المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [إن قلت أكرمك الله تعالى لا خفاء على القطع بالجملة] - شرح الشفا - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأوّل

- ‌[المقدمة]

- ‌ترجمة القاضي عياض

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌القسم الأول [في تعظيم العلي الأعلى جل وعلا]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ [فِيمَا جَاءَ من ذلك مجيء المدح والثناء]

- ‌الفصل الثّاني [في وصفه تعالى بالشهادة وما تعلق به من الثناء والكرامة]

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ [فيما ورد من خطابه تعالى إياه مورد الملاطفة والمبرة]

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُ [فِي قَسَمِهِ تَعَالَى بِعَظِيمِ قَدْرِهِ صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الفصل الخامس في قسمه

- ‌الْفَصْلُ السَّادِسُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى في جهته عليه الصلاة والسلام مورد الشفقة والإكرام]

- ‌الفصل السّابع [فيما أخبره الله بِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ عَظِيمِ قَدْرِهِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّامِنُ [فِي إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقَهُ بصلاته عليه وولايته له]

- ‌الْفَصْلُ التَّاسِعُ [فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْفَتْحِ مِنْ كراماته عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْعَاشِرُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كتابه العزيز من كراماته عليه ومكانته عنده]

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي تَكْمِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ المحاسن خلقا وخلقا]

- ‌فصل [قال القاضي رحمه الله تعالى إذا كانت خصال الكمال والجلال]

- ‌فصل [إن قلت أكرمك الله تعالى لا خفاء على القطع بالجملة]

- ‌فصل [وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُفُورُ عَقْلِهِ وَذَكَاءُ لُبِّهِ وَقُوَّةُ حَوَاسِّهِ وفصاحة لسانه واعتدال حركاته وحسن شمائله]

- ‌فصل [وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول]

- ‌فصل [وأما شرف نسبه وكرم بلده ومنشأه]

- ‌فصل [وأما تَدْعُو ضَرُورَةُ الْحَيَاةِ إِلَيْهِ مِمَّا فَصَّلْنَاهُ فَعَلَى ثلاثة ضروب الضرب الأول]

- ‌فصل [وأما الضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته والفخر بوفوره]

- ‌فصل [وأما الضرب الثالث فهو ما تختلف فيه الحالات]

- ‌فصل [وأما الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [وأما أَصْلُ فُرُوعِهَا وَعُنْصُرُ يَنَابِيعِهَا وَنُقْطَةُ دَائِرَتِهَا فَالْعَقْلُ]

- ‌فصل [وأما الحلم]

- ‌فصل [وأما الجود]

- ‌فصل [وأما الشجاعة والنجدة]

- ‌فصل [وأما الحياء والإغضاء]

- ‌فصل [وأما حسن عشرته وآدابه]

- ‌فصل [وأما الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق]

- ‌فصل [وأما خلقه صلى الله تعالى عليه وسلم في الوفاء]

- ‌فصل [وأما تواضعه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما عدله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته]

- ‌فصل [وأما وقاره صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما زهده صلى الله تعالى عليه وسلم في الدنيا]

- ‌فصل [وأما خوفه صلى الله تعالى عليه وسلم من ربه عز وجل]

- ‌فصل [اعلم وفقنا الله تعالى وإياك أن صفات جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قد آتيناك أكرمك الله سبحانه من ذكر الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [في تفسير غريب هذا الحديث ومشكله]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ ومشهورها بتعظيم قدره عند ربه عز وجل]

- ‌الفصل الأول [فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ مَكَانَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عز وجل]

- ‌فصل [في تفضيله صلى الله تعالى عليه وسلم بما تضمنته كَرَامَةُ الْإِسْرَاءِ]

- ‌فصل [ثم اختلف السلف والعلماء هل كان إسراء بروحه أو جسده]

- ‌فصل [إبطال حجج من قال أنها نوم]

- ‌فصل [وأما رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم لربه عز وجل]

- ‌فصل [في فوائد متفرقة]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَظَاهِرُ الآية من الدنو والقرب]

- ‌فصل [في ذكر تفضيله في القيامة بخصوص الكرامة]

- ‌فصل [في تفضيله بالمحبة والخلة]

