المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [وأما رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم لربه عز وجل] - شرح الشفا - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأوّل

- ‌[المقدمة]

- ‌ترجمة القاضي عياض

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌القسم الأول [في تعظيم العلي الأعلى جل وعلا]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ [فِيمَا جَاءَ من ذلك مجيء المدح والثناء]

- ‌الفصل الثّاني [في وصفه تعالى بالشهادة وما تعلق به من الثناء والكرامة]

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ [فيما ورد من خطابه تعالى إياه مورد الملاطفة والمبرة]

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُ [فِي قَسَمِهِ تَعَالَى بِعَظِيمِ قَدْرِهِ صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الفصل الخامس في قسمه

- ‌الْفَصْلُ السَّادِسُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى في جهته عليه الصلاة والسلام مورد الشفقة والإكرام]

- ‌الفصل السّابع [فيما أخبره الله بِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ عَظِيمِ قَدْرِهِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّامِنُ [فِي إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقَهُ بصلاته عليه وولايته له]

- ‌الْفَصْلُ التَّاسِعُ [فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْفَتْحِ مِنْ كراماته عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْعَاشِرُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كتابه العزيز من كراماته عليه ومكانته عنده]

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي تَكْمِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ المحاسن خلقا وخلقا]

- ‌فصل [قال القاضي رحمه الله تعالى إذا كانت خصال الكمال والجلال]

- ‌فصل [إن قلت أكرمك الله تعالى لا خفاء على القطع بالجملة]

- ‌فصل [وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُفُورُ عَقْلِهِ وَذَكَاءُ لُبِّهِ وَقُوَّةُ حَوَاسِّهِ وفصاحة لسانه واعتدال حركاته وحسن شمائله]

- ‌فصل [وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول]

- ‌فصل [وأما شرف نسبه وكرم بلده ومنشأه]

- ‌فصل [وأما تَدْعُو ضَرُورَةُ الْحَيَاةِ إِلَيْهِ مِمَّا فَصَّلْنَاهُ فَعَلَى ثلاثة ضروب الضرب الأول]

- ‌فصل [وأما الضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته والفخر بوفوره]

- ‌فصل [وأما الضرب الثالث فهو ما تختلف فيه الحالات]

- ‌فصل [وأما الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [وأما أَصْلُ فُرُوعِهَا وَعُنْصُرُ يَنَابِيعِهَا وَنُقْطَةُ دَائِرَتِهَا فَالْعَقْلُ]

- ‌فصل [وأما الحلم]

- ‌فصل [وأما الجود]

- ‌فصل [وأما الشجاعة والنجدة]

- ‌فصل [وأما الحياء والإغضاء]

- ‌فصل [وأما حسن عشرته وآدابه]

- ‌فصل [وأما الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق]

- ‌فصل [وأما خلقه صلى الله تعالى عليه وسلم في الوفاء]

- ‌فصل [وأما تواضعه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما عدله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته]

- ‌فصل [وأما وقاره صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما زهده صلى الله تعالى عليه وسلم في الدنيا]

- ‌فصل [وأما خوفه صلى الله تعالى عليه وسلم من ربه عز وجل]

- ‌فصل [اعلم وفقنا الله تعالى وإياك أن صفات جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قد آتيناك أكرمك الله سبحانه من ذكر الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [في تفسير غريب هذا الحديث ومشكله]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ ومشهورها بتعظيم قدره عند ربه عز وجل]

- ‌الفصل الأول [فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ مَكَانَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عز وجل]

- ‌فصل [في تفضيله صلى الله تعالى عليه وسلم بما تضمنته كَرَامَةُ الْإِسْرَاءِ]

- ‌فصل [ثم اختلف السلف والعلماء هل كان إسراء بروحه أو جسده]

- ‌فصل [إبطال حجج من قال أنها نوم]

- ‌فصل [وأما رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم لربه عز وجل]

- ‌فصل [في فوائد متفرقة]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَظَاهِرُ الآية من الدنو والقرب]

- ‌فصل [في ذكر تفضيله في القيامة بخصوص الكرامة]

- ‌فصل [في تفضيله بالمحبة والخلة]

- ‌فصل [في تفضيله بالشفاعة والمقام المحمود]

- ‌فصل [في تفضيله فِي الْجَنَّةِ بِالْوَسِيلَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ وَالْكَوْثَرِ وَالْفَضِيلَةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ إِذَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلِيلِ الْقُرْآنِ وصحيح الأثر]

- ‌فصل [في أسمائه صلى الله تعالى عليه وسلم وما تضمنته من فضيلته]

- ‌فصل [في تشريف الله تعالى له بما سماه به من أسمائه الحسنى]

- ‌فصل [قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وها أنا أذكر نكتة]

- ‌الْبَابُ الرَّابِعُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَشَرَّفَهُ بِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ والكرامات]

- ‌فصل [اعلم أن الله عز وجل قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْمَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ]

- ‌فصل [اعلم أن معنى تسميتنا ما جاءت به الأنبياء معجزة]

- ‌فصل [في إعجاز القرآن العظيم الوجه الأول]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ إِعْجَازِهِ صُورَةُ نَظْمِهِ الْعَجِيبِ والأسلوب الغريب]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْإِعْجَازِ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ من الأخبار]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الرَّابِعُ مَا أَنْبَأَ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ القرون السالفة]

- ‌فصل [هَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ إِعْجَازِهِ بَيِّنَةٌ لَا نزاع فيها ولا مرية]

- ‌فصل [ومنها الروعة]

- ‌فصل [وَمِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْدُودَةِ كَوْنُهُ آيَةً بَاقِيَةً لا تعدم ما دامت الدنيا]

- ‌فصل [وَقَدْ عَدَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمُقَلِّدِي الْأُمَّةِ في إعجازه وجوها كثيرة]

- ‌فصل [في انشقاق القمر وحبس الشمس]

- ‌فصل [في نبع الماء من بين أصابعه الشريفة وتكثيره ببركته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ تَفْجِيرُ الْمَاءِ ببركته وانبعاثه]

- ‌فصل [ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته]

- ‌فصل [في قصة حنين الجذع له صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [ومثل هذا وقع في سائر الجمادات بمسه ودعوته]

- ‌فصل [في الآيات في ضروب الحيوانات]

- ‌فصل [في إحياء الموتى وكلامهم]

- ‌فصل [في إبراء المرضى وذوي العاهات]

- ‌فصل [في إجابة دعائه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في كراماته صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْغُيُوبِ]

- ‌فصل [في عصمة الله تعالى له صلى الله تعالى عليه وسلم من الناس وكفايته من آذاه]

- ‌فصل [ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم]

- ‌فصل [ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام وكراماته وباهر آياته أنباؤه مع الملائكة]

- ‌فصل [وَمِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ وَعَلَامَاتِ رِسَالَتِهِ مَا تَرَادَفَتْ]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ عِنْدَ مولده عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى قد أتينا في هذا الباب]

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌فصل [وأما رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم لربه عز وجل]

أي لا على أنه مشاهدة عين وحس بصري فهو عطف تفسيري وقال الأنطاكي مشاهدة نصب أي لا رؤيا مشاهدة عين فحذف المضاف وأعرب المضاف إليه بإعرابه انتهى وبعده لا يخفى (قلنا) أي في الجواب عنه (يقابله) أي يعارضه (قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (17)[النجم: 17] ) أي ما مال عما رآه وما تجاوزه (فقد أضاف الأمر) في الرؤية (لِلْبَصَرِ وَقَدْ قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِي قَوْلِهِ تعالى: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (11)[النجم: 11] أي لم يوهم القلب) بالرفع (العين) بالنصب وفي نسخة عكس ذلك (غير الحقيقة) أي غير حقيقة ما رآه (بل صدق رؤيتها) ويؤيده قراءة التشديد (وَقِيلَ مَا أَنْكَرَ قَلْبُهُ مَا رَأَتْهُ عَيْنُهُ) أي فيكون ضمير رأى راجعا إليه صلى الله تعالى عليه وسلم لا إلى الفؤاد والله تعالى اعلم بالمراد وحاصله وما قبله أنه يقل قلبه لما رأى لم أعرفك ولو قال لكذب إذ قد عرفه كما عرفه بصره إذ الأمور القدسية يدركها القلب أولا ثم يوردها على البصر ثانيا بدليل حديث مسلم هل رأيت ربك قال رأيته بفؤادي كذا قرره الدلجي ولا يخلو عن خلجان في القلب لعله يظهر بعد ذلك بتوفيق الرب.

