الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى فَسَادِ الصَّلَاةِ فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ مُطْلَقًا اهـ.
أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْعَمْدَ وَالنِّسْيَانَ لِأَنَّ حَالَةَ الصَّلَاةِ مُذَكِّرَةً فَلَا يُعْفَى النِّسْيَانُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مُذَكِّرَ فِيهِ وَشَمِلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَلِهَذَا فَسَّرَهُ فِي الْحَاوِي بِقَدْرِ مَا يَصِلُ إلَى الْحَلْقِ وَقَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِمَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ اهـ.
وَهُوَ مَمْنُوعٌ كُلِّيًّا فَإِنَّهُ لَوْ ابْتَلَعَ شَيْئًا بَيْنَ أَسْنَانِهِ وَكَانَ قَدْرَ الْحِمَّصَةِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَفِي الصَّوْمِ يَفْسُدُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْوَلْوَالِجِيُّ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ بِأَنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ مُعَلَّقٌ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ فَسَادِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ مُعَلَّقٌ بِوُصُولِ الْمُغَذِّي إلَى جَوْفِهِ لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ وَالْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ فَسَادِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فِي قَدْرِ الْحِمَّصَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ ابْتَلَعَ دَمًا خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِلْءَ الْفَمِ اهـ.
وَقَالُوا فِي بَابِ الصَّوْمِ لَوْ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ دَمٌ وَدَخَلَ حَلْقَهُ وَهُوَ صَائِمٌ إنْ كَانَ الْغَلَبَةُ لِلدَّمِ أَوْ كَانَا سَوَاءً فَطَّرَهُ لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ الْخَارِجِ وَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْبُزَاقِ لَا يَضُرُّهُ كَمَا فِي الْوُضُوءِ فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَاءَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ فَعَادَ إلَى جَوْفِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إمْسَاكَهُ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ وَإِنْ أَعَادَهُ إلَى جَوْفِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَمُجَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى قِيَاسِ الصَّوْمِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَفْسُدُ وَإِنْ تَقَيَّأَ فِي صَلَاتِهِ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ مَضَغَ الْعِلْكَ كَثِيرًا فَسَدَتْ وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي فَمِهِ إهْلِيلَجَةٌ فَلَاكَهَا فَإِنْ دَخَلَ فِي حَلْقِهِ مِنْهَا شَيْءٌ يَسِيرٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلُوكَهَا لَا تَفْسُدُ وَإِنْ كَثُرَ ذَلِكَ فَسَدَتْ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ أَكَلَ شَيْئًا مِنْ الْحَلَاوَةِ وَابْتَلَعَ عَيْنَهَا فَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَدَ حَلَاوَتَهَا فِي فِيهِ وَابْتَلَعَهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَوْ دَخَلَ الْفَانِيدُ أَوْ السُّكَّرُ فِي فِيهِ وَلَمْ يَمْضُغْهُ لَكِنْ يُصَلِّي وَالْحَلَاوَةُ تَصِلُ إلَى جَوْفِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ. وَأَشَارَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ إلَى أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ كَثِيرٍ فَهُوَ مُفْسِدٌ
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْكَثِيرَ مُفْسِدٌ وَالْقَلِيلَ لَا لِإِمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْ الْكَثِيرِ دُونَ الْقَلِيلِ فَإِنَّ فِي الْحَيِّ حَرَكَاتٌ مِنْ الطَّبْعِ وَلَيْسَتْ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَوْ اُعْتُبِرَ الْعَمَلُ مُفْسِدًا مُطْلَقًا لَزِمَ الْحَرَجُ فِي إقَامَةِ صِحَّتِهَا وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا يُعَيِّنُ الْكَثْرَةَ وَالْقِلَّةَ عَلَى أَقْوَالٍ أَحَدِهَا مَا اخْتَارَهُ الْعَامَّةُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ لَا يَشُكُّ النَّاظِرُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ كَثِيرٌ وَكُلَّ عَمَلٍ يَشْتَبِهُ عَلَى النَّاظِرِ أَنَّ عَامِلَهُ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ قَلِيلٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَهَذَا أَصَحُّ وَتَابَعَهُ الشَّارِحُ والْوَلْوَالِجِيُّ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ إنَّهُ الْأَحْسَنُ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ إنَّهُ الصَّوَابُ وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالنَّاظِرِ مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِشُرُوعِ الْمُصَلِّي فِي الصَّلَاةِ فَحِينَئِذٍ إذَا رَآهُ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَإِنْ شَكَّ فَهُوَ قَلِيلٌ ثَانِيهَا إنَّ مَا يُقَامُ بِالْيَدَيْنِ عَادَةً كَثِيرٌ وَإِنْ فَعَلَهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ كَالتَّعَمُّمِ وَلُبْسِ الْقَمِيصِ وَشَدِّ السَّرَاوِيلِ وَالرَّمْيِ عَنْ الْقَوْسِ وَمَا يُقَامُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ قَلِيلٌ وَلَوْ فَعَلَهُ بِالْيَدَيْنِ كَنَزْعِ الْقَمِيصِ وَحَلِّ السَّرَاوِيلِ وَلُبْسِ الْقَلَنْسُوَةِ وَنَزْعِهَا وَنَزْعُ اللِّجَامِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَلَمْ يُقَيِّدْ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ مَا يُقَامُ بِالْيَدَيْنِ بِالْعُرْفِ
وَقَيَّدَ فِي الْخَانِيَّةِ مَا يُقَامُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ بِمَا إذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ وَالْمُرَادُ بِالتَّكَرُّرِ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ حَكَّ ثَلَاثًا فِي رُكْنٍ وَاحِدٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ هَذَا إذَا رَفَعَ يَدَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَمَّا إذَا لَمْ يَرْفَعْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَلَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ حَكٌّ وَاحِدٌ اهـ.
وَهُوَ تَقْيِيدٌ غَرِيبٌ وَتَفْصِيلٌ عَجِيبٌ يَنْبَغِي حِفْظُهُ لَكِنْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الصَّدْرِ الشَّهِيدِ حُسَامِ الدِّينِ لَوْ حَكَّ مَوْضِعًا مِنْ جَسَدِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ.
وَلَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَ الْقَوْلَ الثَّانِي فِي تَحْدِيدِ الْعَمَلِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ لَوْ مَضَغَ الْعِلْكَ فِي صَلَاتِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ لِأَنَّ النَّاظِرَ إلَيْهِ مِنْ بَعِيدٍ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِعْمَالُ الْيَدِ رَأْسًا فَضْلًا عَنْ اسْتِعْمَالِ الْيَدَيْنِ وَكَذَا الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ يَعْمَلُ بِيَدٍ
ــ
[منحة الخالق]
[الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِي الصَّلَاةِ]
(قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ وَالْخُلَاصَةِ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مُفِيدٌ لِدَفْعِ الْمَنْعِ (قَوْلُهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ ابْتَلَعَ دَمًا خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ) ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ هُنَا وَالتَّفْصِيلُ فِيمَا يَأْتِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْغَالِبِ وَالْمَغْلُوبِ لَكِنْ إذَا كَانَ غَالِبًا يَكُونُ مِنْ مَسَائِلِ سَبْقِ الْحَدَثِ وَهُوَ لَا يُنَافِي عَدَمَ الْفَسَادِ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ بَعْدَ ذِكْرِ الدُّرَرِ هَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ جَازِمًا بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْعَتَّابِيُّ وَفِي عُمْدَةَ الْمُفْتِي ثُمَّ قَالَ بَلْ ظَاهِرُ مَا فِي الْحَاوِي آخِرًا التَّفْرِيعُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّ قَيْدَ الْحَيْثِيَّةِ مُرَاعًى فَمَعْنَى مَا يَعْمَلُ بِالْيَدَيْنِ كَثِيرٌ أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعْمَلُ بِهِمَا اهـ.
