المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الصلاة علي الميت في المسجد] - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٢

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا)

- ‌[الدُّعَاءُ بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَنَا فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْأَنِينُ وَالتَّأَوُّهُ وَارْتِفَاعُ بُكَائِهِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[التَّنَحْنُحُ بِلَا عُذْرٍ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[تشميت العاطس فِي الصَّلَاة]

- ‌[الْفَتْحُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْقِرَاءَة مِنْ مُصْحَفٍ فِي الصَّلَاة]

- ‌[الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْعَبَثُ بِالثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فَرْقَعَةُ الْأَصَابِعِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[التَّخَصُّرُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْإِقْعَاءُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[عَقْصُ شَعْرِ الرَّأْسِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[افْتِرَاشُ ذِرَاعَيْهِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[قَتْلُ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْوَطْءُ فَوْقَ الْمَسْجِدِ وَالْبَوْلُ وَالتَّغَوُّطُ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ وَاسْتِدْبَارُهَا]

- ‌ نَقْشُ الْمَسْجِدِ

- ‌[أَعْظَمُ الْمَسَاجِدِ حُرْمَةً]

- ‌(بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ)

- ‌[الْقُنُوت فِي غَيْرِ الْوِتْرِ]

- ‌[الصَّلَاة الْمَسْنُونَة كُلّ يَوْم]

- ‌[الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ فِي نَفْلِ النَّهَارِ وَعَلَى ثَمَانٍ لَيْلًا]

- ‌[الْقِرَاءَةُ فِي رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ]

- ‌[التَّنَفُّلُ قَاعِدًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ]

- ‌[التَّنَفُّلُ رَاكِبًا]

- ‌صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ

- ‌[بَابُ إدْرَاكِ فَرِيضَةِ الصَّلَاة]

- ‌[الْخُرُوج مِنْ الْمَسْجِد بَعْد الْأَذَان]

- ‌[خَافَ فَوْتَ الْفَجْرِ إنْ أَدَّى سُنَّتَهُ]

- ‌[قَضَاء سُنَّةُ الْفَجْرِ]

- ‌[قَضَاء السَّنَة الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ فِي وَقْتِهِ]

- ‌ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ

- ‌[فَضْلَ الْجَمَاعَةِ]

- ‌[أَدْرَكَ إمَامَهُ رَاكِعًا فَكَبَّرَ وَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ]

- ‌(بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ)

- ‌[التَّرْتِيبُ بَيْنَ صَلَاة الْفَائِتَةِ وَالْوَقْتِيَّةِ وَبَيْنَ الْفَوَائِتِ]

- ‌[سُقُوط التَّرْتِيب بَيْن صَلَاةِ الْفَائِتَةِ]

- ‌[صَلَّى فَرْضًا ذَاكِرًا فَائِتَةً]

- ‌(بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ)

- ‌ سُجُودَ السَّهْوِ فِي مُطْلَقِ الصَّلَاةِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْفَرَائِضِ

- ‌[مَحَلُّ سُجُود السَّهْو]

- ‌[سَبَبُ سُجُودُ السَّهْوِ]

- ‌ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ رَكْعَةٍ فَتَذَكَّرَهَا فِي آخِرِ صَلَاةٍ

- ‌[ترك قُنُوتُ الْوِتْرِ]

- ‌[الْإِمَامَ إذَا سَهَا عَنْ التَّكْبِيرَاتِ حَتَّى رَكَعَ]

- ‌[الْإِمَامِ إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ أَوْ خَافَتَ فِيمَا يَجْهَرُ]

- ‌[السَّهْوُ عَنْ السَّلَامِ]

- ‌[تَرَكَ جَمِيعَ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ سَاهِيًا]

- ‌[سَجَدَ لِلْخَامِسَةِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌ سَلَّمَ السَّاهِي فَاقْتَدَى بِهِ غَيْرُهُ

- ‌ شَكَّ أَنَّهُ كَمْ صَلَّى أَوَّلَ مَرَّةٍ

- ‌ تَوَهَّمَ مُصَلِّي الظُّهْرَ أَنَّهُ أَتَمَّهَا فَسَلَّمَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ

- ‌(بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ)

- ‌[تَعَذَّرَ عَلَيَّ الْمَرِيضِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ]

- ‌[تَعَذَّرَ عَلَيَّ الْمَرِيضِ الْقُعُودُ فِي الصَّلَاةُ]

- ‌[لَمْ يَقْدِرْ المصلي الْمَرِيض عَلَى الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ]

- ‌[صَلَّى فِي فُلْكٍ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ]

- ‌[لِلْمُتَطَوِّعِ أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى شَيْءٍ إنْ تَعِبَ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌(بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ)

- ‌[أَرْكَان سُجُود التِّلَاوَة]

- ‌[مَوَاضِع سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ]

- ‌[مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ]

- ‌[تَأْخِيرُ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ عَنْ وَقْتِ الْقِرَاءَةِ]

- ‌[كَيْفِيَّة سُجُود التِّلَاوَة]

- ‌ بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌[اقْتِدَاء مُسَافِرٌ بِمُقِيمٍ فِي الصَّلَاة]

- ‌[قَضَاء فَائِتَةُ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ]

- ‌(بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ)

- ‌[صَلَاة الْجُمُعَةُ بِمِنًى وَعَرَفَاتٍ]

- ‌ أَدَاءُ الْجُمُعَةِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ بِمَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْجُمُعَة]

- ‌[شُرُوطُ وُجُوبِ الْجُمُعَة]

- ‌[أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[الصَّلَاةَ وَالْكَلَامَ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ فِي الْجُمُعَة]

- ‌[السَّعْيُ وَتَرْكُ الْبَيْعِ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ لِلْجُمُعَةِ]

- ‌(بَابُ الْعِيدَيْنِ)

- ‌[الْخُرُوجُ إلَى الْجَبَّانَةِ يَوْم الْعِيدِ]

- ‌[التَّكْبِير يَوْم الْعِيد]

- ‌[مَا يَفْعَلهُ يَوْم الْفِطْر]

- ‌[وَقْتُ صَلَاة الْعِيد]

- ‌[الْأَكْلِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيد]

- ‌[خُطْبَة الْعِيد]

- ‌[الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ فِي الْعِيد]

- ‌[وُقُوفُ النَّاسِ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي غَيْرِ عَرَفَاتٍ تَشَبُّهًا بِالْوَاقِفِينَ بِهَا]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ]

- ‌[بَابُ صَلَاة الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[دُعَاء وَاسْتِغْفَار الِاسْتِسْقَاء]

- ‌[كِتَابُ الْجَنَائِز]

- ‌[أَرْكَانُ وسنن صَلَاة الْجِنَازَة]

- ‌[بَابُ صَلَاة الْخَوْفِ]

- ‌ حُضُورُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَقْتَ الِاحْتِضَارِ

- ‌[مَا يُصْنَعُ بِالْمُحْتَضَرِ]

- ‌[تلقين الشَّهَادَةَ لِلْمُحْتَضِرِ]

- ‌ غُسْلِ الْمَيِّتِ

- ‌[تَكْفِين الْمَيِّت]

- ‌[فَصْلٌ الْأَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيَّ الْمَيِّت]

- ‌[حُكْم صَلَاة الْجِنَازَة]

- ‌[شُرُوط صَلَاة الْجِنَازَة]

- ‌[دُفِنَ الْمَيِّت بِلَا صَلَاةٍ]

- ‌[الصَّلَاة عَلَيَّ الْمَيِّت فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌(بَابُ الشَّهِيدِ)

- ‌(بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ)

- ‌(كِتَابُ الزَّكَاةِ)

- ‌[شُرُوط وُجُوب الزَّكَاة]

- ‌[شُرُوط أَدَاء الزَّكَاة]

- ‌(بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ)

- ‌(بَابُ صَدَقَةِ الْبَقَرِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي زَكَاة الْغَنَمِ]

- ‌[زَكَاة الْخَيْلِ]

- ‌[زَكَاة الْحُمْلَانِ وَالْفُصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ]

- ‌(بَابُ زَكَاةِ الْمَالِ)

- ‌[زَكَاة عُرُوضِ التِّجَارَة]

- ‌(بَابُ الْعَاشِرِ)

- ‌[بَابُ الرِّكَازِ]

- ‌[زَكَاة الْخَمْر وَالْخِنْزِير]

- ‌ لَا يُخَمَّسُ رِكَازٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ

- ‌(بَابُ الْعُشْرِ)

- ‌ حُكْمَ تَعْجِيلِ الْعُشْرِ

- ‌[بَابُ مَصْرِفِ الزَّكَاة]

- ‌[دُفَعُ الزَّكَاةُ إلَى ذِمِّيٍّ]

- ‌[بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَتَكْفِينِ مَيِّتٍ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَشِرَاءِ قِنٍّ مِنْ الزَّكَاةِ]

- ‌[دَفْعُ الزَّكَاة لِلزَّوْجَةِ]

- ‌[دَفْعُ الزَّكَاةِ لِعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَمُعْتَقِ الْبَعْضِ]

- ‌[دَفْعُ الزَّكَاةِ لَغَنِيّ يَمْلِكُ نِصَابًا]

- ‌[دَفْعُ الزَّكَاة إلَى الْأَب وَالْجَدّ أَوْ الو لَدِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ]

- ‌[دَفْعُ الزَّكَاةَ لَبَنِي هَاشِمٍ وَمَوَالِيهِمْ]

- ‌[دَفَعَ الزَّكَاة بِتَحَرٍّ فَبَانَ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَوْ هَاشِمِيٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ]

- ‌(بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ)

- ‌[حُكْم صَدَقَةِ الْفِطْرِ]

- ‌[شُرُوط وُجُوب صَدَقَةِ الْفِطْر]

- ‌[عَنْ مِنْ تَخْرُجْ صَدَقَة الْفِطْر]

- ‌[مِقْدَار صَدَقَة الْفِطْر]

- ‌[وَقْتِ وُجُوبِ أَدَاء صَدَقَةِ الْفِطْرِ]

- ‌(كِتَابُ الصَّوْمِ)

- ‌[شُرُوط الصِّيَامِ]

- ‌[أَقْسَام الصَّوْمِ]

- ‌[بِمَا يَثْبُت شَهْر رَمَضَان]

- ‌(بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ)

- ‌[فَصْلٌ فِي عَوَارِضِ الْفِطْر فِي رَمَضَان]

- ‌[فَصْلٌ مَا يُوجِبُهُ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ]

- ‌(بَابُ الِاعْتِكَافِ)

- ‌[أَقَلُّ الِاعْتِكَافُ]

- ‌[أعتكاف الْمَرْأَةُ]

- ‌(كِتَابُ الْحَجِّ)

- ‌[وَاجِبَاتُ الْحَجِّ]

- ‌مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ

- ‌ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى الْمَوَاقِيتِ

- ‌ مِيقَاتُ الْمَكِّيِّ إذَا أَرَادَ الْحَجَّ

- ‌(بَابُ الْإِحْرَامِ)

- ‌ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ فِي بَدَنِهِ قُبَيْلَ الْإِحْرَامِ

- ‌[قَتْلُ الصَّيْدِ وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ لِلْمُحْرِمِ]

- ‌[لُبْسُ الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْقَبَاءِ وَالْخُفَّيْنِ لِلْمُحْرِمِ]

- ‌[الِاغْتِسَالُ وَدُخُولُ الْحَمَّامِ لِلْمُحْرِمِ]

- ‌[فَصْلٌ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ]

- ‌(بَابُ الْقِرَانِ)

- ‌[بَابُ التَّمَتُّعِ]

الفصل: ‌[الصلاة علي الميت في المسجد]

فَقَامَ وَسَطَهَا» لَا يُنَافِي كَوْنُهُ الصَّدْرَ بَلْ الصَّدْرُ وَسَطٌ بِاعْتِبَارِ تَوَسُّطِ الْأَعْضَاءِ إذْ فَوْقَهُ يَدَاهُ وَرَأْسُهُ وَتَحْتَهُ بَطْنُهُ وَفَخِذَاهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَقَفَ كَمَا قُلْنَا إلَّا أَنَّهُ مَالَ إلَى الْعَوْرَةِ فِي حَقِّهَا فَظَنَّ الرَّاوِي ذَلِكَ لِتَقَارُبِ الْمَحَلَّيْنِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

(قَوْلُهُ، وَلَمْ يُصَلُّوا رُكْبَانًا) ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مِنْ وَجْهٍ لِوُجُودِ التَّحْرِيمَةِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ الْقِيَامَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ احْتِيَاطًا وَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيَامِ فَإِذَا تَرَكَ الْقِيَامَ انْعَدَمَتْ أَصْلًا فَلَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ رُكْنَهَا الْقِيَامُ فَقَطْ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَ النُّزُولُ لِطِينٍ وَمَطَرٍ جَازَ الرُّكُوبُ فِيهَا وَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا لَا تَجُوزُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ، وَلَوْ كَانَ وَلِيُّ الْمَيِّتِ مَرِيضًا فَصَلَّى قَاعِدًا وَصَلَّى النَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا مَا أَجْزَأَهُمْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُجْزِئُ الْإِمَامَ، وَلَا يُجْزِئُ الْمَأْمُومَ بِنَاءً عَلَى اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ.

