الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجمع بينهما إشارة إلى غاية القلة (بل المأثور) أي المروي والمحكي (عن كلّ من رام ذلك) أي قصد الطعن فيه (إِلْقَاؤُهُ فِي الْعَجْزِ بِيَدَيْهِ وَالنُّكُوصُ عَلَى عَقِبَيْهِ) أي التأخر في الرجوع بالقهقرى أي إلى الورى.
فصل [وَقَدْ عَدَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمُقَلِّدِي الْأُمَّةِ في إعجازه وجوها كثيرة]
(وقد عدّ جماعة من الأئمّة) وهم علماء السلف (ومقلّدي الأمّة) بفتح اللام وهم فضلاء الخلف (فِي إِعْجَازِهِ وُجُوهًا كَثِيرَةً. مِنْهَا أَنَّ قَارِئَهُ لا يملّه) بفتح الميم وتشديد اللام أي لا يسأمه (وسامعه لا يمجّه) بضم الميم وتشديد الجيم أي لا يدفعه (بل الإكباب) أي الإقبال والآداب (على تلاوته يزيده حلاوة) أي لذة (وترديده) أي تكراره (يوجب له محبّة) أي يقتضي زيادة مودة فقد ورد من أحب شيئا أكثر ذكره (لا يزال غضّا طريّا) أي لا تزول طراوته وطلاوته (وَغَيْرُهُ مِنَ الْكَلَامِ وَلَوْ بَلَغَ فِي الْحُسْنِ والبلاغة مبلغه) أي تمام نظام المرام (يملّ مع التّرديد) أي في السمع (ويعادى) بفتح الدال أي ويكره في الطبع (إذا أعيد) لقولهم المعادات معاداة ولقوله صلى الله تعالى عليه وسلم فضل كلام الله على غيره كفضل الله على خلقه (وكتابنا) أي الذي فيه خطابنا وعتابنا وثوابنا وعقابنا (يستلذّ به في الخلوات ويؤنس) بالهمز ويسهل وبالنون مخففا ومشددا أي ويستأنس (بتلاوته فهي الأزمات) بفتح الهمز والزاء جمع أزمة بفتح فسكون وهي الشدة أي في أوقات الآفات (وسواه من الكتب) أي المؤلفات المصنوعة والمركبات الموضوعة (لا يوجد فيها ذلك) أي ما ذكر من اللذة والأنسة المطبوعة (حتّى أحدث أصحابها لها لحونا وطرقا يستجلبون بتلك اللّحون تنشيطهم) أي تنشيط أنفسهم وغيرهم (على قراءتها ولهذا) أي لما اختص به القرآن من حسن البيان المستغنى عن الإتيان بأنواع الألحان (وصف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم القرآن بأنّه لا يخلق) كما رواه الترمذي وغيره عن علي كرم الله وجهه مرفوعا القرآن لا يخلق وهو بفتح الباء وضم اللام لا فتحها كما في نسخة نقلها الحلبي وتبعه الحجازي أو بضم ياء وكسر لام أي لا يبلى (على كثرة الرّدّ) أي مع كثرة ترديده وتكريره (ولا تنقضي عبره) بكسر ففتح جمع عبرة أي لا تنتهي مواعظه المعتبرة (ولا تفنى عجائبه) أي لا تنفد عجائب مبانيه وغرائب معانيه، (وهو الفصل) أي البالغ في الفرق بين الحق والباطل (ليس بالهزل) أي أمره جد كله (لا يشبع منه العلماء) أي تدبرا وتبصرا وعبارة وإشارة (ولا تزيغ) أي ولا تميل (به الأهواء) عن طريق السواء (ولا تلتبس به الألسنة) أي ولا تشتبه به اللغات المختلفة المتناقضة (هو الذي لم تنته الجنّ) أي طائفة من جن نصبيين وفي صحيح مسلم أنهم كانوا من الجزيرة ولا منع من الجمع (حين سمعته أن قالوا) أي لم يتوقفوا عن قولهم لبعضهم أو لقولهم حين رجوعهم إليهم، (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً [الجن: 1] ) أي مقروءا عجيبا من جهة جزالة مبانية ومدلولا غريبا من فخامة معانيه بديعا في بلاغته ومنيعا في فصاحته (يهدي إلى الرشد) أي صوب الصواب أو إلى
