المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [اعلم أن الله عز وجل قادر على خلق المعرفة في قلوب عباده] - شرح الشفا - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأوّل

- ‌[المقدمة]

- ‌ترجمة القاضي عياض

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌القسم الأول [في تعظيم العلي الأعلى جل وعلا]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ [فِيمَا جَاءَ من ذلك مجيء المدح والثناء]

- ‌الفصل الثّاني [في وصفه تعالى بالشهادة وما تعلق به من الثناء والكرامة]

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ [فيما ورد من خطابه تعالى إياه مورد الملاطفة والمبرة]

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُ [فِي قَسَمِهِ تَعَالَى بِعَظِيمِ قَدْرِهِ صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الفصل الخامس في قسمه

- ‌الْفَصْلُ السَّادِسُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى في جهته عليه الصلاة والسلام مورد الشفقة والإكرام]

- ‌الفصل السّابع [فيما أخبره الله بِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ عَظِيمِ قَدْرِهِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّامِنُ [فِي إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقَهُ بصلاته عليه وولايته له]

- ‌الْفَصْلُ التَّاسِعُ [فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْفَتْحِ مِنْ كراماته عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْعَاشِرُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كتابه العزيز من كراماته عليه ومكانته عنده]

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي تَكْمِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ المحاسن خلقا وخلقا]

- ‌فصل [قال القاضي رحمه الله تعالى إذا كانت خصال الكمال والجلال]

- ‌فصل [إن قلت أكرمك الله تعالى لا خفاء على القطع بالجملة]

- ‌فصل [وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُفُورُ عَقْلِهِ وَذَكَاءُ لُبِّهِ وَقُوَّةُ حَوَاسِّهِ وفصاحة لسانه واعتدال حركاته وحسن شمائله]

- ‌فصل [وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول]

- ‌فصل [وأما شرف نسبه وكرم بلده ومنشأه]

- ‌فصل [وأما تَدْعُو ضَرُورَةُ الْحَيَاةِ إِلَيْهِ مِمَّا فَصَّلْنَاهُ فَعَلَى ثلاثة ضروب الضرب الأول]

- ‌فصل [وأما الضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته والفخر بوفوره]

- ‌فصل [وأما الضرب الثالث فهو ما تختلف فيه الحالات]

- ‌فصل [وأما الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [وأما أَصْلُ فُرُوعِهَا وَعُنْصُرُ يَنَابِيعِهَا وَنُقْطَةُ دَائِرَتِهَا فَالْعَقْلُ]

- ‌فصل [وأما الحلم]

- ‌فصل [وأما الجود]

- ‌فصل [وأما الشجاعة والنجدة]

- ‌فصل [وأما الحياء والإغضاء]

- ‌فصل [وأما حسن عشرته وآدابه]

- ‌فصل [وأما الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق]

- ‌فصل [وأما خلقه صلى الله تعالى عليه وسلم في الوفاء]

- ‌فصل [وأما تواضعه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما عدله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته]

- ‌فصل [وأما وقاره صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما زهده صلى الله تعالى عليه وسلم في الدنيا]

- ‌فصل [وأما خوفه صلى الله تعالى عليه وسلم من ربه عز وجل]

- ‌فصل [اعلم وفقنا الله تعالى وإياك أن صفات جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قد آتيناك أكرمك الله سبحانه من ذكر الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [في تفسير غريب هذا الحديث ومشكله]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ ومشهورها بتعظيم قدره عند ربه عز وجل]

- ‌الفصل الأول [فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ مَكَانَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عز وجل]

- ‌فصل [في تفضيله صلى الله تعالى عليه وسلم بما تضمنته كَرَامَةُ الْإِسْرَاءِ]

- ‌فصل [ثم اختلف السلف والعلماء هل كان إسراء بروحه أو جسده]

- ‌فصل [إبطال حجج من قال أنها نوم]

- ‌فصل [وأما رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم لربه عز وجل]

- ‌فصل [في فوائد متفرقة]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَظَاهِرُ الآية من الدنو والقرب]

- ‌فصل [في ذكر تفضيله في القيامة بخصوص الكرامة]

- ‌فصل [في تفضيله بالمحبة والخلة]

- ‌فصل [في تفضيله بالشفاعة والمقام المحمود]

