الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(لو أبصرت إلي غنمي) أي تمنيت والتمست منك إن راعيت حفظ ما يتعلق بي (حتّى أدخل مكّة فأسمر بها) بفتح الهمزة وضم الميم أي أحادث ليلا مطلقا أو ليلا مقمرا والسمر في أصله ضوء القمر وجعل الحديث فيه سمرا ومنه قوله تعالى مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ كانوا يجتمعون حول البيت بالليل وكانت عامة سمرهم ذكر القرآن وتسميتهم إياه سمرا فلهذا ذمهم الله بقوله تَهْجُرُونَ (كما يسمر الشّباب) أريد به الجنس ووقع في أصل الدلجي بلفظ الشباب والمعنى فاسمر سمرا مشابها لسمرهم في مشاهدة قمرهم حال سهرهم ورقادهم في سحرهم لغلبة سكرهم وكثرة نكرهم وقلة فكرهم، (فخرجت لذلك) أي لقصد السمر (حتّى جئت أوّل دار من مكّة) أي مما فيها آلات لذات الشهوة (سمعت عزفا) بفتح مهملة فسكون زاء ففاء أي لعبا بالمعازف وهي الملاهي أو صوتا حسنا وغناء في الطباع مستحسنا مختلطا (بالدّفوف والمزامير) أو بسبب ضرب الدفوف وأصوات الملاهي كالعود والطنبور ونحوها (لعرس بعضهم فجلست) أي خارج الباب أو داخله أو بعد الأذن وبعد رفع الحجاب (أنظر) أي حال كوني انظر لعبهم وأتسمع لهوهم أو من أجل أن أنظر إليهم واتسمع لديهم؛ (فضرب) بصيغة المجهول (على أذني) بضم الذال وتسكن وبفتح النون وتشديد ياء المتكلم أو بكسر النون وتخفيف ياء الإضافة على إرادة الجنس أي أنامني الله إنامة ثقيلة لا يمنعني عن النوم اضطراب أصوات ولا كثرة حركات ومنه قوله تعالى فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ أي أنمناهم (فنمت) بكسر النون (فما أيقظني إلّا مسّ الشّمس) أي إصابة حرها على بدني (فرجعت ولم أقض شيئا) أي مما قصدت من المعصية وارتكاب السيئة ولعل سماع المزامير كان مباحا في الشرائع المتقدمة، (ثمّ عراني) أي أصابني (مرّة أخرى مثل ذلك) أي مما هممت به في المرة الأولى فعصمني منها المولى (ثم لم أهمّ) بضم هاء وتشديد ميم مفتوحة ويجوز ضمها وكسرها أي لم أقصد (بعد ذلك) أي ما ذكر من المرتين (بسوء) أي بهم سوء قط وهو بضم السين ويفتح.