طريق الثواب والعقاب هذا وذكر أبو علي الغساني في مناقب عمر بن عبد العزيز قال بينما عمر يمشي بأرض فلاة فإذا هو بجثة ميتة فكفنها بفضل ردائه ودفنها وإذا قائل يقول يا سرق أشهد بالله لقد سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول لك ستموت بأرض فلاة ويدفنك رجل صالح فقال من أنت يرحمك الله تعالى فقال رجل من الجن الذين سمعوا القرآن من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لم يبق منهم إلا أنا وسرق هذا سرق قدمات (ومنها جمعه لعلوم) أي كلية (ومعارف) أي جئية (لَمْ تَعْهَدِ الْعَرَبُ عَامَّةً وَلَا مُحَمَّدٌ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم قبل نبوّته خاصّة بمعرفتها) أي بعلم شيء منها (ولا القيّام بها) أي الدوام والثبات عليها (وَلَا يُحِيطُ بِهَا أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَمِ) أي من أحبار اليهود والنصارى وغيرهم (ولا يشتمل عليها كتاب من كتبهم) أي من السماوية وغيرها (فجمع) بصيغة المجهول أي فجمع الله (فيه من بيان علم الشّرائع) أي أصولها وفروعها من النقليات (والتّنبيه) أي في اثناء التعبيرات (على طرق الحجج) أي أنواع الدلالات (العقليّات) وفي نسخة العقلية (والرّدّ على فرق الأمم) أي من أرباب الضلالات (ببراهين قويّة) أي قاهرة (وأدلّة بيّنة) ظاهرة (سهلة الألفاظ) أي المباني (موجزة المقاصد) بصيغة المجهول مختصره المعاني (رام المتحذلقون) بالحاء المهملة والذال المعجمة من الحذق زيدت فيه اللام للمبالغة والتاء المطالبة أي قصد المبالغون في الحذاقة إذا أظهروا المهارة في مقام الفصاحة والبلاغة (بعد) أي بعد ورودها في عالم وجودها (أن ينصبوا أدلّة مثلها) أي مشابهتها في الجملة (فلم يقدروا عليها) أي على أن يقربوا إليها وأني لهم المقدرة على مقاومة المعجزة (كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أي مع كبرهما وسعة قدرهما (بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) أي مع صغر جرمهم (بَلى [يس: 81] ) جواب من الله إيماء إلى أن لا جواب سواه أي بلى قادر على خلقهم ابتداء وإيجادهم انتهاء وهو الخلاق العليم يعني إلا يعلم من خلق (وقُلْ) أي وكقوله سبحانه وتعالى (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ [يس: 79] ) أي لبقاء قدرته وقف إرادته وقابلية المادة على حالته وهو بكل خلق عليم أي بأعضائه وأجزائه (ولَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ) أي غيره (لَفَسَدَتا [الأنبياء: 22] ) أي لخرجتا عن نظامهما واختلتا عن مرامهما لوجود التمانع المانع من إتمامهما (إلى ما حواه) أي منضما إلى ما جمعه القرآن أو مع ما اشتمله الفرقان (من علوم السّير) بكسر ففتح جمع سيرة أي المفهومة من أخبار الأنبياء والأصفياء، (وأنباء الأمم) أي أحوالهم الأعم من الأحياء والاعداء (والمواعظ) أي بالترغيب في ولائه والترهيب عن بلائه (والحكم) بكسر ففتح أي الكلمات المرشدة إلى تكميل النفوس الإنسانية باقتباس العلوم الربانية كقوله تعالى حكاية عن لقمان يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (وإخباره الدّار الآخرة) أي من النعيم المقيم والجحيم الأليم (ومحاسن الآداب والشّيم) بكسر ففتح أي الأخلاق في جميع الأبواب (مما