‌فصل [وأما رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم لربه عز وجل]

(وأمّا رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم لربّه جلّ) أي عظم شأنه (وعزّ) أي وغلب سلطانه (فاختلف السّلف فيها) أي في رؤيته له سبحانه وتعالى بعين بصره (فأنكرته عائشة رضي الله عنها أي كونها ووقوعها أو قول مسروق لها هل رأى محمد ربه وفي أصل الدلجي فأنكرتها عائشة أي الرؤية المذكورة. (حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ سِرَاجُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الحافظ) أي للحديث (بقراءتي عليه قال حدّثني أبي) أي عبد الملك ووهم الحلبي في قوله أبوه هو القاضي سراج وكأنه وقع في أصله أبو الحسين بن سراج وهو مخالف للنسخ المعتمدة (وأبو عبد الله بن عتّاب) بفتح فتشديد (قالا) أي كلاهما (حدّثنا القاضي يونس بن مغيث) بضم ميم فغين معجمة مكسورة فتحتية فمثلثة قال ابن ماكولا في إكماله وأبو محمد بن عبد الله بن محمد بن مغيث الأندلسي يعرف بابن الصفار مشهور بالعلم والأدب جمع من أشعار الخلفاء من بني أمية كتابا وابنه يونس بن عبد الله بن محمد بن مغيث أبو الوليد قاضي الجماعة بقرطبة سمع أبا بكر محمد بن معاوية القرشي المعروف بابن الأحمر والعباس بن عمرو الصقلي وروى عنه أبو عمر بن عبد البر النمري وابو محمد بن حزم قاله الحميدي (حدّثنا أبو الفضل الصّقيلي) بكسر الصاد وسكون القاف نسبة إلى صقلية جزيرة من جزائر بحر الغرب ذكره الحلبي وغيره وضبط في بعض النسخ بضم الصاد وضبطه ابن خلكان بفتحتين وتبعه الحجازي وزاد تشديد اللام وقال التلمساني بفتح الصاد والقاف وكسرهما واللام مخففة فيهما (حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أبيه وجدّه) أي قاسم وثابت (قالا) أي كلاهما (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بن آدم) هو مروزي يروي عن ابن عيينة وأبي بكر بن عياش

ص: 422

وجماعة وعنه البخاري وأبو بكر بن أبي داود وطائفة توفي سنة ثمان وخمسين ومائتين (حدّثنا وكيع) تقدم ذكره (عن ابن أبي خالد) هو إسماعيل بن سعيد البجلي الكوفي عن ابن أبي أوفى وأبي جحيفة وقيس وخلق وعنه شعبة وغيره حافظ إمام وكان طحانا تابعي ثقة أحد الاعلام أخرج له الأئمة الستة (عن عامر) وهو الصواب لا ما وقع في بعض النسخ عن مجاهد ذكره الشمني وزاد الحلبي فإنه ليس له شيء من الكتب الستة عن مسروق وهو عامر بن شرحبيل أبو عمرو الشعبي الهمداني قاضي الكوفة أحد الأعلام ولد في خلافة عمرو وروايته عن علي في البخاري وروى عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه والمغيرة وخلق قال أدركت خمسمائة من الصحابة وقال ما كتبت سوادا في بياض ولا حدثت بحديث إلا حفظته مات سنة ثلاث ومائة اخرج له الأئمة الستة وقال الدلجي قد روى المصنف هنا حديث مسلم بسند آخر شاهدا لإنكارها ذلك يقظة وهو بفتح الشين وسكون العين واختلف في نسبته وقد يضرب به المثل في الحفظ فيقال أحفظ من الشعبي وقال الزهري العلماء أربعة ابن المسيب بالمدينة والشعبي بالكوفة والحسن بالبصرة ومكحول بالشام وقال مكحول ما رأيت أفقه من الشعبي في زمانه (عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ ربّه) يعني ليلة الإسراء في حال اليقظة (فقالت لقد قفّ شعري) بفتح القاف وتشديد الفاء من القفقفة وهي الرعدة أي اقشعر وقام شعر جسدي من الفزع (ممّا قلت) أي طالبا مني تصديقي بثبوت رؤيته لربه أو لا ثبوتها أو لكوني سمعت ما لا ينبغي أن يقال (ثلاث من حدّثك) كذا بكاف الخطاب ثبت بخط القاضي المصنف وعند العرفي بحذفها وكلاهما صحيح والمعنى من اعلمك أو روى وأخبر (بهنّ فقد كذب) وفي نسخة كذبك أي افترى فرية بلا مرية فيهن وبيانها قولها (مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كذب ثمّ قرأت) أي للاستشهاد على دعوى المراد (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ [الأنعام: 103] الآية) أي وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير وأجيب بأن الآية دالة على أنه لا تحيط به ولا بحقيقته حاسة بصر إذا تجلى بنور كماله وصفة كبرياء جلاله لحديث مسلم نوراني أراه أي حجابه نور فكيف أراه إذ كمال النور يمنع الإدراك من غاية الظهور وأما إذا تجلى بما يسعه نطاق القدرة البشرية من صفات جماله الصمدية فلا استبعاد لرؤيته بدون إحاطة فنفي الآية رؤيته على سبيل الإحاطة لا يوجب نفي رؤيته بدونها لا محالة (وذكر) مسروق (الحديث) أي الخ قال التلمساني الأولى هذه والثانية قولها رضي الله تعالى عنها من زعم أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كتم شيئا من الوحي ثم قرأت يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الآية والثالثة من زعم أنه صلى الله تعالى عليه وسلم يخبر بما يكون في غد فقد أعظم الفرية ثم قرأت إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الآية انتهى وزاد الانطاكي ولكنه رأى جبريل مرتين وقال الغزالي في الإحياء والصحيح أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ما رأى الله تعالى ليلة المعراج لكن النووي صحح الرؤية في الفتاوى ونقله عن المحققين والله سبحانه وتعالى أعلم قال الحلبي