فصل [وأما وقاره صلى الله تعالى عليه وسلم]
(وأمّا وقاره صلى الله تعالى عليه وسلم) بفتح الواو رزانته ورصانته وحلمه وتحمله (وصمته) أي وسكوته وسكونه وطمأنينته وسكينته (وتؤدته) بضمتين بضم ففتح همز ويبدل أي تأنيه في قوله وعمله وتثبته ومهلته بلا عجلة (ومروءته) فسكون واو فهمزة وتبدل وتدغم فتشدد (وحسن هديه) أي سيرته وطريقته المشتملة على حقائق شريعته ودقائق حقيقته (فحدّثنا) كذا بالفاء ههنا على ما في النسخ المصححة (أبو عليّ الجيانيّ) بفتح جيم وتشديد تحتية ثم نون وهو الغساني (الحافظ إجازة) أي نوعا من أنواع الإجازة ومنها المناولة ولو بالمكاتبة (وعارضت) أي قابلت (أصلي بكتابه) أي المروي عن مشايخه (قال ثنا) أي حدثنا (أبو العبّاس الدّلائي) بكسر دال مهملة فلام مشددة وقد تخفف بعدها ألف ممدودة (أنا) أي
أخبرنا وفي نسخة ثنا (أبو ذرّ الهرويّ) تقدم ذكره (أنا) أي أخبرنا (أبو عبد الله الورّاق) بتشديد الراء. (ثنا) أي حدثنا (اللّؤلؤيّ) بهمزتين وقد تبدل الأولى (ثنا أبو داود) أي صاحب السنن. (ثنا عبد الرّحمن) أي ابن محمد (بن سلام) بتشديد اللام قيل وهو يكتب بهمزة الابن ههنا إيماء لوجود الفاصلة روى عن ابن المبارك وابن فضالة وروى عنه أبو زرعة (قال ثنا الحجّاج) وفي نسخة صحيحة حجاج (بن محمّد) وهو الأعور المصيصي الحافظ عن ابن جريج وشعبة وعنه أحمد وغيره قال ابن ماجه بلغني أن ابن معين كتب عنه نحوا من خمسين ألف حديث (عن عبد الرّحمن بن أبي الزّناد) وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان روى عن أبيه وشرحبيل بن سعد وعنه هناد وعلي بن حجر (عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ وُهَيْبٍ) بالتصغير وفي نسخة عن وهب وهو تصحيف قال الحلبي هو عمر بن عبد العزيز بن وهيب الأنصاري مولى زيد بن ثابت روى عن خارجة بن زيد وعنه عبد الرحمن ابن أبي الزناد وأخرج له أبو داود في المراسيل هذا الحديث قال الذهبي في الميزان لا يعرف من ذا (سمعت خارجة بن زيد) أي ابن ثابت الأنصاري وهو أحد الفقهاء السبعة بالمدينة المقول فيهم:
ألا كل من لا يهتدي بأئمة
…
فقسمته ضيزى عن الحق خارجه
فخذهم عبيد الله عروة قاسم
…
سعيد أبو بكر سليمان خارجه
وكنيته أبو زيد (يقول) أي خارجة وهو تابعي فيكون حديثه هذا مرسلا وهو حجة عند الجمهور (كان النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم أوقر النّاس) أكثرهم حلما وأعظمهم تحملا في جميع أوقات أنسه لا سيما (في مجلسه) أي المعد لمصاحبة جنسه محافظة على رعاية آدابه تعليما لأصحابه وأحبابه وطلبة حديثه وحملة كتابه (لا يكاد يخرج شيئا من أطرافه) أي من بزاق فمه أو مخاط أنفه أو قطع ظفره أو قلع وسخه ووقع في اصل الدلجي شيء بالرفع وقال في قوله لا يكاد يخرج مبالغة في لا يخرج أي لا يقرب أن يظهر من تحت ثيابه شيء من أطرافه فضلا عن أن يظهر منها شيء انتهى فتدبر واختر ما صفا ودع ما كدر. (وروى أبو سعيد الخدريّ) كما أخرجه عنه أبوداود وكذا الترمذي في شمائله (كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا جلس في المجلس) أي في جنس مجلسه الخاص فيما بين أصحابه (احتبى بيديه) بأن جمع بين ظهره وساقيه إما بيديه أو بثوبه كما في رواية والاسم الحبوة بضم الحاء وكسرها والعامة تقول حبية (ولذلك كان أكثر جلوسه صلى الله تعالى عليه وسلم) أي هيئات جلوسه وحالات قعوده (محتبيا) لكثرة التواضع لديه وعدم التكلف فيما كان سلف العرب عليه ولذا قال أكثر الأوقات إليه وفي الحديث الاحتباء حيطان العرب وأحيانا يقعد على هيئة التحية. (وعن جابر بن سمرة) كما روى مسلم وأبو داود (أنّه تربّع) أي أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان إذا جلس في المجلس تربع أحيانا لقوله
