الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَكَرَ بَدَلَ الْإِحْرَامِ النِّيَّةَ وَهَذَا أَوْلَى لِاسْتِلْزَامِهِ النِّيَّةَ وَغَيْرَهَا.
وَوَاجِبَاتُهُ أَعْنِي الَّتِي يَلْزَمُ بِتَرْكِ وَاحِدٍ مِنْهَا دَمٌ إنْشَاءُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَمَدُّ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إلَى الْغُرُوبِ وَالْوُقُوفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ فِيمَا بَيْنَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالْحَلْقُ، أَوْ التَّقْصِيرُ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ وَكَوْنُهُ بَعْدَ طَوَافٍ مُعْتَدٍّ بِهِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ وَبِدَايَةُ الطَّوَافِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالتَّيَامُنُ فِيهِ وَالْمَشْيُ فِيهِ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ عُذْرٌ يَمْنَعُهُ مِنْهُ وَالطَّهَارَةُ فِيهِ مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَأَقَلُّ الْأَشْوَاطِ السَّبْعَةِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ وَبِدَايَةُ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ الصَّفَا وَالْمَشْيُ فِيهِ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ عُذْرٌ وَذَبْحُ الشَّاةِ لِلْقَارِنِ، أَوْ الْمُتَمَتِّعِ وَصَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ وَطَوَافُ الصَّدْرِ وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقُ وَالذَّبْحُ يَوْمَ النَّحْرِ وَتَوْقِيتُ الْحَلْقِ بِالْمَكَانِ وَتَوْقِيتُهُ بِالزَّمَانِ وَفِعْلُ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَمَا عَدَا هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ مِمَّا سَيَأْتِي بَيَانُهُ مُفَصَّلًا سُنَنٌ وَآدَابٌ وَأَمَّا مَحْظُورَاتُهُ فَنَوْعَانِ مَا يَفْعَلُهُ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ الْجِمَاعُ وَإِزَالَةُ الشَّعْرِ وَقَلْمُ الْأَظَافِرِ وَالتَّطَيُّبُ وَتَغْطِيَةُ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَلُبْسُ الْمِخْيَطِ وَمَا يَفْعَلُهُ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ حَلْقُ رَأْسِ الْغَيْرِ وَالتَّعَرُّضُ لِلصَّيْدِ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَامِ وَأَمَّا قَطْعُ شَجَرِ الْحَرَمِ فَلَا يَنْبَغِي عَدُّهُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ فَإِنَّ حُرْمَتَهُ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْحَجِّ وَلَا بِالْإِحْرَامِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ كَصَيْدِ الْحَرَمِ وَقَدْ عَدَّهُ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ فَلَا بِدْعَ فِي أَنْ يَكُونَ حَرَامًا بِجِهَتَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى وَلِمَنْ أَرَادَ الْحَجَّ مُهِمَّاتٌ يَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهَا وَهِيَ الْبِدَايَةُ بِالتَّوْبَةِ بِشُرُوطِهَا مِنْ رَدِّ الْمَظَالِمِ إلَى أَهْلِهَا عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَقَضَاءِ مَا قَصَّرَ فِي فِعْلِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالنَّدَمُ عَلَى تَفْرِيطِهِ فِي ذَلِكَ وَالْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَالِاسْتِحْلَالُ مِنْ ذَوِي الْخُصُومَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَتَحْصِيلُ رِضَا مَنْ يَكْرَهُ السَّفَرَ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْعُيُونِ إذَا أَرَادَ الِابْنُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحَجِّ وَأَبُوهُ كَارِهٌ لِذَلِكَ إنْ كَانَ الْأَبُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ خِدْمَتِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا يُكْرَهُ وَكَذَا الْأُمُّ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الضَّعْفَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَا إنْ كَرِهَتْ خُرُوجَهُ زَوْجَتُهُ وَمَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ مُطْلَقًا وَفِي النَّوَازِلِ إنْ كَانَ الِابْنُ أَمْرَدَ صُبَيْحَ الْوَجْهِ لِلْأَبِ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ الْخُرُوجِ حَتَّى يَلْتَحِيَ وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا لَا يَخْرُجُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمْرَدَ. اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ كَالْأَبَوَيْنِ عِنْدَ فَقْدِهِمَا وَيُكْرَهُ الْخُرُوجُ لِلْغَزْوِ وَالْحَجُّ لِمَدْيُونٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يَقْضِي بِهِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْغَرِيمُ فَإِنْ كَانَ بِالدَّيْنِ كَفِيلٌ بِإِذْنِهِ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَإِنْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَبِإِذْنِ الطَّالِبِ وَحْدَهُ. اهـ.
وَهَذَا كُلُّهُ فِي حَجِّ الْفَرْضِ أَمَّا فِي حَجِّ النَّفْلِ فَطَاعَةُ الْوَالِدَيْنِ أَوْلَى مُطْلَقًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَطِ وَيُشَاوِرُ ذَا رَأْيٍ فِي سَفَرِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا فِي نَفْسِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ خَيْرٌ وَكَذَا يَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِي ذَلِكَ وَيَجْتَهِدُ فِي تَحْصِيلِ نَفَقَةٍ حَلَالٍ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ بِالنَّفَقَةِ الْحَرَامِ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مَعَ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُ مَعَهَا وَإِنْ كَانَتْ مَغْصُوبَةً وَلَا تَنَافِي بَيْنَ سُقُوطِهِ وَعَدَمِ قَبُولِهِ فَلَا يُثَابُ لِعَدَمِ الْقَبُولِ وَلَا يُعَاقَبُ فِي الْآخِرَةِ عِقَابَ تَارِكِ الْحَجِّ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ رَفِيقٍ صَالِحٍ يُذَكِّرُهُ إذَا نَسِيَ وَيُصَبِّرُهُ إذَا جَزِعَ وَيُعِينُهُ إذَا عَجَزَ وَكَوْنُهُ مِنْ الْأَجَانِبِ أَوْلَى مِنْ الْأَقَارِبِ عِنْدَ بَعْضِ الصَّالِحِينَ تَبَعُّدًا مِنْ سَاحَةِ الْقَطِيعَةِ وَيَرَى الْمُكَارَى مَا يَحْمِلُهُ وَلَا يَحْمِلُ أَكْثَرَ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ وَيُقَالُ إنَّهُ الشَّافِعِيُّ وَقِيلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَقِيلَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ مُطَالَعَةً لِيَحْمِلَهَا إلَى إنْسَانٍ فَامْتَنَعَ مِنْ حَمْلِهَا بِدُونِ إذْنِ الْمُكَارِي لِكَوْنِهِ لَمْ يُشَارِطْهُ عَلَى ذَلِكَ وَرَعًا مِنْ فَاعِلِهِ وَكَذَا يُحْتَرَزُ مِنْ تَحْمِيلِهَا فَوْقَ مَا تُطِيقُ وَمِنْ تَقْلِيلِ عَلَفِهَا الْمُعْتَادِ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَلَوْ مَمْلُوكَةً لَهُ وَفِي إجَارَةِ الْخُلَاصَةِ حَمْلُ الْبَعِيرِ
ــ
[منحة الخالق]
تَرَى (قَوْلُهُ: لِاسْتِلْزَامِهِ النِّيَّةَ وَغَيْرَهَا) ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ هُوَ النِّيَّةُ وَالتَّلْبِيَةُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا أَيْ مِنْ الذِّكْرِ أَوْ تَقْلِيدِ الْبَدَنَةِ مَعَ السَّوْقِ كَمَا فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ لِلْقَارِي.
[وَاجِبَاتُ الْحَجِّ]
(قَوْلُهُ: وَالْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ) فِيهِ أَنَّ أَحَدَ هَذَيْنِ شَرْطٌ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ لَهُ اعْتِبَارَاتٍ فَاعْتِبَارُ شَرْطِيَّتِهِ بِصِحَّتِهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي الْحَجِّ وَبَعْدَ أَكْثَرِ الطَّوَافِ فِي الْعُمْرَةِ وَاعْتِبَارُ وُجُوبِهِ كَوْنُهُ بَعْدَ الرَّمْيِ فِي الْحَجِّ وَبَعْدَ السَّعْيِ فِي الْعُمْرَةِ وَاعْتِبَارُ جَوَازِهِ كَوْنُ وَقْتِهِ طُولَ الْعُمُرِ كَمَا أَفَادَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَقُولُ: فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ الْآتِي وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ لَيْسَ وَاجِبًا آخَرَ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ هُنَا وَالْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ، تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ مُطَالَعَةً) الَّذِي فِي النَّهْرِ بِطَاقَةً وَهِيَ الرُّقْعَةُ الصَّغِيرَةُ الْمَرْبُوطَةُ بِالثَّوْبِ الَّتِي فِيهَا رَقْمُ ثَمَنِهِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْمَكْتُوبُ (قَوْلُهُ: وَفِي إجَارَةِ الْخُلَاصَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ نَقَلَهُ فِيهَا عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَأَقُولُ: لَعَمْرِي هَذَا إجْحَافٌ عَلَى الْحِمَارِ وَإِنْصَافٌ فِي حَقِّ الْجَمَلِ فَتَأَمَّلْ وَذَكَرَ فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّ الْمَنَّ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ أُوقِيَّةً وَالْأُوقِيَّةُ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَهِيَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَالْمِائَتَانِ وَأَرْبَعُونَ مَنًّا هِيَ الْوَسْقُ فَيَكُونُ حِمْلُ الْجَمَلِ وَسْقًا وَهُوَ بِالْأَرْطَالِ الرَّمْلِيَّةِ تِسْعَةٌ وَسِتُّونَ رَطْلًا وَثُلُثُ رَطْلٍ وَهُوَ قِنْطَارٌ دِمَشْقِيٌّ تَقْرِيبًا عَلَى أَنَّ الرَّطْلَ الرَّمْلِيَّ تِسْعُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَيُلَائِمُ تَفْسِيرَ الْوَسْقِ بِحِمْلِ الْبَعِيرِ مِائَتَانِ وَأَرْبَعُونَ مَنًّا وَلَا يُلَائِمُ التَّفْسِيرَ بِغَيْرِهِ تَأَمَّلْ
مِائَتَانِ وَأَرْبَعُونَ مَنًّا وَحَمْلُ الْحِمَارِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ مَنًّا قَالُوا وَلَا يُشَارِكُ فِي الزَّادِ وَاجْتِمَاعِ الرُّفْقَةِ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى طَعَامِ أَحَدِهِمْ أَحَدٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مَا إذَا عُلِمَتْ الْمُسَامَحَةُ بَيْنَهُمَا فَلَهُ الْمُشَارَكَةُ وَإِلَّا شَارَكَ فَالِاسْتِحْلَالُ مِنْ الشُّرَكَاءِ مَخْلَصٌ وَتَجْرِيدُ السَّفَرِ عَنْ التِّجَارَةِ أَحْسَنُ، وَلَوْ اتَّجَرَ لَا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ كَالْغَازِي إذَا اتَّجَرَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي السِّيَرِ وَأَمَّا عَنْ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَالْفَخْرِ ظَاهِرًا، أَوْ بَاطِنًا فَفَرْضٌ وَخَلْطُ التِّجَارَةِ بِهَذَا الْقِسْمِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي وَأَمَّا الرُّكُوبُ فِي الْمَحْمِلِ فَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ خَوْفًا مِمَّا ذَكَرْنَا وَلَمْ يَكْرَهْهُ بَعْضُهُمْ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ ذَلِكَ فَفِي التَّحْقِيقِ لَا اخْتِلَافَ وَرُكُوبُ الْجَمَلِ أَفْضَلُ وَيُكْرَهُ الْحَجُّ عَلَى الْحِمَارِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ بِدَلِيلِ أَفْضَلِيَّةِ مَا قَابَلَهُ وَالْمَشْيُ أَفْضَلُ مِنْ الرُّكُوبِ لِمَنْ يُطِيقُهُ وَلَا يُسِيءُ خُلُقُهُ وَأَمَّا حَجُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَاكِبًا فَلِأَنَّهُ كَانَ الْقُدْوَةَ فَكَانَتْ الْحَاجَةُ مَاسَّةً إلَى ظُهُورِهِ لِيَرَاهُ النَّاسُ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَحَلِّهِ وَلَا يُمَاكِسُ فِي شِرَاءِ الْأَدَوَاتِ وَالزَّادِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ خُرُوجَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، أَوْ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَفْعَلُ مَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِي آدَابِ السَّفَرِ.
