المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [وأما عدله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته] - شرح الشفا - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأوّل

- ‌[المقدمة]

- ‌ترجمة القاضي عياض

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌القسم الأول [في تعظيم العلي الأعلى جل وعلا]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ [فِيمَا جَاءَ من ذلك مجيء المدح والثناء]

- ‌الفصل الثّاني [في وصفه تعالى بالشهادة وما تعلق به من الثناء والكرامة]

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ [فيما ورد من خطابه تعالى إياه مورد الملاطفة والمبرة]

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُ [فِي قَسَمِهِ تَعَالَى بِعَظِيمِ قَدْرِهِ صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الفصل الخامس في قسمه

- ‌الْفَصْلُ السَّادِسُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى في جهته عليه الصلاة والسلام مورد الشفقة والإكرام]

- ‌الفصل السّابع [فيما أخبره الله بِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ عَظِيمِ قَدْرِهِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّامِنُ [فِي إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقَهُ بصلاته عليه وولايته له]

- ‌الْفَصْلُ التَّاسِعُ [فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْفَتْحِ مِنْ كراماته عليه السلام]

- ‌الْفَصْلُ الْعَاشِرُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كتابه العزيز من كراماته عليه ومكانته عنده]

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي تَكْمِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ المحاسن خلقا وخلقا]

- ‌فصل [قال القاضي رحمه الله تعالى إذا كانت خصال الكمال والجلال]

- ‌فصل [إن قلت أكرمك الله تعالى لا خفاء على القطع بالجملة]

- ‌فصل [وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُفُورُ عَقْلِهِ وَذَكَاءُ لُبِّهِ وَقُوَّةُ حَوَاسِّهِ وفصاحة لسانه واعتدال حركاته وحسن شمائله]

- ‌فصل [وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول]

- ‌فصل [وأما شرف نسبه وكرم بلده ومنشأه]

- ‌فصل [وأما تَدْعُو ضَرُورَةُ الْحَيَاةِ إِلَيْهِ مِمَّا فَصَّلْنَاهُ فَعَلَى ثلاثة ضروب الضرب الأول]

- ‌فصل [وأما الضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته والفخر بوفوره]

- ‌فصل [وأما الضرب الثالث فهو ما تختلف فيه الحالات]

- ‌فصل [وأما الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [وأما أَصْلُ فُرُوعِهَا وَعُنْصُرُ يَنَابِيعِهَا وَنُقْطَةُ دَائِرَتِهَا فَالْعَقْلُ]

- ‌فصل [وأما الحلم]

- ‌فصل [وأما الجود]

- ‌فصل [وأما الشجاعة والنجدة]

- ‌فصل [وأما الحياء والإغضاء]

- ‌فصل [وأما حسن عشرته وآدابه]

- ‌فصل [وأما الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق]

- ‌فصل [وأما خلقه صلى الله تعالى عليه وسلم في الوفاء]

- ‌فصل [وأما تواضعه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما عدله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته]

- ‌فصل [وأما وقاره صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وأما زهده صلى الله تعالى عليه وسلم في الدنيا]

- ‌فصل [وأما خوفه صلى الله تعالى عليه وسلم من ربه عز وجل]

- ‌فصل [اعلم وفقنا الله تعالى وإياك أن صفات جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قد آتيناك أكرمك الله سبحانه من ذكر الأخلاق الحميدة]

- ‌فصل [في تفسير غريب هذا الحديث ومشكله]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِيمَا وَرَدَ مِنْ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ ومشهورها بتعظيم قدره عند ربه عز وجل]

- ‌الفصل الأول [فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ مَكَانَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عز وجل]

- ‌فصل [في تفضيله صلى الله تعالى عليه وسلم بما تضمنته كَرَامَةُ الْإِسْرَاءِ]

- ‌فصل [ثم اختلف السلف والعلماء هل كان إسراء بروحه أو جسده]

- ‌فصل [إبطال حجج من قال أنها نوم]

- ‌فصل [وأما رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم لربه عز وجل]

- ‌فصل [في فوائد متفرقة]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَظَاهِرُ الآية من الدنو والقرب]

- ‌فصل [في ذكر تفضيله في القيامة بخصوص الكرامة]

- ‌فصل [في تفضيله بالمحبة والخلة]

- ‌فصل [في تفضيله بالشفاعة والمقام المحمود]