(وربّما) بالتشديد والتخفيف (جلس القرفصاء) بضم القاف والفاء وروي بكسرهما وبمد وقصر فيهما وعن الفراء إذا ضممت مددت وإذا كسرت قصرت ومعناه عن أبي عبيد أن يجلس على اليتيه ملصقا بطنه بفخذيه محتبيا بيديه (وهو) أي جلوسه القرفصاء على ما رواه الترمذي (في حديث قيلة) بفتح قاف فسكون تحتية بنت مخرمة العنبرية وقيل العدوية وقد تقدم (وكان كثير السّكوت) لتفكره في مشاهدة الملكوت وتذكره مطالعة الجبروت (لا يتكلّم في غير حاجة) أي من قضية ضرورية دينية أو دنيوية أو مسألة عملية أو علمية لقوله تعالى وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ولحديث أن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، (يعرض عمّن تكلّم بغير جميل) أي بما لا يستحسن ذكره ولا يباح أمره إذا صدر عمن تكلم بناء على جهله لقوله تعالى وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ والظاهر أن المراد بالإعراض هو الصفح وعدم الاعتراض فيختص بالمكروهات التنزيهية على مقتضى القواعد الشرعية وأما المحرمات القطعية وكذا المكروهات التحريمية فلا بد للشارع من أن يأمر ويزجر قياما بحق النبوة والرسالة وأما قول الدلجي في تفسير غير جميل حراما أو مكروها إذ لا يقر على باطل وإعراضه كاف عن انكاره صريحا لإشعاره بعدم رضاه به فهو ليس من الحمل الجميل لأن الإنكار القلبي لا يكون كافيا إلا للعاجز عن إنكاره بيده ولسانه وهذا غير متحقق في زمانه لا سيما بالنسبة إلى عظمة شأنه وإن كان زماننا هذا يكتفي فيه بالسكوت وملازمة البيوت والقناعة بالقوت إلى أن يموت على محبة الحي الذي لا يموت، (وكان ضحكه) بكسر فسكون وروي بفتح فكسر (تبسّما) أي من جهة الابتدائية كقوله تعالى فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها أو من طريقة الأغلبية لما في الشمائل للترمذي من حديث عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم وأما القهقهة فمنفية ويمكن حمله على ظاهره من عمومه لما في الشمائل أيضا من حديث جابر بن سمرة وكان لا يضحك إلا تبسما لكن الشراح حملوه على غالب حاله وقيل كان لا يضحك في أمر الدنيا إلا تبسما أما في أمر الآخرة فكان قد يضحك حتى تبدو نواجذه على ما في الترمذي أيضا وهو توفيق حسن وجمع مستحسن (وكلامه فصلا) أي وكان كلامه فرقا بين الحق والباطل أو فاصلا بين الحلال والحرام وأو بينا يتبينه كل من سمعه ولا يشتبه على من يتفهمه وما ذلك إلا لجعله تعالى له مبينا للأنام في مشكلات الأحكام كَمَا قَالَ تَعَالَى لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ او مختصرا ملخصا لقوله (لا فضول) بالفتح أي لا زيادة في كلامه (ولا تقصير) أي ولا نقصان عن قدر الحاجة أو لا إيجاز ولا إطناب بل التوسط المحمود في كل باب بالجمع بين المباني اليسيرة والمعاني الكثيرة، (وكان ضحك أصحابه عنده) أي في حضرته (التّبسّم) أي لا غير (توقيرا له) أي تعظيما لحرمته (واقتداء به) أي في كيفية ضحكه وهيئته.
