الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كونه أبا لولد له مسمى بالقاسم. (وروي عن أنس رضي الله تعالى عنه) كما في مسند أحمد والبيهقي (أنّه لمّا ولد إبراهيم) أي ابن نبينا عليه الصلاة والسلام من مارية (جَاءَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أبا إبراهيم) فهي كنيته أيضا وهو يحتمل أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قد سمى ولده إبراهيم قبل نزول جبريل عليه السلام ويحتمل أن تكون تسميته وقعت في ضمن تكنيته اثناء تهنئته وفي الجملة صار صلى الله تعالى عليه وسلم أبا إبراهيم كما كان أبوه إبراهيم فكأنه صلى الله تعالى عليه وسلم أحيى اسم جده عليهما الصلاة والسلام ثم قيل وكنيته أيضا أبو الأرامل وهو لقب في المعنى وإن كان كنية في المبنى فإن معناه مراعي الأرامل ومحافظ أحوالهن ومتفقد مالهن والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل [في تشريف الله تعالى له بما سماه به من أسمائه الحسنى]
(في تشريف الله تعالى بما سمّاه به من أسمائه الحسنى) تأنيث الأحسن لأن الأسماء في معنى الجماعة (ووصفه به من صفاته العلى) بضم العين جمع العليا ووصفه بفتح الواو والصاد والفاء عطفا على سماه ويحتمل كونه مصدرا معطوفا على تشريف الله تعالى. (قال القاضي أبو الفضل) يعني المصنف نفسه (وفّقه الله) أي لما يحبه ويرضاه (ما أحرى هذا الفضل) بالنصب فإن الصيغة للتعجب أي ما أحقه وأخلقه وأجدره وأليقه (بفصول الباب الأوّل) أي من هذا الكتاب وهو المعنون بالفصل في ثناء الله تعالى عليه وإظهار عظيم قدره لديه كما أشار في ضمن تعليله وجه الاحرى إليه بقوله (لانحراطه) أي لانضمامه (في سلك مضمونها وامتزاجه) أي اختلاطه (بعذب معينها) بفتح ميم وكسر عين أي بحلو مائها وعلو صفائها (لكن لم يشرح الله) وفي نسخة لكن الله لم يشرح (الصّدر للهداية إلى استنباطه) أي استخراجه من أماكنه وهو استدراك على وجه الأعتذار عما فاته من جعل هذا الفصل من تلك الفصول المناسبة لهذه الإسرار المتضمنة للأنوار (ولا أنار الفكر) بالنون أي لا أشرقه ولا أضاء له وفي نسخة بالثاء المثلثة أي ولا بعثه ولا هيجه (لاستخراج جوهره، والتقاطه) أي من بحره وبره الشامل لعموم كرم علمه وبر حلمه (إلّا عند الخوض) أي الشروع والدخول (في الفصل الذي قبله) أي فشرح الصدر للهداية إلى ذلك أولا على وفق ما هنالك (فرأينا أن نضيفه إليه) أي بتعقيبه له زيادة عليه (ونجمع به شمله) أي تفرقه عند حصوله لديه (فاعلم) أي أيها الطالب الراغب (أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ) أي الذين هم من جملة الاصفياء (بكرامة خلعها) أي ألقاها (عليهم) وفي نسخة عليه وعليهم أي ألبسهم خلعة الكرامة الواصلة إليهم والحاصلة لديهم وفي نسخة جعلها أي صيرها أعلاما عليهم (من أسمائه) بأن ذكر فيهم صفات هي مبادي اشتقاق وصف له وأخذ من بنائه (كتسمية إسحاق وإسماعيل) أي ابني إبراهيم الخليل على خلاف في المراد بالمبشر به من أحد أولاده الجليل وكان الأولى تقديم إسماعيل لأنه أكبر ولكونه جدا لنبينا صلى الله تعالى عليه وسلم ولموافقة قوله سبحانه
وتعالى الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ (بعليم) في قوله تعالى وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (وحليم) في قوله سبحانه وتعالى فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ وجمع بينهما للإشعار بأن الكمال هو الوصف باجتماع العلم والحلم المنبعث عنهما جميع الفضائل البهية والشمائل السنيد وقد أغرب الدلجي حيث جعل الوصفين نشرا مرتبا على الابنين إذ لم يقل أحد بالتفضيل بينهما وإنما اختلفوا في أن أيهما المراد به مع الاتفاق على أن المبشر به أحدهما ولذا قال الأنطاكي ولعل المؤلف من أجل الاختلاف جمع هنا بين إسحاق وإسماعيل وقد أفرد السيوطي رسالة في تعيين الذبيح وتوقف في أن أيهما الصحيح لكن المعتمد عند المفسرين والمحدثين المعتبرين أنه إسماعيل لحديث أنا ابن الذبيحين وغيره من أدلة ليس هذا محل بسطها. (وإبراهيم بحليم) أي في قوله تعالى إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ولعل الاكتفاء به للعلم بأنه عليم أو للزومه أو لغلبة حلمه على علمه ولذا استغفر لوالده، (ونوح بشكور) أي في قوله سبحانه وتعالى إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً، (وعيسى ويحيى ببرّ) بفتح الباء وتشديد الراء مبالغة بار في قوله تعالى وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ
(وموسى بكريم) أي في قوله سبحانه وتعالى وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ في (وقويّ) أي في قوله سبحانه حكاية عن بنت شعيب وتقريرا لكلامها إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ وفي نسخة بدلهما بكليم والظاهر أنه أصل سقيم (ويوسف بحفيظ عليم) أي في قوله سبحانه حكاية عن يوسف مقرا شأنه ومعتبرا بيانه حيث انطق لسانه بقوله إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ الدخان (وأيّوب بصابر) أي في قوله تعالى إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً وفيه أن الصابر غير معروف من اسمائه وإنما الصبور من اسمائه سبحانه على المشهور (وإسماعيل بصادق الوعد) أي في قوله تعالى عند ذكره إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ ولعل وجهه قوله سبحانه وتعالى وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وحديث صدق الله وعده وإلا فصادق الوعد والصادق المطلق ليس من الاسماء المشهورة (كما نطق به) وفي نسخة صحيحة بذلك أي بما خص أنبياءه (الكتاب العزيز) أي بإنبائه على وفق اشتقاق اسمائه (من مواضع ذكرهم) بالإضافة أي في مواضع ذكرهم ووصفهم وشكرهم فيها كما قدمناه وفي نسخة صحيحة من مواضع بدل في ولعلها بمعناها أو بيان لما لإبهام مبناها (وفضّل نبيّنا محمّدا صلى الله تعالى عليه وسلم) أي على سائر الأنبياء والأصفياء بزيادة اشتقاق بناء الاسماء في الأنباء (بأن حلّاه) بفتح الحاء المهملة وتشديد اللام أي زينه (منها) أي من اسمائه سبحانه (في كتابه العزيز) أي البديع المنيع المشتمل على التعجيز أو القوي الغالب على سائر الكتب بنسخها على وجه التمييز وقد قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، (وعلى ألسنة أنبيائه) أي كما نقله بعض أوليائه (بعدّة كثيرة) أي بجملة كثيرة وهي بكسر العين والباء للسببية والباء الأولى بيانية أي بسبب تعداد نعوت كثيرة وأوصاف غزيرة (اجْتَمَعَ لَنَا مِنْهَا جُمْلَةٌ بَعْدَ إِعْمَالِ الْفِكْرِ) بكسر الهمزة أي استعماله (وإحضار الذّكر) بضم الذال وكسرها والمعنى بعد إفراغ الوسع تفكرا