- ‌فصل [في تفضيله فِي الْجَنَّةِ بِالْوَسِيلَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ وَالْكَوْثَرِ وَالْفَضِيلَةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ إِذَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلِيلِ الْقُرْآنِ وصحيح الأثر]

- ‌فصل [في أسمائه صلى الله تعالى عليه وسلم وما تضمنته من فضيلته]

- ‌فصل [في تشريف الله تعالى له بما سماه به من أسمائه الحسنى]

- ‌فصل [قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وها أنا أذكر نكتة]

- ‌الْبَابُ الرَّابِعُ [فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَشَرَّفَهُ بِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ والكرامات]

- ‌فصل [اعلم أن الله عز وجل قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْمَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ]

- ‌فصل [اعلم أن معنى تسميتنا ما جاءت به الأنبياء معجزة]

- ‌فصل [في إعجاز القرآن العظيم الوجه الأول]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ إِعْجَازِهِ صُورَةُ نَظْمِهِ الْعَجِيبِ والأسلوب الغريب]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْإِعْجَازِ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ من الأخبار]

- ‌فصل [الْوَجْهُ الرَّابِعُ مَا أَنْبَأَ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ القرون السالفة]

- ‌فصل [هَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ إِعْجَازِهِ بَيِّنَةٌ لَا نزاع فيها ولا مرية]

- ‌فصل [ومنها الروعة]

- ‌فصل [وَمِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْدُودَةِ كَوْنُهُ آيَةً بَاقِيَةً لا تعدم ما دامت الدنيا]

- ‌فصل [وَقَدْ عَدَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمُقَلِّدِي الْأُمَّةِ في إعجازه وجوها كثيرة]

- ‌فصل [في انشقاق القمر وحبس الشمس]

- ‌فصل [في نبع الماء من بين أصابعه الشريفة وتكثيره ببركته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ تَفْجِيرُ الْمَاءِ ببركته وانبعاثه]

- ‌فصل [ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته]

- ‌فصل [في قصة حنين الجذع له صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [ومثل هذا وقع في سائر الجمادات بمسه ودعوته]

- ‌فصل [في الآيات في ضروب الحيوانات]

- ‌فصل [في إحياء الموتى وكلامهم]

- ‌فصل [في إبراء المرضى وذوي العاهات]

- ‌فصل [في إجابة دعائه صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في كراماته صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْغُيُوبِ]

- ‌فصل [في عصمة الله تعالى له صلى الله تعالى عليه وسلم من الناس وكفايته من آذاه]

- ‌فصل [ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم]

- ‌فصل [ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام وكراماته وباهر آياته أنباؤه مع الملائكة]

- ‌فصل [وَمِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ وَعَلَامَاتِ رِسَالَتِهِ مَا تَرَادَفَتْ]

- ‌فصل [وَمِنْ ذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ عِنْدَ مولده عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى قد أتينا في هذا الباب]

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌فصل [وأما عدله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته]