- ‌فصل [في تفضيله فِي الْجَنَّةِ بِالْوَسِيلَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ وَالْكَوْثَرِ وَالْفَضِيلَةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ إِذَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلِيلِ الْقُرْآنِ وصحيح الأثر]

- ‌فصل [في أسمائه صلى الله تعالى عليه وسلم وما تضمنته من فضيلته]

- ‌فصل [في تشريف الله تعالى له بما سماه به من أسمائه الحسنى]

- ‌فصل [قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وها أنا أذكر نكتة]

- ‌الْبَابُ الرَّابِعُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَشَرَّفَهُ بِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ والكرامات]

- ‌فصل [اعلم أن الله عز وجل قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْمَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ]

- ‌فصل [اعلم أن معنى تسميتنا ما جاءت به الأنبياء معجزة]

- ‌فصل [في إعجاز القرآن العظيم الوجه الأول]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ إِعْجَازِهِ صُورَةُ نَظْمِهِ الْعَجِيبِ والأسلوب الغريب]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْإِعْجَازِ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ من الأخبار]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الرَّابِعُ مَا أَنْبَأَ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ القرون السالفة]

- ‌فصل [هَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ إِعْجَازِهِ بَيِّنَةٌ لَا نزاع فيها ولا مرية]

- ‌فصل [ومنها الروعة]

- ‌فصل [وَمِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْدُودَةِ كَوْنُهُ آيَةً بَاقِيَةً لا تعدم ما دامت الدنيا]

- ‌فصل [وَقَدْ عَدَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمُقَلِّدِي الْأُمَّةِ في إعجازه وجوها كثيرة]

- ‌فصل [في انشقاق القمر وحبس الشمس]

- ‌فصل [في نبع الماء من بين أصابعه الشريفة وتكثيره ببركته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ تَفْجِيرُ الْمَاءِ ببركته وانبعاثه]

- ‌فصل [ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته]

- ‌فصل [في قصة حنين الجذع له صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [ومثل هذا وقع في سائر الجمادات بمسه ودعوته]

- ‌فصل [في الآيات في ضروب الحيوانات]

- ‌فصل [في إحياء الموتى وكلامهم]

- ‌فصل [في إبراء المرضى وذوي العاهات]

- ‌فصل [في إجابة دعائه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في كراماته صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْغُيُوبِ]

- ‌فصل [في عصمة الله تعالى له صلى الله تعالى عليه وسلم من الناس وكفايته من آذاه]

- ‌فصل [ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم]

- ‌فصل [ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام وكراماته وباهر آياته أنباؤه مع الملائكة]

- ‌فصل [وَمِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ وَعَلَامَاتِ رِسَالَتِهِ مَا تَرَادَفَتْ]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ عِنْدَ مولده عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى قد أتينا في هذا الباب]

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌فصل [اعلم أن الله عز وجل قادر على خلق المعرفة في قلوب عباده]

فيوما علينا ويوما لنا

ويوما نساء ويوما نسر

وفيه تنبيه على حسن الرضى تحت حكم القضاء مع العلم بأن في غالبيته نصرة الأولياء وفي مغلوبيته كثرة الشهداء كما قال تعالى قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ فكل أمر المؤمن مقرون بخير في الكونين وقد قال تعالى إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ (ويفي بالعهد وينجز) بضم الياء وكسر الجيم (الموعود) أي ويصدق الوعد، (وأشهد أنّه نبيّ) فلله دره وما أتم نظره حيث حملته محاسن جملته على الإقرار بنبوته من غير حاجة إلى إظهار حجته وبيان معجزته (وقال نفطويه) بكسر النون وسكون الفاء وفتح الطاء المهملة والواو فتحتية ساكنة فهاء مكسورة وقد سبق ذكره (في قوله تعالى: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ) أي يفيض بالأنوار من حيث ذاته (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ [النور: 35] ) تفيد إنارته باستنارة صفاته (هَذَا مَثَلٌ ضَرْبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم يقول) أي كأنه تعالى يقول (يكاد منظره) أي يقرب ظاهر رؤيته (يَدُلُّ عَلَى نُبُوَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَتْلُ قُرْآنًا) من التلاوة وروي وإن لم يقل من القول والفاعل فيهما ضميره صلى الله تعالى عليه وسلم أي وإن لم ينضم لرؤيته تلاوة قراءته الدالة على أنواع معجزته (كما قال ابن رواحة) أي في نعته وهو بفتح الراء انصاري نقيب بدري أحد شعرائه صلى الله تعالى عليه وسلم حضر أحدا والخندق واستشهد بمؤتة بضم الميم أميرا فيها سنة ثمان من الهجرة:

(لو لم تكن فيه آيات مبينة) بكسر التحتية وفتحها أي لو لم يوجد في حقه آيات ظاهرة أو معجزات باهرة (لكان منظره ينبيك بالخبر) أصله ينبئك بالهمزة فسكن ضرورة ثم جواز إبداله ياء لغة هذا وقد نسب الشيخ تقي الدين بن تيمية هذا البيت إلى حسان مع تغير شطره الثاني حيث قال وما أحسن قول حسان:

لو لم تكن فيه آيات مبيّنة

كانت بديهته تأتيك بالخبر

انتهى ولا يخفى أنه يمكن الجمع بالتوارد في المبنى وإن كان أحدهما أظهر في المعنى (وقد آن) أي حان (أن نأخذ) أي نشرع (في ذكر النّبوّة) وهي حالة الولاية قبل الرسالة (والوحي) أي وبيان الوحي الشامل لحال النبوة (والرّسالة) أي نعت الرسالة وما تتميز به عن مرتبة النبوة (وبعده) أي وبعد فراغ هذا الشأن نشرع (في معجزة القرآن) أي وما يتعلق به من البيان (وما فيه) أي في القرآن (من برهان) أي حجة (ودلالة) بفتح الدال وتكسر أي وبينة من آية وعلامة تبين مبانيها وتعين معانيها ثم في هذا الباب ثلاثون فصلا.

‌فصل [اعلم أن الله عز وجل قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْمَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ]

(اعلم أنّ الله تعالى قادر على خلق المعرفة) أي جميع المعارف الجزئية من العلوم الشرعية والعرفية (في قلوب عباده) أي على وفق مراده كما حكي عن سنته سبحانه في بعض

ص: 531

الأنبياء وكما روي عن مجاهد أوحى الله الزبور إلى داود عليه السلام في صدره (والعلم) أي وعلى خلق العلم الكلي الإجمالي المتعلق (بذاته) أي الأسنى (وأسمائه) أي الحسنى (وصفاته) أي العلى (وجميع تكليفاته) أي التي الزمها عقلاء مخلوقاته (ابتداء) أي بإفاضة جذبة من جذباته (ودون واسطة) أي من ارسال ملائكته (لو شاء) أي لو تعلقت به مشيئته واقتضته حكمته (كَمَا حُكِيَ عَنْ سُنَّتِهِ فِي بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ) أي وروي عن بعض الأولياء من أمته حيث حصل لهم العلم اللدني من الإلهام الإلهي في أمور خارقة للعادة ظهر تحقيقها عند أصحاب الإرادة (وَذَكَرَهُ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً [الشورى: 51] ) أي وحي الهام أو رؤيا منام كما وقع لأم موسى عليه السلام (وجائز) أي في قدرته بعد تعلق ارادته وفق حكمته (أن يوصل إليهم جميع ذلك) أي ما ذكر من العلوم الكلية والمعارف الجزئية (بواسطة) أي من ملك أو نبي أو ولي (تبلّغهم كلامه) أي مما يقتضي مرامه (وَتَكُونُ تِلْكَ الْوَاسِطَةُ إِمَّا مِنْ غَيْرِ الْبَشَرِ كَالْمَلَائِكَةِ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ مِنْ جِنْسِهِمْ كَالْأَنْبِيَاءِ مع الأمم) وفي معناهم الأولياء مع اتباعهم فيما ينبغي لهم اتباعهم (ولا مانع لهذا) أي لما ذكر من حالتي الابتداء والواسطة في الابداء (من دليل العقل) أي وقد ثبت بدليل النقل (وإذا جاز هذا) أي نقلا وعقلا (ولم يستحل) أي ولم يعد ذلك محالا أصلا (وَجَاءَتِ الرُّسُلُ بِمَا دَلَّ عَلَى صِدْقِهِمْ مِنْ معجزاتهم) أي الباهرة وآياتهم القاهرة (وجب) أي على المرسل إليهم (تصديقهم في جميع ما أتوا به) أي من الامور الواجبة عليهم (لأنّ المعجز مع التّحدّي) أي طلب المعارضة (من النّبيّ) أي ممن يصح أن يكون له نعت النبوة ولم يكن من أهل الاستدراج والسحر والمكر والحيلة (قائم مقام قول الله تعالى) أي شهادته في تحقيق دعوته (صدق عبدي فأطيعوه) أي في الأصول (واتّبعوه) أي في الفروع (وشاهد على صدقه فيما يقوله) أي من أخبار الأولين وانباء الآخرين وأحوال الدنيا وأهوال العقبى فإن التصديق بالفعل كالتصديق بالقول وتوضيحه أنه إذا ادعى نبي الرسالة ثم قال آية صدقي في دعواي أن الله تعالى أرسلني أن يفعل كذا ففعل الله تعالى ذلك كان ذلك من الله تصديقا له فيما يدعيه من الرسالة بما فعل من نقض العادة فيكون ذلك كقوله عقيب دعواه صدقت ويستحيل من الحكيم تصديق الكاذب اللئيم ونظير هذا أن الرجل إذا قام في محفل عظيم وقال معشر الاشهاد إني رسول الملك إليكم ودعواه هذه بمرأى من الملك ومسمع ثم قال فإن كنت أيها الملك صادقا في دعواي فخالف عادتك وانتصب قائما وضع يدك على رأسي ثم اقعد فإذا فعل الملك اضطر الحاضرون إلى تصديق الملك إياه وعلم صدقه بالضرورة في دعواه (وهذا كاف) أي للمدعي، (والتّطويل فيه خارج عن الغرض) أي الأصلي ههنا (فمن أراد تتبّعه) أي مستقصى (وجده مستوفى في كتب أئمتنا) أي مصنفات ائمتنا كما في نسخة (رحمهم الله تعالى) حيث بالغوا في تحقيق أمر التوحيد وما يتعلق به من أمر النبوة وما يتبعه من إثبات المعجزة وغيرها مع الأدلة العقلية والنقلية وبيان المذاهب الباطلة كالحكماء

