الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستاذ أبي القاسم القشيري تعقب على الحصري وأعاد على القفال المروزي في درس الحصري ثم سلك طريق التصوف حتى صار إنسان وقته وسيد عصره توفي ذي الحجة سنة خمس وأربعمائة قال فيما يرويه عنه صلى الله تعالى عليه وسلم من أكرم غنيا لغناه ذهب ثلثا دينه وذكر فيه حكمة ذكرها السبكي في الطبقات.
فصل [وأما الشجاعة والنجدة]
(وأمّا الشّجاعة) بفتح أولها معروفة (والنّجدة) بفتح نون فسكون جيم فدال مهملة بمعنى الشجاعة على مقالة الجوهري وقيل الإغاثة والإعانة وفرق المصنف بينهما بقوله (فالشّجاعة فضيلة قوّة الغضب) أي زيادتها (وانقيادها) أي مطاعة تلك القوة ومتابعتها (للعقل) أي لتقع على ما ينبغي من النعوت الآدمية وهو احتراز عن الصفة السبعية والبهيمية ولا بد من قيد انقيادها للشرع لتكون من الأوصاف البهية. (والنّجدة ثقة النّفس) أي وثوقها بربها واعتمادها على خالقها (عند استرسالها) أي إشرافها وطلبك إرسالها (إلى الموت) أي حال تثبتها من ابتدائها إلى زمان انتهائها باختياره إلى حد فنائه وزوال بقائه (حيث يحمد فعلها) أي عقلا ونقلا (دون خوف) أي من غير خوف لها يمنعها عما هي بصدده من كمالها والحاصل أن النجدة قوة تنشأ عن الشجاعة لا أنها غيرها في أصلها، (وكان صلى الله تعالى عليه وسلم منهما) أي من الشجاعة والنجدة وروي منها فالضمير لكل منهما (بالمكان) أي بالمحل (الذي لا يجهل) وبيانه قوله (قد حضر المواقف الصّعبة) بفتح فسكون أي الشديدة كبدر واحد وحنين وغيرها (وفرّ) أي هرب (الكماة) بضم كاف وتخفيف ميم جمع كمي بفتح فكسر فتشديد أي شجاع مكمي في سلاحه إذ قد كمى نفسه وسترها بدرعه وبيضته كأنه جمع كام كقاض وقضاة (والأبطال) بفتح الهمزة جمع بطل بفتحتين وهو الشجاع والمغايرة بينهما من حيث الستر وعدمه أو الثاني أبلغ والمعنى ولوا مدبرين (عنه) أي عن مساعدته صلى الله تعالى عليه وسلم (غير مرّة) أي مرات كثيرة وإن كان قصد بعضهم الكرة بعد الفرة (وهو ثابت) أي بقلبه وقدمه (لا يبرح) بفتح الياء والراء أي لا يزول عن مكانه (ومقبل) على شانئه وشأنه بكمال الإقبال (لا يدبر) أي لا ينوي الإدبار ولا التحول والانتقال (ولا يتزحزح) أي ولا يتبعد عن مواجهة الكفار والجمل المنفية أحوال مؤكدة لما قبلها والمعنى أنهم فروا عنه حال ثباته وإقباله على أعدائه، (وما شجاع) بتثليث أوله والضم أشهر أي ما وجد أحد شجيع من شجعان العرب والعجم (إلّا وقد أحصيت له فرّة) على صيغة المجهول أي ضبطت له ولو مرة واحدة من الفرار والهزيمة (وحفظت عنه جولة) بفتح جيم وسكون واو أي تردد ونفرة (سواه) أي غيره صلى الله تعالى عليه وسلم وعدم الفرار لكماله في مقام الوقار والقرار. (حدّثنا أبو عليّ الحيّانيّ) بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية وفي آخره نون ثم ياء النسبة وهو الحافظ الغساني وقيل بكسر الجيم والظاهر أنه تصحيف (فيما كتب لي) أي من هذا الحديث ونحوه مقرونا بالإجازة له مع إمكان السماع منه (حدّثنا القاضي سراج)
بكسر سين مهملة وتخفيف راء بعدها ألف فجيم (حدّثنا أبو محمّد الأصيليّ) بفتح فكسر صاد مهملة ويقال بالزاء أيضا نسبة إلى بلد بالمغرب، (حدّثنا أبو زيد الفقيه) وهو المروزي (حدّثنا محمّد بن يوسف) أي الفربري (حدّثنا محمّد بن إسماعيل) أي الإمام البخاري (حدّثنا ابن بشّار) بموحدة فشين معجمة مشددة العبدي مولاهم قال أبو داود وكتبت عنه خمسين ألف حديث (حدّثنا غندر) بضم غين معجمة فنون ساكنة فدال مهملة مفتوحة وقد تضم فراء هذلي بصري وهو منصرف (حدّثنا شعبة) أي ابن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث (عن أبي إسحاق) أي السبيعي الهمداني الكوفي تابعي جليل روى عنه السفيانان وأبو بكر بن عياش وخلائق وله نحو ثلاثمائة شيخ وهو