الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترتيب مقامه وتحصيل مرامه (والتئام سرده) أي وتناسب ما قبله لما بعده (وتناصف وجوهه) أي توافق ضروبه وتعانق فنونه كأن كلا منها أنصف الآخر في أخذ حظه من قولهم تناصفوا إذا انصف بعضهم بعضا من نفسه (كقصّة يوسف على طولها) أي المشتملة على دررها وغررها من بيان أبوابها وفصولها (ثمّ إذا تردّدت) أي تكررت (قصصه) بكسر القاف جمع قصة بخلاف فتحها فإنه مصدر قص كما يستفاد من قوله تعالى نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ وليس كما يتوهم جمع بأنه جمع (اختلفت العبارات) أي إيجازا وإطنابا وتفننا في بيانها غيبة وخطابا (عنها) أي عن تلك القصة (على كثرة تردّدها) أي مع كثرة تردادها وتكرارها (حتّى تكاد كلّ واحدة) أي من القصص (تنسّي) بضم التاء وكسر السين مخففا أو مثقلا أي تذهب على خاطر المستمع المصغي المتأمل (في البيان) أي في مراتب بيانه ومناقب شأنه من القصص (صاحبتها) أي نظيرتها (وتناصف) بضم التاء وكسر الصاد أي وتحاكي (في الحسن) أي في حسن مطالعتها حال مقابلتها مرآة (وجه مقابلتها) بكسر الباء (ولا نفور للنّفوس من ترديدها) أي ولا تنفر للنفوس النفيسة من سمع تكريرها وتعداد تقريرها (ولا معاداة) أي من أحد (لمعادها) بضم الميم أي لمكررها والضمير للقصص على منوال ما قبلها ووقع في أصل الدلجي لمعاده بإفراد الضمير المذكر فقال أي القرآن والحاصل أنه كما قال الشاطبي:
وخير جليس لا يمل حديثه
…
وترداده يزداد فيه تجملا
وكما قال غيره:
أعد ذكر نعمان لنا إن ذكره
…
هو المسك ما كررته يتضوع
ولكن هذا بالنسبة إلى صاحب قلب سليم لا إلى من له طبع سقيم.
فصل [الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ إِعْجَازِهِ صُورَةُ نَظْمِهِ الْعَجِيبِ والأسلوب الغريب]
(الوجه الثّاني من إعجازه) أي من وجوه ضبط أنواع إعجاز القرآن (صورة نظمه العجيب) لما فيه من بدائع التركيب وروائع الترتيب، (والأسلوب) بضم الهمزة واللام الفن (الغريب) وكان المناسب أن يقول وأسلوبه الغريب (المخالف) أي بغرابته مع نهاية فصاحته وغاية بلاغته (لأساليب كلام العرب) أي لما أودع فيه من دقائق البيان وحقائق العرفان وحسن العبارة ولطف الإشارة وسلاسة التركيب وسلاسة الترتيب (ومناهج نظمها) أي طريق مبانيها الواضح البين عند أهلها (ونثرها) أي خطبا ورسائل وغيرها (الذي جاء عليه) أي نزل على وفقه القرآن إيماء بأن ما عجزوا عنه إنما هو كلام منظوم من عين ما ينظم كلامهم منه ليعلموا أنه ليس من كلام النبي الكريم بل هو منزل عليه من عند الله العظيم (ووقفت مقاطع آية) أي أواخر وقوف فواصلها من التام والكافي والحسن وباختلاف محالها وزيد في أصل الدلجي هنا لفظ عليه فقال أي على الأسلوب الغريب الذي قصرت عن وصف كنه إعجازه العبارة إذ