(قَوْلُهُ وَلَا فِي مَسْجِدٍ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد مَرْفُوعًا «مَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا أَجْرَ لَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ» أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ وَالْقَوْمُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَ الْإِمَامُ مَعَ بَعْضِ الْقَوْمِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ الْبَاقُونَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَيِّتُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ وَالْقَوْمُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ خِلَافًا لِمَا أَوْرَدَهُ النَّسَفِيُّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ فِي الْكَرَاهَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَتَوَابِعِهَا مِنْ النَّوَافِلِ وَالذِّكْرِ وَتَدْرِيسِ الْعِلْمِ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِاحْتِمَالِ تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَوْفَقُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّ الْمَيِّتَ وَبَعْضَ الْقَوْمِ إذَا كَانَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْبَاقُونَ فِيهِ لَا كَرَاهَةَ اتِّفَاقًا مَمْنُوعٌ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْحَدِيثَ يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ: أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي مَسْجِدٍ ظَرْفًا لِلصَّلَاةِ وَالْمَيِّتِ وَحِينَئِذٍ فَلِلْكَرَاهَةِ شَرْطَانِ كَوْنُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَوْنُ الْمَيِّتِ فِيهِ فَإِذَا فُقِدَ أَحَدُهُمَا فَلَا كَرَاهَةَ، الثَّانِي أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِلصَّلَاةِ فَقَطْ فَلَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ كُلُّهُمْ خَارِجَهُ، الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِلْمَيِّتِ فَقَطْ وَحِينَئِذٍ حَيْثُ كَانَ خَارِجَهُ فَلَا كَرَاهَةَ، وَمَا اخْتَارُوهُ كَمَا نَقَلْنَاهُ لَمْ يُوَافِقْ وَاحِدًا مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا بِالْكَرَاهَةِ إذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ: الْمُصَلِّي أَوْ الْمَيِّتُ، كَمَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَتُكْرَهُ سَوَاءً كَانَ الْمَيِّتُ وَالْقَوْمُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ دَلِيلٌ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ بِعَيْنِهِ قَالُوا بِالْكَرَاهَةِ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا أَيًّا كَانَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَهُ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الصَّلَاةِ رَاكِبًا، وَهِيَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ مَعَ أَنَّ فِيهِ إيهَامًا؛ لِأَنَّ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ أَصْلًا، وَفِي الْمَعْطُوفِ هِيَ صَحِيحَةٌ وَالْأُخْرَى أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ نَهْيًا غَيْرَ مَصْرُوفٍ، وَلَا قَرَنَ الْفِعْلَ بِوَعِيدٍ بِظَنِّيٍّ بَلْ سَلَبَ الْأَجْرَ، وَسَلْبُ الْأَجْرِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ لِجَوَازِ الْإِبَاحَةِ ثُمَّ قَرَّرَ تَقْرِيرًا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِالْجَوَازِ فِي الْمَسْجِدِ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ خَارِجُهُ، وَهُوَ مَعْنَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ اهـ.

لَكِنْ تَتَرَجَّحُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي

ــ

[منحة الخالق]

الْإِمَامُ وَكَلَامُ الْوَاقِعَاتِ مُشِيرٌ إلَى مَا ذَكَرْنَا وَحِينَئِذٍ فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْمَسْبُوقِ بِالْأَرْبَعِ بِأَنْ حَضَرَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ لَا يُمْكِنُهُ التَّكْبِيرُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ، وَلَمْ يَبْقَ لِلْإِمَامِ تَكْبِيرٌ لِيُتَابِعَهُ فِيهِ فَتَفُوتُهُ الصَّلَاةُ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ فِيهِ نَظَرٌ) أَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمَعْنَى لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا لِذَاتِهِ إلَّا الْقِيَامُ، وَأَمَّا التَّكْبِيرَاتُ فَإِنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَرْكَانًا إلَّا أَنَّ مَعْنَى الِانْتِقَالِ لَا يُفَارِقُهَا فَهِيَ مَقْصُودَةٌ لِغَيْرِهَا.

[الصَّلَاة عَلَيَّ الْمَيِّت فِي الْمَسْجِدِ]

(قَوْلُهُ مَمْنُوعٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ بِأَنَّ نَفْيَ الْكَرَاهَةِ اتِّفَاقًا فِي حَقِّ مَنْ كَانَ خَارِجًا وَإِثْبَاتَهَا فِيمَنْ كَانَ دَاخِلًا وَهَذَا لَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِهَا فِي حَقِّ الْخَارِجِ بَلْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ وَهَذَا فِقْهٌ حَسَنٌ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ.

وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّ الْمُؤَلِّفَ بَنَى الْمَنْعَ عَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ وُجِدَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ؛ لِأَنَّهُ شَغَلَهُ بِمَا لَمْ يُبْنَ لَهُ نَعَمْ يَظْهَرُ التَّوْفِيقُ عَلَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ لَكِنْ تُرَجَّحُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ كَوْنِهِ، مِثْلُ «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ» ثُمَّ نُقِلَ عَنْ مُفْتِي الْحَنَفِيَّةِ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ قُطْبِ الدِّينِ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ أَنَّهُ أَفْتَى بِالْجَوَازِ وَعَدَمِ الْكَرَاهَةِ كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ذَكَرَهَا فِي الْمُحِيطِ لِتَظَافُرِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ سَلَفًا وَخَلَفًا عَلَى ذَلِكَ دَلِيلًا يُؤَدِّي إلَى تَأْثِيمِ السَّلَفِ، وَقَدْ رَأَيْت رِسَالَةً لِلْمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي مُؤَدَّاهَا ذَلِكَ أَيْضًا لَكِنْ رَدَّ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَلَى قُطْبِ الدِّينِ بِأَنَّهُ لَا يُفْتَى بِخِلَافِ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّهُ جَدِيرٌ بِالتَّرْجِيحِ لِمَا شَاهَدْنَا فِي عَصْرِنَا مِنْ نُفَسَاءَ مَاتَتْ فَوُضِعَتْ فِي بَابِ الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ فَخَرَجَ مِنْهَا دَمٌ ضَمَّخَ الْعَتَبَةَ فَالِاحْتِيَاطُ عَدَمُ الْإِدْخَالِ، وَلَعَلَّ أَهْلَ الْحَرَمَيْنِ عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِنَا. اهـ.

وَلِلْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ رِسَالَةٌ خَاصَّةٌ نَقَلَ فِيهَا الْكَرَاهَةَ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَحَقَّقَ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ

ص: 201

رَوَاهَا الطَّيَالِسِيُّ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الْقَاسِمِيَّةِ مَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ، وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ كَصَاحِبِ الْمَجْمَعِ الْمَسْجِدَ بِالْجَمَاعَةِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَحْتَرِزُونَ بِهِ عَنْ الْمَسْجِدِ الْمَبْنِيِّ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهَا لَا تُكْرَهُ فِيهِ مَعَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ؛ لِأَنَّهُ مَا أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ حَقِيقَةً وَحَاجَةُ النَّاسِ مَاسَّةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَسْجِدًا تَوْسِعَةً لِلْأَمْرِ عَلَيْهِمْ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي مُصَلَّى الْعِيدَيْنِ أَنَّهُ هَلْ هُوَ مَسْجِدٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَسْجِدٌ فِي حَقِّ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ، وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ الصُّفُوفُ؛ لِأَنَّهُ أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ حَقِيقَةً لَا فِي حُرْمَةِ دُخُولِ الْجُنُبِ وَالْحَائِض كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَكَلَامَهُمْ أَنَّهُ لَا أَجْرَ أَصْلًا لِمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ سُقُوطِ الْفَرْضِ لِعَدَمِ الْمُلَازَمَةِ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ رحمه الله مَا إذَا اجْتَمَعَتْ الْجَنَائِزُ لِلصَّلَاةِ قَالُوا الْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ صَلَّى عَلَيْهِمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ شَاءَ صَلَّى عَلَى كُلِّ جِنَازَةِ صَلَاةً عَلَى حِدَةٍ، فَإِنْ أَرَادَ الثَّانِي فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُقَدِّمَ الْأَفْضَلَ فَالْأَفْضَلَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ وَضْعِهَا، فَإِنْ كَانَ الْجِنْسُ مُتَّحِدًا، فَإِنْ شَاءُوا جَعَلُوهَا صَفًّا وَاحِدًا كَمَا يَصْطَفُّونَ فِي حَالِ حَيَاتِهِمْ عِنْدَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ شَاءُوا وَضَعُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ لِيَقُومَ الْإِمَامُ بِحِذَاءِ الْكُلِّ هَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ الثَّانِي أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ وَإِذَا وَضَعُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَفْضَلُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ ثُمَّ إنْ وَضَعَ رَأْسَ كُلِّ وَاحِدٍ بِحِذَاءِ رَأْسِ صَاحِبِهِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ وَضَعَ رَأْسَ كُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَ مَنْكِبِ الْأَوَّلِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ وُضِعَ الرَّجُلُ بَيْنَ يَدَيْ الْإِمَامِ ثُمَّ الصَّبِيُّ وَرَاءَهُ ثُمَّ الْخُنْثَى ثُمَّ الْمَرْأَةُ ثُمَّ الصَّبِيَّةُ

وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُجْعَلَ الْحُرُّ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَيُقَدَّمُ عَلَى الْعَبْدِ، وَلَوْ كَانَ الْحُرُّ صَبِيًّا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا وَامْرَأَةً حُرَّةً فَالْعَبْدُ يُوضَعُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ فَوَضَعَهُمْ عَلَى عَكْسِ هَذَا فَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ إلَى الْقِبْلَةِ وَفِي الرَّجُلَيْنِ يُقَدَّمُ أَكْبَرُهُمَا سِنًّا وَقُرْآنًا وَعِلْمًا كَمَا فَعَلَهُ عليه السلام فِي قَتْلَى أُحُدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. اهـ.

وَفِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ قُدِّمَ الرَّجُلُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْحَيَاةِ، وَلَوْ اجْتَمَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ وَصَبِيٌّ وَخُنْثَى وَصَبِيَّةٌ دُفِنَ الرَّجُلُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ ثُمَّ الصَّبِيُّ خَلْفَهُ ثُمَّ الْخُنْثَى ثُمَّ الْأُنْثَى ثُمَّ الصَّبِيَّةُ؛ لِأَنَّهُمْ هَكَذَا يَصْطَفُّونَ خَلْفَ الْإِمَامِ حَالَةَ الْحَيَاةِ وَهَكَذَا تُوضَعُ جَنَائِزُهُمْ عِنْدَ الصَّلَاةِ فَكَذَا فِي الْقَبْرِ اهـ. وَهُوَ سَهْوٌ فِي قَوْلِهِ وَهَكَذَا تُوضَعُ جَنَائِزُهُمْ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عَلَى عَكْسِهِ.

(قَوْلُهُ، وَمَنْ اسْتَهَلَّ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَا) اسْتِهْلَالُ الصَّبِيِّ فِي اللُّغَةِ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالْبُكَاءِ عِنْدَ وِلَادَتِهِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ هُوَ أَنْ يَقَعَ حَيًّا تَدْرِيسٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَضَبَطَهُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّهُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، وَفِي الشَّرْعِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى حَيَاتِهِ مِنْ رَفْعِ صَوْتٍ أَوْ حَرَكَةِ عُضْوٍ، وَلَوْ أَنْ يَطْرِفَ بِعَيْنِهِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ حُكْمَهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُغَسَّلَ وَأَنْ يَرِثَ وَيُورَثَ وَأَنْ يُسَمَّى، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ حَيًّا لِإِكْرَامِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَنِي آدَمَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ يَحْتَاج أَبُوهُ إلَى أَنْ يَذْكُرَ اسْمَهُ عِنْدَ الدَّعْوَى بِهِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ بِوُجُودِ الْحَيَاةِ فِيهِ إلَى أَنْ يَخْرُجَ أَكْثَرُهُ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِمَا فِي الْمُحِيطِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا خَرَجَ بَعْضُ الْوَلَدِ وَتَحَرَّكَ ثُمَّ مَاتَ، فَإِنْ كَانَ خَرَجَ أَكْثَرُهُ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلُّهُ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ اهـ.

