الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِاسْتِدْعَائِهَا الْجَمَاعَاتِ فَهِيَ جَامِعَةٌ لَهَا فَلَا يُفِيدُهُ؛ لِأَنَّهُ حَاصِلٌ مَعَ التَّعَدُّدِ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ جِرْبَاشَ فِي النُّجْعَةِ فِي تَعْدَادِ الْجُمُعَةِ لَا يُقَالُ: إنَّ الْقَوْلَ بِالِاجْتِمَاعِ الْمُطْلَقِ قَوْلٌ بِالِاحْتِيَاطِ، وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ فِي مِثْلِهِ لِيَخْرُجَ بِهِ الْمُكَلَّفُ عَنْ عُهْدَةِ مَا كُلِّفَ بِهِ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الِاجْتِمَاعِ،
وَوُجُودُ الْأَخَصِّ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْأَعَمِّ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَلِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ هُوَ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ، وَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ عَدَمِ جَوَازِ التَّعَدُّدِ بَلْ قَضِيَّةُ الضَّرُورَةِ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] اهـ بِلَفْظِهِ مَعَ مَا لَزِمَ مِنْ فِعْلِهَا فِي زَمَانِنَا مِنْ الْمَفْسَدَةِ الْعَظِيمَةِ، وَهُوَ اعْتِقَادُ الْجَهَلَةِ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ لِمَا يُشَاهِدُونَ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَيَظُنُّونَ أَنَّهَا الْفَرْضُ، وَأَنَّ الْجُمُعَةَ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فَيَتَكَاسَلُونَ عَنْ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي تَرْكِهَا وَعَلَى تَقْدِيرِ فِعْلِهَا مِمَّنْ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ مِنْهَا فَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ فِي بَيْتِهِ خِفْيَةً خَوْفًا مِنْ مَفْسَدَةِ فِعْلِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
(قَوْلُهُ وَالسُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمِصْرِ، وَالسُّلْطَانُ هُوَ الْوَالِي الَّذِي لَا وَالِيَ فَوْقَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهَا تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ وَقَدْ تَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّقَدُّمِ، وَقَدْ تَقَعُ فِي غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ تَتْمِيمًا لِأَمْرِهِ وَدَخَلَ تَحْتَ النَّائِبِ الْعَبْدُ إذَا قُلِّدَ عَمَلَ نَاحِيَةٍ فَصَلَّى بِهِمْ الْجُمُعَةَ جَازَ، وَلَا تَجُوزُ الْأَنْكِحَةُ بِتَزْوِيجِهِ، وَلَا قَضَائِهِ وَدَخَلَ الْقَاضِي وَالشُّرْطِيُّ لَكِنْ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ بِالنَّاسِ إذَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ وَيَجُوزُ لِصَاحِبِ الشُّرَطِ، وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ اهـ.
وَفِيهَا وَالِي مِصْرٍ مَاتَ، وَلَمْ يَبْلُغْ الْخَلِيفَةَ مَوْتُهُ حَتَّى مَضَتْ بِهِمْ جُمَعٌ، فَإِنْ صَلَّى بِهِمْ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ أَوْ صَاحِبُ الشُّرَطِ أَوْ الْقَاضِي أَجْزَأَهُمْ، وَلَوْ اجْتَمَعَتْ الْعَامَّةُ عَلَى تَقْدِيمِ رَجُلٍ لَمْ يَأْمُرْهُ الْقَاضِي، وَلَا خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ لَمْ يَجُزْ، وَلَمْ تَكُنْ جُمُعَةً، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ قَاضٍ وَلَا خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ فَاجْتَمَعَ الْعَامَّةُ عَلَى تَقْدِيمِ رَجُلٍ جَازَ لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ مَاتَ الْخَلِيفَةُ، وَلَهُ وُلَاةٌ وَأُمَرَاءُ عَلَى أَشْيَاءَ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا عَلَى وِلَايَتِهِمْ يُقِيمُونَ الْجُمَعَ اهـ. وَأُطْلِقَ فِي السُّلْطَانِ فَشَمَلَ الْعَادِلَ وَالْجَائِرَ وَالْمُتَغَلِّبَ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَالْمُتَغَلِّبُ الَّذِي لَا عَهْدَ لَهُ أَيْ لَا مَنْشُورَ لَهُ إنْ كَانَ سِيرَتُهُ فِيمَا بَيْنَ الرَّعِيَّةِ سِيرَةَ الْأُمَرَاءِ وَيَحْكُمُ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ تَجُوزُ الْجُمُعَةُ بِحَضْرَتِهِ اهـ.
وَالْعِبْرَةُ لِأَهْلِيَّةِ النَّائِبِ وَقْتَ الصَّلَاةِ لَا وَقْتَ الِاسْتِنَابَةِ حَتَّى لَوْ أُمِّرَ الصَّبِيُّ أَوْ الذِّمِّيُّ وَفُوِّضَ إلَيْهِمَا الْجُمُعَةُ قَبْلَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَبَلَغَ الصَّبِيُّ وَأَسْلَمَ الذِّمِّيُّ كَانَ لَهُمَا أَنْ يُصَلِّيَا الْجُمُعَةَ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ قَبْلَهُ النَّصْرَانِيُّ إذَا أُمِّرَ عَلَى مِصْرٍ ثُمَّ أَسْلَمَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ بِالنَّاسِ حَتَّى يُؤْمَرَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَكَذَا الصَّبِيُّ إذَا أُمِّرَ ثُمَّ أَدْرَكَ، وَكَذَا لَوْ اسْتَقْضَى صَبِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ أَدْرَكَ الصَّبِيُّ وَأَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُمَا اهـ.
لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ فُوِّضَ إلَيْهِ أَمْرُ الْجُمُعَةِ صَرِيحًا، وَفِي الثَّانِي لَا وَظَاهِرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْفَرْقَ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَأَنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُ الْفَرْقِ؛ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ وَقَعَ بَاطِلًا فَعَلَى هَذَا الْمُعْتَبَرِ أَهْلِيَّتُهُ وَقْتِ الِاسْتِنَابَةِ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ مَنْ فُوِّضَ إلَيْهِ أَمْرُ الْعَامَّةِ فِي مِصْرٍ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُقِيمَ الْجُمُعَةَ، وَإِنْ لَمْ يُفَوِّضْهَا إلَيْهِ السُّلْطَانُ صَرِيحًا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ مَنْ فُوِّضَ إلَيْهِ أَمْرُ الْعَامَّةِ مِنْ أَصْحَابِ السُّلْطَانِ فَإِنَّ لَهُ إقَامَتَهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ لَهُ الِاسْتِنَابَةَ كَتَوْلِيَةِ خَطِيبٍ فِي جَامِعٍ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي الْأَمْصَارِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ فِي أَنَّ الْخَطِيبَ الْمُقَرَّرَ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ هَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَصَرَّحَ مَثَلًا خُسْرو فِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ بِأَنَّ الْخَطِيبَ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ هُوَ الْعَمَلُ إلَخْ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا؛ لِأَنَّ بِدُونِ وَاوِ الْعَطْفِ، وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ لَا يُقَالُ وَقَوْلُهُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ إلَخْ لَيْسَ جَوَابَهُ بَلْ هُوَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ لِيُخْرِجَ.
[شُرُوط صِحَّة الْجُمُعَة]
(قَوْلُهُ فَصَرَّحَ مَثَلًا خُسْرو إلَخْ) وَعِبَارَتُهُ لَا يَسْتَخْلِفُ الْإِمَامُ لِلْخُطْبَةِ أَصْلًا وَالصَّلَاةِ بَدْءًا بَلْ يَجُوزُ بَعْدَمَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ إلَّا إذَا أَذِنَ أَيْ لَا يَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ لَهُمَا إلَّا إذَا كَانَ مَأْذُونًا مِنْ السُّلْطَانِ لِلِاسْتِخْلَافِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ ذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ حِفْظُهُ إلَخْ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي رِسَالَةٍ خَاصَّةٍ لَكِنْ قَيَّدَ جَوَازَ الِاسْتِخْلَافِ بِمَا إذَا كَانَ مَعْذُورًا بِعُذْرٍ يُشْغِلُهُ عَنْ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِي وَقْتِهَا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا أَوْ كَانَ مَعْذُورًا لَكِنْ يُمْكِنُهُ إزَالَةُ عُذْرِهِ وَإِقَامَةُ الْجُمُعَةِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ، ثُمَّ قَالَ بَقِيَ هُنَا دَقِيقَةٌ أُخْرَى: وَهِيَ أَنَّ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ أَمْرَيْنِ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ، وَالْمَوْقُوفُ عَلَى الْإِذْنِ هُوَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي إذْ لَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى الْإِذْنِ اهـ.
