الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي الْمُجْتَبَى: وَقَدْ رُفِعَ الْبِنَاءُ فِي عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ لِيَبْنِيَ عَلَى قَوَاعِدِ الْخَلِيلِ، وَفِي عَهْدِ الْحَجَّاجِ كَذَلِكَ لِيُعِيدَهَا إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ، وَالْأَحْرَارُ وَالْعَبِيدُ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ
(قَوْلُهُ: وَمَنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِ الْإِمَامِ فِيهَا صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْقِبْلَةِ، وَلَا يَعْتَقِدُ إمَامَهُ عَلَى الْخَطَأِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التَّحَرِّي (قَوْلُهُ وَإِلَى وَجْهِهِ لَا) أَيْ لَوْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى وَجْهِ إمَامِهِ لَا يَصِحُّ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى إمَامِهِ وَسَكَتَ عَمَّا إذَا جَعَلَ وَجْهَهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ صَحِيحٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ بِلَا حَائِلٍ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَةَ الصُّورَةِ وَعَمَّا إذَا جَعَلَ وَجْهَهُ إلَى جَوَانِبِ الْإِمَامِ، وَهُوَ جَائِزٌ بِلَا كَرَاهَةٍ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ تَصِحُّ بِلَا كَرَاهَةٍ فِي صُورَتَيْنِ وَمَعَهَا فِي صُورَةٍ، وَلَا تَصِحُّ فِي أُخْرَى.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ حَلَّقُوا حَوْلَهَا صَحَّ لِمَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي جَانِبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ حُكْمًا؛ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ لَا يَظْهَرُ إلَّا عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ فَمَنْ كَانَ وَجْهُهُ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَوَجَّهَ الْإِمَامُ إلَيْهَا، وَهُوَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ وَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْحَائِطِ مِنْ الْإِمَامِ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِتَقَدُّمِهِ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ، وَلَوْ قَامَ الْإِمَامُ فِي الْكَعْبَةِ وَتَحَلَّقَ الْمُقْتَدُونَ حَوْلَهَا جَازَ إذَا كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا؛ لِأَنَّهُ كَقِيَامِهِ فِي الْمِحْرَابِ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ
(كِتَابُ الزَّكَاةِ)
ذَكَرَ الزَّكَاةَ بَعْدَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُمَا مُقْتَرِنَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ آيَةً، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعَاقُبَ بَيْنَهُمَا فِي غَايَةِ الْوَكَادَةِ وَالنِّهَايَةِ كَمَا فِي الْمَنَاقِبِ الْبَزَّازِيَّةِ، وَهِيَ لُغَةً الطَّهَارَةُ قَالَ فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ: سُمِّيَتْ زَكَاةُ الْمَالِ زَكَاةً؛ لِأَنَّهَا تُزَكِّي الْمَالَ أَيْ تُطَهِّرُهُ وَقَالَ تَعَالَى -: {خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً} [الكهف: 81] وَقِيلَ سُمِّيَتْ زَكَاةً؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَزْكُو بِهَا أَيْ يَنْمُو وَيَكْثُرُ ثُمَّ ذَكَرَ فَعَلَ بِالْفَتْحِ يُقَالُ زَكَاءُ الْمَالِ زِيَادَتُهُ وَنَمَاؤُهُ، وَزَكَا أَيْضًا إذَا طَهُرَ ثُمَّ ذَكَرَ فِي بَابِ التَّفْعِيلِ زَكَّى الْمَالَ أَدَّى زَكَاتَهُ وَزَكَّاهُ أَخَذَ زَكَاتَهُ اهـ.