الإعجاز كالملاحة يدرك ولا يوصف بالإشارة (وَانْتَهَتْ فَوَاصِلُ كَلِمَاتِهِ إِلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ قَبْلَهُ) أي من الكتب المتقدمة (ولا بعده) أي ولا يتصور أن يوجد بعده (نظير له) أي شبيهه ومثله في حسن المباني وروانق المعاني (ولا استطاع أحد مماثلة شيء منه) أي لجزالة فصاحته وفخامة بلاغته (بل حارث فيه عقولهم) أي تحيرت (وتدلّهت) بالدال المهملة وفي نسخة تولهت بالواو أي أندهشت (دونه) أي عنده (أحلامهم) أي فهومهم في تصوره وتدبره (ولم يهتدوا إلى مثله) أي إلى إتيان شبهه (فِي جِنْسِ كَلَامِهِمْ مِنْ نَثْرٍ أَوْ نَظْمٍ أو سجع) أي في أحدها (أو رجز) بفتح الراء والجيم وفي آخره زاء وهو من بحور الشعر وأنواعه وقيل لا يسمى شعرا ولذا عطف عليه بقوله (أو شعر) وعلى الأول يكون تعميما بعد تخصيص وضبط في بعض النسخ بفتح الزاء وسكون الجيم في آخره راء والظاهر أنه تصحيف لعدم المناسبة بين السابقة واللاحقة (ولمّا سمع كلامه صلى الله تعالى عليه وسلم الوليد بن المغيرة) وهو والد خالد رضي الله تعالى عنه لكن هلك على دينه لقلة يقينه (وقرأ عليه القرآن رقّ) بتشديد القاف أي تأثر بسماعه لما القي عليه (فجاءه أبو جهل) وهو ابن أخيه (منكرا عليه) أي رقته لديه (قال) وفي نسخة فقال أي الوليد (والله ما منكم أحد أعلم بالأشعار) أي بأنواع الشعر (مِنِّي وَاللَّهِ مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُ شَيْئًا من هذا) أي من جنس الشعر (وفي خبره الآخر) أي عن الوليد كما رواه البيهقي عن ابن عباس (حين جمع قريشا عند حضور الموسم) أي قرب ورود أهله وهو بفتح ميم وكسر سين قال اليمني موسم الحاج مجمعهم سمي بذلك لأنه معلم يجتمع إليه وهو يصلح أن يكون اسما للزمان والمكان انتهى والظاهر الأول فتأمل (وقال) وفي نسخة فقال (إنّ وفود العرب) جمع وفد وهو القوم يجتمعون ويردون البلدة والقرية لمآرب تحوجهم إلى النقلة (ترد) أي يجيئون إليكم وينزلون عليكم (فأجمعوا فيه رأيا) بفتح الهمزة وكسر الميم من أجمع الأمر وأزمعه إذا نواه وعزم عليه أي اجتمعوا بالعزم على رأي فيه صلى الله تعالى عليه وسلم ومنه قوله تعالى فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ وقرأ أبو عمرو بهمزة الوصل وفتح الميم ووجهه ظاهر ولا يبعد أن يضبط هنا كذلك أيضا أي أجمعوا رأيا فيه لا يوجد ما ينافيه كما أشار إليه بقوله (لا يكذّب بعضكم بعضا) وهو بتشديد الذال وتخفف كما قرئ بهما في قوله تعالى فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ والمعنى لا ينسب بعضكم بعضا إلى الكذب (قالوا) وفي نسخة فقالوا (نقول كاهن) وهو من يزعم أنه يخبر عن الكائنات في الأزمنة الآتية ويدعي معرفة أسرار المغيبات الماضية وكان في العرب كهنة كشق وسطيح وهما اللذان أخبرا بمبعث النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فمنهم من زعم أن له رئيا من الجن يلقى إليه أخبارا يسترقها من السماء ويلقطها مما يراه في أطراف الأرض ومنهم من زعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب من كلام من يسأله أو فعله أو حاله ويخصونه باسم العراف كمن يزعم معرفة المسروق ومكان الضال وحلوان الكاهن والعراف حرام (قال) أي الوليد (والله ما هو بكاهن) إذ لم يعهد منه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه سلك طريقهم في تزوير أقاويل باطلة روجها بسجع في كلمات