المساكين (وعن أبي هريرة رضي الله عنه كما رواه الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عنه أنه قال (دخلت السّوق مع النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم فاشترى سراويل) فارسي معرب شابه من كلام العرب ما لا ينصرف معرفة ونكرة (وقال للوزّان) بتشديد الزاء أي وأزن الفضة من الصيرفي وغيره (زن) بكسر الراء (وأرجح) بفتح همز وكسر جيم أي اعطه راجحا على وزنه بالزيادة (وذكر القصّة) أي بطولها ومن جملته، (قال) أي أبو هريرة رضي الله تعالى عنه (فوثب) أي فقام الوزان بسرعة متوجها (إلى يد النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم يقبّلها) بتشديد الموحدة جملة حالية أي حال كونه مريدا لتقبيلها لما رأى فيها من زيادة السخاوة وحسن المعاملة (فجذب يده) أي تواضعا وتباعدا عما يوجب النخوة والعجب والغرور (وقال هذا) أي التقبيل (تفعله الأعاجم) أي أهل فارس (بملوكها) أي ويورثهم كبرا وفخرا ولأصحابهم ذلا (ولست بملك) أي من جنس ملوكهم (إنّما أنا رجل منكم) أي بشر مثلكم أو واحد من جنس عربكم أعاملكم بمعاملة أدبكم وهذا لا ينافي ما ورد عن أنهم كانوا يتبركون به وبآثاره ولا ما ذكره النووي وغيره من أن تقبيل يد الغير إن كان لجاه وغنى فمكروه أو لصلاح وعلم فمستحب (ثمّ أخذ السّراويل) أي من بايعه بعد تسليم ثمنه (فذهبت) قصدت (لأحمله فقال صاحب الشّيء أحقّ بشيئه) أي بمتاعه المختص به (أن يحمله) لأنه أبقى على تواضعه وأنفى لكبره وقد قيل لم يثبت أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لبس السراويل لكن اشتراها قيل بأربعة دراهم وفي الاحياء بثلاثة ولم يلبسها وجاء في الهدى لابن القيم من أنه لبسها قالوا وهو من سبق القلم لكن السيوطي صحح لبسه صلى الله تعالى عليه وسلم والله سبحانه وتعالى أعلم هذا وقد ذكر التلمساني أنه أخرج أبو داود الحديث عن سماك بن حرب قال حدثني سويد بن قيس قال جلبت أنا ومخرمة العبدي بزامن هجر فأتينا به مكة فجاءنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يمشي فساومنا بسراويل فبعناه وثم رجل يزن بالأجر فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم زن وارجح وكذلك ذكر الترمذي الحديث وصححه أبو عمرو في الاستيعاب ثم نقل عن شيخه أن في الحديث فوائد منها الرجحان في الوزن وهو من الورع الظاهر الفضل لأن التطفيف حرام والتحري فيه طول أو شغب تمام والرجحان يقطعه والفضل يظهره قال وفيه رد على أبي حنيفة المانع هبة المجهول قلت إنما نشأ هذا من جهله بمرتبة الإمام وعدم فرقه بين الشائع الحاضر والمجهول الحاضر في هذا المقام والله سبحانه وتعالى أعلم بحقيقة المرام.

‌فصل [وأما عدله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته]

(وأمّا عدله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي حكمه على وفق الحق ومنهاج الصدق (وأمانته) أي في أداء روايته وقضاء ديانته (وعفّته) أي عما لا يليق بحضرته (وصدق لهجته) أي منطقه وحكايته، (فكان صلى الله تعالى عليه وسلم آمن النّاس) بهمزة ممدودة أعظمهم

ص: 301

أمانة وأمنا من أن يقع منه خيانة (وأعدل النّاس) لأنه أعلمهم وأحكمهم وأرحمهم وكان الأظهر أن يقدم أعدل على آمن ليكون النشر مرتبا (وأعفّ النّاس) أي أكثرهم عفة واصبرهم على ما يوجب نزاهته (وأصدقهم لهجة) أكثرهم صدقا من جهة الناطقة (منذ كان) أي من ابتداء ما وجد لما جبل عليه من الأخلاق الحسنة ولا وجه لقول الدلجي من حين اعترف لأن قوله (اعترف) استئناف بيان وفي نسخة ثم اعترف (له بذلك) أي بما ذكر من الشمائل الرضية (محادّوه) بتشديد الدال المضمومة أي مخالفوه ومنه قوله تعالى مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ لكون كل واحد منهما في حد كما قيل في وجه اشتقاق قوله سبحانه وتعالى مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ

(وعداه) بكسر عينه مقصورا اسم جمع أي أعداؤه ومعادوه (وكان يسمّى قبل نبوّته) أي ظهورها ودعوتها (الأمين) ؛ لغاية أمانته ونهاية ديانته (قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ كَانَ يُسَمَّى الْأَمِينَ بِمَا جمع الله فيه من الأخلاق الصّالحة) أي لأن تستعمل في طريق الحق وسبيل الخلق. (وقال تعالى) أي مكرم (مُطاعٍ) أي (ثَمَّ) أي عند الملأ الأعلى والحضرة العليا (أَمِينٍ [التكوير: 21] ) موصوف بالأمانة في دعوى النبوة ووحي الرسالة (أكثر المفسّرين على أنّه) أي المراد بالمطاع الأمين (محمّد صلى الله تعالى عليه وسلم) وكثير منهم على أنه جبريل عليه السلام وسياق النظم يؤيده وسباق الكلام يؤكده وعلى كل فاتصافه بالوصفين لا أحد ينكره؛ (ولمّا اختلفت قريش) على ما رواه أحمد والحاكم وصححه الطبراني أنه حين اختلفت أكابر قريش ورؤساؤهم (وتحازبت) بالزاي أي وصارت أحزابا وطوائف مجتمعة وضبطه بعضهم بالراء وهو تصحيف (عند بناء الكعبة) حين أجمرت امرأة فطارت شرارة فاحترقت الكعبة فهدموها وأرادوا تجديد بنائها فوقع خلافهم (فيمن يضع الحجر) أي الأسود والركن الأسعد في موضعه الأصلي قيل هدمه وكل يقول انا وأتباعي نضعه افتخارا بوضعه لأنه الركن الأعظم في ذلك المقام الأفخم وكاد أن يقع بينهم القتال لكثرة منازعة الرجال (حكّموا) جواب لما أي حكموا فيما بينهم لدفع النزاع عنهم (أن يكون الواضع أوّل داخل عليهم) أي ولا يكون واحدا منهم (فإذا بالنّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم داخل) أي ففاجأهم دخوله وباغتهم وصوله (وذلك) أي ما ذكر (قبل نبوّته) أي دعوى نبوته وظهور رسالته (فقالوا) أي مقرين له بوصف أمانته (هذا محمّد هذا الأمين قد رضينا به) ففرش صلى الله تعالى عليه وسلم رداءه المبارك ووضع الحجر عليه وأمر كل رئيس أن يأخذ بطرف منه وهو آخذ من تحته الذي فوض فيه الأمر إليه ووضعوه في موضعه. (وعن الرّبيع بن خثيم) بضم معجمة وفتح مثلثة روى عن ابن مسعود وغيره وعنه الشعبي ونحوه وكان ورعا قانتا مخبتا حتى قال ابن مسعود لو رآك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لأحبك فطوبى له ثم طوبى له قال التلمساني وهو من الزهاد الثمانية ومن رجال حلية أبي نعيم (كان يتحاكم) بصيغة المجهول (إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في الجاهليّة قبل الإسلام) أي قبل زمن البعثة وظهور النبوة (وقال صلى الله تعالى عليه وسلم) كما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه. (والله إنّي لأمين في السّماء)

ص: 302

أي عند الله وملائكته المقربين (أمين في الأرض) عند المؤمنين وغيرهم من المجرمين لكمال أمانته وظهور ديانته وعدم خلفه في وعده وتحقق صدقه في قوله (حدّثنا أبو عليّ الصّدفيّ) بفتحتين (الحافظ) أي المعروف بحفظ الحديث (بقراءتي عليه ثنا) أي حدثنا (أبو الفضل بن خيرون) بفتح معجمة وضم راء بصرفه ومنعه والأول أظهر. (ثنا أبو يعلى ابن زوج الحرّة) تقدم (ثنا أبي علي السنجي) بكسر مهملة فسكون نون فجيم مروزي (ثنا محمّد بن محبوب المروزيّ) أي راوي جامع الترمذي عنه. (ثنا أبو عيسى) أي الترمذي (الحافظ) أي المعروف وهو جامع السين وصاحب الشمائل. (ثنا أبو كريب) بالتصغير الهمداني الكوفي روى عن ابن المبارك وخلق وعنه أصحاب الكتب الستة روي أنه ظهر له بالكوفة ثلاثمائة ألف حديث، (ثنا معاوية بن هشام) أي القصار الكوفي روى عن حمزة والثوري وعنه أحمد وغيره وهو من الزهاد الثمانية (عن سفيان) أي الثوري على ما صرح به عبد الغني الحافظ وإن أطلق على غيره (عن أبي إسحاق) أي الهمداني الكوفي أحد الأعلام الشهير بالسبيعي روى عن كثير من الصحابة والتابعين وقد رأى عليا كرم الله وجهه (عن ناجية بن كعب) بنون فألف فجيم مكسورة فتحتية مخففة تابعي وليس بصحابي (عن عليّ) أي ابن أبي طالب كرم الله وجهه (أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم إنّا لا نكذّبك) بالتشديد والتخفيف أي لا ننسبك إلى الكذب لثبوت صدقك (ولكن نكذّب) بالتشديد لا غير (بما جئت به) أي من القرآن والإيمان بالتوحيد والبعث ونحو ذلك فدلت هذه المناقضة الظاهرة على أن كفر أكثرهم كان عنادا؛ (فأنزل الله تعالى) أي في شأنه وعظيم برهانه (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ [الأنعام: 33] ) بالتشديد وقرأ نافع والكسائي بالتخفيف (الآية) وهي قوله سبحانه وتعالى وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ أي المتلوة أو المصنوعة يجحدون أي ينكرون فتكذيبهم في الحقيقة راجع إلى ربهم ففيه وعيد أكيد وتهديد شديد لهم وتسلية له صلى الله تعالى عليه وسلم. (وروى غيره) أي غير الترمذي زيادة عليه (لا نكذّبك وما أنت فينا بمكذّب) تأكيد لنفي الكذب عنه وهو بتشديد الذال المعجمة والمفتوحة وفي نسخة بمكذوب. (وقيل) أي روى كما أخرجه ابن إسحاق والبيهقي عن الزهري وكذا ابن جرير عن السدي والطبراني في الأوسط (إنّ الأخنس) بفتح همزة وسكون معجمة وفتح نون فمهملة (ابن شريق) بفتح معجمة وكسر راء له صحبة وقال التلمساني ذكره الحلبي قتل يوم بدر كافرا وفيه نزل قوله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا (لقي أبا جهل يوم بدر) وكان يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من رمضان سنة اثنتين من الهجرة (فقال له) أي بحكم العادة أو تلطف العبارة (يا أبا الحكم) بفتحتين كنيته في الجاهلية فغيرها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وكناه أبا جهل (ليس هنا غيري وغيرك) أي أحد (يسمع كلامنا) أي فيما بيننا، (تخبرني) خبر معناه أمر أي أخبرني (عن محمّد) أي عن وصفه (صادق) وفي نسخة زيادة هو والتقدير أصادق هو في معتقدك (هو أم كاذب عندك) والمراد من الاستفهام