يشبه الزهري في كثرة الرواية وقد غزا عشر مرات وكان صواما قواما (سمع البراء) بفتح الموحدة وتخفيف الراء وهو ابن عازب رضي الله تعالى عنه (وسأله رجل) لا يعرف (أفررتم يوم حنين) وهو واد بين مكة والطائف وتصحف حنين على التلمساني بخيبر ولذا قال وكانت غزوة حنين في السابعة من الهجرة وقدم جعفر بن أبي طالب ومن معه من الحبشة حينئذ وقد وقع في صحيح البخاري في غزوة الفتح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في رمضان إلى حنين وقد تقدم أنها كانت في شوال وهو المعروف ولعل المراد الفتح لأن الفتح تعقبه حنين والمعنى افررتم يوم حنين معرضين (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وسلم قال) أي نعم كما في نسخة ولعله حذف استهجانا للتصريح به ثم استدرك بقوله (لكنّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لم يفرّ) بتشديد الراء المفتوحة ويجوز كسرها لكسر ما قبلها وقال التلمساني إنما لم يجبه ببلى او نعم لأن موجب لا قد وقع ولم يكن قصدا بل رشقتهم هوازن بنبلها ذا صباح وقد تفرقوا لحوائجهم ولم يعلموا أن للعدو كمينا فكان جولة وليس هزيمة وقد وقع ذلك من الطلقاء لأن منهم من لم يكن صادق الإسلام يومئذ انتهى ثم في هذا الاستدراك دفع توهم فراره صلى الله تعالى عليه وسلم بعد فرارهم عنه ولا والله ما فر قط بل الإجماع قاض بتحريم اعتقاد فراره وهذا الحديث أخرجه البخاري في الجهاد ومسلم في المغازي والنسائي في السير وهو كما في الأصل بناء على ما في بعض الطرق وفي بعضها أفررتم يوم حنين ولم يذكر عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وسلم وعلى هذه الرواية قال النووي ما نصه هذا الجواب الذي أجاب به البراء من بديع الأدب لأن تقدير الكلام أفررتم كلكم فيقتضي أنه عليه الصلاة والسلام وافقهم في ذلك قال البراء لا والله ما فر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولكن جماعة من أصحابه جرى لهم كذا وكذا، (ثمّ قال) أي البراء (لقد رأيته على بغلته البيضاء) كذا في الصحيحين وفي مسلم أنها التي أهداها له فروة بن نفاثة قال بعض الحفاظ واسمها فضة وفي رواية على بغلته الشهباء وكلتاهما واحدة وقال بعضهم هي التي تسمى الدلدل وكذا سماها النووي في شرح مسلم في غزوة حنين وقال قال العلماء لا يعرف له صلى الله تعالى عليه وسلم بغلة سواها انتهى وذكر الحلبي أن فروة بن نفاثة أهدى فضة والمقوقس أهدى الدلدل وقيل كان له صلى الله تعالى
عليه وسلم ست بغلات وقيل سبع (وأبو سفيان) أي ابن عمه الحارث بن عبد المطلب وكان أخ الرضيع له صلى الله تعالى عليه وسلم أرضعتهما حليمة وآلف الناس به قبل النبوة ثم كان أبعدهم عنه بعدها ثم أسلم يوم الفتح بالأبواء موضع بطريق مكة ومات سنة عشرين بالمدينة (آخذ بلجامها) زاد البرقاني والعباس رضي الله تعالى عنه آخذان بلجامها يكفانها عن إسراع التقدم إلى العدو شفقة منهما عليه بمقتضى البشرية وإن علما مرتبة عصمته النبوية وسيأتي رواية أخرى في هذا المعنى مع اختلاف في المبنى وفي ركوب البغلة حال الغزوة إيماء إلى كمال تحقق النجدة وزوال تصور الجولة وكيف وهو يقول اللهم بك أصول وبك أجول، (والنّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم يقول) والجملة حالية وأما قول الدلجي وضع فيها مبتدأها موضع المضمر أي وهو يقول فغفلة منه عن المنقول إذ لو أتي بالضمير لتوهم رجعه إلى أقرب المذكور وهو أبو سفيان المسطور (أنا النّبيّ لا كذب) بسكون الباء للوزن أو للسجع وهو الرواية على ما ذكره المازري وضبط في بعض النسخ بفتح الباء على ما أصله في البناء وقد ورد على زنة منهوك الزجر وهو ليس بشعر عند بعضهم وأن كان مقصودا ثم لا يسمى الكلام شعرا ما لم يقصد بوزنه الشعر ومنه ما جاء في التنزيل ثم أقررتم وأنتم تشهدون ثم أنتم