وَفِي الْغَايَةِ أَنَّهَا فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى النَّمَاءِ، وَبِمَعْنَى الطَّهَارَةِ وَبِمَعْنَى الْبَرَكَةِ يُقَالُ زُكَّتْ الْبُقْعَةُ أَيْ بُورِكَ فِيهَا وَبِمَعْنَى الْمَدْحِ يُقَالُ زَكَّى نَفْسَهُ وَبِمَعْنَى الثَّنَاءِ الْجَمِيلِ يُقَالُ زَكَّى الشَّاهِدَ، وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ هِيَ تَمْلِيكُ الْمَالِ مِنْ فَقِيرٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ، وَلَا مَوْلَاهُ بِشَرْطِ قَطْعِ الْمَنْفَعَةِ عَنْ الْمُمَلِّكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِلَّهِ - تَعَالَى -) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَالْإِيتَاءُ هُوَ التَّمْلِيكُ وَمُرَادُهُ تَمْلِيكُ جُزْءٍ مِنْ مَالِهِ، وَهُوَ رُبْعُ الْعُشْرِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَإِنَّمَا كَانَتْ اسْمًا لِلْفِعْلِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا تُوصَفُ بِالْوُجُوبِ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ دُونَ الْأَعْيَانِ وَالْمُرَادُ مِنْ إيتَاءِ الزَّكَاةِ إخْرَاجُهَا مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ كَمَا فِي قَوْلِهِ {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ مَوْضُوعَ الْفِقْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ، وَفِي الشَّرْعِ هِيَ الْمَالُ الْمُؤَدَّى؛ لِأَنَّهُ - تَعَالَى - قَالَ {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] ، وَلَا يَصِحُّ الْإِيتَاءُ إلَّا لِلْعَيْنِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَأَوْرَدَ الشَّارِحُ عَلَى هَذَا الْحَدِّ الْكَفَّارَةَ إذَا مُلِّكَتْ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ مَوْجُودٌ فِيهَا وَلَوْ قَالَ تَمْلِيكُ الْمَالِ عَلَى وَجْهٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ لَانْفَصَلَ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ يَجِبُ فِيهَا تَمْلِيكُ الْمَالِ. اهـ.
وَجَوَابُهُ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ فَقِيرٍ مُسْلِمٍ خَرَجَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْقِبْلَةِ) زَادَ فِي النَّهْرِ غَيْرَ مُتَقَدِّمٍ عَلَى إمَامِهِ قَالَ وَحَذَفَهُ فِي الْبَحْرِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِقَوْلِهِ وَإِلَى وَجْهِهِ لَا أَيْ لَا يَصِحُّ مَعَ أَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْقِبْلَةِ غَيْرَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَالْمُؤَثِّرُ إنَّمَا هُوَ التَّقَدُّمُ وَعَدَمُهُ
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي جَانِبِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ رَأَيْت فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ لَوْ تَوَجَّهَ الْإِمَامُ أَوْ الْمَأْمُومُ إلَى الرُّكْنِ فَكُلٌّ مِنْ جَانِبَيْهِ جِهَتُهُ، وَأَقُولُ: وَلَا شَيْءَ مِنْ قَوَاعِدِنَا يَأْبَاهُ فَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ إلَى الرُّكْنِ فَكُلٌّ مِنْ جَانِبَيْهِ جَانِبَهُ فَيُنْظَرُ إلَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنْ الْمُقْتَدِينَ فَمَنْ كَانَ الْإِمَامُ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى الْحَائِطِ أَوْ بِمُسَاوَاتِهِ لَهُ فَيُحْكَمُ بِصِحَّةِ صَلَاتِهِ، وَأَمَّا الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الْحَائِطِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ وَبِهِ يَتَّضِحُ الْحَالُ فِي التَّحَلُّقِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ مَعَ الْإِمَامِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ اهـ.
وَنَحْوُهُ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ وَقَفَ مُسَامِتًا لِرُكْنٍ فِي جَانِبِ الْإِمَامِ وَكَانَ أَقْرَبَ لَمْ أَرَهُ وَيَنْبَغِي الْفَسَادُ احْتِيَاطًا لِتَرْجِيحِ جِهَةِ الْإِمَامِ وَهَذِهِ صُورَتُهُ مُؤْتَمٌّ إمَامٌ
[كِتَابُ الزَّكَاةِ]
(قَوْلُهُ فِي اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ آيَةً) صَوَابُهُ فِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ كَمَا عَدَّهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ (قَوْلُهُ: وَجَوَابُهُ أَنَّ قَوْلَهُ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ الْمَقْدِسِيَّ وَأَقَرَّهُ فِي الشرنبلالية بِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْ التَّعْرِيفِ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ كَوْنِ الْإِسْلَامِ شَرْطًا فِي الزَّكَاةِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْكَفَّارَةِ حَتَّى يُخْرِجَ هَذَا اهـ.
وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ أَيْضًا بِأَنَّ شَأْنَ الشُّرُوطِ أَنْ تَكُونَ خَارِجَةً عَنْ الْمَاهِيَّةِ لَا أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْهَا فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ أَلْ فِي الْمَالِ لِلْعَهْدِ أَيْ الْمَعْهُودِ إخْرَاجَهُ شَرْعًا، وَلَمْ يُعْهَدْ فِيهَا إلَّا التَّمْلِيكُ وَكَوْنُ الْمُخْرَجِ رُبْعَ الْعُشْرِ وَبِهِ عُرِفَ أَنَّ حَقِيقَتَهَا تَمْلِيكُ رُبْعِ الْعُشْرِ لَا غَيْرُ اهـ.
