الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من ثبوتها ووقوعها (اعتقد) بصيغة المجهول وفي نسخة احتمل (وَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ إِذْ لَا اسْتِحَالَةَ فِيهِ) أي في جواز الرؤية وحصولها (ولا مانع قطعيّ) أي من جهة شهود العقل أو ورود النقل (يردّه) أي عند المحقق (والله الموفّق للصّواب) أقول والله سبحانه وتعالى أعلم أنه يمكن الجمع بين الأدلة في هذه المسألة المشكلة بأن ما ورد مما يدل على إثبات الرؤية إنما هو باعتبار تجلي الصفات وما جاء مما يشير إلى نفي الرؤية فهو محمول على تجلي الذات إذ التجلي للشيء إنما يكون بالكشف عن حقيقته وهو محال في حق ذاته تعالى باعتبار احاطته وحياكته كما يدل عليه قوله تعالى لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وقوله سبحانه وتعالى وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ومما يؤيده أنه قال تعالى فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا ففي ذكر الرب والجعل تلويح لما قررناه وكذا في قوله تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ تلميح لما حررنا وكذا في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته تصريح بما قررنا والحاصل أن ما علم يقينا من معرفته في الدنيا يصير عين اليقين بها في العقبى مع أن التجليات الصفاتية الكاشفة عن الحقيقة الذاتية لا نهاية لها في المقامات الأبدية والحالات السرمدية فالسالك المنتهي في السير إلى الله تعالى يكون في الجنة أيضا سائرا في الله كما قال تعالى وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى مع أنه لا نهاية لآخريته كما أنه لا بداية لأوليته فهو الأول والآخر والباطن والظاهر وهو أعلم بالظواهر والضمائر وما كشف للعارفين من الحقائق والسرائر.
فصل [في فوائد متفرقة]
في فوائد متفرقة مما وقع له صلى الله تعالى عليه وسلم في ليلة الإسراء (وأمّا ما ورد في هذه القصّة) أي قصة الإسراء (من مناجاته لله عز وجل أي مكالمته سرا (وكلامه معه) جهرا أو من محادثته صلى الله تعالى عليه وسلم سبحانه وتعالى وكلام الله معه عز شأنه (بقوله) أي بدليل ما ورد من قوله تَعَالَى (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى
[النَّجْمُ: 11] إلى ما تضمّنتصه الأحاديث) أي ما وردت به السنة مما سيذكر في هذا المعنى (فَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمُوحِيَ هُوَ اللَّهُ تعالى إلى جبريل وجبريل إلى محمّد إلّا شذوذا منهم) أي إلا طائفة قليلة من المفسرين خارجة عن جمهورهم منفردة عنهم (فذكر عن جعفر بن محمّد الصّادق) صفة جعفر (قال أوحى إليه بلا واسطة) أي كما يقتضيه مقام الكرامة وحالة المباسطة (ونحوه عن الواسطيّ) أي منقول (وإلى هذا) أي قوله (ذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ مُحَمَّدًا كَلَّمَ رَبَّهُ في الإسراء) أي في ليلته أو حالته (وحكي عن الأشعري) أي القول بأنه كلمه فيها (وَحَكَوْهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنْكَرَهُ) أي نفي تكليمه بلا واسطة (آخرون) وسيرد ما يردهم (وَذَكَرَ النَّقَّاشُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ الإسراء عنه صلى الله تعالى عليه وسلم في قوله دَنا فَتَدَلَّى أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (فارقني جبريل) أي في مقام معين له كما أخبر الله
سبحانه وتعالى عن الملائكة بقوله وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وقال معتذرا لو دنوت انملة لاحترقت (فانقطعت الأصوات عنّي) أي بعد مفارقة جبريل مني وحصل الرعب والوحشة في قلبي (فسمعت كلام ربّي وهو يقول ليهدأ) بكسر لام الأمر ففتح فسكون ففتح فهمز ساكن أي ليسكن (روعك) بفتح الراء أي فزعك وإن روي بضم الراء فالمعنى ليطمئن نفسك فإني معك وأصل الروع بالضم القلب ومنه الحديث نفث جبريل في روعي فيحتمل أنه ذكره لأنه محل الروع فسمي باسم ما حل فيه أو سمي كله باسم القلب الذي فيه الروع فسمي باسم بعضه (يا محمّد ادن) بضم همزة ونون أمر من الدنو (ادن) كرر للتأكيد وإفادة زيادة القرب والتأييد فالدنو بالنسبة إليه صلى الله تعالى عليه وسلم دنو رتبة وقربة ومكانه لا دنو مكان ومسافة ومساحة أو المراد الدنو إلى عرشه المحيط بعلو العالم وفرشه. (وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الْإِسْرَاءِ نَحْوٌ مِنْهُ) أي موقوفا عليه أو مرفوعا عنه فإن صح رفعه وكذا وقفه لأنه يعطى حكمه فلا كلام فيه مع أنه يمكن الجمع بأن ما أوحي إليه من الوحي الجلي وهو القرآن المبين فلا يكون إلا بواسطة جبريل الأمين كما قال تعالى نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ وما أوحي إليه من الوحي الخفي فهو بلا واسطة أحد وبلا تقييد لغة كما هو قضية الإلهام مما لا يخفى على العلماء الأعلام ومشايخ الإسلام من هداة الأنام (وقد احتجّوا) أي الآخرون (في هذا القول) بأنه كلمه بلا واسطة بقوله تعالى وَما كانَ لِبَشَرٍ) أي لآدمي (أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً) كلاما خفيا يدرك