الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ قَمِيصٍ وَإِزَارٍ وَعِمَامَةٍ أَمَّا لَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ جَمِيعَ بَدَنِهِ كَإِزَارِ الْمَيِّتِ تَجُوزُ صَلَاتُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَتَفْسِيرُهُ مَا يَجْعَلُهُ الْقَصَّارُ فِي الْمُقَصَّرَةِ، وَإِنْ صَلَّى فِي إزَارٍ وَاحِدٍ يَجُوزُ وَيُكْرَهُ وَكَذَا فِي السَّرَاوِيلِ فَقَطْ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَكَذَا مَكْشُوفُ الرَّأْسِ لِلتَّهَاوُنِ وَالتَّكَاسُلِ لَا لِلْخُشُوعِ وَفَسَّرَ فِي الذَّخِيرَةِ التَّوْشِيحَ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ طَوِيلًا يَتَوَشَّحُ بِهِ فَيَجْعَلُ بَعْضَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَبَعْضَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ وَعَلَى كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَنَّ سَتْرَ الْمَنْكِبَيْنِ فِي الصَّلَاةِ مُسْتَحَبٌّ يُكْرَهُ تَرْكُهُ تَنْزِيهًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَفَسَّرَهُ فِي الْمُغْرِبِ بِأَنْ يُدْخِلَهُ تَحْتَ يَدِهِ الْيُمْنَى وَيُلْقِيَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْمُحْرِمُ اهـ.
وَفَسَّرَهُ ابْنُ السِّكِّيتِ بِأَنْ يَأْخُذَ طَرَفَ الثَّوْبِ الَّذِي أَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ الْيُسْرَى وَيَأْخُذَ طَرَفَهُ الَّذِي أَلْقَاهُ عَلَى الْأَيْسَرِ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَعْقِدَهُمَا عَلَى صَدْرِهِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ قَدْ أَلْقَى طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ وَفِي لَفْظٍ مُشْتَمِلًا بِهِ وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ وَفِي لَفْظٍ مُخَالِفًا بَيْنَ طَرَفَيْهِ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ» وَالْأَلْفَاظُ كُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَمِنْ الْمَكْرُوهِ التَّلَثُّمُ وَتَغْطِيَةُ الْأَنْفِ وَالْوَجْهِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ فِعْلَ الْمَجُوسِ حَالَ عِبَادَتِهِمْ النِّيرَانَ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لَكِنَّ التَّلَثُّمَ هُوَ تَغْطِيَةُ الْأَنْفِ وَالْوَجْهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ سَتَرَ قَدَمَيْهِ فِي السَّجْدَةِ يُكْرَهُ
(قَوْلُهُ وَالتَّثَاؤُبُ) وَهُوَ التَّنَفُّسُ الَّذِي يَنْفَتِحُ مِنْهُ الْفَمُ لِدَفْعِ الْبُخَارَاتِ وَهُوَ يَنْشَأُ مِنْ امْتِلَاءِ الْمَعِدَةِ وَثِقَلِ الْبَدَنِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «التَّثَاؤُبُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ» وَالْأَدَبُ أَنْ يَكْظِمَهُ مَا اسْتَطَاعَ أَيْ يَرُدَّهُ وَيَحْبِسَهُ لِمَا رَوَيْنَا فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلْيَضَعْ يَدَهُ أَوْ كُمَّهُ عَلَى فِيهِ وَوَضْعُ الْيَدِ ثَابِتٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَوَضْعُ الْكُمِّ قِيَاسٌ عَلَيْهِ وَصَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ أَنْ يَأْخُذَ شَفَتَيْهِ بِسِنِّهِ فَلَمْ يَفْعَلْ وَغَطَّى فَاهُ بِيَدِهِ أَوْ بِثَوْبِهِ يُكْرَهُ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ تَغْطِيَةَ الْفَمِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فِي الصَّلَاةِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَإِنَّمَا أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ إذَا أَمْكَنَهُ الدَّفْعُ ثُمَّ إذَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ يَضَعُ ظَهْرَ يَدِهِ كَذَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَهَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مَسْطُورًا لِمَشَايِخِنَا اهـ.
وَهُوَ عَجِيبٌ مَعَ كَثْرَةِ مُطَالَعَتِهِ لِلْمُجْتَبَى وَنَقْلِهِ عَنْهُ وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يُغَطِّي فَاهُ بِيَمِينِهِ وَقِيلَ بِيَمِينِهِ فِي الْقِيَامِ وَفِي غَيْرِهِ بِيَسَارِهِ اهـ.
وَمِنْ الْمَكْرُوهِ التَّمَطِّي لِأَنَّهُ مِنْ التَّكَاسُلِ
(قَوْلُهُ وَتَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ) لِمَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُغْمِضْ عَيْنَيْهِ» إلَّا أَنَّ فِي سَنَدِهِ مَنْ ضُعِّفَ وَالْكَرَاهَةُ مَرْوِيَّةٌ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَعَلَّلَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَرْمِيَ بَصَرَهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَفِي التَّغْمِيضِ تَرْكُ هَذِهِ السُّنَّةِ وَلِأَنَّ كُلَّ عُضْوٍ وَطَرَفٍ ذُو حَظٍّ مِنْ هَذِهِ الْعِبَادَةِ فَكَذَا الْعَيْنُ اهـ.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُغْمِضُ فِي السُّجُودِ وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ نَفَّعَنَا اللَّهُ بِهِمْ يَفْتَحُ عَيْنَيْهِ فِي السُّجُودِ لِأَنَّهُمَا يَسْجُدَانِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةً إذَا كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ أَمَّا لَوْ خَافَ فَوَاتَ خُشُوعٍ بِسَبَبِ رُؤْيَةِ مَا يُفَرِّقُ الْخَاطِرَ فَلَا يُكْرَهُ غَمْضُهُمَا بِسَبَبِ ذَلِكَ بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ أَوْلَى لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لِكَمَالِ الْخُشُوعِ
(قَوْلُهُ وَقِيَامُ الْإِمَامِ لَا سُجُودُهُ فِي الطَّاقِ) أَيْ الْمِحْرَابِ لِأَنَّ قِيَامَهُ فِيهِ يُشْبِهُ صَنِيعَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِخِلَافِ سُجُودِهِ فِيهِ وَقِيَامِهِ خَارِجَهُ هَكَذَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ أَحَدُ الطَّرِيقَيْنِ لِلْمَشَايِخِ وَأَصْلُهُ أَنَّ مُحَمَّدًا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَفَسَّرَهُ فِي الْمُغْرِبِ) أَيْ فَسَّرَ التَّوَشُّحَ (قَوْلُهُ لَكِنْ التَّلَثُّمُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الشَّارِحِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّلَثُّمَ يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ وَتَغْطِيَةُ الْأَنْفِ وَالْوَجْهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَتَرَ قَدَمَيْهِ فِي السَّجْدَةِ يُكْرَهُ) قَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ قَصْدُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ فِعْلٌ زَائِدٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ أَمَّا لَوْ وَقَعَ بِغَيْرِ قَصْدٍ فَلَا وَجْهَ لِكَرَاهَتِهِ بَلْ يُكْرَهُ تَكَلُّفُ الْكَشْفِ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالتَّثَاؤُبُ) بِالْهَمْزِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَفِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ يُكْرَهُ وَلَوْ خَارِجَهَا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ لِأَنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَالْأَنْبِيَاءُ عليهم السلام مَحْفُوظُونَ مِنْهُ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ فِي شَرْحِ تُحْفَةِ الْمُلُوكِ الْمُسَمَّى بِهَدِيَّةِ الصُّعْلُوكِ قَالَ الزَّاهِدِيُّ الطَّرِيقُ فِي دَفْعِ التَّثَاؤُبِ أَنْ يَخْطِرَ بِبَالِهِ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَا تَثَاءَبُوا قَطُّ قَالَ الْقُدُورِيُّ جَرَّبْنَاهُ مِرَارًا فَوَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ. اهـ.
(قَوْلُهُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ) دَلِيلٌ لِلْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ عَجِيبٌ إلَخْ) أَعْجَبُ مِنْهُ قَوْلُ النَّهْرِ وَأَفَادَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّهُ يُغَطِّي فِي الْقِيَامِ بِالْيُمْنَى وَفِي غَيْرِهِ بِالْيُسْرَى وَاَلَّذِي رَأَيْته فِيهِ أَنَّهُ يُغَطِّي بِالْيُمْنَى وَقِيلَ إنْ كَانَ فِي الْقِيَامِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ فَبِالْيُسْرَى اهـ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي نُسْخَةِ الْبَحْرِ الَّتِي اطَّلَعَ عَلَيْهَا سَقْطٌ
[تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ فِي الصَّلَاةِ]
(قَوْلُهُ مَنْ ضُعِّفَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ عَيْنِ ضُعِّفَ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ
(قَوْلُ الْمُصَنِّف وَقِيَامُ الْإِمَامِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ تَأَمَّلْ
صَرَّحَ بِالْكَرَاهَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يُفَصِّلْ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي سَبَبِهَا فَقِيلَ كَوْنُهُ يَصِيرُ مُمْتَازًا عَنْهُمْ فِي الْمَكَانِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى بَيْتٍ آخَرَ وَذَلِكَ صَنِيعُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَقَالَ إنَّهُ الْأَوْجَهُ وَقِيلَ اشْتِبَاهُ حَالِهِ عَلَى مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ فَعَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى يُكْرَهُ مُطْلَقًا وَعَلَى الثَّانِيَةِ لَا يُكْرَهُ عِنْدَ عَدَمِ الِاشْتِبَاهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ امْتِيَازَ الْإِمَامِ مُقَرَّرٌ مَطْلُوبٌ فِي الشَّرْعِ فِي حَقِّ الْمَكَانِ حَتَّى كَانَ التَّقَدُّمُ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَغَايَةُ مَا هُنَا كَوْنُهُ فِي خُصُوصِ مَكَان وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُحَاذِي وَسْطَ الصَّفِّ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ إذْ قِيَامُهُ فِي غَيْرِ مُحَاذَاتِهِ مَكْرُوهٌ وَغَايَتُهُ اتِّفَاقُ الْمِلَّتَيْنِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَلَا بِدْعَ فِيهِ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ إنَّمَا يَخُصُّونَ الْإِمَامَ بِالْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ عَلَى مَا قِيلَ فَلَا تَشَبُّهَ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ إنَّ امْتِيَازَ الْإِمَامِ الْمَطْلُوبِ فِي الشَّرْعِ حَاصِلٌ بِتَقَدُّمِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقِفَ فِي مَكَان آخَرَ فَمَتَى أَمْكَنَ تَمْيِيزُهُ مِنْ غَيْرِ تَشَبُّهٍ بِأَهْلِ الْكِتَابِ تَعَيَّنَ فَحِينَئِذٍ وُقُوفُهُ فِي الْمِحْرَابِ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَكُرِهَ مُطْلَقًا وَلِهَذَا قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَصَاحِبُ التَّجْنِيسِ إذَا ضَاقَ الْمَسْجِدُ بِمَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ عَلَى الْقَوْمِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ فِي الطَّاقِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَضِقْ الْمَسْجِدُ بِمَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُومَ فِي الطَّاقِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ تَبَايُنَ الْمَكَانَيْنِ اهـ.