- ‌فصل [في تفضيله بالشفاعة والمقام المحمود]

- ‌فصل [في تفضيله فِي الْجَنَّةِ بِالْوَسِيلَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ وَالْكَوْثَرِ وَالْفَضِيلَةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ إِذَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلِيلِ الْقُرْآنِ وصحيح الأثر]

- ‌فصل [في أسمائه صلى الله تعالى عليه وسلم وما تضمنته من فضيلته]

- ‌فصل [في تشريف الله تعالى له بما سماه به من أسمائه الحسنى]

- ‌فصل [قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وها أنا أذكر نكتة]

- ‌الْبَابُ الرَّابِعُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَشَرَّفَهُ بِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ والكرامات]

- ‌فصل [اعلم أن الله عز وجل قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْمَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ]

- ‌فصل [اعلم أن معنى تسميتنا ما جاءت به الأنبياء معجزة]

- ‌فصل [في إعجاز القرآن العظيم الوجه الأول]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ إِعْجَازِهِ صُورَةُ نَظْمِهِ الْعَجِيبِ والأسلوب الغريب]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْإِعْجَازِ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ من الأخبار]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الرَّابِعُ مَا أَنْبَأَ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ القرون السالفة]

- ‌فصل [هَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ إِعْجَازِهِ بَيِّنَةٌ لَا نزاع فيها ولا مرية]

- ‌فصل [ومنها الروعة]

- ‌فصل [وَمِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْدُودَةِ كَوْنُهُ آيَةً بَاقِيَةً لا تعدم ما دامت الدنيا]

- ‌فصل [وَقَدْ عَدَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمُقَلِّدِي الْأُمَّةِ في إعجازه وجوها كثيرة]

- ‌فصل [في انشقاق القمر وحبس الشمس]

- ‌فصل [في نبع الماء من بين أصابعه الشريفة وتكثيره ببركته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ تَفْجِيرُ الْمَاءِ ببركته وانبعاثه]

- ‌فصل [ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته]

- ‌فصل [في قصة حنين الجذع له صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [ومثل هذا وقع في سائر الجمادات بمسه ودعوته]

- ‌فصل [في الآيات في ضروب الحيوانات]

- ‌فصل [في إحياء الموتى وكلامهم]

- ‌فصل [في إبراء المرضى وذوي العاهات]

- ‌فصل [في إجابة دعائه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في كراماته صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْغُيُوبِ]

- ‌فصل [في عصمة الله تعالى له صلى الله تعالى عليه وسلم من الناس وكفايته من آذاه]

- ‌فصل [ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم]

- ‌فصل [ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام وكراماته وباهر آياته أنباؤه مع الملائكة]

- ‌فصل [وَمِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ وَعَلَامَاتِ رِسَالَتِهِ مَا تَرَادَفَتْ]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ عِنْدَ مولده عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى قد أتينا في هذا الباب]

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌فصل [إن قلت أكرمك الله تعالى لا خفاء على القطع بالجملة]

أيوب وطاعة يونس وجهاد يوشع وصوت داود وحب دانيال ووقار إلياس وعصمة يحيى وزهد عيسى وأغمس صلى الله تعالى عليه وسلم في جميع أخلاق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وليقتبسوها منه وقد أفصح بذلك البوصيري حيث قال:

فكل آي أتى الرسل الكرام بها

فإنما اتصلت من نوره بهم

‌فصل [إن قلت أكرمك الله تعالى لا خفاء على القطع بالجملة]