ص: 532

والدهرية ثم المراد بالأئمة علماء هذه الأمة وأبعد الدلجي في قوله يعني المالكية إذ لا دخل لهذه المباحث في الفروع الفقهية الخلافية (فالنّبوّة في لغة من همز) وهو نافع من بين القراء (مأخوذة من النّبأ وهو الخبر) وتعديته بالهمزة تارة كقوله تعالى أَنْبِئُونِي وبالتضعيف أخرى كقوله سبحانه نَبِّئْ عِبادِي (وقد لا يهمز على هذا التّأويل) أي مع بقائه على هذا المبنى وإرادته من المعنى (تسهيلا) أي تخفيفا أوجبه كثرة الاستعمال بجعل الهمزة واوا وادغامها في مثلها كالمروة وأما في نحو النبي فتخفيفه بجعل الهمزة ياء وادغامها فيما قبلها وأما في الأنبياء فبابدال الهمزة ياء لانكسار ما قبلها، (والمعنى) أي حينئذ على القراءتين (أنّ الله تعالى أطلعه على غيبه) أي بعض مغيباته أو على غيبه المختص به من عند ربه (وأعلمه أنّه نبيّه فيكون نبيا) أي في المبنى، (منبّأ) أي في المعنى وهو بضم الميم وسكون النون وفتح الموحدة بعدها الهمزة المنونة أو بفتح النون وتشديد الموحدة (فعيل بمعنى مفعول) أي ولو كان على زنة مفعل (أو يكون) أي النبي (مُخْبِرًا عَمَّا بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَمُنَبِّئًا) بالتخفيف أو التشديد مكسورا أي معلما (بِمَا أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أو يكون) أي النبي (عند من لم يهمزه) أي ولم يقل بتسهيله وإدغامه بعد تبديله (من النّبوّة) أي مأخوذا من النبوة بفتح النون وسكون الموحدة، (وهو) ذكر باعتبار ما أخبر بقوله (ما ارتفع من الأرض) أو بمعنى الرفعة (ومعناه) أي حينئذ على طبق مبناه (أنّ له رتبة شريفة ومكانة نبيهة) أي منزلة لطيفة (عند مولاه منيفة) بضم الميم وكسر النون أي زائدة أو مرتفعة وأصلها من أناف إذا أشرف ثم هو أيضا بهذا المعنى يحتمل أن يكون في المبنى بمعنى الفاعل أو المفعول أي مرتفع الشأن أو رفيع البرهان (فالوصفان في حقّه مؤتلفان) أي الوصفان بالمعنيين من الخبر والرفعة وبالمبنيين من البناء للمفعول والفاعل باعتبار كل منهما في حق النبي مجتمعان بل متلازمان وأما قول الدلجي فالوصفان من كونه منبئا أو منبأ فقاصر عن استيفاء حق الموصوف كما لا يخفى على أهل المعروف، (وأمّا الرّسول فهو المرسل) من ربه إلى مكلفي خلقه لإنفاذ حكمه، (وَلَمْ يَأْتِ فَعُولٌ بِمَعْنَى مُفْعَلٍ فِي اللُّغَةِ إلّا نادرا) أي قليلا وقوعه بل ولم يعلم لغيره وروده (وإرساله) أي لكونه ليس بحقيقي بل على وجه حكمي هو (أمر الله له بالإبلاغ) وروي بالبلاغ أي بتبليغ أمره (إلى من أرسله إليه) قال تعالى يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ثم هذا الإرسال قد يكون بواسطة الملائكة وقد يكون بدون الواسطة كما وقع لموسى إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى. (واشتقاقه) أي أخذه من حيث المبنى (من التّتابع) أي من حيث المعنى لقوله (ومنه قولهم جاء النّاس أرسالا) بفتح أوله جمع رسل بفتحتين (إذا تبع بعضهم بعضا) أي في المأتي وقد ورد أنهم صلوا عليه صلى الله تعالى عليه وسلم إرسالا أي بعضهم تبع بعضا (فكأنّه) أي الرسول (ألزم) بصيغة المجهول (تكرير التّبليغ) بالنصب على أنه مفعول ثان وفي نسخة التزم تكرير التبليغ فهو مفعول أول (أو) وفي نسخة بالواو (ألزمت) وفي نسخة التزمت (الأمّة اتّباعه)