يَعْنِي: وَحَقِيقَةُ اخْتِلَافِ الْمَكَانِ تَمْنَعُ الْجَوَازَ فَشُبْهَةُ الِاخْتِلَافِ تُوجِبُ الْكَرَاهَةَ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ الْمِحْرَابُ مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا هِيَ الْعَادَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ فَصُورَتُهُ وَهَيْئَتُهُ اقْتَضَتْ شُبْهَةَ الِاخْتِلَافِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مُقْتَضَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَرَاهَةُ قِيَامِهِ فِي الْمِحْرَابِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ اشْتَبَهَ حَالُ الْإِمَامِ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْمِحْرَابُ مِنْ الْمَسْجِدِ أَمْ لَا وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ سُجُودُهُ فِي الْمِحْرَابِ إذَا كَانَ قَدَمَاهُ خَارِجَهُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْقَدَمِ فِي مَكَانِ الصَّلَاةِ حَتَّى تُشْتَرَطَ طَهَارَتُهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً بِخِلَافِ مَكَانِ السُّجُودِ إذْ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ يَحْنَثُ بِوَضْعِ الْقَدَمَيْنِ وَإِنْ كَانَ بَاقِي بَدَنِهِ خَارِجَهَا وَالصَّيْدُ إذَا كَانَ رِجْلَاهُ فِي الْحَرَمِ وَرَأْسُهُ خَارِجٌ مِنْهُ فَهُوَ صَيْدُ الْحَرَمِ فَفِيهِ الْجَزَاءُ
(قَوْلُهُ وَانْفِرَادُ الْإِمَامِ عَلَى الدُّكَّانِ وَعَكْسُهُ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِحَدِيثِ الْحَاكِمِ مَرْفُوعًا «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ فَوْقَ وَيَبْقَى النَّاسُ خَلْفَهُ» وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ لِإِمَامِهِمْ دُكَّانًا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الدُّكَّانُ قَدْرَ قَامَةِ الرَّجُلِ أَوْ دُونَ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ وَقَيَّدَهُ الطَّحَاوِيُّ بِقَدْرِ الْقَامَةِ وَنَفَى الْكَرَاهَةَ فِيمَا دُونَهُ وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّهُ مُقَدَّرٌ بِذِرَاعٍ اعْتِبَارًا بِالسُّتْرَةِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لَكِنْ قَالَ الْأَوْجَهُ الْإِطْلَاقُ وَهُوَ مَا يَقَعُ بِهِ الِامْتِيَازُ لِأَنَّ الْمُوجِبَ وَهُوَ شَبَهُ الِازْدِرَاءِ يَتَحَقَّقُ فِيهِ غَيْرَ مُقْتَصِرٍ عَلَى قَدْرِ الذِّرَاعِ اهـ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّصْحِيحَ قَدْ اخْتَلَفَ وَالْأَوْلَى الْعَمَلُ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَأَمَّا عَكْسُهُ وَهُوَ انْفِرَادُ الْقَوْمِ عَلَى الدُّكَّانِ بِأَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ أَسْفَلَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ
وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْكَرَاهَةِ التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا تَشَبُّهَ هُنَاكَ لِأَنَّ مَكَانَ إمَامِهِمْ لَا يَكُونُ أَسْفَلَ وَجَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ لِأَنَّ كَرَاهَةَ كَوْنِ الْمَكَانِ أَرْفَعَ كَانَ مَعْلُولًا بِعِلَّتَيْنِ التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَوُجُودُ بَعْضِ الْمُفْسِدِ وَهُوَ اخْتِلَافُ الْمَكَانِ وَهَاهُنَا وُجِدَتْ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ وَهِيَ وُجُودُ بَعْضِ الْمُخَالَفَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ عَلَّلَ الْكَرَاهَةَ فِي الثَّانِيَةِ بِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ شَبَهِ الِازْدِرَاءِ بِالْإِمَامِ وَلَعَلَّهُ أَوْلَى وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ مَشَى قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَعَزَاهُ إلَى النَّوَادِرِ وَقَالَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ) ذَكَرَ نَحْوَهُ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لَكِنْ جَنَحَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُنْيَةِ إلَى تَأْيِيدِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ قَالَ قُلْت وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ قَاضِي خَانْ أَنَّ التَّشَبُّهَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ لَا يُكْرَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَخْ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمَذْمُومِ فِي شَيْءٍ وَكَوْنُهُ يُشْبِهُ اخْتِلَافَ الْمَكَانَيْنِ وَحَقِيقَةُ الِاخْتِلَافِ تَمْنَعُ الْجَوَازَ فَشُبْهَةُ الِاخْتِلَافِ تُوجِبُ الْكَرَاهَةَ يُعَارَضُ بِمَا لَوْ تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ بِقَاعِ الْمَسْجِدِ عَلَى الْقَوْمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَ الْمِحْرَابَ وَلَا قَائِلَ بِالْكَرَاهِيَةِ فِيهِ فَكَذَا هُنَا اهـ.
قُلْت: يُجَابُ عَنْ الْمُعَارَضَةِ الْمَذْكُورَةِ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ مِنْ أَنَّ الْمِحْرَابَ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَسْجِدِ لَكِنْ صُورَتُهُ وَهَيْئَتُهُ تَقْتَضِي شُبْهَةَ اخْتِلَافِ الْمَكَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَبَقِيَّةِ بِقَاعِ الْمَسْجِدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُصَلِّي فِيهِ بِخُصُوصِهِ كُلُّ أَحَدٍ وَإِنَّمَا جُعِلَ عَلَامَةً لِمَكَانِ وُقُوفِ الْإِمَامِ وَأَنْ يَكُونَ سُجُودُهُ فِيهِ لَا قِيَامُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْنَ لَأَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ فِي دَاخِلِهِ وَلَا لَأَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ النَّاسُ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَامَةٌ كَمَا قُلْنَا فَأَشْبَهَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَكَانِ آخَرَ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ بِقَاعِ الْمَسْجِدِ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ وَعَلَّلُوهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ وَالْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ يَقْتَضِي أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ إلَّا أَنْ يُوجَدَ صَارِفٌ تَأَمَّلْ
وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ اهـ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ أَمَّا عِنْدَ الْعُذْرِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ فَإِنَّ الْقَوْمَ يَقُومُونَ عَلَى الرُّفُوفِ وَالْإِمَامَ عَلَى الْأَرْضِ وَلَمْ يُكْرَهْ ذَلِكَ لِضِيقِ الْمَكَانِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَهَلْ يَدْخُلُ فِي الْحَاجَةِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ إرَادَةُ تَعْلِيمِ الْمَأْمُومِينَ أَعْمَالَ الصَّلَاةِ وَفِي حَقِّ الْمَأْمُومِينَ إرَادَةُ تَبْلِيغِ انْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ عِنْدَ اتِّسَاعِ الْمَكَانِ وَكَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ نَعَمْ قِيلَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.
قَيَّدَ بِالِانْفِرَادِ لِأَنَّهُ لَوْ قَامَ بَعْضُ الْقَوْمِ مَعَ الْإِمَامِ قِيلَ يُكْرَهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَبِهِ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي جَوَامِعِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَغْلَبِ الْأَمْصَارِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ مَعْنَى التَّشَبُّهِ قَالَ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ قِيَاسُ رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ لِزَوَالِ مَعْنَى التَّشَبُّهِ لِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَا يُشَارِكُونَ الْإِمَامَ فِي الْمَكَانِ وَمَنْ اعْتَبَرَ وُجُودَ بَعْضِ الْمُفْسِدِ قَالَ يُكْرَهُ وَهُوَ قِيَاسُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِوُجُودِ بَعْضِ الْمُخَالَفَةِ فِي الْمَكَانِ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى
(قَوْلُهُ وَلُبْسُ ثَوْبٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ حَامِلَ الصَّنَمِ فَيُكْرَهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَتُكْرَهُ التَّصَاوِيرُ عَلَى الثَّوْبِ صَلَّى فِيهِ أَوْ لَمْ يُصَلِّ اهـ.
وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِ تَصْوِيرِهِ صُورَةَ الْحَيَوَانِ وَأَنَّهُ قَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ تَصْوِيرُ صُوَرِ الْحَيَوَانِ حَرَامٌ شَدِيدُ التَّحْرِيمِ وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ لِأَنَّهُ مُتَوَعَّدٌ عَلَيْهِ بِهَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَحَادِيثِ يَعْنِي مِثْلَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ» ثُمَّ قَالَ وَسَوَاءٌ صَنَعَهُ لِمَا يُمْتَهَنُ أَوْ لِغَيْرِهِ فَصَنْعَتُهُ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ فِيهِ مُضَاهَاةً لِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَوَاءٌ كَانَ فِي ثَوْبٍ أَوْ بِسَاطٍ أَوْ دِرْهَمٍ وَدِينَارٍ وَفَلْسٍ وَإِنَاءٍ وَحَائِطٍ وَغَيْرِهَا اهـ.
فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَرَامًا لَا مَكْرُوهًا إنْ ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ أَوْ قَطْعِيَّةُ الدَّلِيلِ لِتَوَاتُرِهِ قَيَّدَ بِالثَّوْبِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِ وَهُوَ يُصَلِّي لَا تُكْرَهُ لِأَنَّهُ مَسْتُورٌ بِثِيَابِهِ كَذَا لَوْ كَانَ عَلَى خَاتَمِهِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْمُحِيطِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ تَصَاوِيرُ وَهُوَ يَؤُمُّ النَّاسَ لَا تُكْرَهُ إمَامَتُهُ لِأَنَّهَا مَسْتُورَةٌ بِالثِّيَابِ فَصَارَ كَصُورَةٍ فِي نَقْشِ خَاتَمٍ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَبِينٍ اهـ.
وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْمُسْتَبِينَ فِي الْخَاتَمِ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَهُ وَيُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَمَعَهُ صُرَّةٌ أَوْ كِيسٌ فِيهِ دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ فِيهَا صُوَرٌ صِغَارٌ لِاسْتِتَارِهَا وَيُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فَوْقَ الثَّوْبِ الَّذِي فِيهِ صُورَةُ ثَوْبٌ سَاتِرٌ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ لِاسْتِتَارِهَا بِالثَّوْبِ الْآخَرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
(قَوْلُهُ وَأَنْ يَكُونَ فَوْقَ رَأْسِهِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ بِحِذَائِهِ صُورَةٌ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ» وَفِي الْمُغْرِبِ الصُّورَةُ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا يُصَوَّرُ مُشَبَّهًا بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ ذَوَاتِ الرُّوحِ وَغَيْرِهَا وَقَوْلُهُمْ وَيُكْرَهُ التَّصَاوِيرُ الْمُرَادُ بِهَا التَّمَاثِيلُ اهـ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّورَةَ عَامٌّ وَالتَّمَاثِيلَ خَاصٌّ وَالْمُرَادُ هُنَا الْخَاصُّ فَإِنَّ غَيْرَ ذِي الرُّوحِ لَا يُكْرَهُ كَالشَّجَرِ لِمَا سَيَأْتِي وَالْمُرَادُ بِحِذَائِهِ يَمِينُهُ وَيَسَارُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا كَانَتْ خَلْفَهُ لِلِاخْتِلَافِ فَفِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ الْعِبَادَةَ وَصَرَّحَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِالْكَرَاهَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَبِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ قِيَامِهِ أَوْ جُلُوسِهِ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهَا اسْتِهَانَةٌ بِهَا وَكَذَلِكَ عَلَى الْوِسَادَةِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً يُكْرَهُ لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ مَفْرُوشَةً لَا تُكْرَهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ قَالُوا وَأَشَدُّهَا كَرَاهَةً مَا يَكُونُ عَلَى الْقِبْلَةِ أَمَامَ الْمُصَلِّي وَاَلَّذِي يَلِيه مَا يَكُونُ فَوْقَ رَأْسِهِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ مَا يَكُونُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ عَلَى الْحَائِطِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ مَا يَكُونُ خَلْفَهُ عَلَى الْحَائِطِ أَوْ السِّتْرِ وَإِنَّمَا لَمْ تُكْرَهْ الصَّلَاةُ فِي بَيْتٍ فِيهِ صُورَةٌ مُهَانَةٌ عَلَى بِسَاطٍ يُوطَأُ أَوْ مَرْفَقَةٌ يُتَّكَأُ عَلَيْهَا مَعَ عُمُومِ الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي إلَخْ) .
أَقُولُ: فِي الْمِعْرَاجِ مَا نَصُّهُ وَبِقَوْلِنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَّا إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ تَعْلِيمَ الْقَوْمِ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ أَوْ أَرَادَ الْمَأْمُومُ تَبْلِيغَ الْقَوْمِ فَحِينَئِذٍ لَا يُكْرَهُ عِنْدَنَا. اهـ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ قَامَ بَعْضُ الْقَوْمِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْضِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْقَوْمِ لَا وَاحِدٌ لِمَا فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَامَ وَاحِدٌ بِجَنْبِ الْإِمَامِ وَخَلْفَهُ صَفٌّ كُرِهَ إجْمَاعًا
(قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَرَامًا) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ النَّوَوِيِّ إلَخْ ثُمَّ الْمُتَبَادِرُ مِنْ سِيَاقِهِ كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَالتَّفْرِيعِ عَلَيْهِ أَنَّ مُرَادَهُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَتُكْرَهُ التَّصَاوِيرُ عَلَى الثَّوْبِ إلَخْ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ مُرَادُ الْخُلَاصَةِ تَصْوِيرَ التَّصَاوِيرِ بَلْ اسْتِعْمَالُهَا أَيْ اسْتِعْمَالُ الثَّوْبِ الَّتِي هِيَ فِيهِ فَيُسَاوِي كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ قَوْلُ الْخُلَاصَةِ بَعْدَ عِبَارَتِهِ السَّابِقَةِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَهُوَ يُصَلِّي لَا يُكْرَهُ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَيُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ فِي الصِّغَارِ غَنِيٌّ عَنْ التَّعْلِيلِ بِالِاسْتِتَارِ بَلْ مُقْتَضَاهُ ثُبُوتُهَا إذَا كَانَتْ مُنْكَشِفَةً وَسَيَأْتِي أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ لَكِنْ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ جَعْلُ الصُّورَةِ فِي الْبَيْتِ لِخَبَرِ «إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ أَوْ صُورَةٌ»
الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُهُ وَهُوَ عِلَّةُ الْكَرَاهَةِ لِأَنَّ شَرَّ الْبِقَاعِ بُقْعَةٌ لَا تَدْخُلُهَا الْمَلَائِكَةُ لِوُجُودِ مُخَصِّصٍ وَهُوَ مَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ «اسْتَأْذَنَ جِبْرِيلُ عليه السلام عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ اُدْخُلْ فَقَالَ كَيْفَ أَدْخُلُ وَفِي بَيْتِكَ سِتْرٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ فَإِنْ كُنْت لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاقْطَعْ رُءُوسَهَا أَوْ اقْطَعْهَا وَسَائِدَ أَوْ اجْعَلْهَا بُسُطًا»
وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْمَظَالِمِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَنَّهَا اتَّخَذَتْ عَلَى سَهْوَةٍ لَهَا سِتْرًا فِيهِ تَمَاثِيلُ فَهَتَكَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ فَاِتَّخَذْتُ مِنْهُ نِمْرِقَتَيْنِ فَكَانَتَا فِي الْبَيْتِ نَجْلِسُ عَلَيْهِمَا» زَادَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ «وَلَقَدْ رَأَيْته مُتَّكِئًا عَلَى أَحَدِهِمَا وَفِيهِ صُورَةٌ» وَالسَّهْوَةُ كَالصُّفَّةِ تَكُونُ بَيْنَ الْبَيْتِ وَقِيلَ بَيْتٌ صَغِيرٌ كَالْخِزَانَةِ وَالنِّمْرُقَةُ بِكَسْرِ النُّونِ وِسَادَةٌ صَغِيرَةٌ وَالْوِسَادَةُ الْمِخَدَّةُ لَكِنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ صُورَةٌ وَإِنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ كَمَا أَفَادَتْهُ النُّصُوصُ الْمُخَصِّصَةُ وَإِنْ عُلِّلَ بِالتَّشَبُّهِ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ فَمَمْنُوعٌ فَإِنَّهُمْ لَا يَسْجُدُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا يَنْصِبُونَهَا وَيَتَوَجَّهُونَ إلَيْهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ فِيهَا صُورَةَ التَّشَبُّهِ بِعِبَادَتِهَا حَالَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَفِيهِ تَعْظِيمٌ لَهَا إنْ سَجَدَ عَلَيْهَا وَلِهَذَا أَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ فِي الْأَصْلِ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى الْبِسَاطِ الْمُصَلَّى عَلَيْهِ صُورَةٌ لِأَنَّ الَّذِي يُصَلَّى عَلَيْهِ مُعَظَّمٌ فَوَضْعُ الصُّورَةِ فِيهِ تَعْظِيمٌ لَهَا بِخِلَافِ الْبِسَاطِ الَّذِي لَيْسَ بِمُصَلًّى وَتَقَدَّمَ عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ التَّقْيِيدُ بِمَوْضِعِ السُّجُودِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ إطْلَاقُ الْأَصْلِ عَلَيْهِ وَأَنَّهَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَا يُكْرَهُ اتِّفَاقًا وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَلِّيَ عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ لَكِنْ لَا يَسْجُدُ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ ثُمَّ التِّمْثَالُ إنْ كَانَ عَلَى وِسَادَةٍ أَوْ بِسَاطٍ لَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِهِمَا وَإِنْ كَانَ يُكْرَهُ اتِّخَاذُهُمَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا كَانَتْ الصُّورَةُ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ هَلْ تَمْنَعُ الْمَلَائِكَةَ مِنْ دُخُولِ الْبَيْتِ بِسَبَبِهَا فَذَهَبَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إلَى أَنَّهُمْ لَا يَمْتَنِعُونَ وَأَنَّ الْأَحَادِيثَ مُخَصَّصَةٌ وَذَهَبَ النَّوَوِيُّ إلَى الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْمَلَائِكَةِ الْمَذْكُورِينَ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ لَا الْحَفَظَةُ لِأَنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَهُ إلَّا فِي خَلْوَتِهِ بِأَهْلِهِ وَعِنْدَ الْخَلَاءِ
(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً) لِأَنَّ الصِّغَارَ جِدًّا لَا تُعْبَدُ فَلَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْوَثَنِ فَلَا تُكْرَهُ فِي الْبَيْتِ وَالْكَرَاهَةُ إنَّمَا كَانَتْ بِاعْتِبَارِ شَبَهِ الْعِبَادَةِ كَذَا قَالُوا وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ وَالْمُرَادُ بِالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ عَلَى بُعْدٍ وَالْكَبِيرَةِ الَّتِي تَبْدُو لِلنَّاظِرِ عَلَى بُعْدٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَنَقَلَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ كَانَ عَلَى خَاتَمِ أَبِي مُوسَى ذُبَابَتَانِ وَأَنَّهُ لَمَّا وُجِدَ خَاتَمُ دَانْيَالَ عليه السلام فِي عَهْدِ عُمَرَ رضي الله عنه وُجِدَ عَلَيْهِ أَسَدٌ وَلَبُؤَةٌ بَيْنَهُمَا صَبِيٌّ يَلْحَسَانِهِ وَذَلِكَ أَنَّ بُخْتَ نَصَّرَ قِيلَ لَهُ يُولَدُ مَوْلُودٌ يَكُونُ هَلَاكُك عَلَى يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَقْتُلُ مَنْ يُولَدُ فَلَمَّا وَلَدَتْ أُمُّ دَانْيَالَ أَلْقَتْهُ فِي غَيْضَةٍ رَجَاءَ أَنْ يَسْلَمَ فَقَيَّضَ اللَّهُ لَهُ أَسَدًا يَحْفَظُهُ وَلَبُؤَةً تُرْضِعُهُ فَنَقَشَهُ بِمَرْأًى مِنْهُ لِيَتَذَكَّرَ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَدَفَعَهُ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَكَانَ لِابْنِ عَبَّاسٍ كَانُونٌ مَحْفُوفٌ بِصُوَرٍ صِغَارٍ اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ كِتَابِ الْكَرَاهَةِ رَجُلٌ صَلَّى وَمَعَهُ دَرَاهِمُ وَفِيهَا تَمَاثِيلُ مِلِكٍ لَا بَأْسَ بِهِ لِصِغَرِهَا. اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ مَقْطُوعَ الرَّأْسِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأَصْلِ أَوْ كَانَ لَهَا رَأْسٌ وَمُحِيَ وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَطْعُ بِخَيْطٍ خِيطَ عَلَى جَمِيعِ الرَّأْسِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ أَوْ يَطْلِيهِ بِمِغْرَةٍ وَنَحْوِهَا أَوْ بِنَحْتِهِ أَوْ بِغَسْلِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ لِأَنَّهَا لَا تُعْبَدُ بِدُونِ الرَّأْسِ عَادَةً وَلِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي جِنَازَةٍ فَقَالَ أَيُّكُمْ يَنْطَلِقُ إلَى الْمَدِينَةِ فَلَا يَدَعُ بِهَا وَثَنًا إلَّا كَسَرَهُ وَلَا قَبْرًا إلَّا سَوَّاهُ وَلَا صُورَةً إلَّا لَطَّخَهَا» اهـ.
