميم وفي الترمذي من عدن إلى عمان البلقاء والبلقاء بالشام قاله البكري ويقال فيه أيضا عمان بالضم والتخفيف وزعموا انه المراد بالحديث لذكره مع أيله جرباء وأذرع والكل من قرى الشام وأما عمان التي ببلاد اليمن فبالضم والتخفيف لا غير ووقع في كتاب ابن أبي شيبة ما يدل على أنها المراد في حديث الحوض لقوله ما بين بصرى وصنعاء اليمن ومثله في البخاري وفي مسلم وعرضه من مقامي إلى عمان بالفتح والتشديد عند الصدفي وعند غيره بالضم والتخفيف وقال ابن الأثير حديث الحوض من مقامي إلى عمان هي بفتح العين وتشديد الميم مدينة قديمة بالشام من أرض البلقاء فأما بالضم والتخفيف فهو صقع عند البحرين وله ذكر في الحديث وقال السهيلي بالضم والتخفيف قرية باليمن سميت بعمان بن سنان من ولد إبراهيم فيما ذكروا وبالفتح والتشديد قرية بالشام قرب دمشق سميت بعمان بن لوط بن هاران كان يسكنها فيما ذكروا وقال الحافظ المزي يتعين الضم والتخفيف فإن في الحديث الآخر أيلة وصنعاء (يشخب) بفتح الخاء وضمها من شخب اللبن كمنع ونصر أي يسيل سيلانا شديدا متواليا وقيل يصب بصوت وفي رواية يغت بغين معجمة وتاء مثناة ومعناه اتباع الصب وروي يعب بعين مهملة وباء موحدة ومعناه الشرب بسرعة في نفس واحد وفي رواية ابن ماهان يثعب
بثاء مثلثة وعين مهملة وباء موحدة ومعناه يتفجر (فيه) أي في ذلك الحوض (ميزابان) بكسر الميم وسكون الياء وقد يهمز إذ أصله الهمز وقد يشدد تثنية ميزاب وهو مثعب الماء أي الجدول الذي يجري منه الماء إلى الحوض لكن في التعبير عنه بالميزاب إشعار بأن أرض الموقف في أسفل (من الجنّة) أي من أنهارها. (وعن ثوبان مثله، وقال) أي ثوبان في روايته فيما رواه مسلم (أحدهما من ذهب. والآخر من ورق) أي فضة وإنما نوع للزينة كما في الحلي المرصعة والعمارات المزخرفة، (وفي رواية حارثة بن وهب) أي فيما رواه الشيخان عنه وهو بالحاء المهملة وبعد الراء ثاء مثلثة خزاعي له صحبة وهو أخو عبد الله بن عمر بن الخطاب لأمه:(كما بين المدينة وصنعاء) بفتح الصاد وسكون النون ممدودة قاعدة اليمن ومدينته العظمى وهي من عجائب الدنيا كما قال الشافعي وأما صنعاء الروم فقرية في ناحية ربوة دمشق والله تعالى أعلم (وَقَالَ أَنَسٌ: أَيْلَةُ وَصَنْعَاءُ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ) أي فيما رواه الشيخان عنه (كما بين الكوفة والحجر الأسود) واختلاف الروايات يدل على أن المراد كثرة طوله وإنما ورد تقديره تمثيلا لكل أحد بحسب بعده وتقريبا لفهمه. (وروى حديث الحوض أيضا أنس) كما في الصحيحين (وجابر بن سمرة) فيما رواه مسلم وفي نسخة وجابر وسمرة فعلى تقدير صحته فقد روى جابر بن عبد الله حديثا في الحوض وهو في مسند أحمد وأما سمرة فلم يعرف حديثه فالصواب هو النسخة الأولى، (وابن عمر) كما رواه الشيخان وأبو داود (وعقبة بن عامر) كما رواه مسلم وغيره (وحارثة بن وهب الخزاعيّ) بضم أوله كما رواه البخاري والترمذي (والمستورد) بصيغة الفاعل على ما رواه الشيخان وهو ابن شداد بالشين المعجمة كما أفاده الحلبي (وأبو برزة) بفتح الموحدة وبتقديم الراء على الزاي (الأسلميّ) فيما رواه أبو داود وابن حبان والبيهقي (وحذيفة بن اليمان) كما رواه مسلم وغيره (وأبو أمامة) على ما رواه ابن حبان والبيهقي وهو صدي بن عجلان على ما هو الظاهر وإلا ففي الصحابة خمسة يقال لهم أبو أمامة (وزيد بن أرقم) فيما رواه أحمد بن حنبل والبيهقي (وابن مسعود) كما رواه الشيخان (وعبد الله بن زيد) كما في الصحيحين (وسهل بن سعد) بروايتهما أيضا (وسويد) بالتصغير (ابن جبلة) بفتح الجيم والموحدة تابعي وقيل صحابي فكان ينبغي تأخيره عمن اتفق على صحبته رواه عنه البيهقي وأبو زرعة الدمشقي في مسند أهل الشام ووقع في أصل الحلبي هنا