متقابلة إذ كانوا يروجون أخبارهم المزورة وأقوالهم المصورة بأسجاع مزخرفة تروق السامعين يستميلون بها قلوبهم وأوهامهم ويستصغون إليها اسماعهم وأفهامهم ولا يتكلمون إلا بالسجع المتكلف في تأدية مرامهم ومن ثمة عاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قول من قال في حديث قتل الجنين كيف ندى من لا أكل ولا شرب ولا استهل ومثل ذلك يطل أي يهدر وفي رواية بطل إنما هذا من إخوان الكهان لما تضمنه سجعه من الباطل وما ليس تحته طائل وإلا فقد ورد السجع في كلامه صلى الله تعالى عليه وسلم كثيرا (ما هو) أي ليس كلامه صلى الله تعالى عليه وسلم المعنى به القرآن أو مطلق ما يظهره في عالم البيان (بزمزمته) أي بزمزمة الكاهن (ولا سجعه) وهو صوت خفي لا يكاد يفهم فكأنه والله تعالى أعلم إذا أراد حضور قرينه من الجن زمزم له فحضر عنده وأخبره والنفي الثاني بمنزلة الدليل للنفي الأول فتأمل أو معطوف عليه بحذف الباء كما سيأتي في قرائنه هذا وقيل زمزمة الكهان صوت يديرونه في خياشيمهم وأفواههم من غير صريح نطق وربما افهموا به من الفهم (قالوا مجنون) أي مصاب اختلط عقله من مس الجن على ما يعتقدون فيما يزعمون ولقد رأى رجل قوما مجتمعين على إنسان فقال ما هذا قالوا مجنون قال هذا مصاب إنما المجنون الذي يضرب بمنكبيه وينظر في عطفيه ويتمطى في مشيته وما أحسن مقابلته بالمصاب فإنه المخطئ في فعله عن صوب الصواب لكونه أصيب بآفة في عقله الخارج عن دائرة أولي الألباب، (قال) أي الوليد (ما هو بمجنون ولا بخنقه) بفتح الحاء المعجمة وكسر النون وتسكن وتفتح وبالقاف مصدر لدخول حرف الجر بعد لا المزيدة لتأكيد النافية السابقة والمقصود انه ليس بفعل نفي كما توهم قال الحلبي الخنق بكسر النون كذا في غير مؤلف في اللغة ولكن في مطالع ابن قرقول قال بضبط المصدر بفتح النون والإسكان ولم يتعرض للكسر فحصل من ذلك ثلاث لغات في المصدر قلت وفي القاموس اقتصر على الأول حيث قال خنقه خنقا ككتف فهو خنق أيضا وخنيق ومخنوق انتهى والمصدر هنا بمعنى المفعول أي ليس هو ممن أصابه الجن وخنقه ولا وسوس في صدره لعدم ظهور أثره في أمره كما أفاده بقوله (ولا وسوسته، قالوا: فنقول شاعر، قال) أي الوليد (مَا هُوَ بِشَاعِرٍ قَدْ عَرَفْنَا الشِّعْرَ كُلَّهُ) أي أصنافه جميعه مأخوذ من الشعور وقال اليمني هو مصدر شعرت بالشيء بالفتح أشعر به أي فطنت له ومنه قولهم ليت شعري أي ليتني علمت وفي الاصطلاح هو الكلام المقفى المقصود به الشعر ليخرج ما لم يقصد مما وافق في الوزن والتقفية كما جاء في القرآن والسنة وعبارات الأئمة من غير قصد ويقال في كلامه سبحانه وتعالى إنه غير مقصود بالذات وإلا فلا يتصور بدون إرادته وقوع شيء من الكائنات (رجزه وهزجه) بفتحتين فيهما (وقريضه ومبسوطه ومقبوضه) بيان لبعض أنواعه وأصول أصنافه هذا وقوله قريظه في النسخ بالظاء المشالة وفي أصل الدلجي بالضاد المعجمة فقال فعيل بمعنى مفعول من القرض وهو لغة القطع وسمي الشعر قريضا لأن قارضه أي الشاعر يورده قطعا انتهى وهو الموافق لما في القاموس في حرف الضاد من قوله قرضه