وَفِي آخِرِ الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ الْوَلَدُ إذَا خَرَجَ رَأْسُهُ، وَهُوَ يَصِيحُ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ لَمْ يَرِثْ، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَخْرُجْ أَكْثَرُ بَدَنِهِ حَيًّا، فَإِنْ كَانَ ذَبَحَهُ رَجُلٌ حَالَ مَا يَخْرُجُ رَأْسُهُ فَعَلَيْهِ الْغُرَّةُ، وَإِنْ

ــ

[منحة الخالق]

وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ - (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ الْجِنْسُ مُتَّحِدًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا يُوهِمُ انْحِصَارَ جَوَازِ الصَّفِّ الْوَاحِدِ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ، وَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة يُخَالِفُهُ، وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْحَلَبِيِّ، وَلَوْ اجْتَمَعَتْ الْجَنَائِزُ جَازَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ، وَيَجْعَلُونَ وَاحِدًا خَلْفَ وَاحِدٍ وَيُجْعَلُ الرِّجَالُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ثُمَّ الصِّبْيَانُ ثُمَّ الْخَنَاثَى ثُمَّ النِّسَاءُ، وَإِنْ شَاءُوا جَعَلُوهُمْ صَفًّا وَاحِدًا. اهـ.

فَفِيهِ كَمَا تَرَى جَوَازُ الشَّيْئَيْنِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ سَهْوٌ إلَخْ) أَقُولُ: هُوَ قَوْلٌ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهُ هُنَا فِي فَصْلِ الدَّفْنِ وَذَكَرَ قَبْلَهُ فِي فَصْلِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ يُوضَعُ الرِّجَالُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالنِّسَاءُ خَلْفَ الرِّجَالِ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ؛ لِأَنَّهُمْ هَكَذَا يَصْطَفُّونَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ ثُمَّ إنَّ الرِّجَالَ يَكُونُونَ أَقْرَبَ إلَى الْإِمَامِ مِنْ النِّسَاءِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ يُوضَعُ النِّسَاءُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالرِّجَالَ خَلْفَهُنَّ؛ لِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ صَفُّ النِّسَاءِ خَلْفَ صَفِّ الرِّجَالِ إلَى الْقِبْلَةِ فَكَذَا فِي وَضْعِ الْجَنَائِزِ، وَلَوْ اجْتَمَعَ جِنَازَةُ رَجُلٍ وَصَبِيٍّ وَخُنْثَى وَامْرَأَةٍ وَصَبِيَّةٍ وُضِعَ الرَّجُلُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالصَّبِيُّ وَرَاءَهُ ثُمَّ الْخُنْثَى ثُمَّ الْمَرْأَةُ ثُمَّ الصَّبِيَّةُ؛ لِأَنَّهُمْ هَكَذَا يَقُومُونَ فِي الصَّفِّ خَلْفَ الْإِمَامِ حَالَ الْحَيَاةِ فَيُوضَعُونَ كَذَلِكَ اهـ.

(قَوْلُهُ تَدْرِيسٌ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ هُوَ تَعْلِيمٌ مِنْ حَيْثُ التَّفَرُّسُ فِي أَنَّ لَهُ حَيَاةً لَا أَنْ يَشْهَدَ لَهُ اللُّغَةُ

ص: 202

قَطَعَ أُذُنَهُ وَخَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ اهـ.

وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْبَدَائِعِ اُخْتُلِفَ فِي الِاسْتِهْلَالِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الصِّيَاحَ وَالْحَرَكَةَ يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ وَقَالَا يُقْبَلُ قَوْلُ النِّسَاءِ فِيهِ إلَّا الْأُمُّ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي الْمِيرَاثِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ بِجَرِّهَا الْمَغْنَمَ إلَى نَفْسِهَا، وَإِنَّمَا قُبِلَ قَوْلُ النِّسَاءِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَشْهَدَ لَا يَشْهَدُهُ الرِّجَالُ وَقَوْلُ الْقَابِلَةِ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِمْ وَأُمُّهُ كَالْقَابِلَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ لَكِنْ قُيِّدَ بِالْعَدَالَةِ فَقَالَ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي الدِّيَانَاتِ مَقْبُولٌ إذَا كَانَ عَدْلًا اهـ.

وَلَمَّا كَانَتْ الْحَرَكَةُ دَلِيلَ الْحَيَاةِ قَالُوا الْحُبْلَى إذَا مَاتَتْ وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ يَضْطَرِبُ يُشَقُّ بَطْنُهَا وَيُخْرَجُ الْوَلَدُ لَا يَسَعُ إلَّا ذَلِكَ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا لَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَهِلَّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يُغَسَّلَ، وَلَا يَرِثَ وَلَا يُورَثَ، وَلَا يُسَمَّى وَاتَّفَقُوا عَلَى مَا عَدَا الْغُسْلَ وَالتَّسْمِيَةَ وَاخْتَلَفُوا فِيهِمَا فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَدَمُهُمَا وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ فِعْلَهُمَا، وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ، وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ إذَا وُضِعَ الْمَوْلُودُ سِقْطًا تَامَّ الْخِلْقَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يُغَسَّلُ إكْرَامًا لِبَنِي آدَمَ وَقَالَا يُدْرِجُ فِي خِرْقَةٍ وَلَا يُغَسَّلُ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَامَّ الْخَلْقِ لَا يُغَسَّلُ إجْمَاعًا اهـ.

وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ السِّقْطَ الَّذِي لَمْ تَتِمَّ خِلْقَةُ أَعْضَائِهِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُغَسَّلُ اهـ.

لِمَا سَمِعْت مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ غُسْلِهِ وَلَعَلَّهُ سَبَقَ نَظَرُهُمَا إلَى الَّذِي تَمَّ خَلْقُهُ أَوْ سَهْوٌ مِنْ الْكَاتِبِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ هُنَا بِأَنَّ مَنْ وُلِدَ مَيِّتًا لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا فِي آخِرِ الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الْمُقَطَّعَاتِ وَمَتَى انْفَصَلَ الْحَمْلُ مَيِّتًا إنَّمَا لَا يَرِثُ إذَا انْفَصَلَ بِنَفْسِهِ فَأَمَّا إذَا فُصِلَ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ بَيَانُهُ إذَا ضَرَبَ إنْسَانٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَهَذَا الْجَنِينُ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ عَلَى الضَّارِبِ الْغُرَّةَ وَوُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْحَيِّ دُونَ الْمَيِّتِ وَإِذَا حَكَمْنَا بِحَيَاتِهِ كَانَ لَهُ الْمِيرَاثُ وَيُورَثُ عَنْهُ نَصِيبُهُ كَمَا يُورَثُ عَنْهُ بَدَلُ نَفْسِهِ، وَهُوَ الْغُرَّةُ اهـ.

وَهَكَذَا فِي آخِرِ الْمَبْسُوطِ مِنْ مِيرَاثِ الْحَمْلِ، وَفِي الْمُبْتَغَى السِّقْطُ الَّذِي لَمْ تَتِمَّ أَعْضَاؤُهُ هَلْ يُحْشَرُ قِيلَ إذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ يُحْشَرُ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ إذَا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ يُحْشَرُ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا أَنَّهُ إذَا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ فَإِنَّهُ يُحْشَرُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ اهـ.

(قَوْلُهُ كَصَبِيٍّ سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ) أَيْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُمَا لِلْحَدِيثِ «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ» إلَى آخِرِهِ وَتَقَدَّمَ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ مَعْنَى الْفِطْرَةِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنْ يُسْلِمَ أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ لِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلْمُسْلِمِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ خَيْرَهُمَا دِينًا وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ (أَوْ هُوَ) أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ إذَا أَسْلَمَ وَأَبَوَاهُ كَافِرَانِ لِصِحَّةِ إسْلَامِهِ عِنْدَنَا وَأَطْلَقَهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنْ يَعْقِلَ الْإِسْلَامَ وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهِ فَقِيلَ أَنْ يَعْقِلَ الْمَنَافِعَ وَالْمَضَارَّ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ هُدًى وَاتِّبَاعَهُ خَيْرٌ لَهُ ذَكَرَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَفَسَّرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنْ يَعْقِلَ صِفَةَ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ مَا فِي الْحَدِيثِ «أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ أَيْ بِوُجُودِهِ وَبِرُبُوبِيَّتِهِ لِكُلِّ شَيْءٍ وَمَلَائِكَتِهِ أَيْ بِوُجُودِ مَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ أَيْ إنْزَالِهَا وَرُسُلِهِ أَيْ إرْسَالِهِمْ إلَيْهِمْ عليهم السلام وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَيْ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى» وَهَذَا دَلِيلُ أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالْإِسْلَامِ مَا لَمْ يُؤْمِنْ بِمَا ذَكَرْنَا، وَعَلَى

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ) فِيهِ غَفْلَةٌ عَنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مُتَعَرِّضَةٍ لِلتَّسْمِيَةِ وَعَدَمُهَا نَعَمْ فِي التَّبْيِينِ وَاخْتَلَفُوا فِي غَسْلِهِ وَتَسْمِيَتُهُ فَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَمْ يُغَسَّلْ، وَلَمْ يُسَمَّ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُسَمَّى. اهـ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْفَيْضِ وَالْمَجْمُوعِ، وَفِي تَسْمِيَتِهِ كَلَامٌ قَالَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُ سَبَقَ نَظَرُهُمَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ عَزَاهُ فِي الدِّرَايَةِ إلَى الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ أَفَسَبَقَ نَظَرُ السَّرَخْسِيِّ وَصَاحِبِ الْمُحِيطِ أَيْضًا كَلًّا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ السِّقْطُ الَّذِي لَمْ تَتِمَّ أَعْضَاؤُهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَاخْتَلَفُوا فِي غَسْلِهِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُدْفَنُ مَلْفُوفًا بِخِرْقَةٍ وَعَزَاهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ إلَى النِّهَايَةِ قَالَ وَجَزَمَ بِهِ فِي عُمْدَةَ الْمُفْتِي وَالْفَيْضِ وَالْمَجْمُوعِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْمُبْتَغَى ثُمَّ قَالَ: وَبِهَذَا يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا فِي الْمَنْبَعِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ إجْمَاعًا، وَفِي شَرْحِ ابْنِ الْمَلَكِ وَغُرَرِ الْأَذْكَارِ اتِّفَاقًا، وَمَا فِي الْبَحْرِ غَيْرُ وَاضِحٍ بَلْ الظَّاهِرُ تَضْعِيفُ الْإِجْمَاعِ وَالِاتِّفَاقِ. اهـ.

لَكِنْ فِي الشرنبلالية يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ مَنْ نَفَى غُسْلَهُ أَرَادَ الْغُسْلَ الْمُرَاعَى فِيهِ وَجْهُ السُّنَّةِ، وَمِنْ أَثْبَتَهُ أَرَادَ الْغُسْلَ فِي الْجُمْلَةِ كَصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ وَتَرْتِيبٍ لِفِعْلِهِ كَغُسْلِهِ ابْتِدَاءً بِحُرْضٍ وَسِدْرٍ.

(قَوْلُهُ وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ الْمُرَادُ بِالْعَاقِلِ الْمُمَيِّزُ، وَهُوَ مَنْ بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ فَمَا فَوْقَهَا فَلَوْ ادَّعَى أَبُوهُ أَنَّهُ ابْنُ خَمْسٍ وَأُمُّهُ أَنَّهُ ابْنُ سَبْعٍ عُرِضَ عَلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَرُجِعَ إلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ اهـ.

وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مَا قِيلَ فِي الْحَضَانَةِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْأَبَوَيْنِ فِي سِنِّهِ إذَا كَانَ يَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيَشْرَبُ وَحْدَهُ وَيَسْتَنْجِي وَحْدَهُ فَابْنُ سَبْعٍ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ وَهَذَا دَلِيلُ أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالْإِسْلَامِ فِي نَفْسِ

ص: 203

هَذَا قَالُوا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَاسْتَوْصَفَهَا صِفَةَ الْإِسْلَامِ فَلَمْ تَعْرِفْهُ لَا تَكُونُ مُسْلِمَةً وَالْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ لَيْسَ مَا يَظْهَرُ مِنْ التَّوَقُّفِ فِي جَوَابِ مَا الْإِيمَانُ؟ مَا الْإِسْلَامُ؟ كَمَا يَكُونُ مِنْ بَعْضِ الْعَوَامّ لِقُصُورِهِمْ فِي التَّعْبِيرِ بَلْ قِيَامُ الْجَهْلِ بِذَلِكَ بِالْبَاطِنِ مَثَلًا بِأَنَّ الْبَعْثَ هَلْ يُوجَدُ أَوْ لَا؟ وَأَنَّ الرُّسُلَ وَإِنْزَالَ الْكُتُبِ عَلَيْهِمْ كَانَ أَوْ لَا؟ لَا يَكُونُ فِي اعْتِقَادِهِ اعْتِقَادُ طَرَفِ الْإِثْبَاتِ لِلْجَهْلِ الْبَسِيطِ فَعَنْ ذَلِكَ قَالَتْ لَا أَعْرِفُهُ وَقَلَّ مَا يَكُونُ ذَلِكَ لِمَنْ نَشَأَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّا نَسْمَعُ مِمَّنْ قَدْ يَقُولُ فِي جَوَابِ مَا قُلْنَا لَا أَعْرِفُ، وَهُوَ مِنْ التَّوْحِيدِ وَالْإِقْرَارِ وَالْخَوْفِ مِنْ النَّارِ وَطَلَبِ الْجَنَّةِ بِمَكَانٍ بَلْ وَذَكَرَ مَا يَصْلُحُ اسْتِدْلَالًا فِي أَثْنَاءِ أَحْوَالِهِمْ وَتَكَلُّمِهِمْ عَلَى التَّصْرِيحِ مَا يُصَرِّحُ بِاعْتِقَادِ هَذِهِ الْأُمُورِ وَكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ جَوَابَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إنَّمَا يَكُونُ بِكَلَامٍ خَاصٍّ مَنْظُومٍ وَعِبَارَةٍ عَالِيَةٍ خَاصَّةٍ فَيُحْجِمُونَ عَنْ الْجَوَابِ اهـ.

فَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُسْأَلَ الْعَامِّيُّ وَالْمَرْأَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِأَنْ يُقَالَ مَا الْإِيمَانُ، وَإِنَّمَا يَذْكُرُ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ وَمَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ بِحَضْرَتِهِمَا ثُمَّ يُقَالُ لَهُ هَلْ أَنْتَ مُصَدِّقٌ بِهَذَا فَإِذَا قَالَ نَعَمْ كَانَ ذَلِكَ كَافِيًا.

وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ (أَوْ لَمْ يُسْبَ أَحَدُهُمَا مَعَهُ) أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ إذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ تَبَعًا لِدَارِ الْإِسْلَامِ، وَفِي التَّبْيِينِ أَيْ إذَا لَمْ يُسْبَ مَعَ الصَّبِيِّ أَحَدُ أَبَوَيْهِ فَحِينَئِذٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ تَبَعًا لِلسَّابِي أَوْ الدَّارِ اهـ.

فَجَعَلَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ شَامِلًا لِتَبَعِيَّةِ السَّابِي وَلِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَبَعِيَّةِ السَّابِي فَإِنَّ السَّبْيَ فِي اللُّغَةِ الْأَسْرُ وَالسَّبْيُ الْأَسْرَى الْمَحْمُولُونَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ كَمَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ وَفَائِدَةُ تَبَعِيَّةِ السَّابِي إنَّمَا تَظْهَرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِأَنْ وَقَعَ صَبِيٌّ فِي سَهْمِ رَجُلٍ وَمَاتَ الصَّبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ تَبَعًا لِلسَّابِي وَظَاهِرُ مَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْحَمْلِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ حَتَّى يُسَمَّى سَبْيًا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاخْتُلِفَ بَعْدَ تَبَعِيَّةِ الْوِلَادِ فَاَلَّذِي فِي الْهِدَايَةِ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ، وَفِي الْمُحِيطِ عِنْدَ عَدَمِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ يَكُونُ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْيَدِ وَعِنْدَ عَدَمِ صَاحِبِ الْيَدِ يَكُونُ تَبَعًا لِلدَّارِ وَلَعَلَّهُ أَوْلَى فَإِنَّ مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ صَبِيٌّ مِنْ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَمَاتَ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُجْعَلُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِصَاحِبِ الْيَدِ اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْيَدِ عِنْدَ عَدَمِ الْكَوْنِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَلَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا لِمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ تَقَدُّمِ تَبَعِيَّةِ الْيَدِ عَلَى الدَّارِ

فَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى التَّبَعِيَّةِ بِالْجِهَاتِ الثَّلَاثِ، وَإِنَّمَا مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فِي تَقْدِيمِ الدَّارِ عَلَى الْيَدِ فَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَقَاضِي خَانْ وَجَمْعٌ عَلَى تَقْدِيمِ الدَّارِ عَلَى الْيَدِ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِمَا نَقَلَهُ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ شَرْحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ ذِمِّيٌّ صَبِيًّا وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَاتَ الصَّبِيُّ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيَصِيرُ مُسْلِمًا بِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْأَخْذُ حَتَّى وَجَبَ تَخْلِيصُهُ مِنْ يَدِهِ اهـ.

وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا، وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ تَقْدِيمًا لِتَبَعِيَّةِ الْيَدِ عَلَى الدَّارِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الصَّبِيِّ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ

ــ

[منحة الخالق]

الْأَمْرِ، وَإِلَّا فَفِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ يُكْتَفَى بِالْإِقْرَارِ بِالشَّهَادَتَيْنِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى مَا فِي الْبَاطِنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بَاطِنًا كَالْمُنَافِقِ فَهُوَ مُسْلِمٌ حُكْمًا وَيُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْرُهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَبِّهِ تَعَالَى وَكَمْ كَانَ مِنْ مُنَافِقٍ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ عليه الصلاة والسلام يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ وَفِي مُخْتَصَرِ أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ لِلزُّهَيْرِيِّ عَنْ الْبَدَائِعِ الْكُفَّارُ أَصْنَافٌ أَرْبَعَةٌ صِنْفٌ يُنْكِرُونَ الصَّانِعَ وَهُمْ الدَّهْرِيَّةُ وَصِنْفٌ يُنْكِرُونَ الْوَحْدَانِيَّةَ وَهُمْ الثَّنَوِيَّةُ وَالْمَجُوسُ وَصِنْفٌ يُقِرُّونَ بِالصَّانِعِ وَتَوْحِيدِهِ وَيُنْكِرُونَ الرِّسَالَةَ رَأْسًا وَهُمْ قَوْمٌ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَصِنْفٌ يُقِرُّونَ بِالصَّانِعِ وَتَوْحِيدِهِ وَالرِّسَالَةِ فِي الْجُمْلَةِ لَكِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ رِسَالَةَ رَسُولِنَا عليه الصلاة والسلام وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي فَقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الثَّالِثِ فَقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ يُحْكَمُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنْ هَذِهِ فَكَانَ الْإِقْرَارُ بِهَا دَلِيلَ الْإِيمَانِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الرَّابِعِ فَأَتَى بِهِمَا لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حَتَّى يَتَبَرَّأَ عَنْ الدِّينِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُقِرُّ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام لَكِنَّهُ يَقُولُ بُعِثَ إلَى الْعَرَبِ دُونَ غَيْرِهِمْ. اهـ. مُلَخَّصًا.

ثُمَّ نُقِلَ عَنْ قَاضِي خَانْ أَنَّ فِي الذِّمِّيِّ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ أَيْضًا وَدَخَلْت فِي دِينِ الْإِسْلَامِ ذَكَرَ أَنَّهُ كَمَا يَصِحُّ الْإِسْلَامُ بِالْقَوْلِ يَصِحُّ بِالْفِعْلِ وَسُمِّيَ إيمَانًا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ كَانَ كَمَا إذَا صَلَّى بِجَمَاعَةٍ أَوْ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ أَوْ أَحْرَمَ وَطَافَ أَوْ صَلَّى وَحْدَهُ أَوْ أَدَّى زَكَاةَ الْإِبِلِ أَوْ أَذَّنَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ.

(قَوْلُهُ وَظَاهِرُ مَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ أَنَّهُ لَا بُدَّ إلَخْ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي السَّبْيِ، وَهُوَ مَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يُسَمَّى سَبْيًا فَلَا فَائِدَةَ لِذِكْرِ السَّابِي قُلْت الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ ظَاهِرَهُ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا فِي الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ؛ لِأَنَّهُمَا ذَكَرَا أَنَّهُ يُقَالُ سَبَى الْعَدُوَّ سَبْيًا وَسَبَاهُ أَسَرَهُ كَاسْتَبَاهُ فَهُوَ سَبْيٌ وَهِيَ سَبْيٌ أَيْضًا، وَالْجَمْعُ سَبَايَا فَأَفَادَ أَنَّ السَّبْيَ يُطْلَقُ عَلَى الْأَسْرِ، وَعَلَى الْمَأْسُورِ

ص: 204

بِغَيْرِ الْعَاقِلِ وَقَيَّدَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي تَحْرِيرِهِ بِغَيْرِ الْعَاقِلِ قَالَ: وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا اسْتَقَلَّ بِإِسْلَامِهِ فَلَا يَرْتَدُّ بِرِدَّةٍ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمَا. اهـ.

وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ فَإِنَّهُ عَلَّلَ تَبَعِيَّةَ الْيَدِ بِأَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ وَعَزَاهُ إلَى شَرْحِ الزِّيَادَاتِ فَظَاهِرُهُمَا أَنَّهُ لَوْ سُبِيَ صَبِيٌّ عَاقِلٌ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ الْكَافِرِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ كَافِرًا تَبَعًا لِأَبِيهِ الْكَافِرِ وَيَكُونُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِلدَّارِ وَيَحْتَاجُ إلَى صَرِيحِ النَّقْلِ وَكَلَامُهُمْ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا الْوَلَدَ تَابِعًا لِأَبَوَيْهِ إلَى الْبُلُوغِ وَلَا تَزُولُ التَّبَعِيَّةُ إلَى الْبُلُوغِ نَعَمْ تَزُولُ التَّبَعِيَّةُ إذَا اعْتَقَدَ دِينًا غَيْرَ دِينِ أَبَوَيْهِ إذَا عَقَلَ الْأَدْيَانَ فَحِينَئِذٍ صَارَ مُسْتَقِلًّا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ وَالْمَرْأَةُ حَامِلٌ فَوَضَعَتْ الْمَرْأَةُ الْوَلَدَ ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَحُكْمُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ يُخَالِفُ حُكْمَ الْمِيرَاثِ اهـ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّبَعِيَّةِ التَّبَعِيَّةُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا لَا فِي الْعُقْبَى فَلَا يُحْكَمُ بِأَنَّ أَطْفَالَهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَلْبَتَّةَ بَلْ فِيهِ خِلَافٌ قِيلَ يَكُونُونَ خَدَمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَقِيلَ إنْ كَانُوا قَالُوا: بَلَى يَوْمَ أُخِذَ الْعَهْدُ عَنْ اعْتِقَادٍ فَفِي الْجَنَّةِ وَإِلَّا فَفِي النَّارِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِمْ إنِّي أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا بِغَيْرِ ذَنْبٍ وَهَذَا يَنْفِي التَّفْصِيلَ وَتَوَقَّفَ فِيهِمْ أَبُو حَنِيفَةَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْقُنْيَةِ صَبِيٌّ سُبِيَ مَعَ أَبِيهِ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ مَاتَ الصَّبِيُّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِتَقَرُّرِ التَّبَعِيَّةِ بِالْمَوْتِ اهـ.

وَحُكْمُ الْمَجْنُونِ الْبَالِغِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ كَحُكْمِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ فَيَكُونُ فِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ فِي التَّبَعِيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأُصُولِيُّونَ.