وتذكرا. (إذ لم نجد) أي من العلماء المصنفين (مَنْ جَمَعَ مِنْهَا فَوْقَ اسْمَيْنِ وَلَا مَنْ تفرّغ فيها لتأليف فصلين) أي ليعرف منه بيان فرعين أو أصلين (وحرّرنا) بحاء وراءين مهملات ويروى جردنا بجيم ودال أي أخرجنا (منها في هذا الفضل نحو ثلاثين اسما) أي مما اشتق من اسماء الله الحسنى والصفات العلى (ولعلّ الله تعالى) أي أرجو من كرمه أنه (كما ألهم) أي أرشد (إلى ما علّم) بتشديد اللام أي عرف (منها وحقّقه يتمّ النّعمة) أي يكملها (بإبانة ما لم يظهره لنا الآن) أي بإظهار اسراره وإبداء أنواره (ويفتح غلقه) بفتحتين أي إغلاقه واشكاله وأمثلته وأمثاله إذا عرفت ذلك. (فمن أسمائه) أي الله سبحانه وتعالى (الحميد) وهو فعيل بمعنى المفعول أو الفاعل والأول أظهر ولذا قدمه بقوله (ومعناه المحمود لأنّه حمد نفسه) أي أزلا (وحمده عباده) أي أبدا وقد يقال هو المحمود في ذاته سواء حمد أو لم يحمد على لسان مخلوقاته مع أنه وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ في مراتب تعيناته فهو المحمود في كل فعال وجميع حال إذ هو المولى لكل نوال (ويكون) أي الحميد (أيضا) أي كما يكون بمعنى المحمود (بمعنى الحامد لنفسه) أي في نفس أو في كلام قدسه تعليما لعباده على وفق مراده (ولأعمال الطّاعات) بمعنى ثنائه وشكر أهله وجزائه وقد يقال الحامدية والمحمودية في جميع مراتب الربوبية فهو الحامد وهو المحمود لأنه في نظر الشهود سوى الله والله ما في الوجود (وسمّى النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي نبيا وهو مرفوع أو منصوب وهو الأظهر فتدبر (محمّدا وأحمد فمحمّد بمعنى محمود) بل ابلغ منه (وكذا) أي محمد أو محمود (وقع اسمه في زبر داود) بضم الزاء والباء أي في صحفه المزبورة بمعنى المكتوبة والمراد بها الزبور ووقع في أصل التلمساني على ما ضبطه بكسر الزاء وسكون الباء أي في كتابه وهو غير معروف في الرواية والدراية (وأحمد بمعنى أكبر) أي أعظم (من حمد) بفتح الحاء. (وأجلّ من حمد) بضم الحاء وفيه إيماء إلى أن أفعل التفضيل قد يكون بمعنى الفاعل وهو أكثر وقد يكون بمعنى المفعول وهو هنا أظهر والجمع بينهما أبهر لحيازته شرف الحامدية والمحمودية المشيرة إلى مرتبة المحبية والمحبوبية فأحمد بهذا الاعتبار يكون أبلغ من محمد في نظر النظار مع ما فيه من الإشارة إلى الصفة الجامعة بين مرتبة المجذوبية المطلوبية ومنزلة المرادية المحبوبية بالنسبة الأزلية الممتدة إلى الأبدية بخلاف وصف الحامدية المشعرة بتعلق الحادثة الكونية كما علم تحقيق هذا المعنى في قوله تعالى يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ من تدقيق المبنى (وقد أشار إلى نحو هذا) أي مما قررناه وحررناه (حسّان بقوله) أي ابن ثابت بن المنذر بن حرام بالراء الأنصاري النجاري عاش هو والثلاثة فوقه من آبائه كل واحد مائة وعشرين سنة وقد عاش حسان ستين في الإسلام وستين في الجاهلية وقد شاركه في الوصف الثاني حكيم بن حزام قيل وغيره أيضا (وشقّ) بفتح الشين أي الله تعالى (له) صلى الله تعالى عليه وسلم (من اسمه) قطع همزة الوصل ضرورة ولو قال من نعته او وصفه لخلص (ليجلّه) أي ليعظمه بالمشاركة في الجملة الاسمية من حيث تلاقي اسميهما اشتقاقا من مأخذ واحد ولم يرد
الاشتقاق الاصطلاحي لأن مبدأهما متحد بل أراد كون اسمه بمعنى اسمه كما يشير إليه قوله (فذو العرش محمود وهذا محمّد) فمحمود مأخوذ من معنى الحمد على ما سبق وقد ورد يا الله المحمود في كل فعاله والحاصل أن لفظ شق من شق الشيء جعله شقين أي نصفين ومعناه أنه أعطاه من معنى اسمه جزءا من مبناه وقيل شق بمعنى اشتق أخذه منه وصاغه من حروف اسمه هذا وقد قال الإمام حجة الإسلام في المقصد الأسنى في اسماء الله الحسنى الحميد من عباد الله تعالى من حمدت عقائده وأخلاقه وأفعاله وأقواله وهو نبينا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ومن قرب منه من الأنبياء والأولياء فكل واحد منهم حميد بقدر ما حمد من أوصافه والحميد المطلق هو الله سبحانه وتعالى (ومن أسمائه تعالى الرّؤوف الرّحيم) أي ذو الرأفة والرحمة وقدم الأبلغ منهما لما مر غير مرة (وهما بمعنى) أي واحد (متقارب) أي في المؤدى وإن كانت الرأفة شدة الرحمة (وسمّاه) أي نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم (في كتابه بذلك) أي بما ذكر من الوصفين أو بالجمع بين النعتين (فقال بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [التوبة: 128] وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْحَقُّ الْمُبِينُ وَمَعْنَى الْحَقِّ، الموجود) أي دوامه الثابت قيامه (والمتحقّق أمره) لأنه الثابت مطلقا لوجوب شأنه وأما غيره فلا وجود له في حد ذاته لإمكانه وهذا وجه قوله تعالى كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ وإلى هذا المعنى أشار لبيد بقوله (ألا كل شيء ما خلا الله باطل) وهذا إيراد شيخ مشايخنا أبو الحسن البكري قدس الله سره السري بقوله استغفر الله مما سوى الله (وكذلك المبين أي البيّن) يعني الظاهر (أمره) أي أمر وجوده وشأن ربوبيته (وإلهيّته) أي بوصف وأجبيته واحديته وواحديته ثم قوله (بان وأبان بمعنى واحد) يعني أن بان ههنا بمعنى أبان فهما لازمان وقد يكون أبان متعديا فيكون المبين بمعنى المظهر وهذا معنى قوله (ويكون بمعنى المبين لعباده أمر دينهم) أي ما يتعلق به من معاشهم في دنياهم (ومعادهم) أي وأمر معادهم في عقباهم وهذا المعنى في حقه تعالى (وسمّى النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك) أي بما ذكر من الاسمين (في كتابه فقال) أي بعد قوله بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ (حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ [الزخرف: 39] ) وهذا على قول بعض المفسرين من أن المراد بالحق هو الرسول الأمين خلافا لمن قال إن المراد بالحق هو الكتاب المبين (وقال: وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ [الحجر: 89] ) أي الظاهر الإنذار أو مظهر الأخبار (وقال) أي بعد قوله (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ [يونس: 801] ) يعني به محمدا أو القرآن (وَقَالَ: فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ [الْأَنْعَامِ: 5] قيل) أي المراد بالحق (محمّد) أي كذبوا بالنبي الثابت نبوته المتحقق معجزته بدليل الآيات السابقة المشيرة إليه فلا التفات إلى قول الدلجي وهذا القيل مما لا دليل عليه (وقيل القرآن) وكلاهما صحيح وفي المدعي صريح فإن تكذيب كل منهما يستلزم تكذيب الآخر سواء تقدم الأول أو تأخر فتدبر (ومعناه) أي ومعنى الحق (هنا) أي في كل من التفسيرين (ضدّ الباطل والمتحقّق صدقه وأمره) أي شأنه جميعه ثم المتحقق بكسر القاف