(قَوْلُهُ: فُرِضَ مَرَّةً عَلَى الْفَوْرِ) أَيْ فُرِضَ الْحَجُّ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ وَالْفَوْرُ فِي اللُّغَةِ مِنْ فَوْرِ الْقِدْرِ غَلَيَانِهَا وَفِعْلُ ذَلِكَ مِنْ فَوْرِهِ أَيْ مِنْ وَجْهِهِ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ فَوْرِ الْقِدْرِ قَبْلَ أَنْ تَسْكُنَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا} [آل عمران: 125] وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ فَرْضِيَّتَهُ قَصْدًا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَسَائِلِ الِاعْتِقَادِيَّةِ فَلَيْسَتْ مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّ مَسَائِلَهُ ظَنِّيَّةٌ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ وَدَلِيلُهُ الْقُرْآنِيُّ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَالسُّنَّةُ كَثِيرَةٌ وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا يَتَعَدَّدُ فَلِأَنَّ سَبَبَهُ وَهُوَ الْبَيْتُ كَذَلِكَ وَأَمَّا تَكَرُّرُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ مَعَ اتِّحَادِ الْمَالِ فَلِأَنَّ سَبَبَهُ هُوَ النَّامِي تَقْدِيرًا وَتَقْدِيرُ النَّمَاءِ دَائِرٌ مَعَ حَوْلَانِ الْحَوْلِ إذَا كَانَ الْمَالُ مُعَدًّا لِلِاسْتِنْمَاءِ فِي الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ وَتَقْدِيرُ النَّمَاءِ الثَّابِتِ فِي هَذَا الْحَوْلِ غَيْرُ تَقْدِيرِ النَّمَاءِ فِي حَوْلٍ آخَرَ فَالْمَالُ مَعَ هَذَا النَّمَاءِ غَيْرُ الْمَجْمُوعِ مِنْهُ وَمِنْ النَّمَاءِ الْآخَرِ فَيَتَعَدَّدُ حُكْمًا كَتَعَدُّدِ الْوُجُوبِ بِتَعَدُّدِ النِّصَابِ وَلِرِوَايَةِ أَحْمَدَ مَرْفُوعًا «الْحَجُّ مَرَّةً فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ»
وَأَمَّا كَوْنُهُ عَلَى الْفَوْرِ فَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ عَلَى التَّرَاخِي وَالتَّعْجِيلُ أَفْضَلُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْأَمْرَ إنَّمَا هُوَ طَلَبُ الْمَأْمُورِ بِهِ وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْفَوْرِ وَلَا عَلَى التَّرَاخِي فَأَخَذَ بِهِ مُحَمَّدٌ وَقَوَّاهُ بِأَنَّهُ عليه السلام حَجَّ سَنَةَ عَشْرٍ وَفَرْضِيَّةُ الْحَجِّ كَانَتْ سَنَةَ تِسْعٍ فَبَعَثَ أَبَا بَكْرٍ حَجَّ بِالنَّاسِ فِيهَا وَلَمْ يَحُجَّ هُوَ إلَى الْقَابِلَةِ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فَقَالَا الِاحْتِيَاطُ فِي تَعْيِينِ أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ فِي السَّنَةِ وَالْمَوْتُ فِي سَنَةٍ غَيْرُ نَادِرٍ فَتَأْخِيرُهُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ فِي وَقْتِهِ تَعْرِيضٌ لَهُ عَلَى الْفَوَاتِ فَلَا يَجُوزُ وَبِهَذَا حَصَلَ الْجَوَابُ عَنْ تَأْخِيرِهِ عليه الصلاة والسلام إذْ لَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ تَعْرِيضُ الْفَوَاتِ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلْفَوْرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعِيشُ حَتَّى يَحُجَّ وَيُعَلِّمَ النَّاسَ مَنَاسِكَهُمْ تَكْمِيلًا لِلتَّبْلِيغِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ عُلِمَ أَنَّ الْفَوْرِيَّةَ ظَنِّيَّةٌ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الِاحْتِيَاطِ ظَنِّيٌّ وَمُقْتَضَاهُ الْوُجُوبُ فَإِذَا أَخَّرَهُ وَأَدَّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَعَ أَدَاءً وَيَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا أَخَّرَهُ فَعَلَى الصَّحِيحِ يَأْثَمُ وَيَصِيرُ فَاسِقًا مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِيرَ فَاسِقًا مِنْ أَوَّلِ سَنَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَتَوَالَى عَلَيْهِ سُنُونَ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَغِيرَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا وَلَا يَصِيرُ فَاسِقًا بِارْتِكَابِهَا مَرَّةً بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِصْرَارِ عَلَيْهَا وَإِذَا حَجَّ فِي آخِرِ عُمُرِهِ ارْتَفَعَ الْإِثْمُ اتِّفَاقًا قَالَ الشَّارِحُ
وَلَوْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَثِمَ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَقِيلَ يَأْثَمُ مُطْلَقًا وَقِيلَ لَا يَأْثَمُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا وَشَارَكَ فَالِاسْتِحْلَالُ مِنْ الشُّرَكَاءِ مَخْلَصٌ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا وَإِلَّا فَلَا يُشَارِكُ وَفِي بَعْضِهَا وَإِلَّا لَا وَلَوْ شَارَكَ فَالِاسْتِحْلَالُ مَخْلَصٌ وَهِيَ أَحْسَنُ (قَوْلُهُ: خَوْفًا مِمَّا ذَكَرْنَا) مِنْ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَالْفَخْرِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْبَيْتُ كَذَلِكَ) أَيْ لَا يَتَعَدَّدُ (قَوْلُهُ ارْتَفَعَ الْإِثْمُ اتِّفَاقًا) كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْإِثْمِ إثْمُ تَفْوِيتِ الْحَجِّ لَا إثْمُ تَأْخِيرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا مَرَّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَثِمَ بِالْإِجْمَاعِ أَيْ إثْمَ تَفْوِيتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِتَأْخِيرِهِ عَرَضَهُ عَلَى الْفَوَاتِ اهـ.
وَفِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ نَظَرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ بَحْثُ الْمُؤَلِّفِ فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَنَقْلُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَمَا ذَاكَ إلَّا فِي التَّأْخِيرِ إذْ لَا شَكَّ فِي إثْمِ تَارِكِ فَرْضٍ قَطْعِيٍّ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فَرْضًا وَلَا وَاجِبًا فَالْمُرَادُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إثْمُ التَّأْخِيرِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَالَ فِي الْفَتْحِ ثُمَّ عَلَى مَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ فَلَوْ حَجَّ بَعْدَهُ ارْتَفَعَ الْإِثْمُ اهـ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ فَيَأْثَمُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ بِالتَّأْخِيرِ إلَى غَيْرِهِ بِلَا عُذْرٍ إلَّا إذَا أَدَّى وَلَوْ فِي آخَرِ عُمُرِهِ فَإِنَّهُ رَافِعٌ لِلْإِثْمِ بِلَا خِلَافٍ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مِنْ عَدَمِ ارْتِفَاعِ الْإِثْمِ عِنْدَ الثَّانِي (قَوْلُهُ: فَقِيلَ يَأْثَمُ مُطْلَقًا) قَالَ فِي النَّهْرِ لَمْ أَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ الْقَوْلَ بِالْإِثْمِ مُطْلَقًا إذْ بِتَقْدِيرِهِ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا سَهْوٌ نَعَمْ الْمَنْقُولُ عَنْهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا يَأْثَمُ إذَا حَجَّ قَبْلَ مَوْتِهِ فَإِذَا مَاتَ بَعْدَ الْإِمْكَانِ وَلَمْ يَحُجَّ ظَهَرَ أَنَّهُ أَثِمَ وَنَقَلَ
مُطْلَقًا وَقِيلَ إنْ خَافَ الْفَوَاتَ بِأَنْ ظَهَرَتْ لَهُ مَخَائِلُ الْمَوْتِ فِي قَلْبِهِ فَأَخَّرَهُ حَتَّى مَاتَ أَثِمَ وَإِنْ فَجْأَهُ الْمَوْتُ لَا يَأْثَمُ وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَتَضْعِيفُ الْقَوْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَفُوتُ الْقَوْلُ بِفَرْضِيَّةِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهَا الْإِثْمُ عِنْدَ عَدَمِ الْفِعْلِ سَوَاءٌ كَانَ مُضَيَّقًا، أَوْ مُوَسَّعًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ فَائِدَتُهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وُجُوبُ الْإِيصَاءِ عَلَيْهِ قُبَيْلَ مَوْتِهِ فَإِذَا لَمْ يُوصِ يَأْثَمُ لِتَرْكِ هَذَا الْوَاجِبِ لَا لِتَرْكِ الْحَجِّ وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فُرِضَ مَرَّةً أَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا فَهُوَ تَطَوُّعٌ وَيَشْهَدُ لَهُ الْحَدِيثُ السَّابِقُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْحَجَّ لَا يُوصَفُ بِالنَّفْلِيَّةِ بَلْ الْمَرَّةُ الْأُولَى فَرْضُ عَيْنٍ وَمَا زَادَ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ؛ لِأَنَّ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ أَنْ يَحُجَّ الْبَيْتَ كُلَّ عَامٍ وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا بَلْ صَرَّحُوا بِالنَّفْلِيَّةِ فَقَالُوا حَجُّ النَّفْلِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا نَذَرَ الْحَجَّ فَإِنَّهُ يَصِيرُ فَرْضًا أَيْضًا وَمِنْ فُرُوعِهِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ مِائَةُ حِجَّةٍ لَزِمَتْهُ كُلُّهَا، وَلَوْ قَالَ أَنَا أَحُجُّ لَا حَجَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنَا أَحُجُّ يَلْزَمُهُ عِنْدَ الشَّرْطِ
وَلَوْ قَالَ الْمَرِيضُ إنْ عَافَانِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ مَرَضِي هَذَا فَعَلَيَّ حِجَّةٌ فَبَرِئَ لَزِمَتْهُ حِجَّةٌ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ حِجَّةٌ لِلَّهِ؛ لِأَنَّ الْحِجَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِلَّهِ، وَلَوْ بَرَأَ وَحَجَّ جَازَ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ نَوَى غَيْرَ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ. اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى حِجَّةِ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ نِيَّتِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى غَيْرِ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ فِي كِتَابِ الْأُضْحِيَّةَ لَكِنْ عَلَّلَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَرِيضَ الَّذِي فَرَّطَ فِي الْفَرْضِ حَتَّى مَرِضَ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْحَجَّ يَتَّصِفُ بِالْحُرْمَةِ إذَا كَانَ الْمَالُ حَرَامًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَكُونُ وَاجِبًا وَهُوَ مَا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَإِنَّهُمْ قَالُوا يَجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ إمَّا الْحَجُّ، أَوْ الْعُمْرَةُ فَإِذَا اخْتَارَ الْحَجَّ فَإِنَّهُ يَتَّصِفُ بِالْوُجُوبِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ يَتَّصِفُ بِالْكَرَاهَةِ وَهُوَ حَجُّهُ بِغَيْرِ إذْنِ أَبَوَيْهِ بِشَرْطِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَتَحَرَّرَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَكُونُ فَرْضًا وَوَاجِبًا وَنَفْلًا وَحَرَامًا وَمَكْرُوهًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَّصِفُ بِالْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَضْعًا.
