المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [وأما الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق] - شرح الشفا - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأوّل

- ‌[المقدمة]

- ‌ترجمة القاضي عياض

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌القسم الأول [في تعظيم العلي الأعلى جل وعلا]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ [فِيمَا جَاءَ من ذلك مجيء المدح والثناء]

- ‌الفصل الثّاني [في وصفه تعالى بالشهادة وما تعلق به من الثناء والكرامة]

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ [فيما ورد من خطابه تعالى إياه مورد الملاطفة والمبرة]

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُ [فِي قَسَمِهِ تَعَالَى بِعَظِيمِ قَدْرِهِ صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الفصل الخامس في قسمه

- ‌الْفَصْلُ السَّادِسُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى في جهته عليه الصلاة والسلام مورد الشفقة والإكرام]

- ‌الفصل السّابع [فيما أخبره الله بِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ عَظِيمِ قَدْرِهِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّامِنُ [فِي إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقَهُ بصلاته عليه وولايته له]

- ‌الْفَصْلُ التَّاسِعُ [فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْفَتْحِ مِنْ كراماته عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْعَاشِرُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كتابه العزيز من كراماته عليه ومكانته عنده]

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي تَكْمِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ المحاسن خلقا وخلقا]

- ‌فصل [قال القاضي رحمه الله تعالى إذا كانت خصال الكمال والجلال]

- ‌فصل [إن قلت أكرمك الله تعالى لا خفاء على القطع بالجملة]

- ‌فصل [وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُفُورُ عَقْلِهِ وَذَكَاءُ لُبِّهِ وَقُوَّةُ حَوَاسِّهِ وفصاحة لسانه واعتدال حركاته وحسن شمائله]

- ‌فصل [وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول]

- ‌فصل [وأما شرف نسبه وكرم بلده ومنشأه]

- ‌فصل [وأما تَدْعُو ضَرُورَةُ الْحَيَاةِ إِلَيْهِ مِمَّا فَصَّلْنَاهُ فَعَلَى ثلاثة ضروب الضرب الأول]

- ‌فصل [وأما الضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته والفخر بوفوره]

- ‌فصل [وأما الضرب الثالث فهو ما تختلف فيه الحالات]

- ‌فصل [وأما الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [وأما أَصْلُ فُرُوعِهَا وَعُنْصُرُ يَنَابِيعِهَا وَنُقْطَةُ دَائِرَتِهَا فَالْعَقْلُ]

- ‌فصل [وأما الحلم]

- ‌فصل [وأما الجود]

- ‌فصل [وأما الشجاعة والنجدة]

- ‌فصل [وأما الحياء والإغضاء]

- ‌فصل [وأما حسن عشرته وآدابه]

- ‌فصل [وأما الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق]

- ‌فصل [وأما خلقه صلى الله تعالى عليه وسلم في الوفاء]

- ‌فصل [وأما تواضعه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما عدله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته]

- ‌فصل [وأما وقاره صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما زهده صلى الله تعالى عليه وسلم في الدنيا]

- ‌فصل [وأما خوفه صلى الله تعالى عليه وسلم من ربه عز وجل]

- ‌فصل [اعلم وفقنا الله تعالى وإياك أن صفات جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قد آتيناك أكرمك الله سبحانه من ذكر الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [في تفسير غريب هذا الحديث ومشكله]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ ومشهورها بتعظيم قدره عند ربه عز وجل]

- ‌الفصل الأول [فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ مَكَانَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عز وجل]

- ‌فصل [في تفضيله صلى الله تعالى عليه وسلم بما تضمنته كَرَامَةُ الْإِسْرَاءِ]

- ‌فصل [ثم اختلف السلف والعلماء هل كان إسراء بروحه أو جسده]

- ‌فصل [إبطال حجج من قال أنها نوم]

- ‌فصل [وأما رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم لربه عز وجل]

- ‌فصل [في فوائد متفرقة]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَظَاهِرُ الآية من الدنو والقرب]

- ‌فصل [في ذكر تفضيله في القيامة بخصوص الكرامة]

- ‌فصل [في تفضيله بالمحبة والخلة]

- ‌فصل [في تفضيله بالشفاعة والمقام المحمود]

