الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بكسر معجمة ففتح لام وتسكن أي واحدا (من أضلاعه) أي عظام أحد جوانبه (فَرَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ يَقُولُ قَتَلَنِي مُحَمَّدٌ وَهُمْ يقولون لا بأس بك) وفي نسخة عليك (فقال لو كان ما بي) أي لو نزل مثل ما معي من الألم (بجميع النّاس لقتلهم) أي صار سببا لقتلهم (أليس قد قال أنا أقتلك) أي بقيد إن شاء الله تعالى (والله لو بصق عليّ) أي لو رمى بزاقه على بدني بقصد قتلي (لقتلني) أي ابرارا لكلامه وإظهارا لمرامه (فمات) أي أبي المسرف في عمره للاشتغال بكفره (بسرف) بفتح مهملة وكسر راء ففاء ممنوعا ويجوز صرفه مكان على ستة أميال من مكة كان فيه زواج ميمونة زوج النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في عمرة القضاء واتفق أنها ماتت به بعد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وفيه قبرها وبني مسجد عليها (في قفولهم) بضم قاف ففاء أي رجوع الكفار من أحد وهو معهم وفي أصل الدلجي من رجوعه (إلى مكّة) ولا ينافيه ما ذكره البغوي في تفسيره أنه مات بمكة لأن سرف من توابعها هذا وقد قال النسفي في تفسيره ولم يقتل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بيده غيره انتهى وبالجملة فكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أشجع الناس كما يومي إليه قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ مع ما ورد من إعطائه قوة ثلاثين رجلا وربما يقاوم بعض الرجال ألفا كبعض أصحابه من المهاجرين والأنصار رضي الله تعالى عنهم أجمعين بل له من القوة الإلهية التي تعجز عنها القوى البشرية والملكية هذا وقيل الشجاعة صبر ساعة وقيل الشجاع هو الذي يميز النصراني الذي يقصده هل هو أكحل الحدقة أو ازرقها عند المقابلة وقيل هو الذي يميز كيف أمسك عدوه الرمح وقيل هو الذي يأتي عدوه وهو يسير السير الرفيق الذي يسير به بين بيوت قومه ونقل عن بعض الشجعان أنه إذا رأى القوم مقبلين إليه نزل عن فرسه وتوسد حتى إذا وصلوا إليه نهض نحوهم وسألوه عن حالته في المطاعنة فقال ما ضربت قط برمي إلا وأنا أميز بين أن أضرب به قائم السن أو منبسطا وأتخير حيث أضرب وهذا نهاية الشجاعة والاقدام وقد سبق نزوله عليه الصلاة والسلام في أثناء محاربة الأقوام وقال مهلهل في هذا المرام.
لم يطيقوا لينزلوا فنزلنا
…
وأخو الحرب من أطاق النزولا
فصل [وأما الحياء والإغضاء]
(وأمّا الحياء) وهي حالة تعتري من له الحياة الكاملة وقال ابن دقيق العيد الحياة تغير وانكسار يعرض للإنسان لخوف ما يعاب به أو يذم عليه وقيل الحياء حالة تنشأ عن رؤية التقصير (والإغضاء) وهو لغة إرخاء الجفن إلى حيث يقارب الانطباق فهو دون الاغماض وقد يتوافقان معنى ومنه قوله تعالى إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ومنه قول الفرزدق في علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما:
يغضي حياء ويغضي من مهابته
…
فما يكلم إلا حين يبتسم
(فالحياء رقّة تعتري وجه الإنسان) أي تغشاه والمعنى تظهر من باطنه على ظاهره (عند فعل ما يتوقّع) بصيغة المفعول أي عند إرادة فعل شيء يتوقع (كراهيته) وفي نسخة كراهيته بزيادة ياء