ص: 303

حمله على الإقرار بما يعرفه من صدقه عليه الصلاة والسلام (فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَاللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَصَادِقٌ) أي لموصوف بالصدق ولا يخفى ما في الجملة من زيادة الأدوات المؤكدة (وما كذب محمّد قطّ) اعتراف بالحق وروي أن أبا جهل قال بعد قوله وما كذب محمد ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش فهذا يدل على أنه ما منعه عن توحيد الله إلا طلب الجاء فالخلق حجاب عظيم عن الحق. (وسأل هرقل) بكسر ففتح وضبط بكسرتين وكذا بضمتين بينهما ساكن ولا ينصرف للعجمة والعلمية وهذا اسمه العلم وأما قيصر فهو لقب كل من ملك الروم (عنه) أي عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (أبا سفيان) بن حرب على ما رواه الشيخان (فقال) أي هرقل مخاطبا لأبي سفيان ومن معه (هل كنتم تتّهمونه) بتشديد التاء الثانية (بالكذب) أي هل كنتم تنسبونه إلى الكذب ولو بالتهمة بناء على المظنة (قبل أن يقول ما قال) أي من دعوى الرسالة (قال لا) وهذا السؤال يدل على كمال عقل هرقل ومعرفته بصفة الأنبياء لكن لم ينفعه علمه حيث لم يقترن بعمله إذ هلك كافرا بعد فتح عمر رضي الله تعالى عنه بلاده وتوغل في بلاد الكفر هربا من الإسلام ولا تغتر بمن شذ فزعم إسلامه ذكره الدلجي وقال الحلبي في الاستيعاب أنه آمن وهذا مؤول أي بأنه أظهر الإيمان وتمنى الامان لكنه غرته سلطنة الزمان. (وقال النّضر بن الحارث) أي العبدري وهو بفتح النون وسكون الضاد المعجمة وكان شديدا العداوة للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم أخذ أسيرا ببدر فأمر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عليا رضي الله تعالى عنه فقتله بالصفراء عقيب الواقعة وأما النضير بالتصغير فهو أخوه وكان من المؤلفة وأعطى يوم حنين مائة من الإبل فاحذر أن يتصحف عليك كما توهم الحلبي ثم حديثه هذا رواه ابن إسحاق والبيهقي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (أنه قال لقريش) أي لأكابرهم (قد كان محمّد فيكم غلاما حدثا) بفتحتين أي من حال صغره قبل أوان كبره والأنسب أن يراد به ههنا ما قبل من أن الغلام هو الصغير إلى حد الالتحاء (أرضاكم فيكم) الظرفان حالان لازمان (وأصدقكم حديثا) أي قولا ووعدا (وأعظمكم أمانة) أي صدقا وديانة وهذه الشهادة لكونها من أهل العداوة حجة لما قيل الفضل ما شهدت به الأعداء (حتّى إذا رأيتم في صدغيه) بضم فسكون الشعر المتدلي على ما بين الأذن والعين (الشّيب) أي بياض الشعر (وجاءكم بما جاءكم) أي بما أظهر لكم من الحق وكلام الصدق (قلتم) أي في حقه (أنه ساحر) في غيبته وحضوره، (لا والله ما هو بساحر) الجملة القسمية مؤكدة لما يفهم من الجملة المقدرة المنفية بلا النافية. (وفي الحديث) وفي نسخة عنه أي عنه صلى الله تعالى عليه وسلم ما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله تعالى عنها (ما لمست) بفتح الميم (يده يد امرأة قطّ لا يملك رقّها) بكسر راء وتشديد قاف أي لا يملكها نكاحا أو ملكا فقد قال لأسماء التزويج رق المرأة فلتنظر أين تضع رقها وأما ما في البخاري أتت امرأة تبايع فقبض يدها فمحمول على المحرم أو من فوق الثوب. (وفي حديث عليّ) أي ابن أبي