زيادة قوله وابن بريدة وتفرع له اعتراض على المصنف لكنه مخالف لما في النسخ المصححة هذا وفي حاشية قال الصواب سويد بن غفلة بفتح الغين المعجمة والفاء وهو مخضرم عاش مائة وعشرين سنة ومات عام الفيل كذا في الأصل ولعله تصحيف وصوابه ولد عام الفيل (وأبو سعيد الخدريّ رضي الله تعالى عنه) فيما رواه مسلم (وعبد الله الصّنابحيّ) بضم الصاد المهملة فنون بعده ألف فموحدة مكسورة فحاء مهملة فياء نسبة قيل هو صحابي نسب إلى جده صنابح رواه أحمد وابن ماجة عنه (وأبو هريرة رضي الله تعالى عنه) كما في الصحيحين (والبراء) بفتح الباء وتخفيف الراء أي ابن عازب كما في نسخة رواه أحمد
والطبراني عنه (وجندب) بضم الجيم والدال ويفتح رواه الشيخان عنه وهو عبد الله بن سفيان البجلي وإلا ففي الصحابة من يقال له جندب غيره أثنا عشر قال ابن الأثير متى أطلق اسم جندب من غير ذكر أبيه فهو جندب بن عبد الله هذا وإلا فاسم أبي ذر الغفاري جندب بن جنادة الغفاري مشهور بكنيته (وعائشة) كما في مسلم (وأسماء بنتا أبي بكر رضي الله تعالى عنه) على في الصحيحين (وأبو بكرة) أي السقفي راه الطبراني واسمه نفيع مصغرا وهو ممن اعتزل يوم الجمل ولم يقاتل مع أحد من الفريقين وكان يقول أنا مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال السهيلي وقد تدلى من سور الطائف على بكرة فتسمى أبا بكرة وهو من أفاضل الصحابة (وخولة) بفتح الخاء المعجمة (بنت قيس) كما رواه أحمد وغيره عنها وهي انصارية نجارية زوج حمزة بن عبد المطلب (وغيرهم رضي الله عنهم كأبي بكر الصديق في صحيح أبي عوانة والبيهقي وعمر للبيهقي في البعث وأبي بن كعب وأسامة بن زيد وحذيفة بن أسيد بفتح فكسر والحسن بن علي وسلمان الفارسي وسمرة بن جندب وأبي الدرداء وأبي معوذ كلهم في الطبراني وأسيد بن حضير في الصحيحين وابن عباس في البخاري وأم سليم في مسلم وجابر بن عبد الله وعائد بن عمرو وثابت بن أرقم وخولة بنت حكيم رواه أحمد في مسنده عنهم ولقيط بن صبرة في زيادات المسند وخباب بن الأرت في المستدرك وكعب بن عجرة في الترمذي والنسائي وبريدة في مسند البزار وعتبة بن عبيد والعرباض بن سارية في صحيح ابن حبان والنواس بن سمعان في كتاب ابن أبي الدنيا وعثمان بن مظعون في تاريخ ابن كثير وعبد الرحمن بن عوف في الطبراني ومعاذ بن جبل في حادي الأرواح ذكره الدلجي وقال زعم المصنف تواتر حديث الحوض والظاهر أن تواتره معنوي لا لفظي لقول ابن الصلاح وغيره لا يكاد يوجد شرط هذا وفي نسخة بعد قوله وسويد بن جبلة وأبو بكر وعمر وابن بريدة ونقل عن ابن جبير أن هذه الزيادة وقعت في طرة الأم بخط المؤلف بغير علامة يخرج إليها ثم ابن بريدة قال الحلبي هو تابعي فحديثه مرسل قلت المرسل حجة عند الجمهور فكيف إذا كان مع جمع حديثهم مشهور هذا وممن روى حديثا في الحوض ولم يذكره القاضي خولة بنت حكم وعبد الله بن عباس أخرجهما أحمد في مسنده كما ذكره الحلبي وقد جمع ذلك كله الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب البعث والنشور بأسانيده وطرقه المتكاثرات واختلف في أن الحوض هل هو قبل الصراط أو بعده أو له حوضان أحدهما بعده والآخر قبله والله تعالى أعلم هذا وقد قال المصنف ظاهر الحديث أن الشرب من الحوض يكون بعد الحساب والنجاة من النار فهذا هو الذي لا يظمأ بعده قال وقيل لا يشرب منه إلا من قدر له السلامة من النار قال ويحتمل أن من شرب من هذه الأمة وقدر عليه الدخول لا يعذب فيها بالظمأ بل يكون عذابه بغير ذلك لأن ظاهره الحديث أن جميع الأمة تشرب منه إلا من ارتد ومات كافرا قال وقيل إن جميع المؤمنين يأخذون كتبهم بإيمانهم ثم يعذب الله من يشاء من عصاتهم وقيل إنما يأخذ بيمينه الناجون خاصة قال وهذا مثله والله سبحانه وتعالى أعلم.