وَلَا يَخْفَى
مَخْرَجَ الشُّرُوطِ، وَالْإِسْلَامُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي أَخْذِ الْكَفَّارَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَأَيْضًا لَيْسَ الْجَوَازُ فِي الْكَفَّارَةِ بِاعْتِبَارِ التَّمْلِيكِ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الشَّرْطَ فِيهَا التَّمْكِينُ الشَّامِلُ لِلتَّمْلِيكِ وَالْإِبَاحَةِ، وَالْمَالُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَهْلُ الْأُصُولِ مَا يُتَمَوَّلُ وَيُدَّخَرُ لِلْحَاجَةِ، وَهُوَ خَاصٌّ بِالْأَعْيَانِ فَخَرَجَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ قَالَ فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ فِي بَحْثِ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ: الزَّكَاةُ لَا تَتَأَدَّى إلَّا بِتَمْلِيكِ عَيْنٍ مُتَقَوِّمَةٍ حَتَّى لَوْ أَسْكَنَ الْفَقِيرَ دَارِهِ سَنَةً بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ بِعَيْنٍ مُتَقَوِّمَةٍ. اهـ.
وَهَذَا عَلَى إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ، وَأَمَّا عَلَى الْأُخْرَى مِنْ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَالٌ فَهُوَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مُنْصَرِفٌ إلَى الْعَيْنِ، وَقُيِّدَ بِالتَّمْلِيكِ احْتِرَازًا عَنْ الْإِبَاحَةِ؛ وَلِهَذَا ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَوْ عَالَ يَتِيمًا فَجَعَلَ يَكْسُوهُ وَيُطْعِمُهُ وَجَعَلَهُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ فَالْكِسْوَةُ تَجُوزُ لِوُجُودِ رُكْنِهِ، وَهُوَ التَّمْلِيكُ، وَأَمَّا الْإِطْعَامُ إنْ دَفَعَ الطَّعَامَ إلَيْهِ بِيَدِهِ يَجُوزُ أَيْضًا لِهَذِهِ الْعِلَّةِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ، وَيَأْكُلْ الْيَتِيمُ لَمْ يَجُزْ لِانْعِدَامِ الرُّكْنِ، وَهُوَ التَّمْلِيكُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ قَبْضَ الْفَقِيرِ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ فِي التَّبَرُّعَاتِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ، وَاحْتَرَزَ بِالْفَقِيرِ الْمَوْصُوفِ بِمَا ذَكَرَ عَنْ الْغَنِيِّ وَالْكَافِرِ وَالْهَاشِمِيِّ وَمَوْلَاهُ، وَالْمُرَادُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِحَالِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَصْرِفِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْبُلُوغَ وَالْعَقْلَ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الصَّبِيِّ صَحِيحٌ لَكِنْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَاقِلًا، فَإِنَّهُ يَقْبِضُ عَنْهُ وَصِيُّهُ أَوْ أَبُوهُ أَوْ مَنْ يَعُولُهُ قَرِيبًا أَوْ أَجْنَبِيًّا أَوْ الْمُلْتَقِطُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا فَقَبَضَ مَنْ ذَكَرَ، وَكَذَا قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ، وَالْمُرَادُ أَنْ يَعْقِلَ الْقَبْضَ بِأَنْ لَا يَرْمِيَ بِهِ، وَلَا يُخْدَعَ عَنْهُ وَالدَّفْعُ إلَى الْمَعْتُوهِ يُجْزِئُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَحُكْمُ الْمَجْنُونِ الْمُطْبَقِ مَعْلُومٌ مِنْ حُكْمِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْحُرِّيَّةَ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى غَيْرِ الْحُرِّ جَائِزٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَيَانِ الْمَصْرِفِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ بِشَرْطِ أَنَّ الدَّفْعَ إلَى أُصُولِهِ وَإِنْ عَلَوْا وَإِلَى فُرُوعِهِ، وَإِنْ سَفَلُوا وَإِلَى زَوْجَتِهِ وَزَوْجِهَا وَإِلَى مُكَاتَبِهِ لَيْسَ بِزَكَاةٍ كَمَا سَيَأْتِي مُبَيَّنًا وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الدَّفْعَ إلَى كُلِّ قَرِيبٍ لَيْسَ بِأَصْلٍ وَلَا فَرْعٍ جَائِزٌ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ يَعُولُ أُخْتَهُ أَوْ أَخَاهُ أَوْ عَمَّهُ فَأَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ الزَّكَاةَ فَإِنْ لَمْ يَفْرِضْ الْقَاضِي عَلَيْهِ النَّفَقَةَ جَازَ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ بِصِفَةِ الْقُرْبَةِ يَتَحَقَّقُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنْ فَرَضَ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ لِزَمَانَتِهِ إنْ لَمْ يُحْتَسَبْ مِنْ نَفَقَتِهِمْ جَازَ، وَإِنْ كَانَ يُحْتَسَبُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ هَذَا أَدَاءُ الْوَاجِبِ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ اهـ.