- ‌فصل [في تفضيله فِي الْجَنَّةِ بِالْوَسِيلَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ وَالْكَوْثَرِ وَالْفَضِيلَةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ إِذَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلِيلِ الْقُرْآنِ وصحيح الأثر]

- ‌فصل [في أسمائه صلى الله تعالى عليه وسلم وما تضمنته من فضيلته]

- ‌فصل [في تشريف الله تعالى له بما سماه به من أسمائه الحسنى]

- ‌فصل [قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وها أنا أذكر نكتة]

- ‌الْبَابُ الرَّابِعُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَشَرَّفَهُ بِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ والكرامات]

- ‌فصل [اعلم أن الله عز وجل قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْمَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ]

- ‌فصل [اعلم أن معنى تسميتنا ما جاءت به الأنبياء معجزة]

- ‌فصل [في إعجاز القرآن العظيم الوجه الأول]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ إِعْجَازِهِ صُورَةُ نَظْمِهِ الْعَجِيبِ والأسلوب الغريب]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْإِعْجَازِ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ من الأخبار]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الرَّابِعُ مَا أَنْبَأَ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ القرون السالفة]

- ‌فصل [هَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ إِعْجَازِهِ بَيِّنَةٌ لَا نزاع فيها ولا مرية]

- ‌فصل [ومنها الروعة]

- ‌فصل [وَمِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْدُودَةِ كَوْنُهُ آيَةً بَاقِيَةً لا تعدم ما دامت الدنيا]

- ‌فصل [وَقَدْ عَدَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمُقَلِّدِي الْأُمَّةِ في إعجازه وجوها كثيرة]

- ‌فصل [في انشقاق القمر وحبس الشمس]

- ‌فصل [في نبع الماء من بين أصابعه الشريفة وتكثيره ببركته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ تَفْجِيرُ الْمَاءِ ببركته وانبعاثه]

- ‌فصل [ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته]

- ‌فصل [في قصة حنين الجذع له صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [ومثل هذا وقع في سائر الجمادات بمسه ودعوته]

- ‌فصل [في الآيات في ضروب الحيوانات]

- ‌فصل [في إحياء الموتى وكلامهم]

- ‌فصل [في إبراء المرضى وذوي العاهات]

- ‌فصل [في إجابة دعائه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في كراماته صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْغُيُوبِ]

- ‌فصل [في عصمة الله تعالى له صلى الله تعالى عليه وسلم من الناس وكفايته من آذاه]

- ‌فصل [ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم]

- ‌فصل [ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام وكراماته وباهر آياته أنباؤه مع الملائكة]

- ‌فصل [وَمِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ وَعَلَامَاتِ رِسَالَتِهِ مَا تَرَادَفَتْ]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ عِنْدَ مولده عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى قد أتينا في هذا الباب]

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌فصل [وأما الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق]

حديثه إلى أن يتجاوز منه ويتعدى إلى ما لا يليق به وقال التلمساني أي يفرط ويكثر والأول هو الأظهر فتديره (فيقطعه) أي فحينئذ يقطع حديثه (بنهي) أي صريح له أو عام يشتمله (أو قيام) أي بتلويح والأول زجر له والثاني إعراض عنه وهو مفيد لنهيه عنه إذ لا يقر على مثله، (ويروى بانتهاء أو قيام، وروي) أي كما في الأحياء وفي نسخة وَرُوِيَ (أَنَّهُ كَانَ لَا يَجْلِسُ إِلَيْهِ أَحَدٌ وهو يصلّي) أي والحال أنه عليه الصلاة والسلام في صلاة من النوافل (إلّا خفّف صلاته) أي في إطالة صلاته (وسأله عن حاجته) أي دنيوية كانت أو أخروية (فإذا فرغ) أي عن قضاء حاجته (عاد إلى صلاته) أي المعتادة بالإطالة قال العراقي ولم أجد له أصلا، (وكان أكثر النّاس تبسّما) لكونه مظهر الجمال والبسط غالب عليه في كل حال وهذا معنى قوله (وأطيبهم نفسا) أي مستبشرا غير عبوس (ما لم ينزل عليه) بصيغة المجهول ويصح كونه للفاعل (قرآن) أي وحي متلو (أو يعظ) أي ما لم يعظ وينصح الناس ويعلمهم التأديب بالترغيب والترهيب (أو يخطب) أي في المنبر عند الجمع الأكبر فإنه حينئذ لم يكن متبسما ولا منبسطا بل كان يغلب عليه القبض لما فيه من مقال الإجلال بإظهار مظاهر ذي الجلال ففي كل مقام مقال ولكل مقال حال لأرباب الكمال (قال) أي على ما رواه أحمد والترمذي بسند حسن (عبد الله بن الحارث) وهو آخر من توفي من الصحابة بمصر والمراد به ابن جزء ابن عبد الله بن معدي كرب الزبيدي بضم الزاء وفي الصحابة من اسمه عبد الله بن الحارث أربعة عشر غيره على ما ذكره الحلبي وقال حديثه المذكور ههنا أخرجه الترمذي في المناقب من الجامع وهو في الشمائل أيضا (مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ الله صلى الله تعالى عليه وسلم وعن أنس) قال كما رواه مسلم (كان خدم المدينة) بفتحتين جمع خادم والمعنى خدام أهلها (يأتون رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا صلّى الغداة) أي صلاة الصبح (بآنيتهم) متعلق بيأتون والباء للتعدية أي يجيئون بأوانيهم (فيها الماء فما يؤتى) بصيغة المفعول من أتى يأتي أي ما يجاء (بآنية إلّا غمّس) أي أدخل (يَدَهُ فِيهَا وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْغَدَاةِ الباردة) أي وهو مع ذلك لا يمتنع مما هنالك (يريدون به) أي يغمس يده فيها (التّبرك) أي طلب البركة وحصول النعمة وزوال النقمة وكمال الرحمة هذا وفي الحديث المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من الذي يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم.

