الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بخلاف ما فهم العامة من أن الاتكاء منحصر في الميل إلى أحد شقيه أو الاستناد إلى ما رواءه وبهذا يجمع بين ما قاله المصنف ههنا وما ذكره في الإكمال من أن الخطابي خالف في هذا التأويل أكثر الناس وأنهم إنما حملوا الاتكاء على أنه الميل على أحد الجانبين ولذا أنكره عليه ابن الجوزي وقال المراد به المائل على جنبه والله سبحانه وتعالى أعلم. (وكذلك) أي ومثل كون أكله قليلا (نومه صلى الله تعالى عليه وسلم كان قليلا) أي ليصرف أوقاته النفيسة في طاعته وعاداته الأنيسة (شهدت بذلك الآثار الصّحيحة) أي والأخبار الصريحة التي أغنت شهرتها عن إيراد كثرتها، (ومع ذلك) أي مع كون نومه قليلا (فقد قال صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قلبي) كما رواه الشيخان فنومه كله يقظة ليعي الوحي إذا اوحي إليه في المنام إذ رؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وحي بدليل قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ (وكان نومه على جانبه الأيمن استظهارا) أي استعانة بذلك (عَلَى قِلَّةِ النَّوْمِ لِأَنَّهُ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ أهنأ) بفتح نون فهمز أي ألذ وأشهى ويروى أهدأ أي أسكن واوفق (لهدوّ القلب) بالهمز ويسهل أي سكونه واطمئنانه (وما يتعلّق به) أي ولهدوء ما يتعلق به (من الأعضاء الباطنة حينئذ) أي حين إذ ينام على الأيسر (لميلها إلى الجانب الأيسر فيستدعي) جزاء شرط محذوف أي إذا كان النوم عليه أهنأ بسبب ما ذكرنا فيستدعي (ذلك الاستثقال فيه) أي الاستغراق في النوم ويروى الاستقلال ولعله بمعنى الاستبداد (والطّول) أي وطول مدته، (وَإِذَا نَامَ النَّائِمُ عَلَى الْأَيْمَنِ تَعَلَّقَ الْقَلْبُ وقلق) بفتح قاف وكسر لام أي لم يستقر ولم يطمئن (فأسرع) أي ذلك (الافاقة) أي من النوم وسهلت اليقظة (ولم يغمره) بضم الميم أي لم يستوعبه أو لم يعله ولم يغلبه (الاستغراق) أي في عالم النوم لوضع القلب مائلا طرفه الأسفل إلى الأيسر لتتوفر الحرارة عليه فيعتدل الجسم إذ الحرارة كلها مائلة إلى الأيمن لوضع الكبد فيه ثم هذا التعليل في بيان حكمه نومه على الجانب الأيمن دون الأيسر لا ينافي ما ثبت في الحديث الصحيح أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يحب التيامن في أمره كله ولما في التيامن من اليمن لفظا ومعنى ولثناء الله سبحانه وتعالى على أهل اليمين وإعطاء كتبهم بإيمانهم ونحو ذلك.
فصل [وأما الضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته والفخر بوفوره]
(والضّرب الثّاني) أي مما تدعو ضرورة الحياة إليه فهو (ما يتّفق التّمدّح بكثرته والفخر بوفوره) أي الافتخار بزيادته مما حاز منه المصطفى الحظ الأوفى وفاز بالنصيب الأصفى (كالنّكاح والجاه) أي المحمودين. (أمّا النّكاح فمتّفق فيه) أي فمجمع عليه (شرعا) أي من جهة شرائع الأنبياء كافة (وعادة) أي للعقلاء والحكماء عامة (فإنّه) أي النكاح مع ذلك (دليل الكمال) أي في خلقة الرجال خصوصا مع قلة الأكل (وصحّة الذّكوريّة) بالرفع والجر كالتفسير لما قبله (ولم يزل التّفاخر بكثرته عادة معروفة) أي بحيث إن إنكاره مكابرة (والتّمادح به سيرة ماضيّة عادية) بتشديد الياء أي طريقة قديمة لا حادثة؛ (وأمّا في الشّرع) أي وأما