(قَوْلُهُ: بِشَرْطِ حُرِّيَّةٍ وَبُلُوغٍ وَعَقْلٍ وَصِحَّةٍ وَقُدْرَةٍ زَادَ وَرَاحِلَةٍ فَضَلَتْ عَنْ مَسْكَنِهِ وَعَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ وَنَفَقَةِ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ وَعِيَالِهِ) فَلَا حَجَّ عَلَى عَبْدٍ وَلَوْ مُدَبَّرًا، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ، أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُبَعَّضًا، أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْحَجِّ، وَلَوْ كَانَ بِمَكَّةَ لِعَدَمِ مِلْكِهِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِالْمَالِ غَالِبًا بِخِلَافِهِمَا وَلِفَوَاتِ حَقِّ الْمَوْلَى فِي مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ بِإِذْنِ الشَّرْعِ وَالْمَوْلَى وَإِنْ أَذِنَهُ فَقَدْ أَعَارَهُ مَنَافِعَهُ وَالْحَجُّ لَا يَجِبُ بِقُدْرَةٍ عَارِيَّةٍ وَلَا عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَفِي الْمَعْتُوهِ
ــ
[منحة الخالق]
الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَصِحَّةُ الْأَوَّلِ غَنِيَّةٌ عَنْ الْوَجْهِ وَعَلَى اعْتِبَارِهِ قِيلَ يَظْهَرُ الْإِثْمُ مِنْ السَّنَةِ الْأُولَى وَقِيلَ مِنْ الْأَخِيرَةِ مِنْ سَنَةِ رَأَى فِي نَفْسِهِ الضَّعْفَ وَقِيلَ يَأْثَمُ فِي الْجُمْلَةِ غَيْرَ مَحْكُومٍ بِمُعَيَّنٍ بَلْ عِلْمُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى اهـ.
وَلَا يَخْفَى عَلَيْك مَا فِيهِ فَإِنَّ مَا ادَّعَى عَدَمَ رُؤْيَتِهِ نَقَلَهُ بِيَدِهِ وَتَلَفَّظَهُ بِفِيهِ وَهُوَ قَوْلُ الْفَتْحِ فَإِذَا مَاتَ بَعْدَ الْإِمْكَانِ وَلَمْ يَحُجَّ ظَهَرَ أَنَّهُ أَثِمَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ يَأْثَمُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ فَجَأَهُ الْمَوْتُ أَوْ لَا وَقَوْلُهُ إذْ بِتَقْدِيرِهِ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامَيْنِ يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ كَمَا مَرَّ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَظْهَرُ بِالْمَوْتِ إثْمُهُ وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فِيمَا إذَا مَاتَ فَالْفَرْقُ وَاضِحٌ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: فَقَالُوا حَجُّ النَّفْلِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ الْمَرْحُومُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْعِمَادِيُّ مُفْتِي الشَّامِ فِي مَنَاسِكِهِ وَإِذَا حَجَّ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ فَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ بَعْدَ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالْحَجُّ أَفْضَلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله يَقُولُ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فَلَمَّا حَجّ وَرَأَى مَا فِيهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَشَقَّاتِ الْمُوجِبَةِ لِتَضَاعُفِ الْحَسَنَاتِ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اهـ.
قُلْت قَدْ يُقَالُ إنَّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ فِي زَمَانِنَا أَفْضَلُ لِمَا يَلْزَمُ الْحَاجَّ غَالِبًا مِنْ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ وَمُشَاهَدَتِهِ لِفَوَاحِشِ الْمُنْكَرَاتِ وَشُحِّ عَامَّةِ النَّاسِ بِالصَّدَقَاتِ وَتَرْكِهِمْ الْفُقَرَاءَ وَالْأَيْتَامَ فِي حَسَرَاتٍ وَلَا سِيَّمَا فِي أَيَّامِ الْغَلَاءِ وَضِيقِ الْأَوْقَاتِ وَبِتَعَدِّي النَّفْعِ تَتَضَاعَفُ الْحَسَنَاتُ ثُمَّ رَأَيْت فِي مُتَفَرِّقَاتِ اللُّبَابِ الْجَزْمَ بِأَنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَلُ مِنْهُ وَقَالَ شَارِحُهُ الْقَارِي أَيْ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي التَّجْنِيسِ وَمُنْيَةِ الْمُفْتِي وَغَيْرِهِمَا وَلَعَلَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى إعْطَاءِ الْفَقِيرِ الْمَوْصُوفِ بِغَايَةِ الْفَاقَةِ أَوْ فِي حَالِ الْمَجَاعَةِ وَإِلَّا فَالْحَجُّ مُشْتَمِلٌ عَلَى النَّفَقَةِ بَلْ وَزَادَ إنَّ الدِّرْهَمَ الَّذِي يُنْفَقُ فِي الْحَجِّ بِسَبْعِمِائَةٍ إلَخْ قُلْت قَدْ يُقَالُ مَا وَرَدَ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَجِّ الْفَرْضِ عَلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ الصَّدَقَةِ لِلْمُحْتَاجِ أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ سَبْعِمِائَةٍ (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى إلَخْ) قَالَ مُنْلَا عَلِيٌّ فِي شَرْحِ الْمَنْسَكِ الْمُتَوَسِّطِ نَعَمْ قَدْ يُفْرَضُ لِعَارِضٍ كَنَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ بَعْدَ فَسَادٍ أَوْ إحْصَارٍ أَوْ الشُّرُوعِ فِيهِ بِمُبَاشَرَةِ إحْرَامٍ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: فَلَا حَجَّ عَلَى عَبْدٍ إلَخْ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ وَيَقَعُ نَفْلًا (قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى صَبِيٍّ إلَخْ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا فَلَوْ حَجَّ وَهُوَ مُمَيِّزٌ بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرُ مُمَيِّزٍ بِإِحْرَامِ وَلِيِّهِ فَهُوَ نَفْلٌ وَأَمَّا غَيْرُ الْعَاقِلِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ فَفِي الْبَدَائِعِ وَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ الْحَجِّ مِنْ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا وَقَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ قَالَ مَشَايِخُنَا وَغَيْرُهُمْ بِصِحَّةِ حَجِّ الصَّبِيِّ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَكَذَا بِصِحَّةِ حَجِّ الْمَجْنُونِ اهـ.