ص: 533

فهذا بيان التفرقة بين النبي والرسول بحسب المبنى وعلى مقتضى أصل اللغة في المعنى (واختلف العلماء) أي بحسب الاصطلاح الشرعي أو العرفي (هل النّبيّ الرّسول بمعنى) واحد فيكونان مترادفين في إطلاق كل منهما على الآخر (أو بمعنيين) أي متباينين أو متغايرين بأن يكون النبي أعم والرسول أخص. (فقيل هما سواء) أي في المعنى فكل منهما إنسان أوحى إليه بشرع مجدد أو غير مجدد (وأصله) أي أصل هذا المعنى باعتبار المبنى مأخوذ (من الأنباء) أي الأخبار (وهو الإعلام) يعني فليزم معنى النبوة إذا كانت من الانباء معنى الرسالة التي بمعنى الإعلام والإبلاغ وفيه أنه لا يلزم من انباء الله تعالى لعبده أمر أن يكون مأمورا بإعلامه لغيره (واستدلّوا) أي لكونهما سواء في المعنى (بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ [الحج: 52] فقد أثبت) أي الله تعالى (لهما الإرسال معا) أي ولم يجعل للعطف حكما بمغايرة بينهما، (ولا يكون) وفي نسخة قال ولا يكون والصحيح قالوا ولا يكون والأظهر فلا يكون (النّبيّ إلّا رسولا ولا) أي ولا يكون (الرّسول إلّا نبيّا) أي بناء على ذلك المعنى وفيه أن الإرسال هنا بالمعنى اللغوي وهو البعث والإظهار لا بالمعنى الاصطلاحي وإلا لكفى أن يقول وما أرسلنا من قبلك أحدا وسيأتي زيادة بيان لهذا المبحث (وقيل هما مفترقان من وجه) يعني ومجتمعان من وجه إذ العطف يقتضي التغاير في الجملة لا سيما مع وجود لا المزيدة للتأكيد والمبالغة (إذ قد اجتمعا) تعليل للقضية المطوية أي اجتمع مادتهما معنى (في النّبوّة) أي على تقدير أنها مهموزة وهي مأخوذة من الانباء (التي هي الاطلاع) أي لهما من عنده سبحانه وتعالى (على الغيب) أي على بعض الأمور الغيبية من الأمور الدينية والدنيوية والأخروية (والإعلام) أي وكذا الإعلام لهما من عند ربهما (بخواصّ النّبوّة) أي والرسالة والمعنى باختصاصهما بأمور لا توجد في غيرهما (أو الرّفعة) أي أو اجتمعا في الرفعة (بمعرفة ذلك) أي شأن النبوة والرسالة (وحوز درجتهما) أي إحاطة مرتبة كل منهما (وافترقا في زيادة الرّسالة للرّسول) أي باختصاص الإرسال (وهو الأمر بالإنذار) وهو الإعلام بالشيء الذي يحذر منه (والإعلام) تفسير أو أخص مما قبله لشموله التبشير وتبيين أحكام الإسلام (كما قلنا) أي بينا فيما سبق من الكلام (وحجّتهم) أي ودليل أصحاب هذا القيل من الاجتماع من وجه والافتراق من آخر لا كما قال الدلجي أي من قال بافتراقهما فتدبر (من الآية) أي من جهة الآية المتقدمة (نفسها) أي بعينها، (التّفريق بين الاسمين) أي ضرورة كون المعطوف غير المعطوف عليه كما هو الأصل في تغاير المتعاطفين (ولو كانا شيئا واحدا) أي هنا (لما حسن تكرارهما في الكلام البليغ) أي البالغ غاية البلاغة المعجز لأرباب الفصاحة عن قدرة المعارضة بأقصر سورة (قالوا) أي هؤلاء (والمعنى) أي المراد بالآية (وما أرسلنا من رسول) وفي نسخة من نبي (إلى أمّة) أي مأمور بالعبادة والدعوة (أو نبيّ) أي مأمور بالعبادة فقط (وليس بمرسل إلى أحد) أي من الخلق بدعوة إلى طريق فالأول كامل والثاني مكمل فهو أخص وذاك أتم وأعم

