الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
درعا من حديد فقال صلى الله تعالى عليه وسلم لو باهلوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي نارا ولاستأصل الله نجران حتى الطير على الشجر (ومثله) أي ومثل فمن حاجك فيه (قَوْلُهُ: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا [البقرة: 23] ) والأظهر أن المثل هنا بمعنى النظير فإن المحاجة من القضايا الخاصة وهذه الآية من الأمور العامة (إِلَى قَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة: 24] فأخبرهم) أي الكفار وغيرهم (أنّهم) أي احدا منهم (لا يفعلون) أي المعارضة في الأزمنة المستقبلة (كما كان) أي كما تحقق عدم فعلهم في الأيام الماضية (وهذه الآية أدخل) أي من جهة المعجزة (في باب الإخبار عن الغيب) أي من حيث إنه سبحانه وتعالى نفى عنهم صدور ما طلب منهم تحديا في المستقبل أبدا (ولكن فيها) أي هذه الآية (من التّعجيز) أي لقريش وأمثالهم (ما في التي قبلها) أي من التعجيز لنصارى نجران بخصوصهم إذ كل منهما طلب منه الإسلام فأبوا وادعوا أنهم على الحق وكذبوا النبي المطلق فطولبوا بمصداقه فعجزوا.
فصل [ومنها الروعة]
(ومنها الرّوعة) بفتح الراء أي الخشية (الَّتِي تَلْحَقُ قُلُوبَ سَامِعِيهِ وَأَسْمَاعَهُمْ عِنْدَ سَمَاعِهِ) أي سماعهم له على لسان تاليه (والهيبة) أي العظمة (التي تعتريهم) أي تصيبهم وتحصل لهم (عند تلاوته لقوّة حاله) أي حالته في تمام حلاوته وفي نسخة لقوة جلالته (وإنافة خطره) بفتحتين أي رفعة قدره وعظمة أمره (وهي) أي روعته أو تلاوته (على المكذّبين به أعظم) أي أصعب منها على المصدقين به (حتّى كانوا) أي المكذبون (يستثقلون سماعه ويزيدهم نفورا) أي هربا من استماعه (كما قال الله تعالى) أي فيما أخبر عنهم وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (ويودّون انقطاعه) أي تلاوته (لكراهتهم له) أي كما قال الله تعالى وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (ولهذا) أي ولما ذكر من ودادهم انقطاعه وكراهتهم تلاوته واستماعه (قال عليه الصلاة والسلام أي كما رواه الديلمي وغيره عن الحكم بن عمير مرفوعا (إنّ القرآن) وفي نسخة صحيحة أن هذا القرآن (صعب) أي شديد (مستصعب) بكسر العين وتفتح وهو تأكيد (على من كرهه) وفي أصل الدلجي يكرهه (وهو) أي القرآن (الحكم) بفتحتين أي الحاكم بين الحق والباطل والفاصل بين البر والفاجر المبين لكل نفس جزاء ما عملت من خير أو شر المميز بين السعيد والشقي بالثواب والعقاب، (وأمّا المؤمن) أي به كما في نسخة (فلا تزال روعته به) أي روعة القرآن بالمؤمن (وهيبته إيّاه مع تلاوته توليه) بضم التاء وسكون الواو أي تعطيه (انجذابا) وفي نسخة انجباذا أي اقبالا عليه (وتكسبه هشاشة) بفتح الهاء أي ارتياحا واستبشارا وفرحا وخفة (لميل قلبه إليه وتصديقه به) أي بما لديه (قال الله تَعَالَى:
تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) أي ترتعد وتنقبض مما فيه من الوعيد بالعقوبة (ثُمَ
تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [الزُّمَرِ: 23] ) أي تسكن وتطمئن إلى ما فيه من ذكر الوعد بالرحمة والمغفرة (وقال) أي الله سبحانه وتعالى (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ [الْحَشْرِ: 21] الآية) أي لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ أي متشققا ومتقطعا من هيبته (ويدلّ على أنّ هذا) أي ما يغشي قلوب سامعيه وأسماعهم عند تلاوة تاليه (شيء خصّ) أي القرآن (به) أي دون سائر كتب الله تعالى وصحفه (أنّه) بدل من هذا أو تقديره وهو أنه (يعتري) أي يصيب (مَنْ لَا يَفْهَمُ مَعَانِيهِ وَلَا يَعْلَمُ تَفَاسِيرَهُ) أي المتعلقة بجمل مبانيه كما هو مشاهد في كثير من العوام أنه يحصل لهم هذا المقام من وصول المرام بل وقد يحصل لمن لم يكن مؤمنا به (كما روي عن نصرانيّ أنّه مرّ بقارىء) أي بمن يتلو القرآن (فوقف يبكي فقيل له لم) أو مم (بكيت) وفي نسخة مم تبكي (فقال للشّجى) بفتح معجمة فسكون جيم وفي بعض النسخ بفتحتين مقصورا وهو الظاهر أي للحزن الذي أصابه من استماعه فرق فلبه وخشع بدنه أو للطرب الذي حصل له من أثر كلام الرب (والنّظم) أي لما جمع بين المعاني الدقيقة البيان وبين الفصاحة والبلاغة في ميدان التبيان (وَهَذِهِ الرَّوْعَةُ قَدِ اعْتَرَتْ جَمَاعَةً قَبْلَ الْإِسْلَامِ وبعده) أي في قليل من الأيام (فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْلَمَ لَهَا لِأَوَّلِ وَهْلَةٍ وَآمَنَ به ومنهم من كفر) أي استمر على كفره أو كفر حينئذ ثم رجع بعده إلى ربه ولعله تعالى اشار إلى هذا المعنى في قوله أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ أي اشتدت أو اسودت، (فحكي في الصّحيح) بل روي في الصحيحين (عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله تعالى عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطّور) أي بسورة الطور (فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الْآيَةَ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) أي من غير موجد ومحدث وخالق فلا يعبدونه (أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) أي أنفسهم (إلى قوله: الْمُصَيْطِرُونَ [الطور: 35- 37] ) يعني قوله تعالى أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ
في قولهم هو الله إذا سئلوا من خلق السموات والأرض إذ لو أيقنوا في خالقيته لما أعرضوا عن عبوديته قضاء لحق ربوبيته أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أي حتى يعطوا النبوة من شاؤوا أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ أي الغالبون على الاشياء يدبرونها كيف أرادوا وأم في المواضع الثلاثة منقطعة بمعنى بل والهمزة لإنكار القضية (كاد قلبي أن يطير) أي فزعا بما اعتراه من الروعة والهيبة أو فرحا لما حصل له من شرح الصدر وسعة القلب في معرفة الرب ويؤيده قوله (للإسلام: وفي رواية أخرى) أي عنه (وذلك أوّل ما وقر الإيمان) أي تمكن وتثبت واستقر (قلبي) وفي نسخة الإسلام بدل الإيمان. (وعن عتبة) بضم فسكون (ابن ربيعة) أي ابن عبد شمس بن عبد مناف قتل كافرا بالله في بدر والحديث رواه البغوي في تفسيره (أنّه كلّم النّبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ خِلَافِ قومه) أي مما لم يوافق اعتقاداتهم الباطلة وضلالاتهم العاطلة (فتلا عليهم حم كِتابٌ فُصِّلَتْ إلى قوله أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ [فصلت: 13] ) أي قوم هود
وصالح (فأمسك عتبة بيده على فيه) أي فم النبي عليه الصلاة والسلام كما في نسخة (وناشده الرّحم) أي أقسم وسأله بالقرابة التي بينهم (أن يكفّ) أي يمسك عن تلاوته ويقف في قراءته (وفي رواية) لابن إسحاق في سيرته عن محمد بن كعب القرظي (فجعل النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم يقرأ وعتبة مصغ) أي مستمع إليه (ملق بيديه) وفي نسخة يديه أي مرسل لهما (خلف ظهره معتمد عليهما) أي مستندا إليهما (حتّى انتهى) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (إلى السّجدة) أي آيتها ونهايتها (فسجد النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي ومن معه لله سبحانه وتعالى (وقام عتبة لا يدري بم يراجعه) أي يحاوره ويرادده (وَرَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى قَوْمِهِ حتّى أتوه) أي جاؤوا إليه وعاتبوا عليه بما جرى لديه (فاعتذر لهم) أي عن انقطاعه عنهم وعدم خروجه إليهم (وقال والله لقد كلّمني) أي محمد عليه الصلاة والسلام (بِكَلَامٍ وَاللَّهِ مَا سَمِعَتْ أُذُنَايَ بِمِثْلِهِ قَطُّ) أي لجزالة مبانيه وفخامة معانيه (فما دريت) أي ما علمت (ما أقول له) أي شيئا مما يناقضه وينافيه، (وقد حكي عن غير واحد) أي عن كثيرين (ممّا رام معارضته) أي قصد مناقضته (أنّه اعترته روعة وهيبة) أي اصابته فزعة وخشية (كفّ) أي منع نفسه وامتنع (بها) أي بتلك الروعة المقرونة بالهيبة (عن ذلك) أي عما قصده من محاولة المجادلة (فحكي أنّ ابن المقفّع) بضم الميم وفتح القاف وتشديد الفاء المفتوحة أو المكسورة فعين مهملة (طلب ذلك ورامه) أي قصده (وشرع فيه) أي فيما بدا له على ظن أن كلامه يفيد مرامه من المعارضة لما في القرآن من فنون البلاغة وفنون الفصاحة التي صار بها معجزة (فمرّ بصبيّ يقرأ وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ [هود: 44] الآية فرجع) أي قبل أن يسمع بقية الآية (فمحا) أي مسح وغسل (ما عمل) أي على منوال القرآن ظنا منه أن مهملاته تصلح كونها معارضا في مقام مناقضاته ومرام مجادلاته (وَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّ هَذَا لَا يُعَارَضُ وَمَا هو من كلام البشر) أي حتى يناقض (وكان) أي ابن المقفع (من أفصح أهل وقته) أي في دقة فهمه وحدة فطنته (وكان) أي ابن المقفع (من أفصح أهل وقته) أي في دقة فهمه وحدة فطنته (وكان يحيى بن حكم) بفتح الحاء المهملة والكاف وفي المشتبه للذهبي ابن حكيم زيادة ياء (الغزال) بتشديد الزاء وذكره الذهبي في قسم المخفف من المشتبه واختاره الشمني (بليغ الأندلس) بفتح الهمزة والدال وقيل بضمهما إقليم بالمغرب وضم اللام متفق عليه (في زمنه فحكي) بصيغة المجهول (أنّه رام) أي أراد (شيئا من هذا) أي الذي ذكر من المعارضة (فَنَظَرَ فِي سُورَةِ الْإِخْلَاصِ لِيَحْذُوَ عَلَى مِثَالِهَا) أي ليأتي على أسلوبها (وينسج) بكسر السين وضمها (بزعمه) بضم الزاء وفتحها أي وينظم الكلام ويسرد المرام بمقتضى ظنه وبموجب وهمه (على منوالها قال) أي يحيى المذكور (فاعترتني منه خشية ورقّة) أي أصابتني هيبة ولينة (حملتني على التّوبة) أي عن تلك الإرادة هي أقبح المعصية (والإبانة) أي وعلى الرجوع إلى الله تعالى والإقبال عليه في طلب العفو والمغفرة.