الأولى وهو مرفوع عطفا على ضد الباطل فهو خبر بعد خبر إشعارا بأن للحق معنيين مشهورين وأما قول الحلبي بفتح القاف الأولى المشددة وهو مبتدأ وصدقه الخبر وأمره معطوف على الخبر فهو مرفوع أيضا فخطأ من جهة البناء الصرفي والإعراب النحوي (وهو بمعنى الأوّل) أي فيما سبق فتأمل، (والمبين) على أنه نعت الرسول الأمين معناه (البين أمره ورسالته) أي الظاهر والواضح بناء على أن أبان لازم (أو المبين) بتشديد الياء المكسورة أي المظهر والمخبر (عن الله تعالى ما بعثه به) أي من أمر الرسالة لتعليم الأمة بناء على أن أبان متعد (كَمَا قَالَ تَعَالَى: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: 44] ) أي من مرغوب ومرهوب (وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى النُّورُ وَمَعْنَاهُ ذُو النُّورِ) يعني على مضاف مقدر (أي خالقه) أو سمى نورا مبالغة كالعدل فمعناه النور ومبناه الظهور لأنه تعالى ظاهر بذاته وصفاته ومظهر حقائق مخلوقاته أو معنى ذي النور أن حجابه النور بحيث لو انكشفت سبحات وجهه لأحرقت ما انتهى إليها بصره من خلقه أو لأن ظهور الأشياء إنما هو بنوره وتبين الأمور ليس إلا لظهوره وأما اطلاق النور عليه سبحانه وتعالى بناء على ما هو في عرف الحكماء من أنه كيفية تدركها الباصرة أولا ثم بها تدرك سائر المبصرات كالكيفية الفائضة من القمرين على الأجرام المحاذية لها فلا يصح حقيقة إلا أنه قد يتجوز من حيث إن ظهوره تعالى بذاته الموصوف بالقدم مبرأ عن ظلمة العدم وأن ظهور غيره ووجوده فائض عنه تعالى ثم تحقيق هذا المبنى وتدقيق هذا المعنى عند قوله تعالى اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ حيث قيل من جملة معانيه (أو منوّر السّموات والأرض) أي كما قرىء به في الآية على أن النور بمعنى التنوير مصدر بمعنى الفاعل وقوله (بالأنوار) أي بسبب الأنوار الحسية من الكواكب القمرية والشمسية (ومنوّر قلوب المؤمنين بالهداية) أي الوهبية أي بسبب امداد الأنوار المعنوية في الأفلاك القلبية (وسمّاه) أي النبي عليه السلام (نورا) أي على أحد التفسيرين (فَقَالَ: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ [المائدة: 15] قيل) أي المراد بالنور (محمّد وقيل القرآن) وقيل المراد بهما محمد لأنه كما هو نور عظيم ومنشأ لسائر الأنوار فهو كتاب جامع مبين لجميع الإسرار (وقال فيه) أي في حق نبيه (وَسِراجاً مُنِيراً [الأحزاب: 46] ) أي شمسا مضيئا لقوله تعالى وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً ففيه تنبيه لنبيه على أن الشمس أعلى الأنوار الحسية وأن سائرها مستفيض منها فكذلك لنبي عليه السلام أعلى الأنوار المعنوية وأن باقيها مستفيد منه بحكم النسبة الواسطية والمرتبة القطبية في الدائرة الكلية كما يستفاد من حديث أول ما خلق الله نوري وأما الحق فهو في المقام المطلق (سمّي بذلك) أي بما ذكر من النور والسراج المنير (لوضوح أمره) أي أمر رسالته (وبيان نبوّته وتنوير قلوب المؤمنين) عموما (والعارفين) خصوصا (بما جاء به) وما ظهر لهم من الأنوار والأسرار بسببه قال الحلبي ولعل ابن سبع استنبط من هذا ومن الحديث الذي سأل فيه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ربه أن يجعل في جميع أعضائه وجهاته نورا وضم ذلك لقوله واجعلني نورا ما
قاله من أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان من خصائصه أنه كان نورا وكان إذا مشى في الشمس أو القمر لا يظهر له ظل والله سبحانه وتعالى أعلم. (ومن أسمائه تعالى الشّهيد) من الشهود بمعنى الحضور (ومعناه العالم) أي بظاهر ما يمكن مشاهدته كما أن الخبير هو العالم بباطن ما لم يمكن إحساسه (وقيل) أي في معناه (الشّاهد على عباده يوم القيامة) الأولى إطلاقه لقوله تعالى وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً ولعل وجه تقييده المناسبة في إطلاقه على صاحب الرسالة (وسمّاه) أي الله نبيه في كتابه (شهيدا وشاهدا) كان الأولى تقديم شاهدا ليلائم ترتيب ما رتبه (فقال إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً [الفتح: 8] ) أي عالما أو مطلعا (وقال) أي في موضع آخر (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [الْبَقَرَةِ: 143] وَهُوَ بِمَعْنَى الأوّل) أي إلا أنه أبلغ وأدل والأظهر أنه من مادة الشهادة فتأمل فإنه المعول. (ومن أسمائه تعالى الكريم معناه الكثير الخير) أي النفع (وقيل المفضل) بضم الميم وكسر الضاد أي ذو الإفضال بالنوال قبل السؤال (وقيل العفو) وفيه أن عفوه من جملة كرمه (وقيل العليّ) أي رفيع الشأن عظيم البرهان يتعالى كرمه عن النقصان (وفي الحديث المرويّ) أي مما رواه ابن ماجة (في أسمائه تعالى الأكرم) وكذا جاء في التنزيل اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (وَسَمَّاهُ تَعَالَى كَرِيمًا بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [الحاقة: 40] قيل) أي المراد به (محمّد وقيل جبريل) وهو الأظهر وعليه الأكثر (وقال عليه الصلاة والسلام أنا أكرم ولد آدم) وسنده قد تقدم وفي لفظ أنا أكرم الأولين والآخرين أي أفضلهم (ومعاني الاسم) أي اسم الكريم والأكرم على ما تقدم (صحيحة في حقّه عليه السلام أي بالكمال والتمام إذ من جملة ما صدر عنه من الكرم والإنعام ما يدل عليه قول صفوان بن أمية وقد أعطاه غنما بين جبلين أن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر وهذا غاية الكرم في ابن آدم (ومن أسمائه تعالى العظيم) من عظم الشيء إذ اكبر جسما وهيئة ثم استعير لما كبر قدرا ورتبة (وَمَعْنَاهُ الْجَلِيلُ الشَّأْنِ الَّذِي كُلُّ شَيْءٍ دُونَهُ) أي في الظهور والبرهان هذا وقيل الكبير اسم للكامل في ذاته والجليل في صفاته والعظيم فيهما فهو اجل منهما (وقال في النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) في كلامه القديم (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: 4] ) فله العظمة المعنوية باعتبار أخلاقه البهية (ووقع في أوّل سفر) بكسر أوله أي أول دفتر (من التّوراة) أي من اسفارها (عن إسماعيل) أي ابن الخليل والمعنى عن جهته وفي حقه (وستلد عظيما) بالخطاب وفي نسخة بالغيبة بناء على جهتي التعبير من رعاية المبنى والمعنى فالمعنى ستلد ولدا عظيما يكون نبيا كريما (لأمّة عظيمة) أي في الكمية أو الكيفية كما يشير إليه قوله تعالى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ وخيرية كل أمة تابعة لخيرية نبيها (فهو عظيم) أي في ذاته (وعلى خلق عظيم) أي في صفاته وتعبيره بعلى الموضوع للاستعلاء تمثيل لتمكنه من غاية الاستيلاء. (ومن أسمائه تعالى الجبّار) فعال للمبالغة من الجبر بضرب من القهر على ما هو في الأصل ثم قد يستعمل في الإصلاح المجرد كقول علي رضي الله تعالى عنه يا جابر كل كسير ومسهل كل عسير وتارة في القهر