هؤلاء تقتلون وأمثال ذلك وأما قول الدلجي من رواه بفتح الباء ليخرج عن الوزن فقد نسب أفصح الخلق إلى النطق بغير فصيح فغير صحيح لأن فتح الباء كما عرفت هو الإعراب الصحيح فلا يعدل عنه إلا وقفا سواء أريد به نظم أو سجع والمعنى أنا النبي صدقا لا أفر إذا لقيت العدو حقا وروي بلا كذب بزيادة الباء ولعله حينئذ يخفف ياء النبي والمعنى لا كذب في النبوة لظهور المعجزة أو لا كذب في النصرة أو لا كذب في النبوة لأنها حق وما وعده ربه صدق. (وزاد غيره) أي غير البراء (أنا ابن عبد المطّلب) وهو بسكون الباء مع أنها في أصل الإعراب بالجر ومن قرأ بالكسر أراد إخراجه من وزن الشعر كما تقدم ثم انتسابه لجده لاشتهاره به لموت أبيه قبل ولادته مع كثرة نسبة الناس إياه إليه ولا ينافي هذا نهيه عن الافتخار بالآباء الكفار إذ لم يقل افتخارا بل إظهارا واشتهارا وإعلاما بأنه ما ولى مع من ولي وتعريفا بموضعه ليرجع إليه أهل دينه، (قيل فما رئي) بصيغة المجهول ويقال فما رئي بالنقل والبدل أي ما أبصر (يومئذ) أي يوم حنين (أحد كان أشدّ منه) أي أقوى قلبا وأشجع قالبا منه صلى الله تعالى عليه وسلم قال البغوي بعد حديث البراء بإسناده المتصل إلى مسلم على ما سبق ورواه محمد بن إسماعيل عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن إسحاق وزاد فما رئي من الناس يومئذ أشد منه ورواه أبو زكريا عن أبي إسحاق وزاد قال كنا إذا احمر البأس نتقي به وأن الشجاع منا للذي يحاذيه أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم انتهى فوجه تعبير المصنف بقيل غير ظاهر كما لا يخفى، (وقال غيره) أي غير البراء أو غير قائل هذا القيل (نزل النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم عن بغلته) وهذا يدل على كمال نعته في قضية شجاعته قال البغوي في حديثه المسند إلى مسلم عن أبي إسحاق قال رجل للبراء يا أبا عمارة أفررتم يوم حنين قال لا والله ما ولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولكنه خرج
شبان أصحابه واخفاؤهم وهم حسر ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح فلقوا قوما رماة لا يكاد يسقط لهم سهم فأقبلوا هناك إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ورسول الله على بغلته البيضاء وأبو سفيان بن الحارث يقود به فنزل واستنصر وقال أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ثم صفهم، (وَذَكَرَ مُسْلِمٌ عَنِ الْعَبَّاسِ قَالَ فَلَمَّا الْتَقَى المسلمون) وهم ستة عشر ألفا أو اثنا عشر ألفا أو عشرة آلاف على اختلاف (والكفّار) وهم أربعة آلاف من هوازن وثقيف وكان المسلمون يومئذ أكثر ما كانوا قط حتى قال رجل من الأنصار لن نغلب اليوم عن قلة فلم يرض الله قوله ووكلهم إلى أنفسهم كما أشار إليه سبحانه وتعالى بقوله لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزم المشركون وخلوا عن الذراري ثم نادوا يا حماة السوء اذكروا الفضائح فتراجعوا وانكشف المسلمون وهذا معنى قوله (ولّى المسلمون) أي رجعوا وانهزموا (مدبرين) حال مؤكدة منهم قال الكلبي كان حول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثلاثمائة من المسلمين وانهزم سائر الناس مدبرين وقال آخرون لم يبق مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم غير العباس وأبي سفيان وأيمن ابن أم أيمن فقتل يومئذ بين يدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (فطفق) بكسر الفاء أي جعل (رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يركض بغلته نحو الكفّار) أي يحركها ويدفعها إلى صوبهم وأصل الركض تحريك الرجل ومنه قوله تعالى ارْكُضْ بِرِجْلِكَ (وأنا آخذ بلجامها) جملة حالية (أكفّها) حال أخرى أو استئناف بيان (إرادة أن لا تسرع) بنصب الإرادة على العلة