‌فصل [وأما الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق]

(وأمّا الشّفقة) أي الخوف على وجه المحبة (والرّأفة) وهي شدة الرحمة (والرّحمة) أي المرحمة العامة (لجميع الخلق) أي مؤمنهم وكافرهم وأنسهم وجنهم وقريبهم وغريبهم وفقيرهم وغنيهم حتى مماليكهم والحيوانات وسائر الموجودات وفي نسخة صحيحة بتأخير الرأفة عن الرحمة وهو الأنسب في مقام المرتبة لكن الأول أوفق بما جاء في التنزيل فهو أولى (فقد قال الله تعالى فيه) أي في حقه عليه الصلاة والسلام (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ

ص: 280

أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [التوبة: 128] ) كذا في أكثر النسخ وفي بعضها بعد قوله فيه عزيز الخ أي شديد شاق عليه عنتكم ولقاؤكم المكروه فما مصدرية وعلى متعلق بقوله عزيز ويجوز أن يكون عزيز منقطعا عما بعده والمعنى عزيز الوجود عزيز الجود بديع الجمال منيع الجلال منبع الكمال ويكون عليه ما عنتم جملة خبرها مقدم وعلى للضرر أي ويضره ولا يهون عليه تعبكم ومشقتكم حريص عليكم أي على منفعتكم دينا ودنيا بالمؤمنين منكم ومن غيركم رؤوف رحيم في الدنيا والآخرة وقدم أبلغهما رعاية للفاصلة أو للتذييل والتتميم وقدم الجار لاختصاصهم برحمته في الأولى والعقبى (وَقَالَ تَعَالَى وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: 107] ) لأنه أرسل لإسعادهم وصلاح معاشهم ومعادهم أن اتبعوه ولم يخالفوه (قال بعضهم) أي بعض العلماء وفصله عما قبله لاختلاف القائل قدما وحدوثا (من فضله صلى الله تعالى عليه وسلم أنّ الله تعالى أعطاه) أي من جملة ما فضل به على غيره ومما دل على كمال خيره أن الله تعالى أعطاه بخلقه سبحانه وتعالى فيه الرأفة والرحمة (اسمين من أسمائه) أي نعتين سماه بهما (فقال بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [التوبة: 128] ) وفي قراءة رؤوف بالقصر (وحكى نحوه) أي نقل مثل ما ذكر عن بعضهم (الإمام أبو بكر بن فورك) بضم فاء وسكون واو وفتح راء وكاف منون وقد يمنع بلغت تصانيفه في الأصلين ومعاني القرآن قريبا من مائة مصنف توفي سنة ست وأربعمائة (حَدَّثَنَا الْفَقِيهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محمّد الخشنيّ) بضم الخاء المعجمة وفتح الشين المنقوطة فنون فياء نسبة لقبيلة خشين (بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ حَدَّثَنَا إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَبُو عَلِيٍّ الطّبريّ) بفتح الطاء المهملة والموحدة هكذا هو في الأصول المعتبرة والنسخ المعتمدة وقال الحلبي كذا وفي نسخة في الأصل الذي وقفت عليه إمام الحرمين ثنا أبو علي الطبري انتهى والطبري منسوب إلى طبرستان وقيل إلى طبرية (ثنا عبد الغافر الفارسيّ) بكسر الراء وهو النيسابوري صاحب تاريخ نيسابور وكتاب مجمع الغرائب والمفهم لشرح مسلم ولد سنة إحدى وخمسين وأربعمائة سمع جده لأمه أبا القاسم القشيري وتفقه على امام الحرمين ولزمه أربع سنين حدث عنه جماعة وروى عنه ابن عساكر بالاجازة (ثنا أبو أحمد الجلوديّ) بضم الجيم واللام وقد تقدم (ثنا إبراهيم بن سفيان) سبق ذكره (ثنا مسلم بن الحجّاج) أي صاحب الصحيح (ثنا أبو الطّاهر) روى عن ابن عيينة والشافعي وخلق وعنه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة (نا) أي انبأنا وفي نسخة أنا بمعنى أخبرنا (ابن وهب) أحد الأعلام سمع مالكا وغيره أخرج له أصحاب الكتب الستة طلب للقضاء فجنن نفسه وانقطع (نا) أي أنبأنا (يونس) أي ابن زيد الأيلي بفتح همزة وسكون تحتية روى عن عكرمة والزهري وعنه ابن المبارك وغيره قال الحلبي وفي يونس ست لغات ضم النون وفتحها وكسرها مع الهمزة وعدمه (عن ابن شهاب) أي الزهري (قال غزا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم غزوة وذكر حنينا) بالتصغير أي وذكر ما يدل على أنه أراد بها حنينا وهو واد بين مكة والطائف