ص: 534

والله تعالى أعلم (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الرَّسُولَ مَنْ جاء بشرع مبتدأ) أي مجدد بأن لا يكون مقررا لشرع من قبله (ومن لم يأت به) أي بشرع مبتدأ وقد أوحي إليه فهو (نبيّ غير رسول، وإن أمر) أي ولو أمر (بالإبلاغ، والإنذار) لأنه لم يأت بزيادة من الأحكام والآثار، (والصّحيح) وكذا الشهير (والذي عليه الجمّاء) بفتح الجيم وتشديد الميم ممدودا وفي نسخة الجم (الغفير) بالغين المعجمة والفاء أي الجمع الكثير وهم الجماهير (أَنَّ كُلَّ رَسُولٍ نَبِيٌّ وَلَيْسَ كُلُّ نَبِيٍّ رسولا) إذ النبي إنسان أوحي إليه سواء أمر بالتبليغ أم لا بخلاف الرسول فإنه نبي مأمور بتبليغ الرسالة سواء تكون هذه الرسالة تقدمت أو تجددت. (وأوّل الرّسل آدم عليه السلام أي إلى بنيه وكانوا مؤمنين وكذا شيت وإدريس عليهما السلام وأما نوح عليه السلام فأول رسول إلى كفار قومه (وآخرهم محمّد صلى الله تعالى عليه وسلم) أي إجماعا بشهادة قوله تعالى وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ ولحديث لا نبي بعدي (وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه أي عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مرفوعا على ما رواه أحمد وابن حبان (إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ نبيّ وذكر) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (أنّ الرّسل منهم) أي من الأنبياء (ثلاثمائة وثلاثة عشر) وفي رواية خمسة عشر جم الغفير أي الجمع الكثير فهو من باب مسجد الجامع. (أوّلهم آدم عليه السلام أي أول الرسل آدم وهو في مستدرك الحاكم أيضا في ترجمة عيسى ابن مريم بسنده إلى أبي ذر قال دخلت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو في المسجد فاغتنمت خلوته فقال لي يا أبا ذر إن للمسجد تحية ركعتان فركعتهما ثم قلت يا رسول الله إنك أمرتني بالصلاة فما الصلاة قال خير موضوع فمن شاء أقل ومن شاء أكثر ثم ذكر الحديث إلى أن قال قلت كم النبيون قال مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبي قلت كم المرسلون منهم قال ثلاثمائة وثلاثة عشر وذكر باقي الحديث وتعقبه الذهبي في تلخيص المستدرك فقال قلت السعدي ليس بثقة انتهى وفي الصحيحين في باب الشفاعة قالوا يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض الحديث قال القاضي في شرح مسلم وتبعه النووي ومثل هذا يسقط الاعتراض بآدم وشيث ورسالتهما إلى من معهما وإن كانا رسولين فإن آدم إنما أرسل لبنيه ولم يكونوا كفارا بل أمر بتبليغهم الإيمان وطاعة الله وكذلك خلفه شيث بعده فيهم بخلاف رسالة نوح إلى كفار اهل الأرض قال القاضي وقد رأيت أبا الحسن بن بطال ذهب إلى أن آدم وإدريس رسولان هذا وذكر بعضهم أن عدد أصحابه عليه السلام كعدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا وذكر أبو زرعة أنه مات رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه مائة ألف وأربعة عشر ألفا ولعله اقتصر على ذكر الصحابة الكبار أو الرواة منهم والله تعالى أعلم ثم قيل والرسل ثلاثمائة وأربعة عشر وقيل كعدد أصحاب طالوت الذين وزوا معه النهر ولم يجاوزه إلا مؤمن وهم ثلاثمائة وبضعة عشر وكذا عدد أهل بدر وقيل إن عدد الرسل مأخوذ من لفظ حروف محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وجملته ثلاثمائة وأربعة عشر وأن مد الحاء

