المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [الوجه الرابع ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة] - شرح الشفا - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأوّل

- ‌[المقدمة]

- ‌ترجمة القاضي عياض

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌القسم الأول [في تعظيم العلي الأعلى جل وعلا]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ [فِيمَا جَاءَ من ذلك مجيء المدح والثناء]

- ‌الفصل الثّاني [في وصفه تعالى بالشهادة وما تعلق به من الثناء والكرامة]

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ [فيما ورد من خطابه تعالى إياه مورد الملاطفة والمبرة]

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُ [فِي قَسَمِهِ تَعَالَى بِعَظِيمِ قَدْرِهِ صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الفصل الخامس في قسمه

- ‌الْفَصْلُ السَّادِسُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى في جهته عليه الصلاة والسلام مورد الشفقة والإكرام]

- ‌الفصل السّابع [فيما أخبره الله بِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ عَظِيمِ قَدْرِهِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّامِنُ [فِي إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقَهُ بصلاته عليه وولايته له]

- ‌الْفَصْلُ التَّاسِعُ [فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْفَتْحِ مِنْ كراماته عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْعَاشِرُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كتابه العزيز من كراماته عليه ومكانته عنده]

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي تَكْمِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ المحاسن خلقا وخلقا]

- ‌فصل [قال القاضي رحمه الله تعالى إذا كانت خصال الكمال والجلال]

- ‌فصل [إن قلت أكرمك الله تعالى لا خفاء على القطع بالجملة]

- ‌فصل [وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُفُورُ عَقْلِهِ وَذَكَاءُ لُبِّهِ وَقُوَّةُ حَوَاسِّهِ وفصاحة لسانه واعتدال حركاته وحسن شمائله]

- ‌فصل [وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول]

- ‌فصل [وأما شرف نسبه وكرم بلده ومنشأه]

- ‌فصل [وأما تَدْعُو ضَرُورَةُ الْحَيَاةِ إِلَيْهِ مِمَّا فَصَّلْنَاهُ فَعَلَى ثلاثة ضروب الضرب الأول]

- ‌فصل [وأما الضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته والفخر بوفوره]

- ‌فصل [وأما الضرب الثالث فهو ما تختلف فيه الحالات]

- ‌فصل [وأما الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [وأما أَصْلُ فُرُوعِهَا وَعُنْصُرُ يَنَابِيعِهَا وَنُقْطَةُ دَائِرَتِهَا فَالْعَقْلُ]

- ‌فصل [وأما الحلم]

- ‌فصل [وأما الجود]

- ‌فصل [وأما الشجاعة والنجدة]

- ‌فصل [وأما الحياء والإغضاء]

- ‌فصل [وأما حسن عشرته وآدابه]

- ‌فصل [وأما الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق]

- ‌فصل [وأما خلقه صلى الله تعالى عليه وسلم في الوفاء]

- ‌فصل [وأما تواضعه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما عدله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته]

- ‌فصل [وأما وقاره صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما زهده صلى الله تعالى عليه وسلم في الدنيا]

- ‌فصل [وأما خوفه صلى الله تعالى عليه وسلم من ربه عز وجل]

- ‌فصل [اعلم وفقنا الله تعالى وإياك أن صفات جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قد آتيناك أكرمك الله سبحانه من ذكر الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [في تفسير غريب هذا الحديث ومشكله]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ ومشهورها بتعظيم قدره عند ربه عز وجل]

- ‌الفصل الأول [فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ مَكَانَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عز وجل]

- ‌فصل [في تفضيله صلى الله تعالى عليه وسلم بما تضمنته كَرَامَةُ الْإِسْرَاءِ]

- ‌فصل [ثم اختلف السلف والعلماء هل كان إسراء بروحه أو جسده]

- ‌فصل [إبطال حجج من قال أنها نوم]

- ‌فصل [وأما رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم لربه عز وجل]

- ‌فصل [في فوائد متفرقة]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَظَاهِرُ الآية من الدنو والقرب]

- ‌فصل [في ذكر تفضيله في القيامة بخصوص الكرامة]

- ‌فصل [في تفضيله بالمحبة والخلة]

- ‌فصل [في تفضيله بالشفاعة والمقام المحمود]

- ‌فصل [في تفضيله فِي الْجَنَّةِ بِالْوَسِيلَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ وَالْكَوْثَرِ وَالْفَضِيلَةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ إِذَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلِيلِ الْقُرْآنِ وصحيح الأثر]

- ‌فصل [في أسمائه صلى الله تعالى عليه وسلم وما تضمنته من فضيلته]