التفاخر بكثرته والتمادح به في الشريعة (فسنّة مأثورة) أي مروية منقولة كثيرة، (وقد قال ابن عبّاس) كما رواه البخاري (أفضل هذه الأمّة) أي أكمل إفرادها ثناء (أكثرها نساء) حيث أبيح له تسع منهن، (مشيرا إليه صلى الله تعالى عليه وسلم) وقد تزوج عليه الصلاة والسلام إحدى عشرة توفي قبله اثنتان خديجة وزينب وما عداهما الباقيات بعده (وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم) كما ذكره ابن مردويه في تفسيره عن ابن عمر مرفوعا (تناكحوا) زيد في نسخة تناسلوا (فإنّي مباه بكم) اسم فاعل من المباهاة أي مفاخر بكثرتكم (الأمم) أي السالفة (يوم القيامة) كما في نسخة ولفظ الطبراني في الأوسط تزوجوا الولود فإنه مكاثر بكم الأمم وفي رواية أبي داود والنسائي وابن ماجة فإنا مكاثر بكم الأمم (ونهى) كما رواه الشيخان (عن التّبتّل) قال اليمني في حاشيته التبتل الانقطاع عن الدنيا ومنه قوله تعالى وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا انتهى وعدم صحته في المقام لا يخفى فالصواب أن المراد بالتبتل هنا هو انقطاع الرجل عن النساء وعكسه فإنه من شريعة النصارى وطريقة الرهابين وهذا لا ينافي قوله تعالى وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا إذ معناه انقطع عن تعلق القلب بالخلق إلى التوجه بالحق انقطاعا خاصا يعبر عنه بكائن بائن وقريب غريب وعرشي فرشي على اختلاف عبارات الصوفية نظرا إلى الأعمال الصادرة من الأحوال الباطنة والظاهرة (مع ما فيه) أي في النكاح من فوائد كثيرة كما بينه بقوله (من قمع الشّهوة) أي دفعها للرجل والمرأة (وغضّ البصر) أي خفضه وغمضه لهما (اللّذين نبّه عليهما صلى الله تعالى عليه وسلم بقوله) أي فيما رواه الطبراني (من كان ذا طول) بفتح الطاء أي قدرة وسعة على المهر والنفقة ولفظ الشيخين من استطاع منكم الباءة (فليتزوّج فإنّه أغضّ للبصر وأحصن للفرج) أي أمنع وأحفظ له وهو مقتبس من قوله تعالى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وباقي الحديث ومن لا فالصوم له وجاء على ما رواه النسائي (حتّى لم يره العلماء) أي من الأولياء مع كونه من قضاء الشهوة (ممّا يقدح في الزّهد) أي في هذه الدنيا وشهواتها ومستلذاتها وكان شيخنا المرحوم على المتقي يقول كل شهوة تظلم القلب إلا النكاح فإنه ينوره ويصفيه، (قال سهل بن عبد الله) أي التستري وهو من أجل الزهاد وأكمل العباد (قد حبّبن) بصيغة المجهول من التحبيب أي جعلت النساء محبوبة (إلى سيّد المرسلين فكيف يزهد فيهنّ) بصيغة المجهول أي فكيف يجوز ويتصور الزهد في حقهن والميل عنهن (ونحوه لابن عيينة) وهو من علماء السنة روى عنه أحمد وخلق قال أبو نعيم أدرك سفيان ستة وثلاثين من أعلام التابعين وقد قال سفيان الثوري أيضا ليس في النساء سرف والله إني لمشتاق إلى العرس؛ (وَقَدْ كَانَ زُهَّادُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم كعلي وابنه الحسن وابن عمر (كثيري الزّوجات والسّراري) بتشديد الياء وتخفف جمع سرية وكل ما كان مفرده مشددا جاز في جمعه التشديد والتخفيف كذا قال بعضهم قال الجوهري هي الأمة التي بوأت لها بيتا وهي فعيلة منسوبة إلى السر وهو الجماع
أو الإخفاء لأن الإنسان كثيرا ما يسرها ويسترها عن حرمه وإنما ضمت سينه لأن الأبنية قد تغير في النسبة خاصة كما قالوا في النسبة إلى الدهر دهري وإلى الأرض السهلة سهلي وكان الأخفش يقول إنها مشتقة من السرور لأنها يسر بها ويقال تسررت جارية وتسريت أيضا كما قالوا تظنيت وتظننت انتهى (كثيري النّكاح) أي الجماع ويبعد أن يراد به العقد لأنه علم في ضمن ما تقدم وأعاد لفظ الكثير اهتماما بالقضية قال عمر رضي الله تعالى عنه إني أتزوج المرأة وما لي فيها من ارب وأطؤها وما لي فيها من شهوة فقيل له في ذلك فقال حتى يخرج مني من يكاثر به النبي صلى الله تعالى عليه وسلم؛ (وحكي في ذلك عن عليّ) بن أبي طالب روي أنه نكح بعد وفاة فاطمة رضي الله تعالى عنهما بسبع ليال فكان لعلي أربع نسوة وتسع عشرة وليدة غير من متن أو طلقن (والحسن) أي وعن الحسن الظاهر أنه ابن علي كرم الله تعالى وجهه ويحتمل الحسن البصري بناء على قاعدة المحدثين من أنه المراد عند الإطلاق لكنه يبعد هنا لتقديمه على قوله (وابن عمر) وكان من زهاد الصحابة وعلمائهم وأنه كان يفطر من الصوم على الجماع قبل الأكل وروي أنه جامع ثلاثة من جواريه في شهر رمضان قبل العشاء الأخيرة (وغيرهم) أي وعن غيرهم (غير شيء) أي شيء كثير فكان الحسن بن علي أشد الناس حبا للنساء قيل إنه أرخى ستره على مائتي حرة لأنه كان مطلاقا وكان ربما عقد على أربع في عقد واحد ولما خطب بنت سعيد بن المسيب الفزاري وخطبها أخوه الحسين وابن عمهما عبد الله بن جعفر شاور عليا فقال له أما الحسن فمطلاق والحسين شديد الخلق ولكن عليك بابن جعفر فزوجها له، (وقد كره غير واحد) أي من العلماء (أن يلقى الله عزبا) بفتح الزاي قيل ويسكن من لا أهل له كذا قيل وهو من العزب بمعنى البعد ومنه قوله تعالى لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فالعزب هو البعيد عن النساء وكأنه أراد أن يلقاه عاملا بجميع ما يرضاه ولذا قيل في تفسير قوله تعالى وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أي متزوجون لأن من كمال الإسلام القيام بسنته عليه الصلاة والسلام وهذه الكراهة رويت عن أبي مسعود وماتت امرأتان لمعاذ بن جبل في الطاعون وكان هو أيضا مطعونا فقال زوجوني فإني أكره أن ألقى الله عزبا. (فإن قيل) وفي نسخة صحيحة فإن قلت (كيف يكون النّكاح) أي أصله (وكثرته من الفضائل) أي التي أجمع عليها في كل شريعة (وَهَذَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا عليه السلام قَدْ أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ حَصُورًا) ، أي ممنوعا من النساء بالعجز عنهن أو لعدم الالتفات إليهن (فكيف يثني الله عليه بالعجز) أو عدم الميل (عمّا تعدّه فضيلة) أي شرعا وعادة (وهذا عيسى) أي ابن مريم كما في نسخة عليه السلام قد (تبتّل من النّساء) أي انقطع عنهن ولم يمل إليهن وأبعد الدلجي في قوله منقطعا إلى ربه ومنه وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا أي انفرد له بالطاعة وجه بعد لا يخفى على أرباب الصفاء مع ما تقدم في كلامنا إليه من الإيماء (ولو كان) أي النكاح فضيلة (كما قررته لنكح) أي لتزوج كل منهما (فَاعْلَمْ أَنَّ ثَنَاءَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى يَحْيَى بِأَنَّهُ حَصُورٌ لَيْسَ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ كان هيوبا) فعول من الهيبة أي جبانا عن النكاح وخائفا من
النساء وفي الحديث الإيمان هيوب أي صاحبه يهاب الذنب فيتقيه (أو لا ذكر له) وفي رواية معه أي لا همة له فيه (بل قد أنكر هذا) أي ما ذكر من القولين (حذّاق المفسرين) أي مهرتهم (ونقّاد العلماء) أي محققوهم (وقالوا هذه نقيصة وعيب) أي لا يوجب الثناء (ولا تليق بالأنبياء عليهم السلام أي لا تضاف إليهم. (وإنّما معناه) أي معنى كونه حصورا (أَنَّهُ مَعْصُومٌ مِنَ الذُّنُوبِ أَيْ لَا يَأْتِيهَا كأنّه حصر عنها) بصيغة المجهول أي حبس ومنع وحفظ وعصم منها وهذا بناء على أنه فعول بمعنى مفعول، (وقيل مانعا نفسه من الشّهوات) أي المستلذات من المباحات لا من المستحبات فهو بمعنى فاعل، (وقيل ليست له شهوة في النّساء) أي شهوة كثيرة أو مطلقا لكنه يباشر هذه الخصلة لما فيها من الفضيلة كما سبق عن عمر رضي الله تعالى عنه وأحسن الأجوبة أوسطها وأما تقييد الدلجي بأنه الذي لا يقرب النساء مع القدرة فلا وجه له في هذه الحالة التي تفوته الفضيلة هذا وقد ذكر التلمساني أن عيسى عليه الصلاة والسلام يتزوج في آخر الزمان بعد نزوله وقتله