لَكِنْ عَلَى هَذَا يَبْقَى مَضْغُ الْعِلْكِ غَيْرُ مَعْلُومِ الْحُكْمِ وَلَا مَانِعَ مِنْ اعْتِبَارِ شَيْءٍ آخَرَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَدْخُلُهُ (قَوْلُهُ لَوْ مَضَغَ الْعِلْكَ فِي صَلَاتِهِ فَسَدَتْ إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَ الْمَضْغُ كَثِيرًا كَمَا فِي التَّجْنِيسِ
وَاحِدَةٍ وَهُوَ مُبْطِلٌ اتِّفَاقًا وَكَذَا قَوْلُهُمْ لَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ أَوْ سَرَّحَ شَعْرَهُ سَوَاءٌ كَانَ شَعْرَ رَأْسِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لَا يَتَخَرَّجُ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ الْكَثِيرَ مَا يُقَامُ بِالْيَدَيْنِ لِأَنَّ دَهْنَ الرَّأْسِ وَتَسْرِيحَ الشَّعْرِ عَادَةً يَكُونُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالدَّهْنِ تَنَاوُلَهُ الْقَارُورَةَ وَصَبَّ الدُّهْنِ مِنْهَا بِيَدِهِ الْأُخْرَى وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّ فِي الْمُحِيطِ قَالَ وَلَوْ صَبَّ الدُّهْنَ عَلَى رَأْسِهِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ لَا تَفْسُدُ وَتَعْلِيلُ الْوَلْوَالِجِيِّ بِأَنَّ تَسْرِيحَ الشَّعْرِ يُفْعَلُ بِالْيَدَيْنِ مَمْنُوعٌ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ وَلَوْ حَمَلَتْ صَبِيًّا فَأَرْضَعَتْهُ تَفْسُدُ فَهُوَ عَلَى سَائِرِ التَّفَاسِيرِ لَكِنْ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ الْمَرْأَةُ إذَا أَرْضَعَتْ وَلَدَهَا تَفْسُدُ صَلَاتُهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ مُرْضِعَةً فَشَمِلَ مَا إذَا حُمِلَ إلَيْهَا فَدَفَعَتْ إلَيْهِ الثَّدْيَ فَرَضَعَهَا وَأَمَّا إذَا ارْتَضَعَ مِنْ ثَدْيِهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ
فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ إنْ مَصَّ ثَلَاثًا فَسَدَتْ وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ اللَّبَنُ فَإِنْ كَانَ مَصَّةً أَوْ مَصَّتَيْنِ فَإِنْ نَزَلَ لَبَنٌ فَسَدَتْ وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْمُنْيَةِ وَالْمُحِيطِ إنْ خَرَجَ اللَّبَنُ فَسَدَتْ وَإِلَّا فَلَا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِعَدَدٍ وَصَحَّحَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَوْ ضَرَبَ إنْسَانًا بِيَدٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِسَوْطٍ تَفْسُدُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْخُلَاصَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْمُنْيَةِ فَلَا يَتَفَرَّعُ عَلَى مَا يُقَامُ بِالْيَدَيْنِ بَلْ عَلَى الصَّحِيحِ لَكِنْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ ضَرَبَ دَابَّتَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ ضَرَبَهَا ثَلَاثًا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ تَفْسُدُ قَالَ رضي الله عنه وَعِنْدِي إذَا ضَرَبَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَسَكَنَ ثُمَّ ضَرَبَ مَرَّةً أُخْرَى وَسَكَنَ ثُمَّ ضَرَبَ مَرَّةً أُخْرَى لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمَا قُلْنَا فِي الْمَشْيِ اهـ.
وَهَذَا يَصْلُحُ أَنْ يَتَفَرَّعَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَأَمَّا اعْتِبَارُهُمْ الْمَرَّاتِ الثَّلَاثَ فِي الْحَكِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ فَالظَّاهِرُ تَفْرِيعُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَ الْعَمَلَ الْكَثِيرَ بِمَا تَكَرَّرَ ثَلَاثًا وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ لَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَوْ قَتَلَ الْقَمْلَةَ مِرَارًا إنْ قَتَلَ قَتْلًا مُتَدَارَكًا تَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْقِتْلَاتِ فُرْجَةٌ لَا تَفْسُدُ فَيَصْلُحُ تَفْرِيعُهُ عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَوْ قَبَّلَ الْمُصَلِّي امْرَأَتَهُ بِشَهْوَةٍ أَوْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ أَوْ مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ فَسَدَتْ يَنْبَغِي تَفْرِيعُهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ وَكَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَ الْعَمَلَ الْكَثِيرَ بِمَا يَسْتَفْحِشُهُ الْمُصَلِّي وَأَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ مَا يَفْعَلُ بِالْيَدَيْنِ أَوْ بِمَا تَكَرَّرَ ثَلَاثًا فَلَا وَهُوَ مِمَّا يُضْعِفُهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى وَكَذَا لَوْ جَامَعَهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ بِخِلَافِ النَّظَرِ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُ عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُصَلِّيَةُ دُونَهُ فَقَبَّلَهَا فَسَدَتْ بِشَهْوَةٍ أَوْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَوْ كَانَ هُوَ الْمُصَلِّي فَقَبَّلَتْهُ وَلَمْ يَشْتَهِهَا فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ فَمُشْكِلٌ إذْ لَيْسَ مِنْ الْمُصَلِّي فِعْلٌ فِي الصُّورَتَيْنِ فَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الْفَسَادِ فِيهِمَا فَإِنْ جَعَلْنَا تَمْكِينَهُ مِنْ الْفِعْلِ بِمَنْزِلَةِ فِعْلِهِ اقْتَضَى الْفَسَادَ فِيهِمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّ الْعَمَلَ الْكَثِيرَ مَا لَوْ نَظَرَ إلَيْهِ النَّاظِرُ لَتَيَقَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ مَا اسْتَفْحَشَهُ الْمُصَلِّي لَكِنْ فِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ
وَلَوْ قَبَّلَ الْمُصَلِّيَةَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهَا وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ إنْ كَانَ بِشَهْوَةٍ فَسَدَتْ اهـ.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ مُسَاوٍ لِتَقْبِيلِهِ وَتَقْبِيلِهَا وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي الْمَشْيُ فِي الصَّلَاةِ إذَا كَانَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لَا يُفْسِدُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَلَاحِقًا وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ وَفِي الْفَضَاءِ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الصُّفُوفِ هَذَا كُلُّهُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ يَكُونُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ) سَيَأْتِي (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالدَّهْنِ تَنَاوُلُهُ إلَخْ) وَيَبْقَى الْكَلَامُ فِي التَّسْرِيحِ وَالْجَوَابُ تَعْلِيلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَهُ بِقَوْلِهِ فِي التَّجْنِيسِ لِأَنَّهُ يَقُومُ بِالْيَدَيْنِ غَالِبًا (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا ارْتَضَعَ مِنْ ثَدْيِهَا) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِأَمَّا الشَّرْطِيَّةِ وَفِي بَعْضِهَا وَمَا إذَا بِدُونِ هَمْزَةٍ وَعَلَيْهَا يُتَوَجَّهُ قَوْلُ النَّهْرِ هَذَا سَهْوٌ ظَاهِرٌ وَأَنَّى يُقَالُ ارْتِضَاعُهُ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ مِنْهَا أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُ اهـ وَيُؤَيِّدُ النُّسْخَةَ الْأُولَى أَنَّ الْمَعْنَى عَلَيْهَا وَذِكْرَ الْفَاءَ فِي جَوَابِ أَمَّا
(قَوْلُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ إلَى قَوْلِهِ فَمُشْكِلٌ) قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِوَجْهِ الْفَرْقِ وَفِي النَّهْرِ وَعَلَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ قَدْ فَرَّقَ بِأَنَّ الشَّهْوَةَ لَمَّا كَانَتْ فِي النِّسَاءِ أَغْلَبَ كَانَ تَقْبِيلُهُ مُسْتَلْزِمًا لِاشْتِهَائِهَا عَادَةً بِخِلَافِ تَقْبِيلِهَا اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ بِزِيَادَةٍ وَعِبَارَتُهُ وَفَتَحَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِهِ وَهُوَ أَنَّ الشَّهْوَةَ غَالِبَةٌ عَلَى النِّسَاءِ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْمَوْجُودَةِ مِنْهَا وَلِهَذَا حَرُمَ نَظَرُ الرَّجُلِ إلَيْهَا عِنْدَ غَلَبَةِ ظَنِّهِ بِالشَّهْوَةِ أَوْ الشَّكِّ قَالُوا لِتَحَقُّقِ الشَّهْوَةِ مِنْهَا حُكْمًا وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ كَانَ كَثِيرَ عَمَلٍ لِوُقُوعِهِ بَيْنَ مُتَفَاعِلَيْنِ وَإِذَا قَبَّلَتْهُ وَلَمْ يَشْتَهِ لَمْ يُوجَدْ مِنْ جَانِبِهِ أَصْلًا وَيُوَشِّحُ هَذَا مَا مَرَّ مِنْ اعْتِبَارِ نُزُولِ اللَّبَنِ كَثِيرَ عَمَلٍ اهـ.
لَكِنْ ذَكَرَ الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى مَا لَا يُحْتَاجُ مَعَهُ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ حَيْثُ قَالَ أَقُولُ: عِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي الصَّلَاةِ فَجَامَعَهَا زَوْجُهَا تَفْسُدُ صَلَاتُهَا وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ مَنِيٌّ وَكَذَا لَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ أَوْ مَسَّهَا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ أَمَّا لَوْ قَبَّلَتْ الْمَرْأَةُ الْمُصَلِّيَ وَلَمْ يَشْتَهِهَا لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ هَذِهِ عِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ فَالْعَجَبُ مِنْ هَذَا الْعَلَّامَةُ الْإِمَامُ ابْنُ الْهُمَامِ كَيْفَ غَفَلَ عَنْ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْمَقَامِ اهـ.
