الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نوره ويأبى الله إلا أن يتم نوره) ويعلو ظهوره وهو مقتبس من قوله تعالى يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ (فما جلوا في ذلك) أي فما أظهروا في مقام المعارضة مما اجتهدوا فيه غاية المجاهدة (خبيئة) بفتح الخاء المعجمة وكسر الموحدة فتحتية ساكنة فهمزة مفتوحة أو مبدلة مدغمة أي مخبوءة ومخفية (من بنات شفاههم) بفتح الموحدة قبل النون أي من كلمات صدرت من أفواههم والشفاه بكسر الشين المعجمة جمع الشفة بفتحها وتكسر وشفتا الإنسان طبقا فمه (ولا أتوا بنطفة) أي ولا جاؤوا بقطرة يسيرة (من معين مياههم) أي من ظواهر أنهار بلاغتهم وأسرار فصاحتهم بل صاروا بكما في معارضتهم (مع طول الأمد) أي الزمان (وكثرة العدد) أي الأعوان (وتظاهر الوالد وما ولد) الأولى أن يقال والولد أي ومعاونتهم ومعاضدتهم في مقام الرد وأما ما في نسخة من الأمل باللام يدل الأمد بالدال فتصحيف وتحريف (بل أبلسوا) بصيغة الفاعل أي أيسوا من المعارضة ويئسوا من المقاومة (فما نبسوا) بفتح النون والموحدة المخففة وقيل المشددة وبضم السين المهملة أي فما نطقوا (ومنعوا) بصيغة المفعول أي فما أعطوا القدرة على المقاومة (فانقطعوا) أي عن المعارضة (فهذان النّوعان) وفي نسخة صحيحة نوعان (من إعجازه) أي اجتماعا وانفرادا.
فصل [الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْإِعْجَازِ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ من الأخبار]
(الوجه الثّالث من الإعجاز) أي من وجوهه (ما انطوى) أي اشتمل واحتوى (عليه من الأخبار) بكسر الهمزة أي الإعلام (بالمغيّبات) أي الكائنات في الأزمنة السابقة (وما لم يكن ولم يقع) أي بعد (فوجد) أي في الأيام اللاحقة (كما ورد) أي مطابقا لما ورد (على الوجه الذي أخبر كقوله تعالى) خطابا للنبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ) تعليق لعدته بالمشيئة تعليما لعباده وإيماء إلى عدم وجوب شيء على الله تعالى في تحقيق مراده وتلويحا بأن بعضهم لا يدخله لعلة من موت أو غيبة أو حكاية لما قاله ملك الرؤيا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لأصحابه حالة الرواية (آمِنِينَ [الفتح: 27] ) حال من واو لتدخلن والجملة الشرطية معترضة (وقوله تعالى: وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ) أي الروم من بعد غلبة الفرس عليهم (سَيَغْلِبُونَ [الروم: 3] ) الفرس وكانوا مجوسا والروم نصارى فورد خبر غلبة الفرس إياهم مكة ففرح المشركون وشتموا بالمسلمين وقالوا أنتم والنصارى أهل كتاب ونحن وفارس أميون لا كتاب لنا وقد ظهر إخواننا على إخوانكم ولنظهرن عليكم فنزلت الآية إلى قوله فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه لا يقرن الله أعينكم فو الله لتظهرن الروم على فارس في
بضع سنين فقال أبي بن خلف كذبت أجعل بيننا وبينك أجلا فراهنه على عشر قلائص من كل واحد منهما وجعلا الأجل ثلاث سنين فأخبر أبوبكر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال البضع ما بين الثلاث إلى التسع فزايده أي في الإبل وماده في الأجل فجعلها مائة قلوص إلى تسع سنين ومات أبي بعد قفوله من أحد بجرح من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بسرف كافرا وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية فأخذ أبو بكر القلائص من ورثة أبي فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تصدق بها وبه أخذ ائمتنا الحنفية جواز العقود الفاسدة في دار الحرب وأجاب الشافعية بأنه كان قبل تحريم القمار والله تعالى اعلم (وقوله) أي وكقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ) أي ليغلب دين الحق ويعليه (عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [الفتح: 33] ) أي على جنس الدين جميعه بتمام إفراده بتسليط المسلمين على أهله بالعزة والغلبة والقهر والقوة فضلا عن الحجة (وَقَوْلِهِ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ [النور: 55] الآية) أي في الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي من الأنبياء السالفة وأممهم وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً (وَقَوْلِهِ:
إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النَّصْرِ: 1] ) أي فتح مكة (إلى آخرها) أي إلى آخر السورة أو إلى آخر ما يتعلق به معنى الآية وهو قوله وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (فكان جميع هذا كما قال) أي وقع كله كما أخبر عنه أي فكان جميعه كما قال معجزة ومن أعلام النبوة (فغلبت الرّوم فارس في بضع سنين) أي يوم الحديبية قيل عند رأس سبع سنين وكان حقه أن يقول أيضا ودخل أهل الإسلام في المسجد الحرام آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين غير خائفين في عام عمرة القضاء وكان صلح الحديبية مقدمة فتح مكة وهذا وإن كان باعتبار الآية الواردة فيه مقدما لكن وقوعه عن قضية غلبة الروم صار مؤخرا؛ (ودخل النّاس في الإسلام) أي بعد فتح مكة (أفواجا) أي فوجا بعد فوج من أهل مكة والطائف واليمن وغيرها (فما مات صلى الله تعالى عليه وسلم وفي بلاد العرب كلّها لم يبق موضع لم يدخله الإسلام واستخلف) أي الله تعالى كما في نسخة (المؤمنين في الأرض) أي في عامة البلاد (ومكّن فيها دينهم) أي ثبته فيما بين العباد (وملّكهم إيّاها) أي الأرض وبلادها (من أقصى المشارق إلى أقصى المغارب) أي ليتم نظام مرادهم ويكمل أمور معاشهم ومعادهم (كما قال صلى الله تعالى عليه وسلم) أي فيما رواه مسلم عن ثوبان مرفوعا (زويت لي الأرض) بضم الزاء وكسر الواو أي جمعت وطويت لأجلي (فأريت) بصيغة المجهول وفي أصل الدلجي فرأيت (مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِي مَا زُوِيَ لي منها) أي بأسرها (وَقَوْلِهِ: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: 9] ) أي من التحريف بالزيادة والنقصان مما تواتر عند علماء الأعيان من قراء الزمان (فكان كذلك) أي بمقتضى حفظه (لا يكاد يعدّ) بصيغة المجهول أي يحصر (من سعى في تغييره) أي من مبانيه (وتبديل محكمه) أي في
معانيه (من الملحدة) أي المائلة عن الحق إلى الباطل كالحلولية والاتحادية وأمثالهما (والمعطّلة) أي القائلة بتعطيل الكون من المكون كالدهرية ونحوها (لا سيّما القرامطة) بالرفع على أن سي بمعنى وما موصولة صدر صلتها محذوف أي ولا مثل الذين هم القرامطة وبالجر على أن ما زائدة وبالنصب على أنها أداة استثناء وهم طائفة معروفة وقال بعضهم فرقة من الإباضية وهم اتباع حمدان القرمطي (فأجمعوا كيدهم وحولهم) أي جهدهم (وقوّتهم) أي جدهم (اليوم) أي إلى يومنا هذا (نيّفا) بفتح النون وسكون الياء مخففة وقيل مشددة مكسورة أي زيادة (على خمسمائة عام) أي بالنسبة إلى تاريخ زمن المصنف وأما الآن فهو نيف وألف (فما قدروا) أي القرامطة وغيرهم من الملاحدة ونحوهم (عَلَى إِطْفَاءِ شَيْءٍ مِنْ نُورِهِ وَلَا تَغْيِيرِ كلمة من كلامه) وفي نسخة صحيحة من كلمه بفتح فكسر ويجوز بكسر فسكون (وَلَا تَشْكِيكِ الْمُسْلِمِينَ فِي حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِهِ) أي لا من حروف مبانيه ولا من حروف معانيه ولا ترديدهم في يعراب بل ونقطة مما ينافيه في باب (والحمد لله) أي على تمام هذه المنة وإتمام هذه النعمة (ومنه) أي ومن اعجاز القرآن في أخبار الغيب من مستقبل الزمان (قوله تعالى سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ) أي جمع أهل الكفر (وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [القمر: 11] ) أي الإدبار كما قرئ به وأفرد لقصد الجنس أو لإرادة كل واحد ولمراعاة الفواصل وعن عمر رضي الله تعالى عنه لما نزلت لم أعلم ما هو حتى كان يوم بدر سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هو يلبس درعه ويقول سيهزم الجمع فعلمته (وقوله تعالى) أي ومنه قوله تعالى (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ [التوبة: 14] ) أي قتلا (الآية) أي ويخزهم أسرا وينصركم عليهم نصرا ويشف صدور قوم مؤمنين أي مما امتلأت منهم ضجرا قيل هم خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بطون من اليمن وردوا مكة واسلموا فلقوا من أهلها أذى كثيرا فقال لهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم اصبروا فإن الفرج قريب (وقوله تعالى) أي وكذا منه قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى [التَّوْبَةِ: 33] الْآيَةَ) وقد سبق وهذا من التكرير في التعبير (وقوله: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً) أي ضررا يسيرا كطعن