تقدم ذكره) أي بيانه بقوله تعالى خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ الآية (قال الله جلّ اسمه) أي عظم اسمه ومسماه (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ أي القرآن الجامع للفصول والأبواب (مِنْ شَيْءٍ [الأنعام: 38] ) يحتاج إليه أرباب الألباب (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ [النَّحْلِ: 89] ) أي مما يحتاج إليه من أمر الدين (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ [الروم: 58] ) أي بيّنا لهم فيه بعض الأمثال الحكمية ليقتبسوا المعاني الحقيقة من صور المباني الحسية (وقال صلى الله تعالى عليه وسلم: إنّ الله أنزل عليه الصلاة والسلام أي كما رواه الترمذي عن علي وتقدم بعضه وأورده هنا بتغيير بعض لفظه وبزيادة في صدره (أن الله أنزل هذا القرآن آمرا) أي بكل معروف واجبا كان أو ندبا (وزاجرا) أي ناهيا عن كل منكر حراما كان أو مكروها (وسنّة خالية) أي طريقة متبعة ماضية (ومثلا مضروبا) أي مبينا ومعينا في الألسنة الجارية (فيه نبؤكم) أي الخبر المتعلق بكم (وخبر ما كان قبلكم) أي من الأمم السالفة (ونبأ ما بعدكم) أي مما يكون إلى يوم القيامة (وحكم ما بينكم) بفتح الحاء والكاف أي والحكم الذي تحتاجون إليه فيما بينكم مما لكم وعليكم (لا يخلقه) بضم الياء وكسر اللام أي لا يبليه (طول الرّدّ) أي كثرة تكراره وترديد أخباره (ولا تنقضي عجائبه) أي لا تنتهي غرائبه، (هو الحقّ) أي الحكم العدل (ليس بالهزل) بل هو الجد في بيان الفصل (من قال به صدق) أي في قوله (ومن حكم به عدل) أي في حكمه (ومن خاصم به فلج) بفتح الفاء واللام والجيم أي غلب على مرغوبه وظفر بمطلوبه (ومن قسم به) بتخفيف السين ويجوز تشديده أي عين قسط كل واحد ونصيبه في حكم متعلق به (أقسط) أي عدل في أمره وأصاب في حكمه يقال أقسط فهو مقسط إذا عدل ومنه قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ وقسط فهو قاسط إذا جار ومنه قوله تعالى أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً
فهمزة أقسط للسلب كما في شكا إليه فأشكاه أي أزال شكواه (ومن عمل به أجر) بصيغة المفعول أي أثيب على عمله من عند ربه وفضله (ومن تمسّك به) أي تشبث علما وتعلق عملا (هدي) بصيغة المجهول أي هداه الله فاهتدى (إلى صراط مستقيم) أي مذهب قويم ودين كريم (ومن طلب الهدى من غيره) أي من غير بابه (أضلّه الله) أي أعماه بحجابه (ومن حكم بغيره) أي عدولا عن حكمه وأمره (قصعه الله) أي كسره وأهلكه وفي الحديث استغنوا عن الناس ولو بقصعمة السواك وهي بالكسر ما انكسر منه بإبانة وفي رواية ولو بشوص السواك على ما رواه البزار والطبراني والبيهقي عن ابن عباس وفي النهاية شوص السواك غسالته وقيل ما يتفتت منه عند تسوكه، (هو الذّكر الحكيم) أي المشتمل على الحكم والاحكام والحاكم على وجه الإتقان والإحكام (والنّور المبين) أي الظاهر والمظهر لليقين (والصّراط المستقيم) أي ذو الاستقامة المنتهي إلى الفوز بالسعادة والكرامة معاشا ومعادا (وحبل الله المتين) من المتانة وهي القوة أي عهده المحكم الذي لا ينقطع وسبب وصول وعده الذي لا يمتنع وقال ابن الأثير حبل