قُلْت وَبِهَذَا التَّعْلِيلِ عَلَّلَ فِي التَّجْنِيسِ (قَوْلُهُ وَفِي الْفَضَاءِ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الصُّفُوفِ) أَقُولُ: قَالَ فِي التَّجْنِيسِ رَجُلٌ صَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ فَتَأَخَّرَ عَنْ مَوْضِعِ قِيَامِهِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَيُعْتَبَرُ مِقْدَارُ سُجُودِهِ مِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ كَمَا فِي وَجْهِ الْقِبْلَةِ سَوَاءٌ فَمَا لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْ هَذَا الْمَوْضِعِ لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْ الْمَسْجِدِ فَلَا تَفْسُدْ
إذَا لَمْ يَسْتَدْبِرْ الْقِبْلَةَ وَأَمَّا إذَا اسْتَدْبَرَهَا فَسَدَتْ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْمُخْتَارُ فِي الْمَشْيِ أَنَّهُ إذَا أَكْثَرَ أَفْسَدَهَا وَأَمَّا قَوْلُهُمْ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لَوْ أَخَذَ حَجَرًا فَرَمَى بِهِ تَفْسُدُ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ حَجَرٌ فَرَمَى لَا تَفْسُدُ وَقَدْ أَسَاءَ فَظَاهِرُهُ التَّفْرِيعُ عَلَى الصَّحِيحِ لَا عَلَى تَفْسِيرِهِ بِمَا يُقَامُ بِالْيَدَيْنِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا لَوْ كَتَبَ قَدْرَ ثَلَاثِ كَلِمَاتٍ تَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَا فَالظَّاهِرُ تَفْرِيعُهُ عَلَى أَنَّ الْكَثِيرَ مَا يَسْتَكْثِرُهُ الْمُبْتَلَى بِهِ أَوْ أَنَّهُ مَا تَكَرَّرَ ثَلَاثًا مُتَوَالِيَاتٍ وَأَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَسَادَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كِتَابَةِ ثَلَاثِ كَلِمَاتٍ بَلْ يَحْصُلُ الْفَسَادُ بِكِتَابَةِ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مُسْتَبِينَةٍ عَلَى الْأَرْضِ وَنَحْوِهَا وَقَدْ يَشْهَدُ بِذَلِكَ إطْلَاقُ مَا فِي الْمُحِيطِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ كَتَبَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى شَيْءٍ فَسَدَتْ وَإِنْ كَتَبَ عَلَى شَيْءٍ لَا يُرَى لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى كِتَابَةً وَأَمَّا قَوْلُهُمْ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ لَوْ حَرَّكَ رِجْلًا لَا عَلَى الدَّوَامِ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ حَرَّكَ رِجْلَيْهِ تَفْسُدُ فَمُشْكِلٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَحْرِيكَ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا حَتَّى يَلْحَقَ بِهِمَا تَحْرِيكُ الرِّجْلَيْنِ
وَالْأَوْجَهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّهُ إنْ حَرَّكَ رِجْلَيْهِ قَلِيلًا لَا تَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَسَدَتْ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا وَلَعَلَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى مَا يَعُدُّهُ الْعُرْفُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا تَخَمَّرَتْ الْمَرْأَةُ فَسَدَتْ صَلَاتُهَا وَلَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ فَتَحَ الْبَابَ الْمُغْلَقَ تَفْسُدُ وَإِنْ نَزَعَ الْقَمِيصَ لَا تَفْسُدُ وَلَوْ لَبِسَ تَفْسُدُ وَلَوْ شَدَّ السَّرَاوِيلَ تَفْسُدُ وَلَوْ فَتَحَ لَا تَفْسُدُ وَمَنْ أَخَذَ عَنَانَ دَابَّتِهِ أَوْ مَقُودَهَا وَهُوَ نَجِسٌ إنْ كَانَ مَوْضِعُ قَبْضِهِ نَجِسًا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ النَّجِسُ مَوْضِعًا آخَرَ جَازَ وَإِنْ كَانَ يَتَحَرَّكُ بِتَحَرُّكِهِ هُوَ الْمُخْتَارُ وَإِنْ جَذَبَتْهُ الدَّابَّةُ حَتَّى أَزَالَتْهُ عَنْ مَوْضِعِ سُجُودِهِ تَفْسُدُ وَلَوْ آذَاهُ حَرُّ الشَّمْسِ فَتَحَوَّلَ إلَى الظِّلِّ خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ لَا تَفْسُدُ وَقِيلَ فِي الثَّلَاثِ كَذَلِكَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَوْ رَفَعَ رَجَلٌ الْمُصَلِّي عَنْ مَكَانِهِ ثُمَّ وَضَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَوِّلَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ لَا تَفْسُدُ وَلَوْ وَضَعَهُ عَلَى الدَّابَّةِ تَفْسُدُ وَلَوْ زَرَّ قَمِيصًا أَوْ قَبَاءً فَسَدَتْ لَا إنْ حَلَّهُ وَإِنْ أَلْجَمَ دَابَّةً فَسَدَتْ لَا إنْ خَلَعَهُ وَلَوْ لَبِسَ خُفَّيْهِ فَسَدَتْ لَا إنْ تَنَعَّلَ أَوْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ كَمَا لَوْ تَقَلَّدَ سَيْفًا أَوْ نَزَعَهُ أَوْ وَوَضَعَ الْفَتِيلَةَ فِي مِسْرَجَةٍ أَوْ تَرَوَّحَ بِمِرْوَحَةٍ أَوْ بِكُمِّهِ أَوْ سَوَّى مِنْ عِمَامَتِهِ كَوْرًا أَوْ كَوْرَيْنِ أَوْ لَبِسَ قَلَنْسُوَةً أَوْ بَيْضَةً
وَالْحَاصِلُ أَنَّ فُرُوعَهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ قَدْ اخْتَلَفَتْ وَلَمْ تَتَفَرَّعْ كُلُّهَا عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ بَلْ بَعْضُهَا عَلَى قَوْلٍ وَبَعْضُهَا عَلَى غَيْرِهِ كَمَا يَظْهَرُ لِلْمُتَأَمِّلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَكْثَرَهَا تَفْرِيعَاتُ الْمَشَايِخِ لَمْ تَكُنْ مَنْقُولَةً عَنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَلِهَذَا جُعِلَ الِاخْتِلَافُ فِي حَدِّ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ فِي التَّجْنِيسِ إنَّمَا هُوَ بَيْنَ الْمَشَايِخِ وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ الْأَقْوَالِ أَرْبَعَةً وَذَكَرُوا قَوْلًا خَامِسًا وَهُوَ أَنَّ الْعَمَلَ الْكَثِيرَ مَا يَكُونُ مَقْصُودًا لِلْفَاعِلِ بِأَنْ أَفْرَدَ لَهُ مَجْلِسًا عَلَى حِدَةٍ وَلَقَدْ صَدَقَ مَنْ قَالَ كَثْرَةُ الْمَقَالَاتِ تُؤْذِنُ بِكَثْرَةِ الْجَهَالَاتِ وَلَقَدْ صَدَقَ صَاحِبُ الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ حَيْثُ قَالَ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ إنَّ كُلَّ مَا لَمْ يُرْوَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ قَوْلٌ بَقِيَ كَذَلِكَ مُضْطَرِبًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا حُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَانَ يَضْطَرِبُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ وَكَانَ يَقُولُ كُلُّ مَسْأَلَةٍ لَيْسَ لِشَيْخِنَا فِيهَا قَوْلٌ فَنَحْنُ فِيهَا هَكَذَا اهـ.