قطعه وجاراه كقارضه والشعر قاله وقال اليمني وسمي قريضا لكونه يقرض ويقال قرظته إذا مدحته ويجوز أن تكتب هذه اللفظة بالضاد والظاء، (ما هو بشاعر) تأكيد للأول وفي نسخة وما هو بشاعر انطقه الله تعالى بالصدق وما وفقه للحق فما أقربه في الظواهر وما أبعده في السرائر فهو ممن أضله الله على علم بقدرته القاهرة وإرادته الباهرة (قَالُوا فَنَقُولُ سَاحِرٌ، قَالَ مَا هُوَ بِسَاحِرٍ ولا نفثه ولا عقده) بالجر فيهما على أنهما معطوفان على مدخول الباء أي ولا هو بنفث الساحر أي نفخه ولا بعقده في خيط عند نفثه ومنه قوله تعالى وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (قالوا فما تقول قال ما أنتم بقائلين شيئا من هذا) أي مما رميتموه به من الأباطيل (إلّا وأنا أعرف أنّه باطل) أي وليس تحته طائل (وإنّ أقرب القول إنّه ساحر) بفتح الهمزة على أنه مع اسمه وخبره خبر أن الأولى فتأمل ولا تتبع طريق الدلجي في ضبط الهمزة بالكسر على أنه مقول لقول مقدر حيث قال وأقرب القول فيه أن يقال بأنه ساحر ثم قال الوليد (فإنّه سحر) أي كلامه مشابهه حال كونه (يفرّق) أي به كما في نسخة أي بكلامه المماثل للسحر (بين المرء وابنه) أي أعز أولاده وأقاربه وفي نسخة وأبيه أي والده الذي هو أقرب أسلافه وأجداده (والمرء وأخيه) أي شقيقه وأقوى قرينه ورفيقه (والمرء وزوجه) أي امرأته أو الشخص الشامل للمرأة وزوجها بأحد معنييه (والمرء وعشيرته) أي عموم قرابته بواسطة المخالفة في دينه وملته (فتفرّقوا) أي راضين على هذا القول من ذلك المجلس (وجلسوا على السّبل) أي سبل الوافدين وطرق الواردين (يحذّرون النّاس) أي عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ومتابعته واقتفاء سنته وطريقته، (فأنزل الله تعالى في الوليد) أي ما يشير إلى الوعيد الأكيد تهديدا شديدا (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً [المدثر: 11] ) حال من الياء في ذرني أي اتركني معه وحدي فأنا أكفيكه أو من العائد المحذوف أي ومن خلقته وحيدا لا مال له ولا ولد بل فريدا أو تهكم به صرفا له عن كونه لقب مدح له بأنه وحيد قومه في الدنيا تقدما ورياسة ويشار إلى ذمه وعيبه وبما يقتضي أن يكون وحيدا في شره (الآيات) أي من قوله تعالى وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً وَبَنِينَ شُهُوداً إلى قوله سبحانه وتعالى فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ، (وقال عتبة بن ربيعة) أي ابن عبد شمس بن عبد مناف قتل في بدر كافرا وقد قيل قتله حمزة حين كرهوه وعلي عليه (حِينَ سَمِعَ الْقُرْآنَ: يَا قَوْمُ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي لَمْ أَتْرُكْ شَيْئًا إِلَّا وَقَدْ عَلِمْتُهُ وقرأته وقلته، والله لقد سمعت) أي من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (قَوْلًا، وَاللَّهِ مَا سَمِعْتُ مِثْلَهُ قَطُّ مَا هو) أي ليس قوله (بِالشِّعْرِ وَلَا بِالسِّحْرِ وَلَا بِالْكِهَانَةِ؛ وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ نَحْوَهُ وَفِي حَدِيثِ إِسْلَامِ أَبِي ذرّ) أي الغفاري بكسر الغين وقد رواه مسلم (ووصف) أي والحال أنه قد وصف أبو ذر (أخاه أنيسا) بضم الهمزة وفتح النون وسكون التحتية فسين مهملة وكان أبو ذر أرسله قبل اسلامه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بمكة والقصة مشهورة وهو صحابي معروف (فقال) أي أبو ذر: (والله ما سمعت بأشعر) أي بأكثر شعرا وأحسن نظما (من أخي أنيس لقد ناقض) أي عارض (اثني عشر
