المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [في قصة حنين الجذع له صلى الله تعالى عليه وسلم] - شرح الشفا - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأوّل

- ‌[المقدمة]

- ‌ترجمة القاضي عياض

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌القسم الأول [في تعظيم العلي الأعلى جل وعلا]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ [فِيمَا جَاءَ من ذلك مجيء المدح والثناء]

- ‌الفصل الثّاني [في وصفه تعالى بالشهادة وما تعلق به من الثناء والكرامة]

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ [فيما ورد من خطابه تعالى إياه مورد الملاطفة والمبرة]

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُ [فِي قَسَمِهِ تَعَالَى بِعَظِيمِ قَدْرِهِ صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الفصل الخامس في قسمه

- ‌الْفَصْلُ السَّادِسُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى في جهته عليه الصلاة والسلام مورد الشفقة والإكرام]

- ‌الفصل السّابع [فيما أخبره الله بِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ عَظِيمِ قَدْرِهِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّامِنُ [فِي إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقَهُ بصلاته عليه وولايته له]

- ‌الْفَصْلُ التَّاسِعُ [فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْفَتْحِ مِنْ كراماته عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْعَاشِرُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كتابه العزيز من كراماته عليه ومكانته عنده]

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي تَكْمِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ المحاسن خلقا وخلقا]

- ‌فصل [قال القاضي رحمه الله تعالى إذا كانت خصال الكمال والجلال]

- ‌فصل [إن قلت أكرمك الله تعالى لا خفاء على القطع بالجملة]

- ‌فصل [وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُفُورُ عَقْلِهِ وَذَكَاءُ لُبِّهِ وَقُوَّةُ حَوَاسِّهِ وفصاحة لسانه واعتدال حركاته وحسن شمائله]

- ‌فصل [وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول]

- ‌فصل [وأما شرف نسبه وكرم بلده ومنشأه]

- ‌فصل [وأما تَدْعُو ضَرُورَةُ الْحَيَاةِ إِلَيْهِ مِمَّا فَصَّلْنَاهُ فَعَلَى ثلاثة ضروب الضرب الأول]

- ‌فصل [وأما الضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته والفخر بوفوره]

- ‌فصل [وأما الضرب الثالث فهو ما تختلف فيه الحالات]

- ‌فصل [وأما الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [وأما أَصْلُ فُرُوعِهَا وَعُنْصُرُ يَنَابِيعِهَا وَنُقْطَةُ دَائِرَتِهَا فَالْعَقْلُ]

- ‌فصل [وأما الحلم]

- ‌فصل [وأما الجود]

- ‌فصل [وأما الشجاعة والنجدة]

- ‌فصل [وأما الحياء والإغضاء]

- ‌فصل [وأما حسن عشرته وآدابه]

- ‌فصل [وأما الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق]

- ‌فصل [وأما خلقه صلى الله تعالى عليه وسلم في الوفاء]

- ‌فصل [وأما تواضعه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما عدله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته]

- ‌فصل [وأما وقاره صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما زهده صلى الله تعالى عليه وسلم في الدنيا]

- ‌فصل [وأما خوفه صلى الله تعالى عليه وسلم من ربه عز وجل]

- ‌فصل [اعلم وفقنا الله تعالى وإياك أن صفات جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قد آتيناك أكرمك الله سبحانه من ذكر الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [في تفسير غريب هذا الحديث ومشكله]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ ومشهورها بتعظيم قدره عند ربه عز وجل]

- ‌الفصل الأول [فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ مَكَانَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عز وجل]

- ‌فصل [في تفضيله صلى الله تعالى عليه وسلم بما تضمنته كَرَامَةُ الْإِسْرَاءِ]

- ‌فصل [ثم اختلف السلف والعلماء هل كان إسراء بروحه أو جسده]

- ‌فصل [إبطال حجج من قال أنها نوم]

- ‌فصل [وأما رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم لربه عز وجل]

- ‌فصل [في فوائد متفرقة]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَظَاهِرُ الآية من الدنو والقرب]

- ‌فصل [في ذكر تفضيله في القيامة بخصوص الكرامة]

- ‌فصل [في تفضيله بالمحبة والخلة]

- ‌فصل [في تفضيله بالشفاعة والمقام المحمود]

- ‌فصل [في تفضيله فِي الْجَنَّةِ بِالْوَسِيلَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ وَالْكَوْثَرِ وَالْفَضِيلَةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ إِذَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلِيلِ الْقُرْآنِ وصحيح الأثر]