وَأَمَّا قَطْعُ الرَّأْسِ عَنْ الْجَسَدِ بِخَيْطٍ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ لِوُجُودِ مُخَصِّصٍ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ لَمْ تُكْرَهْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ يَقْتَضِي أَيْ لِأَنَّ عِلَّةَ الْكَرَاهَةِ عَدَمُ دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ كَمَا مَرَّ وَإِذَا كَانَتْ مُهَانَةً لَا تَمْتَنِعُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ الدُّخُولِ كَمَا أَفَادَتْهُ النُّصُوصُ الْمُخَصِّصَةُ وَإِذَا انْتَفَتْ الْعِلَّةُ ثَبَتَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ عُلِّلَ بِالتَّشَبُّهِ إلَخْ دَفْعٌ لِمَا يُقَالُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِلْكَرَاهَةِ عِلَّةٌ أُخْرَى وَهِيَ التَّشَبُّهُ فَانْتِفَاءُ تِلْكَ الْعِلَّةِ لَا يُوجِبُ ثُبُوتَ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ يُكْرَهُ اتِّخَاذُهُمَا) اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِذَلِكَ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِهِمَا وَنُظِرَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فِي دَعْوَى الْكَرَاهَةِ لِمَا مَرَّ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَلِمَا فِي الْهِدَايَةِ لَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ عَلَى وِسَادَةٍ مُلْقَاةٍ أَوْ عَلَى بِسَاطٍ مَفْرُوشٍ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهَا تُدَاسُ وَتُوطَأُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْوِسَادَةُ مَنْصُوبَةً أَوْ كَانَتْ مَعَ السِّتْرِ لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ لَهَا. اهـ.
قُلْت وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِهَا أَيْ بِأَنْ يَتَّكِئَ عَلَى الْوِسَادَةِ وَيَفْرِشَ الْبِسَاطَ وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ يُكْرَهُ اتِّخَاذُهُمَا أَيْ اتِّخَاذُهُمَا لِزِينَةٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا فِيهِ تَعْظِيمٌ أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالِاتِّخَاذِ فِعْلُ التَّصْوِيرِ فِيهِمَا أَيْ أَنَّ التَّصْوِيرَ فِيهِمَا مَكْرُوهٌ دُونَ اسْتِعْمَالِهِمَا تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ التَّشَبُّهَ بَلْ الْعِلَّةُ عَدَمُ دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ عليهم السلام بَيْتًا هِيَ فِيهِ (قَوْلُهُ الَّتِي لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ عَلَى بُعْدٍ) لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا حَدَّ الْبُعْدِ وَيُفَسِّرُهُ مَا فِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا بِحَيْثُ لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ إذَا كَانَ قَائِمًا وَهِيَ عَلَى الْأَرْضِ أَيْ لَا تَتَبَيَّنُ أَعْضَاؤُهَا
مَعَ بَقَاءِ الرَّأْسِ عَلَى حَالِهِ فَلَا يَنْفِي الْكَرَاهَةَ لِأَنَّ مِنْ الطُّيُورِ مَا هُوَ مُطَوَّقٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْقَطْعُ بِذَلِكَ وَلِهَذَا فَسَّرَ فِي الْهِدَايَةِ الْمَقْطُوعَ بِمَحْوِ الرَّأْسِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَيَّدَ بِالرَّأْسِ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِإِزَالَةِ الْحَاجِبَيْنِ أَوْ الْعَيْنَيْنِ لِأَنَّهَا تُعْبَدُ بِدُونِهَا وَكَذَا لَا اعْتِبَارَ بِقَطْعِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَكَذَا لَوْ مَحَى وَجْهَ الصُّورَةِ فَهُوَ كَقَطْعِ الرَّأْسِ
(قَوْلُهُ أَوْ لِغَيْرِ ذِي رُوحٍ) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِتِمْثَالٍ وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ إنِّي رَجُلٌ أُصَوِّرُ هَذِهِ الصُّوَرَ فَأَفْتِنِي فِيهَا فَقَالَ لَهُ اُدْنُ مِنِّي فَدَنَا ثُمَّ قَالَ لَهُ اُدْنُ مِنِّي فَدَنَا حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ أُنَبِّئُك بِمَا سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ يُجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا فَتُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَإِنْ كُنْت لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاصْنَعْ الشَّجَرَ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ اهـ.
وَلَا فَرْقَ فِي الشَّجَرِ بَيْنَ الْمُثْمِرِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا مُجَاهِدًا فَإِنَّهُ كَرِهَ الْمُثْمِرَ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ رَأَى صُورَةً فِي بَيْتِ غَيْرِهِ يَجُوزُ لَهُ مَحْوُهَا وَتَغْيِيرُهَا وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْأَجِيرِ لِتَصْوِيرِ تَمَاثِيلِ الرِّجَالِ أَوْ لِيُزَخْرِفَهَا وَالْأَصْبَاغُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ قَالَ لَا أَجْرَ لَهُ لِأَنَّ عَمَلَهُ مَعْصِيَةٌ وَفِي التَّفَارِيقِ هَدَمَ بَيْتًا مُصَوَّرًا بِالْأَصْبَاغِ ضَمِنَ قِيمَةَ الْبَيْتِ وَالْأَصْبَاغَ غَيْرَ مُصَوَّرٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَعَدُّ الْآيِ وَالتَّسْبِيحِ) أَيْ وَيُكْرَهُ عَدُّ الْآيَاتِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالتَّسْبِيحِ وَكَذَا السُّوَرُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْعَدَّ فِي الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ جَمِيعًا بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْهُمَا فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعَدَّ بِالْيَدِ لَا بَأْسَ بِهِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ فِي الْكَافِي وَقَالَا لَا بَأْسَ بِهِ فَجَزَمَ بِهِ عَنْهُمَا وَعَلَّلَ لَهُمَا بِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَضْطَرُّ إلَى ذَلِكَ لِمُرَاعَاةِ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ وَالْعَمَلِ بِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ «وَقَالَ عليه السلام لِنِسْوَةٍ سَأَلَتْهُ عَنْ التَّسْبِيحِ اُعْدُدْنَهُ بِالْأَنَامِلِ فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَقَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ قُلْنَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعُدَّ ذَلِكَ قَبْلَ الشُّرُوعِ إنَّمَا يَأْتِي هَذَا فِي الْآيِ دُونَ التَّسْبِيحَاتِ اهـ.