شاعرا) أي معروفا (في الجاهليّة أنا أحدهم وأنّه) أي أنيسا (انْطَلَقَ إِلَى مَكَّةَ وَجَاءَ إِلَى أَبِي ذَرٍّ) نقل بالمعنى أو التفات في المبنى وفي نسخة وجاءني (بخبر النّبيّ) أي بأخبار بعثته وإظهار نبوته (صلى الله تعالى عليه وسلم قلت فما يقول النّاس) أي في وصفه ونعته (قال يقولون شاعر كاهن ساحر) أي هم مختلفون بين قول شاعر وساحر أو هم قائلون بأنه لا يخلو عن واحد من هؤلاء الطوائف المذكورة أو مدعون بأنه جامع بين هذه الأوصاف الثلاثة المسطورة ثم قال أخو أبي ذر (لقد سمعت قول الكهنة) أي كثيرا (فما هو) أي قوله (بقولهم) أي لعدم المناسبة (ولقد وضعته) أي كلامه (على أقراء الشّعر) بفتح الهمزة وسكون القاف فراء ممدودة أي طرقه وأنواعه أي أنواع بحوره (فلم يلتئم) أي لم يلائم على شيء عن أوزانه (وما يلتئم) أي وما يتفق (على لسان أحد بعدي) أي غيري أيضا (أنّه شعر) إذ الشعراء اتفقوا على ذلك لما استوزنوا كلامه على اقراء شعرهم هنالك (وإنّه) أي النبي عليه الصلاة والسلام (لصادق) أي في دعوى الرسالة وفي قوله نقلا عن ربه وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ (وإنّهم لكاذبون) في كونه شاعرا أو كاهنا أو ساحرا؛ (والأخبار في هذا) أي المعنى المذكور والمدعي المسطور (صحيحة) أي إسنادا (كثيرة) متنا صريحة دلالة (والإعجاز) أي عن الإتيان بمثل هذا القرآن (بكلّ واحد من النّوعين) أي اللذين أحدهما (الإيجاز والبلاغة بذاتها) أي بانفرادها فهما مرفوعان كما في بعض النسخ على أنهما خبران لمبتدأ مقدر وفي بعضها بكسرهما على كونهما بدلين من النوعين وفي نسخة والإيجاز والبلاغة بذاتهما على أنهما عطف بيان لما قبلهما والحاصل أن الإيجاز والبلاغة كلاهما نوع كما سبق ذكره حيث عبر عنهما بصورة نظمه العجيب والنوع الآخر وهو الذي بينه بقوله (والأسلوب الغريب بذاته) أي مع قطع النظر عن بقية صفاته وفي نسخة أن بدل أو ووجهه لا يظهر فتأمل وتدبر ثم صرح بمقصوده في ضمن وروده تحت قوله، (كلّ واحد منهما) أي من النوعين وهو النظم العجيب والأسلوب الغريب (نوع إعجاز على التّحقيق) أي عند أرباب التوفيق واصحاب التدقيق وفي نسخة نوع إيجاز والظاهر أنه تصحيف إذ في المعنى تحريف (لَمْ تَقْدِرِ الْعَرَبُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا) أي لا بالنظم العجيب ولا بالأسلوب الغريب (إذ كلّ واحد) أي من النوعين (خارج عن قدرتها) أي عن قدرة العرب العرباء (مباين لفصاحتها وكلامها) أي مغاير لفصاحتهم وبلاغتهم من الشعراء والخطباء؛ (وإلى هذا) أي القول بأن كل واحد منهما نوع إعجاز بذاته (ذهب غير واحد) أي كثيرون (من أئمّة المحقّقين) بسلامة فطنتهم وصحة فطرتهم (وذهب بعض المقتدى بهم) بفتح الدال أي بعض من يقتدي الناس بهم ويميلون في الجملة إلى تقليدهم وقبول قولهم (إلى أنّ الإعجاز في مجموع البلاغة) أي المتضمنة للفصاحة، (والأسلوب) أي من جهة الغرابة والحاصل أن تحقق الإعجاز بهما مجتمعا لا بكل واحد منهما منفردا (وأتى على ذلك) أي واستدل على ما ذهب إليه أي من أن الإعجاز في مجموعهما (بقول تمجّه الأسماع) بضم الميم وتشديد