(قَوْلُهُ وَيُغَسِّلُ وَلِيُّ مُسْلِمٍ الْكَافِرَ وَيُكَفِّنُهُ وَيَدْفِنُهُ) بِذَلِكَ أَمَرَ عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنْ يُفْعَلَ بِأَبِيهِ حِينَ مَاتَ وَهَذِهِ عِبَارَةٌ مَعِيبَةٌ غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَيْسَ بِوَلِيِّ الْكَافِرِ، وَمَا فِي الْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْقَرِيبَ فَغَيْرُ مُفِيدٍ؛ لِأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ عَلَى نَفْسِ التَّعْبِيرِ بِهِ بَعْدَ إرَادَةِ الْقَرِيبِ بِهِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَالْأُخْتِ وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ أَطْلَقَ فِي الْغُسْلِ وَالتَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ تَجْهِيزِ الْمُسْلِمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُغَسَّلُ غُسْلَ الثَّوْبِ النَّجِسِ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ، وَلَا بُدَاءَةٍ بِالْمَيَامِنِ، وَلَا يَكُونُ الْغُسْلُ طَهَارَةً لَهُ حَتَّى لَوْ حَمَلَهُ إنْسَانٌ وَصَلَّى لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ وَيُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ بِلَا اعْتِبَارِ عَدَدٍ، وَلَا حَنُوطٍ، وَلَا كَافُورٍ وَيُحْفَرُ لَهُ حَفِيرَةٌ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ سُنَّةِ اللَّحْدِ وَلِأَنَّهُ أَطْلَقَ فِي الْكَافِرِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِغَيْرِ الْمُرْتَدِّ أَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُكَفَّنُ، وَإِنَّمَا يُلْقَى فِي حَفِيرَةٍ كَالْكَلْبِ، وَلَا يُدْفَعُ إلَى مَنْ انْتَقَلَ إلَى دِينِهِمْ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِأَنَّهُ أَطْلَقَ جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرِيبٌ كَافِرٌ، فَإِنْ كَانَ خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَيَتْبَعُ الْجِنَازَةَ مِنْ بَعِيدٍ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالْوَلِيِّ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا مَاتَ، وَلَهُ قَرِيبٌ كَافِرٌ فَإِنَّ الْكَافِرَ لَا يَتَوَلَّى تَجْهِيزَهُ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ الْمُسْلِمُونَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْكَافِرُ فِي قَبْرِ قَرَابَتِهِ الْمُسْلِمِ لِيَدْفِنَهُ، وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ يُمَكَّنُ مِنْ تَجْهِيزِ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ مِنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ إذَا مَاتَ مُسْلِمٌ، وَلَمْ يُوجَدْ رَجُلٌ يُغَسِّلُهُ يُعَلِّمُ النِّسَاءُ الْكَافِرَ فَاسْتِدْلَالٌ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا وُجِدَ الْمُسْلِمُونَ وَدَلِيلُهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الرِّجَالِ أَحَدٌ فَلَوْ قَالَ وَيُغَسِّلُ وَيُكَفِّنُ وَيَدْفِنُ الْمُسْلِمُ قَرِيبَهُ الْكَافِرَ الْأَصْلِيَّ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ السُّنَّةِ لَكَانَ أَوْلَى.

(قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ

ــ

[منحة الخالق]

أَيْ عَلَى الْمَصْدَرِ وَاسْمِ الْمَفْعُولِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ قَيْدِ الْحَمْلِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ نَعَمْ ذُكِرَ ذَلِكَ الْقَيْدُ فِي سَبْيِ الْخَمْرَةِ فَيُقَالُ سَبَيْت الْخَمْرَةَ سَبْيًا وَسِبَاءً إذَا حَمَلْتهَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فَهِيَ سَبِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَكَلَامُهُمْ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ) قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ فِي فَصْلِ الْحَاكِمِ بَعْدَ ذِكْرِ التَّبَعِيَّةِ لِلْأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِلدَّارِ ثُمَّ لِلسَّابِي مَا نَصُّهُ الَّذِي فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَيَسْتَوِي فِيمَا قُلْنَا أَنْ يَعْقِلَ أَوْ لَا يَعْقِلَ إلَى هَذَا أَشَارَ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ فِي شَرْحِهِ أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ يُجْعَلُ مُسْلِمًا تَبَعًا سَوَاءً كَانَ الصَّغِيرُ عَاقِلًا أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الِابْنَ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا. اهـ.

أَقُولُ: وَرَأَيْته أَيْضًا فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِلْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ فِي بَابِ الْوَقْتِ الَّذِي يُمَكَّنُ فِيهِ الْمُسْتَأْمَنُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ خَطَأُ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الَّذِي يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ فَقَدْ نَصَّ هَاهُنَا عَلَى أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا يُمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ. اهـ وَنَصَّ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى أَنَّ التَّبَعِيَّةَ تَنْتَهِي بِبُلُوغِهِ عَاقِلًا.

(قَوْلُهُ وَهَذِهِ عِبَارَةٌ مَعِيبَةٌ غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ ذِكْرِهِ إنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا مَعِيبَةٌ إذْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ إطْلَاقَ الْوَلِيِّ عَلَى الْقَرِيبِ مَجَازٌ لَكِنْ بِقَرِينَةٍ وَهِيَ مَا اُشْتُهِرَ أَنَّهُ لَا تَوَالِي بَيْنَ كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا عَيْبَ فِي الْمَجَازِ الَّذِي مَعَهُ قَرِينَةٌ فِي الْحُدُودِ فَمَا بَالُك فِي غَيْرِهَا، وَلَا نُسَلِّمُ أَيْضًا أَنَّهَا غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ؛ لِأَنَّ جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ جَوَازُ الْغُسْلِ قَالَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ الْكَافِرِ مَنْ يَقُومُ بِهِ مِنْ أَقَارِبِهِ فَالْأَوْلَى لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتْرُكَهُ لَهُمْ كَذَا فِي السِّرَاجِ وَبِهَذَا الْقَدْرِ لَا يَنْتَفِي الْجَوَازُ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَقَدْ تُعُورِفَ إخْرَاجُهُ مِنْ لَفْظِ الْكَافِرِ فَتَدَبَّرْ. وَحَيْثُ كَانَتْ الْعِبَارَةُ وَاقِعَةً مِنْ إمَامِ الْمَذْهَبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَنِسْبَةُ الْعَيْبِ وَعَدَمِ التَّحْرِيرِ إلَيْهَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي كَيْفَ وَقَدْ تَبِعَهُ فِي ذَلِكَ كِبَارُ

ص: 205

سَرِيرُهُ بِقَوَائِمِهِ الْأَرْبَعِ) بِذَلِكَ وَرَدَتْ السُّنَّةُ وَفِيهِ تَكْثِيرُ الْجَمَاعَةِ وَزِيَادَةُ الْإِكْرَامِ وَالصِّيَانَةِ وَيَرْفَعُونَهُ أَخْذًا بِالْيَدِ لَا وَضْعًا عَلَى الْعُنُقِ كَمَا تُحْمَلُ الْأَمْتِعَةُ، وَفِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَيُكْرَهُ أَنْ يُحْمَلَ بَيْنَ عَمُودَيْ السَّرِيرِ مِنْ مُقَدَّمِهِ أَوْ مُؤَخَّرِهِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِيهِ التَّرْبِيعُ وَيُكْرَهُ حَمْلُهُ عَلَى الظَّهْرِ وَالدَّابَّةِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الصَّبِيَّ الرَّضِيعَ أَوْ الْفَطِيمَ أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ قَلِيلًا إذَا مَاتَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْمِلَهُ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَلَى يَدَيْهِ وَيَتَدَاوَلُهُ النَّاسُ بِالْحَمْلِ عَلَى أَيْدِيهِمْ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْمِلَهَا عَلَى يَدَيْهِ، وَهُوَ رَاكِبٌ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا يُحْمَلُ عَلَى الْجِنَازَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَيُعَجَّلُ بِهِ بِلَا خَبَبٍ) وَهُوَ بِمُعْجَمَةِ مَفْتُوحَةٍ وَمُوَحَّدَتَيْنِ ضَرْبٌ مِنْ الْعَدْوِ وَقِيلَ هُوَ كَالرَّمَلِ وَحَدُّ التَّعْجِيلِ الْمَسْنُونِ أَنْ يُسْرَعَ بِهِ بِحَيْثُ لَا يَضْطَرِبُ الْمَيِّتُ عَلَى الْجِنَازَةِ لِلْحَدِيثِ «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَرَّبْتُمُوهُ إلَى الْخَيْرِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» . وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُعَجَّلَ بِتَجْهِيزِهِ كُلُّهُ مِنْ حِينِ يَمُوتُ، وَلَوْ مَشَوْا بِهِ بِالْجَنْبِ كُرِهَ؛ لِأَنَّهُ ازْدِرَاءٌ بِالْمَيِّتِ وَإِضْرَارٌ بِالْمُتَّبِعِينَ، وَفِي الْقُنْيَةِ، وَلَوْ جُهِّزَ الْمَيِّتُ صَبِيحَةَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ يُكْرَهُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ وَدَفْنُهُ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ الْجَمْعُ الْعَظِيمُ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَلَوْ خَافُوا فَوْتَ الْجُمُعَةِ بِسَبَبِ دَفْنِهِ يُؤَخَّرُ الدَّفْنُ وَتُقَدَّمُ صَلَاةُ الْعِيدِ عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَتُقَدَّمُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ عَلَى الْخُطْبَةِ وَالْقِيَاسُ أَنْ تُقَدَّمَ عَلَى صَلَاةِ الْعِيدِ لَكِنَّهُ قَدَّمَ صَلَاةَ الْعِيدِ مَخَافَةَ التَّشْوِيشِ وَكَيْ لَا يَظُنَّهَا مَنْ فِي أُخْرَيَاتِ الصُّفُوفِ أَنَّهَا صَلَاةُ الْعِيدِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَجُلُوسٌ قَبْلَ وَضْعِهَا) أَيْ بِلَا جُلُوسٍ لِمُتَّبِعِهَا قَبْلَ وَضْعِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى التَّعَاوُنِ، وَالْقِيَامُ أَمْكَنُ مِنْهُ فَكَانَ الْجُلُوسُ قَبْلَهُ مَكْرُوهًا وَلِأَنَّ الْجِنَازَةَ مَتْبُوعَةٌ وَهُمْ أَتْبَاعٌ وَالتَّبَعُ لَا يَقْعُدُ قَبْلَ قُعُودِ الْأَصْلِ، قُيِّدَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ وَضْعِهَا؛ لِأَنَّهُمْ يَجْلِسُونَ إذَا وُضِعَتْ عَنْ أَعْنَاقِ الرِّجَالِ وَيُكْرَهُ الْقِيَامُ بَعْدَ وَضْعِهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْعِنَايَةِ وَفِي الْمُحِيطِ خِلَافُهُ قَالَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَجْلِسُوا مَا لَمْ يُسَوُّوا عَلَيْهِ التُّرَابَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَقُومُ حَتَّى يُسَوِّيَ عَلَيْهِ التُّرَابَ» ، وَلِأَنَّ فِي الْقِيَامِ إظْهَارَ الْعِنَايَةِ بِأَمْرِ الْمَيِّتِ وَأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ اهـ.

وَالْأَوْلَى الْأَوَّلُ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ فَأَمَّا بَعْدَ الْوَضْعِ فَلَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَجْلِسُ حَتَّى يُوضَعَ الْمَيِّتُ فِي اللَّحْدِ فَكَانَ قَائِمًا مَعَ أَصْحَابِهِ عَلَى رَأْسِ قَبْرٍ فَقَالَ يَهُودِيٌّ هَكَذَا نَصْنَعُ بِمَوْتَانَا فَجَلَسَ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ خَالِفُوهُمْ» اهـ.

أَيْ فِي الْقِيَامِ فَلِذَا كُرِهَ وَقَيَّدْنَا بِمُتَّبِعِهَا؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُرِدْ اتِّبَاعَهَا وَمَرَّتْ عَلَيْهِ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَقُومُ لَهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنَا بِالْقِيَامِ فِي الْجِنَازَةِ ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَرَنَا بِالْجُلُوسِ» بِهَذَا اللَّفْظِ لِأَحْمَدَ رحمه الله وَصُحِّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ مَنْ فِي الْمُصَلَّى لَا يَقُومُ لَهَا إذَا رَآهَا قَبْلَ أَنْ تُوضَعَ.