وَيَنْبَغِي الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا
خِلَافٌ فِي الْأُصُولِ فَذَهَبَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّهُ يُوضَعُ عَنْهُ الْخِطَابُ كَالصَّبِيِّ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَذَهَبَ الدَّبُوسِيُّ فِي التَّقْوِيمِ إلَى أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْعِبَادَاتِ احْتِيَاطًا وَالْمُرَادُ بِالصِّحَّةِ صِحَّةُ الْجَوَارِحِ فَلَا يَجِبُ أَدَاءُ الْحَجِّ عَلَى مُقْعَدٍ وَلَا عَلَى زَمِنٍ وَلَا مَفْلُوجٍ وَلَا مَقْطُوعِ الرِّجْلَيْنِ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ وَالشَّيْخِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالْأَعْمَى وَالْمَجْبُوسِ وَالْخَائِفِ مِنْ السُّلْطَانِ الَّذِي يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْحَجُّ بِأَنْفُسِهِمْ وَلَا الْإِحْجَاجُ عَنْهُمْ إنْ قَدَرُوا عَلَى ذَلِكَ هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُمَا
وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِحْجَاجُ فَإِنْ أَحَجُّوا أَجْزَأَهُمْ مَا دَامَ الْعَجْزُ مُسْتَمِرًّا بِهِمْ فَإِنْ زَالَ فَعَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ بِأَنْفُسِهِمْ وَظَاهِرُ مَا فِي التُّحْفَةِ اخْتِيَارُهُ فَإِنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَكَذَا الْإِسْبِيجَابِيُّ وَقَوَّاهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَشَى عَلَى أَنَّ الصِّحَّةَ مِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهَا مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ عِنْدَهُ وَمِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عِنْدَهُمَا وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الْإِحْجَاجِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي وُجُوبِ الْإِيصَاءِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحَجِّ وَهُوَ صَحِيحٌ أَمَّا إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ زَالَتْ الصِّحَّةُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَتَقَرَّرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْجَاجُ اتِّفَاقًا أَمَّا إنْ خَرَجَ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْ بَعْدَ الْإِيجَابِ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَلَا فَرْقَ فِي الْأَعْمَى بَيْنَ أَنْ يَجِدَ قَائِدًا، أَوْ لَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْقَادِرَ بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ لَيْسَ بِقَادِرٍ وَلَوْ تَكَلَّفَ هَؤُلَاءِ الْحَجَّ بِأَنْفُسِهِمْ سَقَطَ عَنْهُمْ حَتَّى لَوْ صَحُّوا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْأَدَاءُ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْوُجُوبِ عَنْهُمْ لِدَفْعِ الْحَرَجِ فَإِذَا تَحَمَّلُوهُ وَقَعَ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ كَالْفَقِيرِ إذَا حَجَّ
وَأَمَّا الْقُدْرَةُ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَالْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ شَرْطِ الْوُجُوبِ فَلَا وُجُوبَ أَصْلًا يَتَعَلَّقُ بِالْفَقِيرِ لِاشْتِرَاطِ الِاسْتِطَاعَةِ فِي آيَةِ الْحَجِّ وَفُسِّرَتْ بِهِمَا وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْأُصُولِ وَمِنْهُمْ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ تَبَعًا لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْقُدْرَةَ الْمُمْكِنَةَ كَالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ لِلْحَجِّ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لَا شَرْطُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ جَبْرِيٌّ لَا صُنْعَ لِلْعَبْدِ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ تَكْلِيفٌ؛ لِأَنَّهُ طَلَبُ إيقَاعِ الْفِعْلِ مِنْ الْعَبْدِ وَنَفْسُ الْوُجُوبِ لَيْسَ كَذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ صَوْمَ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَاجِبٌ وَلَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِمَا وَكَذَا الزَّكَاةُ قَبْلَ الْحَوْلِ
ــ
[منحة الخالق]
بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَجْنُونٍ لَيْسَ لَهُ قَابِلِيَّةُ النِّيَّةِ فِي الْإِحْرَامِ كَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالثَّانِي عَلَى الَّذِي لَهُ بَعْضُ الْإِدْرَاكَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَعَلَى صِحَّةِ حَجِّ الصَّبِيِّ الْغَيْرِ الْمُمَيِّزِ إذَا نَابَ عَنْهُ وَلِيُّهُ فِي النِّيَّةِ كَذَا فِي شَرْحِ لُبَابِ الْمَنَاسِكِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي أَقُولُ: الْمُتَعَيِّنُ حَمْلُ مَا فِي الْبَدَائِعِ عَلَى أَدَاءِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ بِنَفْسِهِمَا بِلَا وَلِيٍّ وَحَمْلُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ عَلَى مَا إذَا أَحْرَمَ عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا فَإِنَّ الْمَجْنُونَ كَالصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا عَنْ الذَّخِيرَةِ وَالْوَلْوالِجِيَّة وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالصِّحَّةِ صِحَّةُ الْجَوَارِحِ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَرِيضُ إذَا كَانَ صَحِيحَ الْجَوَارِحِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ أَيْضًا وَمِنْ ثَمَّ فَسَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِصِحَّةِ الْبَدَنِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَعْمَى كَذَلِكَ بِدَلِيلِ أَنَّ تَصَرُّفَهُ يَنْفُذُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ بِسَلَامَةِ الْبَدَنِ مِنْ الْآفَاتِ الْمَانِعَةِ عَنْ الْقِيَامِ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي السَّفَرِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَجِبُ أَدَاءُ الْحَجِّ عَلَى مُقْعَدٍ إلَخْ) الْأَصْوَبُ أَنْ يَقُولَ فَلَا يَجِبُ الْحَجُّ إلَخْ وَيُسْقِطَ لَفْظَةَ أَدَاءُ لِيُوَافِقَ قَوْلَهُ بَعْدَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْحَجُّ بِأَنْفُسِهِمْ وَلَا الْإِحْجَاجُ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصِّحَّةَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ فَيُنَافِيهِ التَّعْبِيرُ بِالْأَدَاءِ، تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَلَا مَقْطُوعِ الرِّجْلَيْنِ) الظَّاهِرُ أَنَّ مَقْطُوعَ الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ وَمَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ كَذَلِكَ لِظُهُورِ الْحَرَجِ عَلَيْهِمَا إنْ وَقَعَ التَّكْلِيفُ لِلْحَجِّ بِأَنْفُسِهِمَا ثُمَّ رَأَيْت الْكَرْمَانِيَّ نَصَّ عَلَى مَقْطُوعِ الْيَدَيْنِ أَيْضًا فَمَقْطُوعُ الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ بِالْأَوْلَى كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي (قَوْلُهُ: وَالْمَحْبُوسُ) قَالَ الْعَلَّامَةُ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي فِي شَرْحِهِ عَلَى لُبَابِ الْمَنَاسِكِ نُقِلَ عَنْ شَمْسِ الْإِسْلَامِ أَنَّ السُّلْطَانَ وَمَنْ بِمَعْنَاهُ مِنْ الْأُمَرَاءِ ذَوِي الشَّأْنِ مُلْحَقٌ بِالْمَحْبُوسِ فِي هَذَا الْحُكْمِ فَيَجِبُ الْحَجُّ فِي مَالِهِ يَعْنِي إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ مُسْتَغْرَقٍ لِحُقُوقِ النَّاسِ فِي ذِمَّتِهِ دُونَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى خَرَجَ مِنْ مَمْلَكَتِهِ تَخْرَبُ الْبِلَادُ وَتَقَعُ الْفِتْنَةُ بَيْنَ الْعِبَادِ وَرُبَّمَا يُقْتَلُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَرُبَّمَا لَا يُمَكِّنُهُ مَلِكٌ آخَرُ مِنْ الدُّخُولِ فِي حَدِّ مَمْلَكَتِهِ فَتَقَعَ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ تُفْضِي إلَى مَضَرَّةٍ بَلِيغَةٍ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ تَكُونُ سَلْطَنَتُهُ ثَابِتَةً بِالشَّرَائِطِ الشَّرْعِيَّةِ وَإِلَّا فَيَجِبُ عَلَيْهِ خَلْعُ نَفْسِهِ وَإِقَامَةُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْخِلَافَةَ مَقَامَهُ فِي أَمْرِهِ إنْ لَمْ يَتَفَرَّعْ عَلَيْهِ فَسَادُ عَسْكَرِهِ اهـ.
مِمَّا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ مَا فِي التُّحْفَةِ اخْتِيَارُهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ تَقَدَّمَ فِي تَعْدَادِ الشَّرَائِطِ أَنَّ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ الصِّحَّةُ عَلَى الْأَصَحِّ تَأَمَّلْ اهـ.
وَذَكَرَ مُنْلَا عَلِيٌّ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَنَّهُ مَشَى عَلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ وَأَنَّهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَأَنَّ الثَّانِيَ صَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَمِنْهُمْ ابْنُ هَمَّامٍ اهـ.
فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ (قَوْلُهُ: كَالْفَقِيرِ إذَا حَجَّ) أَيْ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ حَتَّى لَوْ اسْتَغْنَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ مُعَلَّلٌ بِأَمْرَيْنِ الْأَوَّلِ أَنَّ عَدَمَهُ عَلَيْهِ لَيْسَ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ كَالْعَبْدِ بَلْ لِلتَّرْفِيهِ وَدَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ فَإِذَا تَحَمَّلَهُ وَجَبَ ثُمَّ يَسْقُطُ كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ رَمَضَانَ وَالثَّانِي أَنَّ الْفَقِيرَ
وَقَدْ ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنَّ الْفُقَهَاءَ إنَّمَا لَمْ يُوَافِقُوا الْأُصُولِيِّينَ عَلَى ذَلِكَ لِمَا أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي جَعْلِهِ شَرْطَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا هُوَ لُزُومُ الْإِيصَاءِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَعَدَمُهُ وَالْفَقِيرُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ فَلِهَذَا جَعَلُوا الْقُدْرَةَ مِنْ شَرَائِطِ أَصْلِ الْوُجُوبِ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا وَقَوْلُ الْمُحَقِّقِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ شَرْطُ الْوُجُوبِ لَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ خِلَافَهُ مُرَادُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَإِلَّا فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى خِلَافِهِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ فَلَا يَتَأَتَّى بَحْثُهُ الْمَذْكُورُ فِي الْفَقِيرِ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَطْلَقَ فِي الزَّادِ فَأَفَادَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ مَا يَصِحُّ بِهِ بَدَنُهُ وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي ذَلِكَ وَالرَّاحِلَةُ فِي اللُّغَةِ الْمَرْكَبُ مِنْ الْإِبِلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَهِيَ فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى غَيْرِ الرَّاحِلَةِ مِنْ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَإِنَّمَا صَرَّحُوا بِالْكَرَاهِيَةِ وَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ مَا يُبَلِّغُهُ فَمَنْ قَدَرَ عَلَى رَأْسِ زَامِلَةٍ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي عُرْفِنَا رَاكِبٌ مُقَتَّبٌ وَأَمْكَنَهُ السَّفَرُ عَلَيْهِ وَجَبَ وَإِلَّا بَانَ كَانَ مُتَرَفِّهًا فَلَا بُدَّ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى شِقِّ مَحْمِلٍ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي عُرْفِنَا مَحَارَةٌ أَوْ مُوهِيَةٌ وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَكْتَرِيَ عَقَبَةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ وَهُوَ الشَّرْطُ سَوَاءٌ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ، أَوْ لَا وَالْعَقَبَةُ أَنْ يَكْتَرِيَ اثْنَانِ رَاحِلَةً يَتَعَقَّبَانِ عَلَيْهَا يَرْكَبُ أَحَدُهُمَا مَرْحَلَةً وَالْآخَرُ.
ــ
[منحة الخالق]
إذَا وَصَلَ إلَى الْمَوَاقِيتِ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ أَهْلِ مَكَّةَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرَّاحِلَةِ اهـ.
وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَالْفَقِيرُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ يُوصِي بِهِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْدُثُ لَهُ مِلْكُ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ لَا يُمْكِنُهُ فِيهِ الْخُرُوجُ وَالْمُعْتَبَرُ مِلْكُهُ ذَلِكَ وَقْتَ الْإِمْكَانِ كَمَا يَأْتِي وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ فَيُمْكِنُهُ الْإِيصَاءُ مِنْ ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَعَلَى جَعْلِ الْقُدْرَةِ الْمَذْكُورَةِ شَرْطَ وُجُوبٍ لَا شَرْطَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِعَدَمِ أَصْلِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا جُعِلَتْ شَرْطَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَتَّى فِيهِ لُزُومُ الْإِيصَاءِ مِمَّا ذَكَرْنَا فَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ فِي الزَّادِ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِيِّ فِي مَنْسَكِهِ وَهَاهُنَا فَائِدَةٌ يَنْبَغِي لِلْعَامَّةِ التَّنَبُّهُ لَهَا وَهِيَ أَنَّ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ الْمُحْدَثَةُ لِكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الثَّرْوَةِ بِرَسْمِ الْهَدِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَالْأَصْحَابِ لَيْسَ بِعُذْرٍ مُرَخِّصٍ لِتَأْخِيرِ الْحَجِّ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْحَوَائِجِ الشَّرْعِيَّةِ فَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الْحَجِّ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ فَقَدْ مَاتَ عَاصِيًا فَالْحَذَرَ مِنْ ذَلِكَ اهـ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَنَحْوُهُ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي ذَلِكَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ قَدَرَ عَلَى مَا تَيَسَّرَ مِنْ خُبْزٍ وَجُبْنٍ دُونَ لَحْمٍ قَادِرًا عَلَى الزَّادِ بَلْ رُبَّمَا يَهْلِكُ بِمُدَاوَمَتِهِ ثَلَاثَ أَيَّامٍ مَرَضًا إذَا كَانَ مُتَرَفِّهًا مُعْتَادَ اللَّحْمِ وَالْأَطْعِمَةِ الْمُتَرَفِّهَةِ (قَوْلُهُ: لَوْ قَدَرَ عَلَى غَيْرِ الرَّاحِلَةِ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ رحمه الله السِّنْدِيُّ تِلْمِيذُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ مُرَادَ الْفُقَهَاءِ مِنْ الرَّاحِلَةِ الْمَرْكَبُ مِنْ الْإِبِلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ ثُمَّ هَلْ هُوَ شَرْطٌ بِخُصُوصِهِ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الدَّوَابِّ دَاخِلٌ فِي حُكْمِهِ لَمْ أَرَ تَعَرُّضَ الْأَصْحَابِ لِذَلِكَ وَتَعَرَّضَ لَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَفِي مَعْنَى الرَّاحِلَةِ كُلُّ حَمُولَةٍ اُعْتِيدَ الْحَمْلُ عَلَيْهَا فِي طَرِيقِهِ أَيْ الْحَجِّ مِنْ بِرْذَوْنٍ أَوْ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ مِنْهُمْ هُوَ صَحِيحٌ فِيمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرَاحِلُ يَسِيرَةٌ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالسَّفَرِ عَلَيْهَا فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَسَافَةِ دُونَ الْمَرَاحِلِ الْبَعِيدَةِ كَأَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ مَثَلًا؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْإِبِلِ لَا يَقْوَى عَلَى قَطْعِ الْمَسَافَاتِ الشَّاسِعَةِ غَالِبًا اهـ.
وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ جِدًّا وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا مَا يُخَالِفُهُ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّفْصِيلُ مُرَادَهُمْ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ قَدْ رَأَيْت وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ فِي الْمُجْتَبَى بِرَمْزِ شَرْحِ الصَّبَّاغِيِّ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ وَلَفْظُهُ وَلَوْ مَلَكَ كِرَاءَ حِمَارٍ أَوْ كِرَاءَ بَعِيرٍ عُقْبَةً فَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ الرَّاحِلَةِ اهـ.
لَكِنْ فِي ذَخِيرَةِ الْعَقَبِيِّ وَالرَّاحِلَةُ قِيلَ النَّاقَةُ الَّتِي تَصْلُحُ لَأَنْ تَرْحَلَ وَالْمُرَادُ هَاهُنَا الْمَرْكَبُ مُطْلَقًا اهـ.
وَقَالَ الرَّمْلِيُّ الْفِقْهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فِي الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَالْفَرَسِ إذْ هُوَ مَنُوطٌ بِالِاسْتِطَاعَةِ وَهِيَ أَعَمُّ وَاشْتِرَاطُ ذَكَرِ الْإِبِلِ أَوْ أُنْثَاهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ اهـ.
وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ كَمَا بَحَثَهُ السِّنْدِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ وَهُوَ الْوُجُوبُ عِنْدَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ بِخِلَافِ الْمَشْرِقِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ (قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ مَا يُبَلِّغُهُ إلَخْ) قَالَ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي فِي شَرْحِهِ عَلَى لُبَابِ الْمَنَاسِكِ فَهُوَ إمَّا بِرُكُوبِ زَامِلَةٍ أَوْ شِقِّ مَحْمِلٍ، وَأَمَّا الْمِحَفَّةُ فَمِنْ مُبْتَدَعَاتِ الْمُتَرَفِّهَةِ فَلَيْسَ لَهَا عِبْرَةٌ اهـ.
أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِحَفَّةِ التَّخْتُ الْمَعْرُوفُ فِي زَمَانِنَا الَّذِي يُحْمَلُ عَلَى جَمَلَيْنِ أَوْ بَغْلَيْنِ لَا الْمَحَارَةُ؛ لِأَنَّهَا شِقُّ الْمَحْمِلِ كَمَا فَسَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ، تَأَمَّلْ.
ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْفُضَلَاءِ نَقَلَ عَنْ الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَفِيفِ فِي شَرْحِ مَنْسَكِهِ أَنَّهُ اعْتَرَضَ كَلَامَ مُنْلَا عَلِيٍّ فَقَالَ لَا يَخْفَى مُنَابَذَتُهُ لِمَا قَرَّرُوهُ مِنْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ كُلِّ مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ عَادَةً وَعُرْفًا إذْ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَرَفِّهِينَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوبِ إلَّا فِي الْمِحَفَّةِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ فَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ فِي حَقِّهِ بِلَا ارْتِيَابٍ وَأَمَّا لَوْ قَدَرَ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ مَحْمِلٍ أَوْ رَأْسِ زَامِلَةٍ فَلَا يُعْذَرُ وَلَوْ كَانَ شَرِيفًا أَوْ وَجِيهًا أَوْ ذَا ثَرْوَةٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: عَلَى رَأْسِ زَامِلَةٍ) قَالَ فِي السِّرَاجِ الزَّامِلَةُ الْبَعِيرُ يَحْمِلُ عَلَيْهِ
مَرْحَلَةً وَشِقُّ الْمَحْمِلِ جَانِبُهُ؛ لِأَنَّ لِلْمَحْمِلِ جَانِبَيْنِ وَيَكْفِي لِلرَّاكِبِ أَحَدُ جَانِبَيْهِ وَقَدْ رَأَيْت فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ مِنْ الشَّرَائِطِ أَنْ يَجِدَ لَهُ مَنْ يَرْكَبُ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُعَادِلِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَا يَجِبْ الْحَجُّ عَلَيْهِ وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا وَلَعَلَّهُمْ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرُوهُ لِمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِإِمْكَانِ أَنْ يَضَعَ زَادَهُ وَقِرْبَتَهُ وَأَمْتِعَتَهُ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ وَقَدْ وَقَعَ لِي ذَلِكَ فِي الْحِجَّةِ الثَّانِيَةِ فِي الرَّجْعَةِ لَمْ أَجِدْ مُعَادِلًا يَصْلُحُ لِي فَفَعَلْت ذَلِكَ لَكِنْ حَصَلَ لِي نَوْعُ مَشَقَّةٍ حِينَ يَقِلُّ الْمَاءُ وَالزَّادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ ثُمَّ الْقُدْرَةُ عَلَى الزَّادِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالْمِلْكِ لَا بِالْإِبَاحَةِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالْمِلْكِ، أَوْ الْإِجَارَةِ بِالْعَارِيَّةِ وَالْإِبَاحَةِ فَلَوْ بَذَلَ الِابْنُ لِأَبِيهِ الطَّاعَةَ وَأَبَاحَ لَهُ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَكَذَا لَوْ وُهِبَ لَهُ مَالٌ لِيَحُجَّ بِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ؛ لِأَنَّ شَرَائِطَ أَصْلِ الْوُجُوبِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُهَا عِنْدَ عَدَمِهَا ثُمَّ اشْتِرَاطُ الْقُدْرَةِ عَلَى الزَّادِ عَامٌّ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ حَتَّى أَهْلِ مَكَّةَ
وَأَمَّا الْقُدْرَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَشَرْطٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَكِّيِّ وَأَمَّا هُوَ فَلَا وَمَنْ حَوْلَهَا كَأَهْلِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُمْ مَشَقَّةٌ فَأَشْبَهَ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ أَصْلًا فَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَفِي قَوْلِهِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَسْكَنَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لِلسُّكْنَى فَلَا تَثْبُتُ الِاسْتِطَاعَةُ بِدَارٍ يَسْكُنُهَا وَعَبْدٍ يَسْتَخْدِمُهُ وَثِيَابٍ يَلْبَسُهَا وَمَتَاعٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَتَثْبُتُ الِاسْتِطَاعَةُ بِدَارٍ لَا يَسْكُنُهَا وَعَبْدٍ لَا يَسْتَخْدِمُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ وَيَحُجَّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَكَنَهُ وَهُوَ كَبِيرٌ يَفْضُلُ عَنْهُ حَتَّى يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ وَالِاكْتِفَاءُ بِمَا دُونَهُ بِبَعْضِ ثَمَنِهِ وَيَحُجُّ بِالْفَضْلِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بَيْعُهُ لِذَلِكَ كَمَا لَا يَجِبُ بَيْعُ مَسْكَنِهِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى السُّكْنَى بِالْإِجَارَةِ اتِّفَاقًا بَلْ إنْ بَاعَ وَاشْتَرَى قَدْرَ حَاجَتِهِ وَحَجَّ بِالْفَضْلِ كَانَ أَفْضَلَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ وَلَا خَادِمٌ وَعِنْدَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ ذَلِكَ وَلَا يَبْقَى بَعْدَهُ قَدْرُ مَا يَحُجُّ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَالَ مَشْغُولٌ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْخُلَاصَةِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَفْضُلَ لَهُ مَالٌ بِقَدْرِ رَأْسِ مَالِ التِّجَارَةِ بَعْدَ الْحَجِّ إنْ كَانَ تَاجِرًا وَكَذَا الدِّهْقَانُ وَالْمُزَارِعُ أَمَّا الْمُحْتَرِفُ فَلَا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَرَأْسُ الْمَالِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَالْمُرَادُ بِالْعِيَالِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ
قَالَ الشَّارِحُ وَيُعْتَبَرُ فِي نَفَقَةِ عِيَالِهِ الْوَسَطُ مِنْ غَيْرِ تَبْذِيرٍ وَلَا تَقْتِيرٍ وَقَدْ يُقَالُ اعْتِبَارُ
ــ
[منحة الخالق]
الْمُسَافِرُ مَتَاعَهُ وَطَعَامَهُ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ بَلْ قَوَاعِدُنَا مُوَافِقَةٌ لَهُمْ وَأَنْتَ عَالِمٌ بِأَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدْ مُعَادِلًا غَيْرُ قَادِرٍ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ وَضْعِ زَادِهِ وَقِرْبَتِهِ إلَخْ فَاسِدٌ إذْ الْمَسْأَلَةُ مُصَوَّرَةٌ فِيمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الشِّقِّ فَقَطْ وَحَيْثُ قَدَرَ عَلَى الْمَحْمِلِ فَلَا كَلَامَ فِي الْوُجُوبِ، تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ حَوْلَهَا كَأَهْلِهَا) قَالَ فِي الْمَنْسَكِ الْمُتَوَسِّطِ الْمُسَمَّى لُبَابَ الْمَنَاسِكِ وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ فَهُوَ كَالْمَكِّيِّ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الرَّاحِلَةِ وَقِيلَ بَلْ مَنْ كَانَ دُونَ مُدَّةِ السَّفَرِ فَمَنْ كَانَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فَهُوَ كَالْآفَاقِيِّ فِي حَقِّ الرَّاحِلَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ اهـ.