الجيم أي تدفعه الطباع السليمة وتقذفه الفهوم المستقيمة (وتنفر منه القلوب) أي من أول الوهلة ومبدأ المقدمة. (والصّحيح ما قدّمناه) أي من كون الإعجاز لكل واحد منهما بذاته منفردا، (والعلم بهذا كلّه ضرورة وقطعا) عند أصحاب الذوق من أن وجه الاعجاز أمر من جنس البلاغة يدرك كالملاحة ولا يوصف ولا طريق إليه من جهة الصنيع إلا معرفة علوم المعاني والبيان والبديع مع معونة فيض الهي يورث العلم بكون ذلك ضرورة قطعا (ومن تفنّن) وفي نسخة ومن تكلم (في علوم البلاغة) وفي نسخة في فنون البلاغة أي ومن علم فنون البلاغة وصنوف الفصاحة (وأرهف خاطره) بالنصب أي رقق وحدد ذهنه بتوجه جنانه (ولسانه) أي بتحصيل بيانه (أدب هذه الصّناعة) فاعل ارهف والمعنى أن من أكثر ممارستها وأطال خدمتها حتى صارت له بديهة معرفتها (لم يخف عليه ما قلناه) أي ما قدمناه كما في أصل الدلجي من أن كلا منهما نوع إعجاز بذاته منفردا عند أهل التحقيق بصفاته (وقد اختلف أئمّة أهل السّنة) وفي نسخة ائمة المسلمين (في وجه عجزهم عنه) أي عن الإتيان بمثله (فأكثرهم يقول) أي قالوا مستمرين على قولهم (إنّه) أي وجه عجزهم (ممّا جمع) بصيغة المجهول وفي نسخة بصيغة الفاعل أي جمع الله (في قوّة جزالته) أي لطائف معانيه (ونصاعة ألفاظه) أي شرائف مبانيه بخلوصها من شوائب الركاكة وتنافر الكلمات والغرابة (وحسن نظمه وإيجازه) أي واستحسان نظم المعاني الكثيرة في ضمن المباني اليسيرة من غير خلل في مبناه ولا قصور في معناه (وبديع تأليفه وأسلوبه) أي على صنيع منيع ليس على أسلوب نظم الشعراء ولا نثر الخطباء (لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي مَقْدُورِ الْبَشَرِ) لاشتماله على لطائف وشرائف في باب البلاغة والفصاحة إلى أن خرج عن طاقة الخلق فتعين أنه من كلام الحق (وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَوَارِقِ الْمُمْتَنِعَةِ عَنْ أَقْدَارِ الخلق) بفتح الهمزة أي مقدوراتهم (عَلَيْهَا كَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَقَلْبِ الْعَصَا وَتَسْبِيحِ الْحَصَى) أي مما لا يقدر عليه غيره تعالى (وذهب الشّيخ أبو الحسن) أي علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن عبد الله ابن أمير العراقين بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري إمام أهل السنة (إلى أنّه) أي القرآن (مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَدْخُلَ مِثْلُهُ تَحْتَ مَقْدُورِ البشر) أي في الجملة ممن هو ماهر في وجوه البلاغة وباهر في فنون الفصاحة، (ويقدرهم الله عليه) بضم الياء وكسر الدال أي وأن يعطيهم الله القدرة والقوة على اتيان مثله لأنه من جنس نتائج أفكارهم وكرائم اسرارهم (ولكنّه) الضمير للشأن (لم يكن هذا ولا يكون) أي هذا وفي نسخة زيد هذا هو الشأن أي الشأن عدم قدرتهم عليه (فمنعهم الله هذا وعجّزهم عنه) بتشديد الجيم أي وجعلهم عاجزين عن أمر المعارضة في ميدان المقاومة، (وقال به جماعة من أصحابه) أي من علماء الأمة لكن هذا هو القول بالصرفة وقد مر أنه مرجوح عند أكابر الأئمة (وعلى الطّريقين) أي من أن كونه معجزا بذاته عن مقاومته أو بتعجيزه سبحانه وتعالى إياهم عن معارضته (فعجز العرب عنه ثابت) أي بلا شبهة (وإقامة الحجّة عليهم) أي واقع (بما يصحّ أن يكون في مقدورهم) وفي نسخة مقدور