للجملة السابقة أي أمنعها من أجل أن لا نعجل إلى جهة العدو وهو من الإسراع (وأبو سفيان آخذ بركابه) وفي رواية بعكس القضيتين وتقدم أنهما كانا آخذين بلجامها فالجمع بأنه كان الأخذ بالمناوبة مرة وبالجمع كرة (ثمّ نادى) أبو سفيان أو النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أو العباس على الالتفات (يا للمسلمين) بفتح اللام الأولى أي اقبلوا (الحديث) بالنصب على الأصح أي انظر الحديث أو طالعه بكماله قال البغوي في حديثه المسند إلى مسلم فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أي عباس ناد أصحاب السمرة فقال العباس رضي الله تعالى عنه وكان رجلا صيتا فقلت بأعلى صوتي أين أصحاب السمرة قال فو الله لكان عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفه البقرة على أولادها فقالوا يا لبيك يا لبيك قال فاقتلوا الكفار ثم أخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حصيات فرمى بهن في وجوههم ثم قال انهزموا ورب محمد قال فو الله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى أحدهم كليلا وأمرهم مدبرا وقال سلمة بن الأكوع غزونا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حنينا قال فلما غشوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب الأرض ثم استقبل وجوههم فقال شاهت الوجوه فما خلف الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا مدبرين وقال سعيد بن جبير أمد الله نبيه بخمسة آلاف من الملائكة مسومين كما قال تعالى وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها. (وقيل) أي روي كما في حديث ابن أبي
هالة (كان رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَضِبَ. وَلَا يَغْضَبُ إِلَّا لله) جملة حالية معترضة بين الشرط وجوابه وهو قوله (لم يقم لغضبه شيء) أي ما يدفعه عنه ويمنعه منه كما قال علي كرم الله وجهه كان صلى الله تعالى عليه وسلم لا يغضب للدنيا فإذا أغضبه الحق لم يعرف أحدا ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له؛ (وقال ابن عمر) كما رواه الدارمي (ما رأيت أشجع ولا أنجد) من النجدة وقد عرفت الفرق بينها وبين ما قبلها ولا يبعد أن المراد بالجمع بينهما المبالغة في وصف زيادة الشجاعة (ولا أجود) أي لا أسخى (ولا أرضى) أي باليسير فهو من باب القناعة أو ولا أسرع رضى من الرجوع عن الغضب فهو من قبيل حسن الخلق وجيمل العشرة قيل ولا أدوم رضى (من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) وضبط الدلجي ولا أحوذ بمهملة ومعجمة من حوذ يحوذ أي أجمع وهو مما استعمل بلا إعلال أي ما رأيت أحوذ يا اجمع لأموره لا يشذ عليه منها شيء متمكنا منها حسن السياق لها منه صلى الله تعالى عليه وسلم ومثله حديث عائشة رضي الله تعالى عنها تصف عمر كان والله أحوذيا نسيج وحده أي متمكنا في أموره حسن السياق لها انتهى والظاهر أنه تصحيف في المبنى بل وتحريف في المعنى لأن الأحوذي ليس أفعل التفضيل المناسب هنا للسياق من السباق واللحاق فقد قال صاحب القاموس الأحوذي الخفيف الحاذق والمشمر للأمور القاهر لها لا يشذ عليه شيء كالحويذ وأحوذ ثوبه جمعه والصانع القدح أخفه انتهى وقوله أحوذ وكذا استحوذ بمعنى غلب واستولى جاء على أصله من غير اعلاله وأما أفعل سواء كان وصفا أو تفضيلا فلا يعل كأسود وأجود؛ (وقال عليّ كرم الله وجهه) كما رواه أحمد والنسائي والطبراني والبيهقي (إنّا كنّا إذا حمي البأس) بهمز ويلين ومعناه ما في قوله. (ويروى اشتدّ البأس) وأما ما وقع في اصل الدلجي إذا حمي الوطيس فلا أصل له في النسخ المعتبرة والأصول المعتمدة (واحمّرت الحدق) بفتحتين جمع حدقة وهي ما احتوت عليه العين من سوادها وبياضها وسبب احمرارها غضب صاحبها وفي الحديث الغضب جمرة توقد في قلب ابن آدم أما ترى