وَقَوَّى الثَّانِيَ شَارِحُهُ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي (قَوْلُهُ: وَفِي قَوْلِهِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ إشَارَةٌ إلَخْ) وَجْهُ الْإِشَارَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ غَيْرُ الْمَسْكَنِ كَفَرَسِهِ وَسِلَاحِهِ وَثِيَابِهِ وَعَبْدِ خِدْمَتِهِ وَآلَاتِ حِرْفَتِهِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ، وَالْمَسْكَنُ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ فَاشْتِرَاطُ الْحَاجَةِ فِي غَيْرِ الْمَسْكَنِ يُشِيرُ إلَى اشْتِرَاطِهَا فِيهِ أَيْضًا وَجَعَلَ فِي النَّهْرِ الْإِشَارَةَ مِنْ الْعُدُولِ عَنْ التَّعْبِيرِ بِالدَّارِ إلَى الْمَسْكَنِ وَمَا فَعَلَهُ الْمُؤَلِّفُ أَحْسَنُ لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ مَا إذَا كَانَ سَاكِنًا فِيهِ وَيَسْتَغْنِي عَنْهُ بِسُكْنَاهُ فِي غَيْرِهِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَكَنَهُ) الضَّمِيرُ فِي كَانَ يَعُودُ إلَى الدَّارِ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَسْكَنِ أَوْ الْمَكَانِ أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَكَنًا لَهُ وَهُوَ كَبِيرٌ إلَخْ فَقَوْلُهُ سَكَنَهُ بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ خَبَرُ كَانَ وَهُوَ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَسْكَنِ لَا فِعْلٌ وَقَوْلُهُ وَهُوَ كَبِيرٌ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ إلَخْ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ حُضُورِ الْوَقْتِ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ أَهْلُ بَلَدِهِ فَلَوْ حَضَرَ تَعَيَّنَ أَدَاءُ النُّسُكِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ عَنْهُ إلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي فِي شَرْحِهِ عَلَى لُبَابِ الْمَنَاسِكِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي اللُّبَابِ حَيْثُ قَالَ وَمَنْ لَهُ مَالٌ يُبَلِّغُهُ وَلَا مَسْكَنَ لَهُ وَلَا خَادِمَ فَلَيْسَ لَهُ صَرْفُهُ إلَيْهِ إنْ حَضَرَ الْوَقْتُ بِخِلَافِ مَنْ لَهُ مَسْكَنٌ يَسْكُنُهُ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعُهُ قَالَ مُنْلَا عَلِيٌّ فِي شَرْحِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ وَلَا خَادِمٌ وَلَهُ مَالٌ يَكْفِيهِ لِقُوتِ عِيَالِهِ مِنْ وَقْتِ ذَهَابِهِ إلَى حِينِ إيَابِهِ وَعِنْدَهُ دَرَاهِمُ تُبَلِّغُهُ إلَى الْحَجِّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْحَجِّ فَإِنْ فَعَلَ أَثِمَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ بِمِلْكِ الدَّرَاهِمِ فَلَا يُعْذَرُ فِي التَّرْكِ وَلَا يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ شِرَاءِ الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ بِخِلَافِ بَيْعِ الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ فَإِنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِبَيْعِهِمَا اهـ.
عَلَى أَنَّهُ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ إنَّ عِبَارَةَ الْخُلَاصَةِ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهَا وَنَصُّ عِبَارَتِهَا نَاقِلًا عَنْ التَّجْرِيدِ إنْ كَانَ لَهُ دَارٌ لَا يَسْكُنُهَا وَعَبْدٌ لَا يَسْتَخْدِمُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ وَيَحُجَّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ وَعِنْدَهُ دَرَاهِمُ يَبْلُغُ بِهَا الْحَجَّ وَيَبْلُغُ ثَمَنَ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَطَعَامٍ وَثَوْبٍ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ وَإِنْ جَعَلَهَا فِي غَيْرِ الْحَجِّ أَثِمَ اهـ.
فَتَعَيَّنَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ اللُّبَابِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَيْضًا (قَوْلُهُ: إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْخُلَاصَةِ) أَقُولُ: الَّذِي رَأَيْته فِي الْخُلَاصَةِ خِلَافُهُ وَنَصُّهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ وَعِنْدَهُ دَرَاهِمُ تَبْلُغُ بِهِ الْحَجَّ وَتَبْلُغُ ثَمَنَ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَطَعَامٍ وَقُوتٍ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَإِنْ جَعَلَهَا فِي غَيْرِهِ أَثِمَ اهـ بِحُرُوفِهِ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ اعْتِبَارُ
الْوَسَطِ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ مُخَالِفٌ لِلْمُفْتَى بِهِ فِيهَا فَإِنَّ الْفَتْوَى اعْتِبَارُ حَالِهِمَا وَالْوَسَطُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَنِيًّا وَالْآخَرُ فَقِيرًا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ النَّفَقَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ نَفَقَةِ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الشَّرْطِ قُدْرَتُهُ عَلَى نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ بَعْدَ عَوْدِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ نَفَقَةِ يَوْمٍ وَقِيلَ شَهْرٍ وَالْأَوَّلُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَدَخَلَ تَحْتَ نَفَقَةِ عِيَالِهِ سُكْنَاهُمْ وَنَفَقَتُهُمْ وَكِسْوَتُهُمْ فَإِنَّ النَّفَقَةَ تَشْمَلُ الطَّعَامَ وَالْكِسْوَةَ وَالسُّكْنَى وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مِنْ الشَّرَائِطِ الْوَقْتُ أَعْنِي أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِمَا ذَكَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ حَتَّى لَوْ مَلَكَ مَا بِهِ الِاسْتِطَاعَةُ قَبْلَهَا كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ صَرْفِهَا إلَى غَيْرِهِ وَأَفَادَ هَذَا قَيْدًا فِي صَيْرُورَتِهِ دَيْنًا افْتَقَرَ هُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَمْ يَحُجَّ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ قَادِرًا وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ إنْ كَانُوا يَخْرُجُونَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ أَوْ كَانَ قَادِرًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إنْ كَانُوا يَخْرُجُونَ فِيهَا وَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى افْتَقَرَ تَقَرَّرَ دَيْنًا وَإِنْ مَلَكَ فِي غَيْرِهَا وَصَرَفَهَا إلَى غَيْرِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
(قَوْلُهُ: وَأَمْنُ طَرِيقٍ) أَيْ وَبِشَرْطِ أَمْنِ طَرِيقٍ يَعْنِي وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ مُخِيفًا فِي غَيْرِهِ وَحَقِيقَةُ أَمْنِ الطَّرِيقِ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةَ كَمَا اخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَمَا أَفْتَى بِهِ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ مِنْ سُقُوطِ الْحَجِّ عَنْ أَهْلِ بَغْدَادَ وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ لَا أَقُولُ: الْحَجُّ فَرِيضَةٌ فِي زَمَانِنَا قَالَهُ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ وَقَوْلُ الثَّلْجِيِّ لَيْسَ عَلَى أَهْلِ خُرَاسَانَ حَجٌّ مُذْ كَذَا وَكَذَا سَنَةَ كَانَ وَقْتَ غَلَبَةِ النَّهْبِ وَالْخَوْفِ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يُعَارِضُ مَا ذَكَرْنَا وَمَا قَالَهُ الصَّفَّارُ مِنْ إنِّي لَا أَرَى الْحَجَّ فَرْضًا مِنْ حِينِ خَرَجَتْ الْقَرَامِطَةُ وَمَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنَّ الْحَاجَّ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الْحَجِّ إلَّا بِالرِّشْوَةِ لِلْقَرَامِطَةِ وَغَيْرِهِمْ فَتَكُونُ الطَّاعَةُ سَبَبًا لِلْمَعْصِيَةِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْخَوَارِجِ كَانُوا يَسْتَحِلُّونَ قَتْلَ الْمُسْلِمِينَ وَأَخْذَ أَمْوَالِهِمْ وَكَانُوا يَغْلِبُونَ عَلَى أَمَاكِنَ وَيَتَرَصَّدُونَ لِلْحَاجِّ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَخْذِهِمْ الرِّشْوَةَ فَالْإِثْمُ فِي مِثْلِهِ عَلَى الْآخِذِ لَا الْمُعْطِي عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ تَقْسِيمِ الرِّشْوَةِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ وَلَا يُتْرَكُ الْفَرْضُ لِمَعْصِيَةِ عَاصٍ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنْ يُعْتَبَرَ مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ عَدَمُ غَلَبَةِ الْخَوْفِ حَتَّى إذَا غَلَبَ الْخَوْفُ عَلَى الْقُلُوبِ مِنْ الْمُحَارَبِينَ لِوُقُوعِ النَّهْبِ وَالْغَلَبَةِ مِنْهُمْ مِرَارًا وَسَمِعُوا أَنَّ طَائِفَةً تَعَرَّضَتْ لِلطَّرِيقِ وَلَهَا شَوْكَةٌ وَالنَّاسُ يَسْتَضْعِفُونَ أَنْفُسَهُمْ عَنْهُمْ لَا يَجِبُ وَاخْتُلِفَ فِي سُقُوطِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ فَقِيلَ الْبَحْرُ يَمْنَعُ الْوُجُوبَ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ إنْ كَانَ الْغَالِبُ فِي الْبَحْرِ السَّلَامَةَ مِنْ مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِرُكُوبِهِ يَجِبُ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَسَيْحُونُ وَجَيْحُونَ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ أَنْهَارٌ لَا بِحَارٌ كَمَا فِي الْحَدِيثِ «سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» .
(قَوْلُهُ: وَمَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ لِامْرَأَةٍ فِي سَفَرٍ) أَيْ وَبِشَرْطِ مَحْرَمٍ إلَى آخِرِهِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ ثَلَاثًا إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» .
وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ «أَوْ زَوْجٌ» .