أي في جمل من أوصافه صلى الله تعالى عليه وسلم (إن قلت أكرمك الله) جملة دعائية معترضة بين القول ومقوله (لا خفاء على القطع بالجملة) أي بطريق الإجمال في التفضيل لا بطريق التفصيل إذ قد يتوهم عدم القطع بأن يوجد في غيره نعت له بالخصوص يكون أعلى وبهذا تبين أن لا يصح قول الدلجي فضلا عن القطع بالتفصيل (أنّه صلى الله تعالى عليه وسلم أعلى النّاس قدرا) أي مرتبة، (وأعظمهم محلّا) أي منزلة وكان الأحسن كما قال الدلجي أن يقال أعظمهم قدرا وأعلاهم محلا إذ العظمة بالقدر أليق والعلو بالمحل أوفق (وأكملهم محاسنا وفضلا) والمنصوبات كلها مميزات (وقد ذهبت) خطابا للمصنف من جملة المقول حالية معترضة بين الشرط والجزاء أي وقد سلكت (في تفاصيل خصال الكمال مذهبا جميلا) أي طريقا حسنا من كمال جماله (شوّقني) أي هيجني وأقلقني (إلى أن أقف عليها) أي أطلع على خصال الكمال (من أوصافه صلى الله تعالى عليه وسلم) أي شمائله وفضائله (تفصيلا) أي تبيينا وتفريعا فصلا فصلا. (فاعلم) خطاب خاص أو عام لمن يصلح له (نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبِي وَقَلَبَكَ، وَضَاعَفَ فِي هَذَا النّبيّ الكريم حبّي وحبّك) جملة دعائية معترضة بين العامل ومعموله وهو (أنّك إذا نظرت إلى خصال الكمال النّبيّ هي غير مكتسبة) أي غير مستفادة (وفي جبلّة الخلقة) عطف على غير أي في أصل الخلقة وجبلة الطبيعة والإضافة بيانية، (ووجدته) أي صادفته (صلى الله تعالى عليه وسلم حائزا) بالحاء أي حاويا وجامعا (لجميعها محيطا بشتات محاسنها) أي متفرقاتها (دون خلاف) أي بلا خلاف (بين نقلة الأخبار) أي الأحاديث والآثار (لذلك) أي لما ذكر من حيازته جميع خصال الأبرار (بل قد بلغ بعضها مبلغ القطع) أي بسبب التواتر المعنوي ثم خصال كماله أنواع كما فصله المصنف بقوله. (أمّا الصّورة) أي الصورة النبوية (وجمالها) أي وجمال تلك الصورة الخلقية (وتناسب أعضائه في حسنها) أي مما لم يتصور أن تكون كسبية بل هي خلقية هبية (فقد جاءت الآثار الصّحيحة، والمشهورة) أي المستفاضة (الكثيرة) نعت لهما (بِذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وأبي هريرة) واسمه عبد الرحمن على الصحيح من ثلاثين قولا ومنع هريرة من الصرف مع أنه ليس فيه من العلل إلا التأنيث لأن العلم الإضافي قد ينزل منزل كلمة ويجري عليه أحكام الأعلام. (والبراء بن عازب) وهما صحابيان أنصاريان، (وعائشة أمّ المؤمنين وابن أبي هالة) أي من خديجة الكبرى رضي الله تعالى عنها فهو ربيبه صلى الله

ص: 158

تعالى عليه وسلم واسمه هند شهد بدرا وقتل مع علي كرم الله وجهه يوم الجمل، (وأبي جحيفة) بضم جيم وفتح حاء، (وجابر بن سمرة) بفتح فضم (وأمّ معبد) بفتح الميم والموحدة عاتكة بنت خالد وهي التي نزل عليها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حين هاجر إلى المدينة وكان منزلها بقديد مصغرا (وابن عبّاس) رضي الله تعالى عنهما أي عبد الله (ومعرّض بن معيقيب) بتشديد الراء المكسورة والتصغير في معيقيب وقال التلمساني معرض بكسر الميم وفتح الراء وهو مخالف للأصول المصححة وللحواشي المصرحة. (وأبي الطّفيل) مصغرا واسمه عامر بن وائلة مات بمكة وهو آخر من مات من الصحابة في الدنيا شيعي تفضيلي (والعداء بن خالد) بفتح عين وتشديد دال مهملتين ممدودا (وخريم بن فاتك) بكسر التاء وتصغير خريم بالخاء المعجمة والراء (وحكيم بن حزام) بكسر الحاء وبالزاء ولد في الكعبة قبل عام الفيل بثلاث عشرة سنة ولا يعرف أحد ولد في الكعبة غيره على الأشهر وفي مستدرك الحاكم أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ولد أيضا في داخل الكعبة عاش مائة وعشرين سنة ستين في الجاهلية وستين في الإسلام وروي أنه لما حج في الإسلام أهدي مائة بدنة مجللة بالخبر وأهدي ألف شاة ووقف وأعتق بمائة وصيف بعرفات في أعناقهم أطواق الفضة منقوش عليها عتقاء الله (وغيرهم) أي ومن حديث غيرهم رضي الله عنهم مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم: كان أزهر اللّون) أي نيره أو أحسنه ومنه زهرة الحياة الدنيا أو أبيضه لحديث أبيض مشرب حمرة وهو أفضل ألوان البياض ومعنى قوله ليس بالأبيض الأمهق والا بالأدم بل هو أزهر وهو بين البياض والحمرة وقيل معنى أزهر ما قابل السمرة وابيض ما سواه ودليله قول عائشة رضي الله تعالى عنها كنت أدخل الخيط في الإبرة حال الظلمة لبياض رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ومنه قول ابي طالب في مدحه عليه الصلاة والسلام:

