المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم] - شرح الشفا - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأوّل

- ‌[المقدمة]

- ‌ترجمة القاضي عياض

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌القسم الأول [في تعظيم العلي الأعلى جل وعلا]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ [فِيمَا جَاءَ من ذلك مجيء المدح والثناء]

- ‌الفصل الثّاني [في وصفه تعالى بالشهادة وما تعلق به من الثناء والكرامة]

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ [فيما ورد من خطابه تعالى إياه مورد الملاطفة والمبرة]

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُ [فِي قَسَمِهِ تَعَالَى بِعَظِيمِ قَدْرِهِ صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الفصل الخامس في قسمه

- ‌الْفَصْلُ السَّادِسُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى في جهته عليه الصلاة والسلام مورد الشفقة والإكرام]

- ‌الفصل السّابع [فيما أخبره الله بِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ عَظِيمِ قَدْرِهِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّامِنُ [فِي إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقَهُ بصلاته عليه وولايته له]

- ‌الْفَصْلُ التَّاسِعُ [فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْفَتْحِ مِنْ كراماته عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْعَاشِرُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كتابه العزيز من كراماته عليه ومكانته عنده]

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي تَكْمِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ المحاسن خلقا وخلقا]

- ‌فصل [قال القاضي رحمه الله تعالى إذا كانت خصال الكمال والجلال]

- ‌فصل [إن قلت أكرمك الله تعالى لا خفاء على القطع بالجملة]

- ‌فصل [وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُفُورُ عَقْلِهِ وَذَكَاءُ لُبِّهِ وَقُوَّةُ حَوَاسِّهِ وفصاحة لسانه واعتدال حركاته وحسن شمائله]

- ‌فصل [وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول]

- ‌فصل [وأما شرف نسبه وكرم بلده ومنشأه]

- ‌فصل [وأما تَدْعُو ضَرُورَةُ الْحَيَاةِ إِلَيْهِ مِمَّا فَصَّلْنَاهُ فَعَلَى ثلاثة ضروب الضرب الأول]

- ‌فصل [وأما الضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته والفخر بوفوره]

- ‌فصل [وأما الضرب الثالث فهو ما تختلف فيه الحالات]

- ‌فصل [وأما الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [وأما أَصْلُ فُرُوعِهَا وَعُنْصُرُ يَنَابِيعِهَا وَنُقْطَةُ دَائِرَتِهَا فَالْعَقْلُ]

- ‌فصل [وأما الحلم]

- ‌فصل [وأما الجود]

- ‌فصل [وأما الشجاعة والنجدة]

- ‌فصل [وأما الحياء والإغضاء]

- ‌فصل [وأما حسن عشرته وآدابه]

- ‌فصل [وأما الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق]

- ‌فصل [وأما خلقه صلى الله تعالى عليه وسلم في الوفاء]

- ‌فصل [وأما تواضعه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما عدله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته]

- ‌فصل [وأما وقاره صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما زهده صلى الله تعالى عليه وسلم في الدنيا]

- ‌فصل [وأما خوفه صلى الله تعالى عليه وسلم من ربه عز وجل]

- ‌فصل [اعلم وفقنا الله تعالى وإياك أن صفات جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قد آتيناك أكرمك الله سبحانه من ذكر الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [في تفسير غريب هذا الحديث ومشكله]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ ومشهورها بتعظيم قدره عند ربه عز وجل]

- ‌الفصل الأول [فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ مَكَانَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عز وجل]

- ‌فصل [في تفضيله صلى الله تعالى عليه وسلم بما تضمنته كَرَامَةُ الْإِسْرَاءِ]

- ‌فصل [ثم اختلف السلف والعلماء هل كان إسراء بروحه أو جسده]

- ‌فصل [إبطال حجج من قال أنها نوم]

- ‌فصل [وأما رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم لربه عز وجل]

- ‌فصل [في فوائد متفرقة]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَظَاهِرُ الآية من الدنو والقرب]

- ‌فصل [في ذكر تفضيله في القيامة بخصوص الكرامة]

- ‌فصل [في تفضيله بالمحبة والخلة]

- ‌فصل [في تفضيله بالشفاعة والمقام المحمود]

- ‌فصل [في تفضيله فِي الْجَنَّةِ بِالْوَسِيلَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ وَالْكَوْثَرِ وَالْفَضِيلَةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ إِذَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلِيلِ الْقُرْآنِ وصحيح الأثر]

- ‌فصل [في أسمائه صلى الله تعالى عليه وسلم وما تضمنته من فضيلته]

- ‌فصل [في تشريف الله تعالى له بما سماه به من أسمائه الحسنى]

- ‌فصل [قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وها أنا أذكر نكتة]

- ‌الْبَابُ الرَّابِعُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَشَرَّفَهُ بِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ والكرامات]

- ‌فصل [اعلم أن الله عز وجل قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْمَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ]

- ‌فصل [اعلم أن معنى تسميتنا ما جاءت به الأنبياء معجزة]

- ‌فصل [في إعجاز القرآن العظيم الوجه الأول]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ إِعْجَازِهِ صُورَةُ نَظْمِهِ الْعَجِيبِ والأسلوب الغريب]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْإِعْجَازِ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ من الأخبار]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الرَّابِعُ مَا أَنْبَأَ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ القرون السالفة]

- ‌فصل [هَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ إِعْجَازِهِ بَيِّنَةٌ لَا نزاع فيها ولا مرية]

- ‌فصل [ومنها الروعة]

- ‌فصل [وَمِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْدُودَةِ كَوْنُهُ آيَةً بَاقِيَةً لا تعدم ما دامت الدنيا]

- ‌فصل [وَقَدْ عَدَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمُقَلِّدِي الْأُمَّةِ في إعجازه وجوها كثيرة]

- ‌فصل [في انشقاق القمر وحبس الشمس]

- ‌فصل [في نبع الماء من بين أصابعه الشريفة وتكثيره ببركته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ تَفْجِيرُ الْمَاءِ ببركته وانبعاثه]

- ‌فصل [ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته]

- ‌فصل [في قصة حنين الجذع له صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [ومثل هذا وقع في سائر الجمادات بمسه ودعوته]

- ‌فصل [في الآيات في ضروب الحيوانات]

- ‌فصل [في إحياء الموتى وكلامهم]

- ‌فصل [في إبراء المرضى وذوي العاهات]

- ‌فصل [في إجابة دعائه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في كراماته صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْغُيُوبِ]

- ‌فصل [في عصمة الله تعالى له صلى الله تعالى عليه وسلم من الناس وكفايته من آذاه]

- ‌فصل [ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم]

- ‌فصل [ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام وكراماته وباهر آياته أنباؤه مع الملائكة]

- ‌فصل [وَمِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ وَعَلَامَاتِ رِسَالَتِهِ مَا تَرَادَفَتْ]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ عِنْدَ مولده عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى قد أتينا في هذا الباب]

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌فصل [ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم]

‌فصل [ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم]