وَإِلَى هُنَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُفْسِدَ لِلصَّلَاةِ كَلَامُ النَّاسِ مُطْلَقًا وَالْعَمَلُ الْكَثِيرُ وَمِنْ الْمُفْسِدِ الْمَوْتُ وَالِارْتِدَادُ بِالْقَلْبِ وَالْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ وَكُلُّ حَدَثٍ عَمْدٍ وَمَا أَوْجَبَ الْغُسْلَ كَالِاحْتِلَامِ وَالْحَيْضِ
ــ
[منحة الخالق]
صَلَاتُهُ وَلَوْ خَطَّ حَوْلَهُ خَطًّا وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْخَطِّ لَكِنْ تَأَخَّرَ عَمَّا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَوْضِعِ فَسَدَتْ لِأَنَّ الْخَطَّ لَيْسَ بِشَيْءٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ لَا تَفْسُدُ إلَخْ) قَالَ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ لَوْ فَتَحَ بَابًا أَوْ أَغْلَقَهُ فَدَفَعَهُ بِيَدِهِ مِنْ غَيْرِ مُعَالَجَةٍ بِمِفْتَاحِ غَلَقٍ أَوْ قُفْلٍ كُرِهَ ذَلِكَ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ قَلِيلٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ إذَا أَغْلَقَ تَفْسُدُ تَأْوِيلُهُ إذَا كَانَ فِيهِ يَحْتَاجُ إلَى مُعَالَجَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَخَذَ عَنَانَ دَابَّتِهِ إلَخْ) لَا دَخْلَ لِهَذَا الْفَرْعِ هُنَا
(قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ فُرُوعَهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ قَدْ اخْتَلَفَتْ إلَخْ) أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا رَأَى مَشَايِخُ الْمَذْهَبِ الْفُرُوعَ الْمَذْكُورَةَ فَكُلٌّ مِنْهُمْ عَرَّفَ الْعَمَلَ الْكَثِيرَ بِتَعْرِيفٍ يَنْطَبِقُ عَلَى مَا رَآهُ مِنْ الْفُرُوعِ وَبِضَمِّ التَّعَارِيفِ إلَى بَعْضِهَا تَنْتَظِمُ الْفُرُوعُ جَمِيعًا بِأَنْ يُقَالَ الْعَمَلُ الْكَثِيرُ هُوَ مَا لَا يَشُكُّ النَّاظِرُ إلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ مَا كَانَ بِحَرَكَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ أَوْ مَا كَانَ يُعْمَلُ بِالْيَدَيْنِ أَوْ مَا يَسْتَكْثِرُهُ الْمُبْتَلَى بِهِ أَوْ مَا يَكُونُ مَقْصُودًا لِلْفَاعِلِ بِأَنْ أَفْرَدَ لَهُ مَجْلِسًا عَلَى حِدَةٍ لَكِنْ يُمْكِنُ إدْخَالُ سَائِرِ الْفُرُوعِ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَالِاسْتِغْنَاءُ بِهِمَا عَنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ فَتَأَمَّلْ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّوْفِيقِ فَإِنَّ فِيهِ إحْسَانَ الظَّنِّ بِمَشَايِخِ الْمَذْهَبِ فَإِنَّ هَذِهِ الْفُرُوعَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كُلُّهَا مَنْقُولَةً عَنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ لَكِنْ الْمَشَايِخُ خَرَّجُوا بَعْضَهَا عَلَى الْمَنْقُولِ لَا بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ وَمَا كَانَ مُخَرَّجًا عَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ أَهْلِ التَّخْرِيجِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمَذْهَبِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِفِكْرِي الْقَاصِرِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ الشَّيْخَ إبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيَّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُنْيَةِ ذَكَرَ مَا ذَكَرْتُهُ حَيْثُ قَالَ وَأَكْثَرُ الْفُرُوعِ أَوْ جَمِيعُهَا مُخَرَّجٌ عَلَى أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ
وَالظَّاهِرُ أَنَّ ثَانِيَهُمَا لَيْسَ خَارِجًا عَنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّ مَا يُقَامُ بِالْيَدَيْنِ عَادَةً يَغْلِبُ ظَنُّ النَّاظِرِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ وَكَذَا قَوْلُ مَنْ اعْتَبَرَ التَّكْرَارَ إلَى ثَلَاثٍ مُتَوَالِيَةٍ فَإِنَّ التَّكْرَارَ يُغَلِّبُ الظَّنُّ بِذَلِكَ فَلِذَا اخْتَارَهُ جُمْهُورُ الْمَشَايِخِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَذَكَرُوا قَوْلًا خَامِسًا وَهُوَ إلَخْ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ
وَمُحَاذَاةُ الْمَرْأَةِ بِشُرُوطِهِ وَتَرْكُ رُكْنٍ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ شَرْطٍ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَأَمَّا اسْتِخْلَافُ الْقَارِئِ لِلْأُمِّيِّ وَالْفَتْحُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ فَدَاخِلٌ تَحْتَ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ
وَأَمَّا تَرْكُ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ مَعَ التَّقْيِيدِ بِالسَّجْدَةِ وَقُدْرَةُ الْمُومِئِ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَتَذَكُّرُ صَاحِبِ التَّرْتِيبِ الْفَائِتَةَ فِيهَا وَطُلُوعُ الشَّمْسِ فِي الْفَجْرِ وَدُخُولُ وَقْتِ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ وَنَظَائِرِهَا فَمِمَّا يُفْسِدُ وَصْفَ الْفَرْضِيَّةِ لَا أَصْلَ الصَّلَاةِ وَأَمَّا فَسَادُهَا بِتَقَدُّمِ الْإِمَامِ أَمَامَ الْمُصَلِّي أَوْ طَرْحِهِ فِي صَفِّ النِّسَاءِ أَوْ فِي مَكَان نَجِسٍ أَوْ سُقُوطِ الثَّوْبِ عَنْ عَوْرَتِهِ مَعَ التَّعَمُّدِ مُطْلَقًا وَمَعَ أَدَاءِ رُكْنٍ إنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَمَعَ الْمُكْثِ قَدْرَهُ إنْ لَمْ يُؤَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَرَاجِعٌ إلَى فَوْتِ الشَّرْطِ كَمَا لَا يَخْفَى
(قَوْلُهُ وَلَوْ نَظَرَ إلَى مَكْتُوبٍ وَفَهِمَهُ أَوْ أَكَلَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ أَوْ مَرَّ مَارٌّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ أَثِمَ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْفَسَادَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ فِي مِثْلِهِ بِالْقِرَاءَةِ وَبِالنَّظَرِ مَعَ الْفَهْمِ لَمْ تَحْصُلْ وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَنْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ فَنَظَرَ إلَيْهِ وَفَهِمَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ الْفَهْمُ وَالْوُقُوفُ عَلَى سِرِّهِ أَطْلَقَ الْمَكْتُوبَ فَشَمِلَ مَا هُوَ قُرْآنٌ وَغَيْرُهُ لَكِنْ فِي الْقُرْآنِ لَا تَفْسُدُ إجْمَاعًا بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَشَمِلَ مَا إذَا اسْتَفْهَمَ أَوْ لَا لَكِنْ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَفْهِمًا لَا تَفْسُدُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَفْهِمًا فَفِي الْمُنْيَةِ تَفْسُدُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالصَّحِيحُ عَدَمُهُ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الْفِعْلِ مِنْهُ وَلِشُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ قَالُوا يَنْبَغِي لِلْفَقِيهِ أَنْ لَا يَضَعَ جُزْءَ تَعْلِيقِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى مَا فِي الْجُزْءِ فَيَفْهَمُ ذَلِكَ فَيَدْخُلُ فِيهِ شُبْهَةُ الِاخْتِلَافِ اهـ.
وَعَبَّرَ فِي النِّهَايَةِ بِالْوُجُوبِ عَلَى الْفَقِيهِ أَنْ لَا يَضَعَ لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ شُبْهَةَ الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ مُسْتَفْهِمًا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَفْهِمًا فَلَا يُعَلَّلُ بِمَا ذُكِرَ لِعَدَمِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ بَلْ لِاشْتِغَالِ قَلْبِهِ بِهِ إذَا خَافَ مِنْ وَضْعِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ اشْتِغَالَهُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَرَاهَةَ النَّظَرِ إلَى الْمَكْتُوبِ مُتَعَمِّدًا وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مَا يَقْتَضِيهَا فَإِنَّهُ قَالَ وَلَوْ أَنْشَأَ شِعْرًا أَوْ خُطْبَةً وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِلِسَانِهِ لَا تَفْسُدُ وَقَدْ أَسَاءَ وَعَلَّلَ الْإِسَاءَةَ شَارِحُهَا بِاشْتِغَالِهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ قَالَ ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ إذَا أَشْغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ أَدَاءِ رُكْنٍ أَوْ وَاجِبٍ سَهْوًا اهـ.
وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ تَرْكَ الْخُشُوعِ لَا يُخِلُّ بِالصِّحَّةِ بَلْ بِالْكَمَالِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ إذَا تَفَكَّرَ فِي صَلَاتِهِ فَتَذَكَّرَ شِعْرًا أَوْ خُطْبَةً فَقَرَأَهُمَا بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِلِسَانِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ.
وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ أَكْلُهُ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَلِأَنَّهُ عَمَلٌ قَلِيلٌ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ قَدْرَ الْحِمَّصَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ والولوالجية مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَفِي الْبَدَائِعِ إنْ كَانَ دُونَ الْحِمَّصَةِ لَمْ يَضُرَّهُ وَإِنْ كَانَ قَدْرَ الْحِمَّصَةِ فَصَاعِدًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَهَكَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِمَا دُونَ مِلْءِ الْفَمِ وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْخُلَاصَةِ حَيْثُ قَالَ وَقَالَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ
وَلَوْ أَكَلَ بَعْضَ اللُّقْمَةِ وَبَقِيَ الْبَعْضُ فِي فِيهِ حَتَّى شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ وَابْتَلَعَ الْبَاقِيَ لَا تَفْسُدْ صَلَاتُهُ مَا لَمْ يَكُنْ مِلْءَ الْفَمِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا تَرَى وَالشَّأْنُ فِيمَا هُوَ الرَّاجِحُ مِنْهَا وَهُوَ يَنْبَنِي عَلَى مَعْرِفَةِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ كَمَا سَبَقَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا ابْتَلَعَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ أَمَّا إذَا مَضَغَهُ كَثِيرًا فَلَا خِلَافَ فِي فَسَادِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَضْغِ الْعِلْكِ وَعَلَى هَذَا فَلَوْ عَبَّرَ
ــ
[منحة الخالق]
وَهَذَا الْقَائِلُ يَسْتَدِلُّ بِامْرَأَةٍ صَلَّتْ فَلَمَسَهَا زَوْجُهَا أَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهَا وَكَذَا إذَا مَصَّ صَبِيٌّ ثَدْيَهَا وَخَرَجَ اللَّبَنُ تَفْسُدُ صَلَاتُهَا (قَوْلُهُ وَأَمَّا فَسَادُهَا بِتَقَدُّمِ الْإِمَامِ أَمَامَ الْمُصَلِّي) كَذَا فِي النُّسَخِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا مِنْ النَّاسِخِ وَأَصْلُ الْعِبَارَةِ بِتَقَدُّمِ الْمُصَلِّي أَمَامَ الْإِمَامِ
(قَوْلُهُ قَالَ ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ لِي فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنْ فَاتَ الرُّكْنُ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي السُّجُودِ لِكَوْنِهِ لَا يُجْزِئُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَفُتْ فَسُجُودُ السَّهْوِ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِ الرُّكْنِ عَنْ مَحِلِّهِ مُقَرَّرٌ كَمَا يَأْتِي وَكَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّهُ بَحْثٌ مِنْهُ
(قَوْلُهُ وَهُوَ يَنْبَنِي عَلَى مَعْرِفَةِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ) أَقُولُ: قَدْ سَبَقَ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ ابْتَلَعَ مَا فَوْقَ الْحِمَّصَةِ بِدُونِ مَضْغٍ يَكُونُ الْأَصَحُّ عَدَمَ الْفَسَادِ فَلْيُتَأَمَّلْ هَذَا وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ وَهُوَ يَنْبَنِي إلَخْ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ مِلْءَ الْفَمِ يُفْسِدُ وَكَذَا نَحْوُهُ لَا يَشْتَرِطُ مَعَهُ الْعَمَلَ الْكَثِيرَ بَلْ عِلَّتُهُ إمْكَانُ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ بِلَا كُلْفَةٍ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ لِكَوْنِهِ تَبَعًا لِرِيقِهِ فَلَا يُفْسِدُ إلَّا بِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَفِي مَعْرِفَتِهِ الِاخْتِلَافُ الْمَعْلُومُ اهـ.
وَاعْتَرَضَهُ الرَّمْلِيُّ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يُتَّجَهُ ذَلِكَ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِفَسَادِهَا بِابْتِلَاعِ سِمْسِمَةٍ تَنَاوَلَهَا مِنْ خَارِجٍ وَقَطْرَةِ مَاءٍ وَقَعَتْ فِي فَمِهِ إذْ لَمْ يُنِيطُوا فِي ذَلِكَ الْفَسَادَ بِهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي فَمِهِ سُكَّرٌ أَوْ فَانِيدٌ وَابْتَلَعَ ذَوْبَهُ (قَوْلُهُ أَمَّا إذَا مَضَغَهُ كَثِيرًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ بِأَنْ تَوَالَتْ ثَلَاثُ مَضَغَاتٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْحَلَبِيِّ اهـ.
قُلْت عَدَمُ تَقْدِيرِهِ بِالثَّلَاثِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ بِالْقَوْلِ الثَّالِثِ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ بَحْثٌ إذْ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْعَمَلَ الْقَلِيلَ لَا يُفْسِدُ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا دُونَ الْحِمَّصَةِ غَنِيٌّ عَنْ الْكَثِيرِ مِنْ الْمَضْغِ بَلْ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ مَضْغٌ لِتَلَاشِيهِ بَيْنَ الْأَسْنَانِ
الْمُصَنِّفُ بِالِابْتِلَاعِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُحِيطِ والولوالجية وَكَثِيرٍ دُونَ الْأَكْلِ لَكَانَ أَوْلَى ثُمَّ إذَا كَانَ ابْتِلَاعُ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ غَيْرَ مُفْسِدٍ بِشَرْطِهِ عَلَى الْخِلَافِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِيهِ فَكَانَ مَكْرُوهًا وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ مُرُورُ الْمَارِّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِ الْمُصَلِّي فَإِنَّمَا لَا يُفْسِدُهَا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَارُّ امْرَأَةً أَوْ حِمَارًا أَوْ كَلْبًا أَوْ غَيْرَهَا لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلِي فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا وَالْبُيُوتُ يَوْمئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ» .
وَلِقَوْلِهِ عليه السلام «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مُرُورُ شَيْءٍ وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» لَكِنْ ضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَنْزِلُ عَنْ الْحَسَنِ لِأَنَّهُ يُرْوَى مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ ثُمَّ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي سَبْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا الْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ عَدَمِ الْفَسَادِ الثَّانِي أَنَّ الْمَارَّ آثِمٌ لِلْحَدِيثِ «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْوِزْرِ لَوَقَفَ أَرْبَعِينَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ الرَّاوِي لَا أَدْرِي أَرْبَعِينَ عَامًا أَوْ شَهْرًا أَوْ يَوْمًا» وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَقَالَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُكُمْ مَا لَهُ فِي أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ مُعْتَرِضًا فِي الصَّلَاةِ كَانَ لَأَنْ يُقِيمَ مِائَةَ عَامٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْخَطْوَةِ الَّتِي خَطَا» وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِالْإِثْمِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ أَثِمَ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، الثَّالِثُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُكْرَهُ الْمُرُورُ فِيهِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ مَوْضِعُ سُجُودِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْمَكَانِ حَقُّهُ وَفِي تَحْرِيمِ مَا وَرَاءَهُ تَضْيِيقٌ عَلَى الْمَارَّةِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَوْضِعِ سُجُودِهِ مَوْضِعُ صَلَاتِهِ وَهُوَ مِنْ قَدَمِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَقَاضِي خَانْ وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ الْأَحْسَنُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ مَوْضِعُ صَلَاتِهِ دُونَ مَا وَرَاءَهُ
وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ صَلَّى صَلَاةَ خَاشِعٍ لَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى الْمَارِّ فَلَا يُكْرَهُ الْمُرُورُ نَحْوُ أَنْ يَكُونَ مُنْتَهَى بَصَرِهِ فِي قِيَامِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَفِي رُكُوعِهِ إلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ وَفِي سُجُودِهِ إلَى أَرْنَبَةِ أَنْفِهِ وَفِي قُعُودِهِ إلَى حِجْرِهِ وَفِي سَلَامِهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ وَاخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا صَلَّى رَامِيًا بِبَصَرِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ فَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ بَصَرُهُ لَمْ يُكْرَهْ وَهَذَا حَسَنٌ
وَفِي الْبَدَائِعِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْرَ مَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى الْمَارِّ لَوْ صَلَّى بِخُشُوعٍ وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَرَجَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ أَشْبَهُ إلَى الصَّوَابِ لِأَنَّ الْمُصَلِّي إذَا صَلَّى عَلَى الدُّكَّانِ وَحَاذَى أَعْضَاءُ الْمَارِّ أَعْضَاءَهُ فَإِنَّ الْمُرُورَ أَسْفَلَ الدُّكَّانِ مَكْرُوهٌ وَهُوَ لَيْسَ بِمَوْضِعِ سُجُودِ الْمُصَلِّي فَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى مَنْ اعْتَبَرَ مَوْضِعَ السُّجُودِ فَمَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ يَمْشِي فِي كُلِّ الصُّوَرِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فِي اخْتِيَارَاتِهِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَوْضِعِ السُّجُودِ الْمَوْضِعُ الْقَرِيبُ مِنْ مَوْضِعِ السُّجُودِ فَيَئُولُ إلَى مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِدَلِيلِ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ بَعْدَ اعْتِبَارِهِ مَوْضِعَ السُّجُودِ شَرَطَ عَدَمَ الْحَائِلِ كَالْأُسْطُوَانَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْحَائِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ صَرَّحَ بِمَسْأَلَةِ الْمُرُورِ أَسْفَلَ الدُّكَّانِ اهـ.
وَهُوَ تَكَلُّفٌ وَاَلَّذِي
ــ
[منحة الخالق]
فَلَا يُفْسِدُ بِخِلَافِ الْحِمَّصَةِ اهـ.
قُلْت كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فِيمَا إذَا مَضَغَهُ كَثِيرًا وَلَا يُنَافِيهِ كَوْنُهُ غَنِيًّا عَنْ الْمَضْغِ وَدَعْوَى عَدَمِ تَأَتِّي الْمَضْغِ فِيهِ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ فَإِنَّ الْمَضْغَ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ لَوْكُ الشَّيْءِ بِالسِّنِّ وَالسِّنُّ يَشْمَلُ الثَّنَايَا فَيُمْكِنُ أَنْ يَلُوكَهُ بِهَا كَثِيرًا (قَوْلُهُ وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ عَلَى مَا قِيلَ اهـ.
قُلْت تَصْرِيحُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ بِأَنَّ ذَلِكَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ يُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ تَضْعِيفًا لَهُ وَكَأَنَّهُ أَتَى بِهِ لِيُشِيرَ إلَى الْخِلَافِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَارٌ لَهُ تَصْحِيحُهُ لَهُ فِي التَّجْنِيسِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا وَالْخِلَافُ الْمُشَارُ إلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ بِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَمِنْهُمْ بِخَمْسَةٍ وَمِنْهُمْ بِأَرْبَعِينَ وَمِنْهُمْ بِمِقْدَارِ صَفَّيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ بِكَوْنِهِ مُخْتَارَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ اخْتَارَهُ فِي كِتَابِهِ التَّجْنِيسِ لَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْعِنَايَةِ إلَخْ) .
