الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابْنُ عُمَرَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي رُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْهُ إنَّمَا أَرَادَ كِلْتَاهُمَا عَلَى وَجْهِ الْفَرْضِ أَوْ إذَا صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ فَلَا يُعِيدُ وَفِيهِ نَفْيٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ انْتَهَى فَالْحَاصِلُ أَنَّ تَكْرَارَ الصَّلَاةِ إنْ كَانَ مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى هَيْئَتِهِ الْأَوْلَى فَمَكْرُوهٌ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ بَعْدَ الْفَرْضِ فَمَكْرُوهٌ كَمَا بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ لِخَلَلٍ فِي الْمُؤَدَّى فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَلَلُ مُحَقَّقًا إمَّا بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ بِارْتِكَابِ مَكْرُوهٍ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ بَلْ وَاجِبٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِرَارًا وَصَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَالَ إنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَلَلُ غَيْرَ مُحَقَّقٍ بَلْ نَشَأَ عَنْ وَسْوَسَةٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَفِي مَآلِ الْفَتَاوَى وَلَوْ لَمْ يَفُتْهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَأُحِبُّ أَنْ يَقْضِيَ جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي صَلَّاهَا مُتَدَارِكًا لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ غَالِبُ ظَنِّهِ فَسَادَ مَا صَلَّى لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم
وَمَا حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَضَى صَلَاةَ عُمُرِهِ فَإِنْ صَحَّ النَّقْلُ فَنَقُولُ كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْوِتْرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِثَلَاثِ قَعَدَاتٍ انْتَهَى وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «لَمَّا صَلَّى الْفَجْرَ ضُحَى النَّهَارِ بَعْدَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ مِنْ الْغَدِ أَلَا نُعِيدُ صَلَاةَ الْأَمْسِ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ عَنْ الرِّبَا أَفَيَقْبَلُهُ مِنْكُمْ» كَذَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ ذِكْرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُخْتَصَرِ لَفْظَ الْحَدِيثِ مَعَ أَنَّ عُمُومَهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ مِمَّا لَا يَنْبَغِي.
(قَوْلُهُ وَيَتَنَفَّلُ قَاعِدًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ ابْتِدَاءً وَبِنَاءً) بَيَانٌ أَيْضًا لِمَا خَالَفَ فِيهِ النَّفَلُ الْفَرَائِضَ وَالْوَاجِبَاتِ وَهُوَ جَوَازُهُ بِالْقُعُودِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَقَدْ حُكِيَ فِيهِ إجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَمُتْ حَتَّى كَانَ يُصَلِّي كَثِيرًا مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ جَالِسٌ» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ مَرْفُوعًا «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ» وَقَدْ ذَكَرَ الْجُمْهُورُ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى صَلَاةِ النَّفْلِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَأَمَّا إذَا صَلَّاهُ مَعَ عَجْزِهِ فَلَا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ عَنْ ثَوَابِهِ قَائِمًا وَأَمَّا الْفَرْضُ فَلَا يَصِحُّ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَيَأْثَمُ وَيَكْفُرُ إنْ اسْتَحَلَّهُ وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا لِعَجْزِهِ أَوْ مُضْطَجِعًا لِعَجْزِهِ فَثَوَابُهُ كَثَوَابِهِ اهـ.
وَتَعَقَّبَهُ الْأَكْمَلُ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ بِأَنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ «وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا أَيْ مُضْطَجِعًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى النَّفْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ إذْ لَا يَصِحُّ مُضْجِعًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْكَمَ بِشُذُوذِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَفِي النِّهَايَةِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْقَاعِدِ لِعُذْرٍ بِعَجْزِهِ عَنْ الْقِيَامِ مُسَاوِيَةٌ لِصَلَاةِ الْقَائِمِ فِي الْفَضِيلَةِ وَالْأَجْرِ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ عَلَى النِّصْفِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَلَلُ مُحَقَّقًا إلَخْ) يُفِيدُ بِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الْفَرِيضَةَ مُنْفَرِدًا بِلَا عُذْرٍ أَنَّهُ لَهُ إعَادَتُهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ لِارْتِكَابِ الْمَكْرُوهِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي مِنْ التَّفْصِيلِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى رَكْعَةً فَأُقِيمَتْ يَقْطَعُ وَيَقْتَدِي إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي إلَّا أَنْ يُحْمَلَ ذَاكَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ صَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا مَعَ الْعُذْرِ الْمُسَوِّغِ لِتَرْكِ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ بَعِيدٌ (قَوْلُهُ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ إلَخْ) دَفَعَهُ فِي النَّهْرِ بِمَا نَقَلَهُ عَنْ الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ وَذِكْرُ الْمُصَنِّفُ لِهَذَا بَعْدَ إفَادَةِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ وَاجِبَةٌ فِي جَمِيعِ النَّفْلِ وَمَا تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الثَّمَانِيَةِ دَلِيلٌ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ.