قَالُوا وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ هُوَ الْعَدُّ بِالْيَدِ كَمَا وَقَعَ التَّقْيِيدُ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ سَوَاءٌ كَانَ بِأَصَابِعِهِ أَوْ بِخَيْطٍ يُمْسِكُهُ أَمَّا الْغَمْزُ بِرُءُوسِ الْأَصَابِعِ أَوْ الْحِفْظُ بِالْقَلْبِ فَهُوَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ اتِّفَاقًا وَالْعَدُّ بِاللِّسَانِ مُفْسِدٌ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِالْآيِ وَالتَّسْبِيحِ لِأَنَّ عَدَّ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ مَكْرُوهٌ اتِّفَاقًا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدَ بِالصَّلَاةِ لِأَنَّ الْعَدَّ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَا يُكْرَهُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى لِأَنَّهُ أَسْكَنُ لِلْقَلْبِ وَأَجْلَبُ لِلنَّشَاطِ وَلِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ «عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى أَوْ حَصًا تُسَبِّحُ بِهِ فَقَالَ أُخْبِرُك بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْك مِنْ هَذَا أَوْ أَفْضَلُ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ مِثْلُ ذَلِكَ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مِثْلُ ذَلِكَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ مِثْلُ ذَلِكَ» فَلَمْ يَنْهَهَا عَنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَرْشَدَهَا إلَى مَا هُوَ أَيْسَرُ وَأَفْضَلُ وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَبَيَّنَ لَهَا ذَلِكَ ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَشْهَدُ بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاتِّخَاذِ السُّبْحَةِ الْمَعْرُوفَةِ لِإِحْصَاءِ عَدَدِ الْأَذْكَارِ إذْ لَا تَزِيدُ السُّبْحَةُ عَلَى مَضْمُونِ هَذَا الْحَدِيثِ إلَّا بِضَمِّ النَّوَى وَنَحْوِهِ فِي خَيْطٍ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَظْهَرُ تَأْثِيرُهُ فِي الْمَنْعِ فَلَا جَرَمَ إنْ نُقِلَ اتِّخَاذُهَا وَالْعَمَلُ بِهَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصُّوفِيَّةِ الْأَخْيَارِ وَغَيْرِهِمْ اللَّهُمَّ إلَّا إذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهَا رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ فَلَا كَلَامَ لَنَا فِيهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا يَشْهَدُ لِأَفْضَلِيَّةِ هَذَا الذِّكْرِ الْمَخْصُوصِ عَلَى ذِكْرٍ مُجَرَّدٍ عَنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ وَلَوْ تَكَرَّرَ يَسِيرًا
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعَلَّامَةَ الْحَلَبِيَّ ذَكَرَ أَنَّ كَرَاهَةَ الْعَدِّ بِالْيَدِ فِي الصَّلَاةِ تَنْزِيهِيَّةٌ وَظَاهِرُ النِّهَايَةِ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ فَإِنَّهُ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ الْعَدُّ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكِتَابِ فَصْلٌ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَقَدْ يَصِيرُ الْعَدُّ عَمَلًا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ دُونَ التَّسْبِيحَاتِ) أَيْ فَيُزَادُ مِنْ طَرَفِ الْإِمَامِ بِأَنْ يُقَالَ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ احْتَاجَ إلَيْهِ عَدَّهُ إشَارَةً أَوْ بِقَلْبِهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَشْهَدُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِبِدْعَةٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ النَّوَاوِيَّةِ السُّبْحَةُ وَرَدَ لَهَا أَصْلٌ أَصِيلٌ عَنْ بَعْضِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَقَرَّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ النِّهَايَةِ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا غَيْرُ مُبَاحٍ أَيْ غَيْرُ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ اهـ.
قَالَ الرَّمْلِيُّ الْغَالِبُ إطْلَاقُهُمْ غَيْرَ الْمُبَاحِ عَلَى الْمُحَرَّمِ أَوْ الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا وَإِنْ كَانَ يُطْلَقُ عَلَى مَا ذُكِرَ
كَثِيرًا فَيُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ وَمَا رُوِيَ فِي الْأَحَادِيثِ مَنْ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ كَذَا وَكَذَا مَرَّةً {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَكَذَا كَذَا تَسْبِيحَةً فَتِلْكَ الْأَحَادِيثُ لَمْ يُصَحِّحْهَا الثِّقَاتُ أَمَّا صَلَاةُ التَّسْبِيحِ فَقَدْ أَوْرَدَهَا الثِّقَاتُ وَهِيَ صَلَاةٌ مُبَارَكَةٌ فِيهَا ثَوَابٌ عَظِيمٌ وَمَنَافِعُ كَثِيرَةٌ فَإِنَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَحْفَظَ بِالْقَلْبِ وَإِنْ احْتَاجَ يَعُدُّ بِالْأَنَامِلِ حَتَّى لَا يَصِيرَ عَمَلًا كَثِيرًا اهـ.
ثُمَّ صَلَاةُ التَّسْبِيحِ هَذِهِ مَا رَوَاهَا عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّاهُ أَلَا أُعْطِيك أَلَا أَمْنَحُك أَلَا أَحْبُوك أَلَا أَفْعَلُ بِك عَشْرَ خِصَالٍ إذَا أَنْتَ فَعَلْت ذَلِكَ غَفَرَ اللَّهُ لَك ذَنْبَك أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ قَدِيمَهُ وَحَدِيثَهُ خَطَأَهُ وَعَمْدَهُ صَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ سِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ عَشْرَ خِصَالٍ أَنْ تُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ تَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ فَإِذَا فَرَغْت مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ فَقُلْ وَأَنْتَ قَائِمٌ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً ثُمَّ تَرْكَعُ فَتَقُولُ وَأَنْتَ رَاكِعٌ عَشْرًا ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَك مِنْ الرُّكُوعِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ثُمَّ تَهْوِي سَاجِدًا فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ سَاجِدٌ عَشْرًا ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنْ السُّجُودِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ثُمَّ تَسْجُدُ الثَّانِيَةَ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَك مِنْ السُّجُودِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا فَذَلِكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ إنْ اسْتَطَعْت أَنْ تُصَلِّيَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَافْعَلْ فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلَ فَفِي عُمْرِكَ مَرَّةً» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ وَقَالَ فِي آخِرِهِ «فَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُك مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ أَوْ رَمْلِ عَالِجٍ غَفَرَ اللَّهُ لَك» قَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْعَظِيمِ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَمْثَلُهَا حَدِيثُ عِكْرِمَةُ هَذَا وَقَدْ صَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ اهـ.
وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ مَشَايِخُنَا إنْ احْتَاجَ الْمَرْءُ إلَى الْعَدِّ يَعُدُّ إشَارَةً لَا إفْصَاحًا وَيُعْمَلُ بِقَوْلِهِمَا فِي الْمُضْطَرِّ. اهـ.
(قَوْلُهُ لَا قَتْلُ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ) أَيْ لَا يُكْرَهُ قَتْلُهُمَا لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «اُقْتُلُوا الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا «أَمَرَ عليه الصلاة والسلام بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فِي الصَّلَاةِ» وَأَقَلُّ مَرَاتِبِ الْأَمْرِ الْإِبَاحَةُ وَفِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَيُسْتَحَبُّ قَتْلُ الْعَقْرَبِ بِالنَّعْلِ الْيُسْرَى إنْ أَمْكَنَ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد كَذَلِكَ وَلَا بَأْسَ بِقِيَاسِ الْحَيَّةِ عَلَى الْعَقْرَبِ فِي هَذَا اهـ.
أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْحَيَّاتِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَجَمِيعِ الْمَوَاضِعِ وَفِي الْمُحِيطِ قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْتَلَ الْحَيَّةُ الْبَيْضَاءُ الَّتِي تَمْشِي مُسْتَوِيَةً لِأَنَّهَا جَانٌّ لِقَوْلِهِ عليه السلام «اُقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ وَإِيَّاكُمْ وَالْحَيَّةَ الْبَيْضَاءَ فَإِنَّهَا مِنْ الْجِنِّ» وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا بَأْسَ بِقَتْلِ الْكُلِّ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَهْدُهُ مَعَ الْجِنِّ أَنْ لَا يَدْخُلُوا بُيُوتَ أُمَّتِهِ وَإِذَا دَخَلُوا لَمْ يَظْهَرُوا لَهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا فَقَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ وَالْأَوْلَى هُوَ الْإِعْذَارُ وَالْإِنْذَارُ فَيُقَالُ ارْجِعْ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِنْ أَبِي قَتَلَهُ اهـ.
يَعْنِي: الْإِنْذَارَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَفِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْجَوَابِ أَنْ يَحْتَاطَ فِي قَتْلِ الْحَيَّاتِ حَتَّى لَا يَقْتُلَ جِنِّيًّا فَإِنَّهُمْ يُؤْذُونَهُ إيذَاءً كَثِيرًا بَلْ إذَا رَأَى حَيَّةً وَشَكَّ أَنَّهُ جِنِّيٌّ يَقُولُ لَهُ خَلِّ طَرِيقَ الْمُسْلِمِينَ وَمُرَّ فَإِنْ مَرَّتْ تَرَكَهُ فَإِنَّ وَاحِدًا مِنْ إخْوَانِي هُوَ أَكْبَرُ سِنًّا مِنِّي قَتَلَ حَيَّةً كَبِيرَةً بِسَيْفٍ فِي دَارٍ لَنَا فَضَرَبَهُ الْجِنُّ حَتَّى جَعَلُوهُ زَمِنًا كَانَ لَا يَتَحَرَّكُ رِجْلَاهُ قَرِيبًا مِنْ الشَّهْرِ ثُمَّ عَالَجْنَاهُ وَدَاوَيْنَاهُ بِإِرْضَاءِ الْجِنِّ حَتَّى تَرَكُوهُ فَزَالَ مَا بِهِ وَهَذَا مِمَّا عَايَنْتُهُ بِعَيْنِي اهـ.
وَأَطْلَقَ فِي الْقَتْلِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ ثُمَّ صَلَاةُ التَّسْبِيحِ إلَخْ) اقْتَصَرَ الْمُؤَلِّفُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة كَمَا فَعَلَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَثَمَّ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَوْرَدَهَا التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَقَدْ ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الْقُنْيَةِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهَا رَوَاهُ أَبُو عِيسَى فِي جَامِعِهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حَفْصٍ فِي جَامِعِهِ وَحُمَيْدَ بْنُ زَنْجُوَيْهِ فِي التَّرْغِيبِ بِرِوَايَتَيْنِ وَالْمُخْتَارُ مِنْهُمَا أَنْ يُكَبِّرَ وَيَقْرَأَ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ إلَخْ ثُمَّ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً ثُمَّ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً مِثْلِ سُورَةِ {وَالضُّحَى} [الضحى: 1] ثُمَّ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ إلَخْ عَشْرَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يَرْكَعَ وَيَقُولَ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا ثُمَّ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَشْرًا ثُمَّ يَرْفَعَ رَأْسَهُ وَيَقُولَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبّنَا لَك الْحَمْدُ وَيَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ إلَخْ عَشْرَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يُكَبِّرَ وَيَسْجُدَ وَيُسَبِّحَ ثَلَاثًا ثُمَّ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ إلَخْ عَشْرًا ثُمَّ يَرْفَعَ رَأْسَهُ وَيُكَبِّرَ وَيَقْعُدَ ثُمَّ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ إلَخْ عَشْرًا ثُمَّ يُكَبِّرَ وَيَسْجُدَ وَيُسَبِّحَ ثَلَاثًا ثُمَّ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ إلَخْ عَشْرًا ثُمَّ يَقُومُ وَيَفْعَلُ فِي الثَّانِيَةِ مِثْلَ الْأُولَى يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِقَعْدَتَيْنِ اهـ.
وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَقِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ إنْ سَهَا فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ هَلْ يُسَبِّحُ فِي سَجْدَةِ السَّهْوِ عَشْرًا عَشْرًا قَالَ لَا إنَّمَا هِيَ ثَلَثُمِائَةِ تَسْبِيحَةٍ اهـ.
وَهَذِهِ الصِّفَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ الْمُبَارَكِ هِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ وَهِيَ الْمُوَافَقَةُ لِمَذْهَبِنَا لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ فِيهَا إلَى جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ إذْ هِيَ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَنَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ اهـ.
وَكَانَ هَذَا هُوَ الدَّاعِي لِاخْتِيَارِ صَاحِبِ الْقُنْيَةِ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ وَلَكِنْ حَيْثُ ثَبَتَتْ الطَّرِيقَةُ الْأُخْرَى عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقَالُ بِكَرَاهَتِهَا وَفِي اقْتِصَار الْمُؤَلِّفِ وَصَاحِبِ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ عَلَيْهَا إشْعَارٌ بِذَلِكَ