ص: 423

هذا الحديث الذي ساقه القاضي هنا هو في البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وهو في البخاري في التفسير عن يحيى عن وكيع بالسند الذي ساقه القاضي وهو يدل ولو رواه القاضي من طريق البخاري كان يقع له أعلى من هذا وسبب عدول القاضي عن إخراج هذا الحديث من أحد هذه الكتب مع أنه بين القاضي وبين شيخ الشيخ البخاري وكيع سبعة وهذا الذي ساقه بينه وبين وكيع ثمانية فالذي في الصحيح أعلى ليتنوع وليظهر كثرة الشيوخ والمسموعات والله سبحانه وتعالى أعلم بالنيات (وقال جماعة) أي من المحدثين والمتكلمين (بقول عائشة وهو المشهور) أي كما رواه الشيخان (عن ابن مسعود) أي أنه رأى جبريل (ومثله) أي في كونه مشهورا ما رواه البخاري (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّمَا رَأَى جبريل عليه السلام واختلف عنه) أي عن أبي هريرة إذ قد روى عنه أنه قال رآه بعينه كابن مسعود وأبي ذر والحسن وابن حنبل. (وَقَالَ بِإِنْكَارِ هَذَا وَامْتِنَاعِ رُؤْيَتِهِ فِي الدُّنْيَا جماعة من المحدّثين، والفقهاء والمتكلّمين) جوز أن يكون المشار إليه ما لم يشتهر من قول أبي هريرة أنه رآه بعينه وأن يكون ما انكرته عائشة أي بإنكار ما انكرته وفاقا لها ولذا أكده بالجملة الثانية دفعا لتوهم كون انكارهم انكارا لانكارها كذا حققه الدلجي ونقل الحلبي أنه حكى أبو عبد الله ابن إمام الجوزية عن عثمان بن سعيد الدارمي الحافظ لما ذكره مسألة الرؤية ما لفظه وهي مسألة خلاف بين السلف والخلف وإن كان جمهور الصحابة بل كلهم مع عائشة كما حكاه عثمان ابن سعيد الدارمي إجماعا للصحابة (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ رآه بعينه) وبه قال أنس وعكرمة والربيع (وروى عطاء عنه) أي عن ابن عباس (بقلبه) أي أنه رآه بعين بصيرته وعطاء هذا هو ابن أبي رباح بفتح الراء وبالموحدة أبو محمد المكي الفقيه أحد الأعلام يروي عن عائشة وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما وخلق وعنه أبو حنيفة والليث والأوزاعي وابن جريج وأمم أخرج له الأئمة الستة وقد أخرج هذا الحديث مسلم عن عطاء عن ابن عباس في صحيحه في باب الإيمان عن أبي بكر بن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه به (وعن أبي العالية عنه) أي عن ابن عباس (رآه بفؤاده مرّتين) وأبو العالية هذا هو رفيع بن مهران الرياحي بكسر الراء والمثناة تحت وهذه الرواية أخرجها مسلم في الإيمان (وذكر ابن إسحاق) أي محمد بن إسحاق بن يسار الإمام في المغازي عن عبد الله بن أبي سلمة (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَرْسَلَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَسْأَلُهُ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ ربّه) أي بعين بصره إذ لا خلاف في رؤيته ببصيرته (فقال نعم) والحاصل أنه اختلفت الرواية عن ابن عباس في مسألة الرؤية (والأشهر عنه) أي عن ابن عباس (أنّه رأى ربّه بعينه روي ذلك) أي القول الأشهر (عنه من طرق) أي بأسانيد متعددة اقتضت الشهرة (وقال) أي في بعض طرقه وهو ما رواه الحاكم والنسائي والطبراني أن ابن عباس قال تقوية لقوله إنه رأى ربه بعينه (إنّ الله اختصّ موسى بالكلام) أي من بين سائر الأنبياء عليهم السلام فلا ينافي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم وقع أيضا له الكلام على وفق

ص: 424

المرام وكذا قوله (وإبراهيم بالخلّة) بضم الهاء فإنه صلى الله تعالى عليه وسلم جمع له بين كونه خليلا وحبيبا (ومحمّدا بالرّؤية) أي البصرية هذا ولا منافاة بين قول ابن عباس رآه بعينه وبين قوله رآه بفؤاده لإمكان الجمع بينهما بثبوت الرؤية للبصر والبصيرة كما يشير إليه قوله تعالى ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى أي ما كذب فؤاده مرئيه بل صدقه وطابقه ووافقه (وحجّته) أي دليل ابن عباس أي على أنه صلى الله تعالى عليه وسلم رأى ربه (قوله تعالى: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) أي بعينه إذ لا يقال ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى بقلبه فالمعنى ما اعتقد قلب محمد خلاف ما رأى ببصره وهي مشاهدة ربه تعالى بفؤاده بجعل بصره فيه أو ببصره بجعل فؤاده فيه لأن مذهب أهل السنة أن الرؤية بالإراءة لا بالقدرة هذا والراجح كما قال النووي عند أكثر العلماء إنه رآه بعيني رأسه ليلة الإسراء وإثبات هذا ليس إلا بالسماع منه صلى الله تعالى عليه وسلم وهو مما لا شك فيه وإنكار عائشة وقوعها لم يكن لحديث روته ولو كان لحديث ذكرته بل احتجت بقوله تعالى لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ قلنا المراد بالإدراك الإحاطة إذ ذاته تعالى لا تحاط ولا يلزم من نفيها نفي الرؤية بدونها وبقوله وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً

قلنا لا تلازم بين الرؤية والكلام لجواز وجودها بدونه كذا قرره الدلجي فيما نقله عن النووي وفيه أنه لا يعرف حديث مسموع مرفوع بل كل من عائشة وابن عباس مستدل بآية من الكتاب والله تعالى أعلم بالصواب (أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى أي افتشكون أو افتجادلونه بالاستفهام الإنكاري وإنما وقع الجدل والشك في رؤية البصر إذ لا يشك أحد في رؤية البصيرة ولعل الاستدلال بهذه الآية بناء على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وإلا فالظاهر أن الشك إنما وقع من الكفار في نفس الإسراء وما رأى في عالم السماء (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى [النجم: 11- 13] ) وهي فعلة من النزول اقيمت مقام المرة ونصبت نصبها قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كانت له في تلك الليلة عرجات لحط عدد الصلوات ولكل عرجة نزلة ذكره الدلجي وفي الاحتجاج بهذه الآية نظر ظاهر إذ جمهور المفسرين على أن ضمير المفعول راجع إلى جبريل عليه السلام لا سيما ضعف الاحتمال لضعف الاستدلال (قال الماورديّ) سبق ذكره (قِيلَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَسَمَ كَلَامَهُ وَرُؤْيَتَهُ بين موسى ومحمّد صلى الله تعالى عليه وسلم فرآه محمّد مرّتين) أي حيث كان قاب قوسين أو أدنى وعند سدرة المنتهى (وكلّمه موسى مرّتين) أي مرة وقت إرساله إلى فرعون ومرة بعد هلاكه ورجوعه إلى الطور وفيه أن قائل هذا مجهول فالاستدلال به غير معقول.

(وحكى أبو الفتح الرّازي) الله أعلم به كذا ذكره الدلجي وقال التلمساني هو سليمان بن أيوب مات غريقا سنة سبع وأربعين وأربعمائة (وأبو اللّيث السّمرقندي) تقدم ذكره (الحكاية) أي التي ذكرها الماوردي (عن كعب) وفيه أن كعب الأحبار هو من أهل الكتاب والتواريخ فلا يكون قوله حجة في هذه المسألة (وروى عبد الله بن الحارث) هو زوج أخت محمد بن سيرين روى عن جماعة من الصحابة وروى هذا الحديث مرسلا كذا ذكره الشمني تبعا