الدجال امرأة من جهينة ويولد له ولد ذكر ويتوفى عليه الصلاة والسلام ويدفن مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بينه وبين أبي بكر وأما يحيى فإنه لم يمت حتى ملك بضع امرأة لكنه لم يبن عليها ففعله هذا إنما كان لنيل الفضيلة وإقامة السنة وقيل لغض البصر ودفع الفتنة. (فقد بان لك من هذا) أي الذي ذكرناه (أنّ عدم القدرة على النّكاح نقص) أي للكمل، (وإنّما الفضل في كونها) أي القدرة (موجودة) أي قائمة بمحلها ثابتة (ثمّ قمعها) قال الدلجي مبتدأ والظاهر أنه مجرور عطفا على كونها أي ثم الفضل في قمع القدرة عن النكاح مخالفة للشهوة (إمّا بمجاهدة) أي برياضة نفسانية (كَعِيسَى عليه السلام أَوْ بِكِفَايَةٍ مِنَ اللَّهِ) أي لهذه المؤنة بالعصمة من غير حاجة إلى المجاهدة (كيحيى عليه السلام فضيلة زائدة) بالنصب على التمييز من قوله موجودة وجعله الدلجي خبر المبتدأ بناء على إعرابه في رفع قمعها فاحتاج إلى أن يقول زائدة على فضيلة القدرة على قمعها وكان حقه أن يقول مع عدم قمعها والظاهر أن المصنف أراد أن القوة مع القدرة على قمعها فضيلة زائدة لا خصلة راتبة كما عبر الفقهاء بالسنن الزوائد والرواتب ولا شك أن الزوائد قد تترك لبعض العوارض الموجبة لكون تركها حينئذ أفضل من فعلها بالنسبة إلى بعض الأشخاص والأحوال وأوقاتها فهذه الفضيلة زائدة قد تترك (لكونها شاغلة) وفي رواية مشغلة بضم الميم وكسر الغين أو بفتحها (في كثير من الأوقات) أي عن الطاعات التي تورث الدرجات العاليات في روضات الجنات (حاطّة) بتشديد الطاء أي واضعة منزلة له من علو الحالات لكونها مرغبة ومميلة وجارة (إلى الدّنيا) أي محبتها أو جمعها والاشتغال بها لحصول تلك الفضيلة الزائدة والحاصل أن كل فضيلة لها مضار ومنافع كالنكاح والتبتل والعزلة والخلطة والغنى والفقر فينظر إلى زيادة المنفعة وقلة المضرة بالنسبة إلى طالبها وصاحبها فيحكم بمقتضاه ولا يجوز الإطلاق فيما استفتاه ولذا قال المصنف (ثمّ هي) أي الفضيلة الزائدة (في حقّ من أقدر عليها) بصيغة المجهول من الأقدار أي من أعطى له الاقتدار
عليها (وملّكها) بأن لم يتزلزل فيها وهو بفتح الميم واللام وقال التلمساني هو بضم الميم وكسر اللام مشددة على طبق اقدر قلت الأول أولى وأظهر ويؤيده قوله (وقام بالواجب فيها ولم يشغله) بفتح أوله وثالثه وفي لغة بضم أوله وكسر ثالثه أي لم تمنعه (عن ربّه) أي طاعته وحضوره (درجة علياء) بالرفع أي مرتبة قصوى وهي مضبوطة في النسخ المعتبرة بضم العين مقصورا وضبط محش بفتح العين والمد (وهي درجة نبينا محمد صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لَمْ تَشْغَلْهُ كَثْرَتُهُنَّ عَنْ عبادة ربّه) أي طاعته وحضوره لوصوله إلى مقام جمع الجمع في كمال حصوله وهو أن لا تحجبه الكثرة عن الوحدة ولا تمنعه الوحدة عن الكثرة فكل من له حظ في هذا المقام بمتابعته عليه الصلاة والسلام وله مؤنة القيام فتحصيل هذه الفضيلة الزائدة له من كمال المرام دون من لم يصل إلى هذه المرتبة فإن عليه ترك هذه الزيادة والاشتغال بالأمور المهمة والفضائل المؤكدة (بل زاده ذلك) أي ما ذكر من كثرتهن (عبادة لتحصينهنّ) أي لتحصينه إياهن (وقيامه بحقوقهنّ) أي من أمر المعيشة وحسن العشرة (واكتسابه لهنّ) أي ما يتعلق بهن من آدابهن (وهدايته إيّاهنّ) أي بالعلوم الدينية لا سيما ما يجب عليهن (بل صرّح أنّها) أي كثرتهن (ليست من حظوظ دنياه) أي التي تغيبه عن حضور مولاه (هو) أي بخصوصه (وإن كانت من حظوظ دنيا غيره) أي دائما أو في بعض الأوقات لأرباب الحالات (فقال عليه السلام أي كما رواه الحاكم والنسائي (حبّب إليّ من دنياكم) تمامه النساء والطيب وقر عيني في الصلاة