(ومن معجزاته الباهرة) أي آياته الظاهرة (ما جمعه الله له من المعارف) أي الجزئية (والعلوم) أي الكلية والمدركات الظنية واليقينية أو الاسرار الباطنية والأنوار الظاهرية (وخصّه به) أي ما خصه بِهِ (مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى جَمِيعِ مَصَالِحِ الدُّنْيَا والدّين) أي ما يتم به إصلاح الأمور الدنيوية والأخروية واستشكل بأنه صلى الله تعالى عليه وسلم وجد الأنصار يلقحون النخل فقال لو تركتموه فتركوه فلم يخرج شيئا أو أخرج شيصا فقال أنتم بامر دنياكم وأجيب بأنه إنما كان ظنا منه لا وحيا وقال الشيخ سيدي محمد السنوسي أراد أنه يحملهم على خرق العوائد في ذلك إلى باب التوكل وأما هنالك فلم يمتثلوا فقل أنتم أعرف بدنياكم ولو امتثلوا وتحملوا في سنة وسنتين لكفوا أمر هذه المحنة انتهى وهو في غاية من اللطافة (ومعرفته) بالرفع عطفا على ما والأقرب جره بالعطف على الاطلاع (بأمور شرائعه) أي أحكامه المتعلقة بالعبادات والمعاملات (وقوانين دينه) أي من القواعد الكلية المندرج تحتها الفروع الجزئية، (وسياسة عباده) أي الجامعة بين صلاح معاش الخلق ومعادهم (ومصالح أمّته) أي المتعلقة بأمر زادهم في حق عبادهم وزهادهم (وما) أي ومعرفته بما (كان في الأمم قبله) أي من أحوالهم وما جرى لهم من نجاة وهلاك في مآلهم (وقصص الأنبياء والرّسل) أي من دعاة الخلق إلى دين الحق (والجبا برة) أي من الكفرة والفجرة المتكبرة، (والقرون الماضية) أي الأزمنة الخالية (من لدن آدم) بضم الدال وسكون النون وبسكون الدال وكسر النون ويروى من زمن أي من ابتداء زمن آدم (إلى زمنه) أي زمن الخاتم سيد العالم صلى الله تعالى عليهما وسلم (وحفظ شرائعهم وكتبهم) أي مما قذفه الله في قلبه فروى قلبه عن ربه (ووعي سيرهم) بسكون العين أي وإحاطة أنواع سيرتهم وأصناف طريقتهم مع اتحاد جنس ملتهم (وسرد أنبائهم) أي وذكر أخبارهم متتابعا (وأيّام الله فيهم) أي وقائعه الكائنة فيهم من الهلاك والنجاة (وصفات أعيانهم) أي أفاضلهم كذا قاله التلمساني والأظهر أن المراد بهم جماعة معينة من المؤمنين كذي القرنين والخضر ولقمان ومن الكافرين كفرعون وقارون وهامان (واختلاف آرائهم) جمع رأي بمعنى أهوائهم كعبادة قوم إبراهيم الأوثان وقوم موسى العجل وقول النصارى بالأقانيم الثلاثة من العالم والحياة وروح القدس وتعبيرهم عنها بالأب والأم والابن (والمعرفة بمددهم) بضم الميم جمع مدة أي أيام مكثهم في الدنيا جملة (وأعمارهم) أي على اختلافها قلة وكثرة (وحكم حكمائهم) بكسر الحاء وفتح الكاف أي والمعرفة بما صدر من أنواع الحكمة عن أصناف حكمائهم (ومحاجّة كلّ أمّة) أي مجادلتهم ومغالبتهم (من الكفرة) أي بما يناسبهم في الدعوة كإبطال الأصنام بأن ليس لها منفعة ولا قدرة لها على مضرة وكمحاجة نصارى نجران في دعواهم أن عيسى ابن الله فدعاهم إلى المباهلة فأبوا وبذلوا له الجزية (ومعارضة كلّ فرقة من الكتابين) أي من أهل الكتابين وهما التوراة والإنجيل (بما

ص: 721

في كتبهم) كمعارضة يهود في دعواهم أن من زنى منهم محصنا عقوبته التحميم والتجبية أي يسود وجوههما ويحملان على دابة يخالف بين وجوههما بجعل ظهر أحدهما لظهر الآخر فقال صلى الله تعالى عليه وسلم أنشدكم بالله ما تجدون في التوراة على من زنى قال حبرهم إذ نشدتنا فعليه الرجم فأمر صلى الله تعالى عليه وسلم بهما فرجما عند باب مسجده في بني غنم بن مالك بن النجار (وإعلامهم بأسرارها) أي وإعلامه أهل الكتاب بأسرار كتبهم (ومخبّآت علومها) أي مخفيات أخبارهم وفي نسخة علومها (وإخبارهم) أي وأعلامه إياهم (بما كتموه من ذلك) كنعته صلى الله تعالى عليه وسلم في التوراة والإنجيل (وغيّروه) أي بذكر اضداده وبتصحيفه أو تحريفه لمبناه أو معناه (إلى الاحتواء) أي مع احتوائه واشتمال علومه في بنائه (على لغات العرب) أي مع كثرتها واختلاف مادتها وبنيتها وهيئتها في تأديتها من متداولاتها (وغريب الألفاظ فرقها) بكسر الفاء وفتح الراء أي غرائب معاني طوائف العرب من شواذها ونوادرها (والإحاطة بضروب فصاحتها) أي بأنواع فصاحتها في مفرداتها ومركباتها حيث خاطب كل فرقة بلغاتها كما مر في مخاطبته لإقيال حضر موت في محاوراتها، (والحفظ لأيّامها) أي وقائع العرب في الحرب في أوقاتها (وأمثالها) أي كلماتها التي يضربون المثل بها كقولهم الصيف ضيعت اللبن ونحوها ومنه قوله عليه الصلاة والسلام حمى الوطيس أي اشتد حمى تنور الحرب (وحكمها) أي والحكميات الواردة في لسانها مع اللطافة في شأن بيانها وسلطان برهانها (ومعاني أشعارها) كقوله صلى الله تعالى عليه وسلم اصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد:

ألاكل شيء ما خلا الله باطل

وكل نعيم لا محالة زائل

وكإنشاده نحو قوله:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا

ويأتيك بالأخبار من لم تزود

وأمثالها (والتّخصيص بجوامع كلمها) أي مما مبانيها يسيرة ومعانيها كثيرة وقد جمعت أربعين حديثا مما اشتمل كل على كلمتين فقط (إلى المعرفة) أي منضمة إلى المعرفة (بضرب الأمثال الصّحيحة) أي من الكلمات البديعة المشيرة إلى المرادات الصريحة، (والحكم البيّنة لتقريب التّفهيم للغامض) أي الخفي بالنسبة إلى الجاهل، (والتّبيين للمشكل) لكونه صلى الله تعالى عليه وسلم مبينا لما نزل (إلى) أي مع (تمهيد قواعد الشّرع) أي مما شرع لنا من طريقي الأصل والفرع (الذي لا تناقض فيه) أي فيما أرسل إلينا وفي نسخة فيها أي في قواعده لدينا (ولا تخاذل) أي ولا تعارض فيما أنزل علينا أي لا كثيرا ولا يسيرا كما قال الله تعالى وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (مع اشتمال شريعته) أي المتضمنة لمكارم الأفعال (على محاسن الأخلاق) أي في طريقته (ومحامد الآداب) أي المورثة لمجامع الأحوال في حقيقته (وكلّ شيء مستحسن مفصّل) بالصاد أي مبين ومعين وفي نسخة