(قَوْلُهُ وَمَشَى قُدَّامَهَا) أَيْ بِلَا مَشْيٍ لِمُتَّبِعِهَا أَمَامَهَا؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ خَلْفَهَا أَفْضَلُ عِنْدَنَا لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَقَدْ نُقِلَ فِعْلُ السَّلَفِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَالتَّرْجِيحُ بِالْمَعْنَى فَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ هُمْ شُفَعَاءُ وَالشَّفِيعُ يَتَقَدَّمُ لِيُمَهِّدَ الْمَقْصُودَ وَنَحْنُ نَقُولُ هُمْ مُشَيِّعُونَ فَيَتَأَخَّرُونَ وَالشَّفِيعُ الْمُتَقَدِّمُ هُوَ الَّذِي لَا يَسْتَصْحِبُ الْمَشْفُوعَ لَهُ فِي الشَّفَاعَةِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ بِخِلَافِهِ بَلْ قَدْ ثَبَتَ شَرْعًا إلْزَامُ تَقْدِيمِهِ حَالَةَ الشَّفَاعَةِ لَهُ أَعْنِي حَالَةَ الصَّلَاةِ فَثَبَتَ شَرْعًا عَدَمُ اعْتِبَارِ مَا اعْتَبَرَهُ قَالُوا وَيَجُوزُ الْمَشْيُ أَمَامَهَا إلَّا أَنْ يَتَبَاعَدَ عَنْهَا أَوْ يَتَقَدَّمَ الْكُلُّ فَيُكْرَهُ وَلَا يَمْشِي عَنْ يَمِينِهَا، وَلَا عَنْ شِمَالِهَا وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَذْهَبَ إلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ رَاكِبًا غَيْرَ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ التَّقَدُّمُ أَمَامَ الْجِنَازَةِ بِخِلَافِ الْمَاشِي اهـ.

وَبِهَذَا يَضْعُفُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مَعْزِيًّا إلَى أَبِي يُوسُفَ فَقَالَ رَأَيْت أَبَا حَنِيفَةَ يَتَقَدَّمُ الْجِنَازَةَ، وَهُوَ رَاكِبٌ ثُمَّ قَعَدَ حَتَّى تَأْتِيَهُ كَذَا فِي النَّوَادِرِ اهـ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْمَشْيُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ الرُّكُوبِ كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَفِي الْغَايَةِ اتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ أَفْضَلُ مِنْ النَّوَافِلِ إذَا كَانَ لِجِوَارٍ

ــ

[منحة الخالق]

الْأَئِمَّةِ كَالْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ وَجُلُوسٌ قَبْلَ وَضْعِهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ كَمَا فِي السِّرَاجِ قَالَ الرَّمْلِيُّ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ الْقِيَامُ بَعْدَ وَضْعِهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ ذَكَرَ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ الْآتِي أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَلِذَا كُرِهَ) يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَ الْبَدَائِعِ فَلَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ لَيْسَ جَارِيًا عَلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ فِي اسْتِعْمَالِهِ فِيمَا تَرْكُهُ أَوْلَى.

(قَوْلُهُ قَالُوا وَيَجُوزُ الْمَشْيُ أَمَامَهَا إلَّا أَنْ يَتَبَاعَدَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ

ص: 206

أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ صَلَاحٍ مَشْهُورٍ وَإِلَّا فَالنَّوَافِلُ أَفْضَلُ وَيَنْبَغِي لِمَنْ تَبِعَ جِنَازَةً أَنْ يُطِيلَ الصَّمْتَ وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِمَا فِي الْجِنَازَةِ وَالْكَرَاهَةُ فِيهَا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ فِي فَتَاوَى الْعَصْرِ وَعِنْدَ مَجْدِ الْأَئِمَّةِ التُّرْكُمَانِيِّ وَقَالَ عَلَاءُ الدِّينِ النَّاصِرِيُّ تَرْكُ الْأَوْلَى اهـ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ يَذْكُرُهُ فِي نَفْسِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55] أَيْ الْجَاهِرِينَ بِالدُّعَاءِ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ، وَهُوَ يَمْشِي مَعَهَا اسْتَغْفِرُوا لَهُ غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ، وَفِي الْبَدَائِعِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ مَنْ يَتَّبِعُ جِنَازَةً حَتَّى يُصَلِّيَ؛ لِأَنَّ الِاتِّبَاعَ كَانَ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهَا فَلَا يَرْجِعُ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَلَا يَنْبَغِي لِلنِّسَاءِ أَنْ يَخْرُجْنَ فِي الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَاهُنَّ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ انْصَرِفْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ» وَيُكْرَهُ النَّوْحُ وَالصِّيَاحُ فِي الْجِنَازَةِ وَمَنْزِلِ الْمَيِّتِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فَأَمَّا الْبُكَاءُ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْجِنَازَةِ نَائِحَةٌ أَوْ صَائِحَةٌ زُجِرَتْ، فَإِنْ لَمْ تَنْزَجِرْ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تُتَّبَعَ الْجِنَازَةُ، وَلَا يَمْتَنِعَ لِأَجْلِهَا؛ لِأَنَّ الِاتِّبَاعَ سُنَّةٌ فَلَا تُتْرَكُ بِبِدْعَةٍ مِنْ غَيْرِهِ اهـ.

وَفِي الْمُجْتَبَى قَالَ الْبَقَّالِيُّ إذَا اسْتَمَعَ إلَى بَاكِيَةٍ لِيَلِينَ فَلَا بَأْسَ إذَا أَمِنَ الْوُقُوعَ فِي الْفِتْنَةِ لِاسْتِمَاعِهِ عليه الصلاة والسلام لَبِوَاكِي حَمْزَةَ وَلَا تُتَّبَعُ بِنَارٍ فِي مِجْمَرَةٍ، وَلَا شَمْعٍ، وَلَا بَأْسَ بِمَرْثِيَّةِ الْمَيِّتِ شِعْرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَالتَّعْزِيَةُ لِلْمُصَابِ سُنَّةٌ لِلْحَدِيثِ «مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ» قَالَ الْبَقَّالِيُّ، وَلَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ لِلْعَزَاءِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي بَيْتٍ أَوْ مَسْجِدٍ، وَقَدْ «جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قُتِلَ جَعْفَرٌ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَالنَّاسُ يَأْتُونَ وَيُعَزُّونَهُ» وَالتَّعْزِيَةُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَفْضَلُ وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِلتَّعْزِيَةِ مَكْرُوهٌ، وَفِي غَيْرِهِ جَاءَتْ الرُّخْصَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِلرِّجَالِ وَتَرْكُهُ أَحْسَنُ وَيُكْرَهُ لِلْمُعَزِّي أَنْ يُعَزِّيَ ثَانِيًا اهـ.

وَهِيَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ أَنْ يَقُولَ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَأَحْسَنَ عَزَاك وَغَفَرَ لِمَيِّتِك، وَلَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ إلَيْهَا ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ مِنْ فَرْشِ الْبُسُطِ وَالْأَطْعِمَةِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ عِنْدَ السُّرُورِ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُتَّخَذَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامٌ اهـ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَإِنْ اتَّخَذَ وَلِيُّ الْمَيِّتِ طَعَامًا لِلْفُقَرَاءِ كَانَ حَسَنًا إذَا كَانُوا بَالِغِينَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ صَغِيرٌ لَمْ يُتَّخَذْ ذَلِكَ مِنْ التَّرِكَةِ اهـ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ عَلَى بَابِ الدَّارِ لِلتَّعْزِيَةِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ، وَمَا يُصْنَعُ فِي بِلَادِ الْعَجَمِ مِنْ فَرْشِ الْبُسُطِ وَالْقِيَامِ عَلَى قَوَارِعِ الطُّرُقِ مِنْ أَقْبَحِ الْقَبَائِحِ اهـ.

وَفِي التَّجْنِيسِ وَيُكْرَهُ الْإِفْرَاطُ فِي مَدْحِ الْمَيِّتِ عِنْدَ جِنَازَتِهِ؛ لِأَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يَذْكُرُونَ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ شِبْهُ الْمُحَالِ وَفِيهِ قَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ، وَلَا تَكْنُوا» اهـ.

وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ شَدَّادٍ أَكْرَهُ التَّعْزِيَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ ذَكَرَهُ فِي الْمُجَرَّدِ اهـ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَهَلْ يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يُعَذَّبُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ» وَقَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ لَا يُعَذَّبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وَتَأْوِيلُ الْحَدِيث أَنَّهُمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانُوا يُوصُونَ بِالنَّوْحِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام ذَلِكَ اهـ.

(قَوْلُهُ وَضْعُ مُقَدَّمِهَا عَلَى يَمِينِك ثُمَّ مُؤَخَّرُهَا ثُمَّ مُقَدَّمُهَا عَلَى يَسَارِكَ ثُمَّ مُؤَخَّرِهَا) بَيَانٌ لِإِكْمَالِ السُّنَّةِ فِي حَمْلِهَا عِنْدَ كَثْرَةِ الْحَامِلِينَ إذَا تَنَاوَبُوا فِي حَمْلِهَا وَقَوْلُهُ ثُمَّ مُؤَخَّرُهَا أَيْ عَلَى يَمِينِك وَقَوْلُهُ ثَانِيًا ثُمَّ مُؤَخَّرُهَا أَيْ عَلَى يَسَارِك وَهَذَا؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ» وَإِذَا حَمَلَ هَكَذَا حَصَلَتْ الْبُدَاءَةُ بِيَمِينِ الْحَامِلِ وَيَمِينِ الْمَيِّتِ، وَإِنَّمَا بَدَأَ بِالْأَيْمَنِ الْمُقَدَّمِ دُونَ الْمُؤَخَّرِ؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّمَ أَوَّلُ الْجِنَازَةِ وَالْبُدَاءَةُ بِالشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ أَوَّلِهِ ثُمَّ يَضَعُ مُؤَخَّرَهَا الْأَيْمَنَ عَلَى يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَضَعَ مُقَدَّمَهَا الْأَيْسَرَ عَلَى يَسَارِهِ لَاحْتَاجَ إلَى الْمَشْيِ أَمَامَهَا، وَالْمَشْيُ خَلْفَهَا أَفْضَلُ وَلِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَوْ وَضَعَ مُؤَخَّرَهَا الْأَيْسَرَ عَلَى يَسَارِهِ تَقَدَّمَ الْأَيْسَرُ عَلَى الْأَيْمَنِ، وَإِنَّمَا يَضَعُ مُقَدَّمَهَا الْأَيْسَرَ عَلَى يَسَارِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ هَكَذَا يَقَعُ الْفَرَاغُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ فَيَمْشِي خَلْفَهَا، وَهُوَ أَفْضَلُ لِذَلِكَ كَانَ كَمَالَ السُّنَّةِ كَمَا وَصَفْنَا اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَالتَّعْزِيَةُ لِلْمُصَابِ سُنَّةٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَتُكْرَهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ يُجَدِّدُ الْحُزْنَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعَزِّي أَوْ الْمُعَزَّى غَائِبًا فَلَا بَأْسَ بِهَا وَهِيَ بَعْدَ الدَّفْنِ أَفْضَلُ مِنْهَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ «فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ وَلَا تَكْنُوا» ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ قُلْت قَالَ الْأَزْهَرِيُّ مَعْنَاهُ قُولُوا لَهُ اعْضُضْ بِأَيْرِ أَبِيك، وَلَا تَكْنُوا عَنْ الْأَيْرِ بِالْهَنِ تَأْدِيبًا لَهُ وَتَنْكِيلًا اهـ.

(قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ وَضَعَ مُقَدَّمَهَا الْأَيْسَرَ عَلَى يَسَارِهِ بَعْدَ مُقَدَّمِهَا الْأَيْمَنِ عَلَى يَمِينِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ وَضَعَ مُؤَخَّرَهَا الْأَيْسَرَ عَلَى يَسَارِهِ أَيْ بَعْدَ وَضْعِ مُقَدَّمِهَا الْأَيْمَنِ عَلَى يَمِينِهِ أَوْ بِدُونِهِ ابْتِدَاءً

ص: 207

يُحْمَلَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَشْرُ خُطُوَاتٍ لِلْحَدِيثِ «مَنْ حَمَلَ جِنَازَةً أَرْبَعِينَ خُطْوَةً كَفَّرَتْ أَرْبَعِينَ كَبِيرَةً» كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَفِي حَالَةِ الْمَشْيِ بِالْجِنَازَةِ يُقَدَّمُ الرَّأْسُ وَإِذَا نَزَلُوا بِهِ الْمُصَلَّى فَإِنَّهُ يُوضَعُ عَرْضًا لِلْقِبْلَةِ وَالْمُقَدَّمُ بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ كَذَا فِي الْغَايَةِ، وَكَذَا الْمُؤَخَّرُ، وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ الْمُقَدَّمُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ مُشَدَّدَةً نَقِيضُ الْمُؤَخَّرِ يُقَالُ ضَرَبَ مُقَدَّمَ وَجْهِهِ، وَهُوَ النَّاصِيَةُ اهـ.