وليس زيادة ثلاث في صحيح الروايات وإنما أضاف الدنيا إليهم إشارة إلى تبرئه عنها وتقلله منها وعدم مبالاته بها والتفاته إليها لقلة بقائها وكثرة عنائها وسرعة فنائها وخسة شركائها وأورد الفعل بصيغة المجهول إيماء بأن حبه لها لم يكن إلا لما خلق في جبلته وميل طبيعته وأنه كالمجبور عليه في محبته وأما قول الدلجي تلويحا بأن حبه لها لم يكن من جبلته فهو خلاف موضوع الصيغة كما لا يخفى على أرباب الصنعة (فدلّ) أي هذا الحديث على (أنّ حبّه لما ذكر) أي بنفسه (من النّساء والطّيب اللّذين هما) كما في نسخة التي هي (من أمر) وفي نسخة من أمور (دنيا غيره) أي في الأصالة بحسب العادة (واستعماله لذلك) أي وإن استعماله لما ذكر من النساء والطيب وفي رواية واشتغاله بذلك (ليس لدنياه) أي لمجرد حظها (بل لآخرته) أي قصد مثوبته ورفع درجته (للفوائد التي ذكرناها ما في التّزويج وللقاء الملائكة في الطّيب) أي لمحبتهم إياه (ولأنّه) أي الطيب (أيضا ممّا يحضّ) أي يحث ويحرض (على الجماع ويعين عليه) أي على ذاته أو كثرته (ويحرّك أسبابه) أي مقدماته كالقبلة والشهوة (وكان حبّه لهاتين الخصلتين) أي مباشرة النساء والطيب (لأجل غيره) كمباهاته بالكثرة مثوبا ولقائه الملائكة والنساء مطيبا (وقمع شهوته) أي ولأجل قمعها بمنع الخواطر الردية ودفع الوساوس النفسية ولو كان قادرا على قمعها بمجاهدة رياضية أو بكفاية إلهية فإن هذه السيرة أعلى المراتب البهية وأولى بقواعد الملة السمحاء الحنيفية ولما كان هذا الحب جعليا وعارضيا كسائر محبة الأشياء مما سوى الله تعالى حيث إنها لا تحب إلا ابتغاء المرضاة قال
المصنف (وكان حبّه الحقيقي المختصّ بذاته) أي بذات الله (في مشاهدة جبروت مولاه) أي عظموت قدرته ومطالعة ملكوت عظمته (ومناجاته) أي في مقام حضور حضرته بغيبته عن الشعور بذاته المعبر عنه بمقام الفناء والبقاء والمحو والصحو (ولذلك ميّز بين الحبّين) أي غيريا وذاتيا (وفصل بين الحالين) أي فرق بين المقامين الجليلين بالجملتين من الفعلية والاسمية المشير بالأولى إلى الحالة الجعلية العارضية وبالثانية إلى المستمرة الذاتية كما في الرواية المشهورة بلفظ وقرة عيني في الصلاة وأما ما ذكره المصنف بقوله (فقال وجعلت قرّة عيني في الصّلاة) ففيه إشارة لتعبيره بالقرة إلى هذه المحبة إيماء إلى زيادة هذه المودة وقال الدلجي بين الحالين أي محبة ومناجاة وكأنه قصد بهذا أن المراد بقرة عيني في الصلاة الصلاة التي هي معراج المؤمن ومناجاة الموقن خلافا لمن قال المراد بها الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وسلم (فقد ساوى) أي المصطفى (يحيى وعيسى في كفاية فتنتهنّ وزاد) أي عليهما (فضيلة) أي كاملة (بالقيام بهنّ) مع أنه لم يشغله ذلك عن قيامه بحقوق مولاه لاجلهن فهذا الحال أكمل لمن قدر عليهن؛ (وكان صلى الله تعالى عليه وسلم ممّن أقدر على القوّة) بصيغة المفعول من الاقدار أي ممن أعطي القدرة على قوة الشهوة بكثرة الجماع (في هذا) أي الأمر الذي حبب إليه مما يتعلق بدنياه وخدمه مولاه (وأعطي الكثير منه) أي الحد الكثير الزائد على العادة من أمر الجماع قوة الباءة (ولهذا أبيح له من عدد الحرائر) وهو التسع (ما لم يبح لغيره) أي من هذه الأمة وهو الزائد على الأربع؛ (وقد روينا) بفتح الراء والواو مخففة وبضم الراء وكسر الواو مشددة ولا يبعد أن يكون بضم الراء وكسر الواو المخففة بناء على الحذف والإيصال أي روى إلينا (عن أنس) كما في البخاري والنسائي (أنّه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يدور على نسائه) أي يجامعهن (في السّاعة) أي الواحدة والمراد بها الزمن القليل لا الساعة النجومية (من اللّيل) أي