ص: 722

بالمعجمة أي مفضل على غيره كما يشير إلى هذا المرام قوله عليه الصلاة والسلام بعثت لأتمم مكارم الأخلاق (لم ينكر منه) أي من شرعه ولو هو (ملحد) أي جائر لكنه (ذو عقل سليم) أي وطبع قويم (شيئا) أي أصلا (إلّا من جهة الخذلان) وهو عدم توفيق العرفان فينكره من غير البرهان بل على جهة العدوان وطريق الطغيان (بل كلّ جاحد له) أي منكر لما ذكر (وَكَافِرٍ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ بِهِ إِذَا سَمِعَ مَا يدعو إليه صوّبه) أي فيما ظهر لديه (واستحسنه دون طلب إقامة برهان عليه) أي كما سبق من كلام المغيرة وأبي جهل وأبي طالب (ثمّ ما أحلّ لهم من الطّيّبات) أي مما حرم على غيرهم منها كلحم كل ذي ظفر وشحم البقرة (وحرّم عليهم من الخبائث) كالميتة والدم ولحم الخنزير مما أحل لغيرهم كالخمر (وصان) أي وما حفظ (به أنفسهم) أي دماءهم (وأعراضهم) بفتح الهمزة جمع عرض (وأموالهم من المعاقبات والحدود) أي المرتبة على أسبابها كالقصاص وحد القذف والسرقة (عاجلا) أي في الدنيا (والتّخويف) وفي أصل الدلجي والتحريق (بالنّار آجلا) أي في العقبى (مِمَّا لَا يَعْلَمُ عِلْمَهُ وَلَا يَقُومُ بِهِ) أي بعمل كله (ولا ببعضه إلّا من مارس الدّرس) أي من درس الكتب الالهية (والعكوف على الكتب) أي القيام والاطلاع على كتب العلماء الربانية (ومثافنة بعض هذا) بالمثلثة والفاء والنون أي متابعة بعض ما ذكر (إلى الاحتواء) أي مع اشتمال شريعته (على ضروب العلم وفنون المعارف كالطّيب) بكسر الطاء وتثلث (والعبارة) بكسر العين أي التعبير للرؤيا (والفرائض) أي المتعلقة بالارث (والحساب) أي كمية الأعداد (والنّسب) بفتحتين أي معرفة الأنساب (وغير ذلك من العلوم) أي أنواعها الآتي بعضها (مِمَّا اتَّخَذَ أَهْلُ هَذِهِ الْمَعَارِفِ كَلَامَهُ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم فيها) قال الدلجي أي في شريعته والظاهر في هذه المعارف (قدوة) بضم القاف وكسرها وتفتح أي مقتدى (وأصولا) أي قواعد كلية (في علمهم) أي في أساس علومهم (كقوله عليه الصلاة والسلام على ما رواه ابن ماجة عن أنس (الرّؤيا لأوّل عابر) أي معبر ذي رأي ثاقب عالم بالعبارة على وجه الإشارة إذا أصاب وكان يحسن تعبيرها فإذا اعتبر شروطها وعبرها وقعت وكان ابن سرين يقول إني اعتبرت الحديث والمعنى أنه يعبرها به كما يعبرها بالقرآن فيعبر الغراب مثلا برجل فاسق والمرأة بالضلع أخذا من تسميته صلى الله تعالى عليه وسلم فاسقا وتسميتها ضلعا (وهي) أي الرؤيا (على رجل طائر) كما رواه أبو داود والترمذي وصححه أي قدر جار وقضاء ماض وحكم نافذ من خير أو شر أو نفع أو ضر وقال ابن قتيبة أراد أنها غير مستقرة يقال للشيء إذا لم يستقر هو على رجل طائر وعلى قرن ظبي وقال ابن الأثير هو من قولهم اقتسموا دارا فطار سهم فلان إلى ناحية كذا يعنى أن الرؤيا التي يعبرها المعبر الأول فكأنها سقطت ووقعت حيث عبرت كما يسقط الذي يكون على رجل الطائر بأدنى حركة انتهى والحاصل أن هذا تمثيل وتصوير لجعلها على قدر قدره الله تعالى لصاحبها بشيء متعلق برجل طائر يسقط بأدنى حركة فإذا عبرها أول عابر فكأنها كانت على رجله فسقطت وكل حركة جرت لك من شيء فهو طائر ومنه قوله تعالى وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ

ص: 723

طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ أي حركاته في عباداته ومعاملاته في ذمته غير منفكة عنه (وقوله) أي كما رواه الشيخان وغيرهما هذا وقد قيل الرؤيا أمثال يضربها ملك الرؤيا والله يعلم بها من يشاء روي أن امرأة أتت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقالت رأيت كأن جائزة بيتي قد انكسرت فقال عليه الصلاة والسلام يرد الله غائبك فرجع زوجها ثم غاب فرأت مثل ذلك فأتت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فلم تجده ووجدت أبا بكر رضي الله تعالى عنه فأخبرته فقال يموت زوجك فذكرت ذلك للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال هل قصصتها على أحد قالت نعم قال كما قيل لك (الرّؤيا ثلاث) أي ثلاثة أنواع (رؤيا حقّ) بالإضافة أي ثابت موافق وصدق مطابق كرؤية الأنبياء والأصفياء فإنها تخرج على وجهها أو على نحو ما أول بها (ورؤيا يحدّث بها الرّجل نفسه) فيراها في منامه فهي أضغاث أحلام وخيالات منام (ورؤيا تحزين) بالجر وفي نسخة بالرفع (من الشّيطان) بأن يرى في منامه ما يكون سببا لحزنه كما في حديث مسلم جاء رجل إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال رأيت في المنام كأن رأسي قطع فضحك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقال إذا الم الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدث به الناس وفي رواية إذا رأى في منامه ما يحبه فليحمد الله وإذا رأى ما يكره فليتعوذ من شرها ولا يحدث بها أحدا فإنها لا تضره. (وقوله) أي فيما رواه الشيخان عن أبي هريرة مرفوعا (إِذَا تَقَارَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ تكذب) وفي رواية إذا اقترب والمراد اقترب الساعة ويؤيده حديث في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب وقيل المراد قصر الأيام والليالي على الحقيقة وقيل تقارب الليل والنهار من الاعتدال لقول العابرين أن أصدق الأزمان لوقوع العبارة وقت انفتاق الأنوار والأزهار ووقت أدراك الثمار حين يستوي الليل والنهار وفي بعض الأخبار أصدق الرؤيا بالأسحار رواه أحمد والترمذي وابن حبان والبيهقي عن أبي سعيد هذا وكان الأنسب للمصنف أن يرتب كل ما يتعلق بعلم من العلوم المذكورة على وفق ما قدمه من المعارف المسطورة لكنه رحمه الله شوش النشر وقدم الرؤيا على الطب ثم قال (وقوله) كما رواه الدارقطني في العلل عن أنس وضعفه وابن السني وأبو نعيم في الطب عن علي وعن أبي سعيد وعن الزهري مرسلا (أصل كلّ داء البردة) بفتحتين وقد تسكن الراء أي التخمة وثقل الطعام على المعدة وسميت بردة لأنها تبرد المعدة فلا يستمرئ الطعام في العادة وعلاجه أولا بالقيء وثانيا بالإسهال (وما روي عنه) أي عن النبي عليه الصلاة والسلام (في حديث أبي هريرة) كما رواه الطبراني في الأوسط (من قوله المعدة) بفتح فكسر وقيل بكسر فسكون (حوض البدن) لجمعها الطعام كجمع الحوض الماء (والعروق إليها واردة) أي تتصاعد إليها بمنافع الطعام نفعا لأبدان الأنام. (وإن) وصلية (كان هذا) أي الحديث (حديثا) وفي نسخة وإن كان هذا الحديث (لا نصحّحه) أي لا نحكم بصحته بل ولا بثبوته (لضعفه) أي لضعف سنده عند بعضهم (وكونه موضوعا) أي عند غيرهم (تكلّم عليه الدّارقطني) أي مضعفا له والله سبحانه وتعالى اعلم؛ (وقوله) كما رواه الترمذي عن ابن عباس