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْعُذْرِ تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الدُّرَرِ حَيْثُ صَرَّحَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ خِطَابُهُ النَّائِبَ بِحُضُورِ الْأَصِيلِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ وَلِلشُّرُنْبُلَالِيِّ رِسَالَةٌ حَافِلَةٌ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمَا فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَاهُ بِالنُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ قَالَ: وَيَلْزَمُهُمَا أَنْ لَا يَصِحَّ لِلسُّلْطَانِ، وَلَا نُوَّابِهِ جُمُعَةٌ، وَلَا عِيدٌ؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ يُصَلِّي خَلْفَ مَأْمُورِهِ مَعَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْخُطْبَةِ بِنَفْسِهِ وَالصَّلَاةِ وَنَقَلَ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة التَّصْرِيحَ بِالْجَوَازِ وَمَنَعَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الدَّقِيقَةِ وَأَطَالَ فِي الْمَقَامِ بِمَا يَنْبَغِي مُرَاجَعَتُهُ وَلِلشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْغَزِّيِّ رِسَالَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا
حِفْظُهُ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ اهـ.
وَقَدْ عَمِلَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْقُضَاةِ فِي زَمَانِنَا حَتَّى أَخْرَجَ خَطِيبًا مِنْ وَظِيفَتِهِ بِسَبَبِ اسْتِنَابَتِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ، وَفِي النُّجْعَةِ فِي تَعْدَادِ الْجُمُعَةِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ جِرْبَاشَ أَحَدِ شُيُوخِ مَشَايِخِي إنَّ إذْنَ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِإِقَامَتِهَا عِنْدَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ لِكُلِّ خَطِيبٍ فَإِذَا قَرَّرَ النَّاظِرُ خَطِيبًا فِي مَسْجِدٍ فَلَهُ إقَامَتُهَا بِنَفْسِهِ وَبِنَائِبِهِ وَأَنَّ الْإِذْنَ مُنْسَحِبٌ لِكُلِّ مَنْ خَطَبَ وَعِبَارَتُهُ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَقَّ التَّقَدُّمِ فِي إمَامَةِ الْجُمُعَةِ حَقُّ الْخَلِيفَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إقَامَةِ هَذَا الْحَقِّ بِنَفْسِهِ فِي كُلِّ الْأَمْصَارِ فَيُقَسِّمُهَا غَيْرُهُ بِنِيَابَتِهِ فَالسَّابِقُ فِي هَذِهِ النِّيَابَةِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ الْأَمِيرُ الَّذِي وَلِيَ عَلَى تِلْكَ الْبَلْدَةِ ثُمَّ الشُّرْطِيُّ ثُمَّ الْقَاضِي ثُمَّ الَّذِي وَلَّاهُ قَاضِي الْقُضَاةِ، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ الشُّرْطِيُّ أَوْلَى مِنْ الْقَاضِي، وَفِي الْخَانِيَّةِ الْإِمَامُ إذَا أَحْدَثَ بَعْدَمَا صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَتَقَدَّمَ وَاحِدٌ مِنْ الْقَوْمِ لَا بِتَقْدِيمِ أَحَدٍ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُمْ خَلْفَهُ، وَإِنْ قَدَّمَهُ وَاحِدٌ مِنْ جَمَاعَةِ السُّلْطَانِ مِمَّنْ فُوِّضَ إلَيْهِ أَمْرُ الْعَامَّةِ يَجُوزُ وَإِذْ قَدْ عَرَفَتْ هَذَا فَيَتَمَشَّى عَلَيْهِ مَا وَقَعَ فِي زَمَانِنَا هَذَا مِنْ اسْتِئْذَانِ السُّلْطَانِ فِي إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِيمَا يُسْتَجَدُّ مِنْ الْجَوَامِعِ فَإِنَّ إذْنَهُ بِإِقَامَتِهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِرَبِّهِ مُصَحِّحٌ لِإِذْنِ رَبِّ الْجَامِعِ لِمَنْ يُقِيمُهُ خَطِيبًا وَلِإِذْنِ ذَلِكَ الْخَطِيبِ لِمَنْ عَسَاهُ أَنْ يَسْتَنِيبَهُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إذْنًا لِمَجْهُولٍ لِيَقَعَ فَاسِدًا عَلَى مَا تَوَهَّمَهُ الْبَعْضُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَسْأَلَ السُّلْطَانَ فِي ذَلِكَ شَخْصٌ مُعَيَّنٌ بِالضَّرُورَةِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، فَبُرُوزُ الْإِذْنِ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ التَّعْيِينِ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنْ كَانَ لِلسَّائِلِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ يَقَعُ إذْنًا لِلْمَسْئُولِ لَهُ وَهُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ السَّائِلِ مُعَيَّنٌ لَهُ بَلْ لِلْإِمَامِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ السَّائِلَ يَجْرِي ذِكْرُهُ عِنْدَهُ بِمَا يُصَحِّحُ السُّؤَالَ لَهُ، وَهُوَ كَافٍ فِي صِحَّةِ الْإِذْنِ فَإِنَّ مِثْلَ ذَلِكَ كَافٍ فِي تَوْلِيَةِ الْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ شَخْصًا نَائِبًا عَنْ الْإِمَامِ أَوْ قَرِيبًا غَائِبًا عَنْ حَضْرَتِهِ لَوْ وُصِفَ لَهُ بِأَوْصَافٍ حَمِيدَةٍ فَوَلَّاهُ حَالَ غَيْبَتِهِ عَنْهُ صَحَّ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ شَخْصِهِ فِي صِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ لَهُ فَمَا بَالُك بِمَا نَحْنُ فِيهِ وَإِذَا صَحَّ الْإِذْنُ أُعْطِيَ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حُكْمُ الْوَالِي وَالْقَاضِي فِي صِحَّةِ الْإِقَامَةِ مِنْهُ وَمِمَّنْ يَأْذَنُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُصَحِّحَ لِصِحَّتِهَا مِمَّنْ سِوَى الْإِمَامِ مِنْ الْإِمَامِ وَالشَّرْطِيِّينَ وَالْقُضَاةِ إنَّمَا هُوَ إقَامَةُ الْإِمَامِ لَهُمْ وَإِذْنُهُ الْمُحَصِّلُ لِدَفْعِ الْفِتْنَةِ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ الدَّاعِي لِاشْتِرَاطِ الْإِمَامِ فِي صِحَّةِ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ حَاصِلٌ فِيمَا ذَكَرْنَا فَلَا الْتِفَاتَ لِمُتَعَنِّتٍ - وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ - اهـ.
كَلَامُهُ، وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ فِيهِ إلَى نَقْلٍ عَنْ الْمَشَايِخِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ الْإِمَامُ إذَا خَطَبَ فَأَمَرَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ أَنْ يُجَمِّعَ بِهِمْ فَأَمَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ فَجَمَّعَ بِهِمْ جَازَ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ فَصَحَّ التَّفْوِيضُ إلَيْهِ لَكِنَّهُ عَجَزَ لِفَقْدِ شَرْطِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ سَمَاعُ الْخُطْبَةِ فَمَلَّكَ التَّفْوِيضَ إلَى الْغَيْرِ، وَلَوْ جَمَّعَ هُوَ، وَلَمْ يَأْمُرْ لِغَيْرِهِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ اسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَكَذَلِكَ إنْ تَكَلَّمَ هَذَا الْمُقَدَّمُ فَاسْتَقْبَلَ بِهِمْ جَازَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤَدِّي الصَّلَاةَ بِالتَّحْرِيمَةِ الْأُولَى اهـ.
وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الْإِمَامَ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ نَائِبَ الْوَالِي وَهُوَ الْخَطِيبُ فَقَدْ جُوِّزَ لَهُ الِاسْتِنَابَةَ فِي إقَامَةِ الْجُمُعَةِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْحَدَثِ، وَلَا بِالْعُذْرِ وَجُوِّزَ لِنَائِبِهِ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ ذَلِكَ صَرِيحًا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْإِمَامِ الْوَالِي فَقَدْ جُوِّزَ لِنَائِبِهِ أَنْ يَسْتَنِيبَ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ لِلْخَطِيبِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى الْقَضَاءِ إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ حَيْثُ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ لِتَوَقُّتِهِ فَكَانَ الْأَمْرُ بِهِ إذْنًا بِالِاسْتِخْلَافِ دَلَالَةً وَلَا كَذَلِكَ الْقَضَاءُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ لِكُلِّ خَطِيبٍ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ لِلْخَطِيبِ الْآخَرِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْبَتِهِ مَثَلًا بَلْ يُكْتَفَى بِإِذْنِ السُّلْطَانِ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ السُّلْطَانُ يَسْتَنِيبُ غَيْرَهُ وَيَأْذَنُ لَهُ فَتَصِحُّ اسْتِنَابَتُهُ وَإِذْنُهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ السُّلْطَانُ لِهَذَا الثَّانِي، وَكَذَلِكَ الثَّانِي يَأْذَنُ لِثَالِثٍ وَهَلُمَّ جَرًّا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا أَذِنَ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِي مَسْجِدٍ صَارَ إذْنًا لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْخَطِيبُ الْمُقَرَّرُ فِيهِ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَأَنَّ الْإِذْنَ مُنْسَحِبٌ لِكُلِّ مَنْ خَطَبَ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ خَطَبَ بِالْإِذْنِ فَهَذَا الْإِذْنُ إذْنٌ لَهُ بِإِقَامَتِهَا بِنَفْسِهِ وَبِنَائِبِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ إقَامَتِهَا مِنْ نَائِبِهِ تَجْدِيدَ الْإِذْنِ مِنْ السُّلْطَانِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ جِرْبَاشَ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ فَمَلَكَ التَّفْوِيضَ إلَى الْغَيْرِ) مُقْتَضَى تَفْرِيعِهِ عَلَى قَوْلِهِ لَكِنَّهُ عَجَزَ إلَخْ أَنَّهُ يَمْلِكُ التَّفْوِيضَ بِسَبَبِ الْعَجْزِ وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الدُّرَرِ فَإِنَّ صَاحِبَ الدُّرَرِ شَرَطَ الْعَجْزَ لِجَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ فِي الصَّلَاةِ وَأَمَّا الِاسْتِنَابَةُ فِي الْخُطْبَةِ فَإِنَّهُ مَنَعَهَا مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ
(قَوْلُهُ فَقَدْ جَوَّزَ لِنَائِبِهِ أَنْ يَسْتَنِيبَ) لِصَاحِبِ الدُّرَرِ أَنْ يَقُولَ نَعَمْ جَوَّزَ لَهُ ذَلِكَ وَلَكِنْ عِنْدَ الْعَجْزِ كَمَا عَلِمْت
اهـ.
فَقَدْ جُوِّزَ لِلْمَأْمُومِ بِإِقَامَتِهَا الِاسْتِنَابَةُ، وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْعُذْرِ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهَا مُطْلَقًا وَأَمَّا تَقْيِيدُ الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ الِاسْتِخْلَافَ بِأَنْ يَكُونَ أَحْدَثَ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ الْإِطْلَاقُ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ كُلَّ مَنْ مَلَكَ إقَامَةَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ إقَامَةَ غَيْرِهِ مَقَامَهُ اهـ.
وَهُوَ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ لِلْخَطِيبِ مُطْلَقًا أَوْ كَالصَّرِيحِ فِيهِ وَأَيْضًا لَيْسَ الْحَدَثُ قَبْلَ الصَّلَاةِ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَذْهَبَ الْخَطِيبُ لِلْوُضُوءِ ثُمَّ يَأْتِيَ فَيُصَلِّيَ، وَقَدْ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى أَنَّ لَهُ الِاسْتِخْلَافَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ النَّائِبُ شَهِدَ الْخُطْبَةَ لِيَكُونَ كَأَنَّ النَّائِبَ خَطَبَ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُقَيِّدُوا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ فَدَلَّ عَلَى مَا قُلْنَا، وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ إذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ فَقَالَ لِوَاحِدٍ فِيهِمْ اُخْطُبْ، وَلَا تُصَلِّ بِهِمْ فَذَهَبَ، وَلَمْ يَجِئْ أَجْزَأَهُ أَنْ يَخْطُبَ وَيُصَلِّيَ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُ نَهَاهُ عَنْ الصَّلَاةِ لِكَيْ يَأْتِيَ فَيُصَلِّيَ بِهِمْ فَإِذَا لَمْ يَأْتِ كَانَ هَذَا تَفْوِيضَ الصَّلَاةِ إلَيْهِ، وَقَدْ وَقَعَ لِبَعْضِ قُضَاةِ الْعَسَاكِرِ فِي زَمَانِنَا بِالْقَاهِرَةِ أَنَّهُ كَانَ يَرَى بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَقْرِيرُهُ فِي وَظِيفَةِ الْخَطَابَةِ، وَإِنَّمَا يُقَرِّرُ فِيهَا الْحَاكِمُ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْبَاشَا وَلَعَلَّهُ اسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ الْقَاضِي لَا يُقِيمُهَا إلَّا بِإِذْنٍ لَكِنْ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ أَمَّا الْيَوْمَ فَالْقَاضِي يُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّ الْخُلَفَاءَ يَأْمُرُونَ الْقُضَاةَ أَنْ يُجَمِّعُوا بِالنَّاسِ لَكِنْ قِيلَ أَرَادَ بِهَذَا قَاضِي الْقُضَاةِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ قَاضِي قُضَاةِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ كَأَبِي يُوسُفَ فِي وَقْتِهِ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَالْقَاضِي وَصَاحِبُ الشُّرَطِ لَا يُوَلِّيَانِ ذَلِكَ اهـ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا وَلَّى إنْسَانًا قَاضِي الْقُضَاةِ بِمِصْرٍ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَ الْخُطَبَاءَ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنٍ كَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ لِلْقَضَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ مَعَ أَنَّ الْقَاضِي لَيْسَ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ إلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّ تَوْلِيَتَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ إذْنٌ بِذَلِكَ دَلَالَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّ فِي إقَامَةِ الْجُمُعَةِ لِلْقَاضِي رِوَايَتَيْنِ وَبِرِوَايَةِ الْمَنْعِ يُفْتَى فِي دِيَارِنَا إذَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ، وَلَمْ يَكْتُبْ فِي مَنْشُورِهِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّ الْإِمَامَ إذَا مَنَعَ أَهْلَ الْمِصْرِ أَنْ يُجَمِّعُوا لَمْ يُجَمِّعُوا كَمَا أَنَّ لَهُ يُمَصِّرَ مَوْضِعًا كَانَ لَهُ أَنْ يَنْهَاهُمْ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ هَذَا إذَا نَهَاهُمْ مُجْتَهِدًا بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ ذَلِكَ الْمِصْرَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِصْرًا أَمَّا إذَا نَهَاهُمْ مُتَعَنِّتًا أَوْ إضْرَارًا بِهِمْ فَلَهُمْ أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى رَجُلٍ يُصَلِّيَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ، وَلَوْ أَنَّ إمَامًا مَصَّرَ مِصْرًا ثُمَّ نَفَّرَ النَّاسَ عَنْهُ لِخَوْفِ عَدُوٍّ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ثُمَّ عَادُوا إلَيْهِ فَإِنَّهُمْ لَا يُجَمِّعُوا إلَّا بِإِذْنٍ مُسْتَأْنَفٍ مِنْ الْإِمَامِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَدَلَّ كَلَامُهُمْ أَنَّ النَّائِبَ إذَا عُزِلَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ لَهُ إقَامَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ نَائِبًا لَكِنْ شَرَطُوا أَنْ يَأْتِيَهُ الْكِتَابُ بِعَزْلِهِ أَوْ يَقْدُمَ عَلَيْهِ الْأَمِيرُ الثَّانِي، فَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، فَإِنْ صَلَّى صَاحِبُ شُرَطٍ جَازَ؛ لِأَنَّ عُمَّالَهُمْ عَلَى حَالِهِمْ حَتَّى يُعْزَلُوا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْبَاشَا بِمِصْرَ إذَا عُزِلَ فَالْخُطَبَاءُ عَلَى حَالِهِمْ، وَلَا يَحْتَاجُونَ إلَى إذْنٍ جَدِيدٍ مِنْ الثَّانِي إلَّا إذَا عَزَلَهُمْ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ عَلِمَ الْعَزْلَ قَبْلَ الشُّرُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَعَ ثُمَّ حَضَرَ وَالٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ كَرَجُلٍ أَمَرَهُ الْإِمَامُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَعْمَلُ حَجْرُهُ؛ لِأَنَّ شُرُوعَهُ صَحَّ، وَإِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ الشُّرُوعِ عَمِلَ حَجْرُهُ.