- ‌فصل [في تشريف الله تعالى له بما سماه به من أسمائه الحسنى]

- ‌فصل [قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وها أنا أذكر نكتة]

- ‌الْبَابُ الرَّابِعُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَشَرَّفَهُ بِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ والكرامات]

- ‌فصل [اعلم أن الله عز وجل قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْمَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ]

- ‌فصل [اعلم أن معنى تسميتنا ما جاءت به الأنبياء معجزة]

- ‌فصل [في إعجاز القرآن العظيم الوجه الأول]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ إِعْجَازِهِ صُورَةُ نَظْمِهِ الْعَجِيبِ والأسلوب الغريب]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْإِعْجَازِ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ من الأخبار]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الرَّابِعُ مَا أَنْبَأَ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ القرون السالفة]

- ‌فصل [هَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ إِعْجَازِهِ بَيِّنَةٌ لَا نزاع فيها ولا مرية]

- ‌فصل [ومنها الروعة]

- ‌فصل [وَمِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْدُودَةِ كَوْنُهُ آيَةً بَاقِيَةً لا تعدم ما دامت الدنيا]

- ‌فصل [وَقَدْ عَدَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمُقَلِّدِي الْأُمَّةِ في إعجازه وجوها كثيرة]

- ‌فصل [في انشقاق القمر وحبس الشمس]

- ‌فصل [في نبع الماء من بين أصابعه الشريفة وتكثيره ببركته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ تَفْجِيرُ الْمَاءِ ببركته وانبعاثه]

- ‌فصل [ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته]

- ‌فصل [في قصة حنين الجذع له صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [ومثل هذا وقع في سائر الجمادات بمسه ودعوته]

- ‌فصل [في الآيات في ضروب الحيوانات]

- ‌فصل [في إحياء الموتى وكلامهم]

- ‌فصل [في إبراء المرضى وذوي العاهات]

- ‌فصل [في إجابة دعائه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في كراماته صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْغُيُوبِ]

- ‌فصل [في عصمة الله تعالى له صلى الله تعالى عليه وسلم من الناس وكفايته من آذاه]

- ‌فصل [ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم]

- ‌فصل [ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام وكراماته وباهر آياته أنباؤه مع الملائكة]

- ‌فصل [وَمِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ وَعَلَامَاتِ رِسَالَتِهِ مَا تَرَادَفَتْ]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ عِنْدَ مولده عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى قد أتينا في هذا الباب]

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌فصل [الوجه الرابع ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة]

‌فصل [الْوَجْهُ الرَّابِعُ مَا أَنْبَأَ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ القرون السالفة]

(الوجه الرّابع) أي من وجوه اعجاز القرآن (ما أنبأ به) أي أخبر به واعلمه (من أخبار القرون السّالفة) أي الماضية (والأمم البائدة) أي الهالكة الفانية (والشّرائع الدّاثرة) أي الدار الدارسة (مِمَّا كَانَ لَا يَعْلَمُ مِنْهُ الْقِصَّةَ الْوَاحِدَةَ إلّا الفذّ) بفتح الفاء وتشديد الذال المعجمة أي الفرد الواحد المنفرد عن أقرانه في علو شأنه (من أخبار أهل الكتاب) بالحاء المهملة أي من علمائهم (الذي قطع عمره) أي صرفه (في تعلّم ذلك) أي الخبر الواحد من ألسنة كبرائهم أو من كتب فضلائهم (فيورده النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم على وجهه) إذ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (ويأتي به على نصّه) أي كما قرأه عليه جبريل من غير تصرف في لفظه (فيعترف العالم) أي منهم كما في نسخة (بذلك) أي بسبب ما أورده (بصحّته وصدقه) متعلق بيعترف (وأنّ مثله لم ينله بتعليم) أي لم يصل إليه بواسطة تعليم وتعلم من الخلق وحينئذ قد يغترف من بحر تحقيقه ويتشرف بتوفيق تصديقه لعلمه أنه أخبر الخلق بوحي من الحق (وقد علموا) أي جميعهم قبل ذلك (أنّه صلى الله تعالى عليه وسلم أمّيّ) أي في جميع أمره (لا يقرأ ولا يكتب) أي في جميع عمره (ولا اشتغل بمدارسة) أي مع العلماء (ولا مثافنة) بالمثلثة والفاء والنون أي ولا مجالسة مع الشعراء والفضلاء وفي نسخة بالقاف والموحدة ولعلها مصحفة أو يراد بها المزاحمة في المعرفة من ثقوب الذهن وهو وصوله إلى الصواب ثم هذا فيما بينهم (ولم يغب عنهم) أي غيبة يمكنه التعلم فيها من غيرهم (ولا جهل حاله أحد منهم) أي منذ كان صغيرا إلى أن بعث كبيرا لأنه كان من أعيانهم والحاصل أنه كما قال صاحب البردة ذائقا من هذه الزبدة كفاك بالعلم في الأمي معجزة (وقد كان أهل الكتاب) أي من اليهود والنصارى (كثيرا ما) أي في كثير من الأوقات (يسألونه صلى الله تعالى عليه وسلم عن هذا) أي عن أخبار القرون الماضية (فينزل) بصيغة الفاعل أو المفعول مخففا أو مشددا (عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ مَا يَتْلُو عَلَيْهِمْ مِنْهُ ذكرا) أي بيانا لأعمالهم وأحوالهم وما جرى لهم في مآلهم (كقصص الأنبياء مع قومهم) أي أقوامهم من أممهم إجمالا تارة ومفصلا أخرى وعموما مرة وخصوصا كرة كما أشار إليه بقوله (وخبر موسى والخضر) بفتح فكسر وروي بكسر فسكون قيل لأنه إذا جلس أو صلى اخضر ما حوله وفي البخاري أنه جلس على فروة فإذا هي تهتز خلفه خضراء والفروة الأرض اليابسة أو الحشيش اليابس وفي اسمه اختلاف وكذا في كونه نبيا مرسلا أو غيره أوليا وبه جزم جماعة وأغرب ما قيل فيه إنه من الملائكة وقيل إنه ابن آدم وقيل ابن فرعون وقال الثعلبي نبي على جميع الأقوال معمر محجوب عن الأبصار واختلف في حياته وقد أنكرها جماعة منهم البخاري وقال ابن الصلاح هو حي عند جماهير العلماء والصالحين والعامة معهم على ذلك وإنما شذ بإنكارها بعض المحدثين قال الحلبي ونقل النووي عن الأكثرين حياته وقيل إنه لا يموت إلا في آخر الزمان وفي صحيح