ص: 724

(خير ما تداويتم به السّعوط) بفتح فضم ما يجعل في الأنف من الدواء (واللّدود) ما يسقاه المريض في أحد شقي فمه (والحجامة) بكسر أوله (والمشي» ) بفتح فكسر فمشددة المسهل ويقال بفتح ميم فسكون شين فتحفيف وسمي به لحمله صاحبه على كثرة المشي إلى الخلاء.

(وخير الحجامة) أي وقوله عليه الصلاة والسلام كما رواه الحاكم عن ابن عباس وصححه خير الحجامة (يوم سبع عشرة) أي من كل شهر (وتسع عشرة) بسكون الشين وتكسر (وإحدى وعشرين) زاد أبو داود عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا كان شفاء من كل داء هذا والتأنيث باعتبار مضاف مقدر أي يوم ليلة سبع عشرة مراعاة للأسبق منهما فإن ليلة الشهر منه وقيل سبق الليل في الوجود أيضا وفي قوله تعالى اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ إيماء إلى ذلك وأنه أصل هنالك وأبعد الدلجي في قوله بحذفه المميز كما في حديث من صام رمضان فأتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر كله فإن لفظ اليوم مميز مستغنى عن مميز آخر وأما قوله تعالى ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فلمجرد التأكيد (وفي العود) أي وفي قوله كما رواه البخاري عن أم قيس في العود (الهنديّ) قيل هو القسط البحري وقيل عود التبخر قاله ابن الأثير (سبعة أشفية) قيل المراد بها الكثير (منها ذات الجنب) كما في حديث وخص بالذكر لأنه أصعب داء قلما يحصل فيه شفاء. (وقوله) أي كما رواه أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم عن المقدام ابن معدي كرب (مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بطنه إلى قوله فإن كان لا بدّ) أي بحسب ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لا محالة (فثلث للطّعام وثلث للشّراب وثلث للنّفس) والنفس بفتحتين بمعنى التنفس وفي الأصول المذكور لطعامه وشرابه ولنفسه بالإضافة (وقوله) أي في علم النسب كما رواه أحمد والترمذي (وقد سئل عن سبإ) بكسر الهمزة وبفتحها وبإبدالها الفا كما قرىء بها في قوله تعالى لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آية (أَرَجُلٌ هُوَ أَمِ امْرَأَةٌ أَمْ أَرْضٌ فَقَالَ رجل) أي هو أبو قبيلة سميت به مدينة بلقيس باليمن ومن ثمة قيل اسم مدينة (ولد عشرة) أي ولد له عشرة أولاد وهو بمكة (تيامن منهم ستّة) أي أخذوا نحو اليمن فنزلوا فيه وتوالدوا وأكثر قبائله منهم وهم كندة والأشعرون والأزد ومذحج وأنمار وحمير الذين منهم خثعم وبجيلة وفي الحديث الإيمان يمان والحكمة يمانية لأن الإيمان بدا من مكة لأنها من تهامة وتهامة من اليمن (وتشأمّ أربعة) أي أخذوا نحو الشام وهو من العريش إلى الفرات وهم عاملة ولخم وجذام وغسان. (الحديث: بطوله) أي مما يدل على طول باعه في هذا الفن؛ (وكذلك جوابه في نسب قضاعة) بضم القاف، (وغير ذلك) أي من سائر النسب (ممّا اضطرّت العرب) بصيغة الفاعل أو المفعول ورجحه التلمساني أي اضطربت واختلفت والتجأت أو التجئت (على شغلها بالنّسب) أي مع كمال اشتغالهم بعلم النسب (إلى سؤاله) أي سؤالهم إياه (عمّا اختلفوا فيه من ذلك) ومن ذلك ما رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني عن عمرو بن مرة الجهني قال صلى الله تعالى عليه وسلم من كان هنا من معد فليقم فقمت فقال اقعد فقلت ممن نحن قال أنتم من قضاعة بن مالك بن حمير (وقوله) أي

ص: 725

كما رواه البزار وقال العسقلاني إنه منكر (حمير) بكسر فسكون ففتح ممنوعا قبيلة معروفة من اليمن (رأس العرب) أي أساسها وأصلها (ونابها) أي عمدة أهل كلامها لشرفهم فإنهم ولد معد بن عدنان من ولد إسماعيل بن خليل الرحمن (ومذحج) بالذاك المعجمة والحاء المهملة والجيم كمجلس على ما في القاموس وقيل بفتح وهو قبيلة فعبارة الدلجي بالدال المهملة (هامتها) بتخفيف الميم وهي وسط الرأس أي أشرفها أو رأسها (وغلصمتها) بفتح الغين المعجمة ثم لام ساكنة رأس الحلقوم وهو الموضع الثاني في الحلق وهو إشارة إلى تمكنهم في الشرف وعلوهم وإصالتهم وعظمهم (والأزد) بالزاء الساكنة قبيلة من اليمن (كاهلها) بكسر الهاء مقدم الظهر ما بين كتفيه وهو محل الحمل أي عمدتها (وجمجمتها) بجيمين مضمومتين عظم الرأس المشتمل على الدماغ أي سادتها وقيل جماجم العرب هي القبائل التي تجمع البطون فكاهل مضر تميم (وهمدان) بفتح فسكون فدال مهملة قبيلة معروفة (غاربها) بكسر الراء ما بين السنام والعنق (وذروتها) بكسر الذال وضمها وبفتح وسكون الراء أي أعلاها والحاصل أنه صلى الله تعالى عليه وسلم بين ما لهذه القبائل من الفضائل وهذا من علم الأنساب (وقوله) أي في علم الحساب كما رواه الشيخان عن أبي بكرة (إنّ الزّمان قد استدار) أي رجعت أشهره إلى ما كانت من حرمة وغيرها وبطل نسيء الجاهلية من تأخيرهم حرمة شهر إلى آخر وكانت حجة الوداع التي ذكر في خطبتها هذا الحديث في السنة التي استدار فيها (كهيئته) أي ترتيبه وصفته (يوم خلق الله السّموات والأرض وقوله) أي في معرفة المساحة كما رواه الشيخان عن ابن عمرو (في الحوض) أي الكوثر (زواياه سواء) أي مربع تربيعا مستويا لا يزيد طوله على عرضه، (وقوله) أي في معرفة جمع العدد كما رواه أبو داود (في حديث الذّكر) أي الإذكار حيث قال تسبح عشرا وتحمد عشرا وتكبر عشرا وتلك ثلاثون (وإنّ الحسنة بعشر أمثالها. فتلك) أي الكلمات المذكورة دبر الصلوات المزبورة مجموعها (مِائَةٌ وَخَمْسُونَ عَلَى اللِّسَانِ وَأَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فِي الميزان وقوله) أي فيما رواه الطبراني بسند ضعيف عن أبي رافع. (وهو بموضع) أي في موضع ليس به حمام وفي أصل التلمساني ومر بدل وهو على كل فالجملة حال (نعم موضع الحمّام هذا) وهذا من علم الهندسة ومعرفة المساحة فكان أولى بعد ذكر الحوض لما بينهما من المناسبة (وقوله) كما رواه الترمذي عن أبي هريرة وصححه (ما بين المشرق والمغرب قبلة) أي لأهل المدينة ونحوهم ممن هو في جنوبه أو شماله قال التلمساني هذا في طيبة ولكل مدينة بين مشرقها ومغربها لأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم جعل جميع ما يقع بين المشرق والمغرب قبلة ومساحة الكعبة لا تفي بما بينهما وإنما تفي جهتها فهو حجة العامة في عهد اشتراط إصابة عين الكعبة للنائي عنها وهذا من جملة علوم الهندسة المتعلقة بمعرفة القبلة وظاهره أن القبلة هي الجهة لا عين الكعبة وإلا فلا وجه للخصوصية فهو حجة للحنفية على الشافعية. (وقوله) أي في معرفة الفرس (لعيينة) بالتصغير وهو ابن حصين الفزاري من المؤلفة قلوبهم شهد حنينا والطائف قال