ص: 535

فخمسة عشر فالميم ثلاثة أحرف ميم وياء وميم والحاء حرفان حاء وألف والميمان المضعفان ستة أحرف والدال ثلاثة أحرف دال وألف ولام فإذا عددت حروف اسمه كلها ظواهرها الجلية وبواطنها الخفية حصل لك ثلاثمائة وأربعة عشر فالثلاثة عشر والثلاثمائة على عدد الرسل الجامعين للنبوة ويبقى واحد من العدد وهو مقام الولاية المفرق على جميع الأولياء والاقطاب التابعين للأنبياء فاسمه جامع للنبوة والولاية وفيه أنه هو اصلهم وما افترق فيهم اجتمع فيه ومن هذه الزبدة ما في البردة:

وكلهم من رسول الله ملتمس

غرفا من البحر أو رشفا من الديم

هذا وقد ذكر التلمساني في حديث أبي ذر بلفظ طويل جدا ومن جملته بأبي أنت وأمي يا رسول الله فكم كتاب أنزل الله قال أنزل الله تعالى مائة كتاب واربعة كتب أنزل على شيث ابن آدم خمسين صحيفة وعلى إدريس ثلاثين وعلى إبراهيم عشرا وروي عشرين وعلى موسى من قبل إنزال التوراة عشر صحائف وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان الحديث ثم اعلم أن الأحوط أن لا نعين في الأنبياء والرسل عددا معينا ولا حدا مبينا بل نؤمن أن أولهم آدم وآخرهم نبينا الخاتم وأن ما بينهما من الأنبياء والمرسلين كانوا على الحق المبين لأنك متى حصرتهم على عدد يحتمل أن يكونوا أزيد من ذلك أو انقص مما هنالك فيؤدي إما إلى انكار بعض الأنبياء أو إلى شهادة غير النبي بأنه نبي وهذا طريق الماتريدي (فقد بان) أي ظهر وتبين (لك معنى النّبوّة والرّسالة وليستا) أي النبوة والرسالة (ذاتا للنّبيّ) لقضاء البديهية وبه (ولا وصف ذات) أي قائمة بها (خلافا للكرّاميّة) بتشديد الراء والياء التحتية للنسبة وفي نسخة بتخفيف الراء على أنه لغة بمعنى الكرم أو الكرامة وفي أخرى بكسر الكاف على أنه جمع الكريم والمعول هو الأول على أنه علم له أو لقب لكونه عاملا في الكرم أو حافظا له والله تعالى أعلم والحاصل أنهم ينسبون إلى محمد بن كرام ومحمد هذا كنيته أبو عبد الله السجزي سمع على ابن حجر وغيره مات بالقدس سنة خمس وخمسين ومائتين وهو صاحب المقالة كذا ذكره الحلبي وفي القاموس ومحمد بن كرام كشداد إمام الكرامية القائل بأن معبوده مستقر على العرش وأنه جوهر تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وكان قد سجن بنيسابور ثمانية أعوام لأجل بدعته ثم أخرج فسار إلى بيت المقدس وما يلي الشام (في تطويل لهم) أي في كثرة تعليل (وتهويل) أي تخويف وتخييل (ليس عليه تعويل) أي اعتماد من جهة دليل إذ قالوا هما صفتان قائمتان بذات الرسول سوى الوحي وأمر الله له بالتبليغ والمعجزة والعصمة وصاحبهما لاتصافه بهما رسول وإن لم يرسله الله ويجب عليه إرساله لا غير فهو إذا أرسل مرسل وكل مرسل رسول بلا عكس أي وليس كل رسول مرسلا إذ قد لا يرسله قالوا ويجوز عزل المرسل عن كونه مرسلا دون الرسول إذ لا يتصور عزله عن كونه رسولا على ما زعموا كذا ذكره الدلجي وقال التلمساني إن الكرامية قائلون بأن الأنبياء والرسل مجبولون على النبوة