المجرد ومنه ما ورد لا جبر ولا تفويض ومن ثم قيل كما قال (ومعناه المصلح) أي لأمور عباده على وفق مراده (وقيل القاهر) أي فوق عباده فلا موجود إلا وهو مقهور تحت قدرته وهدف لإرادته ومشيئته (وقيل العليّ) أي الرفيع البرهان (العظيم الشّأن، وقيل المتكبّر) أي المستغني عن كل أحد في كل زمان ومكان ولا يستغني عنه أحد في كل شأن وأوان (وسمّي النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم في كتاب داود) وفي نسخة في كتب داود أي زبوره أو زبره (بجبّار) الأظهر أن لقول بالجبار لقوله (فقال) أي مناديا له في عالم الأرواح ومستحضرا له في عالم الإشباح (تقلد أيّها الجبّار سيفك) أي للكفار (فإنّ ناموسك) بألف قال التلمساني يهمز ويسهل والناموس وعاء العلم وصاحب سرك الذي تطلعه على باطن أمرك وهو جبريل عليه السلام قال الأنطاكي والمراد هنا والله تعالى أعلم ما يوحي إليه وهو القرآن انتهى والأظهر أن يقال في المعنى أي اعتبارك واقتدارك وأنوار علومك وأسرارك (وشرائعك) أي أحكامك وأخبارك (مقرونة بهيبة يمينك) أي قوة تصرفك وغلبة قهرك وكثرة نصرك على وفق يقينك. (ومعناه في حقّ النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي باعتبار معانيه في حقه سبحانه والمناسبة التامة مما يقتضي شأنه (إمّا لإصلاحه الأمّة بالهداية والتّعليم) أي بإظهار العناية والرعاية مما تحتاجون في البداية والنهاية (أو لقهره أعداءه) أي ولجبره أحباءه (أو لعلوّ منزلته على البشر) أي جنس بني آدم في الفواضل النفسية والفضائل الإنسية (وعظيم خطره) بفتحتين أي قدره ومزيته على غيره (ونفى) أي الله تعالى (عَنْهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ جَبْرِيَّةَ التَّكَبُّرِ الَّتِي لا تليق به) وفي نسخة جبرية التكبر والأظهر جبرية القهر لقوله (فقال: وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ [ق: 45] ) أي بمسلط وقهار تقهرهم على الإيمان وتقدرهم على العرفان أو أنت عليهم بوصف الجبابرة بل بنعت الرأفة والرحمة. (ومن أسمائه تعالى الخبير) مبالغة من الخبرة وهي العلم بالأمور الخفية، (ومعناه المطّلع بكنه الشّيء) بضم الكاف أي على غايته ونهايته. (العالم) وفي نسخة والعالم (بحقيقته) أي بماهيته وكيفيته (وقيل معناه المخبر وقال الله تعالى: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً [الفرقان: 59] ) واختلف في المراد بالسائل والمسؤول (قال القاضي بكر بن العلاء) هو بكر بن محمد بن زياد القشيري من أولاد عمران بن الحصين رضي الله تعالى عنه مات سنة أربع وأربعين وثلاثمائة ذكره التلمساني وقال الأنطاكي هو المالكي (المأمور بالسّؤال غير النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم والمسؤول الخبير هو النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي فاسئل بما ذكر أو عما ذكر مما تقدم من خلق الأشياء ووصف الاستواء عالما يخبرك بحقيقة الإنباء وهو سيد الأنبياء (وقال غيره) أي غير بكر (بل السّائل النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم والمسؤول هو الله تعالى) وهو أظهر الأقوال وقيل جبريل أو من وحد الله في كتبه المتقدمة (فالنّبيّ خبير بالوجهين المذكورين) أي ما قدمه القاضي آنفا من قوله الخبير أما معناه العالم بحقيقة الشيء أو المخبر (قيل) أي في توجيه الوجهين (لِأَنَّهُ عَالِمٌ عَلَى غَايَةٍ مِنَ الْعِلْمِ بِمَا أَعْلَمَهُ اللَّهُ مِنْ مَكْنُونِ عِلْمِهِ وَعَظِيمِ مَعْرِفَتِهِ) يعني
فيصلح أن يكون سائلا (مخبر لأمّته بما أذن) أي أبيح (له في إعلامهم به) أي بما ينفعهم معاشا ومعادا فيصح أن يكون خبيرا بمعنى مخبرا فيصير مسؤولا (ومن أسمائه تعالى الفتّاح) أي كما قال الله تعالى وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (ومعناه الحاكم بين عباده) كقوله تعالى رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا أي احكم لأن الحكم فتح أمر مغلق بين الخصمين وقد بين الله الحق وأوضحه وميز الباطل وأدحضه بإنزال الكتاب المبين وإقامة البراهين في أمر الدين (أو فاتح أبواب الرّزق) أي على أنواع الخلق من أسباب النعمة الدنيوية والأخروية (والرّحمة) أي من قبول التوبة وحصول المغفرة (والمنغلق) بالنون الساكنة والغين المعجمة المفتوحة واللام المكسورة أي المشكل (من أمورهم عليهم أو يفتح قلوبهم) أي أعين بصيرتهم فقوله (وبصائرهم) عطف تفسير وفي نسخة وأبصارهم فالمعنى أبصارهم الباطنة والظاهرة (لمعرفة الحقّ) أي وتمييزه عن الباطن (ويكون) أي الفتاح (أيضا بمعنى النّاصر) وكان الأظهر أن يقول ويكون الفتح بمعنى النصر (كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ [الْأَنْفَالِ: 19] أَيْ إِنْ تَسْتَنْصِرُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ النَّصْرُ وقيل معناه) أي معنى الفتاح (مبتدىء الفتح والنّصر) يعني ملاحظة المعنيين من الفتح وهو الافتتاح والفتح ولا يبعد أن تكون الدال مفتوحة فمعنى جاءكم الفتح أي مبتدأ ولذاو أوله وهذا كله بناء على النسخ المعتمدة من بناء الكلمة على الابتداء من باب الافتعال وفي أصل الدلجي مبدئ الفتح والنصر من الابداء من باب الأفعال ولذا قال أي مظهرهما (وسمّى الله تعالى نّبيّه محمّدا صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَاتِحِ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ الطَّوِيلِ) أي على ما سبق بطوله (مِنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي العالية وغيره عن أبي هريرة) أي مرفوعا (وفيه من قول الله تعالى) يعني الحديث القدسي (وجعلتك فاتحا وخاتما) بكسر التاء فيهما (وفيه من قول النّبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَنَائِهِ عَلَى رَبِّهِ وَتَعْدِيدِ مراتبه) أي قياما بشكره (ورفع لي ذكري) أي بعد ما شرح صدري ووضع عني وزري (وجعلني فاتحا وخاتما) أي أولا بالنبوة في عالم الأرواح وآخرا بالرسالة في عالم الأشباح؛ (فيكون) أي فيحتمل أن يكون (الفاتح هنا بمعنى الحاكم) أي بين الخصوم بما أعطى له من العلوم (أو الفتاح لأبواب الرحمة على أمته) أي لكونه رحمة للعالمين وأمته أمة مرحومة (والفاتح) الأظهر أو الفاتح (لبصائرهم بمعرفة الحقّ والإيمان بالله) أي على جهة الصدق (أو النّاصر للحقّ) أي بخذلان اعدائه وتبيان أحبائه (أو المبتدي بهداية الأمّة) بكسر الدال بمعنى البادئ المأخوذ من الفتح بمعنى الافتتاح ومنه الفاتحة (أو المبدّأ) بضم الميم وفتح الموحدة وتشديد الدال المهملة ثم همزة مقصورة أي المبتدأ كما في نسخة (المقدّم في الأنبياء) أي عند خلق أنوارهم وتقسيم أسرارهم (والخاتم لهم) أي بالمنع عن إظهارهم (كما قال صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْتُ أَوَّلَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْخَلْقِ) أي في حال الخلقة (وآخرهم في البعث) أي في بعثة الدعوة. (ومن أسمائه تعالى في الحديث) أي على ما رواه الترمذي وغيره عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا (الشّكور) وفي القرآن
إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ وهو مبالغة الشاكر (ومعناه المثيب) أي المجازي بالجزاء الجزيل (على العمل القليل) فيرجع إلى صفة الفعل (وقيل المثني على المطيعين) فيرجع إلى صفة الذات وقيل الشكور لمن شكره فيكون من قبيل المقابلة وأما قول الدلجي المجازي عباده على شكرهم فليس من باب المشاكلة كما وهم بل يرجع إلى الأخص من المعنى الأول فتأمل (وَوَصَفَ بِذَلِكَ نَبِيَّهُ نُوحًا عليه السلام فَقَالَ: إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً [الإسراء: 3] ) ولقد قال أيضا في حق هذه الأمة إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ أي لكل مؤمن كامل عالم عامل فإن الإيمان نصفان نصفه صبر ونصفه شكر فالأول باجتناب المعصية والثاني بارتكاب الطاعة وقد قال تعالى اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وقيل مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ وقيل الشكور هو المعترف بالعجز عن أداء الشكر هذا وقد قال الأنطاكي لم يقع هذا من القاضي موقعه لأنه في معرض تحرير ما فضل الله تعالى به نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم وما خلع تعالى عليه من اسمائه وأما من خص بكرامة غير محمد من الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام فقد قدمهم في أول الفصل وذكر نوحا عليه الصلاة والسلام في جملتهم وكان في ذلك غنية عن إعادة ذكره هنا مرة أخرى (وقد وصف النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم نفسه بذلك) أي الوصف (فقال) أي في الحديث المتقدم كما ذكره الترمذي وغيره لما قيل له حين انتفخت قدماه من قيام الليل اتتكلف هذا وقد غفر الله لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ (أفلا أكون عبدا شكورا) يعني وعلى مشقة عبادته صبورا، (أي معترفا بنعم ربّي عارفا بقدر ذلك) أي بمقدار إنعامه عندي (مثنيا عليه) أي بلساني وجناني (مجهدا نفسي) أي في القيام بأركاني (في الزّيادة) أي في تحصيلها (مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم: 7] ) أي نعمة على نعمة والحاصل أن المبالغة في القيام بشكر المنحة موجبة لزيادة مراتب المنة ومقتضية لإزالة مثالب المحنة. (ومن إسمائه تعالى العليم) قال الله تعالى وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (والعلّام) كان حقه أن يقول علام الغيوب أو علام الغيب إذ لم يرد العلام في اسمائه سبحانه وتعالى (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أي في آية وفي آخرى عالِمِ الْغَيْبِ إما للاكتفاء وإما على برهان الأولى وغيبوبته بالنسبة إلى غيره وإلا ففي الحقيقة لا غيب بالنسبة إليه تعالى لأنه موجد كل شيء وخالقهم. (ووصف نبيّه بالعلم) أي في الجملة مع المشاركة لغيره (وخصّه بمزيّة منه) أي بفضيلة زائدة منه على غيره لاختصاصه بفضل منته عليه (فقال: وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ
) أي من المعارف الدينية والعوارف اليقينية (وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
[النساء: 113] ) أي بالنسبة إلى غيرك من الأنبياء والأصفياء وإن أعطى كل منهم حظا جسيما (وقال) أي في مرتبة التكميل به مزية الكمال (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ) أي قراءته مبني (وَالْحِكْمَةَ) أي ألسنة لبيانه معنى (وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة: 151] ) أي بعقولكم ما لا طريق إلى معرفته سوى الوحي بإبداء نبوته وإظهار رسالته وفي تكرير الفعل إيماء إلى أنه نوع آخر فتدبر ولعل المراد
به أحوال الحقيقة وبما سبق من الكتاب والسنة أحكام الشريعة والطريقة وقد روي الشريعة أقوالي والطريقة فعالي والحقيقة أحوالي (ومن أسمائه تعالى الأوّل) أي وجودا بلا ابتداء (والآخر) أي شهودا بلا انتهاء (ومعناهما السّابق للأشياء قبل وجودها) أي أزلا (والباقي بعد فنائها) أي أبدا لحديث اللهم أنت الأول فليس قبلك أي قبل ابدائك شيء وأنت الآخر فليس بعدك أي بعد افنائك الخلق شيء وأنت الظاهر فليس فوقك أي فوق ظهورك شيء باعتبار مظاهر أفعالك وصفاتك وأنت الباطن فليس دونك أي دون بطونك شيء باعتبار حقيقة ذاتك اقض عني ديني واغنني من الفقر يعني فإنك الغني المغني (وتحقيقه) أي تحقيق كونه أولا وآخرا (أنّه ليس له أوّل) يعني وهو موجد الأشياء ومبدعها (ولا آخر) لأنه مفني الأشياء ومعيدها فهما بهذا المعنى من صفات التنزيه له تعالى وإن كان باعتبار مؤداهما من إفادة كونه أزليا وأبديا يكون وصفا ثبوتيا (وقال صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْتُ أَوَّلَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْخَلْقِ) أي في بدء عالم الخلق (وآخرهم في البعث) أي في نهاية عالم الأمر (وفسّر بهذا) أي بكونه أول الأنبياء خلقا (قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ) أي عهدهم بتبليغ دعوة الحق والرسالة إلى الخلق (وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ [الأحزاب: 7] ) أي وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وخصوا بالذكر لأنهم أشهر أرباب الشرائع وهم أولو العزم من الرسل (فقدّم) أي الله سبحانه (محمّدا صلى الله تعالى عليه وسلم) أي ذكره على المتقدمين من الأنبياء المذكورين مع أنه متأخر في الوجود عنهم في عالم الأشباح لسبق رتبته وتقدم نبوته في عالم الأرواح وقد روي أول ما خلق الله نوري وفي لفظ روحي وورد أنه أول من قال بلى في الميثاق (وَقَدْ أَشَارَ إِلَى نَحْوٍ مِنْهُ عُمَرُ بْنُ الخطّاب رضي الله عنه أي فيما تقدم من قوله بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ بَلَغَ مِنْ فَضِيلَتِكَ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ بَعَثَكَ آخر الأنبياء وذكرك أولهم أي في الأنباء فقال وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ الآية (ومنه) أي ومن قبيل قوله كنت أول الأنبياء الخ أي باعتبار النسبة الأولية والسابقية والقبلية في الجملة من مرتبة المزيد (قوله نحن الآخرون) أي في الخلقة (السّابقون) أي في البعثة يوم القيامة أو المقضي لهم قبل الخليقة كما صرح به في حديث مسلم (وقوله) أي ومنه قوله (أنا أوّل من تنشقّ الأرض عنه) وفي نسخة عنه قبل الأرض، (وأوّل من يدخل الجنّة) أي هو وأمته من الباب الأيمن من أبوابها كما ورد في بعض طرق الحديث، (وأوّل شافع، وأوّل مشفّع) أي مقبول الشفاعة (وهو خاتم النّبيّين) أي لا نبي بعده (وآخر الرّسل) تأكيد لما قبله (صلى الله تعالى عليه وسلم) أي وعليهم أجمعين قال الدلجي وهو صلى الله تعالى عليه وسلم سمى بالأول والآخر إنما هو من حيث كونه أولا في الخلق وآخرا في البعث لا من حيث معناهما في حقه تعالى فلا التفات إلى ما ذكر هنا انتهى ولا يخفى أنه لا خصوصية للتفرقة بهذين الوصفين من بين سائر الصفات السابقة واللاحقة إذ لا يتصور اشتراك المخلوق مع الخالق في نعت من النعوت بحسب الوصف الحقيقي وإنما يكون بملاحظة المعنى المجازي أو