وَرَوَى الْبَزَّارُ «لَا تَحُجُّ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُتِبْت فِي غَزْوَةٍ وَامْرَأَتِي حَاجَّةٌ قَالَ ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَهَا» فَأَفَادَ هَذَا كُلُّهُ أَنَّ النِّسْوَةَ الثِّقَاتِ لَا تَكْفِي قِيَاسًا عَلَى الْمُهَاجِرَةِ وَالْمَأْسُورَةِ؛ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ النَّصِّ وَمَعَ وُجُودِ الْفَارِقِ فَإِنَّ الْمَوْجُودَ فِي الْمُهَاجِرَةِ وَالْمَأْسُورَةِ لَيْسَ سَفَرًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْصِدُ مَكَانًا مُعَيَّنًا بَلْ النَّجَاةَ خَوْفًا مِنْ الْفِتْنَةِ حَتَّى لَوْ وَجَدَتْ مَأْمَنًا كَعَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ أَنْ
ــ
[منحة الخالق]
الْوَسَطِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَيْسَ هَذَا الْمَقْصُودَ بَلْ الْمَقْصُودُ اعْتِبَارُ الْوَسَطِ مِنْ حَالِهِ الْمَعْهُودِ وَلِذَا أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَبْذِيرٍ وَلَا تَقْتِيرٍ، تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ صَرْفِهَا إلَى غَيْرِهِ) أَيْ مِنْ شِرَاءِ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَتَزَوُّجٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَكِنْ إنْ صَرَفَهُ عَلَى قَصْدِ حِيلَةِ إسْقَاطِ الْحَجِّ عَنْهُ فَمَكْرُوهٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ شَرْحَ اللُّبَابِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ.
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَأَمْنُ طَرِيقٍ) اُخْتُلِفَ هَلْ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ أَوْ الْأَدَاءِ وَالرَّاجِحُ الثَّانِي كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَعَلَى تَقْدِيرِ أَخْذِهِمْ الرِّشْوَةَ إلَخْ) كَذَا فِي الْفَتْحِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَرَدَّهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْقَضَاءِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُعْطِي مُضْطَرًّا بِأَنْ لَزِمَهُ الْإِعْطَاءُ ضَرُورَةً عَنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَمَّا إذَا كَانَ بِالِالْتِزَامِ مِنْهُ فَبِالْإِعْطَاءِ أَيْضًا يَأْثَمُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ اهـ.
وَأَرَادَ بِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ ابْنَ كَمَالٍ بَاشَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ وَإِنْ كَانَ الْإِثْمُ عَلَى الْآخِذِ، لَكِنْ وُجُودُ الضَّرَرِ الْعَائِدِ عَلَى الْمُعْطِي فِي مَالِهِ صَيَّرَهُ عُذْرًا فِي تَرْكِ الْحَجِّ لَا كَوْنُ الْإِثْمِ لِذَلِكَ وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَلَزِمَ الْحَجُّ مَعَ تَحْقِيقِ الْقَتْلِ وَالنَّهْبِ اهـ.
وَأُجِيبَ عَمَّا فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُعْطِيَ مُضْطَرٌّ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنْ نَفْسِهِ وَلِهَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ جَزَمَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ بِمَا فِي الْفَتْحِ ثُمَّ قَالَ وَسَيَجِيءُ آخِرَ الْكِتَابِ أَنَّ قَتْلَ بَعْضِ الْحُجَّاجِ عُذْرٌ، وَهَلْ مَا يُؤْخَذُ فِي الطَّرِيقِ مِنْ الْمَكْسِ وَالْخُفَارَةِ عُذْرٌ؟ قَوْلَانِ وَالْمُعْتَمَدُ لَا، كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْمُجْتَبَى وَعَلَيْهِ فَيُحْتَسَبُ فِي الْفَاضِلِ عَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَكْسِ وَنَحْوِهِ كَمَا فِي مَنَاسِكِ الطَّرَابُلْسِيِّ اهـ.
وَأَمَّا مَا قَالَهُ
تَقِرَّ وَلِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَيْهَا الْفِتْنَةُ وَتُزَادُ بِانْضِمَامِ غَيْرِهَا إلَيْهَا وَلِهَذَا تَحْرُمُ الْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا غَيْرُهَا مِنْ النِّسَاءِ
وَالْمَحْرَمُ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ مُنَاكَحَتُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِقَرَابَةٍ، أَوْ رَضَاعٍ، أَوْ مُصَاهَرَةٍ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ وَالْحُرَّ وَالْعَبْدَ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَجُوسِيُّ الَّذِي يَعْتَقِدُ إبَاحَةَ نِكَاحِهَا وَالْمُسْلِمُ الْقَرِيبُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا وَالصَّبِيُّ الَّذِي لَمْ يَحْتَلِمْ وَالْمَجْنُونُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمَحْرَمِ الْحِفْظُ وَالصِّيَانَةُ لَهَا وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ شَرَطَ فِي الزَّوْجِ شُرُوطَ الْمَحْرَمِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا، أَوْ كَانَ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ كَمَا ذَكَرْنَا وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ أَوْلَى وَهِيَ يُشْتَرَطُ فِي حَجِّ الْمَرْأَةِ مِنْ سَفَرِ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ غَيْرِ مَجُوسِيٍّ وَلَا فَاسِقٍ مَعَ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَ الْمَرْأَةَ فَشَمِلَ الشَّابَّةَ وَالْعَجُوزَ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ وَالْمَرْأَةُ هِيَ الْبَالِغَةُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَلِذَا قَالُوا فِي الصَّبِيَّةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ تُسَافِرُ بِلَا مَحْرَمٍ فَإِنْ بَلَغَتْهَا لَا تُسَافِرُ إلَّا بِهِ وَالْمُرَادُ خِطَابُ وَلِيِّهَا بِأَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ السَّفَرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ فَلَا تُسْتَصْحَبُ فِي السَّفَرِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُكَلَّفَةٍ حَتَّى تَبْلُغَ وَبُلُوغُهَا حَدَّ الشَّهْوَةِ لَا يَسْتَلْزِمُهُ وَقَيَّدَ بِالسَّفَرِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ إلَى مَا دُونَ ذَلِكَ لِحَاجَةٍ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَأَشَارَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ رِضَا الزَّوْجِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ إذَا وَجَدَتْ مَحْرَمًا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَا يَظْهَرُ فِي الْفَرَائِضِ بِخِلَافِ حَجِّ التَّطَوُّعِ وَالْمَنْذُورِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ أَمْنَ الطَّرِيقِ وَالْمَحْرَمَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ عَطْفَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وَقِيلَ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ وَفِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْمَحْرَمِ وَرَاحِلَتِهِ إذَا أَبَى أَنْ يَحُجَّ.
ــ
[منحة الخالق]
الرَّمْلِيُّ فَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ الْقَتْلُ وَالنَّهْبُ الْمُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ لَيْسَ كَهَذَا بِلَا شُبْهَةٍ تَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: عَلَى التَّأْبِيدِ إلَخْ) مُخْرِجٌ لِأُخْتِ زَوْجَتِهِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا فَإِنَّ حُرْمَتَهَا مُقَيَّدَةٌ بِالنِّكَاحِ لَكِنَّهُ مُخْرِجٌ لِلزَّوْجِ أَيْضًا وَلَوْ عَرَفَ بِمَا حَلَّ الْوَطْءُ وَحَرُمَ النِّكَاحُ أَبَدًا لَدَخَلَ فِيهِ الزَّوْجُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إلَيْهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ كَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ بَعْدَ عَزْوِهِ تَفْسِيرَ الْمَحْرَمِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ لِلْمَشَاهِيرِ وَفِي النَّهْرِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلُهُ أَوْ زَوْجٍ لِامْرَأَةٍ مِمَّا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمَ هُنَا يَعُمُّهُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمَحْرَمُ الزَّوْجُ وَمَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ مُنَاكَحَتُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرِيَّةٍ وَمِثْلُهُ فِي التُّحْفَةِ اهـ.
وَبِهِ اُسْتُغْنِيَ عَمَّا فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» يُفِيدُ عَدَمَ جَوَازِ الْحَجِّ بِهِنَّ مَعَ أَزْوَاجِهِنَّ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يُعْلَمُ جَوَازُهُ مَعَهُ بِالدَّلَالَةِ اهـ.
لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمَا تَفْسِيرُ الْمَحْرَمِ بِمَا مَرَّ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ وَحِينَئِذٍ فَيُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الزَّوْجِ (قَوْلُهُ بِقَرَابَةٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ) فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَا تُسَافِرُ مَعَ عَبْدِهَا وَلَوْ خَصِيًّا وَلَا مَعَ أَبِيهَا الْمَجُوسِيِّ وَلَا بِأَخِيهَا رَضَاعًا فِي زَمَانِنَا ذَكَرَهُ قُبَيْلَ التَّاسِعَ عَشَرَ فِي النَّفَقَاتِ وَفِي النَّهْرِ قَالَ الْحَدَّادِيُّ وَالْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ وَأَدْخَلَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِنْتَ مَوْطُوءَتِهِ مِنْ الزِّنَا حَيْثُ يَكُونُ مَحْرَمًا لَهَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ وَبِمَا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ اهـ.
وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ هُوَ كُلُّ رَجُلٍ مَأْمُونٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ مُنَاكَحَتُهَا عَلَيْهِ حَرَامٌ بِالتَّأْبِيدِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْقَرَابَةِ أَوْ الرَّضَاعَةِ أَوْ الصِّهْرِيَّةِ بِنِكَاحٍ أَوْ سِفَاحٍ فِي الْأَصَحِّ كَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي بَابِ الْكَرَاهِيَةِ وَذَكَرَ قِوَامُ الدِّينِ شَارِحُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَحْرَمًا بِالزِّنَا فَلَا تُسَافِرُ مَعَهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقُدُورِيُّ وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ.
وَهُوَ الْأَحْوَطُ فِي الدِّينِ وَأَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ لَا سِيَّمَا وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافُ الشَّافِعِيَّةِ فِي ثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ اهـ.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ إلَخْ) أَيْ إذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَرَاهَةُ الْخُرُوجِ لَهَا مَسِيرَةَ يَوْمٍ بِلَا مَحْرَمٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ) قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي أَمْنِ الطَّرِيقِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ شَرْطُ الْوُجُوبِ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا كَصَاحِبِ الْبَدَائِعِ وَالْمَجْمَعِ وَالْكَرْمَانِيِّ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمْ فَمَنْ خَافَ مِنْ ظَالِمٍ أَوْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ أَدَاءُ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ بَلْ بِمَالِهِ وَالْعِبْرَةُ بِالْغَالِبِ بَرًّا وَبَحْرًا فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ السَّلَامَةَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ وَإِلَّا فَلَا كَذَا قَالَهُ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الْقُنْيَةِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ بَلْ إمَّا أَنْ يُحِجَّ غَيْرَهُ أَوْ يُوصِيَ بِهِ اهـ.
ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمَحْرَمَ أَوْ الزَّوْجَ شَرْطُ الْوُجُوبِ أَوْ الْأَدَاءِ كَمَا اخْتَلَفُوا فِي أَمْنِ الطَّرِيقِ فَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ وَصَحَّحَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَالسَّرُوجِيُّ أَنَّهُ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ وَصَنِيعُ الْمُصَنِّفِ أَيْ صَاحِبِ اللُّبَابِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ عَلَى الْأَرْجَحِ (قَوْلُهُ: وَفِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْمَحْرَمِ إلَخْ) صَحَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوُجُوبَ وَحَكَى فِي اللُّبَابِ الْقَوْلَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ لَكِنْ قَدَّمَ الْأَوَّلَ فَقَالَ قِيلَ نَعَمْ وَقِيلَ لَا اهـ.
أَيْ لَا يَلْزَمُهُ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا مَا لَمْ يَخْرُجْ الْمَحْرَمُ بِنَفَقَتِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَفْصٍ الْبُخَارِيِّ وَفِي مَنْسَكِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا نَفَقَةُ الْمَحْرَمِ وَالْقِيَامُ بِرَاحِلَتِهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَصَحَّحُوا عَدَمَ الْوُجُوبِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ
مَعَهَا إلَّا بِهِمَا وَفِي وُجُوبِ التَّزَوُّجِ عَلَيْهَا لِيَحُجَّ مَعَهَا إنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا فَمَنْ قَالَ هُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ قَالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهُ وَلِهَذَا لَوْ مَلَكَ الْمَالَ كَانَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْقَبُولِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَكَذَا لَوْ أُبِيحَ لَهُ وَمَنْ قَالَ إنَّهُ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَجَبَ جَمِيعُ ذَلِكَ وَرَجَّحَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُمَا مَعَ الصِّحَّةِ شُرُوطُ وُجُوبِ أَدَاءً بِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ تَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ عِنْدَ الْعَجْزِ لَا مُطْلَقًا تَوَسُّطًا بَيْنَ الْمَالِيَّةِ الْمَحْضَةِ وَالْبَدَنِيَّةِ الْمَحْضَةِ لِتَوَسُّطِهَا بَيْنَهُمَا وَالْوُجُوبُ أَمْرٌ دَائِرٌ مَعَ فَائِدَتِهِ فَيَثْبُتُ مَعَ قُدْرَةِ الْمَالِ لِيَظْهَرَ أَثَرُهُ فِي الْإِحْجَاجِ وَالْإِيصَاءِ وَاعْلَمْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي وُجُوبِ الْإِيصَاءِ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَمْنِ الطَّرِيقِ فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ حُصُولِ الْأَمْنِ فَالِاتِّفَاقُ عَلَى الْوُجُوبِ وَأَشَارَ بِاشْتِرَاطِ الْمَحْرَمِ، أَوْ الزَّوْجِ إلَى أَنَّ عَدَمَ الْعِدَّةِ فِي حَقِّهَا شَرْطٌ أَيْضًا بِجَامِعِ حُرْمَةِ السَّفَرِ عَلَيْهَا أَيِّ عِدَّةٍ كَانَتْ وَالْعِبْرَةُ لِوُجُوبِهَا وَقْتُ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهَا وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَدَّ الْمُعْتَدَّاتِ مِنْ النَّجَفِ بِفَتْحَتَيْنِ مَكَانٌ لَا يَعْلُوهُ الْمَاءُ مُسْتَطِيلٌ فَإِنْ لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ فِي السَّفَرِ فَسَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ أَحْرَمَ صَبِيٌّ، أَوْ عَبْدٌ فَبَلَغَ أَوْ عَتَقَ فَمَضَى لَمْ يَجُزْ عَنْ فَرْضِهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ انْعَقَدَ لِلنَّفْلِ فَلَا يَنْقَلِبُ لِلْفَرْضِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا عِنْدَنَا لَكِنَّهُ شَبِيهٌ بِالرُّكْنِ مِنْ حَيْثُ إمْكَانُ اتِّصَالِ الْأَدَاءِ بِهِ فَاعْتَبِرْنَا الشَّبَهَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ احْتِيَاطًا وَفِي إسْنَادِ الْإِحْرَامِ إلَى الصَّبِيِّ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَعْقِلُهُ فَإِنْ كَانَ لَا يَعْقِلُهُ فَأَحْرَمَ عَنْهُ أَبُوهُ صَارَ مُحْرِمًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُجَرِّدَهُ قَبْلَهُ وَيُلْبِسَهُ إزَارًا وَرِدَاءً وَلَمَّا كَانَ الصَّبِيُّ غَيْرَ مُخَاطَبٍ كَانَ إحْرَامُهُ غَيْرَ لَازِمٍ وَلِذَا لَوْ أَحْصَرَ وَتَحَلَّلَ لَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَا جَزَاءَ وَلَا قَضَاءَ، وَلَوْ جَدَّدَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَنَوَى الْفَرْضَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ لِعَدَمِ اللُّزُومِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ لِلُّزُومِ فَلَوْ جَدَّدَهُ بَعْدَ عِتْقِهِ لَا يَصِحُّ وَالْكَافِرُ وَالْمَجْنُونُ كَالصَّبِيِّ فَلَوْ حَجَّ كَافِرٌ، أَوْ مَجْنُونٌ فَأَفَاقَ، أَوْ أَسْلَمَ فَجَدَّدَا الْإِحْرَامَ أَجْزَأَهُمَا قِيلَ وَهَذَا دَلِيلٌ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا حَجَّ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلِ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ إحْرَامُ الْمَجْنُونِ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ إحْرَامٌ بِنَفْسِهِ وَكَوْنُ وَلِيِّهِ أَحْرَمَ عَنْهُ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ يُفِيدُ أَنَّ الْمَجْنُونَ الْبَالِغَ كَالصَّبِيِّ فِي هَذَا الثَّانِي أَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ إذَا حَجَّ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إذَا حَجَّ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْحَجُّ إنَّمَا وُجِدَ الْإِحْرَامُ فَقَطْ
ــ
[منحة الخالق]
التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الْمَحْرَمَ إذَا قَالَ لَا أَخْرُجُ إلَّا بِالنَّفَقَةِ وَجَبَ عَلَيْهَا وَإِذَا خَرَجَ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَفِي وُجُوبِ التَّزَوُّجِ عَلَيْهَا إلَخْ) جَزَمَ فِي اللُّبَابِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِمَنْ يَحُجُّ بِهَا وَعَزَاهُ شَارِحُهُ إلَى الْبَدَائِعِ وَقَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِمَا ثُمَّ قَالَ وَعَنْ ابْنِ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَنْ لَا مَحْرَمَ لَهَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ زَوْجًا يَحُجُّ بِهَا إذَا كَانَتْ مُوسِرَةً اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ جَدَّدَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ إلَخْ) كَذَا عِبَارَةُ أَغْلَبِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ بِصِيغَةِ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لَأَنْ يُرَادَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ أَوْ قَبْلَ فَوَاتِ وَقْتِ الْوُقُوفِ وَعَلَى الثَّانِي مَشَى مُنْلَا عَلِيٌّ فِي شَرْحِ الْمَنَاسِكِ وَشَرْحِ النُّقَايَةِ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ فِي مَبْسُوطِهِ فِي آخِرِ بَابِ الْمَوَاقِيتِ وَلَوْ أَنَّ الصَّبِيَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ ثُمَّ احْتَلَمَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يُجَدِّدَ إحْرَامَهُ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ فَحِينَئِذٍ يُجْزِئُهُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ اهـ.
فَلَوْ وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَوْ لَحْظَةً ثُمَّ بَلَغَ لَيْسَ لَهُ التَّجْدِيدُ وَإِنْ بَقِيَ وَقْتُ الْوُقُوفِ لِتَمَامِ حَجِّهِ إذْ الْحَجُّ بَعْدَ التَّمَامِ لَا يَقْبَلُ النَّقْضَ وَلَا يَصِحُّ أَدَاءُ حِجَّتَيْنِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مُحَمَّدٌ عِيدٌ فِي شَرْحِهِ خُلَاصَةِ النَّاسِكِ عَلَى لُبَابِ الْمَنَاسِكِ الْمُخْتَصَرِ مِنْ شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عُبَابِ الْمَسَالِكِ عَنْ شَيْخِهِ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ حَسَنٍ الْعَجِيمِيِّ وَذَكَرَ مِثْلَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْعَفِيفُ فِي شَرْحِ مَنْسَكِهِ مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» فَمَنْ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَيَشْمَلُ الصَّبِيَّ وَقَدْ قُلْنَا بِأَنَّ حَجَّهُ نَفْلًا صَحِيحٌ وَيَمْتَنِعُ أَدَاءُ حِجَّتَيْنِ نَفْلٍ وَفَرْضٍ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْإِفْتَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي زَمَانِنَا فَمِنْ الْعَصْرِيِّينَ مَنْ أَفْتَى بِعَدَمِ صِحَّةِ تَجْدِيدِ الصَّبِيِّ الْإِحْرَامَ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الْوُقُوفِ وَهُوَ بِأَرْضِ عَرَفَةَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ النَّفْلِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِصِحَّةِ ذَلِكَ وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي التَّذْكِرَةِ الْعَفِيفِيَّةِ فِي فِقْهِ الْحَنَفِيَّةِ اهـ.
مُلَخَّصًا مِنْ حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ (قَوْلُهُ: وَكَوْنُ وَلِيِّهِ أَحْرَمَ عَنْهُ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ ظَاهِرٌ أَنَّ مُقْتَضَى صِحَّةِ إحْرَامِ الْوَلِيِّ عَنْ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ صِحَّتُهُ عَنْ الْمَجْنُونِ بِجَامِعِ عَدَمِ الْعَقْلِ فِي كُلٍّ اهـ.
وَقَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ أَقُولُ: وَفِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ لَا حَجَّ عَلَى مَجْنُونٍ مُسْلِمٍ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ إذَا حَجَّ بِنَفْسِهِ وَلَكِنْ يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى اهـ.
قُلْت وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَفْته فِي الصَّبِيِّ يُحْرِمُ عَنْهُ الْأَبُ فَهُوَ الْجَوَابُ فِي الْمَجْنُونِ اهـ.
وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ قُبَيْلَ الْإِحْصَارِ وَكَذَا الصَّبِيُّ يَحُجُّ بِهِ أَبُوهُ وَكَذَا الْمَجْنُونُ يَقْضِي الْمَنَاسِكَ وَيَرْمِي الْجِمَارَ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْأَبِ عَنْهُمَا وَهُمَا عَاجِزَانِ كَإِحْرَامِهِمَا بِنَفْسِهِمَا اهـ.
فَهَذِهِ النُّقُولُ