ص: 571

مسلم في أحاديث الدجال أنه يقتل رجلا ثم يحييه قال إبراهيم بن سفيان راوي مسلم يقال إنه الخضر وكذا قال معمر في مسنده وأما ما استدل به البخاري ومن تبعه كالقاضي أبي بكر بن العربي على أنه مات قبل انقضاء المائة لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم أرأيتكم ليلتكم هذه فإنه على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد فالجواب أن هذا الحديث عام فيمن يشاهده الناس ويخالطونه لا في من ليس كذلك كالخضر بدليل أن الدجال خارج عن هذا الحديث لما روى مسلم من حديث الجساسة الدال على وجود الدجال في زمن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وعلى بقائه إلى زمن ظهوره مع أن مسلما روى عن ابن عمر أن المراد بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد انخرام ذلك القرن، (ويوسف وإخوته) كما هو مبين في سورته بأحسن صورته (وأصحاب الكهف) قال الحلبي واختلف في بقائهم إلى الآن فروي عن ابن عباس أنه أنكر أن يكون بقي منهم شيء بل صاروا ترابا قبل المبعث وقال بعض أصحاب الأخبار غير هذا وأن الأرض لم تأكلهم ولم تغيرهم وأنهم على مقربة من القسطنطينية وفي مكانهم أقوال وروي أنهم سيحجون البيت إذا نزل ابن مريم قال الإمام السهيلي الفيت هذا الخبر في كتاب البدء لابن أبي خيثمة هذا وقد اختلف في عدتهم ومدة إقامتهم (وذي القرنين) روى الحاكم في المستدرك أنه صلى الله تعالى عليه وسلم سئل عن ذي القرنين فقال لا أدري أنبي هو أم لا وجاء فيه عنه عليه السلام أنه كان ملكا سيح في الأرض بالأسباب وقيل في قوله تعالى وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً أي علما يتبعه وفي قوله تعالى فَأَتْبَعَ سَبَباً أي طريقا يوصله وقال ابن هشام في غير السيرة السبب جبل من نور كان ملك يمشي به بين يديه فيتبعه واختلف في تسميته بذي القرنين كما اختلف في اسمه واسم أبيه فأصح ما قيل في ذلك ما روي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال سأل ابن الكوا علي بن أبي طالب فقال أرأيت ذا القرنين أنبيا كان أم ملكا فقال لا نبيا كان ولا ملكا ولكن كان عبدا صالحا دعا قومه إلى عبادة الله فضربوا على قرني رأسه ضربتين وفيكم مثله يعني نفسه وقيل ذو القرنين ملك الخافقين وأذل الثقلين وعمر الفين ثم كان في ذلك كلحظة عين (ولقمان وابنه) تقدم ذكرهما وفي سورته بعض حكمته (وأشباه ذلك من الأنباء) كخبر نوح وابنه وابني آدم (وبدء الخلق) أي ابتدائهم وانتهائهم (وَمَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَصُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وموسى ممّا صدّقه فيه العلماء) أي من أهل الكتاب (بها) أي حين تلاها عليهم (ولم يقدروا) أي وما قدر أحد منهم (على تكذيب ما ذكر منها) بصيغة الفاعل أو المفعول أي تكذيبه في شيء ذكر من الكتب المذكورة (بل أذعنوا) أي انقادوا له (لذلك) أي لعلمهم بصدقه (فمن موفّق) بتشديد الفاء المفتوحة أي موافق (آمن) أي بالقرآن وما أنزل عليه (بما سبق له) أي في الأزل (من خير) أي من سابقة إرادة السعادة له (ومن شقيّ) أي مخذول (معاند حاسد) وزيد في نسخة خاسر جاهل وقال الحجازي يروى خاسر ويروى جاهل أي لم يصدقه بما سبق له في الأزل من