العرفي فالله سميع بصير عليم حي قدير مريد متكلم وقد أثبت هذه الصفات أيضا لبعض المخلوقات ولكن بينهما بون بين ولا يخفى مثل هذا على دين وقد افرد المصنف كما سيأتي فصلا في بيان هذا الفضل لئلا يعدل أحد عن مقام العدل هذا وقد روى التلمساني عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نزل جبريل فسلم علي فقال في سلامه السلام عليك يا أول السلام عليك يا آخر السلام عليك يا ظاهر السلام عليك يا باطن فانكرت ذلك عليه وقلت يا جبريل كيف تكون هذه الصفة لمخلوق مثلي وإنما هذه صفة الخالق الذي لا تليق إلا به فقال يا محمد اعلم أن الله أمرني أن اسلم بها عليك لأنه قد فضلك بهذه الصفة وخصك بها على جميع النبيين والمرسلين فشق لك اسما من اسمه ووصفا من وصفه وسماك بالأول لأنك أول الأنبياء خلقا وسماك بالآخر لأنك آخر الأنبياء في العصر وخاتم الأنبياء إلى آخر الأمم وسماك بالباطن لأنه تعالى كتب اسمك مع اسمه بالنور الأحمر في ساق العرش قبل أن يخلق أباك آدم بألفي عام إلى ما لا غاية له ولا نهاية فأمرني بالصلاة عليك فصليت عليك يا محمد ألف عام بعد ألف عام حتى بعثك الله بشيرا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا وسماك بالظاهر لأنه أظهرك في عصرك هذا على الدين كله وعرف شرعك وفضلك أهل السموات والأرض فما منهم من أحد إلا وقد صلى عليك صلى الله عليك فربك محمود وأنت محمد وربك الأول والآخر والظاهر والباطن وأنت الأول والآخر والباطن فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الحمد لله الذي فضلني على جميع النبيين حتى في اسمي وصفتي. (وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْقَوِيُّ وَذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) وهو تفسير لما قبله (ومعناه القادر) أي التام القدرة الكامل القوة (وقد وصفه الله تعالى) أي نبيه (بِذَلِكَ فَقَالَ: ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ [التكوير: 20] قيل) أي المراد به (مُحَمَّدٌ وَقِيلَ جِبْرِيلُ. وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الصَّادِقُ) كما رواه ابن ماجة في الاسماء الحسنى (في الحديث المأثور) أي المروي عن أبي هريرة مرفوعا وقد يؤخذ من قوله تعالى وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ (وورد في الحديث) أي الصحيح عن ابن مسعود (أيضا اسمه عليه الصلاة والسلام بالصّادق) أي فيما يقوله (المصدوق) أي فيما يخبره يعني المشهود له بصدق في كلامه سبحانه وتعالى بقوله وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. (ومن أسمائه تعالى) أي في القرآن (الوليّ) أي من قوله تعالى اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا كذا ذكره الدلجي وكأنه غفل عن قوله تعالى فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وقوله تعالى وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (والمولى) قال تعالى فَنِعْمَ الْمَوْلى (ومعناهما) أي معنى كل من الولي والمولى (النّاصر) والأظهر المغايرة بينهما لقوله سبحانه وتعالى فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ فالولي هو المتصرف في أمر عباده على وفق مراده وكذلك المولى في وصفه تعالى بالمعنى الأعم من معنى النصير كما لا يخفى على الناقد البصير وهو لا ينافي أنه قد يراد بالولي والمولى الناصر كما بينه المصنف بقوله (وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
[المائدة: 55] ) وقال عليه الصلاة والسلام أنا ولي كل مؤمن رواه البخاري عن أبي هريرة وروى أحمد وأبو داود عن جابر نحوه (وقال الله تعالى النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وقال عليه الصلاة والسلام أي على ما رواه الترمذي وحسنه (من كنت مولاه فعليّ مولاه) أي من أحبني وتولاني فليتوله فإنه مني قال الشافعي ولاء الإسلام كقوله تعالى ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ وقد قال عمر لعلي رضي الله تعالى عنهما أصحبت مولى كل مؤمن أي وليه على لسان نبيه قيل سببه أن أسامة بن زيد قال لعلي لست مولاي إنما مولاي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ.
(وَمِنْ أَسْمَائِهِ تعالى العفوّ) أي كثير العفو (ومعناه الصّفوح) أي كثير الاعراض عن الاعتراض وأصله إمالة صفحة العنق عن الجاني ثم استعمل مجازا في المعاني (وقد وصف الله تعالى نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم بهذا) وفي نسخة صحيحة بهذا نبيه (في القرآن. و) في (التّوراة) أما التوراة فكما سيأتي وأما القرآن فكما قال المصنف (وأمره بالعفو) ولا شك أنه كان ممتثلا لأمره فيتحقق وصفه به (فقال خُذِ الْعَفْوَ [الأعراف: 199] ) أي هذه الخصلة الحميدة وهي المجاوزة عن مرتكب السيئة إذا كانت بنفسك متعلقة وتمامه وأمر أي الناس بالعرف أي المعروف شرعا وعرفا أو نقلا وعقلا وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ أي المعاندين من المجادلين (وقال) أي عز وجل (فَاعْفُ عَنْهُمْ) أي تجاوز (وَاصْفَحْ [المائدة: 13] ) أي تغافل (وقال له جبريل وقد سأله) أي النبي (عن قوله) أي عن معنى قوله تعالى (خُذِ الْعَفْوَ [الأعراف: 199] ) أي الآية (قال أن تعفو عمن ظلمك) أي وتصل من قطعك وتعطي من حرمك (وقال في التّوراة) زيد في نسخة والإنجيل قال الأنطاكي قال شيخنا برهان الدين الحلبي هذا الحديث ذكره البخاري في صحيحه من رواية عبد الله بن عمرو ليس فيه ذكر الإنجيل (في الحديث المشهور) أي الذي رواه عبد الله بن عمرو بن العاص فيما سبق (في صفته) أي نعته في التوراة (ليس بفظّ) أي سيئ الخلق (ولا غليظ) أي جافي القلب (ولكن يعفو) أي يمحو في الباطن (ويصفح) أي ويعرض في الظاهر فاشتق له من اسمه العفو لاتصافه بكثرة العفو.