(قَوْلُهُ وَوَقْتُ الظُّهْرِ) أَيْ شَرْطُ صِحَّتِهَا أَنْ تُؤَدَّى فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فَلَا تَصِحُّ قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الْجُمُعَةِ مَقَامَ الظُّهْرِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ سُقُوطُ أَرْبَعٍ بِرَكْعَتَيْنِ فَتُرَاعَى الْخُصُوصِيَّاتُ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَا مِمَّا لَمْ يَثْبُتْ دَلِيلٌ عَلَى نَفْيِ اشْتِرَاطِهَا، وَلَمْ يُصَلِّهَا عليه السلام خَارِجَ الْوَقْتِ فِي عُمُرِهِ وَلَا بِدُونِ الْخُطْبَةِ فِيهِ فَيَثْبُتُ اشْتِرَاطُهُمَا وَكَوْنُ الْخُطْبَةِ فِي الْوَقْتِ بِخِلَافِ مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ كَكَوْنِهَا خُطْبَتَيْنِ بَيْنَهُمَا جِلْسَةٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَسْنُونٌ أَوْ وَاجِبٌ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ فَتَبْطُلُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ فَالْحَاصِلُ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَاضِي الْقُضَاةِ بِمِصْرَ لَيْسَ بِمَعْنَى قَاضِي الْقُضَاةِ الْمَذْكُورِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ مَنْ يُوَلِّي الْقُضَاةَ فِي جَمِيعِ بِلَادِ السُّلْطَانِ الَّذِي وَلَّاهُ فَوِلَايَتُهُ عَامَّةٌ وَأَمَّا قَاضِي مِصْرَ فَإِنَّهُ يُوَلِّي نُوَّابًا عَنْهُ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي وَلَّاهُ السُّلْطَانُ الْحُكْمَ فِيهَا وَفِي تَوَابِعِهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْأَوَّلِ مَأْذُونًا بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الثَّانِي مُوَلًّى مِنْ قِبَلِهِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ تَوْلِيَتَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ إذْنٌ بِذَلِكَ) أَيْ بِالِاسْتِخْلَافِ لِلْقَضَاءِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ لَفْظَةَ قَاضِي الْقُضَاةِ مَعْنَاهَا الْقَاضِي الَّذِي يُوَلِّي الْقُضَاةَ (قَوْلُهُ لَكِنْ ذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ يُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي التَّجْنِيسِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُوَلَّ قَضَاءَ الْقُضَاةِ أَمَّا إنْ وُلِّيَ أَغْنَى هَذَا اللَّفْظُ عَنْ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنَّ إمَامًا مَصَّرَ مِصْرًا إلَخْ) قُلْت فَلَوْ قُرِّرَ خَطِيبٌ بِجَامِعٍ فَهُدِمَ، ثُمَّ أُعِيدَ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ جَدِيدٍ لِهَذَا الْأَوَّلِ أَمْ لَا وَهَلْ يَصِحُّ تَقْرِيرُ غَيْرِهِ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ، وَلَهُ نَظَائِرُ فِي كِتَابِ
بِخُرُوجِهِ) أَيْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَلَوْ بَعْدَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لِفَوَاتِ شَرْطِهَا فَلَا يُبْنَى الظُّهْرُ لِاخْتِلَافِ الصَّلَاتَيْنِ قَدْرًا وَحَالًا وَاسْمًا أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ كُلَّ مُصَلٍّ لَهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ نَامَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الْجُمُعَةِ، وَلَمْ يَنْتَبِهْ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَتَمَّ لَصَارَ قَاضِيًا وَقَضَاءُ الْجُمُعَةِ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا لَا يَجُوزُ، وَلَوْ انْتَبَهَ فِي الْوَقْتِ لَمْ تَفْسُدْ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُؤَدِّيًا لِلْجُمُعَةِ فِي وَقْتِهَا اهـ.
وَفِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ مِنْ بَابِ الْمَوَاقِيتِ، وَفِي الْجُمُعَةِ لَوْ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ تَنْقَلِبُ تَطَوُّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَبْطُلُ أَصْلًا اهـ.
وَلَا يَخْفَى مُخَالَفَةُ أَبِي يُوسُفَ أَصْلَهُ هُنَا فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْإِمَامِ فِي أَنَّهُ إذَا بَطَلَ الْوَصْفُ لَا يَبْطُلُ الْأَصْلُ، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَادِرِ إمَامٌ صَلَّى بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ فَدَخَلَ مَعَهُ رَجُلٌ فِي الصَّلَاةِ فَزَحَمَهُ النَّاسُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ حَتَّى فَرَغَ الْإِمَامُ وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الْجُمُعَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِي الْفَجْرِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ حَيْثُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ مُصَادَفَةِ الْوَقْتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا فِي النَّوَادِرِ ضَعِيفًا؛ لِأَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ يُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرَّقَ فِي اللَّاحِقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عُذْرُهُ النَّوْمَ أَوْ الزَّحْمَةَ.
(قَوْلُهُ وَالْخُطْبَةُ قَبْلَهَا) أَيْ وَشَرْطُ صِحَّتِهَا الْخُطْبَةُ وَكَوْنُهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا صَلَّاهَا دُونَ الْخُطْبَةِ وَنُقِلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْإِجْمَاعُ عَلَى اشْتِرَاطِ نَفْسِ الْخُطْبَةِ وَلِأَنَّهَا شَرْطٌ وَشَرْطُ الشَّيْءِ سَابِقٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ فِيهِ أَيْ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ حَتَّى لَوْ خَطَبَ قَبْلَهُ وَصَلَّى فِيهِ لَمْ تَصِحَّ وَشَرْطُ الشَّارِحِ أَنْ يَكُونَ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ، وَإِنْ كَانُوا صُمًّا أَوْ نِيَامًا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي لِوُقُوعِهَا الشَّرْطُ حُضُورُ وَاحِدٍ، وَفِي الْخُلَاصَةِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ خَطَبَ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَحْضُرْهُ أَحَدٌ لَا يَجُوزُ، وَفِي الْأَصْلِ قَالَ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَلَوْ حَضَرَ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ وَخَطَبَ وَصَلَّى بِالثَّلَاثَةِ جَازَ، وَلَوْ خَطَبَ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ لَمْ يَجُزْ إنْ كُنَّ وَحْدَهُنَّ انْتَهَى، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَوْ خَطَبَ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ يُشْتَرَطُ عِنْدَهُ فِي التَّسْبِيحَةِ وَالتَّحْمِيدَةِ أَنْ يُقَالَ عَلَى قَصْدِ الْخُطْبَةِ فَلَوْ حَمِدَ لِعُطَاسٍ لَا يُجْزِي عَنْ الْوَاجِبِ انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ بِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الدَّلَالَاتِ كَمَا لَا يَخْفَى وَصَحَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ خَطَبَ وَحْدَهُ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَفِي الْمُضْمَرَاتِ مَعْزِيًّا إلَى الزَّادِ وَهَلْ تَقُومُ الْخُطْبَةُ مَقَامَ الرَّكْعَتَيْنِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ تَقُومُ؛ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا تَقُومُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا سَائِرُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالطَّهَارَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى، وَفِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ هِيَ وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً مَقَامَ الرَّكْعَتَيْنِ شَرْطٌ وَلَيْسَتْ بِرُكْنٍ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ لَا تُقَامُ بِالْخُطْبَةِ فَلَمْ تَكُنْ مِنْ أَرْكَانِهَا اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْخُطْبَةَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ مَنْ يُنْشِئُ التَّحْرِيمَةَ لِلْجُمُعَةِ لَا فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ صَلَّاهَا وَاشْتِرَاطُ حُضُورِ الْوَاحِدِ أَوْ الْجَمْعِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ النِّسْبِيَّاتِ فَعَنْ هَذَا قَالُوا: لَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فَقَدَّمَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّهُ بَنَى تَحْرِيمَتَهُ عَلَى تِلْكَ التَّحْرِيمَةِ الْمُنْشَأَةِ فَالْخُطْبَةُ شَرْطُ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ فِي حَقِّ مَنْ يُنْشِئُ التَّحْرِيمَةَ فَقَطْ، أَلَا تَرَى إلَى صِحَّتِهَا مِنْ الْمُقْتَدِينَ الَّذِينَ لَمْ يَشْهَدُوا الْخُطْبَةَ فَعَلَى هَذَا كَانَ الْقِيَاسُ فِيمَا لَوْ أَفْسَدَ هَذَا الْخَلِيفَةُ أَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ لَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا جَوَازَ اسْتِقْبَالِهِ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ الْتَحَقَ بِهِ حُكْمًا فَلَوْ فَسَدَ الْأَوَّلُ اسْتَقْبَلَ بِهِمْ فَكَذَلِكَ الثَّانِي فَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ أَحْدَثَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فَقَدَّمَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ لَا يَجُوزُ اهـ.
وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يُصَلِّي عَقِبَ الْخُطْبَةِ بِلَا تَرَاخٍ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَلِذَا
ــ
[منحة الخالق]
الْوَقْفِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ وَلْيُنْظَرْ مَا عِلَّةُ التَّأَمُّلِ فَإِنَّ الْمَسْجِدَ بِانْهِدَامِهِ لَا تَزُولُ عَنْهُ الْمَسْجِدِيَّةُ بِخِلَافِ الْمِصْرِ وَانْظُرْ فَتَاوَى ابْنِ الشَّلَبِيِّ.
(قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ عَنْ الشَّيْخِ الْمَقْدِسِيَّ لَيْسَتْ هَذِهِ نَصُّ عِبَارَةِ فَتْحِ الْقَدِيرِ بَلْ قَلَبَتْهَا وَقَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ لِتَتَمَكَّنَ مِنْ إيرَادِ مَا اخْتَرْت وَعِبَارَةُ الْمُحَقِّقِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَ الْإِمَامِ فِي كِفَايَةِ الْحَمْدِ لِلَّهِ وَنَحْوِهَا فِي الْخُطْبَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى خُطْبَةً لُغَةً، وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ بِهِ عُرْفًا وَأَنَّ الْعُرْفَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ وَمُحَاوَرَاتِهِمْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى غَرَضِهِمْ فَأَمَّا فِي أَمْرٍ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ فَتُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ لُغَةً، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْكَلَامُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فَوَجَبَ اعْتِبَارُ مَا يَتَفَرَّعُ عَنْهُ يَعْنِي رِوَايَةَ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْحُضُورِ اهـ.
وَكَذَا اعْتَرَضَهُ أَخُوهُ فِي النَّهْرِ وَلَكِنْ نَاقَشَ الْمُحَقِّقُ فَقَالَ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِهِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الدَّلِيلَ إنَّمَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ مُطْلَقُ الذِّكْرِ الْمُسَمَّى خُطْبَةً لُغَةً غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِحَضْرَةِ أَحَدٍ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي اقْتِضَائِهِ صِحَّتَهَا وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ قَصْدِ التَّحْمِيدَةِ وَنَحْوِهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ خَطَبَ وَحْدَهُ جَازَ لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْأَمْرَ بِالسَّعْيِ إلَى الذِّكْرِ لَيْسَ إلَّا لِاسْتِمَاعِهِ، وَالْمَأْمُورُ جَمْعٌ فَإِذَا جَازَتْ وَحْدَهُ لَمْ يَجُزْ الْأَمْرُ فَائِدَتُهُ وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ وَجْهُ مَا رَجَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ يَتَرَجَّحُ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ مِنْ اشْتِرَاطِ حَضْرَةِ جَمَاعَةٍ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ عَلَى مَا مَرَّ
قَالُوا: إنَّ الْخُطْبَةَ تُعَادُ عَلَى وَجْهِ الْأَوْلَوِيَّةِ لَوْ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ فَائِتَةً فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَلَوْ كَانَتْ الْوِتْرَ حَتَّى فَسَدَتْ الْجُمُعَةُ لِذَلِكَ فَاشْتَغَلَ بِقَضَائِهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَفْسَدَ الْجُمُعَةَ فَاحْتَاجَ إلَى إعَادَتِهَا أَوْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ وَإِنْ لَمْ يُعِدْ الْخُطْبَةَ أَجُزْأَهُ وَكَذَا إذَا خَطَبَ جُنُبًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْفَصْلِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ فَقَالَ: وَلَوْ خَطَبَ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا ثُمَّ تَوَضَّأَ أَوْ اغْتَسَلَ وَصَلَّى جَازَ، وَلَوْ خَطَبَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ فَتَغَدَّى أَوْ جَامَعَ وَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ اسْتَقْبَلَ الْخُطْبَةَ، وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الِاسْتِقْبَالَ فِي الثَّانِي لَازِمٌ وَإِلَّا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكُلِّ وَقَدْ صَرَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ بِلُزُومِ الِاسْتِئْنَافِ وَبُطْلَانِ الْخُطْبَةِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَالَ الْفَصْلُ لَمْ يَبْقَ خُطْبَةٌ لِلْجُمُعَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَلَّ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ تَفَارِيعِهِمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْخَطِيبُ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ لَوْ خَطَبَ صَبِيٌّ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ وَصَلَّى الْجُمُعَةَ رَجُلٌ بَالِغٌ يَجُوزُ.
(قَوْلُهُ وَسُنَّ خُطْبَتَانِ بِجِلْسَةٍ بَيْنَهُمَا وَطَهَارَةٍ قَائِمًا) كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْطُبَ خُطْبَةً خَفِيفَةً يَفْتَتِحُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيَتَشَهَّدُ وَيُصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَعِظُ وَيُذَكِّرُ وَيَقْرَأُ سُورَةً ثُمَّ يَجْلِسُ جِلْسَةً خَفِيفَةً ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ خُطْبَةً أُخْرَى يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيَتَشَهَّدُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يَعِظُ فِي الثَّانِيَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّ الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى إلَّا أَنَّهُ يَدْعُو لِلْمُسْلِمِينَ مَكَانَ الْوَعْظِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُسَنُّ قِرَاءَةُ آيَةٍ فِي الثَّانِيَةِ كَالْأُولَى.
وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْخُطْبَةِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ فِي الْخُطْبَةِ وَالْخَطِيبِ وَالْمُسْتَمِعِ وَشُهُودِ الْخُطْبَةِ أَمَّا الْخُطْبَةُ فَتَشْتَمِلُ عَلَى فَرْضٍ وَسُنَّةٍ فَأَمَّا الْفَرْضُ فَشَيْئَانِ الْوَقْتُ وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا سُنَنُهَا فَخَمْسَةَ عَشَرَ أَحَدُهَا الطَّهَارَةُ حَتَّى كُرِهَتْ لِلْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَثَانِيهَا الْقِيَامُ وَثَالِثُهَا اسْتِقْبَالُ الْقَوْمِ بِوَجْهِهِ وَرَابِعُهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْجَوَامِعِ التَّعَوُّذُ فِي نَفْسِهِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَخَامِسُهَا أَنْ يُسْمِعَ الْقَوْمَ الْخُطْبَةَ، فَإِنْ لَمْ يُسْمِعْ أَجْزَأَهُ وَسَادِسُهَا مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَخْطُبُ خُطْبَةً خَفِيفَةً وَهِيَ تَشْتَمِلُ عَلَى عَشَرَةٍ: أَحَدُهَا - الْبُدَاءَةُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَثَانِيهَا - الثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَثَالِثُهَا - الشَّهَادَتَانِ وَرَابِعُهَا - الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَخَامِسُهَا - الْعِظَةُ وَالتَّذْكِيرُ وَسَادِسُهَا - قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَتَارِكُهَا مُسِيءٌ وَرُوِيَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِيهَا سُورَةَ الْعَصْرِ وَمَرَّةً أُخْرَى {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر: 20] ، وَأُخْرَى وَنَادَوْا يَا مَالِكُ» وَسَابِعُهَا - الْجُلُوسُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَثَامِنُهَا - أَنْ يُعِيدَ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ الْحَمْدَ لِلَّهِ وَالثَّنَاءَ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَاسِعُهَا - أَنْ يَزِيدَ فِيهَا الدُّعَاءَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَعَاشِرُهَا - تَخْفِيفُ الْخُطْبَتَيْنِ بِقَدْرِ سُورَةٍ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَيُكْرَهُ التَّطْوِيلُ
وَأَمَّا الْخَطِيبُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَتَأَهَّلَ لِلْإِمَامَةِ فِي الْجُمُعَةِ، وَالسُّنَّةُ فِي حَقِّهِ الطَّهَارَةُ وَالْقِيَامُ وَالِاسْتِقْبَالُ بِوَجْهِهِ لِلْقَوْمِ وَتَرْكِ السَّلَامِ مِنْ خُرُوجِهِ إلَى دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ وَتَرْكِ الْكَلَامِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا اسْتَوَى عَلَى الْمِنْبَرِ سَلَّمَ عَلَى الْقَوْمِ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ، وَلَا كَلَامَ» يُبْطِلُ ذَلِكَ وَأَمَّا الْمُسْتَمِعُ فَيَسْتَقْبِلُ الْإِمَامَ إذَا بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ وَيُنْصِتُ، وَلَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يُرَدُّ السَّلَامَ، وَلَا يُشَمِّتُ، وَلَا يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَا يُصَلِّي السَّامِعُ فِي نَفْسِهِ، وَفِي جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ الْفِقْهِ وَالنَّظَرِ فِيهِ لِمَنْ يَسْتَمِعُ الْخُطْبَةَ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَيُكْرَهُ لِمُسْتَمِعِ الْخُطْبَةِ مَا يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْعَبَثِ وَالِالْتِفَاتِ، وَأَمَّا التَّخَطِّي فَمَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا إنَّمَا يُكْرَهُ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَقَالَ الرَّازِيّ إنَّمَا يَجُوزُ قَبْلَهُ إذَا لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا فَأَمَّا تَخَطِّي السُّؤَالِ فَمَكْرُوهٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا شُهُودُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ لَوْ خَطَبَ صَبِيٌّ إلَخْ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ خَطَبَ صَبِيٌّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالْخِلَافُ فِي صَبِيٍّ يَعْقِلُ اهـ.