ص: 572

سابقة إرادة الشقاوة له (ومع هذا لم يحك عن واحد) وفي أصل الدلجي وغيره عَنْ وَاحِدٍ (مِنَ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ عَلَى شِدَّةِ عداوتهم له) أي مع مبالغتهم في مناقضتهم لحقه (وَحِرْصِهِمْ عَلَى تَكْذِيبِهِ وَطُولِ احْتِجَاجِهِ عَلَيْهِمْ بِمَا في كتبهم) أي مما أوجب العلم بأنه رسول الله إلى كافة الناس (وتقريعهم) أي توبيخهم ردعا لهم (بما انطوت عليه مصاحفهم) أي بما اشتملت عليه كتبهم وكان الأظهر أن يقول صحفهم أو صحائفهم (وكثرة سؤالهم له عليه الصلاة والسلام أي إخبارا أو امتحانا (وتعنيتهم إيّاه) أي تكليفهم له بما شق عليه بكثرة سؤالهم (عَنْ أَخْبَارِ أَنْبِيَائِهِمْ) وَأَسْرَارِ عُلُومِهِمْ (وَمُسْتَوْدَعَاتِ سِيَرِهِمْ) أي كل ذلك تعنتا وعنادا لا تفهما وإرشادا (وإعلامه لهم بمكنون شرائعهم) أي مخفيها ومستورها (ومصنّفات كتبهم مثل سؤالهم) أي على لسان قريش إذ قالوا لهم سلوه (عن الرّوح) كما رواه الشيخان (وذي القرنين وأصحاب الكهف) فيما رواه ابن إسحاق والبيهقي فإن أجاب عنها أو سكتت فليس بنبي وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبي فبين لهم كما رواه الشيخان قصتي أصحاب الكهف وذي القرنين وأبهم أمر الروح كما هو مبهم في التوراة (وعيسى عليه الصلاة والسلام أي وسؤالهم عن عيسى فبينه لأهل الكتابين (وحكم الرّجم) فبينه لليهود (وما حرّم إسرائيل على نفسه) أي وسؤالهم عنه كما روى الترمذي أي حرم باجتهاده أو بإذن من ربه لحوم الإبل والبانها فبينه لهم بقوله تعالى كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ (وما حرّم عليهم) بصيغة المجهول (من الأنعام) أي وسؤالهم عنه فبينه بقوله سبحانه وتعالى وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ الآية (ومن طيّبات كانت أحلّت لهم فحرّمت عليهم ببغيهم) أي وسؤالهم عنها فبينه بقوله تعالى فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ الآية، (وقوله) أي مثل قوله تعالى (ذلِكَ) أي سيماهم في وجوهم من أثر السجود (مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ [الْفَتْحِ: 29] ) أي كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ الآية والمراد وصفهما العجيب الشأن فيهما (وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِمُ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا القرآن) أي لكشف مستورهم (فأجابهم) أي عن ذلك كله (وعرّفهم بما أوحي إليه من ذلك) أي من بيانه (أنّه) بفتح الهمزة متعلق بما سبق وما بينهما معترضة أي فلم يحك عن أحد منهم أَنَّهُ (أَنْكَرَ ذَلِكَ أَوْ كَذَّبَهُ بَلْ أَكْثَرُهُمْ صرّح بصحّة نبوّته وصدق مقالته) وفي نسخة صحيحة مقاله وفي أخرى بفتح الصاد وتشديد الدال على أنه فعل ماض ومقاله مفعوله (واعترف بعناده) أي بعناد نفسه (وحسده إيّاه) وفي نسخة صحيحة وحسدهم (كأهل نجران) بفتح النون وسكون الجيم طائفة من النصارى حين حاجوه في عيسى فدعاهم إلى المباهلة كما في آيتها وسيأتي تفصيل حكايتها (وابن صوريا) بضم الصاد وكسر الراء مقصورا وفي نسخة ممدودا ويقال له ابن صوري وقد ذكر السهيلي عن النقاش أنه اسلم نقل ذلك الذهبي في تجريد الصحابة (وابني أخطب) بالخاء المعجمة يهوديان معروفان هلكا على كفرهما (وغيرهم ومن باهت في ذلك) أي فيما لم ينكر منه ولم يكذب فيه (بعض المباهتة) أي نوع