إلى انتفاخ أو داجه واحمرار عينيه (اتّقينا برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فَمَا يَكُونُ أَحَدٌ أَقْرَبَ إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ) أي تحفظنا به وأخذناه وقاية لنا من عدونا وأعل أتقى بقلب واوه ياء لكسر ما قبلها ثم تاء وأدغمت (ولقد رأيتني) أي قال علي والله لقد رأيت نفسي (يوم بدر) أي وكذا غيري لقوله (ونحن نلوذ) أي نلتجئ ونستتر (بالنّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) وفي الحديث اللهم بك أعوذ وبك الوذ وفي أصل الدلجي ونحن نتقي برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وفسره بنستتر ونحتمي إلا أنه ليس في الاصول المعتمدة الحاضرة (وهو أقربنا إلى العدوّ) أي والحال أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أقرب منا إلى عدونا وهو تصريح بما سبق من تلويح (وكان من أشدّ النّاس يومئذ) أي وقت البأس وشدة الحرب أو يوم حنين (بأسا) أي قوة قلب في شدة حرب وإذا كان حاله هذا في مثل هذا الوقت ففي سائر الأوقات بالأولى فلا يحتاج إلى قول الدلجي بل أشدهم مطلقا كما لا يخفى وما أحسن من قال من أرباب الحال:
له وجه الهلال لنصف شهر
…
وأجفان مكحلة بسحر
فعند الابتسام كليل بدر
…
وعند الانتقام كيوم بدر
(وقيل كان الشّجاع) أي منا (هو الذي يقرب منه صلى الله تعالى عليه وسلم إذا دنا العدوّ) أي قاربوا (ولقربه منه) أي لقرب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من العدو؛ (وعن أنس رضي الله تعالى عنه) كما في حديث الشيخين (كان النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم أحسن النّاس) أي صورة وسيرة وصونا وفصاحة وملاحة (وأجود النّاس) أي سخاوة وكرامة (وأشجع النّاس) أي قلبا وثباتا، (لقد فزع) بكسر الزاي (أهل المدينة ليلة) أي خافوا تبييت العدو ولما سمعوا صوتا أجنبيا في ناحية من نواحي المدينة ولا حاجة إلى قول الدلجي من أن الفزع هو في الأصل الخوف ثم استعير ههنا للنصر والاستغاثة (فانطلق ناس) أي ذهب جمع من أهل المدينة (قبل الصّوت) بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي إلى جانبه ونحوه ليتحققوا ما به (فتلقّاهم) أي المنطلقين (رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) حال كونه (راجعا قد سبقهم إلى الصّوت) أي منفردا (استبرأ) ويروى وقد استبرأ (الخبر) أي تعرف حقيقة الأثر وكشف الأمر وعرف عدم سبب الضرر وقال التلمساني استبرأ استقصى بهمز ويسهل وفيه نظر إذ لا يجوز تسهيل الهمز المتحرك المتطرف إلا وقفا والأظهر من استبرأ أي بحث عن ذلك واستنقى ما ينقى هنالك (على فرس) أي حال كونه راكبا على فرس كائن (لأبي طلحة) وهو أحد أصحابه (عري) بضم فسكون أي لا سرج عليها للاستعجال في ركوبها والفرس هذا اسمه مندوب كما في الصحيح (والسّيف في عنقه) أي متقلد به (وهو يقول) أي للمقبلين أو لأهل المدينة أجمعين (لن تراعوا) بضم التاء والعين أي لا تخافوا مكروها يصيبكم. (وقال) أي كما رواه أبو الشيخ في الأخلاق (عمران بن حصين) وفي نسخة صحيحة حصين الخزاعي وقد كانت الملائكة تصافحه وتسلم عليه حتى اكتوى وقيل كان يراهم (ما لقي رسول الله صلي الله تعالى عليه وسلم كتيبة) بفتح كاف وكسر فوقية أي جماعة عظيمة من الجيش (إلّا كان أوّل من يضرب) أي يقبل على ضربهم ويتوجه إلى حربهم ولا ينافي هذا ما سبق من أنه عليه الصلاة والسلام ما ضرب بيده شيئا قط لا امرأة ولا خادما ولا غيرهما لأنه ما من عام إلا وخص فالمراد به ما عدا الكفار (ولمّا رآه أبيّ بن خلف) على ما رواه ابن سعد والبيهقي وعبد الرزاق مرسلا والواقدي موصولا (يوم أحد وهو) أي أبي (يقول أين محمّد) سؤال عن مكانه. (لا نجوت إن نجا) دعاء على نفسه فأجابه الله فأهلكه ونجى حبيبه صلى الله تعالى عليه وسلم وقد ورد البلاء موكل بالمنطق (وقد كان) أي أبي (يقول للنّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي قبل ذلك (حين افتدى) أي فك نفسه بإعطائه الفدية عنها (يوم بدر) متعلق بافتدى وظرف لقوله وهو (عندي فرس) أي عظيمة اسمها العود على ما في رواية (أعلفها) بفتح همز وكسر لام أي اطعمها من العلف وأصل الفرس للأنثى