(قَوْلُهُ وَيُحْفَرُ الْقَبْرُ وَيُلْحَدُ) لِحَدِيثِ صَاحِبِ السُّنَنِ مَرْفُوعًا «اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا» يُقَالُ لَحَدْت الْمَيِّتَ وَأَلْحَدْت لَهُ لُغَتَانِ وَاللَّحْدُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا كَذَا فِي الْغَايَةِ، وَهُوَ أَنْ يُحْفَرَ الْقَبْرُ بِتَمَامِهِ ثُمَّ يُحْفَرَ فِي جَانِبِ الْقِبْلَةِ مِنْهُ حَفِيرَةٌ يُوضَعُ فِيهَا الْمَيِّتُ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ كَالْبَيْتِ الْمُسَقَّفِ وَالشَّقُّ أَنْ يَحْفِرَ حَفِيرَةً فِي وَسَطِ الْقَبْرِ يُوضَعُ فِيهَا الْمَيِّتُ وَاسْتَحْسَنُوا الشَّقَّ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ رَخْوَةً لِتَعَذُّرِ اللَّحْدِ، وَإِنْ تَعَذَّرَ اللَّحْدُ فَلَا بَأْسَ بِتَابُوتٍ يُتَّخَذُ لِلْمَيِّتِ لَكِنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُفْرَشَ فِيهِ التُّرَابُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّابُوتُ مِنْ حَجَرٍ أَوْ حَدِيدٍ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَذُكِرَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى السَّرَخْسِيِّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُطْرَحَ الْمِضْرَبَةُ فِي الْقَبْرِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ فَغَيْرُ مَشْهُورٍ وَلَا يُؤْخَذُ بِهِ اهـ.

وَاخْتَلَفُوا فِي عُمْقِ الْقَبْرِ فَقِيلَ قَدْرُ نِصْفِ الْقَامَةِ وَقِيلَ إلَى الصَّدْرِ، وَإِنْ زَادُوا فَحَسَنٌ، وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَمِنْ مَاتَ فِي السَّفِينَةِ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُرْمَى فِي الْبَحْرِ اهـ.

وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَرُّ إلَيْهِ قَرِيبًا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُدْفَنَ الْمَيِّتُ فِي الدَّارِ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ السُّنَّةَ كَانَتْ لِلْأَنْبِيَاءِ.

(قَوْلُهُ وَيُدْخَلُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ) وَهُوَ أَنْ تُوضَعَ الْجِنَازَةُ فِي جَانِبِ الْقِبْلَةِ مِنْ الْقَبْرِ وَيُحْمَلَ الْمَيِّتُ مِنْهُ فَيُوضَعَ فِي اللَّحْدِ فَيَكُونَ الْآخِذُ لَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَالَ الْأَخْذِ وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ السَّلَّ وَهُوَ أَنْ تُوضَعَ الْجِنَازَةُ عَلَى يَمِينِ الْقِبْلَةِ وَيُجْعَلَ رِجْلَا الْمَيِّتِ إلَى الْقَبْرِ طُولًا ثُمَّ يُؤْخَذَ بِرِجْلَيْهِ وَتُدْخَلَ رِجْلَاهُ فِي الْقَبْرِ وَيُذْهَبَ بِهِ إلَى أَنْ تَصِيرَ رِجْلَاهُ إلَى مَوْضِعِهِمَا وَيُدْخَلَ رَأْسُهُ الْقَبْرَ وَاضْطَرَبَتْ الرِّوَايَاتُ فِي إدْخَالِهِ عليه الصلاة والسلام وَرَجَّحْنَا الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ جَانِبَ الْقِبْلَةِ مُعَظَّمٌ فَيُسْتَحَبُّ الْإِدْخَالُ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَيَقُولُ وَاضِعُهُ بِاسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ) كَذَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ أَيْ بِاسْمِ اللَّهِ وَضَعْنَاك، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ سَلَّمْنَاك وَزَادَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِاَللَّهِ، وَفِي اللَّهِ وَزَادَ فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ، وَلَيْسَ هَذَا بِدُعَاءٍ لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ عَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ تُبَدَّلَ عَلَيْهِ الْحَالَةُ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يُبَدَّلْ إلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنِينَ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ يَشْهَدُونَ بِوَفَاتِهِ عَلَى الْمِلَّةِ وَعَلَى هَذَا جَرَتْ السُّنَّةُ، وَلَا يَضُرُّ وِتْرٌ دَخَلَ الْقَبْرَ أَمْ شَفْعٌ، وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ الْوِتْرَ اعْتِبَارًا بِعَدَدِ الْكَفَنِ وَالْغُسْلِ وَالْإِجْمَارِ وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا دُفِنَ أَدْخَلَهُ الْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٌّ وَصُهَيْبٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ أَوْلَى بِإِدْخَالِ الْمَرْأَةِ الْقَبْرَ وَكَذَا الرَّحِمِ غَيْرِ الْمَحْرَمِ أَوْلَى مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا بَأْسَ لِلْأَجَانِبِ وَضْعُهَا، وَلَا يُحْتَاجُ إلَى النِّسَاءِ لِلْوَضْعِ (قَوْلُهُ وَوُجِّهَ إلَى الْقِبْلَةِ الْمَيِّتُ) بِذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَكُونُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا دُفِنَ الْمَيِّتُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ وَأَهَالُوا التُّرَابَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُنْبَشُ لِيُجْعَلَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَلَوْ بَقِيَ فِيهِ مَتَاعٌ لِإِنْسَانٍ فَلَا بَأْسَ بِالنَّبْشِ لِإِخْرَاجِ الْمَتَاعِ وَرُوِيَ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ سَقَطَ خَاتَمُهُ فِي قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا زَالَ بِالصَّحَابَةِ حَتَّى رَفَعَ اللَّبِنَ وَأَخَذَ خَاتَمَهُ وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ كَانَ يَفْتَخِرُ بِذَلِكَ وَيَقُولُ أَنَا أَحْدَثُكُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (قَوْلُهُ وَتُحَلُّ الْعُقْدَةُ) لِوُقُوعِ الْأَمْنِ مِنْ الِانْتِشَارِ.

(قَوْلُهُ وَيُسَوَّى اللَّبِنُ عَلَيْهِ وَالْقَصَبُ) ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ عَلَى قَبْرِهِ عليه الصلاة والسلام اللَّبِنُ وَطُنٌّ مِنْ قَصَبٍ وَاللَّبِنُ وَاحِدُهُ لَبِنَةٌ عَلَى وَزْنِ كَلِمَةٍ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الطِّينِ وَالطُّنُّ بِضَمِّ الطَّاءِ الْحُزْمَةُ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 208

وَاخْتُلِفَ فِي الْمَنْسُوجِ مِنْ الْقَصَبِ، وَمَا يُنْسَجُ مِنْ الْبَرْدِيِّ يُكْرَهُ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لِلتَّزْيِينِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى (قَوْلُهُ لَا الْآجُرُّ وَالْخَشَبُ) ؛ لِأَنَّهُمَا لِإِحْكَامِ الْبِنَاءِ وَالْقَبْرُ مَوْضِعُ الْبَلَاء وَلِأَنَّ بِالْآجُرِّ أَثَرَ النَّارِ فَيُكْرَهُ تَفَاؤُلًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُسَوَّى بَيْنَ الْحَجَرِ وَالْآجُرِّ، وَعَلَى الثَّانِي يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا كَذَا فِي الْغَايَةِ وَأَوْرَدَ الْإِمَامُ حَمِيدُ الدِّينِ الضَّرِيرُ عَلَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي أَنَّ الْمَاءَ يُسَخَّنُ بِالنَّارِ وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ اسْتِعْمَاله فَعُلِمَ أَنَّ أَثَرَ النَّارِ لَا يَضُرُّ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِالْفَرْقِ؛ لِأَنَّ أَثَرَ النَّار فِي الْآجُرِّ مَحْسُوسٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَفِي الْمَاءِ لَيْسَ بِمُشَاهَدٍ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْعِهِمَا وَقَيَّدَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ بِأَنْ لَا يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَى الْأَرَاضِي النَّزَّ وَالرَّخَاوَةَ، فَإِنْ كَانَ فَلَا بَأْسَ بِهِمَا كَاتِّخَاذِ تَابُوتٍ مِنْ حَدِيدٍ لِهَذَا وَقَيَّدَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِأَنْ يَكُونَ حَوْلَهُ أَمَّا لَوْ كَانَ فَوْقَهُ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ عِصْمَةً مِنْ السَّبُعِ اهـ. وَفِي الْمُغْرِبِ الْآجُرُّ الطِّينُ الْمَطْبُوخُ.

(قَوْلُهُ وَيُسَجَّى قَبْرُهَا لَا قَبْرُهُ) ؛ لِأَنَّ مَبْنَى حَالِهِنَّ عَلَى السَّتْرِ، وَالرِّجَالِ عَلَى الْكَشْفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِمَطَرٍ أَوْ ثَلْجٍ فِي الْمُغْرِبِ سَجَّى الْمَيِّتَ بِثَوْبٍ سَتَرَهُ

(قَوْلُهُ وَيُهَالُ التُّرَابُ) سَتْرًا لَهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُزَادَ عَلَى التُّرَابِ الَّذِي أُخْرِجَ مِنْ الْقَبْرِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْثَى عَلَيْهِ التُّرَابُ، وَلَا بَأْسَ بِرَشِّ الْمَاءِ عَلَى الْقَبْرِ؛ لِأَنَّهُ تَسْوِيَةٌ لَهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ كَرَاهَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ التَّطْيِينَ

(قَوْلُهُ وَيُسَنَّمُ الْقَبْرُ، وَلَا يُرَبَّعُ) ؛ لِأَنَّهُ «عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْ تَرْبِيعِ الْقُبُورِ» وَمَنْ شَاهَدَ قَبْرَ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام أَخْبَرَ أَنَّهُ مُسَنَّمٌ فِي الْمُغْرِبِ قَبْرٌ مُسَنَّمٌ مُرْتَفِعٌ غَيْرُ مُسَطَّحٍ وَيُسَنَّمُ قَدْرَ شِبْرٍ وَقِيلَ قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، وَمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ «أَنْ لَا أَدَعَ قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْته» فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا زَادَ عَلَى التَّسْنِيمِ وَصَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِوُجُوبِ التَّسْنِيمِ، وَفِي الْمُجْتَبَى بِاسْتِحْبَابِهِ.

(قَوْلُهُ وَلَا يُجَصَّصُ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ» وَأَنْ يُوطَأَ وَالتَّجْصِيصُ طَلْيُ الْبِنَاءِ بِالْجِصِّ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَا يُجَصَّصُ الْقَبْرُ وَلَا يُطَيَّنُ، وَلَا يُرْفَعُ عَلَيْهِ بِنَاءٌ قَالُوا أَرَادَ بِهِ السَّفَطَ الَّذِي يُجْعَلُ فِي دِيَارِنَا عَلَى الْقَبْرِ وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الْيَوْمَ اعْتَادُوا السَّفَطَ، وَلَا بَأْسَ بِالتَّطْيِينِ. اهـ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ وُضِعَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَشْجَارِ أَوْ كُتِبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْبَعْضِ اهـ.

وَالْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ يَمْنَعُ الْكِتَابَة فَلْيَكُنْ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ لَكِنْ فَصَّلَ فِي الْمُحِيطِ فَقَالَ: وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى الْكِتَابَةِ حَتَّى لَا يَذْهَبَ الْأَثَرُ وَلَا يُمْتَهَنُ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَأَمَّا الْكِتَابَةُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلَا اهـ.