ص: 536

والرسالة وأنهم أنبياء مذ خلقوا من دون أن يوحى إليهم واستدلوا على ذلك بما روي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّةُ قَالَ وَآدَمُ بين الروح والجسد (وأمّا الوحي) أي وإن كان يطلق على معاني من الصوت الخفي والإلهام والإشارة ونحوها (فأصله الإسراع) لحديث إذا أردت أمرا فتدبر عاقبته فإن كان شرا فانته وأن كان خيرا فتوحه أي فأسرع إليه وهاؤه للسكت كذا ذكره الدلجي والظاهر أنه تصحف عليه وأنه بالجيم وسكون الهاء الاصلي على أنه أمر من التوجه ويؤيده أن لفظ الحديث على ما في الجامع الصغير للسيوطي إذا أردت أمرا فتدبر عاقبته فإذا كان خيرا فامضه وإن كان شرا فانته رواه ابن المبارك في الزهد عن أبي جعفر عبد الله بن مسور الهاشمي مرسلا وفي معناه حديث إذا أردت أمرا فعليك بالتؤدة حتى يريك الله منه المخرج رواه البخاري في الأدب المفرد والبيهقي في شعب الإيمان عن رجل من بلي مرفوعا (فلمّا كان النّبيّ) أي جنسه (يتلقّى) أي يأخذ ويتلقن (ما يأتيه من ربّه بعجل) أي بسرعة من غير تؤدة (سمّي وحيا) ولعله من هذا القبيل كان سرعة أخذ نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم في تناول التنزيل عند قراءة جبريل حتى نزل تسلية له في التحصيل قوله تعالى لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ

(وسمّيت أنواع الإلهامات) أي الواردة لافراد الإنسان والحيوانات (وحيا) كقوله تَعَالَى وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ وقوله سبحانه وتعالى وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ الآية (تشبيها) أي لها (بالوحي إلى النّبيّ) أي في تلقيها بعجله والإلهام هو القاء شيء في الروع يبعث على الفعل أو الترك يختص به الله من يشاء من عباده ومخلوقاته (وسمّي الخطّ) أي الكتابة (وحيا لسرعة حركة يد كاتبه) أو لسرعة إدراك الخط من صاحبه، (ووحي الحاجب) أي إشارته، (واللّحظ) أي إيماء العين (سرعة إشارتهما) أي حركتهما بهما (ومنه) أي ومن قبيل إطلاق الوحي على الإشارة المطلقة (قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا [مريم: 11] أي أومأ ورمز) أي أشار بأحد اعضائه (وقيل كتب) أي لهم على الأرض أن سبحوا (ومنه) أي من كون الوحي بمعنى الإشارة بالسرعة (قولهم) كما في حديث أبي بكر رضي الله تعالى عنه (الوحا) بفتح الواو (الوحا) يمد ويقصر على ما ذكره الجوهري وقيل إن كرر مد وقصر وإن أفرد مد والتكرير للمبالغة ونصبه على الإغراء ومعناه كما قال (أي السّرعة السّرعة) بضم السين وقيل بفتحها أيضا يعني الزموها ويقال الوحاء الوحاء بكسر الواو أي البدار البدار بمعنى المبادرة والمسارعة (وقيل أصل الوحي السّرّ) أي الإسرار (والإخفاء) ومن ثمة قالوا هو الإعلام على وجه الخفاء، (ومنه) أي ومن كون الوحي هو السر (سمّي الإلهام وحيا) أي لخفائه على غير أهله (ومنه قوله تعالى: وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ [الأنعام: 121] ) يعني من المشركين (أي يوسوسون في صدورهم) يعني لإغوائهم (ومنه وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى [الْقَصَصِ: 7] أَيْ أُلْقِيَ في قلبها) بصيغة المجهول كما صرح به الحلبي وغيره ويجوز أن يكون بصيغة المعلوم أي قذف الله تعالى الهاما أو مناما أن

ص: 537