مخففة أو مشددة (أو ما) أي أو عند إرادة فعل شيء (يكون تركه خيرا من فعله) والأول حياء الابرار والثاني حياء الأحرار وإذا وصف به ربنا سبحانه وتعالى كما ورد في الكتاب والسنة فالمراد به الترك اللازم للانقباض، (والإغضاء التّغافل) أي التجاوز (عمّا يكره الإنسان بطبيعته) أي بسجيته لا بشريعته إذ المكروه شرعا هو الداعي إلى الدين فإن الدين النصيحة ولأن الحياء من العلم مذموم على ما في الرواية الصحيحة (وكان النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم أشدّ النّاس) أي أقواهم (حياء وأكثرهم) بالنصب (عن العورات) متعلق بقوله (إغضاء) وأخر مراعاة للسجع ونصب حياء وإغضاء على التمييز وآثر الحياء بالأشدية لكونه سببا للإغضاء والسبب أقوى من مسببه لكونه منشئه وبعض أثره والعورات بسكون الواو جمع عورة وهي كل ما يجب ستره إذ الغالب عند كشفها أدرك المعرة لمن انكشفت منه فهي عورة ما دامت منكشفة ومنه ما ورد اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا (قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّ ذلِكُمْ) أي مكثكم في بيته مستأنسين لحديث بعضكم بعضا (كان يؤذي النبي) أي وأنتم ما تدركونه (فيستحي منكم) أي من اخراجكم (الآية) أي قوله تعالى وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ أي من إظهاره فلا يترك بيان إسراره وكفى به شاهدا للعقلاء في تأديب الثقلاء. (حدّثنا أبو محمّد بن عتّاب) بفتح مهملة وتشديد فوقية وقد تقدم ترجمته رحمه الله جملة دعائية (بقراءتي عليه) أي الحديث الآتي (ثنا) أي حدثنا (أبو القاسم حاتم بن محمّد) أي التميمي المعروف بابن الطرابلسي قرأ عليه أبو علي الغساني البخاري مرات (ثنا أبو الحسن القابسيّ) بكسر الموحدة (ثنا أبو زيد المروزيّ) بفتح الميم وسكون راء وفتح واو فزاء (ثنا محمّد بن يوسف) أي الفربري (ثنا محمّد بن إسماعيل) أي الإمام البخاري (ثنا عبدان) بفتح مهملة وسكون موحدة فدال يقال إنه تصدق بألف ألف (ثنا عبد الله) أي ابن المبارك المروزي شيخ خراسان وقال الحلبي أبوه تركي مولى تاجر وأمه خوارزمية وقبره بهيت يزار ويتبرك به (انا) أي أَخْبَرَنَا (شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ) أي ابن أبي عتبة (مولى أنس) أي ابن مالك (يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه كما في الصحيحين وأخرجه الترمذي في الشمائل وابن ماجه في الزهد (كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أشدّ حياء من العذراء) بفتح المهملة فسكون المعجمة وبالراء والمد أي حياؤه أشد حياء من البنت العذراء وهي من لم تزل عذرتها أبي جلدة بكارتها (في خدرها) بكسر خاء معجمة وسكون دال مهملة أي حال كونها في داخل سترها فإنها حينئذ أشد حياء من غيرها وذهابه عنها عادة لمخالطتها ولذا نزل سكوتها منزلة إذنها في باب نكاحها ولو مع وليها؛ (وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ) أي عرفنا أنه كرهه بتغير وجهه ولو لم يتكلم بوجهه لأن وجهه مثل الشمس والقمر فإذا كره شيئا كسا وجهه ظل كالغيم عليهما (وكان صلى الله تعالى عليه وسلم لطيف البشرة) بفتحتين أي رقيق الجلدة العليا أي يتغير بأدنى كراهة والجملة كالعلة المبينة للسابقة (رقيق الظّاهر) تأكيد لما قبله أي يسرع أثر الحياء عليه ولله در القائل:
إذا قل ماء الوجه قل حياؤه
…
ولا خير في وجه إذا قل ماؤه