ص: 281

وراء عرفات على بضعة عشر ميلا من مكة وكانت غزوته في شوال سنة ثمان (قال) أي ابن شهاب (فأعطى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي في تلك الغزوة من غنائمها (صفوان بن أميّة) تصغير أمة (مائة من النّعم) بفتحتين أي الإبل والبقر والشاة وقيل الإبل والشاة وهو جمع لا واحد له من لفظه وفي رواية من الغنم (ثمّ مائة ثمّ مائة) أي ثالثة تألفا إليه وشفقة عليه وانقاذا له من النار ولمن تبعه من الكفار، (قال ابن شهاب ثنا) أي حدثنا كما في نسخة (سعيد بن المسيّب) بفتح التحتية المشددة عند العراقين وهو المشهور وبكسرها عند المدنيين وذكر أن سعيدا كان يكره الفتح وهو إمام التابعين وسيدهم جمع بين الفقه والحديث والعبادة والورع روي عنه أنه صلى الصبح بوضوء العشاء خمسين سنة وعنه أنه قال ما نظرت إلى قفاء رجل في الصلاة مذ خمسين سنة لمحافظته على الصف الأول وقال أيضا ما فاتتني التكبيرة الأولى مذ خمسين وكان يسمى حمامة المسجد وكان يتجر في الزيت (أنّ صفوان قال والله لقد أعطاني) أي رسول الله (ما أعطاني) أي الذي أعطانيه من المئين (وإنّه لأبغض الخلق إليّ) الجملة الحالية (فما زال يعطيني) أي بعد ذلك (حتّى أنّه) أي أنه عليه الصلاة والسلام صار الآن (لأحبّ الخلق إليّ) وذلك لعلمه عليه الصلاة والسلام أن دواءه من داء الكفر ذلك المبتج إسلامه إذ الطبيب الماهر يعالج بما يناسب الداء وقد رأى أن داء المؤلفة حب المال والأنعام فدواهم بأكرم الانعام حتى عرفوا من نقمة الكفر بنعمة الإسلام ثم اعلم أن الراوي إذا قدم الحديث على السند كَانَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم كذا وكذا أخبرني به فلان ويذكر سنده أو قدم بعض الإسناد مع المتن كهذا الحديث الذي نحن فيه فهو إسناد متصل لا يمنع ذلك الحكم باتصاله ولا يمنع ذلك من روى ذلك أي تحمله من شيخه كذلك بأن يبتدئ بالإسناد جميعه أولا ثم يذكر المتن كما جوزه بعض المتقدمين من أهل الحديث قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح وينبغي أن يكون فيه خلاف نحو الخلاف في تقديم بعض المتن على بعض فقد حكى الخطيب المنع من ذلك على القول بأن الرواية على المعنى لا تجوز والجواز على القول بأن الرواية على المعنى تجوز ولا فرق بينهما في ذلك كذا ذكره الحلبي، (وروي) بصيغة المجهول وقد روى أبو الشيخ والبزار (أنّ أعرابيّا) وهو غير معروف (جاءه) أي أتى النبي عليه الصلاة والسلام (يطلب منه شيئا) أي من مطالب الدنيا (فأعطاه ثمّ قال) أي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (أحسنت إليك) بهمزة ممدودة وسكون هاء لاجتماع همزة الاستفهام وهمزة الأفعال للتقرير وهو حمل المخاطب على الإقرار بأنه أحسن إليه وأنعم عليه، (قال الأعرابي لا) أي لا أعطيتني كثيرا ولا قليلا (ولا أجملت) أي ولا أتيت يا جميل أو ولا أوصلتني جميلا حيث لا أحسنت جزيلا وقيل معناهما واحد كرر للتأكيد وقيل ما أجملت ما أكثرت وهو أولى كما لا يخفى ولا يبعد من غلظته وجلفته لديه إن أراد بقوله ولا أجملت دعاء عليه ويؤيده قوله، (فغضب المسلمون وقاموا إليه) ليوافوه بما استحقه زجرا عليه