أَقُولُ: مِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا التَّوْفِيقَ عِبَارَةُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ وَنَصُّهَا فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ كَمْ مِقْدَارُ مَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَكُونَ مُرُورُهُ مَكْرُوهًا وَالصَّحِيحُ مِقْدَارُ مُنْتَهَى بَصَرِهِ وَهُوَ مَوْضِعُ سُجُودِهِ
وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ مِقْدَارُ مَا بَيْنَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ مَقَامِ الْإِمَامِ وَهَذَا عَيْنُ الْأَوَّلِ وَلَكِنْ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَفِيمَا قَرَأْنَا عَلَى شَيْخِنَا مِنْهَاجَ الْأَئِمَّةِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنْ يَمُرَّ بِحَيْثُ يَقَعُ بَصَرُهُ وَهُوَ يُصَلِّي صَلَاةَ الْخَاشِعِينَ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْضَحُ انْتَهَتْ عِبَارَتُهُ بِحُرُوفِهَا وَهَذَا أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى الْمُدَّعِي مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ تَعْيِينَ مَوْضِعِ السُّجُودِ حَيْثُ جُعِلَ الْفَرْقُ فِي التَّعْبِيرِ فَقَطْ وَأَنَّ الثَّالِثَةَ أَوْضَحُ مِمَّا قَبْلَهَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُرَادِ وَانْظُرْ إلَى الْعِبَارَةِ الثَّالِثَةِ وَإِلَى عِبَارَةِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّك لَا تَكَادُ تَجِدُ بَيْنَهُمَا فَرْقًا
يَظْهَرُ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنَّ الرَّاجِحَ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الدُّكَّانِ إنَّمَا تَرِدُ عَلَيْهِ نَقْضًا لَوْ سَكَتَ عَنْهَا
وَأَمَّا إذَا صَرَّحَ بِهَا فَلَا فَكَأَنَّهُ قَالَ الْعِبْرَةُ بِمَوْضِعِ السُّجُودِ إنْ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي عَلَى دُكَّانٍ فَأَمَّا إذَا كَانَ يُصَلِّي عَلَيْهَا فَالْعِبْرَةُ لِلْمُحَاذَاةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ لِمَنْ تَأَمَّلَهَا وَإِنَّمَا شَرَطَ عَدَمَ الْحَائِلِ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ وُجُودُ الْحَائِلِ فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ كَأَنْ يُصَلِّيَ قَرِيبًا مِنْ جِدَارٍ بِالْإِيمَاءِ لِلْمَرَضِ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْجِدَارُ لَكَانَ مَوْضِعُهُ مَوْضِعَ السُّجُودِ فَلَا مُنَافَاةَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ أَوْ أَنَّ اشْتِرَاطَ عَدَمِ الْحَائِلِ إنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِمَحِلِّ الْخِلَافِ فَإِنَّ الْمُرُورَ وَرَاءَ الْحَائِلِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ اتِّفَاقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِمْ لَا شَرْطٌ فِي الْمُرُورِ فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ وَمِمَّا يُضْعِفُ تَصْحِيحَ النِّهَايَةِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُكْرَهُ الْمُرُورُ فِيهِ مُخْتَلِفٌ يَكُونُ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ مُخَالِفًا لِحَالَةِ الرُّكُوعِ وَفِي حَالَةِ الْجُلُوسِ مُخَالِفًا لِلْكُلِّ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ مَرَّ إنْسَانٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَهُوَ جَالِسٌ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ بَصَرَهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ حَالَةَ كَوْنِهِ خَاشِعًا وَلَوْ مَرَّ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِعَيْنِهِ وَهُوَ قَائِمٌ يُكْرَهُ لِأَنَّ بَصَرَهُ يَقَعُ عَلَيْهِ حَالَةَ خُشُوعِهِ وَأَنَّهُ لَوْ مَرَّ دَاخِلَ مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَهُوَ رَاكِعٌ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ بَصَرَهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ حَالَةَ خُشُوعِهِ وَأَنَّهُ لَوْ مَرَّ عَنْ يَمِينِهِ وَهُوَ يُسَلِّمُ بِحَيْثُ يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَيْهِ خَاشِعًا يُكْرَهُ وَهَذَا كُلُّهُ بَعِيدٌ عَنْ الْمَذْهَبِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَالِاخْتِلَافُ فِي مَوْضِعِ الْمُرُورِ إنَّمَا هُوَ مُنْشَأٌ بَيْنَ الْمَشَايِخِ لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الْكِتَابِ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ
وَحَيْثُ لَمْ يَنُصَّ صَاحِبُ الْمُذْهَبِ عَلَى شَيْءٍ فَالتَّرْجِيحُ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ لِانْضِبَاطِهِ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ الصَّحْرَاءَ وَالْمَسْجِدَ وَفِي الْمَسْجِدِ اخْتِلَافٌ فَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَائِطِ الْقِبْلَةِ وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ مَرَّ عَنْ بُعْدٍ فِي الْمَسْجِدِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَكَذَا صَحَّحَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا كَانَ كَبِيرًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّحْرَاءِ وَفِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْفَصْلِ التَّاسِعِ إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ صَغِيرًا يُكْرَهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ يَمُرُّ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْإِمَامِ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنْ كَانَتْ صَلَاةٌ لَا تَطَوُّعَ بَعْدَهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ انْحَرَفَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ وَإِنْ شَاءَ قَامَ وَذَهَبَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِحِذَائِهِ رَجُلٌ يُصَلِّي وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمُصَلِّي فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ فِي الصَّفِّ الْأَخِيرِ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ وَجْهُهُ مُقَابِلَ وَجْهِ الْإِمَامِ فِي حَالِ قِيَامِهِ يُكْرَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا صُفُوفٌ
وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا جَعَلَ جُلُوسَ الْإِمَامِ فِي مِحْرَابِهِ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ لَهُ بِمَنْزِلَةِ جُلُوسِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمَوْضِعِ سُجُودِهِ وَكَذَا مُرُورُ الْمَارِّ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ يَكُونُ مِنْ الْمَسْجِدِ بِمَنْزِلَةِ مُرُورِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَفِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ كَبِيرًا بِمَنْزِلَةِ الْجَامِعِ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ الصَّغِيرِ فَيُكْرَهُ الْمُرُورُ فِي جَمِيعِ الْأَمَاكِنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّحْرَاءِ اهـ.
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الدُّكَّانِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ إنَّمَا أَوْرَدَ الْمَشَايِخُ مَسْأَلَةَ الدُّكَّانِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ لَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ فَكَانَتْ مَسْأَلَةُ الدُّكَّانِ نَقْضًا لِمَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِخِلَافِ مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يَتَمَشَّى فِي كُلِّ الصُّوَرِ غَيْرَ مَنْقُوضٍ. اهـ. قُلْت وَلَا يَخْفَى عَلَيْك مَا فِيهِ
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عَلَى تَفْسِيرِ الْحَائِلِ بِالْجِدَارِ وَالْأُسْطُوَانَةِ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ سِتَارَةً تَرْتَفِعُ إذَا سَجَدَ وَتَعُودُ إذَا قَامَ كَمَا قَالَ مُلَّا سَعْدِي. اهـ.
قُلْت وَلَا يَخْفَى عَلَيْك مَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ التَّكَلُّفِ وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْعِنَايَةِ أَقَلُّ تَكَلُّفًا مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَمِمَّا يُضْعِفُ تَصْحِيحَ النِّهَايَةِ إلَخْ) .
أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَارِدٍ وَمَا قَرَّرَهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ غَايَةَ الْبُعْدِ أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَهُ عَنْ التُّمُرْتَاشِيِّ سَابِقًا بَيَانًا لِلْأَمَاكِنِ الَّتِي يُكْرَهُ الْمُرُورُ فِيهَا فَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا ذَكَرَهُ قَوْلُهُ وَفِي سُجُودِهِ إلَى أَرْنَبَةِ أَنْفِهِ وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُكْرَهُ الْمُرُورُ فِيهَا فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَكَذَا قَوْلُهُ وَفِي سَلَامِهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ مَعَ أَنَّ الْمَكْرُوهَ بِنَصِّ الْحَدِيثِ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ عَلَى هَذَا الْمَرَامِ وَإِنْ أَوْهَمَهُ ظَاهِرُ الْكَلَامِ بَلْ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا تَقْبَلُهُ الْأَفْهَامُ وَيَسْتَدْعِيهِ الْمَقَامُ وَذَلِكَ بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ بَصَرُهُ لَوْ نَظَرَ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي بَقِيَّةِ عِبَارَتِهِ بَيَانٌ لِصَلَاةِ الْخَاشِعِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ التَّحْدِيدُ بِهِ وَهَذَا مَعْنًى قَرِيبٌ يَقْبَلُهُ الطَّبْعُ السَّلِيمُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ إذَا صَلَّى رَامِيًا بِبَصَرِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ فَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ بَصَرُهُ لَمْ يُكْرَهْ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يَضْعُفُ مَا فِي النِّهَايَةِ مَعَ أَنَّهُ رَجَّحَهُ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى أَنَّك عَلِمْت رُجْحَانَ رُجُوعِ مَا فِي الْهِدَايَةِ إلَى مَا فِي النِّهَايَةِ وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْهِدَايَةِ
(قَوْلُهُ إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ صَغِيرًا) وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ سِتِّينَ ذِرَاعًا وَقِيلَ مِنْ أَرْبَعِينَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْجَوَاهِرِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ مِسْكِينٍ لِلسَّيِّدِ مُحَمَّدٍ أَبِي السُّعُودِ قُلْت وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَيْضًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ الدَّارُ وَالْبَيْتُ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُفَصِّلْ إلَخْ) هَذَا أَيْضًا مِنْ كَلَامِ الذَّخِيرَةِ وَلَكِنْ ذَكَرَهُ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ عِنْدَ ذِكْرِ مَسَائِلِ السُّجُودِ
وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مَا صَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ أَنَّ بِقَاعِ الْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى السَّوَاءِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَسْجِدِ الصَّغِيرِ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّ الْمُؤْثِمَ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَكَوْنُ ذَلِكَ الْبَيْتِ بِرُمَّتِهِ اُعْتُبِرَ بُقْعَةً وَاحِدَةً فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَغْيِيرَ الْأَمْرِ الْحِسِّيِّ مِنْ الْمُرُورِ مِنْ بَعِيدٍ فَيَجْعَلُ الْبَعِيدَ قَرِيبًا اهـ.
فَحَاصِلُ الْمَذْهَبِ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُكْرَهُ الْمُرُورُ فِيهِ هُوَ أَمَامَ الْمُصَلِّي فِي مَسْجِدٍ صَغِيرٍ وَمَوْضِعُ سُجُودِهِ فِي مَسْجِدٍ كَبِيرٍ أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ أَسْفَلَ مِنْ الدُّكَّانِ أَمَامَ الْمُصَلِّي لَوْ كَانَ يُصَلِّي عَلَيْهَا بِشَرْطِ مُحَاذَاةِ أَعْضَاءِ الْمَارِّ أَعْضَاءَهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ إنَّمَا شُرِطَ هَذَا فَإِنَّهُ لَوْ صَلَّى عَلَى الدُّكَّانِ وَالدُّكَّانُ مِثْلُ قَامَةِ الرَّجُلِ وَهُوَ سُتْرَةٌ فَلَا يَأْثَمُ الْمَارُّ وَكَذَا السَّطْحُ وَالسَّرِيرُ وَكُلُّ مُرْتَفِعٍ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ حَدَّهُ بِقَدْرِ السُّتْرَةِ وَهُوَ ذِرَاعٌ وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا كُرِهَ مُرُورُ الرَّاكِبِ وَإِنْ اسْتَتَرَ بِظَهْرِ إنْسَانٍ جَالِسٍ كَانَ سُتْرَةً وَإِنْ كَانَ قَائِمًا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنْ اسْتَتَرَ بِدَابَّةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَقَالُوا حِيلَةُ الرَّاكِبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَمُرَّ يَنْزِلُ فَيَصِيرُ وَرَاءَ الدَّابَّةِ وَيَمُرَّا فَتَصِيرُ الدَّابَّةُ سُتْرَةً وَلَا يَأْثَمُ وَكَذَا لَوْ مَرَّ رَجُلَانِ مُتَحَاذِيَانِ فَإِنَّ كَرَاهَةَ الْمُرُورِ وَإِثْمَهُ يَلْحَقُ الَّذِي يَلِي الْمُصَلِّيَ اهـ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ أَنْ يَتَّخِذَ أَمَامَهُ سُتْرَةً لِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إلَى سُتْرَةٍ وَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ» .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ أَمَرَ بِالْحَرْبَةِ فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُصَلِّي إلَيْهَا وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ» وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي الصَّحْرَاءِ مِنْ غَيْرِ سُتْرَةٍ إذَا خَافَ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لِمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُسْتَحَبُّ لِمَنْ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ إنْ يَنْصِبَ شَيْئًا وَيَسْتَتِرَ فَأَفَادَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ فَحِينَئِذٍ كَانَ الْأَمْرُ لِلنَّدَبِ لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى صَارِفٍ عَنْ الْحَقِيقَةِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ إنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي الصَّحْرَاءِ لِأَنَّهَا الْمَحَلُّ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الْمُرُورُ غَالِبًا وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ كَرَاهَةُ تَرْكِ السُّتْرَةِ فِيمَا يُخَافُ فِيهِ الْمُرُورُ أَيُّ مَوْضِعٍ كَانَ.
الْخَامِسُ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَكُونَ مِقْدَارُهَا ذِرَاعًا فَصَاعِدًا لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ سُتْرَةِ الْمُصَلِّي فَقَالَ بِقَدْرِ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ» وَمُؤَخِّرَةٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْعُودُ الَّذِي فِي آخِرِ الرَّحْلِ مِنْ كَوْرِ الْبَعِيرِ وَفَسَّرَهَا عَطَاءٌ بِأَنَّهَا ذِرَاعٌ فَمَا فَوْقَهُ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد السَّادِسُ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ غِلَظِهَا فَفِي الْهِدَايَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِي غِلَظِ الْإِصْبَعِ لِأَنَّ مَا دُونَهُ لَا يَبْدُو
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ) أَيْ فِي أَنَّهُ يُكْرَهُ الْمُرُورُ فِيمَا يَقَعُ عَلَيْهِ بَصَرُهُ فَإِنَّهُ قَالَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرَجُّحُ مَا اخْتَارَهُ فِي النِّهَايَةِ مِنْ مُخْتَارِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَكَوْنُهُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّ الْمُؤَثِّمَ الْمُرُورُ إلَخْ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ أَيْضًا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَالصَّحْرَاءِ
(قَوْلُهُ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ) أَيْ كَاسْتِقْبَالِ وَجْهِ الْمُصَلِّي عَلَى مَا مَرَّ فِي عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ وَكَعَدِمِ جَعْلِ الْفَاصِلِ بِقَدْرِ الصَّفَّيْنِ مَانِعًا مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ فَإِنَّهُ مَانِعٌ كَمَا فِي الصَّحْرَاءِ (قَوْلُهُ فَيُجْعَلُ الْبَعِيدُ قَرِيبًا) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ تَغْيِيرٌ أَيْ لَا يَسْتَلْزِمُ تَغْيِيرَ الْأَمْرِ الْحِسِّيِّ وَهُوَ الْمُرُورُ مِنْ بَعِيدٍ بِأَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ الْبَعِيدُ قَرِيبًا أَيْ بِأَنْ يُجْعَلَ فِي حُكْمِ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي (قَوْلُهُ أَوْ أَسْفَلَ مِنْ الدُّكَّانِ أَمَامَ الْمُصَلِّي) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُصَوَّرٌ فِي غَيْرِ مَا مَرَّ مِنْ الْمَسْجِدِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ أَوْ الصَّحْرَاءِ بِأَنْ يَكُونَ فِي بَيْتٍ أَوْ نَحْوِهِ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ لِأَنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ الصَّغِيرِ قَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَيْ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَائِطِ الْقِبْلَةِ كَمَا مَرَّ وَفِي الْكَبِيرِ وَالصَّحْرَاءُ مَوْضِعُ السُّجُودِ وَمَا تَحْتَ الدُّكَّانِ لَيْسَ مَوْضِعَ السُّجُودِ كَمَا مَرَّ فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُتَصَوَّرَ فِي الْمَسْجِدِ الصَّغِيرِ أَيْضًا وَأَنَّ حُكْمَهُ كَالْبَيْتِ وَيَكُونُ فَائِدَةُ ذِكْرِهِ وَإِنْ دَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ أَمَامَ الْمُصَلِّي دَفْعَ تَوَهُّمِ أَنَّ الدُّكَّانَ حَائِلٌ هَذَا وَمَا فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ مِنْ تَخْصِيصِ الْإِثْمِ بِالْمُرُورِ إذَا كَانَ الْمُصَلِّي عَلَى الدُّكَّانِ بِرِوَايَةِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ دُونَ رِوَايَةِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ حَيْثُ أَوْرَدَ وَالْمَسْأَلَةَ نَقْضًا عَلَى مَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَقَدْ صَرَّحَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَتَنَبَّهْ
(قَوْلُهُ بِشَرْطِ مُحَاذَاةِ أَعْضَاءِ الْمَارِّ أَعْضَاءَهُ) أَيْ أَعْضَاءَ الْمُصَلِّي كُلَّهَا كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ أَوْ أَكْثَرَهَا كَمَا قَالَ آخَرُونَ كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ حَاذَى أَقَلَّهَا أَوْ نِصْفَهَا لَمْ يُكْرَهْ وَفِي الزَّادِ أَنَّهُ يُكْرَهُ إذَا حَاذَى نِصْفُهُ الْأَسْفَلُ النِّصْفَ الْأَعْلَى مِنْ الْمُصَلِّي كَمَا إذَا كَانَ الْمَارُّ عَلَى فَرَسٍ كَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَفِيهِ أَيْضًا الدُّكَّانُ الْمَوْضِعُ الْمُرْتَفِعُ كَالسَّطْحِ وَالسَّرِيرِ وَهُوَ بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ فِي الْأَصْلِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ كَمَا فِي الصِّحَاحِ أَوْ عَرَبِيٌّ مِنْ دَكَنْت الْمَتَاعَ إذَا نَضَدْت بَعْضَهُ فَوْقَ بَعْضٍ كَمَا فِي الْمَقَابِيسِ. اهـ.