ص: 425

للحلبي وفي كون هذا الحديث مرسلا نظر ظاهر في المنقول ولا يخفى على من له المام بعلم الأصول وقال الأنطاكي هو أبو الوليد عبد الله بن حارث البصري روى عن عائشة وأبي هريرة وزيد بن أرقم وابن عباس وابن عمر وغيرهم وعنه ابنه يوسف والمنهال بن عمرو وعاصم الأحول وخالد الحذاء وجماعة وثقه أبو زرعة والنسائي وأخرج له الأئمة الستة (قال) أي عبد الله بن الحارث (اجْتَمَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَكَعْبٌ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَّا نَحْنُ بَنُو هَاشِمٍ فَنَقُولُ إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ رَأَى رَبَّهُ مَرَّتَيْنِ فَكَبَّرَ كَعْبٌ حَتَّى جاوبته الجبال وقال) أي كعب أو ابن عباس (إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ رُؤْيَتَهُ وَكَلَامَهُ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وموسى فكلّمه موسى ورآه محمد بقلبه) أي وبعينه أيضا قاله الدلجي أقول الظاهر إن هذا قول كعب وإنه مخالف لقول ابن عباس وتكبيره كان لتعظيم الأمر وتفخيم القدر وأما ما قاله أبو الفتح اليعمري في سيرته في الإسراء ما لفظه وروينا من طريق الترمذي حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن مخالد عن الشعبي قال لقي ابن عباس كعبا بعرفات فسأله عن شيء فكبر حتى جاوبته الجبال فقال ابن عباس إنا بنو هاشم نقول إن محمدا رأى ربه فقال كعب إن الله تعالى قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى فكلم موسى مرتين ورآه محمد مرتين فقال الحلبي لم أر هذا الحديث في أطراف المزي فإن كان في الجامع فلعله سقط من نسختي وإن كان من طريقه في غير الجامع فلم أقف عليه قلت وعلى تقدير ثبوته فلعله عنه روايتان (وَرَوَى شَرِيكٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه في تفسير الآية) أي قوله تعالى ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (قال رأى النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم ربّه) فيه أنه مبهم يحتمل احتمالين وأغرب الدلجي هنا حيث قال أي بقلبه بشهادة أول الآية وهو مناقض لما سبق عنه من تقرير الرواية بالبصر فتدبر. (وحكى السّمرقنديّ) أي كرواية ابن أبي حاتم (عن محمّد بن كعب) أي القرظي كما في نسخة صحيحة وهو تابعي جليل (وربيع بن أنس) هو أيضا تابعي مشهور (أنّ النّبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ قَالَ رأيته بفؤادي ولم أره بعيني) وهذا الحديث صريح في طرفي الإثبات والنفي ولا يضر كون الحديث مرسلا لأنه حجة عند الجمهور لا سيما وقد اعتضد بما رواه ابن جرير عن محمد بن كعب عن بعض أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مرفوعا وأما قول الدلجي لعله في المرة الأولى إذ قد روى ابن عباس أنه رآه مرتين فلا يقاوم الحديث من وجوه يعلمها أهله (وروى مالك بن يخامر) بضم تحتية فخاء معجمة مخففة فألف فميم مكسورة فراء لا ينصرف للعلمية ووزن الفعل يقال له صحبة والأصح أنه تابعي روى عن جماعة من الصحابة منهم عبد الرحمن بن عوف وروى عنه معاوية بن أبي سفيان وجماعة من التابعين وفي نسخة وَرَوَى مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ (عَنْ مُعَاذٍ عَنِ النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم قال رأيت ربّي) فيه احتمالان إن كان في الإسراء لكن قال المزي حديث مالك بن يخامر عن معاذ مبين في بعض الروايات أنه في النوم (وذكر كلمة) أي جملة من الكلام وقال الأنطاكي من دأب السلف إذا وقع في الحديث لفظ يستعظمون

ص: 426

التصريح به أن يعبروا عنه بقولهم وذكر كلمة أي كلمة عظيمة (فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى الحديث) وهذا حديث جليل ولفظه طويل ونفعه جزيل فلا بد من إيراده ليقع الوقف على مراده فقد رواه أحمد وغيره عن معاذ قال صلى الله تعالى عليه وسلم صلاة الغدوة ثم أقبل علينا فقال إني سأحدثكم إني قمت من الليل فصليت ما قدر لي فنعست وفي رواية فوضعت جنبي فإذا أنا بربي في أحسن صورة وهو حال منه صلى الله تعالى عليه وسلم أو من ربه ولا إشكال فيه كما قال البيضاوي إذ قد يرى النائم غير المتشكل متشكلا وعكسه ولا يعد ذلك خللا في الرؤيا ولا في خلد النائم فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى ورواية المصابيح فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد قلت أنت أعلم أي رب مرتين قال فوضع كفه وفي رواية يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي وفي رواية فوجدت برد أنامله بين ثديي فعلمت ما في السماء والأرض وفي الرواية الثانية فتجلى لي كل شيء وعرفت ما في السماء والأرض ثم تلا هذه الآية وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ثم قال فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد قلت في الكفارات قال وما هن قلت المشي على الأقدام إلى الطاعات والجلوس في المساجد بعد الصلوات وفي رواية خلف الصلوات وإبلاغ الوضوء وأماكنه على المكاره وفي رواية في المكاره من يفعل ذلك يعش بخير ويمت بخير ويكن من خطيئته كيوم ولدته أمه ومن الدرجات إطعام الطعام وبذل السلام وأن يقوم بالليل والناس نيام ثم قال قل اللهم إني اسألك الطيبات وترك المنكرات وفعل الخيرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني وتتوب علي وإذا اردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون قال الأنطاكي واعلم أن من العلماء من امتنع عن الكلام في تأويل قوله عليه الصلاة والسلام في أحسن صورة منهم أحمد بن حنبل روي أنه هجر أبا ثور في تأويله قوله عليه الصلاة والسلام إن الله خلق آدم على صورته ومنهم من تكلم فيه فقيل قوله (في أحسن صورة) يحتمل أن يكون حالا من الرائي وهو النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ومعناه رأيته وأنا في أحسن صورة وصفة من غاية انعامه ولطفه تعالى علي ويحمل أن يكون حالا من المرئي وهو الرب جل جلاله وصورته تعالى ذاته المخصوصة المنزهة عن المماثلة وقال الخطابي الصورة ترد في كلام العرب على ظاهرها وعلى معنى حقيقة الشيء وعلى معنى صفته يقال صورة هذا أمر كذا وكذا أي صفته وقال وهو المراد هنا وقال في جامع الأصول المراد أنه في أحسن صفته ثم المراد بالاختصام تقاولهم في فضل تلك الأعمال واي بفتح الهمزة بمعنى يا وقوله مرتين متعلق بقوله فقال فيم يختصم الخ أي جرى السؤال من ربي والجواب مني مرتين وقوله فوضع كفه بين كتفي كناية عن تخصيصه تعالى إياه بمزيد الفضل وإيصال الفيض إليه وإلا فلا كف ولا وضع حقيقة كما أن من عادة الملوك إذا أراد أحدهم أن يقرب بعض خدمه من نفسه ويذكر معه أحوال مملكته أن يضع يده على ظهره ويلقى ساعده على عنقه تلطفا به وتعظيما لشأنه