بسرعة لا بتأمل وروية وهو إما بطريق المشافهة به كما وقع لنبينا صلى الله تعالى عليه وسلم أو على سبيل الهتف كما حصل لموسى عليه السلام في وادي الطور بطوى (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) أي كما وقع لسائر الأنبياء من الوحي الخفي ولبعض الأصفياء من الإلهام الجلي (أَوْ يُرْسِلَ) أي الله تعالى إلى البشر (رَسُولًا) من الملائكة (فَيُوحِيَ) إليه أي بالواسطة بأن يبلغ الملك الرسول من البشر (بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ [الشورى: 51] ) أي من الإحكام والإنباء وهذا الذي ذكرناه أظهر مما ذكره المصنف بقوله (فقالوا هي) أي الآية الدالة على أنواع الكلام أو مكالمته تعالى للبشر على (ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ كَتَكْلِيمِ مُوسَى هذا) أي أحدها (وبارسال الملائكة) الأظهر الملك بصيغة الإفراد لأن المشهور ان جبريل هو صاحب الوحي ولعل وجه الجمع أنه ما يخلو عن صحبته جماعة من الملائكة كما يستفاد من قوله تعالى عالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا (كحال جميع الأنبياء) الأولى كحال سائر الأنبياء جميعها (وأكثر أحوال نبيّنا صلى الله تعالى عليه وسلم) وهذا هو القسم الثاني قال الواحدي المفسر في قَوْلِهِ تَعَالَى وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى الآية الرسول الذي أرسل إلى الخلق بإخبار جبريل إليه عيانا وحاوره شفاها والنبي الذي تكون نبوته الهاما أو مناما فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا هذا كلام الواحدي قال النووي في تهذيبه فيه نقص في
صفة النبي فإن ظاهره أن النبوة المجردة لا تكون برسالة ملك وليس كذلك. (والثّالث قوله) أي ما أفاده (إلا وحيا) وهو وما بعده أحوال أي إلا موحيا أو مسمعا من حجاب أو مرسلا (ولم يبق من تقسيم صور الكلام) أي المنحصر في هذا المقام ثم الكلام كذا في نسخ الكرام وقال التلمساني الكلام كذا ثبت بخط القاضي المصنف وبخط العراقي المكالمة وهو الصواب بدليل قوله (إلّا المشافهة مع المشاهدة) فاختص بها نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم والله سبحانه وتعالى أعلم وحاصل قوله إنه لم يبق من تقسيم صور الكلام الخ أنه ينبغي أن يحمل قوله وحيا على المشافهة مع المشاهدة إذ لم يبق من التقسيم إلا هذا (وقد قيل الوحي هنا) أي في عالم السماء أو في هذه الآية الاسمى (هو ما يلقيه) أي يقذفه الهاما (في قلب النّبيّ) أي قلب نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم أو النبي من الأنبياء (دون واسطة) أي من الوحي الخفي كما سبق إليه الإشارة (وقد ذكر أبو بكر البزّار) بتشديد الزاء ثم راء نسبة إلى عمل بزر الكتان زيتا بلغة البغداديين (عَنْ عَلِيٍّ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ مَا هُوَ أوضح) أي أظهر وأصرح (في سماع النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم لكلام الله من الآية) أي من الاستدلال بمفهومها من الأقسام الثلاثة وقال الدلجي من آية فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
وهو بعيد كما لا يخفى (فذكر فيه) أي علي مرفوعا أو موقوفا يقتضي أن يكون في الحكم مرفوعا (فقال الملك) بفتح اللام (الله أكبر الله أكبر فقيل لي) فيه دلالة على أن الحديث مرفوع وفي نسخة له أي للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وفيه إشارة إلى أن الحديث موقوف أو نقل بالمعنى (مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ صَدَقَ عَبْدِي أَنَا أَكْبَرُ أنا أكبر، وقال) أي الله تعالى مِنْ وَراءِ حِجابٍ (في سائر كلمات الأذان مثل ذلك) أي صدق عبدي مع ما يناسب ما قبله من النداء وفيه أنه إنما يدل على كلامه بلا واسطة لا مع المشافهة والمشاهدة كما يقتضيه اقسام الآية (ويجيء الكلام في مشكل هذين الحديثين) أي حديث ابن عباس وعلي (في الفصل بعد هذا) أي الفضل (مع ما يشبهه) أي مما ورد في حديث غيرهما (وفي أوّل فصل من الباب منه) أي سيجيء الكلام على دفع إشكال المرام وضمير منه يعود إلى ما في قوله مع ما يشبهه (وكلام الله تعالى لمحمّد) عليه الصلاة والسلام (ومن اختصّه من أنبيائه) كموسى عليه السلام (جَائِزٌ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ عَقْلًا وَلَا وَرَدَ فِي الشّرع يمنعه) أي يمنع جوازه نقلا (فإن صحّ في ذلك خبر) أي في كلامه لغير موسى عليه السلام منهم (اعتمد عليه) بصيغة المجهول وفي نسخة احتمل عليه (وكلامه تعالى لموسى كائن) أي واقع (حقّ) أي ثابت (مقطوع به نصّ ذلك في الكتاب) أي بقوله وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى (وأكّده بالمصدر) أي بقوله تكليما (دلالة) بفتح الدال وتكسر أي علامة (على الحقيقة) أي ودفعا لتوهم ارادة المجاز في القضية بناء على ما ذهب إليه المحققون من أن الفعل إذا أكد بالمصدر دل على الحقيقة ولذا يقال أراد زيد إرادة لا يقال إراد الجدار إرادة لأنه لا يتصور منه حقيقة الإرادة (ورفع مكانه) أي الحسي المشعر بعلو قربه المعنوي (على ما ورد في الحديث) أي جاء التصريح في