(مجلسه مجلس حكم) بضم فسكون أي مجلس علم بالأحكام أو عمل بالعدل في حق
الأنام ولو ثبت كسر حاء وفتح كا لكان له وجه وجيه في المرام بأن يكون مجلسه للصحبة ملآن من أنواع الحكمة ويؤيده أن رواية الترمذي مجلس علم وفي نسخة بكسر حاء وسكون لام وكذ وقع في أصل الدلجي وهو ملكة تورث التؤدة وعدم العجلة عند حركة الغضب وداعية العقوبة (وحياء) أي ومجلس حياء مشتمل على صفاء وضياء وهي ملكة تمنع مما لا يليق فعله في الحضرة والغيبة (وخير) أي ومجلس كل خير من خيري الدنيا والآخرة فهو تعميم بعد تخصيص (وأمانة) أي مجلس أمانة دون خيانة تخصيص للاهتمام بأمرها لتعلقها بغير صاحبها ولذا ورد لا إيمان لمن لا أمانة له على ما رواه أحمد وابن حبان في صحيحيهما عن أنس رضي الله تعالى عنه (لا ترفع) بصيغة المجهول مذكرا أو مؤنثا (فيه) أي في مجلسه (الأصوات) تأدبا لسيد الكائنات ولقوله سبحانه وتعالى لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ الآيات (ولا تؤبن) بضم فسكون همز وتبدل وفتح موحدة مخففة وقد تشدد أي لا ترمى بصريح ولا تذكر بقبيح (فيه الحرم) بضم وفتح جمع الحرمة وهي ما لا يحل انتهاكه وروي بضمتين بمعنى النساء من الأهل وما يحميه الرجل والمعنى لا تقذف ولا تعاب من ابنته أي رميته بسوء ومنه حديث النهي عن شعر تؤبن فيه النساء وكذا حديث الإفك أشيروا علي في أناس أبنوا أهلي وحاصله أن مجلسه كان يصان من رفث القول وفحش الفعل وقد تصحف على اليمنى حيث قال مأخوذ من المآثر واحدها مأثرة ويحتمل لا تؤبر أي لا تلدغ من أبرته العقرب لدغته انتهى، (إذا تكلّم) أي هو صلى الله تعالى عليه وسلم (أطرق جلساؤه) أي خفضوا رؤوسهم وسكنوا نفوسهم (كأنّما) بزيادة ما الكافة (على رؤوسهم الطّير) يجوز في مثله ثلاثة أوجه بحسب القراءة وهي كسر الهاء وضم الميم وكسرهما وضمهما وفي التشبيه تنبيه على المبالغة في وصفهم بالسكوت والسكينة وعدم الخفة لأن الطير لا يكاد يقع إلا على شيء ساكن من الحركة. (وفي صفته) أي وجاء في نعت مشيه على ما في الشمائل وغيره (يخطو) بضم طاء وسكون واو أي يمشي (تكفّؤا) بضم فاء مشددة فهمزة وتبدل وفي نسخة بكسر فاء وفتح تحتية أي تمايلا إلى قدام قال النووي وزعم كثيرون أن أكثر ما يروى بلا همز وليس كما قالوا انتهى وقال صاحب النهاية هكذا روي غير مهموز والأصل الهمز وبعضهم يرويه مهموزا لأن مصدر تفعل من الصحيح تفعلا كتقدم تقدما وتكفأ تكفؤا والهمزة حرف صحيح وأما إذا اعتل انكسر عينه نحو تسمى تسميا وتخفى تخفيا فإذا خففت الهمزة التحق بالمعتل فصار تكفيا بالكسر (ويمشي هونا) أي مشيا هونا لقوله تعالى وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً أي سكونا لا سريعا ولا بطيئا ولا خيلاء بل افتقارا للحق وتواضعا للخلق وفي رواية الهويني تصغير هوني تأنيث أهون فالتقدير مشية هوينى (كأنّما ينحطّ) بتشديد الطاء أي ينزل (من صبب) بفتحتين وموحدتين أي منحدر ويلزم منه الميل إلى القدام لا السرعة المنافية لمقام المرام كما زعم من ليس له في هذا الفن المام وفي رواية