في الدين وتهديد في التخمين (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ [آل عمران: 111] الآية) أي يولوكم الأدبار أي منهزمين ثم لا ينصرون أي لا بنصر أحد لهم ولا بدفع البأس عنهم (فكان كلّ ذلك) أي فوقع هنالك كل ذلك كذلك من هزم جمعهم وتعذيبهم وشفاء صدور المؤمنين بنصرهم عليهم وانحصار الأذى في ضررهم وانهزامهم كبني قريظة والنضير وأمثالهم (وما فيه) أي ومما في القرآن (من كشف أسرار المنافقين واليهود ومقالهم) أي من إيضاح أقوالهم وإفضاح أحوالهم (وكذبهم في حلفهم وتقريعهم بذلك) أي ومن توبيخ الله إياهم بسوء أعمالهم وتقبيح آمالهم وتفظيع مآلهم (كقوله) أي كما في قوله سبحانه وتعالى:
(وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ) أي فيما بينهم أو في نفوسهم (لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ [المجادلة: 8] ) أي هلا يعاقبنا بقولنا في محمد طعنا منا فيه وفي الإسلام ودفعا عنا بالسام بدل السلام قال
الله تعالى وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (وقوله) أي وكقوله تعالى في حق المنافقين (يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ [آل عمران: 154] الآية) أي لو كان لنا من الأمر شيء كما زعم محمد أن الأمر كله لله وأن حزبه هم الغالبون ما قتلنا ههنا أي في المعركة (وقوله) أي وكقوله تعالى في حق اليهود (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا) أي بعض اليهود منهم قوم (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ [المائدة: 41] الآية) أي أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ الخ، (وَقَوْلِهِ: مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) أي يميلونها عن مواضعها التي وضعها الله تعالى فيها بإزالتها من مكانها وإثبات غيرها في محلها أو يأولونها على ما يشتهون فيها (إلى قوله وَطَعْناً فِي الدِّينِ [النساء: 46] وقد قال مبديا) بالهمزة أو الياء أي حال كونه تعالى مظهرا (ما قدّره الله) بتشديد الدال أي ما قضاه (واعتقده) ويروى وما اعتقده (المؤمنون) أي مقتضاه الواقع (يوم بدر) على وفق رضاه من الظفر بإحدى الطائفتين العير والنفير (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) أي القافلة الراجعة من الشام أو الطائفة الآتية من بيت الله الحرام (أَنَّها لَكُمْ) حاصلة من أموال إحديها أو غنيمة أخريها (وَتَوَدُّونَ) أي تتمنون وتحبون (أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ) وهي السلاح يعني العير المقبلة مع أبي سفيان (تَكُونُ لَكُمْ [الأنفال: 7] ) حيث لا حدة فيها ولا شدة بخلاف ذات الشوكة من النفير وهو الجمع الكثير ممن نفروا مع أبي جهل من مكة لاستنقاذ العير واستخلاصهم من أيدي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه متقوين بكثرة عددهم وعددهم (ومنه) أي ومن اعجازه سبحانه وتعالى (قوله تعالى: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الحجر: 95] ) أي الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وعدي والحارث بن قيس والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب بن أسد قيل وكذا عمه أبو لهب وعقبة بن أبي معيط والحكم بن أبي العاص إلا أنه أسلم يوم الفتح والباقون أهلكوا بأنواع من العقوبة (ولما نزلت) أي هذه الآية فيهم على ما رواه الطبراني في الأوسط (بشّر النّبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ أَصْحَابَهُ بِأَنَّ اللَّهَ كَفَاهُ إيّاهم) أي شرهم وأذاهم ورواه البيهقي وأبو نعيم بمعناه (وكان المستهزئون نفرا بمكّة) أي جماعة مترصدين للواردين بها والصادرين عنها (ينفّرون النّاس عنه) بتشديد الفاء أي يصدونهم عن الإيمان به (ويؤذونه) أي بهذا واضرابه (فهلكوا) أي بضروب البلاء وفنون العناء فتم نوره وكمل ظهوره؛ (وقوله: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: 67] ) عدة من الله تعالى بعصمة روحه من غوائل عدوه (فكان كذلك) أي كما أخبر به من لا خلف في خبره (على كثرة من رام ضرّه) أي مع كثرة من قصد ضره (وقصد قتله والأخبار بذلك معروفة) أي مشهورة في كتب المغازي في باب السير (صحيحة) أي مذكورة عند أرباب الأثر فعصمه الله تعالى وحفظه حتى انتقل من دار الدنيا إلى منازل الحسنى في العقبى.