ص: 304

طالب كرم الله وجهه (في وصفه صلى الله تعالى عليه وسلم أصدق النّاس لهجة) أي لسانا وبيانا وقد تقدم، (وقال) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (في الصّحيح) أي في الحديث الذي صح عنه وقد تقدم ذكره (ويحك فمن يعدل) بالرفع (إن لم أعدل؟ خبت وخسرت) بالتكلم أو الخطاب لرئيس الخوارج (إِنْ لَمْ أَعْدِلْ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أي على ما سبق من رواية الترمذي وغيره عَنْهَا (مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم في أمرين) وزيد في نسخة قَطُّ (إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ منه) سبق حل مبناه وبيان معناه (قال أبو العبّاس) أي البصري (المبرّد) بفتح الراء المشددة وكان إماما في النحو واللغة مات ببغداد ودفن بمقابر باب الكوفة (قسّم) بتخفيف السين أولى من تشديدها وإن اقتصر الانطاكي على الثاني (كسرى) بكسر الكاف وفتح الراء مقصورا اسم لكل من ملك الفرس واسمه الخاص برويز (أيّامه) أي زمان دولته وأوان مملكته (فقال) أي كسرى في قسمته وقته (يصلح يوم الرّيح للنّوم) المبني على السكون لكون الوقت غير قابل للحركة من القيام للخدمة ولا للقعود في الصحبة (ويوم الغيم للصّيد) لعدم التأذي بشدة الحرارة التي تقتضيها كثرة حركة المعالجة، (ويوم المطر للشّرب واللهو) لعدم إمكان الخروج، (ويوم الشّمس للحوائج) جمع حاجة على خلاف القياس أي لحوائج الخلق والنظر إلى مهماتهم بالعدل وفق الصدق. (قال ابن خالويه) بفتح اللام والواو وسكون التحتية وكسر هاء ويقال بضم لام وسكون واو وفتح تحتية فتاء تقلب هاء وقفا نحوي لغوي أصله من همذان بفتح الميم والذال المعجمة دخل بغداد وأدرك أجله العلماء مثل ابن الأنباري وابن مجاهد المقري وتوفي بحلب سنة سبعين وثلاثمائة وله تصانيف كثيرة (ما كان أعرفهم بسياسة دنياهم) كذا في النسخ بثبوت ما قبل كان والظاهر زيادتها ويكن جعلها موصولة أو موصوفة أو كان زائدة وما تعجبية وحاصله أنه إنما كان أعرفهم بسياسة دنياهم ولم يكن يعرف ما يتعلق بآخرتهم من مراتب عبادة مولاهم ولذلك استشهد بقوله تعالى (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ [الروم: 7] ) وحاصله أنه ليس في تقسيمه كبير منفعة بخلاف تجزئية صاحب النبوة ولهذا استدركه بقوله (ولكن) بالتخفيف أولى (نبيّنا صلى الله تعالى عليه وسلم) على ما رواه الترمذي وغيره عنه (جزّأ) بتشديد الزاء فهمز أي قسم (نهاره) أي ساعات يومه (ثلاثة أجزاء) أي أقسام (جزءا) بالنصب وجوز بالرفع وقد يضم زاءه (لله) تقديما لرضاه وقياما بالاشتغال بذكره عما سواء (وجزءا) بالوجهين (لأهله) إيثارا لهم على حقه (وجزءا لنفسه) لحديث أن لنفسك عليك حقا ثم لعل هذا الجزء الأول من الصبح إلى الظهر والثاني إلى العصر والثالث إلى المغرب والمعنى حصته لنفسه لا دخل فيها لغيره من الأهل خاصة دون العامة لقوله، (ثمّ جزّأ جزأه بينه وبين النّاس) أي عموما بحسب حاجاتهم والحاصل أنه جعل ذلك الوقت أيضا وقتا للحق لنفعه بنفسه عموم الخلق فإن كان أحد منهم احتاج إليه وحضر لديه أقبل عليه وأفاده بالفوائد