للترمذي في صبب وهو أظهر فتدبر (وفي الحديث الآخر إذا مشى) أي في جميع أوقاته (مشى مجتمعا) أي مشيا معتدلا مستويا مجتمعا بين توالي حركاته لا متفرقا في حركاته وسكناته وقال الهروي أي ما كان يمشي مسترخيا (يعرف في مشيته) بكسر الميم أي هيئة مشيه وضبط في نسخة بفتحها وهو سهو قلم من كاتبها (أنّه غير غرض) بفتح معجمة وبكسر راء وتنوين معجمة مأخوذ من الغرض بفتحتين وهو الضجر والملال ومنه قول الحسن علم الله أنها بلد غرض فرخص لعباده من شاء أن ينفر في النفر الأول ومن شاء أن ينفر في النفر الآخر وروي بلد غرض بالإضافة والصفة (ولا وكل) بفتحتين على ما في النسخ المصححة ففي القاموس رجل وكل محركة عاجز وقال الدلجي بكسرهما وقال التلمساني الغرض بفتح الراء وروي بكسرها والوكل بفتح الكاف وحكي كسرها والله تعالى أعلم (أي غير ضجر) تفسير من المصنف لغرض على وزانه أي غير قلق وملل (ولا كسلان) تفسير لو كل يعني ولا عاجز يكسل في فعله أي الهداية والدلالة فيكل أمر إلى غيره معتمدا على تحصيله. (وقال عبد الله بن مسعود) فيما رواه البخاري عنه موقوفا (إنّ أحسن الهدي) بفتح فسكون أي السيرة والطريقة المشتملة على حجية الشريعة وحقية الحقيقة وفي نسخة بضم وفتح مقصورا أي الهداية والدلالة (هدي محمّد صلى الله تعالى عليه وسلم) وفي نفس الأمر هديه هدى ربه لفنائه في بقائه فيصح إسناده إليه تارة وإلى ربه أخرى كما قال تعالى قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ وفي آية أخرى قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى. (وعن جابر بن عبد الله) صحابيان أنصاريان رضي الله عنهما كَانَ فِي كَلَامِ رَسُولِ الله صلى الله تعالى عليه وسلم ترتيل) أي تبيين لحروف البناء وتمهيل في كيفية الأداء لقوله تعالى وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا وقوله لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (ترسيل) عطف تفسير وهو موافق لما في المصابيح وفي نسخة صحيحة بأو على أنه شك من الراوي. (وقال ابن أبي هالة) واسمه هند وأمه خديجة رضي الله تعالى عنهما فهو ربيبه صلى الله تعالى عليه وسلم (كان سكوته على أربع) أي على أربعة أحوال والحال يذكر ويؤنث لأنها بمعنى الوصف والصفة (على الحلم) على جهة التحمل مع القدرة والمجاوزة عن المؤاخذة (والحذر) أي الحراسة من عداء المخالفة، (والتّقدير والتّفكّر قالت عائشة) رضي الله تعالى عنها كما رواه الشيخان (كان رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ) أي لو أحصى عدد حروفه المحصي من أهل الحساب (لأحصاه) أي لقدر على إحصائه وعد عدده وجمعه وحفظه وهذا مبالغة في الترتيل والتبيين وقد روي أنه كان صلى الله تعالى عليه وسلم إذا تكلم تكلم ثلاثا ولعل الأول للسماع والثاني للتنبيه والثالث للفكر والأظهر أن الثلاث باعتبار مراتب مدارك العقول من الأعلى والأوسط والأدنى، (وكان صلى الله تعالى عليه وسلم يحبّ الطّيب والرّائحة الطيب) أي الحاصلة من غير جنس الطيب كبعض الأزهار والاثمار (ويستعملهما كثيرا) استعمالا مناسبا لكل منهما مع أنه بذاته بل وبفضلاته طيب كما هو مقرر في محله فكان