(ومن أسمائه تعالى الهادي وهو) أي الهداية في صفة الحق (بمعنى توفيق الله تعالى لمن أراد من عباده) أن يخلق الاهتداء فيه فيصير مهتديا به فالمراد بالهداية هنا الدلالة الموصلة إلى المطلوب ومنه قوله تَعَالَى إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وقد يستعمل بمعنى البيان ومجرد الدلالة كما في قوله تعالى وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ وقوله سبحانه وتعالى وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ وهذا معنى قوله (وبمعنى الدّلالة) أي على طريق الحق وبيان سبيل الرشد (والدّعاء) أي وبمعنى الدعاء وهو قريب مما قبله (قال الله تعالى وَاللَّهُ يَدْعُوا) أي عامة الخلق بدعوة الحق (إِلى دارِ السَّلامِ) أي دار الله التي فيها رؤيته التي هي أعز المرام أو دار يسلم الله تعالى وملائكته على من فيها بوجه الدوام أو دار السلامة من الآفة والملامة (وَيَهْدِي) بتوفيقه (مَنْ يَشاءُ) بتخصيصه (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [يونس: 25] )
أي دين قويم (وأصل الجميع) أي جميع أنواع الهداية مما هو بمعنى التوفيق وهو خلق الاهتداء وما هو بمعنى الدلالة وما هو بمعنى الدعاء (من الميل) أي والإقبال (وقيل من التقديم) يعني فكان من هدى مال إلى ما هدى إليه أو قدم إليه وكلام القولين غير معروف في كتب اللغة مع أنه لا يظهر وجه الدلالة على سبيل الأصالة ثم لا فائدة فيه غير الإطالة (وقيل في تفسير طه إنه) أي معناه بإشارة مبناه (يا طاهر يا هادي يعني) أي يريد به أو بهما (النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقال تعالى له) أي في حقه عليه الصلاة والسلام (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي لتدعو كما قرئ به والمعنى تدل الخلق إلى طريق الحق (وقال فيه وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ) أي بأمره أي بتيسيره زيد في نسخة وسراجا منيرا والحاصل أنه صلى الله تعالى عليه وسلم موصوف بكونه هاديا إلا أنه مختص بالمعنى الثاني وهو مجرد الدلالة والدعاء (فالله تعالى مختصّ بالمعنى الأوّل) وهو التوفيق لمن يشاء بخلق الاهتداء، (قال الله تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) أي لا تقدر أن تخلق فيه قبول الهداية وإنما وظيفتك مجرد الدعوة والدلالة (وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [القصص: 56] ) بتوفيقه للإجابة وقبول الهداية (وبمعنى الدّلالة يطلق على غيره تعالى) أي قد يطلق على غيره سبحانه وتعالى فاستعمال الهداية في حق البارئ بالمعنى الأعم وهو إرادة المعنيين واختصاصه تعالى بالمعنى الأول واختصاص غيره بالمعنى الثاني ولذا زيد في نسخة هنا فهو في حقه صلى الله تعالى عليه وسلم بمعنى الدلالة أي لا غير، (ومن أسمائه تعالى المؤمن المهيمن) بكسر الميم الثانية وقد تفتح (قيل هما بمعنى واحد) وهذا مبني على قول فاسد كما سيجيء معبرا عنه بقيل من أن الصيغة للتصغير وإن الهمزة مبدلة بالهاء فإن التصغير الذي وضع للتحقير غير مناسب لوصف العلي الكبير فالصحيح أن المهيمن مأخوذ من هيمن على كذا صار رقيبا إليه وحافظا عليه نعم قد يقال إن معناهما واحد من آمن غيره من الخوف على أن أصله مأمن قلبت الهمزة الأولى هاء والثانية ياء وقيل هو بمعنى الأمين أو المؤتمن (فَمَعْنَى الْمُؤْمِنِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى الْمُصَدِّقُ وَعْدَهُ عباده) أي وعده عباده كما في نسخة أي المنجز ما وعدهم في الدنيا من نعيم العقبى كما جاء في التنزيل وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ أو بالمعنى الأعم كما في الحديث صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده (والمصدّق) أي بذاته (قوله الحقّ) بنصبه على أنه نعت قوله أي من كلماته الثابتة في آياته قال الله تعالى فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ، (والمصدّق لعباده المؤمنين) كما أشار في التنزيل رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ (ورسله) حيث قال فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ (وقيل الموحّد نفسه) أي بقوله شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وقوله سبحانه إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فهو مؤمن بتصديقه لنفسه (وقيل المؤمن) بتخفيف الميم بعد الهمزة الساكنة وفي نسخة بتشديدها بعد الهمزة المفتوحة وهو مما لا حاجة إليه أي معطي الأمن والامان (عباده في الدّنيا من ظلمه) أي لتنزهه عن وقوعه
وفي نسخة من غضبه وهي في غير محلها لعموم عباده كما يدل عليه عطف خواصهم عليه بقوله (والمؤمنين في الآخرة من عذابه) أي من عذابه المخلد أو من تعذيبه فإن ما يقع لبعض المجرمين فهو من باب تهذيبه أو أراد بالمؤمنين الكاملين، (وقيل المهيمن بمعنى الأمين) مفيعل من الأمانة (مصغّر منه) أي من الأمين بزيادة ميمه الاولى فصار مؤيمن كذا ذكره الدلجي وهو غير متجه في العربية بل الصواب أنه مصغر على ما قيل من المؤمن على أن اصله مؤيمن (فقلبت الهمزة هاء) إذ كثيرا ما يتعاقبان قلبا كما قيل أراق وهراق وايهات وهيهات وإياك وهياك وقد قدمنا ما يتعلق به من التحقيق والله ولي التوفيق (وقد قيل إنّ قولهم) أي قول المؤمنين (في الدّعاء) أي في عقبه (آمين) أي بالمد والقصر (اسم) وفي نسخة أنه أي آمين اسم (من أسماء الله تعالى) والظاهر أنه بكسر همزة وأنه بجملته ساد مسد خبر أن الأول فتأمل وقال الانطاكي إنه بفتح الهمزة وهو للتعليل أي لأنه اسم من اسماء الله تعالى كما روي ذلك عن مجاهد قال الانطاكي فمعناه يا آمين استجب انتهى ولا يخفى أن هذا تركيب في المعنى بين القولين في المبنى قال النووي في التهذيب وهذا لا يصح لأنه ليس في اسماء الله تعالى اسم مبنى ولا غير معرب مع أن اسم الله تعالى لا يثبت إلا قرآنا أو سنة متواترة وقد عدم الطريقان ذكره الحلبي ثم قال وقوله أو سنة متواترة كذلك آحادا وقد ذكر هو عن إمام الحرمين أنه يثبت إطلاقه عليه بالآحاد ذكره في قوله إن الله جميل يحب الجمال انتهى ولا يخفى أن ورود آمين ثبت آحادا بل كاد أن يثبت متواترا باعتبار جمع معنى ما ورد إفرادا إلا أن المراد به اسمه سبحانه في محل الاحتمال والله تعالى اعلم بالحال نعم قد ورد في الحديث آمين خاتم رب العالمين على لسان عباده المؤمنين كما رواه ابن عدي والطبراني في الدعاء عن أبي هريرة لكن المشهور في معناه استجب وهو اسم مبني على الفتح يمد ويقصر والد أكثر وورد في حديث قال بلال لرسول الله لا تسبقني بآمين أي بعد قراءة الفاتحة في الصلاة ولعل الكلام وقع مقلوبا والمعنى قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في التأمين لبلال لا تسبقني بآمين هذا وفي القاموس آمين بالمد والقصر وقد يشدد الممدود ويمال أيضا عن الواحدي في البسيط اسم من اسماء الله تعالى أو معناه اللهم استجب أو كذلك مثله فليكن أو كذلك فافعل انتهى فتأمل (ومعناه معنى المؤمن) ولعله مأخوذ من الأمين مقصورا بمعنى المؤمن كما أن البديع بمعنى المبدع ويكون المد متولدا من اشباع الحركة (وقيل المهيمن بمعنى الشّاهد) فهو مغاير للمؤمن من جهة المعنى على ما قدمناه من تحقيق المبنى إذ معنى الشاهد العالم الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة أو الذي يشهد على كل نفس بما كسبت من خير أو شر (والحافظ) أي وبمعنى الحافظ والواو بمعنى أو أي الحافظ لعباده أحوالهم والمحصي عليهم أفعالهم وأقوالهم، (والنّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم أمين) أي مأمون يعني معصوم ومصون أو صاحب الأمانة وطالب الديانة (ومهيمن) أي بمعنى عالم ومشاهد ورقيب وقريب (ومؤمن) أي مصدق أو معطي الأمن (وقد سمّاه)