وَفِي الْمُجْتَبَى وَيُكْرَهُ أَنْ يَطَأَ الْقَبْرَ أَوْ يَجْلِسَ أَوْ يَنَامَ عَلَيْهِ أَوْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ حَاجَةً مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ يُصَلَّى عَلَيْهِ أَوْ إلَيْهِ ثُمَّ الْمَشْيُ عَلَيْهِ يُكْرَهُ، وَعَلَى التَّابُوتِ يَجُوزُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَالْمَشْيِ عَلَى السَّقْفِ. اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ وَجَدَ طَرِيقًا فِي الْمَقْبَرَةِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ طَرِيقٌ أَحْدَثُوهُ لَا يَمْشِي فِي ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ فِي ضَمِيرِهِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَمْشِيَ فِيهِ اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ عَلَى الْقَبْرِ وَوَطْؤُهُ حِينَئِذٍ فَمَا تَصْنَعُهُ النَّاسُ مِمَّنْ دُفِنَتْ أَقَارِبُهُ ثُمَّ دُفِنَتْ حَوَالَيْهِمْ خَلْقٌ مِنْ وَطْءِ تِلْكَ الْقُبُورِ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى قَبْرِ قَرِيبِهِ مَكْرُوهٌ اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ يُوضَعُ الرَّجُلُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ ثُمَّ خَلْفَهُ الْغُلَامُ ثُمَّ خَلْفَهُ الْخُنْثَى ثُمَّ خَلْفَهُ الْمَرْأَةُ وَيَجْعَلُ بَيْنَ كُلِّ مَيِّتَيْنِ حَاجِزًا مِنْ التُّرَابِ لِيَصِيرَ فِي حُكْمِ قَبْرَيْنِ هَكَذَا «أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ وَقَالَ قَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا» اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُكْرَهُ الدَّفْنُ فِي الْأَمَاكِنِ الَّتِي تُسَمَّى فَسَاقِي اهـ.

وَهِيَ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ عَدَمُ اللَّحْدِ الثَّانِي دَفْنُ الْجَمَاعَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ الثَّالِثُ اخْتِلَاطُ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ مِنْ غَيْرِ حَاجِزٍ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا الرَّابِعُ تَجْصِيصُهَا وَالْبِنَاءُ عَلَيْهَا، وَفِي الْبَدَائِعِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى عَلَى مَيِّتٍ بَيْنَ الْقُبُورِ وَكَانَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ يَكْرَهَانِ ذَلِكَ، فَإِنْ صَلَّوْا أَجْزَأَهُمْ اهـ. .

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَخْ) أَحْسَنَ مِنْ هَذَا مَا فِي النَّهْرِ، وَهُوَ أَنَّ الْآجُرَّ إنَّمَا كُرِهَ فِي الْقَبْرِ تَفَاؤُلًا؛ لِأَنَّ بِهِ أَثَرَ النَّارِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُكْرَهُ الْإِجْمَارُ عِنْدَ الْقَبْرِ وَاتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ بِالنَّارِ بِخِلَافِ الْغُسْلِ بِالْمَاءِ الْحَارِّ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي الْبَيْتِ، وَلَا يُكْرَهُ الْإِجْمَارُ فِيهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّارِحُ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيُسَجَّى قَبْرُهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ فِي كِتَابِ الْخُنْثَى

(قَوْلُهُ بِاسْتِحْبَابِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَهُوَ أَوْلَى.

(قَوْلُهُ الَّتِي تُسَمَّى فَسَاقِي) هِيَ كَبَيْتٍ مَعْقُودٍ بِالْبِنَاءِ يَسَعُ جَمَاعَةً قِيَامًا وَنَحْوَهُ كَذَا فِي الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ وَهِيَ) أَيْ الْكَرَاهَةُ

ص: 209

(قَوْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ مِنْ الْقَبْرِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَغْصُوبَةً) أَيْ بَعْدَ مَا أُهِيلَ التُّرَابُ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ نَبْشِهِ وَصَرَّحُوا بِحُرْمَتِهِ وَأَشَارَ بِكَوْنِ الْأَرْضِ مَغْصُوبَةً إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ نَبْشُهُ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ كَمَا إذَا سَقَطَ فِيهَا مَتَاعُهُ أَوْ كُفِّنَ بِثَوْبٍ مَغْصُوبٍ أَوْ دُفِنَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ أَوْ دُفِنَ مَعَهُ مَالُ أَحْيَاءٍ لِحَقِّ الْمُحْتَاجِ قَدْ «أَبَاحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَبْشَ قَبْرِ أَبِي رَعَالٍ لِعَصًا مِنْ ذَهَبٍ مَعَهُ» كَذَا فِي الْمُجْتَبَى قَالُوا، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ دِرْهَمًا وَدَخَلَ فِيهِ مَا إذَا أَخَذَهَا الشَّفِيعُ فَإِنَّهُ يُنْبَشُ أَيْضًا لِحَقِّهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذُكِرَ فِي التَّبْيِينِ أَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَخْرَجَهُ مِنْهَا وَإِنْ شَاءَ سَاوَاهُ مَعَ الْأَرْضِ وَانْتَفَعَ بِهَا زِرَاعَةً أَوْ غَيْرَهَا وَأَفَادَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ وُضِعَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ أَوْ جُعِلَ رَأْسُهُ فِي مَوْضِعِ رِجْلَيْهِ أَوْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ وَأُهِيلَ عَلَيْهِ التُّرَابُ فَإِنَّهُ لَا يُنْبَشُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّ النَّبْشَ حَرَامٌ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الْمَشَايِخِ فِي امْرَأَةٍ دُفِنَ ابْنُهَا، وَهِيَ غَائِبَةٌ فِي غَيْرِ بَلَدِهَا فَلَمْ تَصْبِرْ وَأَرَادَتْ نَقْلَهُ أَنَّهُ لَا يَسَعُهَا ذَلِكَ فَتَجْوِيزُ شَوَاذِّ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ اهـ.

وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فَشَمَلَ مَا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ كَمَا فِي الْفَتَاوَى، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى نَقْلِ الْمَيِّتِ مِنْ مَكَان إلَى آخَرَ قَبْلَ دَفْنِهِ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ وَالتَّجْنِيسِ: الْقَتِيلُ أَوْ الْمَيِّتُ يُسْتَحَبُّ لَهُمَا أَنْ يُدْفَنَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي قُتِلَ أَوْ مَاتَ فِيهِ فِي مَقَابِرِ أُولَئِكَ الْقَوْمِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا زَارَتْ قَبْرَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما وَكَانَ مَاتَ بِالشَّامِ وَحُمِلَ مِنْ هُنَاكَ فَقَالَتْ: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ فِيك بِيَدِي مَا نَقَلْتُك وَلَدَفَنْتُك حَيْثُ مِتَّ لَكِنْ مَعَ هَذَا إذَا نُقِلَ مِيلًا أَوْ مِيلَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ نُقِلَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فَلَا إثْمَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ يَعْقُوبَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه مَاتَ بِمِصْرَ فَحُمِلَ إلَى أَرْضِ الشَّامِ وَمُوسَى عليه السلام حَمَلَ تَابُوتَ يُوسُفَ عليه السلام بَعْدَ مَا أَتَى عَلَيْهِ زَمَانٌ إلَى أَرْضِ الشَّامِ مِنْ مِصْرَ لِيَكُونَ عِظَامُهُ مَعَ عِظَامِ آبَائِهِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ مَاتَ فِي ضَيْعَةٍ عَلَى أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ مِنْ الْمَدِينَةِ فَحُمِلَ عَلَى أَعْنَاقِ الرِّجَالِ إلَى الْمَدِينَةِ اهـ.

وَفِي التَّبْيِينِ، وَلَوْ بَلِيَ الْمَيِّتُ وَصَارَ تُرَابًا جَازَ دَفْنُ غَيْرِهِ فِي قَبْرِهِ وَزَرْعُهُ وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ. اهـ.

وَفِي الْوَاقِعَاتِ عِظَامُ الْيَهُودِ لَهَا حُرْمَةٌ إذَا وُجِدَتْ فِي قُبُورِهِمْ كَحُرْمَةِ عِظَامِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى لَا تُكْسَرَ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَمَّا حَرُمَ إيذَاؤُهُ فِي حَيَاتِهِ لِذِمَّتِهِ فَتَجِبُ صِيَانَةُ نَفْسِهِ عَنْ الْكَسْرِ بَعْدَ مَوْتِهِ اهـ.

وَلَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ رحمه الله عَلَى زِيَارَةِ الْقُبُورِ، وَلَا بَأْسَ بِبَيَانِهِ تَكْمِيلًا لِلْفَائِدَةِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، وَلَا بَأْسَ بِزِيَارَةِ الْقُبُورِ وَالدُّعَاءِ لِلْأَمْوَاتِ إنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ مِنْ غَيْرِ وَطْءِ الْقُبُورِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنِّي كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، أَلَا فَزُورُوهَا» وَلِعَمَلِ الْأُمَّةِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى يَوْمِنَا هَذَا اهـ.

وَصَرَّحَ فِي الْمُجْتَبَى بِأَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ وَقِيلَ تَحْرُمُ عَلَى النِّسَاءِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الرُّخْصَةَ ثَابِتَةٌ لَهُمَا «وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُ السَّلَامَ عَلَى الْمَوْتَى السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الدَّارُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّا - إنْ شَاءَ اللَّهُ - بِكُمْ لَاحِقُونَ أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ» ، وَلَا بَأْسَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْقُبُورِ وَرُبَّمَا تَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُخَفِّفَ اللَّهُ عَنْ أَهْلِ الْقُبُورِ شَيْئًا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ أَوْ يَقْطَعَهُ عِنْدَ دُعَاءِ الْقَارِئِ وَتِلَاوَتِهِ وَفِيهِ وَرَدَ آثَارُ «مَنْ دَخَلَ الْمَقَابِرَ فَقَرَأَ سُورَةَ يس خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَوْمئِذٍ وَكَانَ لَهُ بِعَدَدِ مَنْ فِيهَا حَسَنَاتٌ» . اهـ

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُكْرَهُ عِنْدَ الْقَبْرِ كُلَّمَا لَمْ يُعْهَدْ مِنْ السُّنَّةِ وَالْمَعْهُودُ مِنْهَا لَيْسَ إلَّا زِيَارَتُهَا وَالدُّعَاءُ عِنْدَهَا قَائِمًا كَمَا كَانَ يَفْعَلُ صلى الله عليه وسلم فِي الْخُرُوجِ إلَى الْبَقِيعِ اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ أَوْ دُفِنَ مَعَهُ مَالٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى امْرَأَةٌ دَفَنَتْ مَعَ بِنْتِهَا مِنْ الْمَصَاغِ وَالْأَسْبَابِ وَالْأَمْتِعَةِ الْمُشْتَرَكَةِ إرْثًا عَنْهَا بِغَيْبَةِ الزَّوْجِ أَنَّهُ يُنْبَشُ لِحَقِّهِ وَإِذَا تَلِفَتْ بِهِ تَضْمَنُ حِصَّتَهُ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ يَعْقُوبَ صَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا، وَلَمْ تَتَوَفَّرْ فِيهِ شُرُوطُ كَوْنِهِ شَرْعًا لَنَا كَذَا فِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْفَتْحِ وَأَوْضَحَهُ بِأَنَّ مِنْ شَرْطِ كَوْنِهِ شَرِيعَةً لَنَا أَنْ يَقُصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ مَا نُقِلَ مِنْ نَقْلِ سَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَإِنْ لَمْ يَرِدْ مَنْ أَنْكَرَهُ لَكِنْ وَرَدَ مَا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - حِينَ نُقِلَ أَخُوهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَنُقِلَ سَعْدٌ دُونَهُ لَكِنْ مَا اسْتَدَلَّ لَهُ بِهِ هُوَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فَلْيُتَأَمَّلْ. قَالَ: وَقَدْ جَزَمَ فِي التَّاجِيَّةِ بِالْكَرَاهَةِ، وَفِي التَّجْنِيسِ وَذَكَرَ أَنَّهُ إذَا مَاتَ فِي بَلْدَةٍ يُكْرَهُ نَقْلُهُ إلَى أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ، وَفِيهِ تَأْخِيرُ دَفْنِهِ وَكَفَى بِذَلِكَ كَرَاهَةً (قَوْلُهُ وَقِيلَ تَحْرُمُ عَلَى النِّسَاءِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَمَّا النِّسَاءُ إذَا أَرَدْنَ زِيَارَةَ الْقُبُورِ إنْ كَانَ ذَلِكَ لِتَجْدِيدِ الْحُزْنِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّدْبِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُنَّ فَلَا تَجُوزُ لَهُنَّ الزِّيَارَةُ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ الْحَدِيثُ «لَعَنَ اللَّهُ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ» ، وَإِنْ كَانَ لِلِاعْتِبَارِ وَالتَّرَحُّمِ وَالتَّبَرُّكِ بِزِيَارَةِ قُبُورِ الصَّالِحِينَ فَلَا بَأْسَ إذَا كُنَّ عَجَائِزَ وَيُكْرَهُ إذَا كُنَّ شَوَابَّ كَحُضُورِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ

ص: 210