ص: 305

الدينية والدنيوية والعوائد الحسية والمعنوية النافعة في الدرجات الأخروية وإلا فاشتغل بمراعاة نفسه خاصة لفراغه من الواجبات المفروضة عليه من جهة حق الله تعالى وحقوق الأهل بحسب تقديم الأهم فالأهم والله تعالى أعلم (فكان) أي من عادته في جزء خاصة نفسه (يستعين بالخاصّة) أي من أرباب صحبته وأصحاب خدمته (على العامّة) أي قضاء حاجتهم والمجاهدة في منفعتهم لقوله تعالى وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى ولقوله عليه الصلاة والسلام الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله كما رواه الطبراني عن ابن مسعود والمعنى يأمر الخاصة بتبليغ العامة إذ ليس كل إنسان يتوصل إلى ذلك (ويقول أبلغوا) أي وكان يقول لهم أوصلوا إلى (حاجة من لا يستطع إبلاغي) أي إبلاغ حاجته لي (فإنّه) أي الشأن (من أبلغ حاجة من لا يستطيع) أي إبلاغها كما في نسخة صحيحة (آمنه الله) بهمزة ممدودة أي جعله في أمن من الضرر (يوم الفزع الأكبر) وهو وقت النفخة الثانية أو حالة الانصراف إلى العقوبة والحديث رواه الطبراني في الكبير بسند حسن عن أبي الدرداء ولفظه ثبت الله قدميه على الصراط يوم القيامة وكذا لفظ الترمذي في الشمائل برواية الحسن عن أخيه الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهم (وعن الحسن) أي البصري على ما رواه أبو داود في مراسيله (كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لا يأخذ أحدا) أي لا يؤاخذه ولا يجازيه (بقرف أحد) بفتح قاف وسكون راء أي بذنبه وكسبه ومنه قوله تعالى وَمَنْ يَقْتَرِفْ أو بظن أحد ورميه وفي نسخة بقذف أحد بسكون الذال المعجمة من قذفه بالمكروه أي نسبه إليه (ولا يصدّق أحدا على أحد) أي ولا يقبل كلام أحد في حق أحد سواء ترتبت عليه المؤاخذة أم لا فهو تعميم بعد تخصيص، (وذكر أبو جعفر) وهو محمد ابن جرير (الطّبريّ) بفتحتين نسبة إلى طبرية وكذا رواه ابن راهويه في مسنده والبيهقي في دلائله (عن عليّ كرم الله وجهه عن النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم ما هممت بشيء) أي ما قصدت عملا (ممّا كان أهل الجاهليّة يعملون به) وإنما أعاد المصنف هذا الحديث ههنا مع تقدمه لإفادة زيادة قوله (غير مرّتين كلّ ذلك) ضبط الرفع والنصب وهو أظهر أي في جميع ما ذكر من الكرتين (يحول الله) أي يصير بحوله حائلا ومانعا (بيني وبين ما أريد من ذلك) أي عمل أهل الجاهلية وهذا معنى قوله تعالى وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ إلى أي يحجز ويمنع وقال أبو عبيد يملك عليه قلبه فيثرفه كيف شاء، (ثمّ) أي بعد ما هممت بهما (ما هممت بسوء) أي أبدا بتوفيقه وعصمته (حتّى أكرمني الله برسالته) ومن المعلوم أن بعد تحقق نبوته لم يتصور وجود مخالفته ثم بين المرتين من الحالتين المذكورتين بقوله، (قلت ليلة لغلام) أي لفتى أو مملوك (كان يرعى معي) أي غنمي أو غنم غيري وهو الأظهر لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم ما من نبي إلا وقد رعاها يعني الغنم قيل ولا أنت يا رسول الله قال نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة ولعل الحكمة أن يتدرب على سياسة الرعية على سبيل الشفقة والرحمة ولا يبعد أن تكون الغنم له أو لغيره لكن كانت غي عهدته بقوله

ص: 306