ص: 427

والبرد الراحة والضمير في بردها يعود إلى الكف وأراد بقوله بين ثديي قلبه وهو كناية عن وصول ذلك الفيض إلى قلبه انتهى وهذا كله يحتاج إليه إذا صح الحديث في اليقظة والله أعلم. (وحكى عبد الرّزاق) وهو ابن همام بن رافع الحافظ الكبير الصغاني أحد الاعلام صاحب التصانيف روى عن عبيد الله بن عمرو عن الأوزاعي والثوري ومعمر وخلائق وعنه أحمد وإسحاق وابن معين وجماعة وقد وثقه غير واحد وأخرج له الأئمة الستة ونقموا عليه التشيع وهو غير ثابت فيه بل كان يحب عليا رضي الله تعالى عنه ويبغض من قاتله وقد قال سلمة بن شبيب سمعت عبد الرزاق يقول والله ما انشرح صدري قط أن أفضل عليا على أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهم (أنّ الحسن) أي البصري (كَانَ يَحْلِفُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ) فيه احتمالان (وحكاه) أي نقل مثله (أبو عمر الطّلمنكيّ) بفتح الطاء المهملة واللام والميم فنون ساكنة فكاف مكسورة وهو الإمام الحافظ المقرئ أبو عمر بضم العين روى عنه ابن عبد البر وابن حزم وغيرهما وكان رأسا في علم القراآت ذا عناية تامة بالحديث إماما في السنة توفي في ذي الحجة سنة تسع وعشرين وأربعمائة (عن عكرمة) تقدم ذكره. (وحكى بعض المتكلّمين) قال الحلبي لا أعرفه (هَذَا الْمَذْهَبَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَحَكَى ابْنُ إسحاق) أي صاحب المغازي (أَنَّ مَرْوَانَ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ هَلْ رَأَى محمّد ربّه فقال نعم) ومروان هذا ابن عبد الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي ولد سنة اثنتين ولم يصح له سماع ولا رؤية روى عن عثمان وعلي وزيد بن ثابت وروى عنه عروة ومجاهد وعلي بن الحسين دولته تسعة أشهر وأيام وتملك ابنه عبد الملك بعده اخرج لمروان الستة غير مسلم إلا أن البخاري روى حديث الحديبية عنه مقرونا بالمسور بن مخرمة. (وَحَكَى النَّقَّاشُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ أَنَا أَقُولُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِعَيْنِهِ رآه رآه) أي كرره (حتّى انقطع نفسه) بفتح الفاء (يعني نفس أحمد) أي ابن حنبل كما في نسخة صحيحة وهذا تفسير من المصنف أو غيره قال بعض الحنابلة من العلماء كلاما معناه أن أحمد لم يقل إنه رآه ليلة الإسراء وإنما رآه في النوم يعني الحديث الذي فيه رأيت ربي في أحسن صورة الحديث يعني رؤيا الأنبياء وحي (وقال أبو عمر) الظاهر أنه أراد به ابن عبد البر فإنه الفرد الأكمل الأشهر خلافا للحلبي ومن تبعه حيث قال الظاهر أنه أبو عمر المتقدم يعني الطلمنكي (قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَآهُ بِقَلْبِهِ وَجَبُنَ) بفتح الجيم وضم الموحدة وقيل تفتح أي خاف أحمد وتأخر (عن القول برؤيته بالأبصار) أي الحسية (في الدّنيا وقال سعيد بن جبير لا أقول) أي أنه (رآه ولا لم يره) وهذا يدل على غاية الاحتياط منه وعلى تعارض الأدلة عنده (وقد اختلف في تأويل الآية) أي آية ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى أو قوله تعالى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله تعالى عنهم فحكي) بصيغة المجهول (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ رَآهُ بِقَلْبِهِ وَعَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَأَى جِبْرِيلَ وَحَكَى عَبْدُ الله بن أحمد بن حنبل) هو الإمام الحافظ الثبت محدث العراق روى عن

ص: 428

أبيه وخلائق وعنه النسائي وغيره (عن أبيه أنّه قال رآه) وقد سبق الكلام عليه من جهة مبناه ومعناه (وَعَنِ ابْنِ عَطَاءٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشَّرْحِ: 1] قَالَ شَرَحَ صَدْرَهُ للرّؤية وشرح صدر موسى للكلام) أي إجابة لدعائه عليه الصلاة والسلام رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وما بينهما بون بين إذ الأول مراد ومطلوب للمحبوب والثاني مريد وطالب للمرغوب (وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَشْعَرِيُّ رضي الله تعالى عنه) كذا في النسخ والأولى أن يقال رحمه الله لأنه ليس من الصحابة (وجماعة من أصحابه أنّه) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (رأى الله تعالى ببصره وعيني رأسه) قال الحلبي هذا هو الشيخ القدوة إمام المتكلمين علي بن إسماعيل بن أبي بشر بن سالم بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى عبد الله بن قيس أبو الحسن الأشعري كان أولا معتزليا ثم ترك ذلك برؤيا رآها في نومه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وكان لا يتكلم في علم الكلام إلا أن يجب عليه قياما في الحق وكان حبرا عظيما لا يناضل ولا يباري قال القاضي أبو بكر الباقلاني أفضل أحوالي أن أفهم كلام أبي الحسن ولد سنة اثنتين ومائتين ومات قبل الثلاثين والثلاثمائة على الأصح قال الشيخ أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين كان شافعيا تفقه على الشيخ أبي إسحاق المروزي وقال التلمساني وأبو الحسن هذا مالكي المذهب (وقال) أي الأشعري (كلّ آية) أي معجزة (أُوتِيَهَا نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام فَقَدْ أوتي مثلها) أي حقيقة ونظيرها صورة (نبيّنا صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُصَّ مِنْ بَيْنِهِمْ بِتَفْضِيلِ الرُّؤْيَةِ) أي بزيادة حصول الرؤية واللقاء ووصول الدرجة العلياء في ليلة الإسراء (ووقف) أي توقف (بعض مشايخنا) جمع مشيخة وهو القياس أو شيخ على غير قاس (في هذا) أي في ذلك كما في نسخة، (وقال ليس عليه دليل واضح) أي على ثبوت وقوعه (ولكنّه جائز أن يكون) أي وجائز أن لا يكون وهذا يحتمل أن يكون في كلام القاضي وأن يكون من كلام الأشعري. (قال القاضي أبو الفضل وفّقه الله) أي المصنف (والحقّ الذي لا امتراء) افتعال من المرية أي لا شك (فِيهِ أَنَّ رُؤْيَتَهُ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا جَائِزَةٌ عقلا وليس في العقل ما يحيلها) أي شيء من توهم واحتمال يحكم باستحالتها لجزمه بجواز وقوعها فيها (وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهَا فِي الدُّنْيَا سُؤَالُ مُوسَى عليه السلام لها) أي حيث قال رب أرني انظر إليك مع اعتقاده أنه تعالى يجوز أن يرى فيها فسألها (ومحال) بضم الميم أي ومن المحال (أَنْ يَجْهَلَ نَبِيٌّ مَا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ وَمَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ بَلْ لَمْ يَسْأَلْ إلّا جائزا غير محال) أي غير مستحيل كما في نسخة لاستحالة سؤال الأنبياء ما يكون من المحال (ولكن وقوعه ومشاهدته) أي لنبينا صلى الله تعالى عليه وسلم خاصة (مِنَ الْغَيْبِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا مَنْ علّمه الله تعالى) بتشديد اللام أي أطلعه إياه (فقال الله تعالى) أي لموسى أي غير ناف للجواز (لَنْ تَرانِي [الأعراف: 142] ) أي دون لن أرى المؤذن بنفيه أي المشعر بنفي جواز بل فيه ما يدل على نفي وقوعه فقط حيث قال لن تراني (أي لن تطيق) أي تحمل تجلياتي (ولا تحتمل رؤيتي) أي