- ‌فصل [في أسمائه صلى الله تعالى عليه وسلم وما تضمنته من فضيلته]

- ‌فصل [في تشريف الله تعالى له بما سماه به من أسمائه الحسنى]

- ‌فصل [قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وها أنا أذكر نكتة]

- ‌الْبَابُ الرَّابِعُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَشَرَّفَهُ بِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ والكرامات]

- ‌فصل [اعلم أن الله عز وجل قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْمَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ]

- ‌فصل [اعلم أن معنى تسميتنا ما جاءت به الأنبياء معجزة]

- ‌فصل [في إعجاز القرآن العظيم الوجه الأول]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ إِعْجَازِهِ صُورَةُ نَظْمِهِ الْعَجِيبِ والأسلوب الغريب]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْإِعْجَازِ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ من الأخبار]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الرَّابِعُ مَا أَنْبَأَ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ القرون السالفة]

- ‌فصل [هَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ إِعْجَازِهِ بَيِّنَةٌ لَا نزاع فيها ولا مرية]

- ‌فصل [ومنها الروعة]

- ‌فصل [وَمِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْدُودَةِ كَوْنُهُ آيَةً بَاقِيَةً لا تعدم ما دامت الدنيا]

- ‌فصل [وَقَدْ عَدَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمُقَلِّدِي الْأُمَّةِ في إعجازه وجوها كثيرة]

- ‌فصل [في انشقاق القمر وحبس الشمس]

- ‌فصل [في نبع الماء من بين أصابعه الشريفة وتكثيره ببركته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ تَفْجِيرُ الْمَاءِ ببركته وانبعاثه]

- ‌فصل [ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته]

- ‌فصل [في قصة حنين الجذع له صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [ومثل هذا وقع في سائر الجمادات بمسه ودعوته]

- ‌فصل [في الآيات في ضروب الحيوانات]

- ‌فصل [في إحياء الموتى وكلامهم]

- ‌فصل [في إبراء المرضى وذوي العاهات]

- ‌فصل [في إجابة دعائه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في كراماته صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْغُيُوبِ]

- ‌فصل [في عصمة الله تعالى له صلى الله تعالى عليه وسلم من الناس وكفايته من آذاه]

- ‌فصل [ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم]

- ‌فصل [ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام وكراماته وباهر آياته أنباؤه مع الملائكة]

- ‌فصل [وَمِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ وَعَلَامَاتِ رِسَالَتِهِ مَا تَرَادَفَتْ]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ عِنْدَ مولده عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى قد أتينا في هذا الباب]

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌فصل [في قصة حنين الجذع له صلى الله تعالى عليه وسلم]

(ونحو منه) أي من مروي الحسن كما رواه البزار وأبو يعلى والبيهقي بسند حسن (عن عمر رضي الله عنه أي ابن الخطاب وفي نسخة عن عمرو أي ابن العاص (وقال) أي أحدهما (فيه) أي مرويه أو وقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في دعائه بعد قوله (اللَّهُمَّ أَرِنِي آيَةً لَا أُبَالِي مَنْ كَذَّبَنِي بعدها وذكر) وفي نسخة فذكر أي الراوي المختلف فيه بقية الحديث (نحوه) أي نحو ما رواه الحسن (وعن ابن عبّاس) كما رواه البخاري في تاريخه والدارمي والبيهقي (أنّه صلى الله تعالى عليه وسلم: قال لأعرابيّ أرأيت) أي أخبرني (إن دعوت هذا العذق) بكسر العين المهملة وسكون الذال المعجمة أي العرجون بما فيه من الشماريخ والعرجون عود العذق الذي كبه الشماريخ وهي العيدان التي عليها البسر والعذق بالفتح النخلة كلها (من هذه النّخلة) أي الحاضرة وأجابتني (أتشهد أنّي رسول الله قال نعم فدعاه فجعل ينقز) بضم القاف ويكسر وبالزاء أي فشرع يثب إليه متوجها لديه (حتّى أتاه) أي أتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (فَقَالَ ارْجِعْ فَعَادَ إِلَى مَكَانِهِ وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ) بتشديد الراء أي أخرجه في جامعه (وقال هذا حديث صحيح) ووقع في أصل الدلجي وغيره حسن صحيح فقيل جمع بينهما لروايته من طريقين أحديهما تقتضي صحته والأخرى حسنه أو حسن لذاته صحيح لغيره باعتبار تعاضد رواياته أو حسن لغة صحيح حجة.