ص: 282

(فأشار) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (إليهم أن كفّوا) أي كفوا أو بأن كفوا بضم فتشديد أي امتنعوا عنه وكفوا أنفسكم منه شفقة عليه وإحسانا إليه (ثمّ قام) أي النبي عليه الصلاة والسلام (ودخل منزله) أي للاهتمام (وأرسل) وفي نسخة فأرسل (إليه وزاده شيئا) أي على ما قدمه عليه (ثمّ قال أحسنت إليك) كما سبق (قال نعم فجزاك الله به) أي بسبب ما أحسنت به إلى (من أهل وعشيرة خيرا) بالنصب على أنه مفعول ثان لجزى ومن تبعيضية والجملة اعتراض بين الفعل ومفعوله نصب على الاختصاص أو على الحال أي اخصك من بينهما أو حال كونك منهما، (فقال له النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم إنّك قلت ما قلت) أي شيئا عظيما مستهجنا قبيحا (وفي نفس أصحابي) أي وفي نفوسهم وفي أصل التلمساني وفي نفس أصحابي بصيغة المفرد (من ذلك) أي قولك (شيء) أي أمر عظيم وخطب جسيم (فإن أحببت) أي أردت إزالة ذلك (فقل بين أيديهم) أي عندهم (ما) وفي نسخة مثل ما (قلت بين يديّ) أي من المديح ليكون كفارة لذلك القبيح (حتّى يذهب) أي بقولك لهم ذلك (ما في صدورهم عليك) أي من الغضب لما صدر عنك فإن المعالجة بالاضداد، (قال نعم) أي أقول لهم ذلك. (فلمّا كان الغد) أصله غدو فحذفوا الواو بلا عوض (أو العشيّ) بفتح فكسر فتشديد وأو لشك الراوي (جاء) أي الأعرابي (فقال صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ قَالَ مَا قال) أي ما سمعتموه في أول الحال (فزدناه) أي بعض المال (فزعم أنّه رضي) أي به عنا (أكذلك) استفهام تقرير أي أحق ما نقلته عنك (قَالَ نَعَمْ فَجَزَاكَ اللَّهُ مِنْ أَهْلٍ وَعَشِيرَةٍ خيرا) فكان المراد بالأهل هو الأخص أو الأعم والله أعلم. (فقال) أي النبي كما في نسخة صحيحة (صلى الله تعالى عليه وسلم: مثلي ومثل هذا) المثل بفتحتين في الأصل هو النظير ثم استعمل في القول السائر الممثل مضربه بمورده أي موضع ضربه بموضع وروده فالمورد هو الحالة الأصلية التي ورد فيها كحالة المنافقين والمضرب هو الحالة المشبهة كحالة المستوقد نارا ولا يضرب إلا بما فيه غرابة زيادة في التوضيح والتقرير فإنه أوقع للنفس وأقمع للخصم ويريك المخيل محققا والمعقول محسوسا ثم استعير لما له شأن عجيب وفيه أمر غريب من صفة أو حال أو قصة نحو مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ولله المثل الأعلى ومثل الجنة التي وعد المتقون وأمثالها والمعنى هنا شبهي وشبه العجيب الشأن والغريب البيان (مثل رجل له ناقة شردت عليه) أي نفرت وذهبت في الأرض عنه أو غلبت عليه (فأتبعها النّاس) من الاتباع أو الاتباع أي فتبعوها ليلحقوها (فلم يريدوها إلّا نفورا) أي تنفرا منهم وتبعدا عنهم (فناداهم صاحبها خلّوا بيني وبين ناقتي) أي اتركوني معها (فإنّي أرفق بها) أي أشفق عليها (منكم وأعلم) أي بحالها وطبعها وطريق أخذها (فَتَوَجَّهَ لَهَا بَيْنَ يَدَيْهَا فَأَخَذَ لَهَا مَنْ قمام الأرض) بضم القاف وتخفيف الميم جمع قمامة وهي في الأصل الكناسة أريد بها ههنا ما تلقمه من الأرض فتأكله شبه بالكناسة لخسته فاستعير له اسمها لمشاركة صفته (فردّها) أي طمعها إليه (حتّى جاءت واستناخت) أي طلبت البروك