البشر أي على ما ذهب إليه الأشعري وبعض اتباعه، (وتحدّيه) أي وطلب معارضته صلى الله تعالى عليه وسلم لهم (بأن يأتوا بمثله قاطع) أي بلا ريبة (وهو) أي تحديه أن يأتوا بمثله مع كونه مما يصح أن يكون في مقدورهم (أبلغ في التّعجيز وأحرى) أي اليق وأولى (بالتّقريع) أي بالتوبيخ (والاحتجاج) مبتدأ أي والاستدلال على عجزهم (بمجيء بشر مثلهم) وفي نسخة منهم أي من جملتهم (بشيء ليس من قدرة البشر لازم) أي على القول بأنه معجز بنظمه العجيب وأسلوبه الغريب (وهو) أي كونه ليس من قدرة البشر (أبهر آية) أي أظهر علامة (وأقمع) أي أقهر (دلالة) أي في ثبوت الحجة (وعلى كلّ حال) أي كل تقدير من قول الإعجاز بالصرفة أو البلاغة (فما أتوا) بفتح الهمزة أي فما جاؤوا (في ذلك) أي في معارضته (بمقال) أي في مقام جدال (بل صبروا على الجلاء) بفتح الجيم أي الخروج من أوطانهم (والقتل) أي وعلى قتل أنفسهم وإخوانهم (وتجرّعوا كاسات الصّغار) بفتح الصاد أي الحقارة (والذّلّ) أي المسكنة والمهانة (وكانوا) أي والحال أنهم كانوا (من شموخ الأنف) بضم الشين المعجمة أي من شماخته ورفعته كبرا وعتوا وهو بفتح الهمزة وسكون النون عضو معروف وجمعه أنوف وفي نسخة بضمتين على أنه جمع أنف وضبطه الحلبي بهمزة ممدودة يعني وضم نون على أنه جمع آخر (وإباءة الضّيم) بكسر همزة فموحدة فألف بعدها همزة أو ياء فتاء وفي نسخة بغير تاء وفي أخرى الضير براء بدل الميم وكلاهما بفتح الضاد أي وكانوا من منوع الضرر تحاميا عنه وتباعدا منه (بحيث لا يؤثرون ذلك) أي لا يختارون ما ذكر من الجلاء والقتل والصغار والذل (اختيارا) أي طوعا (ولا يرضونه إلّا اضطرارا) أي كرها (وإلّا) أي وإن لم يكن الأمر من عجزهم وصبرهم على ذلهم (فالمعارضة) أي للقرآن وسائر المعجزات (لو كانت من قدرهم) بضم وفتح أي مقدوراتهم (والشّغل بها أهون عليهم) والظاهر أن يقال فالشغل بالفاء أو لكان الشغل ولعل الجملة حالية وهو بضم فسكون وبضمتين وبفتح وبفتحتين أي الاشتغال بالمعارضة أسهل إليهم (وأسرع بالنّجح) بضم نون فسكون جيم أي بالظفر على المراد (وقطع العذر) أي المعذرة عند العباد في البلاد (وإفحام الخصم) أي الزامه (لديهم) أي عندهم (وهم) أي والحال أنهم (ممّن لهم اقتدار) وفي نسخة قدرة (على الكلام) وفي نسخة وهم من هم بفتح الميم قدرة بفتح القاف والدال جمع قادر وفي أخرى وهم ممن هم قدرة بفتحتين وقدرة في الجميع مرفوعة وفي اصل الدلجي وهم منهم قدرة بالنصب فقال تمييز للضمير المنفصل قبله والجملة حالية من ضمير لديهم (وقدوة) عطف على قدرة وهو بضم القاف وكسرها وحكي فتحها أي اقتداء وأسوة (في المعرفة به) أي بالكلام (لجميع الأنام) متعلق بالقدوة (وما منهم) أي من أحد (إلّا من جهد جهده) بضم الجيم وفتحه أي بذل جده وبالغ اجتهاده (واستنفذ) بالفاء والدال المهملة أي استفرغ (ما عنده) أي من قوة طاقته (في إخفاء ظهوره) أي ظهور نور القرآن أو علو نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم من جهة رفعة الشأن (وإطفاء