وَقَوْلُهُ لِلَّهِ - تَعَالَى - بَيَانٌ لِشَرْطٍ آخَرَ، وَهُوَ النِّيَّةُ، وَهِيَ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا لِلْمَقَاصِدِ
(قَوْلُهُ شَرْطُ وُجُوبِهَا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ) أَيْ شَرْطُ افْتِرَاضِهَا؛ لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ قَطْعِيَّةٌ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَكْفِيرِ جَاحِدِهَا وَدَلِيلُهُ الْقُرْآنُ وَمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْمَعْقُولُ رَدَّهُ فِي الْغَايَةِ بِأَنَّ السُّنَّةَ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْفَرْضُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُتَوَاتِرَةً أَوْ مَشْهُورَةً، وَالسُّنَّةُ الْوَارِدَةُ أَخْبَارُ آحَادٍ صِحَاحٌ، وَبِهَا يَثْبُتُ الْوُجُوبُ دُونَ الْفَرْضِ وَالْعَقْلُ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِنْ أَرَادَ بِالْمَعْقُولِ الْمَقَايِيسَ الْمُسْتَنْبَطَةَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَا يَثْبُتُ بِهَا الْفَرْضِيَّةُ اهـ.
وَجَوَابُهُ: أَنَّهُمْ فِي مِثْلِهِ يَجْعَلُونَهُ مُؤَكِّدًا لِلْقُرْآنِ الْقَطْعِيِّ لَا مُثْبِتًا، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ كَإِطْلَاقِ الْوَاجِبِ عَلَى الْفَرْضِ، وَهُوَ إمَّا مَجَازٌ فِي الْعُرْفِ بِعَلَاقَةِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ لُزُومِ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ بِتَرْكِهِ عَدَلَ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ الْفَرْضُ إلَيْهِ بِسَبَبِ أَنَّ بَعْضَ مَقَادِيرِهَا وَكَيْفِيَّاتِهَا تَثْبُتُ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ، أَوْ حَقِيقَةٌ عَلَى مَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْوَاجِبَ نَوْعَانِ قَطْعِيٌّ وَظَنِّيٌّ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ اسْمُ الْوَاجِبِ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَكَّكِ اسْمًا أَعَمَّ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي كُلِّ نَوْعٍ، وَقَدْ أَسَلَفْنَا شَيْئًا مِنْهُ فِي أَوَّلِ الطَّهَارَةِ وَخَرَجَ الْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ، فَلَا زَكَاةَ فِي مَالِهِمَا كَمَا لَا صَلَاةَ عَلَيْهِمَا لِلْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» وَأَمَّا إيجَابُ النَّفَقَاتِ وَالْغَرَامَاتِ فِي مَالِهِمَا فَلِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ لِعَدَمِ التَّوَقُّفِ عَلَى النِّيَّةِ، وَأَمَّا إيجَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ فَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ عِبَادَةً مَحْضَةً لِمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ
ــ
[منحة الخالق]
عَلَيْك مَا فِي كُلٍّ مِنْ الِاعْتِرَاضَيْنِ نَعَمْ يَرِدُ عَلَى الْمُؤَلِّفِ أَنْ جَعْلَ بَعْضِ الْقُيُودِ شُرُوطًا فِي الْحُدُودِ غَيْرُ مَعْهُودٍ فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى الْجَوَابِ الثَّانِي لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْكَفَّارَةَ صَدَقَ عَلَيْهَا تَعْرِيفُ الْمُصَنِّفِ لِلزَّكَاةِ فَيَكُونُ غَيْرَ مَانِعٍ فَلَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِجَعْلِ أَلْ فِي الْمَالِ لِلْعَهْدِ تَأَمَّلْ