الله نور هداه وقيل عهده وأمانه الذي يؤمن من العذاب والحبل للعهد والميثاق انتهى (والشّفاء النّافع) أي لكل داء وبلاء؛ (عصمة لمن تمسّك به) أي معتصم وثيق لمن تشبث به وتعلق بذيله وفيه وفيما قبله اقتباس من قوله وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ (ونجاة لمن اتّبعه) بتشديد التاء أي تبعه علما وعملا، (لا يعوجّ) بتشديد الجيم (فيقوّم) بفتح الواو المشددة ونصب الميم أي لا يميل عن صوب الاستقامة فيحتاج إلى تقويم العدالة (ولا يزيغ) أي ولا يميل عن منهج الحق (فيستعتب) أي فيحتاج إلى العتب في عدوله عن نهج الصدق (ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق) بالوجهين (على كثرة الرّدّ) أي الترداد والتكثار في العد. (ونحوه) أي نحو هذا الحديث في المعنى مع اختلاف في المبنى (عن ابن مسعود) كما رواه الحاكم عنه مرفوعا (وقال) أي ابن مسعود (فيه) أي في مرويه (ولا يختلف) بالفاء أي ليس محلا للاختلاف بل وقع مبناه ومعناه على وجه الائتلاف والمعنى ما وجد فيه أحد تخالفا يسيرا ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وفي نسخة بالقاف فهو بمعنى لا يخلق على كثرة الرد كما سبق (ولا يتشانّ) بتشديد النون بعد الألف مأخوذ من الشن كما صرح به الهروي وابن الأثير في هذا الحديث وقال اليمني هو الصواب وهو الجلد اليابس البالي أي لا تذهب طلاوته ولا تبلى طراوته حين تكثر تلاوته وترداد قراءته لما أودع فيه من بدائع الكمال وروائع الجمال وفي نسخة صحيحة ولا يتشانأ بنون مخففة بعدها همزة من الشنئان ولكن ينبغي أن يضبط بصيغة المجهول وأما ما ذكره الحلبي من أنه بفتح أوله ثم مثناة فوقيه مفتوحة ثم شين معجمة ثم ألف ثم نون همزة ممدودة ونسبه إلى النسخة التي وقف عليها فلا يصح بوجه أي لا يتباغض ولا يكره ولا يمل، (فيه نبأ الأوّلين والآخرين) أي بما وقع لهم في الدنيا وبما سيقع لهم في العقبى. (وفي الحديث) أي القدسي من رواية ابن أبي شيبة مرسلا لكن بلفظ أنزلت على محمد توراة محدثة فيها نور الحكمة وينابيع العلم ليفتح بها أعينا عميا وقلوبا غلفا وآذانا صما وروى ابن الضرير في فضائل القرآن عن كعب أنه قال في التوراة (قال الله تعالى لمحمّد إني منزل عليك) بالتخفيف والتشديد أي ملق إليك (توراة) أي كتابا كالتوراة أو ما جمع مضمون ما في التوراة (حديثة) أي جديدة الإنزال أي قريبة العهد من الملك المتعال (تفتح بها أعينا عميا) أي عن سنن الحق (وآذانا صمّا) أي عن استماع الصدق (وقلوبا غلفا) أي ممنوعة عن طريق الوفق وممتنعة عن وصول الرفق (فيها ينابيع العلم) أي هي منابع العلوم الكثيرة والمعارف الغزيرة (وفهم الحكمة) أي وفيها معرفة الحكم الربانية والأحكام المحكمة الصمدانية (وربيع القلوب) أي وفيها من الأنوار والأسرار نظير ما يشتمل عليه فصل الربيع من أزهار أثمار الأشجار بواسطة الأمطار (وعن كعب) أي كعب الأحبار ويقال كعب الحبر (عليكم بالقرآن) أي خذوا بمبانيه والزموا بمعانيه (فإنّه فهم العقول) أي غاية فهوم عقول الفحول (ونور الحكمة) أي لعين البصر والبصيرة ونظر العبرة (وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) أي اليهود والنصارى (أَكْثَرَ الَّذِي
هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [النمل: 76] ) أي كلهم فيما بينهم أو كل صنف منهم من التشبيه والتنزيه وعزيز وعيسى وما فيه من أنواع التنبيه (وقال هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ أي لأحوالهم وأحكامهم وآمالهم في مآلهم (وَهُدىً [آل عمران: 138] ) لما فيه كمالهم (الآية) أي وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ أي نصائح في أعمالهم بها جمالهم وخص المتقين لكونهم المنتفعين، (فجمع فيه) بصيغة المجهول أي فجمع الله في كلامه ما أراد من مرامه (مع وجازة ألفاظه) بفتح الواو أي مع اختصار مبانيه (وجوامع كلمه) أي باعتبار إكثار معانيه (أضعاف ما في الكتب) أي الكتب المنزلة على الأنبياء (قبله التي ألفاظها على الضّعف) بالكسر أي التزايد (منه) أي من القرآن (مرّات) لاشتمالها على الإطناب الموجب لتكثير كلمات واحتواء القرآن على إيجاز بحسب البلاغة والفصاحة موجب إعجاز. (ومنها جمعه فيه) أي جمع الله سبحانه وتعالى في كلامه عز شأنه (بين الدّليل ومدلوله) أي برهانه وتبيانه (وذلك) أي وسبب ذلك الجمع في معرض البيان (أنّه احتجّ بنظم القرآن) أي بإدخال جواهر معانيه في سلك مبانيه (وحسن وصفه) أي وبحسن وصفه حيث صبغ حلي كلماته في قوالب مقاماته وفي نسخة رصفه بالراء بدل الواو أي تركيبه وصفه من تهذيبه (وإيجازه) أي بإتيان معان كثيرة في مبان يسيرة وفي أصل الدلجي وإعجازه أي كل منطيق فصيح (وبلاغته) أي بإتيان معان كثيرة في مبان يسيرة وفي أصل الدلجي وإعجازه أي كل منطيق فصيح (وبلاغته) أي الرائعة المنضمة إلى فصاحته البارعة (وأثناء هذه البلاغة) أي في خلالها (أمره ونهيه ووعده ووعيده فالتّالي له) أي ممن يدرك معانيه (يفهم موضع الحجّة والتّكليف) باعتبار مبانيه (معا) أي مجتمعين في بيان علومه (من كلام واحد) أي باعتبار منطوقه ومفهومه (وسورة منفردة) أي باعتبار عبارتها وإشارتها فيفهم مثلا من قوله تعالى فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ تحريم غير الألف بالأولى وأن الكف عنه أقوى ومن قوله فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانحر أنه حجة لوجوب صلاة العيد والأضحية وأنه مكلف بهما في القضية. (ومنها أن جعله) أي الله سبحانه (في حيز المنظوم) بفتح الحاء وتشديد التحتية المكسورة أي في مقامه (الذي لم يعهد) أي لم يعرف مثله ولم يسبق قوله يجعله ذا قرائن لها فواصل معلومة القوافي كقوافي الأبيات المنظومة (ولم يكن في حيّز المنثور) أي المتفرق الخارج عن هيئة المنظوم (لأنّ المنظوم أسهل) أي من المنثور (على النّفوس) أي في درك مبانيه (وأوعى للقلوب) أي وأحفظ لها في أخذ معانيه (وأسمح) بالحاء المهملة أفعل تفضيل من السماح وهو بمعنى الجود والكرم والمسامحة هي المساهلة وتسامحوا تساهلوا ومنه حديث السماح رباح أي أسهل قبولا وأقرب وصولا (إلى الآذان) بعد الهمزة جمع الأذن والمراد بها الاسماع وأغرب الدلجي في قوله اسمح بحاء مهملة من الاسماح لغة في السماح انتهى ووجه غرابته لا يخفى وقال الحلبي بالحاء المهملة من سمح العود إذا لان انتهى وهو تكلف مستغنى عنه مع أن صاحب القاموس استاذه ذكر أسمحت الدابة لانت بعد استصعاب وعود سمح لا عقدة فيه انتهى وكلاهما لا يلائم المقام كما لا يخفى على طباع الكرام هذا وقدم الحلبي على هذا قوله اسمخ هو من سماخ الأذن أي