ص: 573

من المباحثة (وَادَّعَى أَنَّ فِيمَا عِنْدَهُمْ مِنْ ذَلِكَ لِمَا حكاه) أي النبي عليه الصلاة والسلام (مخالفة دعي) بصيغة المجهول أي فقد دعي من جانب ربنا سبحانه وتعالى (إلى إقامة حجّته وكشف دعوته) أي من أن عنده فيما حكاه مخالفة كموافقته لإبراهيم عليه السلام في تحليل لحوم الإبل وألبانها ويروى وكشف عورته (فقيل له) أي للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) روي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لما قال لهم ذلك بهتوا ولم يجترئوا أن يأتوا بها وهذا برهان عظيم على نبوته وصدق دعوته (إلى قوله: الظَّالِمُونَ

[آل عمران: 93- 94] ) يعني فمن افترى على الله الكذب أي بزعمه أن ذلك حرم على بني إسرائيل وعلى من قبلهم قبل نزول التوراة من بعد ذلك أي بعد ظهور الحق له وثبوت الحجة عنده فأولئك هم الظالمون بعدم انصافهم من أنفسهم ومكابرتهم وعنادهم بعد ما تبين الحق لهم (فقرّع) بتشديد الراء (ووبّخ) بتشديد الموحدة أي فأظهر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم التقريع والتوبيخ لهم (ودعا) أي دعاهم (إلى إحضار ممكن غير ممتنع) وهو الاتيان بالتوراة فلم يقدروا على ذلك وتفرقوا باختلافهم هنالك (فمن معترف بما جحده) أي أنكره إما بإسلامه أو بإنصافه (ومتواقح) بالقاف والحاء أي ومن قليل حياء (يلقى) بضم الياء وكسر القاف أي يضع (على فضيحته) أي الكاشفة لعيبه التي هي ظاهرة (من كتابه يده) بالنصب على أنه مفعول يلقى وفي أصل الدلجي من كتابة يده بالإضافة والظاهر أنه تصحيف بل تحريف وهي آية الرجم سماها بالفضيحة لأنها سبب لهتك حالته قال الحلبي وقد جاء في صحيح البخاري أن عبد الله بن سلام قال له ارفع يدك يا أعور وسماه بعض الحفاظ عبد الله بن صوريا الأعور الحبر الذي تقدم ذكره وأنه اسلم بعده (ولم يؤثر) بصيغة المفعول أي ولم يرو أحد (أنّ واحدا منهم) أي من أهل الكتاب (أظهر خلاف قوله) صلى الله تعالى عليه وسلم (من كتابه) وفي نسخة من كتبه (ولا أبدى) أي ولا أظهر (صحيحا ولا سقيما من صحفه) جمع صحيفة والظاهر من تغاير المتعاطفين أن الصحيفة تطلق على الكتاب الصغير والكتاب إذا أطلق فالمراد به الكبير وإن كان معناه الأعم لا سيما حال الجمع بينهما وهذا أولى مما قاله الدلجي من أنه جمع بينهما تفننا وتزينا ومما يؤيد ما قدمناه حديث عيينة بن حصين أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كتب له كتابا فلما أخذه قال يا محمد أترى أني حامل إلى قومي كتابا كصحيفة المتلمس وهو شاعر معروف قدم هو وطرفة الشاعر على عمرو بن هند فنقم عليهما أمرا فكتب لهما كتابين إلى عامله بالبحرين يأمره بقتلهما وأعطى كلا صحيفة وقال إني كتبت لكما بجائزة فاجتازا بالحيرة فقرأ المتلمس صحيفته فإذا فيها الأمر بقتله فألقاها في الماء ومضى إلى الشام وقال لطرفة أقرأ صحيفتك وألقها فإنها كصحيفتي فأبى ومضى إلى العامل فقتله فضار مثلا (قال الله تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ) اللام لام الجنس والمراد بهم اليهود والنصارى جميعهم (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا) يعني محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم (يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ

ص: 574