ص: 429

في الدنيا لأنها دار الفناء واللقاء إنما يكون في دار البقاء وحال الإسراء يعد من أمر الآخرة بدليل الكشوفات الذاخرة والمقامات الفاخرة المقتضية لخرق العادة في قوة بنية نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم في تلك الحالة (ثمّ ضرب) أي بين (له مثلا) وفي نسخة مَثَلًا (مِمَّا هُوَ أَقْوَى مِنْ بِنْيَةِ مُوسَى) بكسر موحدة وسكون نون فتحتية أي من تركيب بناء جسده واعضاء جسمه (وأثبت) تفسير لا قوي (وهو الجبل) أي بحسب الهيكل الصوري حيث قال وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فسوف تراني (وَكُلُّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ مَا يُحِيلُ رُؤْيَتَهُ في الدّنيا) أي يقتضي ردها ويروى وقوعها محالا (بل فيه جوازها على الجملة) أي دليل جواز وقوعها في الجملة حيث علق وقوع رؤيته على استقرار الجبل في مكانه بعد تجلي رؤيته والتعليق بالممكن يفيد الإمكان إذ معنى التعليق هو أن يقع على تقدير وقوع المعلق عليه والمحال لا يقع على تقدير أصلا (وليس في الشّرع) أي في الكتاب والسنة (دليل قاطع على استحالتها) أي استحالة جوازها (ولا امتناعها) أي ولا دليل على امتناع وجودها (إذ كلّ موجود) أي لأنه سبحانه وتعالى موجود بل واجب الوجود وكل موجود جائز الرؤية (فرؤيته جائزة غير مستحيلة) كما قال الأشعري (ولا حجّة لمن استدلّ على منعها) أي امتناع جوازها (بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ [الْأَنْعَامِ: 103] لِاخْتِلَافِ التأويلات في الآية) أي ومع الاحتمال لا يصح أن يكون حجة إذ قد قيل المراد بالإدراك الإحاطة ولا يلزم منه نفي مطلق الرؤية وقيل ليس عاما في الأوقات فيخص ببعضها ضرورة الجمع بين الأدلة ولا في أشخاص إذ هو في قوة قولك لا كل بصر يدركه فيخص ببعضهم لقوله تَعَالَى كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ وقد أغرب عز الدين بن عبد السلام في قوله لا تراه الملائكة (وإذ ليس) عطف على الاختلاف وقيل على قوله كل موجود ولا يخفى بعده أي ولأنه (لا يقتضي قول من قال في الدّنيا) أي بمنعها في الدنيا (الاستحالة) أي للرؤية لأنه ليس نصا في المنع بل أخذ بتأويل واحتمال لا يقتضي الاستحالة (وقد استدلّ بعضهم بهذه الآية) أي آية لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ (نَفْسِهَا عَلَى جَوَازِ الرُّؤْيَةِ وَعَدَمِ اسْتِحَالَتِهَا عَلَى الجملة) إذ مفهوم نفي الإحاطة جواز الرؤية (وقد قيل) أي في تأويل الآية (لا تدركه أبصار الكفّار) على أن اللام للعهد بقرينة قوله كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (وقيل لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ لا تحيط به) أي كما مر مرارا (وهو قول ابن عبّاس وقد قيل) أي في التأويلات (لا تدركه الأبصار) أي أنفسها (وإنّما يدركه المبصرون) أي بسببها وبقوة الهية فيها وهو بضم الميم وإسكان الباء وكسر الصاد قال تعالى فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ والمعنى أن الإدراك إنما يكون للمبصر بواسطة البصر لا للبصر نفسه (وَكُلُّ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ لَا تَقْتَضِي مَنْعَ الرُّؤْيَةِ ولا استحالتها) أي بل تقتضي جوازها (وكذلك لا حجّة لهم) أي على منعها (بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَنْ تَرانِي [الْأَعْرَافِ: 142] وَقَوْلِهِ تُبْتُ إِلَيْكَ [الأعراف: 143] لما قدّمناه) أي للتأويل الذي قدمناه وهو قوله أي لن تطيق مما يؤذن بجوازها كسؤال موسى إياها (ولأنّها) أي آية لَنْ تَرانِي

ص: 430

(ليست على العموم) وفي نسخة من العموم أي في نفيها لجميع أفراد الإنسان في جميع الأزمان لجواز أن يراه غير موسى مما يخلق الله فيه استعدادا لها في أبانها كليلة الإسراء فإن لن لنفي المستقبل فقط ولا تفيد توكيد النفي في الاستقبال ولا تأبيده على ما عليه أهل السنة خلافا للزمخشري وأهل الاعتزال حيث يدعون أنها تفيد التوكيد أو التأبيد ورد بقوله تعالى وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً وبقوله فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا إذ يلزم تكرار الأبد وعدم فائدة التقييد باليوم (وَلِأَنَّ مَنْ قَالَ مَعْنَاهَا لَنْ تَرَانِي فِي الدّنيا إنّما هو تأويل) أي مما لا يقتضي استحالة ولا منعا فيها مطلقا لجواز اختصاص المنع فيها بموسى دون غيره على أنه قد يقال إن حالة الإسراء مما لا يعد من أحوال الدنيا بل إنما هي من مقامات العقبى أو حالة أخرى كالبرزخ (وأيضا ليس) وفي نسخة فليس (فيه) أي في قوله تعالى لَنْ تَرانِي (نصّ الامتناع) أي من الرؤية مطلها (وإنّما جاءت) أي آية لَنْ تَرانِي مفصحة بامتناعها (في حقّ موسى) أي خصوصا ولا يلزم من منع الخصوص منع العموم مع أنه قابل للتقييد بذلك المكان والزمان (وحيث تتطرّق التّأويلات) بحذف إحدى التاءين أي تردد وتتابع وتزاحم ويؤيده أنه في نسخة تتطرق ويقويه قوله (وتتسلّط الاحتمالات) عطف تفسير (فليس للقطع) أي لقطع المنع (إليه) أي إلى امتناع الرؤية (سبيل) أي طريق ودليل (وقوله: تُبْتُ إِلَيْكَ) أي مأول بقولهم (أي من سؤالي) أي من الاقدام على دعائي (ما لم تقدّره لي) روي بضم التاء وفتحها وفتح القاف فلا يلائم إلا مع ضم التاء وتشديد الدال فيكون المعنى ما لم تقدره لي في الأزل وكتبته علي في سابق علمك وأما سكونها فمعناه ما لم تجعله له في قدرتي ووسعي كذا ذكره التلمساني (وقد قال أبو بكر الهذليّ) بضم هاء وفتح ذال معجمة (فِي قَوْلِهِ: لَنْ تَرانِي أَيْ لَيْسَ لِبَشَرٍ أَنْ يُطِيقَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيَّ فِي الدُّنْيَا) أي والإسراء ليس من الدنيا بل من الأخرى (وأنّه) أي الشان (من نظر إليّ) أي في الدنيا (مات) أي في الحال بدليل صعق موسى حين رأى الجبل قال المزي ويؤيده ما في مسلم من حديث الدجال فاعلموا أنه أعور وأن الله سبحانه وتعالى ليس بأعور وأن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت (وَقَدْ رَأَيْتُ لِبَعْضِ السَّلَفِ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مَا مَعْنَاهُ أنّ رؤيته تعالى في الدّنيا ممتنعة) أي لا من حيث ذاتها لثبوت جوازها فيها كما مر الكلام عليها وإنما امتنعت فيها (لضعف تركيب أهل الدّنيا) أي بنيتهم (وقواهم) بضم القاف وتخفيف الواو أي حواسهم (وكونها متغيّرة عرضا) بفتحتين وضبطه بعضهم بفتح الغين المعجمة والراء وبالضاد المعجمة أي هدفا فالإنسان غرض والآفات سهام وفي نسخة صحيحة وكونها معرضة بتشديد الراء المفتوحة أي هدفا (للآفات) من نوائب مقلقة ونواكب للاكباد مفلقة تقتضي نقصانها (والفناء) أي مما يوجب زوالها (فلم تكن لهم قوّة على الرّؤية) أي في الدنيا (فإذا كان) أي الشأن (في الآخرة وركّبوا تركيبا آخر) أي أقوى وأبقى من الأول (ورزقوا قوى) بضم وتخفيف قاف منونا جمع قوة أي أعطوا حواس وفي نسخة قوة (ثابتة) من الثبوت وفي نسخة ثانية بالنون والباء (باقية) أي تامة وافية