أو معناه كان لينا سهلا رفيقا مهلا (لا يشافه) أي لا يواجه (أحدا بما يكرهه) أي لا يخاطبه
تصريحا بل يظهره تلويحا أو لا يخاطبه حاضرا ويؤيده ما سيأتي وأصل المشافهة هو المخاطبة من فيه إلى فيه ثم توسع فيه فقيل بمعنى واجهه ومنه حديث كلمه شفاها (حياء وكرم نفس) أي من أجل كثرة حيائه وكرم نفسه في سخائه وقد ورد أن الحياء خير كله ولا يأتي إلا بخير وأنه شعبة من الإيمان، (وعن عائشة رضي الله عنها كما رواه أبو داود (كان النّبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَلَغَهُ عَنْ أَحَدٍ مَا يكرهه) أي شيء لا يعجبه (لم يقل ما بال فلان) أي حاله وشأنه بتعيين اسمه أو وسمه أو رسمه (يقول كذا) أي أو يفعل كذا (ولكن يقول) أي منكرا له (ما بال أقوام) بصيغة الجمع لإفادة عموم الحكم له ولغيره مع الإبهام (يصنعون) أي يفعلون (أو يقولون) شك من الراوي أو أريد به تنويع الصنفين من الفعل والقول (كذا) إشارة إلى ما انكره (ينهى عنه) أي عما أنكره تلويحا (ولا يسمّي فاعله) أي تصريحا إذ المقصود المعتبر هو نهي المنكر لا خصوص فاعله من البشر. (وروى أنس) كما رواه أبو داود (أنّه) أي الشأن أو النبي عليه السلام (دخل عليه رجل) وهو غير معروف (به أثر صفرة) أي بعينه أو علامة من طيب كزعفران ونحوه (فلم يقل له شيئا) أي مشافهة (وكان لا يواجه أحدا) أي لا يقابله (بما يكره) أي حياء (فلمّا خرج) أي الرجل (قال) أي لأصحاب مجلسه (لو قلتم له يغسل هذا) أي الأثر الذي به لكان حسنا فالجواب مقدر ولو للتمني وقوله يغسل خبر معناه الأمر أو التقدير ليغسل (ويروى ينزعها) بكسر الزاء أي يزيلها أو يفسخ المتلطخ بها وإنما كرهها لأنها من زي النساء وحليهن وأما قول التلمساني ينزع بفتح الزاء لا غير فوهم بناء على ما هو المفهوم من القاموس أنه بكسر الزاء ومنه قوله تعالى يَنْزِعُ عَنْهُما بكسر الزاء اتفاقا نعم شرط الفتح موجود لكن لا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط بخلاف عكسه كما هو مقرر في محله ثم اعلم أن هذه الأخلاق الحسنة والأوصاف المستحسنة كانت غالبة عليه وسجية داعية إليه فلا ينافيه ما وقع من النوادر لحكمة من إرادة الزواجر أو لبيان الجواز في الظواهر من حديث سواد بن عمرو قال اتيت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأنا متخلق فقال وَرْسٌ وَرْسٌ حُطَّ حُطَّ وَغَشِيَنِي بِقَضِيبٍ فِي يده الحديث كما أورده المؤلف في أواخر القسم الثالث والله تعالى أعلم (قالت عائشة رضي الله عنها كما رواه الترمذي (في الصّحيح) أي من الحسن الصحيح في جامعه وشمائله (لم يكن النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم فحّاشا) أي ذا فحش في كلامه وهذا يدل على كثرة حيائه وشدة صفائه ويروى فحاشا أي ذا فحش فالصيغة للنسبة لا للمبالغة وأصل الفحش هو الخروج عن الحد والفواحش عند العرب القبائح (ولا متفحّشا) أي متكلفا له ولله درها إذ نفت عنه الفحش طبعا وتكلفا (ولا سخّابا) بتشديد الخاء المعجمة أي ولا صاحب رفع صوت (بالأسواق) لحسن خلقه وكرم نفسه وشرف طبعه وحيائه من ابناء جنسه ويروى في الأسواق وفيه احتراز عن المساجد لضرورة رفع صوته حال القراءة والخطبة ثم السوق أما من قيام الناس فيها على سوقهم وإما من سوق الأرزاق إليها (ولا يجزي) بفتح أوله وكسر الزاء وسكون الياء أي ولا يجازي (بالسّيئة السّيّئة) أي الواصلة إليه الحاصلة منه وسميت الثانية سيئة مشاكلة أو صورة أو