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

(أدعج) أي شديد سواد الحدقة (أنجل) بالنون والجيم أي ذا نجل بفتحتين وهو سعة شق العين مع حسنها (أشكل) في بياض عينيه يسير حمرة ووهم سماك بن حرب ففسره في مسلم بأنه طويل شق العين (أهدب الأشفار) أي كثير شعر حروف أجفان عينيه وهو الهدب جمع شفر بضم وفتح وهو شفير حرف العين وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعا أن الله تعالى لا يعذب حسان الوجوه سود الحدق يعني من المسلمين قال التلمساني والظاهر أنه لا يعذبهم يعني الكافرين وهم في تلك الصورة بل يسود وجوههم ويزرق أعينهم كما يدل عليه قوله تعالى يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ وقوله وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (أبلج) بالموحدة والجيم أي أبلج الوجه وهو مشرقه ولم يرد أبلج الحاجبين أي نقي ما بينهما لحديث أم معبد في دلائل البيهقي وغيره أنها وصفته بأنه أبلج الوجه أقرن أي

ص: 159

متصل الحاجبين (أزجّ) بالزاء والجيم والمشددة أي دقيق شعر الحاجبين طويلهما إلى مؤخر العين مع تقوس (أقنى) أي مرتفع قصبة الأنف مع احديداب يسير فيها هذا والمشهور أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان اشم الانف أي مرتفع قصبته مع استواء أعلاه قال في الصحاح فإن كان فيها احديداب فهو القنى وقد يجمع بينهما بأن ارتفاعها كان يسيرا جدا من رآه متأملا عرفه اشم ومن لم يتأمله ظنه أقنى (أفلج) بالفاء والجيم أي متباعد ما بين ثناياه وقلته ممدوحة (مدوّر الوجه) أي لكن إلى الطول أميل لما ورد في شمائله أن وجهه لم يكن مدورا وقد يشبه تدوير الوجه بالدينار لاستواء دائرته (واسع الجبين) وهو ما اكتنف الجبهة من يمين وشمال فهما جبينان فيما بين الحاجبين (كثّ اللّحية) بتشديد المثلثة أي كثير شعرها بحيث (تملأ صدره) أي ما يقابلها مع قصر فيها وانبساط إذ كان يأخذ منها ما زاد على القبضة وربما كان يأخذ من أطرافها أيضا والحاصل أنه لم يكن كوسج ولا خفيف اللحية ولا مقصوصها غير نازلة إلى صدره وقال التلمساني روي أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال من سعادة المرء خفة عارضيه ويروى لحيته ومعناه أنها لا تكون طويلة فوق الطول وقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم اعتبروا عقل الرجل في ثلاث في طول لحيته ونقش خاتمه وكنيته وعن الحسن بن المثنى أنه قال إذا رأيت رجلا ذا لحية طويلة ولم يتخذ لحية بين لحيتين كان في عقله شيء وقيل ما طالت لحية إنسان قط إلا ونقص من عقله مقدار ما طال من لحيته ومنه قول الشاعر:

إذا كبرت للفتى لحية

فطالت وصارت إلى سرته

فنقصان عقل الفتى عندنا

بمقدار ما طال من لحيته

(سواء البطن والصّدر) بالإضافة إليهما ونصب سواء أي كان مستويهما تلويح باعتدالهما خلقا وإشعارا بأن خروجهما أو احدهما عن الاعتدال بروزا أو تطامنا ليس بمحمود وروي برفع سواء منونا مع رفع البطن والصدر (واسع الصّدر) أي حسا ومعنى إذ وسع كل أحد شفقة وحلما (عظيم المنكبين) بكسر الكاف تثنية المنكب وهو مجمع عظم العضد والكتف (ضخم العظام) أي غليظها مطلقا وخصوصا كان (عبل العضدين) مثنى عضد بفتح وضم هو الصحيح وهو الساعد من المرفق إلى الكتف والعبل بفتح عين وسكون موحدة أي ضخمها وكذا قوله (والذّراعين) وهو ما بين مفصل الكف والمرفق (والأسافل) أي الفخذين والساقين وهذا كله مما يؤذن بكمال قوته لحديث البخاري أنه أعطي قوة ثلاثين رجلا (رحب الكفّين) بفتح الراء وسكون الحاء أي واسعهما صورة ومعنى إذ وسع كل أحد عطاء وقال الدلجي في نوع الترشيح من بديعيته.

عم الورى بيد سحاء يرشحها

عطاؤه ليس يخشى الفقر من عدم

(والقدمين) أي واسعهما طولا وعرضا، (سائل الأطراف) أي تام الأيدي والأرجل

ص: 160

والأصابع طويلها وهو بالسين المهملة وروي بالمعجمة (أنور المتجرّد) بفتح الراء المشددة أي كان ما تجرد من بدنه أشرق من غيره (دقيق المسربة) بفتح ميم وسكون سين مهملة وضم راء وقال التلمساني وبفتحها وهي خيط الشعر الذي بين الصدر والسرة ودقيق بالدال قال التلمساني ويجوز فيه الراء قلت بينهما فرق دقيق (ربعة القدّ) بفتح الراء وسكون الموحدة أي مربوع القامة كما رواه البيهقي وابن أبي حيثمة في تاريخه، (ليس) أي هو أوقده (بالطّويل البائن) أي المفرط في الطول من بان بمعنى بعد أو ظهر (ولا بالقصير المتردّد) بكسر الدال وهو الذي كأنه تردد بعض خلقه على بعض من قصره والجملة بيان لما قبلها (ومع ذلك) أي مع كونه ربعة (فَلَمْ يَكُنْ يُمَاشِيهِ أَحَدٌ يُنْسَبُ إِلَى الطُّولِ إلّا طاله) أي غلبه النبي عليه الصلاة والسلام في الطول مزية خص بها تلويحا بأنه لم يكن أحد عند ربه أفضل منه لا صورة ولا معنى، (رجل الشّعر) بكسر الجيم ويفتح وقد يسكن وبفتح العين وتسكن أي بين الجعودة والسبوطة، (إذا افتر) بتشديد الراء أي إذا أبدى أسنانه حال كونه (ضاحكا) أي متبسما (افترّ) أي انكشف (عن مثل سنا البرق) بقصر سنا وقد يمد وقيل بالقصر النور وبالمد الشرف والعلو أي يشبه ضوءه، (وعن مثل حبّ الغمام) أي السحاب وهو البرد بفتحتين يعني مثله في البياض والصفاء وامتزاج الماء فهو بهذا الاعتبار العالي أولى من تشبيه الأسنان باللآلي ثم التشبيه الثاني أبلغ من الأول فتأمل وقد أبعد الدلجي في تفسير حب الغمام بقطراته ثم قال شبه بياض ثغره في صفائه ونقائه بضوء البرق وما يطفو على ثناياه من ريقه بقطرات الغمام تشبيها بليغا انتهى موهما أن التركيب من التشبيه البليغ وليس كذلك كما لا يخفى على أرباب المعاني والبيان وقيل أول ما يضحك تلألأ كالبرق وإن بدت أسنانه فهو كالبرد، (إذا تكلّم رئي) بكسر راء وسكون ياء فهمزة مفتوحة وروي رئي بتقديم الهمز مجهولا من الرؤية وهو ظاهر ولعل الأول من قبيل القلب دخل فيه الاعلال قال التلمساني وهو الأفصح والمعنى ظهر (كالنّور) أي شيء مثل النور (يخرج من ثناياه) أي يبدو منها أو من سناها بكثرة بياضها وشدة صفائها أو إيماء إلى درر كلماته وغرر بنائها والحديث رواه الترمذي في شمائله والدارمي والبيهقي (أحسن النّاس) بالنصب عطفا على ما سبق ويجوز أن يكون بالرفع على أن التقدير هو أحسن الناس (عنقا) أي جيدا لاعتداله في كماله (ليس بمطهّم) بتشديد الهاء المفتوحة أي لم يكن مدور الوجه على في الصحاح وغيره وقيل هو السمين الفاحش وقيل المنتفخ الوجه وقيل النحيف الجسم، (ولا مكلثم) بفتح المثلثة أي لا بمجتمع لحم الوجه بل مسنون الوجه والحاصل أنه لم يكن وجهه مفرطا في الاستدارة وأما حديث علي وفي وجهه تدوير فمعناه أن فيه نوع تدوير أي قليلا منه وأبعد اليمني في قوله يريد عنقه أي ليس بمدور ولا بمجتمع بل إنه مستطيل (متماسك البدن) أي ليس برهل ولا مسترخ لحمه بل يمسك بعضه بعضا ويقويه ويشده