(قَوْلُهُ لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى صَارِفٍ عَنْ الْحَقِيقَةِ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قُلْت الصَّارِفُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «عَنْ الْفَضْلِ وَالْعَبَّاسِ رَأَيْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَادِيَةِ لَنَا يُصَلِّي فِي صَحْرَاءَ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ» وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ عَبَّاسٍ «صَلَّى فِي فَضَاءٍ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ» اهـ.
كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا اهـ
لِلنَّاظِرِ وَكَانَ مُسْتَنَدُهُ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ مَرْفُوعًا «اسْتَتِرُوا فِي صَلَاتِكُمْ وَلَوْ بِسَهْمٍ» وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «يُجْزِئُ مِنْ السَّتْرِ قَدْرُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ وَلَوْ بِدِقَّةِ شَعْرَةٍ» وَلِهَذَا جُعِلَ بَيَانُ الْغِلَظِ فِي الْبَدَائِعِ قَوْلًا ضَعِيفًا وَأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْعَرْضِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ.
السَّابِعُ أَنَّ مِنْ السُّنَّةِ غَرْزُهَا إنْ أَمْكَنَ. الثَّامِنُ أَنَّ فِي اسْتِنَانِ وَضْعِهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ غَرْزِهَا اخْتِلَافًا فَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْإِلْقَاءِ وَعَزَاهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمَقْصُودَ وَقِيلَ يُسَنُّ الْإِلْقَاءُ وَنَقَلَهُ الْقُدُورِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ قِيلَ يَضَعُهُ طُولًا لَا عَرْضًا لِيَكُونَ عَلَى مِثَالِ الْغَرْزِ. التَّاسِعُ أَنَّ السُّنَّةَ الْقُرْبُ مِنْهَا لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد مَرْفُوعًا «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إلَى سُتْرَةٍ وَلْيَدْنُ مِنْهَا» وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ. الْعَاشِرُ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَجْعَلَهَا عَلَى أَحَدِ حَاجِبَيْهِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ «مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي إلَى عُودٍ أَوْ شَجَرَةٍ إلَّا جَعَلَهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ وَلَا يَصْمُدُ إلَيْهِ صَمْدًا» أَيْ لَا يُقَابِلُهُ مُسْتَوِيًا مُسْتَقِيمًا بَلْ كَانَ يَمِيلُ عَنْهُ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ.
الْحَادِيَ عَشَرَ أَنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ تُجْزِئُ عَنْ أَصْحَابِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى سُتْرَتِهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ هَلْ هِيَ بِنَفْسِهَا سُتْرَةٌ لِلْقَوْمِ وَلَهُ أَوْ هِيَ سُتْرَةٌ لَهُ خَاصَّةً وَهُوَ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا الْأَوَّلُ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَسُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِلْقَوْمِ. الثَّانِيَ عَشَرَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْمُرُورِ وَرَاءَ السُّتْرَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الثَّابِتُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ مُرُورِهِ وَرَاءَ السُّتْرَةِ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ. الثَّالِثَ عَشَرَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَتَّخِذُهُ سُتْرَةً فَهَلْ يَنُوبُ الْخَطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ مَنَابَهَا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ الْأُولَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْنُونٍ وَمَشَى عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِهِ إذْ لَا يَظْهَرُ مِنْ بَعِيدٍ وَالثَّانِيَةُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَخُطُّ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا» وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ شَاذٌّ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَصَرَّحَ النَّوَوِيُّ بِضَعْفِهِ وَتُعُقِّبَ بِتَصْحِيحِ أَحْمَدَ وَابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِمَا لَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ إنَّ السُّنَّةَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مَعَ أَنَّهُ يَظْهَرُ فِي الْجُمْلَةِ إذْ الْمَقْصُودُ جَمْعُ الْخَاطِرِ بِرَبْطِ الْخَيَالِ بِهِ كَيْ لَا يَنْتَشِرَ. الرَّابِعَ عَشَرَ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّتِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَخُطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَرْضًا مِثْلَ الْهِلَالِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَخُطُّهُ بَيْنَ يَدَيْهِ طُولًا وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ لِيَصِيرَ شِبْهَ ظِلِّ السُّتْرَةِ. الْخَامِسَ عَشَرَ دَرْءُ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالُوا وَيَدْرَؤُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ سُتْرَةً أَوْ مَرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ وَهُوَ بِالْإِشَارَةِ بِالْيَدِ أَوْ بِالرَّأْسِ أَوْ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالتَّسْبِيحِ وَزَادَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّهُ يَكُونُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ مِنْهَا وَفِي الْهِدَايَةِ وَيُكْرَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّسْبِيحِ وَالْإِشَارَةِ لِأَنَّ بِأَحَدِهِمَا كِفَايَةً قَالُوا هَذَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ أَمَّا النِّسَاءُ فَإِنَّهُنَّ يُصَفِّقْنَ لِلْحَدِيثِ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ تَضْرِبَ بِظُهُورِ أَصَابِعِ الْيُمْنَى عَلَى صَفْحَةِ الْكَفِّ مِنْ الْيُسْرَى وَلِأَنَّ فِي صَوْتِهِنَّ فِتْنَةً فَكُرِهَ لَهُنَّ التَّسْبِيحُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
السَّادِسَ عَشَرَ أَنَّ تَرْكَ الدَّرْءِ أَفْضَلُ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ إنَّ الدَّرْءَ رُخْصَةٌ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَدْرَأَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَكَذَا رَوَاهُ الْمَاتُرِيدِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَمْرُ بِالدَّرْءِ فِي الْحَدِيثِ لِبَيَانِ الرُّخْصَةِ كَالْأَمْرِ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ اهـ.
وَذَكَرَ الشَّارِحُ عَنْ السَّرَخْسِيِّ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمُقَاتَلَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ حِينَ كَانَ الْعَمَلُ فِيهَا مُبَاحًا وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْنَى الْمُقَاتَلَةِ الدَّفْعُ الْعَنِيفُ. السَّابِعَ عَشَرَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَرْكِ السُّتْرَةِ إذَا أَمِنَ الْمُرُورَ وَلَمْ يُوَاجِهْ الطَّرِيقَ لِأَنَّ اتِّخَاذَ السُّتْرَةِ لِلْحِجَابِ عَنْ الْمَارِّ وَلَا حَاجَةَ بِهَا عِنْدَ عَدَمِ الْمَارِّ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَرَكَهُ فِي طَرِيقِ الْحِجَازِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْأَوْلَى
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّ الْجَهْرِيَّةَ الْعِلْمُ حَاصِلٌ بِهَا اهـ
وَفِيهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ دَرْءِ الْمَارِّ مَنْعُهُ عَنْ الْمُرُورِ لَا إعْلَامُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَعَ عِلْمِ الْمَارِّ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ وَالْمُرَادُ رَفْعُ الصَّوْتِ زِيَادَةً عَلَى مَا كَانَ يَجْهَرُ بِهِ وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ الدَّرْءِ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَمَّا السِّرِّيَّةِ فَفِي الْجَهْرِ بِهَا تَرْكُ الْإِسْرَارِ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِهَذَا الْقَصْدِ وَقُلْنَا بِجَوَازِهِ بِالْيَدِ وَغَيْرِهَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ فِي السِّرِّيَّةِ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ فِي التَّنْبِيهِ مِنْ إطْلَاقِ عِبَارَةِ الْوَلْوَالِجِيِّ نَعَمْ لَوْ قِيلَ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ فَقَطْ لِلْوُجُوبِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ عَلَى مَا مَرَّ لَأَمْكَنَ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.
أَيْ لِوُجُوبِ الْجَهْرِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَكَأَنَّهُ حَمَلَ الْجَهْرَ عَلَى أَصْلِهِ فَخَصَّهُ بِالْمُنْفَرِدِ أَيْ إذَا كَانَ يُسِرُّ لِجَوَازِهِ لَهُ دُونَ الْإِمَامِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُرَادَ زِيَادَةُ الرَّفْعِ بِالْجَهْرِ فَيَعُمُّ الْإِمَامَ وَالْمُنْفَرِدَ إذَا كَانَا يَجْهَرَانِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الظَّاهِرَ إبْقَاءُ كَلَامِ الْوَلْوَالِجِيِّ عَلَى إطْلَاقِهِ