ص: 726

الذهبي وكان أحمق مطاعا دخل على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم واساء الأدب فصبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على جفوته وأعرابيته وقد ارتد ثم اسر فمن عليه الصديق ثم لم يزل مظهر الإسلام وكان يتبعه عشرة آلاف فقاه انتهى وقال غيره اسلم يوم الفتح وقيل قبله وقال الواقدي إنه عمي في خلافة عثمان (أو للأقرع) أي ابن حابس التميمي وفد بعد الفتح وشهد مع خالد بن الوليد حرب أهل العراق وكان على مقدمته واستعمله عبد الله بن عامر على جيش سيره إلى خراسان فأصيب هو والجيش بجوزجان وكان من المؤلفة (أنا أفرس) مأخوذ من الفراسة أي أنا أعرف (بالخيل منك) وفي نهاية غريب الحديث أنه صلى الله تعالى عليه وسلم عرض الخيل وعنده عيينة فقال له أنا أعلم بالخيل منك فقال له وأنا أفرس منك (وقوله) أي كما رواه الترمذي عن زيد بن ثابت (لكاتبه) أي لأحد من كتابه أو لكاتبه الأخص به وهو زيد وقيل معاوية وفي أبي داود عن ابن عباس قال السجل كان كاتبا للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقد سبق في كلام الحلبي أن كتابه بلغوا ثلاثا وأربعين إلا أن ابن أبي سرح ارتد ثم رجع ومات ساجدا لله وأما ابن خطل فقتل يوم الفتح وهو متعلق بأستار الكعبة لقوله عليه الصلاة والسلام من قتل ابن خطل فهو في الجنة واختلف في قاتله (ضع القلم) أي إذا فرغت (على أذنك) أي فوقها (فإنّه) أي وضعه هذا (أذكر) أي أكثر تذكرا قال الحلبي لأنه يقتضي التؤدة وعدم العجلة (للمملّ) بضم الميم الأول وكسر الثاني وتشديد اللام أي للمملي كما في نسخة من أمللت وأمليت وبهما ورد القرآن وليملل الذي عليه الحق فهي تملي عليه (هذا) أي ما ذكر مما جمع له صلى الله تعالى عليه وسلم من المعارف والعلوم (مع أنّه صلى الله تعالى عليه وسلم كان لا يكتب) والأظهر أن الإشارة إلى ما سبق من تعليم بعض كتابه ما يتعلق بعلم الخط وآدابه وأما عدم كتابته فلحديث أنا أمة لا نكتب ولا نحسب ذكره الدلجي وفيه أن نفي الشيء عن الجنس لا يوجب انتفاءه عن جميع أفراده بدليل أنه كان فيهم من يكتب فالأولى هو الاستدلال بقوله تعالى وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (ولكنّه) أي مع كونه أميا (أوتي علم كلّ شيء) أي لدنيا (حتّى قد وردت آثار) أي أخبار (بمعرفته حروف الخطّ وحسن تصويرها) أي من تطويلها وتدويرها (كقوله لا تمدّ) وفي نسخة لا تمدوا أي لا تطولوا (بسم الله الرّحمن الرّحيم) أي سينه من غير تبيين سنه مخافة أن يظن باء ممدودة فيقرأ بالباء والميم من غير سين بينهما لما روى الدارمي عن زيد بن أنس إذا كتبت فبين السين في بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (رَوَاهُ ابْنُ شَعْبَانَ) وهو أبو إسحاق المصري المالكي له ترجمة في الميزان قال فيها وهاه ابن حزم ولا أدري لماذا انتهى ومات سنة خمس وخمسين وثلاثمائة (من طريق ابن عبّاس؛ وقوله) أي كما في مسند الفردوس (فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي يُرْوَى عَنْ مُعَاوِيَةَ أنّه كان يكتب بين يديه عليه الصلاة والسلام فقال له ألق الدّواة) بفتح الهمزة وكسر اللام أمر من الاق الدواة إذا جعل لها ليقة وأصلح لها مدادها وهو بمعنى مجرده لاق على ما في القاموس فقوله الجوهري والاق