ص: 431

(وأتمّ) بصيغة الفاعل أو المفعول أي أكمل (ألله أنوار أبصارهم) أي الظاهرة (وقلوبهم) أي وبصائرهم الباطنة (قووا بها) بفتح قاف وضم واو وأصله قويوا فأعل بالنقل والحذف وهو جواب الشرط أي صاروا ذوي قوة في الآخرة (على الرّؤية) وهذا أمر ظاهر وقول باهر ولا غبار عليه ولا شقاق لديه إذ لا مرية أن الله تعالى يخلقهم في العقبى على خلق أكمل منهم في الدنيا من جهة جمع القوى كما جاءت الأخبار فيه في الأكل والشرب والجماع وغير ذلك فلا ينكر زيادة القوة السامعة والباصرة ونحوهما هنالك لا سيما وقد نفى الشرع إثبات الرؤية للعامة في الدنيا وأثبتها للخاصة في العقبى فلا بد من الجمع بين الأدلة كما هو دأب الأئمة وهو لا ينافي استواء القدرة الكاملة في حالتي الراهنة والمستقبلة الشاملة فاندفع قول الدلجي وهذا منهم دعوى بلا بينة إذ القادر على خلق ذلك لهم في الآخرة قادر على خلقه لهم في الدنيا فلا وجه لتخصيص ذلك بالآخرة ولا دليل عليه إذ الرؤية بمجرد خلقه غير مشروطة بشيء (وقد رأيت نحو هذا) أي مثل هذا القول المنقول عن بعض السلف بعينه (لمالك بن أنس) وهو إمام المذهب رحمه الله قال لم ير) بصيغة المجهول أي ما يرى الله سبحانه وتعالى (في الدّنيا لأنّه) أي الله تعالى (باق ولا يرى الباقي بالفاني) أي بالحس الفاني أو بالمكان الفاني (فإذا كان) أي أمر الرؤية (في الآخرة ورزقوا أبصارا باقية) أي وبصائر قوية (رئي الباقي بالباقي) وضبط الأنطاكي رئي بكسر الراء وسكون الياء ثم بهمزة على بناء المجهول (وهذا) أي الذي قاله مالك وما سبق هنالك (كلام حسن مليح) أي ومرام مستحسن صريح ولا عبرة بمنع الدلجي هذه العلة (وليس هو) أي امتناعه وفي نسخة صحيحة وليس فيه أي في امتناعه في الدنيا (دليل على الاستحالة) أي على كونه محالا في العقبى أو مطلقا أو في ذاته بل ليس امتناعه واستحالته (إلّا من حيث ضعف القدرة) أي قدرة العبد وضعف بنيته وفناء حالته وقوته (فَإِذَا قَوَّى اللَّهُ تَعَالَى مَنْ شَاءَ مِنْ عباده) أي على ما شاء من مراده (وأقدره) في أصل الدلجي قدره بتشديد الدال أي وجعله قادرا (على حمل أعباء الرّؤية) بفتح الهمزة وسكون العين فموحدة بعدها ألف ممدودة جمع عبء بالكسر وهو الحمل الثقيل ومنه العباء أي تحمل اثقالها تحت تجلي جمالها وجلالها (لم تمتنع) أي الرؤية (في حقّه) أي في أي وقت كان وفي أي شخص بأن روى ابن عطاء أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى أيوب عليه السلام إنك لتنظر إلي غدا فقال يا رب أبهاتين العينين فقال أجعل لك عينين يقال لهما عينا البقاء فنتظر إلى البقاء وحكي أنه دخل على ابن الماجشون رجل ينكر حديث القيامة وأن الله يأتيهم في صورته فقال له يا بني ما تنكر من هذا فقال إن الله تعالى أعظم من أن يرى في هذه الصفة فقال يا أحمق إن الله تعالى ليس تتغير عظمته ولكن تتغير عيناك حتى تراه كيف شاء فقال الرجل أتوب إليه ورجع عما كان عليه (وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا ذُكِرَ فِي قُوَّةِ بَصَرِ موسى ومحمّد عليه الصلاة والسلام ونفوذ إدراكهما) بالذال المعجمة أي مضيه وبلوغه (بقوّة إلهية منحاها) بصيغة المجهول أي أعطياها (لإدراك

ص: 432

ما أدركاه ورؤية ما رأياه) أي في الجملة إذ رؤية موسى كانت مترتبة على النظر حين تجلى الرب على الجبل بخلاف رؤية نبينا الأكمل (والله أعلم) أي بحقيقة الحال وحقيقة المآل.

(وقد ذكر القاضي أبو بكر) يعني الباقلاني لأن القاضي أبا بكر بن العربي معاصر للمصنف إذ مولده سنة ثمان وستين وأربعمائة ومماته سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ومولد المصنف سنة ست وسبعين وأربعمائة ومماته سنة أربع وأربعين وخمسمائة ذكره الشمني ونسبه بالنون على غير قياس إذ القياس أن يقال بالهمز بدله (في أثناء أجوبته عن الآيتين) أي الدالتين على نفي الرؤية وهما لا تدركه الأبصار ولن تراني (ما معناه) أي الذي مؤداه لا لفظه ومبناه (أنّ موسى عليه السلام رأى الله تعالى) أي بواسطة تجلي ربه للجبل (فلذلك خرّ) بتشديد الراء (صعقا) بفتح فكسر ويروى بفتحتين أي سقط مغشيا عليه وإلا فالصعق بمجرد رؤية الجبل دكا بعيد في النظر السديد (وأنّ الجبل رأى ربّه فصار دكّا) أي مدكوكا مدقوقا (بإدراك) متعلق برأى (خلقه الله تعالى له) أي في الجبل كما نقله الماتريدي عن الأشعري وقال الإمام الرازي في المعلم خلق الله تعالى في الجبل حياة وعقلا وفهما وخلق فيه الرؤية فرأى بها (واستنبط) أي القاضي أبو بكر (ذلك) أي رؤيتهما زبهما (وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ: وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ) أي وبقي على حاله وشأنه عند تجلي ربه (فَسَوْفَ تَرانِي [الْأَعْرَافِ: 143] ثُمَّ قَالَ: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) أي بلا كيف (جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً [الْأَعْرَافِ: 143] وَتَجَلِّيهِ للجبل هو ظهوره له) أي ظهورا تاما بلا كيف (حتّى رآه) أي بناء (على هذا القول) أي الذي عزاه للقاضي أبي بكر (وقال جعفر) أي الصادق (بن محمّد) أي الباقر في حكمة الواسطة في الرؤية (شغله) أي سبحانه وتعالى أي موسى (بالجبل حتّى تجلّى) الأظهر حين تجلى (ولولا ذلك) أي الشغل بالجبل (لمات) أي موسى (صعقا بلا إفاقة) أي بعده مطلقا قال المصنف (وقوله هذا) أي قول جعفر (يدلّ على أنّ موسى رآه) أي رؤية بواسطة من وراء حجاب فلا ينافي قوله تعالى لَنْ تَرانِي بلا واسطة وهذا جمع سديد وقد أبعد الدلجي بقوله هنا وهذا بعيد (وقد وقع لبعض المفسّرين) أي حيث قال (في الجبل) أي في حقه (أنّه رآه) أي رأى تجلي ربه بإدراك وعلم خلقه في خلقته فاندك إذ الدك بمجرد التجلي بلا إدراك بعيد كيف وقد نقل الماتريدي عن الأشعري أن معنى التجلي أن الله تعالى خلق فيه حياة وعلما ورؤية فرآه وهذا نص منهما على اثباتها كذا ذكره الدلجي (برؤية الجبل له) أي لربه تعالى (اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِرُؤْيَةِ مُحَمَّدٍ نَبِيِّنَا لَهُ) أي الله سبحانه وتعالى (إذ جعله) أي جعل الله تعالى ما ذكر من رؤية الجبل له (دليلا على الجواز) أي للرؤية قال الدلجي ذكر الضمير نظرا لما بعده والأولى ما قدمناه مع أن المصدر يؤنث ويذكر فتدبر (ولا مرية) بكسر الميم وتضم أي ولا شك (في الجواز) أي جواز الرؤية (إذ ليس في الآيات) أي آية لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وآية لَنْ تَرانِي وآية فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي (نصّ في المنع) أي للرؤية بل هي مشيرة إلى الجواز في مقام المرام كما سبق عليه الكلام. (وأمّا