‌فصل [في قصة حنين الجذع له صلى الله تعالى عليه وسلم]

(في قصة حنين الجذع له صلى الله تعالى عليه وسلم ويعضد) بضم الضاد أي يقوي ويؤيد (هذه الأخبار) أي الأحاديث السابقة الواردة في كلام الأشجار ومجيئها إلى سيد الأخيار (حديث أنين الجذع) وفي نسخة حنين الجذع أي شوقه إليه وبكائه لديه صلى الله تعالى عليه وسلم والجذع بكسر الجيم أصل النخلة والمراد به هنا ما كان من عمد المسجد وكان يتكئ عليه حال الخطبة وسيجيء بقية القصة (وهو) أي وحديثه هذا (في نفسه) أي باعتبار مبناه (مشهور) أي عند السلف (منتشر) أي عند الخلف (والخبر به) أي بانينه وحنينه باعتبار معناه (متواتر) أي يفيد العلم القطعي لمن اطلع على طريق الحديث الآحادي المفيد بانفراده العلم الظني قال الحلبي وكذا قال غيره إنه متواتر وقد أبعد التلمساني حيث قال أراد به التواتر اللغوي يقال تواترت الكتب أي جاء بعضها في أثر بعض من غير أن ينقطع والأول أظهر فتدبر وقد قال السهيلي حديث خوار الجذع وحنينه منقول بالتواتر لكثرة من شاهد خواره من الخلف وكلهم نقل ذلك أو سمعه من غيره فلم ينكره أحد انتهى وسببه ما بينه المصنف بقوله (قد خرّجه) بتشديد الراء أي أخرجه (أهل الصحيح) أي ممن التزم الصحة في رواياته الواردة في كتابه كالبخاري ومسلم وابن حبان وابن خزيمة (ورواه من الصّحابة بضعة عشر) بكسر الموحدة وتفتح أي ثلاثة أو أكثر إلى تسعة إذ البضع منها إليها (منهم) أي بعضهم وهم عشرة منهم (أبيّ بن كعب) وهو أقرأ الصحابة وقد رواه عنه الشافعي وابن ماجة والدارمي والبيهقي

ص: 625

(وجاب بن عبد الله) أي الصحابي ابن الصحابي وسيأتي حديثه (وأنس بن مالك) وهو خادمه عليه الصلاة والسلام وحديثه في الترمذي وصححه (وعبد الله بن عمر) وهو أشهر من أن يذكر (وعبد الله بن عباس) أي ابن عم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (وسهل بن سعد) الساعدي رضي الله تعالى عنهما وحديثه رواه الشيخان (وأبو سعيد الخدريّ) رواه عنه الدارمي (وبريدة) بالتصغير وقد سبق ذكره (وأمّ سلمة) أي أم المؤمنين رواه عنها البيهقي (والمطّلب) بتشديد الطاء (ابن أبي وداعة) بفتح الواو وهو من مسلمة الفتح وقد رواه عنه الزبير بن بكار في أخبار المدينة (كلّهم) أي جميع المذكورين وغيرهم (يحدّث) أفرد ضميره باعتبار لفظ كل أي يحدثون (بمعنى هذا الحديث) أي وإن كانت الفاظهم مختلفة في باب التحديث وعلى هذا المنبى حصل التواتر في المعنى (قال التّرمذيّ وحديث أنس صحيح) أي إسناده (قال وفي نسخة وقال (جابر) أي ابن عبد الله كما في نسخة صحيحة (كان المسجد) أي مسجد المدينة وهو المسجد النبوي (مسقوفا على جذوع نخل) بمعنى نخيل فإنه اسم جنس ثم بناه عمر ثم عثمان رضي الله تعالى عنهما (وكان) وفي نسخة فكان (النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي دائما أو غالبا (إذا خطب يقوم إلى جذع) أي معين (منها) أي من تلك الجذوع (فلمّا صنع له المنبر) بصيغة المجهول وقد صنعه له غلام امرأة من الأنصار أو غيره من اثل الغابة وله ثلاث درجات (سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار) بكسر مهملة فمعجمة جمع عشراء بضم وفتح ممدودة وهي الناقة الحامل أو التي أتي لحملها عشرة أشهر على القول الأشهر وظاهر هذا الحديث أن الجذع بمجرد صنع المنبر قبل طلوع سيد البشر صدر منه البكاء لما أحس من علامة قرب البعد عن مقام دنا وحال الاتكاء. (وفي رواية أنس) أي وهي قوله فلما قعد على المنبر خار الجذع كخوار الثور أي صاح كصياحه (حتّى ارتجّ) بتشديد الجيم أي اضطرب وارتعد (المسجد) أي بأهله (لخواره) بضم الخاء المعجمة وبالواو وفي نسخة بالباء السببية بدل اللام للعلة وفي نسخة بضم الجيم فهمزة مفتوحة بعدها ألف وهو أظهر في هذا المقام باعتبار تمام المرام ففي القاموس جأر جؤارا إذا رفع صوته بالدعاء وتضرع واستغاث والبقرة والثور صاحا وأما الخوار بضم الخاء المعجمة من صوت البقر والغنم والظباء والسهام انتهى قال الحجازي وأما بالخاء المعجمة والواو المخففة فصياح الثور ولا أعلم به رواية انتهى والحلبي جعله أصلا ونسب الأول إلى نسخة في الهامش واليمني اقتصر على الثاني وجوز الشمني الوجهين والحاصل أن رواية الجيم أعم وفي الدراية أتم والله تعالى أعلم. (وفي رواية سهل) أي ابن سعد الساعدي (وكثر بكاء النّاس لما رأوا به) أي من الحنين والأنين من جهة التبعد عن خدمة سيد المرسلين أو من خشيته من التنزل في درجته وهو بكسر اللام وتخفيف الميم ويجوز بفتح اللام وتشديد الميم كما قرئ بهما في قوله تعالى وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا. (وفي رواية المطّلب) أي ابن أبي وداعة السهمي وزيد في نسخة صحيحة وأبي ويشير إليه قول الحلبي وهو بضم الهمزة وفتح