[التَّنَفُّلُ قَاعِدًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ]
(قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا صَلَّاهُ مَعَ عَجْزِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» (قَوْلُهُ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَا نَعْلَمُ الصَّلَاةَ نَائِمًا تَسُوغُ إلَّا فِي الْفَرْضِ حَالَةَ الْعَجْزِ عَنْ الْقُعُودِ وَهَذَا حِينَئِذٍ يُعَكِّرُ عَلَى حَمْلِهِمْ الْحَدِيثَ عَلَى النَّفْلِ وَعَلَى كَوْنِهِ فِي الْفَرْضِ لَا يَسْقُطُ مِنْ أَجْرِ الْقَائِمِ شَيْءٌ وَالْحَدِيثُ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ أَيْ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ إنَّمَا يُفِيدُ كِتَابَةَ مِثْلَ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ مُقِيمًا صَحِيحًا وَإِنَّمَا عَاقَهُ الْمَرَضُ عَنْ أَنْ يَعْمَلَ شَيْئًا أَصْلًا وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ احْتِسَابَ مَا صَلَّى قَاعِدًا بِالصَّلَاةِ قَائِمًا لِجَوَازِ احْتِسَابِهِ نِصْفًا ثُمَّ يُكْمِلُ لَهُ كُلَّ عَمَلِهِ مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ فَضْلًا وَإِلَّا فَالْمُعَارَضَةُ قَائِمَةٌ لَا تَزُولُ إلَّا بِتَجْوِيزِ النَّافِلَةِ قَائِمًا وَلَا أَعْلَمُهُ فِي فِقْهِنَا (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا النَّظَرُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ مَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ الْحَدِيثِ لِوُجُوهٍ الْأَوَّلُ كَلِمَةُ مَنْ فَإِنَّهَا عَامَّةٌ فِي كُلِّ مُصَلٍّ الثَّانِي قَوْلُهُ وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ الثَّالِثُ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَتْ بِهِ بَوَاسِيرُ فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَبِهَذَا الْوَجْهِ مِنْ الَّذِينَ قَبْلَهُ يَبْعُدُ حَمْلُهُ عَلَى صَلَاةِ النَّفْلِ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَالْأَوْلَى الْمَصِيرُ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ احْتِمَالِ صَلَاتِهِ نِصْفًا وَإِكْمَالِهَا لَهُ فَضْلًا وَفِي الْكَشَّافِ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] الْآيَةَ
فَإِنْ قُلْت قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُفَضَّلِينَ دَرَجَةً وَاحِدَةً وَمُفَضَّلِينَ دَرَجَاتٍ فَمَنْ هُمْ قُلْت أَمَّا الْمُفَضَّلُونَ دَرَجَةً وَاحِدَةً فَهُمْ الَّذِي فُضِّلُوا عَلَى الْقَاعِدِينَ الْأُخَرَاءِ وَأَمَّا الْمُفَضَّلُونَ دَرَجَاتٍ فَاَلَّذِينَ فُضِّلُوا عَلَى الْقَاعِدِينَ الَّذِينَ أُذِنَ لَهُمْ فِي التَّخَلُّفِ اكْتِفَاءً بِغَيْرِهِمْ لِأَنَّ الْغَزْوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ اهـ.