مرة (والنّهار) أي تارة (وهنّ) أي مجموعهن (إحدى عشرة) بسكون الشين وتكسر والمعنى منها سريتاه مارية وريحانة فلا ينافي رواية وهن تسع. (قال أنس وكنّا) أي معشر الصحابة (نتحدّث) أي فيما اختص به صاحب النبوة من القدرة والقوة (أنّه أعطي قوّة ثلاثين رجلا) أي في الجماع (خرّجه النّسائي) أي ذكره في سننه وهو هكذا في صحيح البخاري في كتاب الغسل هذا وليس أحد من أصحاب الكتب الستة توفي بعد الثلثمائة إلا النسائي فإنه توفي في سنة ثلاث وثلاثمائة، (وروي) بصيغة المجهول (نحوه عن أبي رافع) وهو مولى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقد أخرج الترمذي وابن ماجة في الظهارة والنسائي في عشرة النساء عنه أنه عليه الصلاة والسلام طاف على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه الحديث، (وعن طاوس) وهو ابن كيسان اليماني من ابناء الفرس يقرأ بواوين قيل ويهمز قال ابن معين لقب بذلك لأنه كان طاوس القراء روى عن أبي هريرة وابن عباس وعائشة رضي الله تعالى عنهم وتوفي بمكة سنة ست ومائة (أُعْطِيَ عليه السلام قُوَّةَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا فِي الجماع، ومثله عن صفوان بن سليم) بالتصغير إمام كبير قدوة ممن يستشفى بحديثه وينزل
القطر من السماء بذكره ويقال لم يضع جنبيه على الأرض أربعين سنة وأنه مات وهو ساجد ويقال إن جبهته نقبت من كثرة السجود روي عن ابن عمر وغيره وعنه مالك وطبقته وفي الحلية لأبي نعيم عن مجاهد قوة أربعين رجلا كل رجل من رجال أهل الجنة وروى الترمذي أن رجال أهل الجنة قوة كل رجل منهم بقوة سبعين رجلا وصححه وروي بقوة مائة رجل وقال صحيح غريب قلت فعلى هذا كان صابرا عنهن غاية الصبر لكثرة الاشتياق إليهن ثم اعلم أن قوله وعن طاوس إلى آخر ما ههنا زيادة على ما في بعض النسخ المصححة والأصول المعتمدة، (وقالت سلمى) بفتح السين المهملة والميم مقصورا (مولاته) وخادمته صلى الله تعالى عليه وسلم وقيل هي مولاة صفية عمته وهي زوج أبي رافع وداية فاطمة الزهراء وقابلة إبراهيم ابن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وفي الصحابيات من اسمها سلمة غير هذه خمس عشرة وقد روى ابن سعد وأبو داود عنها وعن زوجها أبي رافع عن رافع ولده منها (طاف النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم ليلة) أي دار (على نسائه التّسع) وهو كناية عن جماعهن (وتطهّر من كلّ واحدة) أي اغتسل من أجل قربان كُلِّ وَاحِدَةٍ (قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْأُخْرَى وَقَالَ هذا) أي التفريق بالغسل (أطهر) أي أنظف (وأطيب) أي ألذ وأنشط وفي رواية أحمد وأزكى وأطيب فالمراد بأزكى أنمى وأقوى وقيل الطهارة للظاهر والطيب والتزكية للباطن أي لزيادة الصفاء والضياء لا ان أولاهما لإزالة الأخلاق الذميمة وأخراهما للتحلي بالشيم الحميدة كما ذكره الدلجي فإنه لا يناسب بالنسبة إلى الشمائل المصطفوية فإنها منزهة عن الأخلاق الردية ومتحلية على الدوام بالشيم الرضية البهية السنية؛ (وقد قال سليمان عليه الصلاة والسلام على ما رواه الشيخان (لأطوفنّ اللّيلة) من الطواف بمعنى الدوران وكذا الإطافة ومن ثمه ورد في رواية لأطيفن اللَّيْلَةَ (عَلَى مِائَةِ امْرَأَةٍ أَوْ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ) على الشك من الراوي وفي رواية على ستين وفي أخرى على تسعين ولمسلم على سبعين امرأة كلهن تأتي بغلام يقاتل في سبيل الله فقال له صاحبه أو الملك قل إن شاء الله فلم يقل ونسي فلم تأت واحدة منهن إلا واحدة جاءت بشق غلام فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لو قال إن شاء الله لم يحنث أي لم يفته