ص: 626

الموحدة ثم ياء مشددة (حتّى تصدّع) بتشديد الدال أي تشقق (وانشقّ) عطف تفسير قاله الدلجي وغيره والأظهر أن المعنى واستمر على انشقاقه (حتّى جاء) أي أتاه (النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم فوضع يده عليه) أي تسلية لما لديه (فسكت) أي حيث سكن إليه وسيأتي في رواية أنه عانقه بيديه؛ (زاد غيره) أي غير المطلب ومن معه وقال الدلجي في رواية الشافعي عن أبي بن كعب (فقال النبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ هَذَا بَكَى لِمَا فَقَدَ) صلى الله تعالى عليه وسلم بالوجهين أي بعد (من الذّكر) أي الموعظة البليغة في الخطبة ومنه قوله تعالى فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ (وزاد غيره) أي غير ذلك الغير وفي رواية أبي يعلى عن أنس، (والّذي نفسي بيده) أي بتصرف قدرته وقبضة إرادته (لو لم ألتزمه) أي اعتنقه (لم يزل هكذا) أي باكيا (إلى يوم القيامة تحزّنا) بضم الزاي إظهارا للحزن الزائد على الصبر (على رسول الله) أي على فراقه (صلى الله تعالى عليه وسلم) وما أحسن من قال من بعض أرباب الحال:

الصبر يحمد في المواطن كلها

إلا عليك فإنه مذموم

(فأمر به رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فدفن تحت المنبر) أي حتى يقرب إلى الذكر وما يتبعه من أثر الخير (كذا في حديث المطّلب) أي السهمي (وسهل بن سعد) أي الساعدي (وإسحاق) أي ابن عبد الله بن أبي طلحة وهو تابعي روى عن أبيه وعدة وعنه مالك وابن عيينة وجماعة وهو حجة ثقة أخرج له الأئمة الستة (عن أنس) وهو عمه من أمه (وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ سَهْلٍ فَدُفِنَتْ تَحْتَ منبره أو جعلت في السّقف) أي في سقف المسجد شك من الراوي ولعل وجه التأنيث كونه جذع النخلة فاكتسب التأنيث من الإضافة وفي أصل التلمساني فدفن قال وفي طريق فدفنت فأراد الخشبة وقال البرقي إنما دفنه وهو جماد لأنه صار في حكم المؤمن لحبه وحنينه قلت ولعل دفنه تحت منبره ليكون على قربه ولا يحرم من سماع ذكره وأما المنبر فقد احترق أول ليلة من رمضان سنة أربع وخمسين وستمائة وكان ذلك على الناس من أعظم مصيبة. (وفي حديث أبيّ) أي ابن كعب (فكان) أي أولا (إذا صلّى النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم صلّى إليه) وهو لا ينافي أنه عند خطبته كان يعتمد عليه فلما (هدم المسجد) أي عند إرادة تجديده وتوسيعه في تحديده وهو في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه ليزيد فيه من جهة القبلة توسعة للأمة أو في أيام إباحة يزيد المدينة في أحد الأيام الثلاثة (أَخَذَهُ أُبَيٌّ فَكَانَ عِنْدَهُ إِلَى أَنْ أَكَلَتْهُ الأرض) كذا في النسخة المصححة والمراد بها الدابة التي يقال لها الأرضة سميت بفعلها وأضيفت إليه في آية سبأ بقوله تعالى دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ قال المزي المشهور عند أهل الحديث الأرضة (وعاد رفاتا) بضم الراء ففاء فتاء فوقية أي وصار دقاقا وفتاتا قال الحلبي قوله إلى أن أكلته الأرض كذا في النسخة التي وقفت عليها بالشفاء والحديث المذكور أعني حديث أبي وهو مطول في مسند أحمد وفيه الأرضة وهي دابة تأكل الخشب وهو باختصار في سنن ابن ماجة في الصلاة انتهى