قُلْت: فَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ أَفْضَلُ مِنْ التَّارِكِ لِعُذْرٍ
مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ مَعَ الْعُذْرِ وَعَلَيْهِ حُمِلَ الْحَدِيثُ فَلَا إجْمَاعَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ إجْمَاعَ أَئِمَّتِنَا وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى بَعْدَمَا نَقَلَ الْحَدِيثَ قَالُوا وَهَذَا فِي حَقِّ الْقَادِرِ أَمَّا الْعَاجِزُ فَصَلَاتُهُ بِإِيمَاءٍ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ الرَّاكِعِ السَّاجِدِ لِأَنَّهُ جُهْدُ الْمُقِلِّ انْتَهَى وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ بَلْ الظَّاهِرُ الْمُسَاوَاةُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ
وَقَدْ عُدَّ مِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ نَافِلَتَهُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ كَنَافِلَتِهِ قَائِمًا تَشْرِيفًا لَهُ صلى الله عليه وسلم وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَقَالَ حُدِّثْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلَاةِ قَالَ فَأَتَيْته فَوَجَدْته يُصَلِّي قَاعِدًا فَوَضَعْت يَدِي عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ مَا لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ وَقُلْت حُدِّثْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّك قُلْت صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلَاةِ وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا قَالَ أَجَلْ وَلَكِنِّي لَسْت كَأَحَدٍ مِنْكُمْ» انْتَهَى أُطْلِقَ فِي التَّنَفُّلِ فَشَمَلَ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ وَالتَّرَاوِيحَ لَكِنْ ذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ بَابِ التَّرَاوِيحِ الْأَصَحُّ أَنَّ سُنَّةَ الْفَجْرِ لَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَالتَّرَاوِيحُ يَجُوزُ أَدَاؤُهَا قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ سُنَّةَ الْفَجْرِ مُؤَكَّدَةٌ لَا خِلَافَ فِيهَا وَالتَّرَاوِيحَ فِي التَّأْكِيدِ دُونَهَا انْتَهَى وَقَدْ نَقَلْنَاهُ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ فِي مَوْضِعِهَا مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ
وَهَكَذَا صَحَّحَهُ حُسَامُ الدِّينِ ثُمَّ قَالَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ فِي التَّرَاوِيحِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلتَّوَارُثِ وَعَمَلِ السَّلَفِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَبِنَاءً بِأَنْ شَرَعَ فِيهِ قَائِمًا ثُمَّ قَعَدَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَعِنْدَهُمَا لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ قِيَاسٌ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُعْتَبَرٌ بِالنَّذْرِ وَلَهُ أَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الْقِيَامَ فِيمَا بَقِيَ وَلِمَا بَاشَرَ صِحَّةً بِدُونِهِ بِخِلَافِ النَّذْرِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ نَصًّا حَتَّى لَوْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْقِيَامِ لَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَمَا لَوْ نَذَرَ صَلَاةً لِأَنَّهُ فِي النَّفْلِ وَصْفٌ زَائِدٌ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِشَرْطٍ وَعِنْدَ الْبَعْضِ يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ وَأَيْنَمَا أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَهَا قَائِمًا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ كَالتَّتَابُعِ فِي الصَّوْمِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَرَجَحَ الثَّانِي فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْثًا بِأَنَّ الصَّلَاةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ إلَى آخِرِهَا فَهُوَ الرُّكْنُ الْأَصْلِيُّ غَيْرَ أَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَى الْقُعُودِ رُخْصَةً فِي النَّفْلِ فَلَا يَنْصَرِفُ الْمُطْلَقُ إلَّا إلَيْهِ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ شَرَعَ قَائِمًا ثُمَّ قَعَدَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَهُوَ فِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم كَمَا رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّهُ كَانَ يَفْتَتِحُ التَّطَوُّعَ قَاعِدًا فَيَقْرَأُ وَرَدَّهُ حَتَّى إذَا بَقِيَ عَشْرُ آيَاتٍ وَنَحْوُهَا قَامَ إلَى آخِرِهِ
وَهَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقُومَ فَيَقْرَأَ شَيْئًا ثُمَّ يَرْكَعَ لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ وَلَكِنَّهُ اسْتَوَى قَائِمًا ثُمَّ رَكَعَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوِ قَائِمًا وَرَكَعَ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ رُكُوعًا قَائِمًا وَلَا رُكُوعًا قَاعِدًا انْتَهَى وَلَيْسَ هُوَ بِنَاءَ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ لِأَنَّ الْقُعُودَ وَالْقِيَامَ فِي النَّفْلِ سَوَاءٌ وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ إذَا قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ أَنَّ تَحْرِيمَةَ الْمُتَطَوِّعِ لَمْ تَنْعَقِدْ لِلْقُعُودِ أَلْبَتَّةَ بَلْ لِلْقِيَامِ لِأَنَّهُ أَصْلٌ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ ثُمَّ جَازَ لَهُ شَرْعًا تَرْكُهُ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ فَمَا انْعَقَدَ إلَّا لِلْمَقْدُورِ وَهُوَ الْقُعُودُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ كَيْفِيَّةَ الْقُعُودِ فِي النَّفْلِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ فَفِي الذَّخِيرَةِ وَالنِّهَايَةِ أَنَّهُ فِي التَّشَهُّدِ يَقْعُدُ كَمَا يَقْعُدُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ إجْمَاعًا سَوَاءٌ كَانَ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ أَمَّا حَالَةُ الْقِرَاءَةِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ الْقُعُودِ وَالتَّرَبُّعِ وَالِاحْتِبَاءِ وَنَقَلَهُ الْكَرْخِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَحْتَبِي وَعَنْهُمَا يَتَرَبَّعُ ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ مَحَلُّ الْقَعْدَةِ عِنْدَ السُّجُودِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعَنْ زُفَرَ أَنَّهُ يَقْعُدُ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ كَمَا فِي التَّشَهُّدِ
قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ شَرْعًا فِي الصَّلَاةِ وَاخْتَارَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ الِاحْتِبَاءَ لِأَنَّ عَامَّةَ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
[منحة الخالق]
وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ لِإِمْكَانِ حَمْلِ مَا هُنَاكَ عَلَى كِتَابَةِ أَصْلِ الثَّوَابِ وَمَا هُنَا عَلَى زِيَادَةِ الْمُضَاعَفَةِ بِسَبَبِ الْمَشَقَّةِ نَظِيرَ مَا قِيلَ فِي أَنَّ الْإِخْلَاصَ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلَهُ) أَيْ لِلْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَمْ يُبَاشِرْ الْقِيَامَ فِيمَا بَقِيَ أَيْ فِيمَا قَعَدَ فِيهِ أَيْ لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ قَائِمًا بَعْدُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ فِيهِ وَلِمَا أَيْ وَلِلَّذِي بَاشَرَهُ مِنْ الصَّلَاةِ بِصِفَةِ الْقِيَامِ أَوْ لِلَّذِي بَاشَرَهُ مِنْ الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ مُطْلَقًا صِحَّةٌ بِدُونِ الْقِيَامِ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَحَاصِلُهُ مَنْعُ كَوْنِ الشُّرُوعِ مُوجِبًا غَيْرَ أَصْلِ مَا شَرَعَ فِيهِ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ إلْحَاقِ الشُّرُوعِ بِالنَّذْرِ مُطْلَقًا بَلْ فِي إيجَابِ أَصْلِ الْفِعْلِ (قَوْلُهُ وَرَجَحَ الثَّانِي) أَيْ الْقَوْلُ الثَّانِي الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَعِنْدَ الْبَعْضِ يَلْزَمُ الْقِيَامُ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَمْ يُبَيِّنْ لِلْقُعُودِ كَيْفِيَّةً لِمَا أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْجَوَازِ وَلَا شَكَّ فِي حُصُولِهِ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ وَبِهِ سَقَطَ مَا فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ إنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي تَعْيِينِ مَا هُوَ الْأَفْضَلُ وَالْمُخْتَارُ مَا قَالَهُ زُفَرُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَنْ يَقْعُدَ كَمَا فِي التَّشَهُّدِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا جَاءَ أَوَانُ التَّشَهُّدِ جَلَسَ كَذَلِكَ سَوَاءٌ سَقَطَ الْقِيَامُ بِعُذَرٍ أَمْ لَا.