ص: 161

(ضرب اللّحم) أي خفيفه ولطيفه لا يابسه وكثيفه وقيل هو اللحم بين اللحمين لا بالناحل ولا بالمطهم. (قال البراء) بن عازب أي كما رواه الشيخان وغيرهما (ما رأيت من ذي لمّة) بكسر لام وتشديد ميم وهي من شعر الرأس ما يجاوز شحمة الأذن ويلم بالمنكبين (في حلّة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) ظاهره أنها ثوب واحد بشهادة وصفها بحمراء مع اتفاق أهل اللغة أنها لا تطلق إلا على ثوبين بشهادة حديث وعليه حلة أتزر بإحديهما وارتدى بالأخرى ولك أن تجيب بأن وصفها باعتبار لفظها لا باعتبار معناها وكفى به دليلا لمن جوز لبس الأحمر بلا كراهة كالشافعي ومالك رحمهما الله تعالى كذا ذكره الدلجي وفي القاموس الحلة بالضم ازار ورداء بردا أو غيره ولا تكون حلة إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة وكذا قال الخليل وغيره لأن كل واحد يحل على الآخر أو على الجسم وقيل الثوب الجديد الذي من طيه فاندفع دعوى اتفاق أهل اللغة على الإطلاق بل قال المنجاني إن هذا الحديث يرد عليهم انتهى وليس في الحديث الذي استشهد به دلالة إلا على أحد استعمال الحلة وأما كون هذا الحديث دليلا كافيا لتجويز لبس الأحمر فهو كاف مع قطع النظر عما ورد فيه أنواع من الخبر والأثر مما يدل على كراهة لبسه في الحضر والسفر مع أن الحديث ليس فيه تصريح أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لبس الأحمر بل يدل على أنه ما رؤي من كان صاحب لمة ولابس حلة حمراء مع أن الحسن في تلك الحالة على غاية من الصفاء فنفى أن يكون أحسن من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على أي لبس كان أو على تقدير لابسه ثم على تسليم لبسه يحمل على بيان الجواز وأن النهي وارد على سبيل الكراهة لا التحريم أو أنه قضية واقعة يحتمل وقوعها قبل النهي مع أنه قد يقال للثوب الذي فيه خطوط حمر كثيرة أنه أحمر فتدبر فإن الجمع بين الأحاديث المتعارضة هو المعتبر وقد قال أبو عبيد الحلل يرد اليمن ثم الدليل المبيح والمحرم إذا اجتمعا يقدم دليل المحظور مع أنه يكفي في دليل امتناعه التشبه بالنساء ولا شك أن تركه أحوط في حق الرجال العقلاء ومع وجود هذه الأنواع من الاحتمال كيف يكفي للاستدلال والله تعالى أعلم بالحال وأغرب الانطاكي الحنفي حيث قال في حاشيته وفي هذا دليل على جواز لبس الأحمر للرجال وادعى النووي الإجماع على جواز لبسه في المهذب انتهى ولا يخفى أن دعوى الإجماع باطلة مع وجود مخالفة الإمام الأعظم في المسألة وغيره من الأئمة ولعله أراد به الاتفاق في مذهبه والله تعالى أعلم بمقاله ومشربه هذا وقد قال المنجاني وقد اختلف السلف الماضون في ذلك فكره بعضهم لبسها هي والمصبوغة بالصفرة وأجازهما قوم آخرون وفرق بعضهم في هذا بين المشبع في الصبغ وغير المشبع فأجاز ما لم يكن مشبعا وكره ما أشبع صبغه ورأى آخرون أن ما اتخذ من هذه الثياب للمهنة جاز مطلقا وما اتخذ للباس كره ودليل الأولين ما ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نهى