ص: 283

وهو بنون قبل الألف وخاء معجمة بعدها يقال أناخ الجمل فاستناخ أي بركه فبرك (وشدّ عليها رحلها) أي ربط عليها قتبها (واستوى عليها) أي استقر عليها جالسا (وإنّي لو تركتكم حيث قال الرّجل) أي حين قوله (ما قال) أي شيئا قاله أو لا (فقتلتموه دخل النّار) أي عقوبة له بما ظهر من الكفر في اساءة أدبه معه صلى الله تعالى عليه وسلم فكان حسن ملاطفته وزيادة عطيته سببا لإرضائه وباعثا لتوبته فهو أرفق بأمته وأعلم بحالهم منهم فإنه بهم رحيم وبدوائهم حكيم ومما يناسب المقام ويلائم المرام ما روي عن خوات بن جبير من الصحابة الكرام أنه قال نزلت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بمر الظهران فإذا نسوة يتحدثن فأعجبتني فأخرجت حلة من عيبتي فلبستها وجلست إليهن فمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فهبته فقلت يا رسول الله جمل لي شرود وأنا ابتغي له قيد والله فمضى وتبعته فألقى على ردائه ودخل الاراك فقضى حاجته وتوضأ ثم جاء فقال يا أبا عبد الله ما فعل شراد جملك ثم ارتحلنا فجعل كلما لحقني قال السلام عليك يا أبا عبد الله ما فعل شراد جملك فتعجلت المدينة وتركت مجالسته والمسجد فطال ذلك علي فتحينت خلو المسجد ثم دخلت فطفقت أصلي فخرج من بعض حجره فصلى ركعتين خففهما وطولت رجاء أن يذهب عني فقال طول أبا عبد الله ما شئت فلست ببارح حتى تنصرف فقلت والله لأعتذرن إليه فانصرفت فقال السلام عليك يا أبا عبد الله ما فعل شراد الجمل فقلت والذي بعثك بالحق ما شرد ذلك الجمل منذ اسلمت فقال رحمك الله مرتين أو ثلاثا ثم لم يعد.

(وروي عنه) بصيغة المجهول وهو مروي من طريق أبي داود عنه (أنّه صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ) من التبليغ أو الإبلاغ كما قرئ بهما في السبعة قوله تعالى أُبَلِّغُكُمْ وهو يحتمل النهي والنفي وهو بمعنى النهي كما هو أبلغ أي لا يوصلني أحد منكم بأن ينقل (عن أحد من أصحابي شيئا) أي مما ينكر فعله من أيهم كان من أي وقت كان وهذه النكرات وردت في حيز نفي متوشحة بنهي فعمت جميع الأصحاب والأوقات والأشياء مكروهة أو حراما بشهادة المقام إذ لا يتعلق نهى بماح ومأذون فيه (فإنّي أحبّ أن أخرج) أي من الدنيا (إليكم وأنا سليم الصّدر) جملة حالية وفيه إيماء إلى قوله تعالى إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ أي سالم من الغش والحقد للخلق ومن الغفلة عن ذكر الحق.