استعمالهما لزيادة المبالغة بنية ملاقاة الملائكة ولأنهما يورثان النشاط والقوة (ويحضّ عليهما) أي يحث ويحرض على استعمالهما (ويقول حبّب إليّ من دنياكم النّساء) وفي رواية تأخيره (والطّيب) كما رواه النسائي والحاكم في المستدرك من حديث أنس بإسناد جيد وضعفه العقيلي وليس فيه لفظ ثلاث وإنما وقع في بعض الكتب كالإحياء وغيره فما وقع في بعض النسخ من لفظ ثلاث بعد دنياكم خطأ فاحش ومما يدل على بطلانه تغيير سياق الحديث وتعبيره بقوله، (وجعلت قرّة عيني في الصّلاة) إيماء إلى أن قرة العين ليست من الدنيا لا سيما من الدنيا المضافة إلى غيره صلى الله تعالى عليه وسلم ودفعا لما تكلف بعضهم من أن الصلاة حيث كانت واقعة في الدنيا صحت إضافته إليها في الجملة على اختلاف في أن المراد بالصلاة هل هي العبادة المعروفة أو الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام والله تعالى أعلم بحقيقة المرام ثم تحقيق الكلام ما ذكره حجة الإسلام في الإحياء حيث قال الدنيا والآخرة عبارة عن حالين من أحوال القلب فالقريب الداني منهما يسمى دنيا وهي كل ما قبل الموت والمتراخي المتأخر يسمى آخرة وهي ما بعد الموت ثم الدنيا تنقسم إلى مذمومة وغير مذمومة فغير المذمومة ما يصحب الإنسان في الآخرة ويبقى معه بعد الموت كالعلم والعمل فالعالم قد يأنس بالعلم حتى يصير الذ الأشياء عنده فيهجر النوم والمطعم والمشرب في لذته لأنه اشهى عنده من جميعها فقد صار حظا عاجلا له في الدنيا ولكن لا يعد ذلك من الدنيا المذمومة كذلك العابد قد يأنس بعبادته ويستلذ بها بحيث لو منعت عنه لعظم ذلك عليه حتى قال بعضهم ما أخاف الموت إلا من حيث يحول بيني وبين قيام الليل فقد صارت الصلاة من حظوظه العاجلة وكل حظ عاجل قاسم الدنيا ينطلق عليه من حيث الاشتقاق من الدنو وعلى هذا ينزل جعله عليه الصلاة والسلام الصلاة من حكم ملاذ الدنيا أو لأن كل ما يدخل في الحس والمشاهدة فهو في عالم الشهادة وهو من الدنيا والتلذذ بتحريك الجوارح بالركوع والسجود إنما يكون في الدنيا فلذلك أضافها عليه الصلاة والسلام إلى الدنيا إلا أنها ليست من الدنيا المذمومة في شيء فإن الدنيا المذمومة هي حظ عاجل لا ثمرة له في الآخرة كالتنعم بلذائذ الأطعمة والمباهاة بالقناطير المقنظرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والقصور والدور ونحوها يريد على قدر الضرورة والحاجة (ومن مروءته صلى الله تعالى عليه وسلم) أي أخلاقه المرضية وشمائله البهية (نهيه) كما رواه أحمد (عن النّفخ في الطّعام والشّراب) أي جميعا ولأبي داود وابن ماجه والترمذي وصححه نهيه عن النفخ في الإناء وللترمذي في الشراب لأنه في الطعام يؤذن بالعجلة وشره النهمة وقلة التؤدة وفي الإناء يورث رائحة كريهة ولأنه قد ينفصل بالنفخ فيهما من الفم ما يكون موجبا لنفرة الطبيعة وقيل نفس الآدمي سم (والأمر) كان الأولى ان يقال وأمره ليحسن عطفه على نهيه أي ومن مروءته أيضا الأمر (بالأكل ممّا يليه) أي الآكل بصيغة الفاعل لحديث الشيخين قل بسم الله وكل بيمينك مما يليك على الخلاف في أن الأمر