ص: 727

لغة أي قليلة لا ردية (وحرّف القلم) بتشديد الراء المكسورة أمر من التحريف أي اجعل طرف شقه الأيمن أزيد من الطرف الآخر قليلا لأنه أسرع في الكتابة وأبدع في اللطافة (وأقيم الباء) أي طولها (وفرّق السّين) أي أسنانها (ولا تعوّر الميم) أي لا تطمسها بل بين وسطها وهو بتشديد الواو بعد العين المهملة وأما ما في أصل الدلجي بالقاف بعد كونه عينا فأصلح في نسخة قرئت على المصنف وعليها خطه فخطأ فاحش وتصحيف وتحريف لما في القاموس قار الشيء قطعه من وسطه خرقا مستديرا كقوره (وحسّن الله) أي جميع حروفه (ومدّ الرّحمن) أي أكثر حروفه من الحاء والميم والنون أو آخرها وهو الأولى (وجوّد الرّحيم) أي حروفه لا سيما الميم وقد روى الديلمي عن أنس إذا كتب أحدكم بسم الله الرحمن الرحيم فليمد الرحمن أي مدا ليمدد له الرحمن مدا وقيل خص الرحمن بالمد لعموم الرحمة الشاملة للدنيا والآخرة وخص الرحيم بالتجويد لأنه يخص أصحاب التوحيد (وهذا) أي ما ذكر مما شهد بأن مما أوتيه من المعارف معرفة حروف الخط (وإن لم تصحّ الرّواية) أي من أحد رواة الحديث وأصحاب الدراية (أنّه عليه الصلاة والسلام كتب) أي بيده (فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُرْزَقَ عِلْمَ هَذَا وَيُمْنَعَ الكتابة، والقراءة) أي لحكمة تقتضي هنالك كما قدمنا ذلك قال الدلجي ولا يبعد أيضا وإن كان يحرم عليه التوصل إليهما معرفة أن يقعا منه في وقت معجزة له وكرامة بشهادة ما في صحيح البخاري فأخذ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم الكتاب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله وفيه في عمرة القضاء أنه قال لعلي امح رسول الله قال لا والله لا أمحوك أبدا فأخذ الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله انتهى ولا يخفى أن لفظ كتب وقع مجازا لا شك فيه على ما قاله الحلبي وأبو الوليد الباجي حقيقة وهو في هذا القول شاذ منفرد عن الجماعة والمسألة شهيرة وملخصها أن اللفظة صحيحة مبنى وهي مجاز معنى لا أنها ليست بصحيحة أصلا كما توهم عبارة المصنف هذا ووقع في سيرة أبي الفتح اليعمري ما لفظه وقد روى البخاري أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كتب ذلك بيده قال الحلبي قوله بيده لم أرها في صحيح البخاري والله سبحانه وتعالى اعلم ثم اعلم أن المراد بالقراءة القراءة بالنظر لا مطلق القراءة فالمعنى منع الكتابة والقراءة من الكتابة وقد أبعد التلمساني في جعل القراءة معطوفة على العلم أي رزق العلم والقراءة ومنع الكتابة انتهى وبعده لا يخفى في إعراب المبنى وإغراب المعنى. (وأمّا علمه صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلُغَاتِ الْعَرَبِ وَحِفْظُهُ مَعَانِيَ أَشْعَارِهَا) أي خصوصا (فأمر مشهور قد نبّهنا على بعضه) أي بعض ما ورد عنه في لغات العرب لا في أشعارهم (أوّل الكتاب) وفي نسخة في أول الكتاب أي على ما سبق من غرائب مبانيها وبيان معانيها ومنها قوله عليه الصلاة والسلام وقد أنشد كعب بن زهير في لاميته قوله:

قنواء في حرتيها للبصير بها

عتق مبين وفي الخدين تسهيل

ص: 728

فقال لأصحابه ما الحرتان فقالوا العينان فقال صلى الله تعالى عليه وسلم الأذنان وما قاله صلى الله تعالى عليه وسلم هو المعروف عند العرب الأول في الحرتين ومنها ما أنشده كعب بن مالك في قصيدته العينية وفيها قوله:

مجالدنا عن جزمنا كل فححمة

مدربة فيها القوانس تلمع

فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أيصلح أن يقول مجالدنا عن ديننا فقال كعب نعم فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فهو أحسن فقال كعب مجالدنا عن ديننا على ما قاله نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم (وكذلك حفظه لكثير من لغات الأمم) أي مما عدا العرب (كقوله في الحديث سنه سنه) بفتح السين وتخفيف النون وتشدد فهاء ساكنة فيهما وفي رواية سناه سناه وفي أخرى سنا سنا بفتح مهملتها وكسرها رواية القابسي وشدد نونها وخففها أبو ذر وغيره قال ابن قرقول كلها بفتح السين وتشديد النون إلا عند أبي ذر فإنه خفف النون وإلا القابسي فإنه كسر السين وقال ابن الأثير في النهاية قيل سنا بالحبشية حسن وهي لغة وتخفف نونها وتشدد وفي رواية سنة وفي الحديث وفي أخرى سناه بالتشديد والتخفيف فيهما وقال الهروي في الحديث إنه صلى الله تعالى عليه وسلم أخذ الحميصة بيده ثم ألبسها أم خالد وقال لها أبلي وأخلقي ثلاث مرات ثم نظر إلى علم فيها أخضر وأصغر فجعل يقول يا أم خالد سنا سنا بالحبشية حسن وهي لغة انتهى وأم خالد هذه هي ابنة خالد ابن سعيد التي ولدت بأرض الحبشة وهي امرأة الزبير بن العوام وهي التي كساها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهي صغيرة وأبوها أول من كتب بسم الله الرحمن الرحيم ومات بأجنادين شهيدا استعمله رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على صنعاء اليمن فلما توفي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أراد أبو بكر رضي الله تعالى عنه أن يستعمله قال له لا أعمل لأحد بعد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (وهي) أي معنى هذه الكلمة (حسنة بالحبشيّة) أي باللغة المنسوبة إلى الحبشة ولا يبعد أن تكون عربية وحذف الهاء للإيماء إلى قصد الرمزية وقال عكرمة السنا الحسن ولا يبعد أن يطلق السنا بمعنى النور ويراد به الحسن والظهور؛ (وقوله) أي كما رواه الشيخان وغيرهما من طرق (ويكثر الهرج) بهاء مفتوحة فراء ساكنة فجيم (وهو القتل بها) أي بالحبشة وقد سئل عنه صلى الله تعالى عليه وسلم فقال القتل ونص عليه كثير من أئمة اللغة فهو من توافق اللغتين وأما قول ابن قرقول الهرج بإسكان الراء فسره في الحديث بالقتل بلغة الحبشي فقوله بلغة الحبش من بعض الرواة وإلا فهي كما عرفت عربية صحيحة (وَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَشْكَنْبَ دَرْدَ) بفتح الهمزة وسكون الشين وتفتح والكاف ساكنة فنون وفتح الياء وتكسر وتضم وتسكن فدالين مهملتين مفتوحتين بينهما راء ساكنة وفي نسخة الأولى منهما معجمة وفي أخرى دردم بميم في آخره (أي وجع البطن بالفارسيّة) فإن اشكنب هو البطن ودرد معناه الوجع ولعل أصلها أشكم بدردم بكسر الهمزة