(ومن شفقته على أمّته عليه الصلاة والسلام تخفيفه) أي عنهم أعباء التكاليف (وتسهيله عليهم) أي وتهوينه بما يقوي قلوبهم عليه من الترغيب والترهيب. (وكراهته) أي لهم (أشياء مخافة أن تفرض) أي تلك الأشياء (عليهم) ومخافة منصوب على العلة للأفعال الثلاثة وفي نسخة بدلها خوف أن تفرض عليهم وهذا حكم إجمالي أو رد لكل ما يناسبه جمعا وتقسيما (كقوله) على ما رواه الشيخان (لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مع كلّ وضوء) أي أمر وجوب فيؤخذ استحبابه في كل حال ولو كان للصائم بعد الزوال فإن لولا لامتناع الشيء لوجود غيره والمعنى امتنع الأمر بالفريضة لوقوع المشقة. (وخبر صلاة

ص: 284

اللّيل) بالجر وهو الصحيح وفي نسخة بالرفع على أنه مبتدأ خبره يأتي ولعله أراد به ما رواه الشيخان في قيام الليل من خبر خذوا من العمل ما تطيقون إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يريد يستغفر الله فيسب نفسه وما روياه في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص حيث قال وأما أنا فأرقد وأقوم وأصلي ومنعه عن قيام الليل كله وقد روي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم خرج ليلة في شهر رمضان فصلى بالقوم عشرين ركعة واجتمع الناس في الليلة الثانية فخرج وصلى بهم فلما كانت الليلة الثالثة كثر الناس فلم يخرج وقال عرفت اجتماعكم لكن خشيت أن نفرض عليكم (ونهيهم) بالوجهين أي ونهيه إياهم (عن الوصال) كما روياه وهو أن لا يفطر أياما متوالية؛ (وكراهته) أي لأجلهم (دخول الكعبة) أي دخوله فيها على ما رواه أبو داود وصححه الترمذي (لئلّا تتعنّت أمّته) من الاتعاب وهو الإيقاع في التعب والمشقة وفي نسخة لئلا تتعب أمته بفتح التاء والعين ورفع أمته وفي نسخة صحيحة لئلا يعنت من أعنت غيره إذا أوقعه في العنت وهو المشقة وفي نسخة بتشديد النون المكسورة؛ (ورغبته لربّه) أي دعاؤه إياه على طريقة الميل والرغبة (أن يجعل سبّه) أي شتمه عليه الصلاة والسلام (ولعنه لهم) أي بأن دعا عليهم بالطرد والبعدان صدر شيء منهم لبعضهم أو لكلهم (رحمة بهم؛ وأنّه) ضبط بالكسر والفتح وهو الأظهر أي ومن شفقته عليهم كما وراه الشيخان أنه (كان يسمع بكاء الصّبيّ) أي الصغير والبكاء يمد ويقصر (فيتجوز) أي فيقتصر ويخفف ويتعجل (في صلاته) أي المعقودة للجماعة رحمة لهم وحذرا من ذهاب خشوع من صلى معه من والديه. (ومن شفقته صلى الله تعالى عليه وسلم أن دعا ربّه) أي سأله (وعاهده) أي وأخذ عهده سبحانه وتعالى فيما بينه وبينه (فقال أيّما رجل) وكذا حكم المرأة تبعا (سببته أو لعنته) ليس أو للشك بل للتنويع (فاجعل ذلك له زكاة) أي نماء وبركة يتبارك بها (ورحمة) أي ترحما بها (وصلاة) أي ثناء أو بعادة وقال الدلجي عطف تفسير إذ هي منه تعالى رحمة وقال الأنطاكي عطف الصلاة على الرحمة وإن كانت في معناها لتغاير اللفظ ولا يخفى أن ما اخترناه هو السديد لأن التأسيس أولى من التأكيد (وطهورا) يتطهر به وجعله الدلجي أيضا من باب التأكيد حيث فسر الزكاة بالطهارة خلافا لما قدمناه (وقربة) أي وسيلة (تقرّبه بها إليك يوم القيامة) قال الدلجي إنما أعاده لما فيه من الزيادة أقول وكان الأولى للمصنف أن يجمعهما من غير فصل بينهما واعلم أن أول الحديث اللهم إن محمدا بَشَرٌ يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ وَإِنِّي قَدِ اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه فأيما رجل سببته أو لعنته الحديث قيل وإنما يكون دعاؤه عليهم رحمة وزكاة ونحو ذلك إذا لم يكن اهلا للدعاء عليه والسب واللعن بأن كان مسلما كما جاء في الحديث كذلك في بعض الروايات فأيما رجل من المسلمين سببته الحديث وإلا فقد دعا صلى الله تعالى عليه وسلم على الكفار والمنافقين ولم يكن ذلك رحمة بلا شبهة فإن قيل كيف يدعو صلى الله تعالى عليه وسلم على من ليس