ص: 433

وجوبها) أي وجوب وقوعها (لنبيّنا) صلى الله تعالى عليه وسلم، (والقول) أي الجزم (بأنّه رآه بعينه فليس فيه قاطع) أي من قواطع الأدلة أي على وقوع الرؤية (ولا نصّ) أي دليل صريح يعول في ثبوت وقوعه عليه (إذ المعول فيه) أي المعتمد عليه في هذا الاستدلال (على آيتي النّجم) أي قوله تعالى ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (والتّنازع فيهما مأثور) أي والاختلاف في معنى الآيتين بين الأئمة في كتب التفسير والسير مذكور ومسطور (والاحتمال) أي العقلي والنقلي (لهما ممكن) أي من حيث دلالتهما على الرؤية وعدمها لعدم صراحتهما بها (وَلَا أَثَرَ قَاطِعٌ مُتَوَاتِرٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم بذلك) أي بكونه رآه بعينه وفي نسخة صحيحة لذلك أي لما ذكر (وحديث ابن عبّاس رضي الله تعالى عنه) أي الذي تقدم من أنه رآه بعينه (خبر عن اعتقاده) أي الذي نشأ عن استنباطه (لم يسنده إلى النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي حتى يعتبر (فيجب) بالنصب (العمل) وفي نسخة العلم (باعتقاد مضمّنه) بتشديد الميم المفتوحة أي مفهومه ومضمومه من رؤية ربه بعينه (وَمِثْلُهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ) أي قوله رأى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ربه. (وحديث معاذ) أي رأيت ربي في أحسن صورة (محتمل) بكسر الميم (للتّأويل) أي على ما تقدم من أنه رآه بفؤاده وفي منامه (وهو) أي والحال أن حديثه (مضطرب الإسناد والمتن) أي ومن المعلوم أن اضطراب أحدهما موجب لضعف الحديث فلا يصلح للاستدلال لا سيما مع ما سبق من الاحتمال ثم اضطرابه من حيث الإسناد فإنه تارة يروي عن عبد الرحمن بن عابس الحضرمي مرسلا فإن عبد الرحمن ليس بصحابي وتارة عن معاذ ابن جبل واضطرابه من حيث المتن فإنه رواه الطبراني في كتابه بإسناده عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل قال احتبس علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن صلاة الغدوة حتى كادت الشمس تطلع فلما صلى الغدوة قال إني صليت الليلة ما قضى لي ووضعت جنبي في المسجد فأتاني ربي في أحسن صورة الحديث ورواه أحمد بن حنبل على هذا السياق وفيه أني قمت من الليل فصليت ما قدر لي فنعست في صلاتي حتى استيقظت فإذا أنا بربي عز وجل في أحسن صورة الحديث فقد اختلف متن الحديث كما ترى وسياق الإسناد واحد والاختلاف في متن حديث واحد موجب للاضطراب. (وحديث أبي ذرّ الآخر) بالرفع على أنه صفة لحديث (مختلف) بكسر اللام أي من حيث اللفظ والمبنى (محتمل) أي من حيث المعنى (مشكل) أي حيث لا يمكن الجمع بينهما ولا ترجيح أحدهما أو محتمل لأن يكون رآه ولم يره أو رآه وبعينه أو بقلبه مشكل من حيث اطلاق النور على الذات والنور بمعنى المنور من جملة الصفات (فروي) ويروى فيروى وهو حديث أبي ذر قال سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هل رأيت ربك فقال (نور) أي هو نور عظيم (أنّى أراه) بهمزة مفتوحة فنون مشددة مفتوحة بمعنى كيف أي كيف يتصور أني أرى الله تعالى فإن الشيء يرى بالنور وهو إذا غشي البصر حجبه عن رؤية ما

ص: 434

وراءه من كمال الظهور فالضمير في اراه عائد إلى الله تعالى كما صرح الإمام أبو عبد الله المازري أي كمال النور منعني عن الرؤية وتمام الظهور كما جرت العادة بإغشاء الأنوار الأبصار فيمنعها من الإبصار قال الحلبي هكذا رواه جميع الرواة في جميع الأصول أي جميع أصول مسلم والروايات ومعنا حجابه النور فكيف أَرَاهُ. (وَحَكَى بَعْضُ شُيُوخِنَا أَنَّهُ رُوِيَ نُورَانِيٌّ) أي بفتح النون والراء بعده ألف فنون مكسورة وتحتية مشددة منونة و (أراه) بضم همزة على ما ذكره الحجازي قال المزي وهذا تصحيف والصواب الأول ويدل عليه قوله رأيت نورا وقوله حجابه النور انتهى وقال الشمني يحتمل أن يكون معناه راجعا إلى ما سبق ولا يخفى بعده وغرابته إذ الأول دال على نفي رؤيته واستبعاده والثاني على اثباته واستعداده، (وفي حديثه الآخر) أي وفي حديث آخر لأبي ذر (سألته) أي النبي صلى الله عليه وسلم أرأيت ربك (فقال رأيت نورا) كيف أراه وفي شرح الدلجي قال المصنف وهذه الرواية لم تقع لنا ولا رأيتها في أصل من الأصول أي أصول مسلم ومحال أن يكون ذاته تعالى نورا إذ النور جسم يتعالى الله عنه ومن ثمة كان تسميته سبحانه وتعالى في الكتاب والسنة نورا بمعنى ذي النور أي منوره أو منه النور كما قيل نور السماء بالشمس والقمر والنجم ونور الارض بالأنبياء والعلم وروي بالنبات والاشجار أو المراد بالنور خالقه هذا وفي تخريج أحاديث الإحياء للعراقي في كتاب المحبة قال ابن خزيمة في القلب من صحة إسناده شيء أي من حيث إن في رواية أحمد عن أبي ذر رأيته نورا أني اراه ورجالها رجال الصحيح. (وليس يمكن الاحتجاج بواحد منها) أي من حديثي أبي ذر (على صحّة الرّؤية) أي وقوعها ونفيها لتعارض معنييهما وتناقض إسناديهما (فإن كان الصّحيح) أي متنا أو إسنادا (رَأَيْتُ نُورًا فَهُوَ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَمْ ير الله تعالى. وَإِنَّمَا رَأَى نُورًا مَنَعَهُ وَحَجَبَهُ عَنْ رُؤْيَةِ الله تعالى وإلى هذا) أي إلى معنى قوله رأيت نورا (يرجع قوله نور أنّى أَرَاهُ أَيْ كَيْفَ أَرَاهُ مَعَ حِجَابِ النُّورِ المغشّى) بصيغة الفاعل مخففا أو مشددا أي المغطى (للبصر وهذا) أي حديث نوراني أراه (مثل باقي الحديث الآخر) أي من حيث المعنى (حجابه النّور) كما رواه الطيالسي عن أبي موسى الأشعري وأصله في مسلم وأوله أن الله لا ينام ولا ينبغي أن ينام (وفي الحديث الآخر) أي الذي رواه ابن جرير عن محمد بن كعب عن بعض الصحابة (وفي الحديث الآخر) أي الذي رواه ابن جرير عن محمد بن كعب عن بعض الصحابة (لم أره بعيني ولكن رأيته بقلبي) زيد فيه ههنا (مرّتين وتلا) أي قرأ الراوي شاهدا لصحة رؤيته ربه بقلبه (ثُمَّ دَنا) أي قرب نبينا (فَتَدَلَّى [النجم: 8] ) أي زاد في التقرب إليه سبحانه وتعالى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (والله تعالى قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْإِدْرَاكِ الَّذِي فِي الْبَصَرِ في القلب) أي على أن يجعله في القلب (أو كيف شاء) أي بأن يخلق إدراك في السمع أو غيره وأن يخلق إدراك الرؤية السمع في البصر ونحوه (لا إله غيره) أي حتى يمانعه ويدافعه عن مراده في عباده (فإن ورد حديث نصّ بيّن) بتشديد الياء المكسورة أي ظاهر لا يحتمل تأويلا (في الباب) أي في باب الرؤية

ص: 435