متمناه وكان أدرك لحاجته فيما قضاه، (وإنّه فعل ذلك) فدل ذلك على كمال قوته ولا تعارض بين هذه الروايات إذ ليس في إثبات قليلها نفي لكثيرها ومفهوم العدد ليس بحجة عند جمهور أرباب الأصول مع احتمال تعدد الواقعات والله أعلم بالحالات؛ (قال ابن عبّاس) كما رواه ابن جرير في تفسيره عنه موقوفا (كَانَ فِي ظَهْرِ سُلَيْمَانَ مَاءُ مِائَةِ رَجُلٍ وكان لَهُ ثَلَاثُمِائَةِ امْرَأَةٍ وَثَلَاثُمِائَةِ سَرِيَّةٍ وَحَكَى النَّقَّاشُ) وفي نسخة وغيره كذا رواه الحاكم عن محمد بن كعب بلغني أنه (كان له سبعمائة امرأة وثلاثمائة سريّة) وفي المستدرك للحاكم في ترجمة عيسى ابن مريم أن سليمان كان له تسعمائة سَرِيَّةٍ، (وَقَدْ كَانَ لِدَاوُدَ عليه السلام عَلَى زهده) أي مع كمال زهده وتورعه المفاد من قوله (وأكله من عمل يده) ويروى من يده (تسع وتسعون امرأة) هذا هو الصواب وفي أصل التلمساني تسعة
وتسعون وفي الكشاف كان لداود أيضا ثلاثمائة سرية (وتمّت بزوج أوريّاء) بضم همزة وقيل بفتحها فواو ساكنة وراء مكسورة وتحتية ممدودة أي بزوجته (مائة) بالرفع على أنها فاعل تمت أي من النساء بتزوجه إياها بعد نزول أورياء له عنها بسؤاله على ما كان من دعاتهم في زمانه أو بعد ما مات عنها زوجها لما رآها بغتة وأحب جمالها فتنة وطلب ربه مغفرة وأناب إليه معذرة هذا وقيل إنها أم سليمان عليه الصلاة والسلام، (وقد نبّه) أي الله سبحانه وتعالى (على ذلك) أي على ما ذكر من العدد (في الكتاب العزيز بقوله تعالى) أي حكاية من لسان أحد الملكين اللذين أتياه في صورة الخصمين (إِنَّ هذا أَخِي) أي في الدين (لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً [ص: 22] ) وهي الأنثى من الضأن وقعت ههنا كناية عن المرأة فإن الكناية أبلغ من الصراحة من حيث التأثير مع ما فيه من مراعاة الأدب في التعبير لا سيما وهو في مقام التعيير (وفي حديث أنس) بسند جيد للطبراني (عَنْهُ عليه السلام فُضِّلْتُ عَلَى النَّاسِ بِأَرْبَعٍ) أي من الخصال (بالسّخاء) أي الكرم والجود مع الاحباء (والشّجاعة) بالنسبة إلى الأعداء (وكثرة الجماع) أي للنساء (وقوّة البطش) أي الأخذ حال العطاء وأما تفسيره بالأخذ الشديد بقوة كما ذكره بعضهم فلا يخفى أنه لا يناسب المقام فإنه حينئذ من جزئيات الشجاعة لا خصلة مستقلة من الأربع (وأمّا الجاه) أي الذي بتوسل به إلى مساعدة الضعفاء (فمحمود عند العقلاء) من الحكماء والعلماء (عادة) أي مستمرة لكنها مقيدة بما إذا كانت على وفق الشريعة حتى تكون معتبرة (وبقدر جاهه) أي جاه الشخص في العيون (عظمه) بكسر ففتح فضمير أي عظمته (في القلوب) أي قلوب الخلق أو بقدر جاهه صلى الله تعالى عليه وسلم عند الحق كان عظمته في قلوب الخلق ويدل عليه أنه عليه السلام أخذ من أبي جهل للأراشي ثمن ابله التي اشتراها أبو جهل منه ومطله فقالت قريش لأبي جهل ما رأينا مثل ما صنعت من انقيادك لأمر محمد مع فرط أذاك له وعداوتك إياه فقال ويحكم ما هو إلا أن ضرب بأبي وسمعت صوته فملئت رعبا (وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي صِفَةِ عِيسَى عليه السلام وَجِيهاً) أي ذا جاه ووجاهة عظيمة (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ [آل عمران: 45] ) أي عند أهلهما أو في الدنيا بالرسالة وفي العقبى بالشفاعة (لَكِنَّ آفَاتِهِ كَثِيرَةٌ فَهُوَ مُضِرٌّ لِبَعْضِ النَّاسِ) وفي رواية ببعض الناس (لعقبى الآخرة) أي في الآخرة التي هي عقبى كما قال تعالى تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (فلذلك) أي فلكون الجاه مضرا ببعضهم (ذمّه من ذمّه ومدح ضدّه) أي الخمول وعدم الاعتبار فيما بين الخلق (وورد في الشّرع مدح الخمول) وهو بضم الخاء المعجمة ضد الشهرة كما ورد في حديث رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره وفي الحديث إن الله يحب الاتقياء الأخفياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا وإذا حضروا لم يعرفوا (وذمّ العلوّ في الأرض) أي ورد في الشرع ذم الجاه والشهرة كما في الحديث ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حب المال والجاه لدين المؤمن وفي رواية من حب الشرف والمال