ص: 627

وهذا يدل على تصحيح رواية جعله في السقف وينبغي أن يحمل رواية دفنه تحت منبره بعد أن أكلته الأرض عند أبي حفظا له عن تفرقه وصونا له عن مهانته وتحرقه وما أحسن مناسبة ما تحت منبره كون قبره لحصول دوام ذكره وتمام شكره فإن منبره على حوضه وحوضه داخل في روضه. (وذكر الإسفراييني) بكسر الهمزة وسكون السين وفتح الفاء وتكسر فراء ممدودة فهمزة فنون فياء نسبة إلى بلد في العجم في خراسان وفي نسخة بنون بين ياءين والظاهر أن المراد به أبو إسحاق ويحتمل أنه أبو حامد (أنّ النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم دعاه إلى نفسه فجاءه يخرق) بضم الراء وكسرها أي يشق (الأرض فالتزمه) أي اعتنقه تودعا منه (ثمّ أمره فعاد إلى مكانه) والحاصل أن قصة حنين الجذع واحدة لرجوعها إلى معنى واحد في المآل وما وقع في ألفاظها من اختلاف الأقوال مما ظاهره التغاير الموجب للإشكال فمن تفاوت تقول الرجال والله تعالى أعلم بحقيقة الحال (وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ فَقَالَ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم) أي خطابا للجذع (إن شئت أردّك إلى الحائط) أي البستان (الّذي كنت فيه) أي أولا على حالك قبل أن تصير محولا كما بينه بقوله (ينبت لك) بصيغة الفاعل ويجوز بالبناء ويجوز للمفعول أي يخرج لك (عروقك) وتثبت في محل أصولك (ويكمل) بفتح فسكون فضم وبضم ففتح فتشديد ميم مفتوحة أي ويتم (خلقك) أي خلقتك على ما عليه فطرتك (ويجدّد لك خوص) بضم الخاء ورق النخل (وثمرة) بالمثلثة (وإن شئت أغرسك) بكسر الراء (في الجنّة) أي الموعودة (فيأكل أولياء الله من ثمرك) أي تمرك، (ثمّ أصغى له النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي ألقى له سمعه وقرب رأسه إليه (يستمع ما يقول) أي مما يرده عليه (فقال بل تَغْرِسُنِي فِي الْجَنَّةِ فَيَأْكُلُ مِنِّي أَوْلِيَاءُ اللَّهِ تعالى) أي في دار النعمة (وأكون) أي ثابتا ونابتا (في مكان لا أبلى فيه) بفتح الهمزة واللام أي لا أخلق ولا أعتق ولا أفنى قال الحلبي أبلى بفتح الهمزة ووقع في النسخة التي وقفت عليها الآن مضموم الهمزة بالقلم ولا يصح قلت يصح أن يكون مجهولا من أبلاه متعدي بلى كما صرح بإسناده صاحب القاموس (فسمعه) أي كلام الجذع (من يليه) أي يقربه والضمير له أي للنبي عليه الصلاة والسلام قيل وممن سمعه ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال غاب الجذع فلم ير بعد ذلك ذكره التلمساني (فقال النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم: قد فعلت) أي قبلت أو جزمت على هذا الفعل أو غرست كما أردت. (ثمّ قال) أي النبي عليه الصلاة والسلام (اخْتَارَ دَارَ الْبَقَاءِ عَلَى دَارِ الْفَنَاءِ فَكَانَ الحسن) أي البصري (إذا حدّث بهذا) أي الحديث (بكى وقال يا عباد الله الخشبة) أي مع كونها في حد ذاتها ليست من أهل الرقة والخشية (تحنّ) بفتح فكسر فتشديد نون أي تميل (إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم شوقا إليه لمكانه) أي لمكانه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عنده سبحانه وتعالى أو لأجل مكانه المتبعد من مكانها (فأنتم أحقّ أن تشتاقوا إلى لقائه) ولله در القائل من أهل الفضائل:

ص: 628

وألقى حتى في الجمادات حبه

فكانت لإهداء السلام له تهدى

وفارق جذعا كان يخطب عنده

فأنّ انين الأم إذ تجد الفقدا

يحن إليه الجذع يا قوم هكذا

أما نحن أولى أن نحنّ له وجدا

إذا كان جذع لم يطق بعد ساعة

فليس وفاء أن نطيق له بعدا

(رواه) أي الحديث الذي مر (عن جابر حفص بن عبيد الله) بالتصغير (ويقال عبد الله بن حفص) قال الحلبي ويقال جعفر بن عبد الله والصواب الأول وأنه حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك يروي عن جده وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما وغيرهما وعنه ابن إسحاق وأسامة بن زيد وجماعة قال أبو حاتم لا يثبت له السماع إلا من جده انتهى وحديثه هذا عن جابر في البخاري (وأيمن) أي الحبشي مولى ابن أبي عمرة المخزومي قال الذهبي في الميزان ما روى عنه سوى ولده عبد الواحد ففيه جهالة لكن وثقه أبو زرعة وقال ابن القطان إذا وثق وروى عنه واحد انتفت الجهالة وقد أخرج البخاري وحده لأيمن (وأبو نضرة) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة واسمه المنذر بن مالك تابعي يروي عن علي مرسلا وعن ابن عباس وأبي سعيد وعنه قتادة وعوف قال الحلبي وقع في النسخة التي وقفت عليها الآن بالشفاء أبو بصرة بنقطة تحت الباء وهذا شيء لا نعرفه ولا أعلم أبا بصرة غير واحد واسمه جميل وهو صحابي غفاري وليس له شيء عن جابر فيما أعلم (وابن المسيّب) تابعي جليل (وسعيد بن أبي كرب) بفتح فكسر وهو منصرف وفي نسخة بفتح فسكون وهو همداني وثق (وكريب) بالتصغير يروي عن مولاه ابن عباس وعائشة وجماعة وعنه ابناه وموسى بن عقبة وطائفة وثقوه (وأبو صالح) أريد به ذكوان السمان وقد تقدم (ورواه) أي الحديث الذي سبق (عن أنس بن مالك، الحسن) أي البصري (وثابت) وهو كاسمه ثابت (وإسحاق بن أبي طلحة) مر ذكره (ورواه عن ابن عمر نافع) أي مولاه وهو من اعلام التابعين (وأبو حيّة) بتشديد التحتية كلبي كوفي روى عن عمر وهناك أبو حية روى عن علي (ورواه أبو نضرة) وهو الذي سبق ذكره قال التلمساني وهو في الموضعين في الأصل بموحدة من أسفل وصاد مهملة وصوابه بنون مفتوحة وضاد معجمة وهكذا عند الحلبي والأنطاكي (وأبو الودّاك) بتشديد الدال أي رويا الحديث المتقدم كلاهما (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَعَمَّارُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ) بتشديد الميم أي روى الحديث المذكور (عن ابن عبّاس وأبو حازم) بكسر الزاء وهو سلمة بن دينار الأعرج المدني أحد الأعلام (وعباس) بتشديد الموحدة (ابن سهل) أي ابن سعد الساعدي كلاهما (عن سهل بن سعد) أي عن ابيه (وكثير بن زيد) الاسلمي أو الأيلي (عن المطّلب) أي ابن أبي وداعة (وعبد الله بن بريدة) وهو قاضي مرو وعالمها (عن أبيه والطّفيل بن أبيّ) بالتصغير فيهما كنيته أبو بطن لعظم بطنه (عن أبيه) أي أبي بن كعب. (قال القاضي أبو الفضل) أي المصنف (وفّقه الله فهذا حديث: كما تراه أخرجه) وفي نسخة خرجه (أهل

ص: 629