أسرع استقرارا في سماخ الأذن انتهى ويؤيده أنه في نسخة اسمع بالعين المهملة (وأحلى على الأفهام) لاشتمال ما فيه من التلاوة على أنواع من الحلاوة مع زيادة الطراوة والطلاوة (فالنّاس إليه أميل والأهواء إليه أسرع) أي وأقبل والحاصل أن منهجه ليس على طريق الشعراء في نظمهم وقوافيهم ولا على طريق الخطباء في التزام سجعهم في أواخر مبانيهم بلا كلام بديع منيع يباين كلام غيره سبحانه وتعالى معظمة شأنه وسلطنة برهانه. (ومنها تيسيره) أي تسهيله (تعالى حفظه لمتعلّميه) أي طالبي تعلمه نظرا (وتقريبه) أي تهوينه (على متحفّظيه) أي طالبي حفظه غيبا (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ [القمر: 22] ) تمام الآية فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ كما في نسخة أي من متعظ وأصله مذتكر (وسائر الأمم) أي وبواقيها (لا يحفظ كتبها الواحد) أي كل ما يطلق عليه اسم الواحد (منهم) فاللام للعهد الذهني الذي هو في المعنى نكرة وهي في سياق النفي تفيد العموم وحينئذ يناسب قوله (فكيف الجمّاء) وفي نسخة الجم أي فيستبعد أن يحفظه الجم الغفير والجمع الكثير (على مرور السّنين عليهم) وفي نسخة الأعوام جمع عام بمعنى سنة (والقرآن) أي بحمد الله والمنة (ميسّر) وفي نسخة متيسر (حفظه للغلمان) بكسر الغين جمع غلام أي الأولاد الصغار (في أقرب مدّة) أي كسنة أو أقل أو أكثر بحث مراتب جودة الذهن والفطنة والفطرة. (ومنها مشاكلة بعض أجزائه بعضا) أي مشابهته في تناسب مبانيه وتجاذب معانيه (وحسن ائتلاف أنواعها) أي أمرا ونهيا ووعدا ووعيدا وقصة وموعظة (والتئام أقسامها) أي توافقها في سلامة التركيب وسلاسة الترتيب (وحسن التّخلّص) أي الانتقال (مِنْ قِصَّةٍ إِلَى أُخْرَى وَالْخُرُوجِ مِنْ بَابٍ إلى غيره على اختلاف معانيه) أي المأخوذة من تفاوت مبانيه (وَانْقِسَامُ السُّورَةِ الْوَاحِدَةِ إِلَى أَمْرٍ وَنَهْيٍ وَخَبَرٍ واستخبار ووعد ووعيد وإثبات نبوّة) أقول وقد اجتمعت هذه الوجوه في آية وهي قوله تعالى قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ مع زيادة الاعتذار بقوله وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ مع التنبيه لهم في صدر الآية بالنداء وتنزيل النمل منزلة العقلاء وغير ذلك من الإشارات والإيماء (وتوحيد) أي في الذات (وتفريد) أي في الصفات (وترغيب) أي إلى الطاعة بالمثوبة (وترهيب) أي من المعصية بالعقوبة (إلى غير ذلك من فوائده) أي منضمة إلى ما عدا ذلك من منافعه وعوائده مما يلتقط من مساقط موائده كضرب مثال وبيان حال وإشعار إيثار يوجب للسالك وصوله (دون خلل يتخلّل فصوله) أي أنواع أبواب مما يقتضي حصوله وأبعد الدلجي في جعل الفصل بمعنى الفاصلة؛ (والكلام الفصيح) كان الأظهر أن يقول إذ الكلام أو لأن الكلام الصحيح ولو كان على المنهج الصحيح والغرض الصريح (إذا اعتوره) أي تداوله وفي أصل الدلجي إذا اعتراه أي غشيه والم به (مثل هذا) أي الذي يتخلل الفصول وهو في الحقيقة بمعنى الفضول (ضعفت قوّته) أي نزلت مرتبته في فن البلاغة (ولانت جزالته) أي وهانت منزلته عن درجة عظمة الفصاحة (وقلّ رونقه) أي حسنه وبهجته في تأديته الحلاوة (وتقلقلت ألفاظه) أي