ص: 285

بأهل للدعاء عليه أو سبه أو لعنه فالجواب أن المراد ليس بأهل لذلك عند الله تعالى وفي باطن الأمر ولكنه في الظاهر مستوجب له فيظهر له صلى الله تعالى عليه وسلم استحقاقه لذلك بأمارة شرعية وهو مأمور بحكم الظواهر والله يتولى السرائر (ولمّا كذّبه قومه) أي ومما يدل على كمال شفقته على أمته حديث الشيخين أنه لما كذبه قريش من كفار مكة (أتاه جبريل عليه السلام أي تسلية لحاله وتسكينا لتألمه (فقال له إنّ الله قد سمع قول قومك لك) أي لأجلك (وما ردّوا عليك) أي من تكذيب وغيره في حقك وقيل المعنى وما أجابوك وذلك لأنه سبحانه وتعالى لا يعزب عن علمه مسموع إلا أن سمعه صفة تتعلق بالمسموعات من غير جارحة على هيئة الموجودات فإنه سبحانه وتعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فنزه سبحانه وتعالى أولا عن التشبيه والتمثيل ثم أثبت ردا على أهل التعطيل (وقد أمر ملك الجبال) أي أذنه بالانقياد لك (لتأمره) أي لأجل أن تأمره (بما شئت فيهم) أي فيطيعك في حقهم (فناداه ملك الجبال) أي فحضره الملك وناداه باسمه أو بوصف من أوصافه (وسلّم عليه) الواو لمطلق الجمع لمناسبة تقديم السلام على النداء والكلام (وقال مرني بما شئت) أي في قومك وحذف مفعوله للتعميم ثم خصص بقوله (إن شئت أن أطبق) بضم الهمزة وكسر الموحدة أي أوقع وأرمي (عليهم الأخشبين) أي فعلت وفي أصل الدلجي أطبقت وهو الأوفق لكنه مخالف للأصول المصرحة والنسخ المصححة والمراد بالأخشبين وهو بالخاء والشين المعجمتين فموحدة تثنية الأخشب وهو الجبل الخشن وأنشد أبو عبيدة:

كان فوق منكبيه أخشبا

جبلان مطبقان بمكة

قيل هما أبو قبيس وقعيقعان أو الجبل الأحمر الذي أشرف على قعيقعان وعن ابن وهب هما جبلان تحت عقبة مني فوق المسجد (قال) وفي أصل الدلجي فقال (النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم بل أرجو) أي لا أريد استئصالهم بل أتوقع (أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ الله وحده) أي منفردا (ولا يشرك به شيئا) أي شيئا من الإشراك لا جليا ولا خفيا والجملة الثانية كالمؤكدة لما قبلها ويمكن اعتبار مغايرتها لها وما ذاك إلا لكونه رحمة للعالمين وقد أمضى الله سبحانه وتعالى رجاءه فكأنه صلى الله تعالى عليه وسلم دعا لهم بالخير ولو بواسطة تحمل الضير. (وروى ابن المنكدر) تقدمت منقبته وأنه تابعي جليل فالحديث مرسل إلا أنه ليس مما يقال بالرأي فيكون له حكم الموصول كما قالوا في موقوف الصحابي بهذا المعنى إنه يكون في حكم المرفوع لا سيما ويعضده الحديث السابق المروي في الصحيحين والحاصل أنه روي (أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام قَالَ: لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ السَّمَاءَ والأرض والجبال أن تطيعك) أي بإطاعتك فمرها بما شئت فقال (أؤخّر عن أمّتي) أي العذاب الذي استحقوه بكفرهم (لعلّ الله أن يتوب عليهم) أي على

ص: 286