فَمَا هُنَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَمَا سَيَأْتِي عَنْ الْمُجْتَبَى مَبْنِيٌّ عَلَى الْآخَرِ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْجَوَازِ.
الْخُطْبَةِ فَشَرْطٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ دُونَ الْمَأْمُومِ اهـ.
مَا فِي الْمُجْتَبَى وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْجِلْسَةِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَهَا لِلِاخْتِلَافِ فَعِنْدَ الطَّحَاوِيِّ مِقْدَارُ مَا يَمَسُّ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ مِنْ الْمِنْبَرِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِقْدَارُ ثَلَاثِ آيَاتٍ كَمَا فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا ذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ، وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ اسْتَدْبَرَهُمْ فِي صُعُودِهِ اهـ.
وَمِنْ الْمُسْتَحَبِّ أَنْ يَرْفَعَ الْخَطِيبُ صَوْتَهُ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَمِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْجَهْرُ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَفِي التَّجْنِيسِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الثَّانِيَةُ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذِكْرُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مُسْتَحْسَنٌ بِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ وَيَذْكُرُ الْعَمَّيْنِ اهـ.
ثُمَّ قَوْلُهُمْ إنَّ السُّنَّةَ فِي الْمُسْتَمِعِ اسْتِقْبَالُ الْإِمَامِ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ مِنْ اسْتِقْبَالِ الْمُسْتَمِعِ لِلْقِبْلَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ وَالرَّسْمُ فِي زَمَانِنَا أَنَّ الْقَوْمَ يَسْتَقْبِلُونَ الْقِبْلَةَ قَالَ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ اسْتَقْبَلُوا الْإِمَامَ لَخَرَجُوا فِي تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ بَعْدَ فَرَاغِهِ لِكَثْرَةِ الزِّحَامِ وَجَزَمَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ اسْتِقْبَالُهُ إنْ كَانَ أَمَامَ الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ قَرِيبًا مِنْ الْإِمَامِ يَنْحَرِفُ إلَى الْإِمَامِ مُسْتَعِدًّا لِلسَّمَاعِ وَمِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَكُونَ الْخَطِيبُ عَلَى مِنْبَرٍ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي الْمُضْمَرَاتِ مَعْزِيًّا إلَى رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ: الْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الْخَطِيبَ يَتَقَلَّدُ سَيْفًا مَا قَدْ سَمِعْت الْفَقِيهَ أَبَا الْحَسَنِ الرُّسْتُغْفَنِيَّ يَقُولُ: كُلُّ بَلْدَةٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً بِالسَّيْفِ يَخْطُبُ الْخَطِيبُ عَلَى مِنْبَرِهَا مُتَقَلِّدًا بِالسَّيْفِ يُرِيهِمْ أَنَّهَا فُتِحَتْ بِالسَّيْفِ فَإِذَا رَجَعْتُمْ عَنْ الْإِسْلَامِ فَذَلِكَ السَّيْفُ بَاقٍ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ نُقَاتِلُكُمْ بِهِ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى الْإِسْلَامِ وَكُلُّ بَلْدَةٍ أَسْلَمَ أَهْلُهَا طَوْعًا يَخْطُبُونَ فِيهَا بِلَا سَيْفٍ وَمَدِينَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فُتِحَتْ بِالْقُرْآنِ فَيَخْطُبُ الْخَطِيبُ بِلَا سَيْفٍ وَتَكُونُ تِلْكَ الْبَلْدَةُ عُشْرِيَّةً وَمَكَّةَ فُتِحَتْ بِالسَّيْفِ فَيَخْطُبُ مَعَ السَّيْفِ اهـ.
وَهَذَا مُفِيدٌ لِكَوْنِهِ يَتَقَلَّدُ بِالسَّيْفِ لَا أَنَّهُ يُمْسِكُهُ بِيَدِهِ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ مَا فِي الْخُلَاصَةِ كَرَاهَةُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَخْطُبَ مُتَّكِئًا عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصًا لَكِنْ قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ إذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُونَ قَامَ الْإِمَامُ وَالسَّيْفُ بِيَسَارِهِ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَيْهِ اهـ.
وَهُوَ صَرِيحٌ فِيهِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ السَّيْفِ وَغَيْرِهِ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَيَخْطُبُ بِالسَّيْفِ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي فُتِحَتْ بِالسَّيْفِ، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَأَمَّا الدُّعَاءُ لِلسُّلْطَانِ فِي الْخُطْبَةِ فَلَا يُسْتَحَبُّ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَطَاءً سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ مُحْدَثٌ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْخُطْبَةُ تَذْكِيرًا، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا الدُّنُوُّ مِنْ الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ التَّبَاعُدِ عَلَى الصَّحِيحِ وَمِنْهُمْ مَنْ اخْتَارَ التَّبَاعُدَ حَتَّى لَا يَسْمَعَ مَدْحَ الظَّلَمَةِ فِي الْخُطْبَةِ؛ وَلِهَذَا اخْتَارَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْخَطِيبَ مَا دَامَ فِي الْحَمْدِ وَالْمَوَاعِظِ فَعَلَيْهِمْ الِاسْتِمَاعُ فَإِذَا أَخَذَ فِي مَدْحِ الظَّلَمَةِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ فَلَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ حِينَئِذٍ وَحُكِيَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَتَكَلَّمَانِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ فَقِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إنِّي صَلَّيْت الظُّهْرَ فِي دَارِي ثُمَّ رُحْت إلَى الْجُمُعَةِ تَقِيَّةً؛ وَلِذَلِكَ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّاسَ كَانُوا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَرِيقَيْنِ فَرِيقٌ مِنْهُمْ لَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الْجَائِرَ سُلْطَانًا وَسُلْطَانُهُمْ يَوْمَئِذٍ كَانَ جَائِرًا فَإِنَّهُمْ كَانُوا لَا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَكَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَتْرُكُ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ كَانَ يُؤَخِّرُ الْجُمُعَةَ عَنْ وَقْتِهَا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَكَانُوا يَأْتُونَ الظُّهْرَ فِي دَارِهِمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ مَعَ الْإِمَامِ وَيَجْعَلُونَهَا سُبْحَة أَيْ نَافِلَةً اهـ.
وَقَدْ سَمِعْت فِي زَمَانِنَا أَنَّ بَعْضَهُمْ يَتْرُكُ الْجُمُعَةَ مُتَأَوِّلًا بِالتَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ فَاعِلَهُ مُجْتَهِدٌ رَأَى ذَلِكَ وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ لِأَبِي حَنِيفَةَ فَحَرَامٌ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَ إمَامِهِ أَنَّ الْجَائِرَ سُلْطَانٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي أَوَّلِ التَّجْنِيسِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسِ الْوَاعِظِ الْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ، وَلَا يُجْعَلُ كُلُّهُ خَوْفًا وَلَا كُلُّهُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَهَذَا مُفِيدٌ لِكَوْنِهِ يَتَقَلَّدُ بِالسَّيْفِ لَا أَنَّهُ يُمْسِكُهُ بِيَدِهِ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ) أَيْ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْحَاوِي الْآتِي لَكِنْ دَفَعَ الْمُنَافَاةَ فِي النَّهْرِ بِإِمْكَانِهِ مَعَ التَّقْلِيدِ
رَجَاءً؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ يُفْضِي إلَى الْقُنُوطِ وَالثَّانِي إلَى الْأَمْنِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الرُّسْتُغْفَنِيُّ يَجِبُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي الرَّحْمَةِ وَالرَّجَاءِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «يَسِّرُوا، وَلَا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا» وَلِأَنَّ مَنْ رَجَعَ إلَى الْبَابِ بِالْكَرَامَةِ يَكُونُ أَثْبَتَ اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْجَامِعِ يَنْبَغِي لِلْخَطِيبِ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ أَنْ يَتَعَوَّذَ بِاَللَّهِ فِي نَفْسِهِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ اهـ.
وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ مُخْتَصَرِ شَمْسِ الْعُلُومِ خَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ خُطْبَةً بِضَمِّ الْخَاءِ وَخَطَبَ الْمَرْأَةَ خِطْبَةً بِكَسْرِ الْخَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] ، وَفِي الْحَدِيثِ «لَا يَخْطِبَنَّ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» اهـ.
وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ جُلُوسُ الْإِمَامِ فِي مَخْدَعِهِ عَنْ يَمِينِ الْمِنْبَرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي جِهَتِهِ أَوْ نَاحِيَتِهِ وَتُكْرَهُ صَلَاتُهُ فِي الْمِحْرَابِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَلْيَلْبَسَنَّ السَّوَادَ اقْتِدَاءً بِالْخُلَفَاءِ وَلِلتَّوَارُثِ فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ اهـ.
وَلَمْ أَرَ فِيمَا عِنْدِي مِنْ كُتُبِ أَئِمَّتِنَا حُكْمَ الْمَرْقَى الَّذِي يَخْرُجُ الْخَطِيبُ مِنْ مَخْدَعِهِ وَيَقْرَأُ الْآيَةَ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ هَلْ هُوَ مَسْنُونٌ أَمْ لَا وَفِي الْبَدَائِعِ وَيُكْرَهُ لِلْخَطِيبِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي حَالِ خُطْبَتِهِ إلَّا إذَا كَانَ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ فَلَا يُكْرَهُ لِكَوْنِهِ مِنْهَا، وَفِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ لِأَبِي اللَّيْثِ الْخُطَبُ ثَمَانٍ: خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ وَخُطْبَةُ عِيدِ الْفِطْرِ وَخُطْبَةُ عِيدِ الْأَضْحَى وَخُطْبَةُ النِّكَاحِ وَخُطْبَةُ الِاسْتِسْقَاءِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَثَلَاثُ خُطَبٍ فِي الْحَجِّ وَاحِدَةٌ مِنْهَا بِلَا جِلْسَةٍ بِمَكَّةَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَالثَّانِي بِعَرَفَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ يَجْلِسُ فِيهَا جِلْسَةً خَفِيفَةً وَالثَّالِثَةُ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ بِيَوْمٍ فِي مِنًى يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً بَعْدَ الظُّهْرِ فَيُبْدَأُ فِي ثَلَاثِ خُطَبٍ مِنْهَا بِالتَّحْمِيدِ وَهِيَ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَخُطْبَةُ النِّكَاحِ وَفِي خَمْسٍ يُبْدَأُ بِالتَّكْبِيرِ وَهِيَ خُطْبَةُ عِيدِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَثَلَاثُ خُطَبِ الْحَجِّ إلَّا أَنَّ الْخُطْبَةَ الَّتِي بِمَكَّةَ وَعَرَفَةَ يُبْدَأُ فِيهَا بِالتَّكْبِيرِ ثُمَّ بِالتَّلْبِيَةِ ثُمَّ بِالْخُطْبَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَكَفَتْ تَحْمِيدَةٌ أَوْ تَهْلِيلَةٌ أَوْ تَسْبِيحَةٌ) أَيْ وَكَفَى فِي الْخُطْبَةِ الْمَفْرُوضَةِ مُطْلَقُ ذَكَرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ الْقَصْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِإِطْلَاقِهِ فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ وَقَالَا: الشَّرْطُ أَنْ يَأْتِيَ بِكَلَامٍ يُسَمَّى خُطْبَةً فِي الْعُرْفِ وَأَقَلُّهُ قَدْرُ التَّشَهُّدِ إلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ تَقْيِيدًا لَهُ بِالْمُتَعَارَفِ كَمَا قَالَاهُ فِي الْقِرَاءَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَمِلَ بِالْقَاطِعِ وَالظَّنِّيِّ فَقَالَ بِافْتِرَاضِ مُطْلَقِ الذِّكْرِ لِلْآيَةِ وَبِاسْتِنَانِ الْخُطْبَةِ الْمُتَعَارَفَةِ لِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام تَنْزِيلًا لِلْمَشْرُوعَاتِ عَلَى حَسَبِ أَدِلَّتِهَا وَيُؤَيِّدُهُ قِصَّةُ عُثْمَانَ الْمَذْكُورَةُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَهِيَ أَنَّهُ لَمَّا خَطَبَ فِي أَوَّلِ جُمُعَةٍ وَلِيَ الْخِلَافَةَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَأُرْتِجَ عَلَيْهِ فَقَالَ إنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا يُعِدَّانِ لِهَذَا الْمَقَامِ مَقَالًا وَأَنْتُمْ إلَى إمَامٍ فَعَّالٍ أَحْوَجُ مِنْكُمْ إلَى إمَامٍ قَوَّالٍ وَسَتَأْتِيكُمْ الْخُطَبُ بَعْدُ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَنَزَلَ وَصَلَّى بِهِمْ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَكَانَ إجْمَاعًا وَأُرْتِجَ بِالتَّخْفِيفِ عَلَى الْأَصَحِّ أَيْ اُسْتُغْلِقَ عَلَيْهِ الْخُطْبَةُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إتْمَامِهَا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَمُرَادُ عُثْمَانَ بِقَوْلِهِ إنَّكُمْ إلَى إمَامٍ إلَى آخِرِهِ أَنَّ الْخُلَفَاءَ الَّذِينَ يَأْتُونَ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ تَكُونُ عَلَى كَثْرَةِ الْمَقَالِ مَعَ قُبْحِ الْفِعَالِ فَأَنَا، وَإِنْ لَمْ أَكُنْ قَوَّالًا مِثْلَهُمْ فَأَنَا عَلَى الْخَيْرِ دُونَ الشَّرِّ فَأَمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهَذَا الْقَوْلِ تَفْضِيلَ نَفْسِهِ عَلَى الشَّيْخَيْنِ فَلَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَيَّدْنَا الْخُطْبَةَ بِالْمَفْرُوضَةِ؛ لِأَنَّ الْمَسْنُونَةَ لَا يَكْفِي فِيهَا مُطْلَقُهُ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَيَّدْنَا بِالْقَصْدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَطَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى عُطَاسِهِ لَا يَنُوبُ عَنْ الْخُطْبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا كَمَا فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَالْفَرْقُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الْخُطْبَةِ الذِّكْرُ مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَقَدْ وُجِدَ، وَفِي بَابِ الذَّبِيحَةِ الْمَأْمُورُ الذِّكْرُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَقْصِدَهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ.
(قَوْلُهُ وَالْجَمَاعَةُ وَهُمْ ثَلَاثَةٌ) أَيْ شَرْطُ صِحَّتِهَا أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الْإِمَامِ ثَلَاثَةٌ فَأَكْثَرُ لِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْجَمَاعَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهَا فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ فِيمَا عِنْدِي إلَخْ) سَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ تَخْرِيجَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَذْهَبِنَا قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَجِبُ السَّعْيُ وَتَرْكُ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ هَلْ هُوَ مَسْنُونٌ أَمْ لَا) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ لِلنَّوَوِيِّ. تَنْبِيهٌ كَلَامُهُمْ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ اتِّخَاذَ مَرْقًى لِلْخَطِيبِ يَقْرَأُ الْآيَةَ وَالْخَبَرَ الْمَشْهُورَيْنِ بِدْعَةٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ بَعْدَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ قِيلَ لَكِنَّهَا حَسَنَةٌ لِحَثِّ الْآيَةِ عَلَى مَا يُنْدَبُ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ إكْثَارِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الْيَوْمِ وَكَحَثِّ الْخَبَرِ عَلَى تَأَكُّدِ الْإِنْصَاتِ الْمُفَوِّتِ تَرْكُهُ لِفَضْلِ الْجُمُعَةِ بَلْ وَالْمَوْقِعُ فِي الْإِثْمِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَأَقُولُ: يُسْتَدَلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ مَنْ يَسْتَنْصِتُ لَهُ النَّاسَ عِنْدَ إرَادَتِهِ خُطْبَةَ مِنًى فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ فَقِيَاسُهُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْخَطِيبِ أَمْرُ غَيْرِهِ بِأَنْ يَسْتَنْصِتَ لَهُ النَّاسَ، وَهَذَا