اضطربت مبانيها واختلفت معانيها وفي نسخة تقلقت بلام واحدة مشددة أي صارت قلقة في المبنى وغلقة في المعنى (فتأمّل) أي في بيان المراد (أوّل ص) أي سورتها حيث صدرها بقوله ص أي يا صادق وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ أي صاحب العز والشرف للموافق (وما جمع فيها من أخبار الكفّار وشفاقهم) وخلافهم مع سيد الأبرار بقوله تعالى حكاية عنهم بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ أي استكبار عن الحق واستدبار عن الصدق (وتقريعهم) أي ومن توبيخهم وتخويفهم (بإهلاك القرون من قبلهم) بقوله تعالى كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (وَمَا ذُكِرَ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ بِمُحَمَّدٍ) صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم (وتعجّبهم ممّا أتى به) أي حيث قال تعالى وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (والخبر عن اجتماع ملئهم) وفي نسخة عن إجماع ملئهم (على الكفر) وذلك لما روي أن عمر رضي الله تعالى عنه لما اسلم شق ذلك على قريش فقال أشرافهم لأبي طالب أنت شيخنا وكبيرنا وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء فاقض بيننا وبين ابن أخيك فقال هل هؤلاء قومك يسألونك القصد فلا تمل عليهم كل الميل فقال ما تسألونني قالوا ارفضنا وآلهتنا ونرفضك وإلهك فقال أرأيتم إن أعطيتكم ما سألتم أمعط أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم قالوا نعم وعشرا قال قولوا لا إله إلا الله فقالوا أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ أي في غاية من العجب (وما ظهر من الحسد في كلامهم) أي من قوله تعالى حكاية عن مرامهم أُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا (وتعجيزهم) أي بقوله تعالى فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ (وتوهينهم) أي وتحقيرهم بقوله سبحانه وتعالى جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ (ووعيدهم بخزي الدّنيا) وفي نسخة بخزي في الدنيا أي بهزيمتهم فيها (والآخرة) أي بذوق أليم عذابها (وتكذيب الأمم قبلهم) أي أنبياءهم ورسلهم (وإهلاك الله لهم) أي للمكذبين منهم بقوله كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (ووعيد هؤلاء) يعني قريشا واضرابهم (مثل مصابهم) بقوله تعالى وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (وتصبير النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي حمله على الصبر (على أذاهم) أي الذي من جملته ما بلغوا في تكذيبهم له وقالوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ فسلاه بقوله تعالى اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ أي لا تبال بقولهم ولا تكترث بفعلهم وكن معنا مشاهدا لنا في آياتنا وقدرتنا على كائناتنا (وتسليته) أي الشاملة (بكلّ ما تقدّم ذكره) أي بيانه عنهم (ثمّ أخذ) أي شرع بعد تسليته (في ذكر داود) أي بقوله تعالى وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ أي كثير الرجوع إلى أبواب رب الأرباب فأنت كذلك لازم الباب ولا تلتفت إلى ما صدر من أرباب الحجاب وأما ما ذكره الدلجي هنا فمما لا يصلح أن يفسر به فصل الخطاب ولذا أعرضت عن ذكره في الكتاب والله تعالى أعلم بالصواب (وقصص الأنبياء) أي حكاياتهم كسليمان وأيوب وإبراهيم