لأنها خلاف الأولى لقوله سبحانه وتعالى ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ كما حقق في قوله تعالى وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ومن هنا قالوا حسنات الأبرار سيئات الأحرار وهو في ذلك ممتثل لقوله تعالى فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ (ولكن) وفي نسخة ولكنه (يعفو) أي يمحوها بالباطن (ويصفح) أي يعرض عن صاحبها بالظاهر أو يسامح عن الصغائر والكبائر مما ليس فيهما حق لأحد لقوله تعالى فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، (وقد حكي) بصيغة المفعول (مثل هذا الكلام) أي في نعت سيد الأنام عليه الصلاة والسلام (عن التّوراة من رواية ابن سلّام) بتخفيف اللام أحد الصحابة الكرام من علماء اليهود حيث دخل في الإسلام (وعبد الله بن عمرو بن العاص) أي ومن روايته أيضا وهو صحابي قرشي كان يطالع كتب العلماء الأعلام وقد جاء في رواية أنه رأى في منامه أن في إحدى يديه سمنا وفي الأخرى عسلا فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تحفظ الكتابين فحفظ القرآن والتوراة ولهذا سأله عطاء بن يسار عن صفة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في التوراة كما في الصحيح ولعل هذا قبل نزول قوله تعالى أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ فإن فيه الاكتفاء أو أن العسل فيه شفاء والسمن منه داء ودواء، (وروي عنه) أي عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كما في الإحياء لكن لم يعرف العراقي وروده في الانباء (أنّه كان من حيائه لا يثبت) من التثبيت أو الاثبات أي لا يشبع (بصره في وجه أحد) أي ناظرا إليه لاستيلاء الحياء عليه (وأنّه كان يكنّي) بضم ياء وتشديد نون أو بفتح وتخفيف أي يلوح ولا يصرح ويعرض (عمّا اضطرّه الكلام إليه) أي عن شيء لا بد منه ولا يسعه السكوت عنه (ممّا يكره) بصيغة الفاعل لا المفعول كما ضبطه الحلبي أي مما لا يستحسن التصريح به تخلقا بأخلاق ربه واقتداء بآدابه في نحو أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ وقوله تعالى فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وكقوله صلى الله تعالى عليه وسلم في حديث المستيقظ فإنه لا يدري اين باتت يده حيث لم يقل فلعل يده وقعت على دبره أو ذكره أو نجاسة في بدنه ونظائره كثيرة في الأحاديث الصحيحة ثم هذا فيما إذا علم أن السامع يفهم المقصود بالكناية وإلا لكان يصرح لينتفي اللبس والوقوع في خلاف المطلوب وعلى هذا يحمل ما جاء من ذلك مصرحا به والله أعلم، (وعن عائشة رضي الله عنها كما رواه الترمذي في الشمائل (مَا رَأَيْتُ فَرْجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم قطّ) أي أبدا وهو يدل على كمال الحياء من الجانبين لكنها ما استفادت الحياء إلا من حياء سيد الاصفياء وفي رواية عنها ما رأيت منه ولا رأى مني بحذف المفعول وتريد العورة وهو نهاية المبالغة منها في باب حيائها حيث حذفت آلة الكناية عنها وفي الحديث أن من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت وأنشدوا:
إذا لم تخشى عاقبة الليالي
…
ولم تستحي فاصنع ما تشاء
فلا والله ما في العيش خير
…
ولا الدنيا إذا ذهب الحياء