ص: 729

وفتح الكاف بعده ميم وباتصال الباء بدردم بالمهملتين وميم المتكلم فيكون فيه نوع تقريب أو لفظ غريب هذا والحديث رواه ابن ماجة وفي سنده داود ابن علية والكلام فيه معروف قال الذهبي في ميزانه روى جماعة عن داود ابن علية عن مجاهد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال يا أبا هريرة اشكنب درد قلت لا الحديث أخرجه أحمد في مسنده والأصح ما رواه المحاربي عن ليث عن مجاهد مرسلا فقوله لا يدل على استفهام مقدر أو ملفوظ أن تكن الشين مفتوحة فإنه لغة ويدل أيضا على بطلان نسخة زيادة الميم لكنه فيه إشكال وهو أنه لا يظهر وجه خطاب أبي هريرة بهذه الكلمة اللهم إلا أن يحمل على المزاح والمطايبة في المخاطبة ثم رأيت التلمساني ذكر الحديث ولفظه قال أبو هريرة دخلت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو مضطجع على بطنه فقلت له ما هذا يا رسول الله فقال اشكنب دردم ثم فسره صلى الله تعالى عليه وسلم وتمام الحديث وعليك بالصلاة فإنها شفاء من كل سقم ونقل الأنطاكي من إكمال ابن ماكولا عن أبي الدرداء قال رآني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأنا نائم مضطجع على بطني فضربني برجله فذكر الحديث قال وهو مخالف لما تقدم قلت ولا منع من الجمع والله تعالى أعلم هذا وحديث «العنب دو دو يعني ثنتين ثنتين والتمريك» يعني واحدة مشهور على ألسنة العامة ولا أصل له عند الخاصة (إلى غير ذلك) أي مع غير ما ذكر من المعارف السنية والعوارف البهية (مُمَا لَا يَعْلَمُ بَعْضَ هَذَا وَلَا يَقُومُ به) أي بكله (ولا ببعضه) أي عادة (إلّا من مارس الدّرس) أي داوم المدارسة ولازم المدرسة (والعكوف على الكتب) أي المواظبة على مطالعة الكتب المطولة (ومثافنة أهلها) بالمثلثة والفاء والنون أي مجالسة أهل العلوم وفي نسخة بالقاف والموحدة بمعنى المباحثة (عمره) بالنصب أي في جميع أيام عمره من غير ضياع دهره (وهو) أي والحال أنه عليه الصلاة والسلام (رجل) معروف وموصوف (كما قال الله تعالى) في حقه عند قوله فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ (أمّيّ) أي منسوب إلى أمه يعني كما ولد بعينه (لم يكتب) أي بيده (ولم يقرأ) أي بنظره أو مطلقا قبل بعثه (ولا عرف) أي هو صلى الله تعالى عليه وسلم (بصحبة من هذه صفته) أي بمصاحبة أهل الدراسة والقراءة والكتابة (ولا نشأ) أي ولا انتشأ ولا تربى (بين قوم لهم علم) أي دراية (ولا قراءة) أي رواية (بشيء من هذه الأمور) أي التي يمكن بمدارستها الاتصاف بممارستها (ولا عرف هو قبل) أي قبل بعثته ودعوى نبوته (بشيء منها) أي من أمور القراءة والدراسة والكتابة ويروى ولا عرف هو قبل شيئا (قال الله تعالى: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ) أي قبل نزول القرآن (مِنْ كُتُبٍ) أي من الكتب الإلهية وغيرها (وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ [العنكبوت: 48] ) أي ولا تكتبه من قبل أيضا وقوله بيمينك أي بيدك للتأكيد كما في قولهم رأيت بعيني وسمعت بأذني (الآية) تمامها إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ أي لو كنت قارئا كاتبا لشك أهل الباطل المتعلق بغير الطائل إذ لا كل كاتب وقارئ قادر أن يأتي بهذا الكتاب الذي عجز عن الاتيان بأقصر سورة منه جميع أرباب

ص: 730

الألباب والحاصل أن صدور هذا النور وظهور هذه الأمور على يد الأمي أظهر معجزة وأبهر كرامة وأبعد شبهة مما لو ظهر على يد القارئ الكاتب لا سيما وقد كان يحصل الارتياب لأهل الكتاب لكونه النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل هذا والجمهور على أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لم يكتب وقيل كتب مرة واحدة وهو قول الباجي وصوبه بعضهم فإنه لا يقدح في المعجزة كونه كتب مرة واحدة بل يكون معجزة ثانية قال القرطبي في مختصره قوله في البخاري فأخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الكتاب فكتب ظاهر قوي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كتب بيده وقد أنكره قوم تمسكا بقوله تعالى وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ الآية ولا نكرة فيه فإن الخط المنفي عنه الخط المكتسب من التعلم وهذا خط خارق للعادة أجراه الله تعالى على أنامل نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم مع بقائه أنه لا يحسن الكتابة المكتسبة وهذا زيادة في صحة نبوته انتهى ولا يخفى أن في قوله وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ أي من قبل نزول القرآن وحصول النبوة والرسالة إشارة إلى أنه كان ممنوعا من القراءة والكتابة وهو لا ينافي أن يعطيهما الله تعالى له بعد تحقق رسالته زيادة في الكرامة؛ (إنّما كانت غاية معارف العرب النّسب) أي علم النسب لكل قبيلة إلى حدها من أبيها وجدها (وأخبار أوائلها) أي وقائع سلفها من هزلها وجدها وتنعمها وكدها (والشّعر) أوزانها وقوافيها (والبيان) أي النثر في الخطب وأمثالها أو ما يتعلق بما فيها حتى كاد أن يكون بيانهم في شعرهم ونثرهم سحرا وشاع وذاع فيما بينهم ذكرا وفكرا وبلغوا غاية البلاغة ووصلوا نهاية الفصاحة نظما ونثرا (وَإِنَّمَا حَصَلَ ذَلِكَ لَهُمْ بَعْدَ التَّفَرُّغِ لِعِلْمِ ذلك) أي عمرا (والاشتغال بطلبه ومباحثة أهله عنه) أي عصرا؛ (وهذا الفنّ) أي النوع من العلم بجميع افنانه وأغصانه في جميع أحيانه وأزمانه (نقطة من بحر علمه) أي ونكتة من نهر فهمه وشكلة من شطر كلمه (صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا سَبِيلَ إِلَى جَحْدِ الْمُلْحِدِ) أي إنكار المائل عن الحق والمعاند (بشيء ممّا ذكرناه) أي من المطالب والمقاصد (ولا وجد الكفرة حيلة) أي مكيدة يتشبثون بها في عقيدة (في دفع ما نصصناه) وفي نسخة ما نصصناه أي حكيناه وبيناه (إلّا قولهم أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [النحل: 24، والفرقان: 5] ) أي هو يعني القرآن أقاصيص السابقين كما حكى الله عنهم بقوله وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكتتبها فهي تملي عليه بكرة وأصيلا وقد تولى الله سبحانه وتعالى جوابهم بقوله وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (وإِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ [النحل: 103] ) أي من الإعجام أؤ الاروام (فردّ الله قولهم) أي مقولهم هذا لا كما قال الدلجي هو أساطير الأولين وإنما يعلمه بشر (بقوله: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ) وفي قراءة بفتح الياء والحاء أي يميلون (إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النَّحْلِ: 130] ثمّ قالوه مكابرة العيان) بكسر العين أي المعاينة والمشاهدة (فَإِنَّ الَّذِي نَسَبُوا تَعْلِيمَهُ إِلَيْهِ إِمَّا سَلْمَانُ) أي الفارسي كما في نسخة صحيحة وسماه النبي صلى الله