وقد يطلق على الذكر (كلّ يوم فرقا) بفتح الفاء والراء ويسكن كيلا يسع ثلاثة آصع (من ذرّة) بضم ذال معجمة وتخفيف راء نوع من الحبوب مختص بالدواب وفي النهاية لابن الأثير أن الفرق بالتحريك مكيال يسع ستة عشر رطلا وهي اثنا عشر مدا وثلاثة آصع عند أهل الحجاز وأما الفرق بالسكون فمائة وعشرون رطلا (أقتلك عليها) أي أريد أن أقتلك حال كوني عليها (فقال له النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم أنا أقتلك) أي عليها أو على غيرها (إن شاء الله) وقد نال هواه بصدق متمناه والاستثناء امتثال لقوله سبحانه وتعالى وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وهذه جمل معترضة بين لما وما دل على جوابها من إفادة صدورها في بدر قبل رؤيته له في أحد (فلمّا رآه) أي أبي بن خلف النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (يوم أحد شدّ أبيّ على فرسه) جواب لما الثانية دال على جواب الأولى كقوله تعالى فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ بعد قوله وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ الآية والمعنى هنا حمل أبي مستعليا عليها بقوة كائنة (على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فاعترضه) أي حال بين أبي وبينه صلى الله تعالى عليه وسلم (رجال من المسلمين) أي يصدونه عنه ويدفعونه منه (فقال النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي لأصحابه (هكذا) أي مشيرا إلى جانب أبي (أي خلّوا طريقه) أي أبي فإن جوابه على والمعنى تنحوا عنه ولا تحولوا بيني وبينه (وتناول الحربة) أي أخذها (من الحارث بن الصّمّة) بكسر الصاد وتشديد الميم فتاء أبو عمرو بن عتيك الخزرجي الأنصاري أبو سعد آخى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بينه وبين صهيب وكسر بالروحاء في غزوة بدر فرده عليه السلام ثم ضرب له بأجره وسهمه وثبت معه عليه الصلاة والسلام يوم أحد هذا وقال ابن الأثير في النهاية أن كعب بن مالك ناوله الحربة ولا منع من الجمع (فانتفض بها) أي حرك بالحربة (انتفاضة) أي تحريكا شديدا وهزا شديدا (تطايروا) من الطيران أي تنحوا وتبعدوا (عنه) أي تفرقوا عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أو عن أبي والمتفرقون أما المسلمون واقتصر عليه الأنطاكي وأما المشركون وهو أبلغ وأنسب بقوله (تطاير الشّعراء) بفتح المعجمة وسكون المهملة وبالمد جمعه شعر بضم فسكون أي كتطاير ذباب أحمر أو أزرق يقع على الحيوان فيؤذيه أذى شديدا وفي رواية تطاير الشعارير قال صاحب النهاية وفي الحديث تطاير الشعر بضم الشين وسكون العين وهو جمع الشعراء ويروى الشعارير وقياس واحده شعرور انتهى قال التلمساني قوله الشعر كهذا بخط القاضي في الأصل وفي تصحيح أبي العباس العرفي الشعراء (عن ظهر البعير إذا انتفض) أي تحرك البعير تحركا شديدا (ثمّ استقبله النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي توجه إلى أبي حتى وصله (فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ) بفتح فوقية وهمزة ساكنة بين دالين مهملتين ثم همزة مفتوحة قيل وأصل الهمزتين هاآن وقيل يبدلان أي تدحرج وقيل تمايل وفي أصل الدلجي تردى أي سقط (منها) أي من أجل ضربة تلك الحربة (عن فرسه مرارا) لما غشيه من مرارة الالم وحرارة الهم (وقيل بل كسر) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بقوة ضربه (ضلعا)