ص: 162

أن يتعصفر الرحل ويتزعفر وروي في الصحيح عن ابن عمر قال رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على ثوبين معصفرين فقال الفقهاء فإنها ثياب الكفار وقال إبراهيم الخزاعي حدثتني عجوز قالت كنت أرى عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا رأى على الرجل الثوب المعصفر ضربه وقال دعوا هذه الثياب للنساء وأما ما ذكره المنجاني من نسبة عدم الكراهة لأبي حنيفة فغير صحيح والله تعالى أعلم. (وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم) والمساواة منفية أيضا بالمشاهدة العرفية (كأنّ الشّمس تجري في وجهه) أي يتوهج كتوهج الشمس لحسنه وصفائه وبهاء ضيائه وقال التلمساني وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله تعالى عليه وسلم هبط علي جبريل فقال يا محمد إن الله تعالى يقول كسوت حسن يوسف من نور الكرسي وكسوت نور وجهك من نور عرشي، (وإذا ضحك يتلألأ) بهمزتين أي تلمع ثناياه كاللآلي (في الجدر) بضمتين جمع الجدار وهو حائط الدار رواه أحمد والترمذي وابن حبان. (وقال جابر بن سمرة) رضي الله تعالى عنه كما رواه الشيخان وغيرهما (وقال) أي والحال أنه قال (له رجل كان) وفي رواية أكان (وجهه صلى الله تعالى عليه وسلم مثل السّيف؟ فقال) أي جابر (لا) أي لقصور ضيائه واحتمال فناء صفائه ولتوهم طول بنائه (بل مثل الشّمس والقمر) أي بل كان نظيرهما لاشتمالهما على كمال النور وعلى نوع من الاستدارة في مقام الظهور ولذا قال تصريحا بما قدمه تلويحا، (وكان) أي وجهه (مستديرا) أي لا مستطيلا فلا ينافي ميلانه إلى الطول. (وَقَالَتْ أُمُّ مَعْبَدٍ فِي بَعْضِ مَا وَصَفَتْهُ به) أي من رواية البيهقي في دلائله عن أخيها حبيش بن خالد عنها (أجمل النّاس) أي أتمهم جمالا وحسنا صوريا (من بعيد وأحلاه) أي أحلى الناس وأفرد لأنه اسم جنس فروعي لفظه دون معناه وكذا قول (وأحسنه من قريب) أي تبين حلاوة ملاحته وطراوة فصاحته. (وفي حديث ابن أبي هالة) أي الآتي (يتلألأ) أي يضيء (وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر) خص به لأنه زمان كماله وسمي بالبدر لمبادرته الشمس للغروب ليلة تمامه ومبادرتها إياه للطلوع في صباحه (وقال عليّ رضي الله تعالى عنه) على ما في جامع الترمذي وشمائله (في آخر وصفه) أي نعت علي له صلى الله تعالى عليه وسلم (من رآه بديهة) أي مفاجأة من غير روية كناية عن أول الوهلة (هابه) أي خافه مخافة العظمة ووقع في قلبه منه المهابة (ومن خالطه معرفة) أي من حيث عرف ما كان عليه من حسن العشرة ودوام البشاشة فنصبها على التمييز وأبعد التلمساني في جعلها مفعولا له أو حالا (أحبّه، يقول ناعته) أي واصفه (لم أر) أحدا من الناس (قبله ولا بعده مثله صلى الله تعالى عليه وسلم) لكرم شمائله وشرف فضائله والمراد من قوله قبله أي قبل وجوده ولا بعده استيفاء زمانه وإلا فعلي كرم الله وجهه أصغر سنا منه صلى الله تعالى عليه وسلم وهذا إذا كانت الرؤية بصرية وأما إذا كانت علمية فلا إشكال والله أعلم بالحال. (والأحاديث في

ص: 163