والحاصل أن الجاه والمال مضران لأرباب الكمال الجامعين بين العلم والعمل والحال؛ (وكان صلى الله تعالى عليه وسلم قد رزق من الحشمة) أي الوقار والهيبة (والمكانة) أي التمكن في مرتبة الجلالة (في القلوب والعظمة) أي الإجلال والمهابة في العيون (قبل النّبوّة عند الجاهليّة) كما مر عن أبي جهل في تلك القضية وما روي عنه أيضا أنه ساوم رجلا من بني زبيد ثلاثة أبعرة هي خيرة إبله ثلث ثمنها فامتنع الناس من الزيادة لأجله فأخبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك فزاده حتى رضي فاشتراها منه ثم باع منها بعيرين بالثمن ثم باع الثالث وأعطى ثمنه أرامل بني عبد المطلب وأبو جهل مخزي ينظره ولا يتكلم ثم قال له صلى الله تعالى عليه وسلم إياك أن تعود لمثل ما صنعت بهذا الأعرابي فترى مني ما تكره فقال لا أعود يا محمد فقال له أمية بن خلف ذللت في يد محمد فقال إن الذي رأيتم مني لما رأيت معه رجالا عن يمنيه ويساره يشيرون برماحهم إلى ما خالفته لكانت إياها أي لأهلكوني (وبعدها) أي ورزق الجاه بعد النبوة عندهم (وهم يكذّبونه) بالتشديد والتخفيف أي والحال أن أهل الجاهلية ينسبونه إلى الكذب (وَيُؤْذُونَ أَصْحَابَهُ وَيَقْصِدُونَ أَذَاهُ فِي نَفْسِهِ خِفْيَةً) بضم الخاء وكسرها وسكون الفاء أي مخفيا لما تكن من هيبته في صدورهم وعظمته في قلوبهم (حتّى إذا واجههم) أي قابلهم علانية (أعظموا أمره) أي حشموا قدره (وقضوا حاجته) أي مقصده إليهم في سيره وهذا باعتبار غالب معاملاتهم معه فلا ينافي ما وقع من وضع أبي جهل سلا الجزور على ظهره وهو ساجد في الحجر. (وأخباره في ذلك معروفة سيأتي بعضها) أي في محله إن شاء الله سبحانه وتعالى؛ (وقد كان يبهت) على صيغة المجهول صورة مع ذكر فاعله كما في قوله تعالى فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ من البهت وهو الحيرة وفعله كعلم ونصر وكرم وعنى وهو أفصح فيجوز بناؤه على الفاعل أيضا أي يدهش ويتخير (ويفرق) بفتح الياء والراء أي يخاف ويفزع (لرؤيته) وفي نسخة من رؤيته (من لم يره) لما ألقي عليه من الهيبة والعظمة في قلوبهم (كما روي عن قيلة) بفتح قاف فسكون تحتية وهي بنت مخرمة العنبرية وقيل الكندية وقيل التميمية (أنّها لمّا رأته أرعدت) بصيغة المجهول أي أخذتها الرعدة بكسر الراء وهي اضطراب المفاصل خوفا والمعنى أنها ارتعدت (من الفرق) بفتحتين وهو الخوف ورواية أبي داود والترمذي في الشمائل عن عبد الله بن حسان عن جدته عنها أنها رأته في المسجد وهو قاعد القرفصاء قالت فلما رأيته متخشعا في الجلسة ارتعدت من الفرق وزاد ابن سعد (فقال يا مسكينة عليك السّكينة) بالنصب أي الزمي الطمأنينة وفي رواية بالرفع أي السكينة لازمة عليك ولم يثبت هنا ما ثبت في بعض النسخ إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ تَأْكُلُ القديد وذلك غير صحيح على ما ذكره التلمساني والمسكينة بكسر الميم والسكينة بفتح السين مخففة هو الفصيح؛ (وفي حديث أبي مسعود) أي عقبة بن عمرو الأنصاري كما رواه البيهقي عن قيس عنه مرسلا وقال هو المحفوظ ورواه الحاكم وصححه (أنّ رجلا قام بين يديه) أي قدامه صلى الله تعالى عليه وسلم (فأرعد