أي الله (أمينا) أي عند بعض المفسرين (فقال: مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ [التكوير: 21] ) وقيل المراد به جبريل الأمين (وكان صلى الله تعالى عليه وسلم) أي فيما بين أهل الجاهلية (يُعْرَفُ بِالْأَمِينِ وَشُهِرَ بِهِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَبَعْدَهَا) أي لكمال أمانته ووضوح ديانته وحفظ الله سبحانه إياه عن خيانته (وسمّاه العبّاس) أي في شعره كما في نسخة (مهيمنا في قوله) أي من أبيات أنشأها أو أنشدها في مدحه عليه السلام (ثم احتوى بيتك المهيمن من خندف علياء تحتها النّطق) وقد مر بيانه مبنى ومعنى فالمهيمن مرفوع على أنه فاعل احتوى وهو المناسب للمرام في هذا المقام (وقيل المراد يا أيّها المهيمن) فيكون المراد به الله تعالى، (قاله القتيبيّ) بالتصغير وفي نسخة بدون التحتية وفي أخرى بالعين بدل القاف والظاهر الأول فإنه الإمام أبو محمد عبد الله ابن مسلم بن قتيبة وقد صرح به التلمساني بأنه منسوب إلى قتيبة بالتصغير لكن ذكر الأنطاكي عن الأصمعي أن الأقتاب هي الأمعاء واحدتها قتبة وتصغيرها قتيبة وبها سمي الرجل والنسبة إليها قتبي كما تقول جهني في جهينة حكاه عن الجوهري وغيره ثم هو عن الدينوري بكسر الدال وفتح النون وقيل المروزي النحوي صاحب كتاب المعارف وأدب الكاتب كان فاضلا سكن بغداد وحدث بها عن إسحاق بن راهويه وأبي حاتم السجستاني وتلك الطبقة وله تصانيف كثيرة مفيدة منها غرائب القرآن وغريب الحديث ومشكل القرآن ومشكل الحديث ومنها التاريخ وطبقات الشعراء وغير ذلك توفي سنة ست وسبعين ومائتين على ما صححه ابن خلكان. (والإمام أبو القاسم القشيريّ) هو عبد الكريم بن هوزان النيسابوري صاحب الرسالة وولي الله توفي سنة خمس وستين وأربعمائة (وقال تعالى) أي في حق نبيه (يُؤْمِنُ بِاللَّهِ أي يصدق بوجوده لما شاهد عنده من كرمه وجوده (وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ [التوبة: 61] ) أي يصدقهم بعلمهم بخلوصهم واللام مزيدة للفرق بين إيمان الشهود والتصديق وإيمان الأمان بوجود التحقيق فقوله (أي يصدّق) تفسير لمطلق الإيمان وقيل عدي بالباء واللام لأنه قصد التصديق بالله الذي هو نقيض الكفر به وقصد السماع من المؤمنين وأن يسلم لهم ما يقولون ويصدقهم لكونهم صادقين عنده ونحوه قوله تعالى وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ وقالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (وقال صلى الله تعالى عليه وسلم) أي كما في حديث مسلم على ما مر مبنى ومعنى (أنا آمنة) بفتحتين (لأصحابي) أي ذو من أمن هو من باب رجل عدل (فهذا بمعنى المؤمن) أي معطي الأمن والأمان لأهل الإيمان إذ كانت الصحابة في ظل حرم كنفه آمنين وأما قول الدلجي جمع أمين كبررة جمع بر فهو غير موافق أصلا لأنه غير مطابق وزنا وحملا. (ومن أسمائه تعالى القدّوس) بضم القاف ويفتح صيغة مبالغة من القدس وهو الطهارة والنزاهة ولذا قال (ومعناه المنزّه عن النّقائص) أي أزلا، (المطهّر عن سمات الحدث) بكسر السين جمع سمة وهي العلامة أي من صفات الحدوث أبدا وقد يقال في معناه المبرأ من أن يدركه حس أو يتخيله وهم أو يحيط به عقل أو يتصوره فهم لما قيل ما خطر ببالك فالله وراء ذلك (وسمّي بيت المقدس) أي على ما ورد وهو بفتح الدال المشددة وضم الميم وقيل
بفتح الميم وكسر الدال مخففا والظاهر أن بيت مرفوع على نيابة الفاعل والمفعول الثاني مقدر وترك لظهوره وثقل تكرره أي سمي بيت المقدس ببيت المقدس وجزم الأنطاكي بأن بيت بالنصب على أنه المفعول الثاني لسمي والمفعول الأول القائم مقام الفاعل مستكن فيه أي وسمي بيت المقدس بيت المقدس انتهى ولا يخفى أن تقديرنا أولى لأن المفعول الثاني بالحذف أحرى لكونه فضلة والمفعول الأول بالثبات أنسب لكونه كالعمدة (لأنّه يتطهّر) بصيغة المجهول أي يتنظف (فيه من الذّنوب) بناء على أنه يعبد فيه علام الغيوب (ومنه الوادي المقدّس) أي كما جاء في القرآن وهو بمعنى المطهر أو المبارك وهو الأظهر (وروح القدس) أي ومنه روح القدس بضم الدال وسكونها في قوله تعالى وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ
بضم الدال وسكونها أي قويناه بجبريل (ووقع في كتب الأنبياء) أي الكرام والمعنى في جميعها أو بعضها (في أسمائه عليه الصلاة والسلام أي من بيان نعوته وصفاته (المقدّس) أي وقع المقدس في جملة اسمائه وسماته (أي المطهّر من الذّنوب) يعني والمبرأ من العيوب (كَمَا قَالَ تَعَالَى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح: 2] ) أي على فرض وقوع ذلك فتدبر (أَوِ الَّذِي يُتَطَهَّرُ بِهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَيُتَنَزَّهُ باتّباعه عنها) أي عن العيوب (كما قال تعالى وَيُزَكِّيهِمْ) أي يطهرهم مما لا يليق بهم صدوره عنهم (وقال يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ [البقرة: 129] ) أي من ظلمات أنواع الكفر إلى نور وحدة الإيمان والشكر أو من ظلمات الشبهة في الدين بما يهديهم الله به ويضيء لهم نور اليقين ولا يخفى بعد هذا المعنى من هذا المبنى فإن صيغة المفعول بمعنى الآلة للدلالة غير معقول ولا منقول وعلى تقدير أنه منقول فيلزم منه أن يكون هذا النعت لاتباعه أكثر قبول (أو يكون) أي النبي عليه الصلاة والسلام (مقدّسا بمعنى مطهّرا من الأخلاق الذّميمة) بالذال المعجمة أي الردية (والأوصاف الدّنيئة) بتشديد الياء التحتية وأصله الهمز من الدناءة بمعنى الرداءة كما في نسخة وهذا المعنى يقارب ما سبق من قوله المطهر من الذنوب لأن المراد به الطهارة من ذنوب الظواهر وغيوب السرائر. (ومن أسمائه تعالى العزيز) من عز يعز بالكسر (ومعناه الممتنع) أي بذاته (الغالب) باعتبار صفاته (أو الذي لا نظير له) من قوله فلان عزيز الوجود في نظر أرباب الشهود وهو معنى البديع المنيع (أو المعزّ لغيره) فهو فعيل بمعنى كبديع بمعنى مبدع على قول وقد يقال معناه القوي من عز يعز بالفتح ومنه قوله تعالى فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ أي قوينا (وقال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ أي القوة والغلبة والمنعة (وَلِرَسُولِهِ [المنافقون: 8] أي الامتناع) يعني بظهور السلطان (وجلالة القدر) أي بارتفاع الشأن له سبحانه وتعالى ولمن أعزه كرسوله فعزته بربه في الآية وكذا قوله تعالى وَلِلْمُؤْمِنِينَ لأن عزتهم بربهم أولا وبنبيهم آخرا هذا وذكر الحلبي أنه قال المعلق أراد به الشيخ تاج الدين عبد الباقي اليمني في الاكتفاء في شرح الشفاء منه ولقائل أن يقول يجوز أن يكون هذا الوصف أيضا للمؤمنين لشمول العطف إياهم فلا اختصاص للنبي والغرض اختصاصه وعجيب من القاضي كيف خفي عليه مثل هذا الشأن