ص: 731

تعالى عليه وسلم سلمان الخير (أو العبد الرّوميّ) وهو غلام حويطب بن عبد العزى أسلم وكان ذا كتب (وَسَلْمَانُ إِنَّمَا عَرَفَهُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَنُزُولِ الْكَثِيرِ مِنَ الْقُرْآنِ وَظُهُورِ مَا لَا يَنْعَدُّ مِنَ الآيات) أي القرآنية أو المعجزات البرهانية والعلامات الفرقانية فلا يتصور أنه كان يعلمه سلمان؛ (وَأَمَّا الرُّومِيُّ فَكَانَ أَسْلَمَ وَكَانَ يَقْرَأُ عَلَى النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم؛ واختلف في اسمه) أي كما سيأتي من أنه يعيش أو بلعام أو جبرا أو يسار (وقيل بل كان النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم يجلس عنده) أي إليه ويقبل عليه لما كان يلمح قابلية الهداية لديه (عند المروة وكلاهما أعجميّ اللّسان) أي وضعيف البيان (وهم الفصحاء اللّدّ) بضم اللام وتشديد الدال جمع الألد وهو شديد الخصومة (والخطباء اللّسن) بضم فسكون جمع ألسن وقيل جمع لسن بفتح فكسر وهو المنطلق اللسان في ميدان النطق والبيان (وقد عجزوا) بفتح الجيم وتكسر (عن معارضة ما أتى به) أي أظهره (والإتيان بمثله) بل عن الإتيان بأقصر سورة من نحوه (بل عن فهم وصفه) وفي نسخة رصفه بالراء والظاهر أنه تصحيف وقيل معناه الاتقان (وصورة تأليفه) أي تركيبه (ونظمه) أي سلكه فهم إذا عجزوا عن هذا كله (فكيف بأعجميّ ألكن) أفعل للمبالغة من اللكنة وهي بالضم المعجمة من اللسان والعي في النطق والبيان وأبعد الدلجي في تعبيره أي ابكم (وقد كان سلمان أو بلعام الرّوميّ) بالموحدة المفتوحة وسكون اللام ويقال بلعم (أو يعيش) بفتح التحتية الأولى وكسر العين قال الذهبي في تجريده يعيش غلام ابن المغيرة قال عكرمة هو الذي نزل فيه بفتح يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ وقال الحلبي يعيش رأيتهم قد ذكروه في الصحابة (أو جبر) بفتح جيم وسكون موحدة هو غلام للفاكه بن المغيرة اسلم وقد روي أن مولاه كان يضربه ويقول له أنت تعلم محمدا فيقول له لا والله بل يعلمني ويهديني قال الحلبي ما رأيت له ذكرا في الصحابة وكذا في قوله (أو يسار) بفتح التحتية (على اختلافهم في اسمه) أي اختلاف العلماء في تعيينه أو اختلاف السفهاء في نسبته من كمال تحيرهم في تبيينه (بين أظهرهم) أي كانوا كلهم فيما بينهم عارفين بأخبارهم (يكلّمونهم) وفي نسخة يكلمونه (مدا أعمارهم) بفتح الميم والدال مقصورا أي مدتها (فهل حكي عن واحد منهم) كسلمان والرومي (شيء) أي صدور شيء ما (مِنْ مِثْلِ مَا كَانَ يَجِيءُ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي من الآيات الباهرة والمعجزات القاهرة (وهل عرف واحد منهم) أي وهم عندهم (بمعرفة شيء من ذلك) أي مما جاء به عليه الصلاة والسلام (وما منع) أي وعلى الفرض والتقدير أي شيء منع (العدوّ) أي أعداءه من المنكرين وروي المغرور (حينئذ على كثرة عدده) بفتح العين أعدادهم (ودؤوب صلبه) بضم دال وهمزة فسكون واو فموحدة أي جده وتعبه في كده (وقوّة حسده أن يجلس إلى هذا) أي من سلمان أو غيره وأخطأ الدلجي بقوله أي ما جاء به عليه السلام (فيأخذ عنه) وفي نسخة عليه (أيضا) أي على زعمه (ما يعارض به) أي ما جاء به عليه السلام (وَيَتَعَلَّمُ مِنْهُ مَا يَحْتَجُّ بِهِ عَلَى شِيعَتِهِ)

ص: 732

بسكون الغين المعجمة وتفتح على لسان العامة أي على تهيج شره وخصامه كذا في أصل الدلجي وهو ظاهر جدا وفي النسخ على شيعته فعلى للعلة أي لأجل مشايعيه ومتابعيه (كفعل النّضر بن الحارث) تقدم أنه قتل كافرا (بما كان يمخرق) من المخرقة بالخاء المعجمة وهي كلمة مولدة كما ذكره الجوهري أي يزخرف (به من أخبار كتبه) أي مما لا يجدي نفعا له ولغيره (ولا غاب النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم عن قومه) أي غيبة يمكن فيها من تعلمه (ولا كثرت اختلافاته) ترداداته (إلى بلاد أهل الكتاب) وفي نسخة الكتب أي كالمدينة ونحوها من بلاد قومه (فيقال) بالنصب (إنّه استمدّ منهم) أي استفاد عنهم (بل لم يزل) أي من أول عمره إلى آخر أمره (بين أظهرهم) أي بينهم (يرعى) أي الغنم (في صغره وشبابه) وقال الدلجي يرعى من المراعاة وهي الملاحظة والمحافظة وهو بعيد جدا (على عادة أنبيائهم) أي أنبياء سلفهم وفي أصل الدلجي ابنائهم بإصلاح أنبيائهم وكذا في نسخة صحيحة وهو ظاهر جدا (ثمّ لم يخرج عن) وفي نسخة من (بلادهم إلّا في سفرة) أي واحدة (أو سفرتين) أي مرة مع عمه أبي طالب فرده من الطريق بإشارة بحيرا وأخرى في تجارته لزوجته خديجة ومعه غلامها ميسرة والترديد بأو نظرا إلى ان الخرجة الأولى هل تسمى سفرة أو لا فاندفع قول الحلبي وهاتان سفرتان ذكرهما جماعة وكان ينبغي أن يقول إلا في سفرتين على أنه قد يقال المعنى بل سفرتين (لم يطل فيهما) ويروى فيهما (مكثه) بضم الميم وتفتح أي إقامته ولبثه (مدّة يحتمل) بصيغة المعلوم أو المجهول (فيها تعليم القليل) أي اليسير (فكيف الكثير) أي فكيف يحتمل فيها تعليم الكثير والاستفهام للإنكار (بَلْ كَانَ فِي سَفَرِهِ فِي صُحْبَةِ قَوْمِهِ ورفاقه وعشيرته) بفتح الراء (لم يغب عنهم ولا خالف حاله) بالنصب أو الرفع والمعنى وما اختلف حاله (مدّة مقامه بمكّة من تعليم) أي عن معلم عربي ومن بيان لحاله لا مزيدة كما قاله الدلجي وفي نسخة ومن تعلم وهو الأظهر (واختلاف إلى حبر) بفتح الحاء وتكسر أي عالم يهودي وأغرب الدلجي بقوله بكسر المهملة أفصح من فتحها نعم كذلك في معنى المداد إلا أنه ليس ههنا المراد (أو قسّ) بفتح القاف ويكسر وضمه خطأ فسين مشددة أي عالم نصراني وكذا القسيس (أو منجم) أي متعلق بعلم النجوم (أو كاهن) أي ممن يزعم أنه يخبر عن كائن (بل لو كان بعد) بضم الدال أي بعد مكثه وتصور تعلمه (هذا كلّه) اسم كان وفي أصل الدلجي بل لو كان هذا كله بعد وهو ظاهر جدا وفي نسخة صحيحة بَلْ لَوْ كَانَ هَذَا بَعْدُ كُلُّهُ (لَكَانَ مجيء ما أتى به في) وفي نسخة من (معجز القرآن) بل من معجزاته (قاطعا لكلّ عذر ومدحضا) أي مزيلا ودافعا (لكلّ حجّة) أي داحضة وفي نسخة صحيحة لكل شبهة (ومجليّا) بضم ميم وسكون جيم وتخفيف لام فتحتية مخففة وفي نسخة بفتح الجيم وكسر اللام المشددة لا كما قال الحلبي بإسكان الخاء والمعنى كاشفا وموضحا (لكلّ أمر) أي مما يلوح عليه مخايل ريبته.

ص: 733