اثْنَانِ سِوَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُمَا مَعَ الْإِمَامِ ثَلَاثَةٌ، وَهِيَ جَمْعٌ مُطْلَقٌ؛ وَلِهَذَا يَتَقَدَّمُهُمَا الْإِمَامُ وَيَصْطَفَّانِ خَلْفَهُ، وَلَهُمَا أَنَّ الْجَمْعَ الْمُطْلَقَ شَرْطُ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَشَرْطُ جَوَازِ صَلَاةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سِوَاهُ فَيَحْصُلَ هَذَا الشَّرْطُ ثُمَّ يُصَلِّيَ، وَلَا يَحْصُلُ هَذَا الشَّرْط إلَّا إذَا كَانَ سِوَى الْإِمَامِ ثَلَاثَةٌ إذْ لَوْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ اثْنَانِ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الشَّرْطُ بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ أَطْلَقَ الثَّلَاثَةَ فَشَمَلَ الْعَبِيدَ وَالْمُسَافِرِينَ وَالْمَرْضَى وَالْأُمِّيِّينَ وَالْخُرْسَ لِصَلَاحِيَّتِهِمْ لِلْإِمَامَةِ فِي الْجُمُعَةِ إمَّا لِكُلِّ وَاحِدٍ أَوْ لِمَنْ هُوَ مِثْلُ حَالِهِمْ فِي الْأُمِّيِّ وَالْأَخْرَسِ فَصَلَحَا أَنْ يَقْتَدِيَا بِمَنْ فَوْقَهُمَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَإِنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَصِحُّ بِهِمْ وَحْدَهُمْ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِمْ لِلْإِمَامَةِ فِيهَا بِحَالٍ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ خَرَجْنَ بِالتَّاءِ فِي ثَلَاثَةٍ أَيْ ثَلَاثَةِ رِجَالٍ، وَكَذَا الصَّبِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَجُلٍ كَامِلٍ وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَشَمَلَ ثَلَاثَةً غَيْرَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ حَضَرُوا الْخُطْبَةَ لِمَا فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ إذَا خَطَبَ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ ثُمَّ نَفَرُوا وَجَاءَ آخَرُونَ لَمْ يَشْهَدُوا الْخُطْبَةَ فَصَلَّى بِهِمْ الْجُمُعَةَ أَجْزَأَهُمْ
(قَوْلُهُ: فَإِنْ نَفَرُوا قَبْلَ سُجُودِهِ بَطَلَتْ) بَيَانٌ لِكَوْنِ الْجَمَاعَةِ شَرْطَ انْعِقَادِ الْأَدَاءِ لَا شَرْطَ انْعِقَادِ التَّحْرِيمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا شَرْطُ انْعِقَادِ التَّحْرِيمَةِ وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُمْ لَوْ نَفَرُوا بَعْدَ التَّحْرِيمَةِ قَبْلَ تَقْيِيدِ الرَّكْعَةِ بِالسَّجْدَةِ فَسَدَتْ الْجُمُعَةُ وَيَسْتَقْبِلُ الظُّهْرَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُتِمُّ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّهَا شَرْطُ انْعِقَادِ التَّحْرِيمَةِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي فَكَذَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْجَامِعُ أَنَّ تَحْرِيمَةَ الْجُمُعَةِ إذَا صَحَّتْ صَحَّ بِنَاءُ الْجُمُعَةِ عَلَيْهَا؛ وَلِهَذَا لَوْ أَدْرَكَهُ إنْسَانٌ فِي التَّشَهُّدِ صَلَّى الْجُمُعَةَ عِنْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا تَرَكَهُ هُنَا لِمَا سَيَأْتِي وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ لَوْ جُعِلَتْ شَرْطَ انْعِقَادِ التَّحْرِيمَةِ لَأَدَّى إلَى الْحَرَجِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ حِينَئِذٍ لَا تَنْعَقِدُ بِدُونِ مُشَارَكَةِ الْجَمَاعَةِ إيَّاهُ فِيهَا وَذَا لَا يَحْصُلُ إلَّا أَنْ تَقَعَ تَكْبِيرَاتُهُمْ مُقَارِنَةً لِتَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ، وَأَنَّهُ مِمَّا يَتَعَذَّرُ مُرَاعَاتُهُ وَبِالْإِجْمَاعِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَإِنَّهُمْ لَوْ كَانُوا حَضَرُوا وَكَبَّرَ الْإِمَامُ ثُمَّ كَبَّرُوا صَحَّ تَكْبِيرُهُ وَصَارَ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ وَصَحَّتْ مُشَارَكَتُهُمْ إيَّاهُ فَلَمْ يُجْعَلْ شَرْطَ انْعِقَادِ التَّحْرِيمَةِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ فَجُعِلَتْ شَرْطَ انْعِقَادِ الْأَدَاءِ، وَهُوَ بِتَقْيِيدِ الرَّكْعَةِ بِالسَّجْدَةِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ فِعْلٌ وَالْحَاجَةُ إلَى كَوْنِ الْفِعْلِ أَدَاءً لِلصَّلَاةِ وَفِعْلُ الصَّلَاةِ هُوَ الْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ؛ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَمَا لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ لَا يَحْنَثُ فَإِذَا لَمْ يُقَيِّدْهَا لَمْ يُوجَدْ الْأَدَاءُ فَلَمْ يَنْعَقِدْ فَشَرْطُ دَوَامِ مُشَارَكَةِ الْجَمَاعَةِ الْإِمَامُ إلَى الْفَرَاغِ عَنْ الْأَدَاءِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِبَقَاءِ النِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ، وَلَا بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ مِنْ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ
فَلَوْ قَالَ: فَإِنْ نَفَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَكَانَ أَوْلَى قُيِّدَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ سُجُودِهِ أَيْ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ نَفَرُوا بَعْدَ سُجُودِهِ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا عِنْدَهُ شَرْطُ بَقَائِهَا مُنْعَقِدَةً إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ كَالطَّهَارَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَعِنْدَنَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِلْبَقَاءِ لِمَا عُرِفَ فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ، وَلَمْ يُحْرِمُوا حَتَّى قَرَأَ وَرَكَعَ فَأَحْرَمُوا بَعْدَمَا رَكَعَ، فَإِنْ أَدْرَكُوهُ فِي الرُّكُوعِ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَإِلَّا فَلَا لِعَدَمِهَا بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ فَإِنَّهُ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ فَيَكْتَفِي بِالِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ لِكَوْنِهِ بَانِيًا عَلَى صَلَاتِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُمْ نَفَرُوا قَبْلَ سُجُودِهِ، وَلَمْ يَعُودُوا قَبْلَ سُجُودِهِ وَإِلَّا فَلَوْ نَفَرُوا قَبْلَهُ وَعَادُوا إلَيْهِ قَبْلَهُ فَلَا فَسَادَ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِيهَا وَإِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ وَمَعَهُ قَوْمٌ مُتَوَضِّئُونَ فَلَمْ يُكَبِّرُوا مَعَهُ حَتَّى أَحْدَثُوا ثُمَّ جَاءَ آخَرُونَ وَذَهَبَ الْأَوَّلُونَ جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ كَانُوا مُحْدِثِينَ فَكَبَّرَ ثُمَّ جَاءَ آخَرُونَ اسْتَقْبَلَ التَّكْبِيرَ اهـ.
(قَوْلُهُ وَالْإِذْنُ الْعَامُّ) أَيْ شَرْطُ صِحَّتِهَا الْأَدَاءُ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِهَارِ حَتَّى لَوْ أَنَّ أَمِيرًا أَغْلَقَ أَبْوَابَ الْحِصْنِ وَصَلَّى فِيهِ بِأَهْلِهِ وَعَسْكَرِهِ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ لَا تَجُوزُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ، فَإِنْ فَتَحَ بَابَ قَصْرِهِ وَأَذِنَ
ــ
[منحة الخالق]
هُوَ شَأْنُ الْمَرْقَى فَلَمْ يَدْخُلْ ذِكْرُهُ لِلْخَبَرِ فِي حَيِّزِ الْبِدْعَةِ أَصْلًا اهـ.
قُلْت لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ جَوَازِ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِنَا بِمَا قَبْلَ خُرُوجِ الْخَطِيبِ مِنْ مَخْدَعِهِ لَا كَمَا يُفْعَلُ الْآنَ وَقَدْ كُنْت ذَكَرْت ذَلِكَ لِخَطِيبِ السُّلَيْمِيَّةِ فِي صَالِحِيَّةِ دِمَشْقَ فَأَمَرَ الْمُرَقِّي بِفِعْلِ ذَلِكَ قَبْلَ خُرُوجِهِ، وَهُوَ مُسْتَمِرٌّ إلَى الْآنَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَوْ نَفَرُوا قَبْلَهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُمْ لَوْ عَادُوا إلَيْهِ بَعْدَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ أَنَّهَا تَصِحُّ، وَلَيْسَ هَذَا فِي الْخُلَاصَةِ بَلْ الْمَذْكُورُ فِيهَا أَنَّهُمْ لَوْ جَاءُوا قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ جَازَ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَفْتَتِحُوا مَعَهُ، وَإِنَّمَا أَدْرَكُوهُ فِي الرُّكُوعِ جَازَ وَإِلَّا لَا كَمَا فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ فَكَذَا هَذَا.
(قَوْلُهُ حَتَّى إنَّ أَمِيرًا لَوْ أَغْلَقَ إلَخْ) يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا مَنَعَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ وَإِلَّا فَالْإِذْنُ الْعَامُّ يَحْصُلُ بِفَتْحِ أَبْوَابِ الْجَامِعِ لِلْوَارِدِينَ كَمَا عَزَاهُ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ إلَى الْكَافِي وَفِيهِ عَنْ مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